الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* النوع الرابع (المشترك)
* النوع الخامس (المترادف)
* النوع السادس (الإستعارة)
* النوع السابع (التشبيه).
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
قال المصنف رحمه الله تعالى: (النَّوْعُ الرَّابِع) من العقد الرابع مما يرجع إلى الألفاظ وذكرنا أن البحث هنا في الألفاظ ليس المراد اللفظ المجرد عن المعنى، لا يتصور هذا وإنما المراد أنه ينظر في اللفظ بالأصالة وفي المعنى بالتَّبَعِ هذا هو المراد ولذلك ذكر الغريب وهو ما جُهِل معناه، لم يعرف معناه، إذًا هو لوحظ فيه المعنى لكن لما كان اللفظ دليلاً على المعنى الذي جُعل اللفظ له فحينئذٍ اعتبر اللفظ دون المعنى وكذلك في الْمُعَرَّب والْمَجَاز، إذًا النوع الرابع:(الْمُشْتَرَك). والْمُشْتَرَك هذا اسم مفعول اشْتَرَكَ يَشْتَرِكُ فهو مُشْتَرِكٌ ومُشْتَرَكٌ، اسم مفعول من اشْتَرَكَ وهو خماسي افْتَعَلَ يَفْتَعِلُ اشْتَرَكَ يَشْتَرِكُ مُشْتَرِكٌ بكسر الراء مُفْتَعِل وهو اسم فاعل ومُفْتَعَل اسم مفعول مُشْتَرَك، والأصل مُشْتَرَكٌ فيه، حُذف قوله فيه وهو جارٌ مجرور كما حذف من قوله المفعول به لماذا؟ كما يحذف أحيانًا يقال المفعول، المفعول ويقال المفعول به، وإذا قيل هذا مفعولٌ حينئذٍ حذفت به لماذا؟ تخفيفًا أو للعلم به أو لكونه جُعِلَ عَلَمًا، وهنا قوله: الْمُشْتَرَك أي الْمُشْتَرَك فيه حُذف فيه وهو جار مجرور نائب فاعل حُذف تخفيفًا لكسرة الاستعمال أو لكونه صار علمًا، وقال بعضهم: لفظ مُشْتَرَكٌ ظرفٌ لا اسم مفعول والأصح أنه اسم مفعول ولكن ما وجه كونه ظرفًا؟ قالوا: لأن اشترك بمعنى تَشَارَكَ فالْمُتَشَارِكَان فيه فاعلان ظاهرًا فلا يُشْتَق منه صيغة باسم مفعول. والصواب الأول أن الْمُشْتَرَك اسم مفعول وليس بظرفٍ.
الْمُشْتَرَك المراد به هنا الْمُشْتَرَك اللفظي لماذا؟
لأنه إذا أُطْلِق الْمُشْتَرَك في هذا المقام انصرف إلى الْمُشْتَرَك اللفظي، هل هناك مُشْتَرَك ليس بلفظي؟
نقول: نعم الْمُشْتَرَك نوعان:
مُشْتَرَك لفظي.
ومُشْتَرَكٌ معنوي.
والْمُشْتَرَك المراد به هنا الْمُشْتَرَك اللفظي فحينئذٍ نقول:
النوع الرابع: (الْمُشْتَرَك) أي اللفظي على حذف الصفة للعلم بها لأن المقام هنا كلامٌ في الألفاظ لذلك قال: (مَا يَرْجِعُ إِلَى الأَلفَاظِ) فالبحث في اللفظ حينئذٍ لا في المعنى.
إذًا المشترك أي اللفظي إذا هو الْمُنْصَرَفُ إليه $ أو الْمُنْصَرِفُ إليه اللفظ عند الإطلاق لا المعنوي حينئذٍ يَرِدُ السؤال ما الفرق بين الاشتراك اللفظي والاشتراك المعنوي؟
فنقول: وهذا ذكرناه موسعًا في شرح ((السلم المنورق في المنطق)) لكن نعيده باختصار.
الْمُشْتَرَك اللفظي: هو ما اتحد في اللفظ وتعدد فيه المعنى والوضع. إذًا ثلاثة أمور: عندنا لفظ، وعندنا وضع، وعندنا معنى.
اللفظ هو: ما يُلْفَظُ به الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية المراد بها هنا الصوت أو اللفظ المفرد كالقرء مثلاً.
والوضع المراد به: جَعْلُ اللفظ دليلاً على المعنى، حينئذٍ يكون المراد بالوضع هنا الوضع الشخصي.
والمعنى: هو يُقْصَدُ من اللفظ المعنى.
إذًا هذه ثلاثة أمور الاشتراك اللفظي أن يكون اللفظ متحدًا في اللفظ كالقرء مثلاً هذا لفظ واحد وتعدد المعنى، فيطلق على الطهر ويطلق على الحيض، وتعدد الوضع بمعنى أن الواضع وضع لفظ القرء للطهر، ثم وضع اللفظ مرة أخرى للحيض، فحينئذٍ تعدد المعنى وهما: الطهر، والحيض. وتعدد الوضع بكون الواضع جعل اللفظ دليلاً على المعنى، فوضعه أولاً للدلالة على الحيض مثلاً، ثم وضعه وضعًا جديدًا ابتداءً للدلالة على الطهر، فحينئذٍ تعدد الوضع مع تعدد المعنى واللفظ هو اللفظ وهو شيء واحد وهو القرء قاف وراء وهمزة، إذًا اتحد اللفظ وتعدد فيه الوضع والمعنى، ومن هنا سُمِّيَ مُشْتَرَكًا لماذا سُمِّيَ مُشْتَرَكًا؟
لاشتراك المعنيين فيه في اللفظ فاشترك معنى الطهر مع معنى الحيض في اللفظ أليس كذلك؟ فاللفظ شيء واحد والمعنى شيئان كاشتراك الزوجتين في الزوج مثال كاشتراك الزوجتين في الزوج الواحد هذا كذلك المعنيان اشتراكا في ماذا؟ في اللفظ الواحد لذلك سُمِّيَ مُشْتَرَكًا فيه فنقول: الْقُرْءُ مُشْتَرَكٌ فيه. ما الذي اشترك فيه؟ اشترك فيه ماذا؟ المعنيان الطهر والحيض، هذا هو الاشتراك اللفظي.
أما المشترك المعنوي فهو ما اتحد فيه الوضع والمعنى واللفظ. اتحد فيه اللفظ والمعنى والوضع، هذه ثلاثة أشياء كلها متحدة، لكنه من حيث معناه الواحد يشمل أفرادًا من حيث معناه الشخصي الواحد يشمل أفرادًا مع كون اللفظ واحدًا وهذا الذي يسمى بالكلي عند المناطقة، فمفهم اشتراك الكلي كأسد أليس كذلك؟ فمفهم اشتراك الكلي كأسد، ما هو الكلي؟ ما أفهم اشتراكًا، لفظٌ أفهم اشتراكًا في معناه كالإنسان هذا لفظ واحد أفهم اشتراكًا أولاً ما هو معنى الإنسان قالوا: حيوان ناطق. إذًا معنى واحد أو متعدد له معنى واحد وهو كونه حيوانًا ناطقًا هذه الحيوانية الناطقية تشمل أفرادًا كزيد، وبكر، وعمرو، وخالد
…
إلى آخره وجود هذا المعنى الذهني الذي يكون في الذهن أو الحيوان الناطق وجوده في الخارج يكون في ضمن أفراده حينئذٍ يقول: زيدٌ حيوان ناطق، وعمرو حيوان ناطق، وبكرٌ حيوان ناطق. أليس كذلك؟ تأتي للفظ إنسان يصح أن تقول: زيدٌ إنسان. لماذا؟ لكونه حيوانًا ناطقًا، وبكرٌ إنسان، وعمرو إنسان قد أَخْبَرْتَ عن ثلاثة بلفظ واحد وهو لفظ إنسان، اللفظ متحد أو لا؟ لفظٌ متحد مثل القرء الطهر هو: القرء، والحيض هو: القرء. أخبرت عن الحيض بأنه قرءٌ وعن الطهر بأنه قرءٌ فاللفظ واحد زيدٌ إنسان، وعمرو إنسان، وبكرٌ إنسان اللفظ واحد والمعنى متحد، زيدٌ إنسان أخبرت عن زيد لكونه إنسانًا لماذا؟ لكونه حيوانًا ناطقًا وأخبرت عن بكر بكونه إنسانًا لماذا؟ لكون حيوانًا ناطقًا، وأخبرت عن عمرو بكونه إنسانًا لكونه حيوانًا ناطقًا، إذًا زيدٌ إنسان والمعنى هو الحيوانية الناطقة وبكرٌ إنسان والمعنى هو الذي أخبرتُ به أولاً حيوانيًّا ناطقيًّا وبكر كذلك، إذًا اتحد اللفظ واتحد المعنى، المعنى شيء واحد سواء أخبرت به عن زيد أو عن بكر أو عن عمرو أو عن خالد أو عن هند
…
إلى آخره المعنى شيء واحد لذلك نقول: معنى الإنسان الحيوان الناطق ولا يتعدد، بخلاف معنى القرء الطهر والحيض وهو متعدد لأن الطهر مغاير للحيض بل هما نقيضان، لكن معنى الإنسان شيء واحد فإذا أخبرت به عن أفراده نقول: هنا الوضع واحد كذلك.
فإذا قلت: الطهر قرء، والحيض قرء. أخبرت عن الأول بكونه قرءًا وعن الثاني بكونه قرءًا اللفظ متحد والوضع متعدد. وأما زيد إنسان، وعمرو إنسان، وخالد إنسان اللفظ واحد والمعنى واحد والوضع واحد وليس متعددًا هذه يُسمَّى ماذا؟ يُسَمَّى اشْتِرَاكًا معنويًّا وهو الذي ذكرناه بتوسع في ((السُّلم)) فليرجع إليه.
فمفهم اشتراكٍ الكلي
…
كأسدٍ وعكسُه الجزئي
إذًا ثَمَّ فرق بين النوعين الْمُشْتَرَك المراد به هنا الْمُشْتَرَك اللفظي.
اختلف أئمة اللغة وأئمة الدين في وقوع الْمُشْتَرَك في اللغة لأنه يلزم إذا وقع في اللغة حينئذٍ أن يكون موجودًا في القرآن، هذا دليل مطرد إذا وقع وقوعًا شائعًا ذائعًا في لغة العرب وقد نزل القرآن بلسان عربي مبين فحينئذٍ يلزم من ذلك أن يكون في القرآن ما هو مُشْتَرَكٌ.
اختُلف في وقوع الْمُشْتَرَك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: جوازه ووقوعه مطلقًا. جوازه عقلاً حينئذٍ يجوز أن يضع الواضع لفظًا واحدًا لمعنيين فأكثر، الجواز المراد به الجواز العقلي لماذا؟
لأن بعضهم يرى أنه يمتنع عقلاً أن يضع الواضع نصًا لمعنيين فأكثر، وبعضهم يرى أنه يجب أن يضع الواضع لفظًا لمعنيين فأكثر لأن المعاني أكثر من الألفاظ قالوا: المعاني أكثر من الألفاظ. فيلزم حينئذٍ أن يضع اللفظ الواحد لمعنيين فأكثر ليستوعب المعاني.
وهنا نقول: القول الأول الجواز. إذًا لا الوجوب، الجواز لا الوجوب لأن العقل لا يوجب مثل هذه الأشياء، ولذلك نذكر دائمًا أن اللغة نقلية لا مدخل للعقل فيها إلا من جهة الاستنباط، أما من كونه يضع لزومًا يجب عليه أن يضع نقول: لا، هذا ليس بلازم وخاصة إذا رجحنا أن الواضع هو الرب جل وعلا كما هو المشهور وهو الصحيح.
واللغة الرب لها قد وضعا
توقيف اللغات عند الأكثر
أكثر أهل العلم بأن اللغات كلها عربية وغيرها كلها توقيفية يعني: من وضعها هو الرب جل وعلا {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء} [البقرة: 31]، ووقوعه يعني: ملفوظ به وقع في لغة العرب نُطق به وُجد في الدواوين ووُجد في النثر بل في القرآن مطلقًا يعني: في الوحي وفي غيره هذا هو القول الأول، جوازه عقلاً، ووقوعه مطلقًا يعني: في الوحي وفي غيره سواء كان في القرآن وفي غيره، وهو رأي جمهور أهل العلم - هذا رأي الأكثر -، (في رأي الأكثر وقوع المشترك) كذا قال في مراقي السعود، وقوع ذو الاشتراك واقعٌ في الأكثر، إذًا وهو رأي الأكثر وهو الحق ودليله مشاهدة الوقوع نحو قوله:{ثَلَاثَةَ قُرُوَءٍ} ، {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوَءٍ} [البقرة: 228]. ونعلم من لسان العرب أن القرء وضع للطهر ووضع للحيض ولا يمكن أن يكون المراد هو مجموع المعنيان في هذه الآية بل لا بد من واحد منهما، إذًا هذا هو القول الأول وهو الصواب وهو الحق وقوع المشترك في اللغة وفي القرآن أيضًا ولا مانع من ذلك.
القول الثاني: مَنْعُهُ مطلقًا. وهذا مَنَعَهُ ثعلب والأبهري والبلخي، مَنْعُهُ يعني: لا يجوز أن يكون في اللغة ما هو مُشْتَرَك يعني بين معنيين فأكثر لماذا؟
يعني مطلقًا أرادوا به في الوحي وفي غيره لأنه يقابل القول الأول.
القول الأول: الجواز والوقوع مطلقًا.
القول الثاني: المنع مطلقًا في الوحي وفي غيره.
وذكرنا أن القول الراجح هو الأول وهو مذهب جمهور أهل العلم، والقول الثاني هو مذهب ثعلب والأبهري والبلخي مطلقًا، وحجتهم أن الاشتراك يُخِلُّ بفهم المراد من اللفظ، قالوا: الاشتراك إذا وضع اللفظ للدلالة على معنيين فأكثر يُخِلُّ بفهم المراد لو قال قائل: عندي عين. وعين هذا لفظ مشترك بين الباصرة، والجارية، والذهب
…
إلى آخره، حينئذٍ إذا قلت: أريد أن أحبر غيري عندي عين فماذا سَيَفْهَم؟ هو يعلم أن عندي عين ويراني كيف يحمل على الباصرة فصار من تحصيل الحاصل، فيحتمل يحتمل أن يكون المراد به الباصرة ويحتمل أن يكون المراد به الجارية أو الذهب أو غير ذلك، ثلاثون معنى بلفظ العين إذًا منعوه لماذا؟ لكونه يُخِلُّ بفهم المراد من اللفظ لاحتمال أن يكون لكل من مَعْنَيَيْ المشترك، وأجيب عن هذا الاعتراض بأنه يتعين أحد معنييه بالقرينة ليس فيه ماذا؟ ليس فيه إخلال بالفهم، بل لو قال: عندي عين واسعتين. حينئذٍ يحمل على العين الباصرة، إذًا بالقرينة تعين أحد المعنيين أو المعاني، إذا لم يكن قرينة ليس كل مشترك قد وجدت معه قرينة إذا لم يكن قرينة حينئذٍ ثم مسألة أخرى وهي: هل يجوز حمل المشترك على معنييه أو معانيه مطلقًا في لفظ واحد في وقت واحد من متكلم واحد، هذه محل خلاف والأصح الجواز. وحكى شيخ الإسلام ابن تيمية أن مذهب أئمة الأربعة على هذا وهو رأي الشافعي كما هو في ((الرسالة))، فإذا قال: عندي عين. حُمِلَ العين على كل المراد من لفظ العين الباصرة والجارية إلى آخره هذا هو الأصل فيه، فحينئذٍ إذا قيل بأن اللفظ المشترك يُخِلُّ بفهم المراد نقول: لا، يُمْنَع هذا لأنه إمَّا أن يكون بقرينة قُيِّدَ بقرينة أو لا؟ فإن قيد بقرينة فقد تعين فحينئذٍ لا يُخِلُ بفهم المراد، وإن لم يقيد بقرينة فحينئذٍ نقول: الأصح والصواب أنه يُحْمَلُ اللفظ على معنييه فأكثر. لكن هذا بخير إذا لم يكن تنافي بين المعنيين أو المعاني، فلو قيل: أقرأت المرأة. أقرأت اشتراك قد يقع في الفعل وقد يقع في الاسم وقد يقع في الحرف إذا قيل: أقرأت المرأة نحملها على أي المعنيين؟ هنا مشترك الفعل هنا لا بد من قرينة تُعَيِّنُ أن المراد به ماذا؟ إما الطهر، وإما الحيض لماذا؟ لأنه يمتنع حمل اللفظ على معنييه لماذا؟ لأنه لا يمكن أن تكون حائض وطاهر في وقت واحد لا يمكن أن تكون حائضًا طاهرًا في وقت واحدًا حينئذٍ إذا قيل بأن المشترك اللفظ المشترك القول به يؤدي إلى إخلال فهم اللفظ أو المعنى المراد من الكلام نقول: الجواب عن هذه الشبهة بأن المشترك إما أن يُقَيَّدَ بأن تكون معه قرينة تعين المراد أو لا، فإن قُيِّدَ بقرينة فحينئذٍ نقول: قد تعين المراد بوجود هذه القرينة وإن لم توجد فحينئذٍ إما أنه يمكن حمل اللفظ على معنييه أو معانيه بشرط عدم التنافي، وهذا هو الأصح أن يُحْمَل عليه وإما أنه إذا كان تنافي بين المعاني فلا بد من قرينة ولا يصح إطلاقه أصلاً هذا القول الثاني.
القول الثالث: منعه في الوحي دون غيره. يعني: مثل المجاز على قول بعضهم يوجد في اللغة ولا يوجد في الوحي، ما حجتهم؟ - هذا منسوب إلى الرازي - وحجتهم أنهم لو وقع في الوحي لوقع إما مبينًا أو لا، لو وقع المشترك في الوحي في القرآن في السنة إما أن يقع مُبَيَّنًا بقرينة يعني تُعَيِّنُ المراد أو لا، فإما أن يقع مُبَيَّنًا فيقول بلا فائدة، فحينئذٍ يكون اللفظان اللذان ذُكِرَا المشترك والقرينة هذا فيه تطويل بلا فائدة، وهذا ضعيف، أو غير مبين فلا يُفيد لعدم فهم المراد منه، والوحي منزهٌ عن ذلك.
وأُجِيب عن هذين الاعتراضين: بأنه لو وقع أما أن يقع مُبَيَّنًا في القرآن يعني: بقرينة وحينئذٍ صار طولاً بلا فائدة، وإما أنه لا يقع مُبَيَّنًا حينئذٍ يُخْلُّ بالفهم والوحي منزهٌ عن ذلك.
أجيب بأننا لا نسلم لزوم الطول فقولك: شربت من العين. هل فيه طول، شربت من العين ما المراد من العين هنا؟ الجارية، ما الدليل شربتُ من العين، إذًا العين هنا لفظٌ مشترك يطلق على الجارية والباصرة إلى آخرة ووجدت قرينة دلت على أحد هذه المعاني، هل حصل طولٌ بهذه القرينة؟ لم يحصل طول. إذًا لا نسلم بأنه إذا قُيِّدَ اللفظ المشترك بقرينةٍ صار طولاً في اللفظ، والمقصود حينئذٍ يكون بالجارية.
الثاني: نقول: لو سلمنا من باب التنزل والجدل أنه يطول فلا نسلم كون الطول بلا فائدة، لأن التفصيل بعد الإجمال هذا من مقاصد اللغة العربية. التفصيل بعد الإجمال يُجْمَلُ الشيء أولاً ثم يُفَصّل، يُجْمَلُ أولاً فتتشوق إليه النفس ثم بعد ذلك يُفَصّل له فيقع البيان موقعه بمحله حيث كانت النفس متعطشة إلى تلك المعاني فيكون أبلغ حينئذٍ أوقع في النفس التفصيل بعد الإجمال أوقع في النفس هذا لا إشكال فيه.
إذًا هذه ثلاثة أقول في وجود المشترك في اللغة وفي غيره.
القول الأول: الجواز والوقوع مطلقًا. وهو الصواب والحق.
الثاني: المنع مطلقًا في الوحي وفي غيره.
الثالث: التفصيل بين الوحي فيُمنع وغيره فيجوز وقلنا الصواب الأول.
النوع الرابع: المشترك
لم يعرفه الناظم هنا رحمه الله وإنما أورد أمثلة - أظنها - ثمانية أورد ثمانية من الألفاظ ممن حكم عليه بأنه مشترك وهنا كأنه أراد بالمثال أن يُعَرِّف قال:
…
(قُرْءٌ) كالمشترك قُرْءٌ. حينئذٍ تعرف أن (القرء) هذا لفظٌ دل على معنيين متنافيين حينئذٍ يحمل اللفظ عليهما إن لم يكن بينها تنافٍ ولكن لما وجد تنافٍ بين الحيض والطهر حينئذٍ لا يحمل عليهما.
إطلاقه في معنييه مثلا
…
مجازًا وضدًا أجاز النبلا
هذا هو الصواب (قُرْءٌ) بضم القاف وتفتح أيضًا قَرءٌ وقُرءٌ ويجمع على قُرُوء جمع كثرة وعلى أَقْرَاء أَفْعَال جمع قِلة، ويطلق للحيض والطهر، (وَوَيْلٌ) هذه كلمة عذاب ولوادٍ في جهنم يعني يطلق الويل على كلمة عذاب يراد بها كلمة عذاب ويطلق على وادٍ في جهنم كما رواه الترمذي عن أبي سعيدٍ الخدري، (نِدُّ) بكسر النون وتشديد الدال وهذا يطلق الند للمثل والضد، (والْمَوْلَى) أيضًا من الألفاظ المشتركة يطلق على السيد والعبد له معنيان هو مولاه هذا السيد {إِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ} [مريم: 5]. هذا عبيد، (جَرَى)(قُرْءٌ وَوَيْلٌ نِدُّ) بدون تنوين (والمَوْلَى جَرَى) في المذكورات إطلاق اسم المشترك (تَوَّابٌ) يعني يطلق اللفظ (تَوَّابٌ) على معنيين، وهما التائب ولقابل التوبة، التائب يقال فيه (تَوَّابٌ) وقابل التوبة يقال فيه (تَوَّابٌ)،
…
(الْغَيُّ)، (جَرَى)(تَوَّابٌ) يعني و (تَوَّابٌ) بإسقاط الواو و (الْغَيُّ) بإسقاط الواو أيضًا، غَيّ بفتح الغين وتشديد الياء اسمٌ لوادٍ في جهنم
…
{فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]. كما فسره بعضهم كابن مسعود ولضد الرشد الغي ضد الرشد (مُضَارِعٌ) يعني وفعل مضارع من حيث دلالته على الزمن لأن الزمن باعتبار الفعل لازمٌ له فإما أن يكون ماضي أو حالاً أو استقبالاً أليس كذلك.
وأعلم علم اليوم والأمس قبله
…
ولكنني عن علم ما في غد أعجز
فقسم لك الأزمنة ثلاثة: إما ماضٍ، وإما حاضر، وإما مستقبل.
المضارع الماضي واضح أنه للماضي، والمضارع هذا فيه خلاف والمشهور عند الجمهور أنه للحال والاستقبال حينئذٍ يكون مشتركًا بين معنيين فإذا قلت: زيدٌ يصلي، يصلي هذا فعل مضارع فيحتمل حينئذٍ دلالته عن الحال جائز أنه يصلي الآن قائم يركع ويسجد ويحتمل أن زيدٌ يصلي، يصلي في المستقبل سيصلي يعني، هذا هو المشهور عند النحاة والجمهور على هذا، والصحيح أنه حقيقةٌ في الحال مجاز في الاستقبال، هذا هو الأصح، والسيوطي رجح في
…
((همع الهوامع)) مذهب الجمهور، لكن الصواب أنه حقيقةٌ في الحال، مجاز في الاستقبال، بدليل ماذا؟ بدليل أنه إذا اقترن به لفظٌ كالسين وسوف حينئذٍ ينصرف إلى الاستقبال، وما تَعَيَّنَ بقرينته وهو الاستقبال هنا هذا هو حقيقة المجاز، فحينئذٍ نقول زيدٌ يصلي الأصح أنه يحمل على أنه يصلى الآن يركع ويسجد، أما إذا أردت أنه سيصلي فهذا معنى المجاز فحينئذٍ لا بد من الإتيان بالسين أو بسوف تقول: زيدٌ يصلي. زيدٌ سوف يصلي. أما حمل اللفظ على معنييه هذا ليس بصحيح، ثم هذا ينافي تقسيمهم هم يقولون: قسمنا الأفعال لماذا ثلاثة؟ باعتبار الزمن لأن الحدث إما أن يقع في زمنٍ قد مضى عن زمن الإخبار، وإما في وقته، وإما في مستقبل. قالوا: الماضي هو للماضي، والمستقبل هو الأمر، حينئذٍ يتعين أن يكون المضارع للحال. حينئذٍ يناقش لأن الأزمنة ثلاثة، فإذا جُعل المضارع إذا جُعل الفعل المضارع حقيقة في الاستقبال حينئذٍ كيف يكون الأمر مستقلاً بذاته من حيث الزمن، هذا ممكن يتمشى على مذهب الكوفيين القائلين بأن القسمة ثنائية وبأن فعل الأمر جزءٌ ومقتطع من فعل مضارع، (مُضَارِعٌ) يعني: ومضارع يستعمل للحال والاستقبال، والصواب لأنه ليس مشتركٌ فيهما بل يتعين فيه الحال ويكون في المستقبل للاستقبال، (وَرَا) يعني: وورا ولفظة ورا بالقصر وراء بالمد لغة في وراء فإنه للخلف والأمام، ولذلك قرأ ابن عباس {وَكَانَ وَرَاءهُم} [الكهف: 79] وكان أمامهم {وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ} وكان أمامهم المعنى واحد، فوراء يأتي بمعنى الأمام يأتي بمعنى الأمام، هذا ما يتعلق بالمشترك ووقوع بعض هذه الألفاظ الذي ذكرها الناظم في القرآن يدل على ماذا؟ لأن (قُرْءٌ وَوَيْلٌ نِدُّ والمَوْلَى) واقعة في القرآن فيدل على ماذا؟ لو حكمنا عليها بأنها مشتركٌ لفظي يدل على وجود المشترك في القرآن، ولا مانع من ذلك وجود، المشترك في القرآن وكل ما ذكره هنا المصنف (قُرْءٌ وَوَيْلٌ نِدُّ والمَوْلَى)(تَوَّابٌ الْغَيُّ مُضَارِعٌ وَرَا) هذه كلها أسماء، ومضارعٌ؟ و (مُضَارِعٌ) يعني: زمن المضارع فحينئذٍ المحكوم عليه هنا بكونه مشتركًا هو الفعل المضارع لذلك يقدر (مُضَارِعٌ) يعني: فعلٌ مضارعٌ، مضارعٌ لأنه صفة لموصوف محذوف يكون التقدير
…
(تَوَّابٌ) و (الْغَيُّ) وفعلٌ مضارع فيكون قد ذكر لك الاشتراك كونه واقعًا في الأسماء وكذلك في الأفعال ومنه الفعل المضارع ومثل عسعس يأتي بمعنى أقبل وأدبر، إذًا اختلف أهل العلم {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} هل هو الإدبار أم الإقبال؟ وهو يستعمل في اللغة لهذا وذاك، فصار مشتركًا. وكذلك الحروف كالباء مثلاً تكون للتبعيض وللسببية وللظرفية ..
إلى آخره، لفظ واحد والمعاني متعددة فوضع لكلٍ معنى من هذه المعاني باء خاصة بها بالدلالة عليها.
إذًا يقع الاشتراك في الأسماء، ويقع الاشتراك في الأفعال، ويقع الاشتراك في الحروف. جمع لك المصنف نوعين فقط الاشتراك الأسماء وفي الفعل، لأنه ذكر لك المضارع، المضارع ليس المراد بالاسم المضارع لفظ المضارع لأن مضارع معنى مشابه فكيف يتضمن الزمن أليست المضارعة مأخوذة من المشابهة كأنهما ارتضعا من ضلعٍ واحد هكذا قيل، فحينئذٍ نقول فعلٌ مضارعٌ نعتٌ أو صفةٌ لموصوفٍ محذوف. إذًا اكتفى الناظم عن تعريفه بذكر بعض أمثلته، ومن هذه الأمثلة مذكورٌ في القرآن فعُلِمَ واقعه في القرآن.
(النوع الخامس) من العقد الرابع مما يرجع إلى الألفاظ (المترادف) هذا مأخوذٌ من الترادف، وهو في اللغة التتابع، المترادف في اللغة التتابع، سُمِيَ بذلك يعني اللفظان لترادف اللفظين بتواردهما على معنًى واحد، توارد اللفظان على معنًى واحد مأخوذٌ من الرديف، كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حماره. هذا مأخوذٌ من هذا رديف، مأخوذٌ من الرديف وهو ركوب اثنين معًا على دابةٍ واحدة، والمترادفان يركبان معنًى واحدًا، فالإنسان والبشر مسماه شيءٌ واحد أليس كذلك؟ تقول: هذا بشر هذا إنسان، فاللفظان ركبا الذات الواحدة، حينئذٍ وُجِدَ الرديف أو لا؟
وُجِدَ معنى الرديف.
(النوع الخامس: المترادف) عرفنا معناه في اللغة، مُتَرَادِف مُتَفَاعِل، تَرَادَفَ يَتَرَادَفُ فهو مُتَرَادِف. حقيقته عندهم اتحاد المعنى وتعدد اللفظ، أن يكون المعنى واحدًا ويتعدد اللفظ، إذًا عكس المشارك، المشترك يتحد اللفظ ويتعدد المعنى والوضع، وهنا يتحد المعنى ويتعدد اللفظ ويلزم منه تعدد الوضع ولا نحتاج إلى تنصيص، لا نحتاج إلى التنصيص، فإنسان وبشر لفظان مترادفان اتحد فيهما المعنى لأنه سَمَّى الإنسان حيوانٌ ناطق ومسمى البشر حيوانٌ ناطق إذًا المعنى واحد فزيدٌ إنسانٌ وزيدٌ بشر وعمروٌ إنسانٌ وعمروٌ بشرٌ إذًا اتحد المعنى وتعدد اللفظ لأن إنسان ليس هو البشر، الإنسان مع الإنسان نقول: هذا متحد في اللفظ، وأما الإنسان مع البشر والليث مع الأسد والقسورة نقول: هذا متعدد في اللفظ.
إذًا المترادف هو ما اتحد فيه المعنى وتعدد اللفظ. ذكر ابن القيم رحمه الله في ((روضة المحبين)) وبأن ما نقله أبو الفتوح عنه وغيرهم بأن المترادف نوعان - وهذه فائدة نفيسة مهمة في هذا الباب - بأن المترادف نوعان:
النوع الأول: أن تدل يعني الأسماء المترادفة أن تدل الأسماء المترادفة على المسمى باعتبار الذات فقط. فهذا هو المترادف تَرَادُفًا محضًا. فابن القيم يثبت الترادف في اللغة، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فهذا المترادف ترادفًا محضًا مثلوا له بالحنطة والبُرِّ والقمح هذه ألفاظ مسماها شيءٌ واحدٌ، فمسمى الحنطة هو مسمى القمح هو مسمى البُرُّ، هل تضمن لفظ البُرِّ معنى زائدًا على معنى الحنطة؟
الجواب: لا. فحينئذٍ دلت الأسماء على مسمى واحد باعتبار الذات فقط ولا دلالة لها على صفةٍ من الصفات، هذا هو النوع الأول. وعبر عنه بأنه الْمُترادف تَرَادُفًا محضًا.
النوع الثاني: أن تدل - يعني الأسماء على مسمياتها - أن تدل على ذاتٍ واحدةٍ كالأول لكن زاد هذا النوع على الأول باعتبار تباين صفاتها. إذًا زاد عن الأول بماذا؟ اشترك مع الأول بالدلالة على الذات، لكن الأول دل على الذات دون أن يتضمن اللفظ صفةً، والثاني: دل على الذات أيضًا كالأول إلا أنه زاد مع دلالته على الذات دلالة على صفةٍ فيه، فحينئذٍ النظر إلى هذه الألفاظ باعتبار دلالتها على الذات فهي شيءٌ واحد مترادفة، وباعتبار ما تضمنته من الصفات فهي متباينة، فيقع التباين في الصفات ويقع الإتحاد والترادف في الذات، ولذلك قيل الخلاف في مسألة وجود الترادف أو نفيه في اللغة خلافٌ لفظي، لأن من أثبت الترادف أثبت باعتبار دلالته على الذات ومن نفاه باعتبار كون اللفظ متضمنًا للصفات، لكن يُرَدُّ بما ذكره من النوع الأول ابن القيم رحمه الله تعالى، مثل ابن القيم للثاني بأسماء الرب جل وعلا وأعلامه، فأسماء الرب، يَرِدُ سؤال عند البعض هل هي مترادفة أم متباينة؟ فقيل مترادفة وقيل متباينة والصواب أنها فيها التفصيل باعتبار دلالتها على الذات فهي مترادفة، فمدلول الرحمن على ذاته هو مدلول الرحيم، السميع، العليم الذات واحد الحمد لله، وأما باعتبار دلالتها على الصفات فهي متباينة.
الرحمن: دل على ذاتٍ وصفةٍ هي: الرحمة.
الرحيم: دل على ذاتٍ صفةٍ هي: الرحمة.
العليم: دل على ذاتٍ هي التي دل عليها لفظ الرحمن، لكن دل على صفةٍ مغايرة لصفات الرحمة، إذًا باعتبار الذات هي مجرد مرادفة وباعتبار الصفات هي متباينة، وهذا كلام جميل. وبذلك يُرَدُّ على النحاة في قولهم: الرحمن الرحيم، الرحمن كيف وقع نعتًا للفظ الجلالة، والأعلام باتفاق لا يُنْعَتُ بها، فأنكر بعضهم قول الرحمن علم قال: لا ليس بعلم هو كالعلم ليس بعلم لأنه جاء تابعًا كما في البسملة وجاء متبوعًا يعني لم يتبع غيره {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرحمن: 1،2]. جاء ابتداء {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]. إذًا عومل في هاتين الآيتين معاملة الأعلام، والأعلام لا يُنْعَتُ بها، فجاء في البسملة مثلاً أو في غيره: بسم الله الرحمن ماذا نعربه؟ نقول: صفة، طيب والأعلام لا يُنْعَتُ بها باتفاق فكيف نقول هو علم؟ نقول: هو علم ولا شك فيه لدلالته على الذات وهو صفةٌ لتضمنه لصفة الرحمة، وفي الرحمن الرحيم بسم الله الرحمن، هنا نُعِتَ به من حيث دلالته على الصفة لم يراعَ فيه أصالة الذات وإنما من حيث دلالته على الصفة صح وقوعه نعتًا تابعًا لغيره ولا إشكال.
إذًا هذا قسمان للمترادف. الترادف يقع في الأسماء كالأسد والليث، ويقع في الأفعال قعد وجلس ومضى وذهب، ويقع في الحروف كإلى وحتى فإنهما يفيدان الغاية، حينئذٍ وقع الترادف في كل أقسام الكلمة كما أن المشترك وقع في كل أقسام الكلمة.
اختلف أهل العلم في وجود المترادف في اللغة على ثلاثة أقوال كما اختلفوا في المشترك.
القول الأول: أنه واقعٌ في اللغة ويلزم منه على الأصل أنه واقعٌ في القرآن، فإذا وجد ولو لفظٌ واحدٌ في القرآن مترادفان حكمنا عليهما بأنهما مترادفان لا إشكال في ذلك لماذا؟
لكونه واقعًا في اللغة، لكن مع وقوعه في اللغة حينئذٍ لا بد وأن نسلم بأنه على خلاف الأصل، الترادف على خلاف الأصل لماذا؟
لأن الأصل في دلالة الأسماء على مسمياتها التباين، هذا هو الأصل وضع كل اسمٍ لمسمًى خاص ينفك به عن غيره، فحينئذٍ إذا وضع لفظان أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو عشرة لمسمى واحد نقول: هذا على خلاف الأصل.
إذًا أنه واقعٌ في اللغة ومع ذلك فهو خلافٌ الأصل وهو التباين، الأصل هو التباين ولكن مع قولهم بأنه واقعٌ في اللغة حكموا عليه بأنه قليل وهو الحق ولغة العرب فاطحةٌ به.
ومن فوائده - من فوائد الرديفين - هذا على قول من رَجَّحَ بأنه كائن في اللغة حكم بكون اللغة فاطحةً بهذه الألفاظ. من فوائده لو قيل ما الفائدة من وضع الإنسان والبشر لمسمى واحد أو الأسد والليث لمسمى واحد أو المهند والسيف لمسمًى واحد ما الفائدة؟
قالوا: من فوائده أن أحد الرديفين يصلح لما لا يصلح له الآخر في السجع والشعر والغناء، قد يأتي اللفظ يريد معنى السيف فلا يصلح كلمة سيف وتكون القافية منتهية مختومة بالدال فيأتي بالمهند مثلاً، حينئذٍ نقول: صلح المهند لما لا يصلح له لفظ السيف ومعلومٌ أن كلام العرب قسمان: شعرٌ، ونثر.
والشعر عندهم مقصودٌ كما أن النثر مقصودٌ، إذًا من فوائده أن أحد الرديفين يصلح لما لا يصلح له الآخر في السجع والشعر والغناء.
وقد يكون أحدهما أسهل على الألثغ الذي لا ينطق ببعض الحروف، فالذي لا يقدر على النطق على الراء مثلاً لا يقل: بُرّ. يقول: قمح، أما بُرِّ هذه يخرجها من القاموس لأنه لا ينطق بالراء حينئذٍ له فائدة أو لا؟ له فائدة.
القول الثاني: أنه غير واقعٌ في اللغة. وهو قول ثعلب وابن فارس والزجاج وأبي هلال العسكري، وقالوا: لأن وضع اللفظ أو وضع اللفظين لمعنى واحدٌ عيٌ يعني ماذا؟ عجز لأن الأصل أن يضع كل لفظٍ أو كل معنًى أن يضع له لفظًا مستقلاً هذا هو الأصل ولذلك نقول الأصل في اللغة التباين والترادف هذا فرعٌ وكل ما يُظن مترادفًا فمباينٌ بالصفة، وهل أرباب القول الأول ينكرون هذه الفائدة؟ الجواب: لا. ولذلك ذكر أن الخلاف لفظيٌّ لأن من أنكر الترادف نظر إلى دلالة كل لفظٍ على صفةٍ لا يتضمنها اللفظ الآخر. فقالوا: الإنسان، وبشر هذا يدل على شيءٍ واحد ولا شك لكن الإنسان لوحظ فيه معنى وهو النسيان أو من الإنس والبشر هذا لوحظ فيه معنى وهو ظهور البشرة فحينئذٍ ظهور البشرة هذا صفةٌ دل عليها لفظ بشر والنسيان صفةٌ دل عليها لفظ إنسان، فحينئذٍ حصل التباين، فكل ما ظُنَّ أنه مترادف فهو متباين بالصفة، لكن نقول المسمى الذات الجوهر شيءٌ واحد أو لا؟
شيءٌ واحد ولا شك فيه.
الثالث: التفصيل. فهو واقع في اللغة لا في الأسماء الشرعية يعني في الشرع لا، وهذا منقول عن الرازي، وأنكر الإمام في الشرعية فيمتنع فيها يعني: في الشرعيات لماذا؟ قالوا: لأنه ثبت على خلاف الأصل ثبت الترادف والقول به على خلاف الأصل للحاجة إليه كما سبق في نحو النظم والسجع وهذا موجود في القرآن؟
الجواب: لا. وذلك منتفٍ في كلام الشرع فحينئذٍ ينتفي في الشرعيات وعُزِيَ هذا القول للرازي، والصواب الجواز والوقوع مطلقًا كالليث والأسد، هذا في اللغة والفرض والواجب، والسنة والتطوع، هذا في الشرعيات في الأحكام، ومثاله في القرآن:{وَيَحْسَبُونَ} و {يَظُنُّونَ} يَحْسَبُونَ بمعنى يَظُنُّونَ هذا ترادف ولذلك قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: فإن الترادف في اللغة قليل. إذًا يثبت الترادف. فإن الترادف في اللغة قليل، وأما في ألفاظ القرآن فإما نادرٌ وإما معدوم. فإما نادرٌ قليل إن أثبت وإما معدوم وقل أن يُعَبَّرَ عن لفظ واحد بلفظ واحد يُؤدي جميع معناه هذا لا إشكال فيه، لو عبر عن الشخص بإنسان ثم أزيح لفظ إنسان وعبر عنه ببشر لا يمكن أن يكون المعنى الذي أودي بإنسان يقوم مقامه لفظ بشر، هذا لا شك فيه، ولذلك قال: وقل أن يُعَبَّرَ عن لفظ واحد بلفظ واحد يؤدي جميع معناه بل يكون فيه تقريب لمعناه. وهذا من أسباب إعجاز القرآن، ولذلك إذا قيل في التفسير:{لَا رَيْبَ} لا شك، هذا ليس تفسير بأن اللفظ مساوي له من كل وجه هذا من باب التقريب فقط وإلا لو قيل في القرآن كله من أوله إلى آخره {لَا رَيْبَ} لا شك الكتاب أي: المكتوب الجامع لو فسر بهذا وقيل: هو مساوي له من كل وجه. لا لما عجز العرب عن الإتيان بمثل القرآن لأن القرآن من أوله إلى آخره وخاصة على طريقة تفسير الجلالين يذكر اللفظة بإزاء لفظ القرآن فلو كان مساويًا له من كل وجه نفس المعنى الذي دل عليه اللفظ الذي زيد في التفسير على اللفظة التي فسر في القرآن وكان مساويًا له من كل وجه لما عجز العرب أن يأتوا بمثل القرآن.
النوع الخامس: المترادف
أيضًا أشار الناظم إلى بعض الأمثلة ولم يعرفه كما سبق في المشترك وهم قد يُعَرِّفُون أو يَدُلُّون على الشيء بالمثال كما قال ابن مالك:
مبتدأٌ زيدٌ وَعَاذِرٌ خَبَرْ
…
إِنْ قُلْتَ زَيْدٌ عَاذِرٌ مَنِ اعْتَذَرْ
هذا يدل على ماذا؟ أنه عرَّف المبتدأ والخبر بالمثال، وهذا يسمى رسم عندهم رسم لكنه ناقص.
مُعَرِّفٌ عَلَى ثَلَاثَةٍ قُسِمْ
…
حَدٌّ وَرَسْمِيٌّ وَلَفْظِيٌّ عُلِمْ
حينئذٍ عرف المشترك بقوله: (قُرْءٌ وَوَيْلٌ)
…
إلى آخره، وعرف المترادف بقوله:(مِنْ ذَاكَ مَا قَدْ جَاءَ كالإِنْسَانِ).
(مِنْ ذَاكَ مَا) من ذاك المشار إليه هنا المضاف إليه ليس المضاف.
(النوع الخامس: المترادف) المترادف هذا خبر (مِنْ ذَاكَ) أي: المترادف (مَا قَدْ جَاءَ) ما اسم موصول بمعنى الذي في محل رفع مبتدأ مؤخر و (مِنْ ذَاكَ) جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم (مَا) أي: لفظان فأكثرا أو أكثرا لا يصدق على لفظ واحد كالمشترك، المشترك لفظ واحد عين أو قرء وهنا لا، لا بد من لفظين فأكثر (مِنْ ذَاكَ) أي: من المترادف (مَا) أي: لفظان أو أكثر جاء (كالإِنْسَانِ وبَشَرٍ) جاء أي: ثبت أو جاء مجيئًا كمجيء الإنسان وبشرٍ، إنسان وبشر هذا مدلوله شيء واحد حينئذٍ يصدُق عليه حد المترادف، إذا أردت أن تضبط هل هذان اللفظان مترادفان أم لا؟ انظر في حد المترادف ما اتحد معناه واختلف فيه اللفظ، فحينئذٍ إنسان مسماه ذات مشخصة وبشر مسماه ذات مشخصة نفسه تقول: زيد إنسان. وزيد نفسه بشر، كالإنسان وبشر ولا يمنع هذا أن يكون الإنسان متضمن لصفة المغايرة لما تضمنه لفظ بشر لا مانع من ذلك، وهذا ما جعله ابن القيم رحمه الله قسيمًا للقسم الأول من المترادف (كالإِنْسَانِ) قيل: سمي به لنسيانه وما سمي الإنسان إلا لنسيانه، وبالثاني (وبَشَرٍ) لظهور بَشَرَتِهِ أي: ظاهر جلده. هو ليس كالقط مثلاً القط مغطى أليس كذلك؟ ولذلك بالنظر هنا إلى كون كل منهما له صفة مغايرة للأخرى جعل الخلاف لفظي ولذلك قيل: من جعلها مترادفة يعني - الإنسان وبشر - من جعلها مترادفة نظر إلى اتحاد بدلالتها على الذات، ومن منع من الحكم بكونه إنسان وبشر مترادفين نظر إلى اختصاص بعضها بمزيد معنى، فهي تشبه المترادفة في الذات والمتباينة في الصفة، وهي نفسها. (مِنْ ذَاكَ مَا قَدْ جَاءَ) قد التحقيق جاء مجيئًا كمجيء الإنسان وبشر في كون معناهما واحدًا وهو الحيوان الناطق (في مُحْكَمِ القُرآنِ) محكم المراد به المتقن من الإحكام وهو الإتقان، هل جاء الإنسان في القرآن؟ نعم. هل جاء بشر {مَا هَذَا بَشَراً} [يوسف: 31]، {إِنَّ الإِنسَانَ} ، {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ} [الإنسان: 1] إذًا ورد لفظ الإنسان وورد لفظ البشر إذًا ليس بالمعدوم.
(واليَمِّ والبَحْرِ) اليَمِّ هذا بالجار عطف على ماذا؟ على الإنسان يعني: وكما جيء اليم بالجر عطف على الإنسان والبحر فإن معناهما واحد معنى البحر هو اليم ووردا في القرآن أو لا؟ أي وردا في القرآن.
(كذا العَذابُ) اليم والبحر معناهما واحد (كذا العَذابُ رِجْسٌ) يعني: ورجس (ورِجْزٌ) هذه ثلاثة ألفاظ بمعنى واحد، الرجز جاء بمعنى العذاب وقد يأتي في الخارج كما في الحديث «إنها رجس» . أو رجز. بمعنى النجس، لكن تأتي بمعنى العذاب (كذا العَذابُ) العذاب كذا، كذا هذا خبر مقدم والعذاب مبتدأ مؤخر و (رِجْسٌ) بإسقاط العاطف الحرف (رِجْسٌ ورِجْزٌ) بكونها مترادفة إذ معناها كلها واحد (جَاءَ يَا أَوَّابُ) (كذا العَذابُ رِجْسٌ ورِجْزٌ جَاءَ يَا أَوَّابُ) يا أواب يعني: يا كثير الأوبة والتوبة هذا تكمله.
إذًا عرفنا المترادف هو ما اتحد فيه المعنى وتعدد فيه اللفظ وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في ((روضة المحبين)) بأنه نوعان، قد يكون ترادفه ترادفًا محضًا لا يدل على صفة، وقد يكون مترادفًا لكنه ليس يكون بمحض بمعنى أنه يتضمن صفة مغايرة لما دل عليها اللفظ الآخر.
ثم قال رحمه الله تعالى:
النوع السادس: الاستعارة
النوع السادس من العقد الرابع فيما يرجع إلى النظم الاستعارة والاستعارة هذه من جهة اللفظ استعارة هذا مصدر اسْتِعَارة اسْتِعَارَهُ ثوبًا فأعراه إياه، إذًا مأخوذ من العارية، هنا قال:(النوع السادس: الاستعارة). ثم قال: (النوع السابع: التشبيه). (النوع السادس: الاستعارة) و (النوع السابع: التشبيه). والأولى أو المناسب تأخير الاستعارة عن التشبيه لماذا؟
لأن الاستعارة متولدة بين المجاز والتشبيه، ولذلك قيل: زَوِّج مَجَازَكَ تَشْبِيهَكَ يَلِدُ لك اسْتِعَارة، هكذا ذكره السيوطي في ((الإتقان))، إذًا الاستعارة متولدة بين المجاز والتشبيه، وأجيب عن الناظم وغيره ممن قدم الاستعارة عن الشبيه لأن الاستعارة أبلغ من التشبيه فحينئذٍ ناسب ماذا؟ ناسب تقديمها، لكن من حيث الفهم للطالب الأولى أن يفهم أولاً التشبيه ثم بعد ذلك يفهم الاستعارة.
(الاستعارة) هي: نوع من المجاز. ولذلك اختلفوا في ثبوتها وإنكارها لأنها فرع عن المجاز يعني: متولدة عن. أو الخلاف متولد عن الخلاف في المجاز، فمن أثبت المجاز أثبت الاستعارة ومن نفى المجاز نفى الاستعارة، وبعضهم على قلة أثبت المجاز ونفى الاستعارة في الوحي، أثبت المجاز ونفى الاستعارة على جهة الخصوص في الوحي.
إذًا الاستعارة من حيث العموم نقول: هي نوع من المجاز مختصة باسم وحده. وبعضهم يُطْلِقُ على المجاز كله: استعارة. المجاز كله يسميه استعارة كأنك استعرت اللفظ من مستحقه الذي وُضِعَ له ونقلته إلى غيره وعرفها أهل البيان بأنها مجاز علاقته المشابهة لماذا؟ لأننا نقول: المجاز ما هو؟
هو: اللفظ المستعمل في غير ما وُضِعَ له ابتداء. لا بد من عَلاقَة وهي: المعنى أو الرابط بين المعنى الأصلي الذي نُقِلَ عنه اللفظ إلى المعنى المجازي الثاني لا بد من ارتباط أليس كذلك؟ فإذا لم يكن ارتباط حينئذٍ لا مجاز، لا بد من علاقة ولذلك قيل في هذه العلاقة: لا بد أن تكون شيئًا مشهورًا معروفًا عند المخاطب، فلو قيل: رأيت أسدًا يخطب. بمعنى يخطب على المنبر حينئذٍ نقول: استعير لفظ الأسد من الحيوان المفترس إلى الرجل الشجاع حينئذٍ حصلت الاستعارة أو لا؟ هذا مجاز أو لا؟ هل هناك علاقة وجه شبهٍ نقول: نعم وهو الشجاعة. حيوان المفترس شجاع والخطيب قد يكون شجاعًا، فحينئذٍ لما وجدت الشجاعة استعير لفظ أسد المعنى الفاصل، الشجاعة هي العلاقة وهذه العلاقة لا بد أن تكون معلومة مشهورة في الاستعارة عند المتكلم والمخاطب لكن لو قيل: رأيت أسدًا يقرأ. وأردت بأسد هنا القرأ وجه الشبه بين الحيوان المفترس وبين من يقرأ ليس الشجاعة المعنى هنا الارتباط موجود علاقة بين المعنى الأصلي والمعنى الثانوي لكن هل الأسد عُرِفَ واشتهر عند الناس أكثر بالبقر أم بالشجاعة؟ بالشجاعة فإذا أطلق الأسد على غير الحيوان المفترس ظُن ماذا؟ ظن الشجاعة، ولا يلتفت ملتفت عند سماع رأيت أسدًا يقرأ إلى كونه أبقر أبدًا، ولو كان الأسد الحيوان المفترس أبقر لماذا؟ لأن هذا المعنى الموجود بين المشبه به والمشبه أو الحيوان المفترس والرجل القارئ التي ليست بالشجاعة لكان البقر ولو كان البقر مما اشتهر به الأسد لصح ولكن لما لم يرد اشتهر به مع وجوده واختصاصه به لم يصح التشبيه، قالوا: وهذه العلاقة بين المعنيين الأصلي والفرعي، المعنى الأصلي الذي هو الحقيقي والمعنى الفرعي الذي هو المجازي لا بد من علاقة، هذه العلاقة لا تخرج عن اثنين إما مشابهة أو لا، أو لا يعني أو ليست المشابهة وإذا لم تكن ليست المشابهة حينئذٍ يعنون له بالمجاز المرسل، والمجاز المرسل له علاقات كثيرة جدًا أوصلها بعضهم إلى ثمان عشر وبعضهم إلى خمسة وعشرين، منها إطلاق الْمُتَعَلِّق على الْمُتَعَلِّق، ومنها إطلاق الكل على الجزء، والجزء على الكل. نقول: هذه العلاقات ليست بعلاقة المشابهة إذًا العلاقة إما أن تكون المشابهة أو لا، إن لم تكن المشابهة فهي المجاز المرسل، فإن كانت المشابه فهي الاستعارة التي معنا.
إذًا نقول: المجاز الذي هو نقل اللفظ عن معناه الأصلي الذي هو الحقيقي إلى المعنى الفرعي الذي هو المجاز لا بد من ارتباط علاقة جامع بين المعنيين، هذا الجامع وهذه العلاقة إما أن تكون المشابهة أو لا، إن كانت المشابهة فحينئذٍ نسمي هذا المجاز استعارة، وإن لم تكن المشابهة فهو مجاز لكنه مجاز مرسل.
إذًا إما استعارة وإما مجاز مرسل، حقيقة المجاز المرسل نقول: مجاز علاقته غير المشابهة. وهو واحد من ثماني عشر التي ذكرها البيانيون أو أكثر من ذلك، وأما الاستعارة فهي مجاز، إذًا كل منهما مجاز علاقته المشابهة، إذًا عرفها أهل البيان بأنها مجاز علاقته المشابهة، أو قل هي اللفظ المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلي لعلاقته وقرينته، اللفظ المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلي، الرجل الشجاع الذي قيل: زيد أسد. هذا مختلف فيه هل هو تشبيه أو استعارة فيه خلاف، وعلى القول بأنه استعارة حينئذٍ شبهت زيد بمعنى الأسد الأصلي وهو الحيوان المفترس لعلاقته وقرينته العلاقة ما هي؟ الشجاعة. ما هي القرينة؟ زيد. لأنك لما قلت: زيد أسد. علمت بأن الأسد ليس بحيوان مفترس لأنك وقفت به ماذا؟ أخبرت به عن زيد وهو آدمي ليس بحيوان مفترس، والعلاقة هي المناسبة بين المعنى المنقول عنه وإليه الجامع والرابط بين المشبه والمشبه به والقرينة ما هي؟ هي الأمر الذي يجعله المتكلم دليلاً على أنه أراد باللفظ غير ما وضع له، وهذا شرط عند البيانيين لا بد من قرينة تدل على المجاز وإلا لا يصح، يعني: إذا قيل: رأيت أسدًا. هل هذا يحتمل أو يتعين؟
يتعين، بماذا؟
أعطيني مسماه الحيوان المفترس هل يحتمل الرجل الشجاع يحتمل أو لا يحتمل؟
لا يحتمل. بناءً على ماذا؟
على أن الأسد له معنى حقيقي واحد وهو: الحيوان المفترس. ولذلك بعضهم ممن يمنع المجاز يقول: لا، الأسد لم يوضع للحيوان المفترس، بل وضع إلى الحيوان المفترس ووضع للرجل الشجاع، وهذا فاسد لا يمكن القول به، لماذا؟ لأنه هو لو قيل له: رأيت أسدًا. لصرف الأسد إلى الحيوان المفترس وهذا قطعًا لا يحتمل الرجل الشجاع. إذا قيل: رأيت أسدًا حينئذٍ نقول: رأيت أسدًا. فحينئذٍ يحمله على الحيوان المفترس ولا يحمله على الرجل الشجاع.
عند أرباب الأصول لا يشترطون القرينة يعني: إذا أريد بالأسد هنا الرجل الشجاع لا يشترط فيه أن تأتي باللفظ بقرينة تدل على أن اللفظ مستعمل في غير ما وُضِعَ له أولاً، لماذا؟
لجواز استعمال عندهم الراجح لجواز استعمال اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي، رأيت أسدًا حينئذٍ يحتمل أنك أردت به الرجل الشجاع ويحتمل أنك أردت به الحيوان المفترس يعني: لا يشترط القرينة.
أما عند البيانيين قاطبة يكاد يكون إجماع وبعضهم ادّعي الإجماع أنه لا يجوز إلا بقرينة، فحينئذٍ إذا أردت الأسد الذي هو الحيوان المفترس يتعين أن تأتي بقرينة لفظية أو حالية فتقول: رأيت أسدًا يخطب. يخطب هذه قرينة خالصة عن كون الأسد مرادًا به الحيوان المفترس. إذًا القرينة هي الأمر الذي يجعله المتكلم دليلاً على أنه أراد باللفظ غير ما وُضِعَ له.
وأركان الاستعارة ثلاثة:
مستعار. وهو لفظ مشبه به.
ومستعار منه. وهو معنى لفظ المشبه.
ومستعار له. وهو المعنى الجامع.
وهذا ذكرناه فيما سبق أنكر قوم الاستعارة بناء على إنكارهم المجاز وقوم إطلاقها في القرآن لأن فيها إيهامًا للحاجة ولأنه لم يرد في ذلك إذن من الشارع، هذا خلاف الاستعارة. إذا عرفنا أركانها نقول: هي واقعة في كلام العرب وهي موجودة في القرآن ولا شك وبعضهم من القائلين بالمجاز من قد أنكر المجاز قاطبة قد أنكر وجود الاستعارة وبعضهم أثبت المجاز وحتى في القرآن أثبت المجاز في القرآن لكنه أنكر وجود الاستعارة في القرآن لماذا؟ قال: لأن فيها إيهامًا للحاجة. وهذا فاسد، ولأنه لم يرد في ذلك إذن من الشارع.
إذا أثبتَ المجاز ما ورد إذن أيضًا من الشارع، واختلفوا في الاستعارة هل هي مجاز لغوي أو عقلي على قولين، والأصح أنها مجاز لغوي لأنها موضوعة للمشبه به لا للمشبه ولا للأعم منهما، فأسدٌ في قولك: رأيت أسدًا يخطب. أسدٌ هذا موضوع لأي شيء في الأصل في السَّبُع الذي هو الحيوان المفترس لا للرجل الشجاع ما وُضع للرجل الشجاع أليس كذلك؟ ما وضع للرجل الشجاع، إذًا وضع الأسد في أي شيء في للمشبه به، رأيت أسدًا من المشبه هنا؟ رأيت أسدًا يخطب المشبه مَنْ؟ الخطيب والمشبه به الأسد السَّبُع واللفظ أسد وضع لمن للخطيب أم للحيوان؟ للحيوان لا شك وضع للحيوان فأسد في قولك: رأيت أسدًا يخطب. موضوع للسَّبُع لا للرجل الشجاع، ولا للأعم منهما لأن لفظًا يحتمل أن يكون أعم من الحيوان المفترس الذي هو السَّبُع والخطيب الجريء، فيقال: حيوان جريء. يختص بماذا عن هذا الحيوان الجريء؟ أعم من السَّبُع وأعم من الخطيب الشجاع فيصدق عليهما حقيقةً أو مجازًا أو على أحدهما حقيقة والثاني مجازًا؟ يصدق عليهما حقيقةً فإذا قلت: رأيت حيوانًا جريئًا يخطب. حينئذٍ هذا استعمال حقيقي أم مجازي؟ حقيقي وإذا قلت: رأيت حيوانًا جريئًا. فحينئذٍ يتعين أن يكون ماذا؟ مسماه مسماه السَّبُع المراد به السبع، إذًا الأسد نقول: موضوع للسَّبُع لا للرجل الشجاع ولا للأعم منهما كالحيوان الجريء ليكون إطلاقه عليهما حقيقةً كإطلاق الحيوان عليهما.
النوع السادس: الاستعارة
الاستعارة بحثتها طويل جدًا في باب البلاغة لكن ذكرنا أركانها وتعريفها وسيأتي مثالين للمصنف.
وَهِيَ تَشْبِيْهٌ بِلا أَدَاةِ
…
وذَاكَ كالمَوْتِ وكالحَيَاةِ
فِيْ مُهْتَدٍ وضَدِّهِ كَمِثْلِ
…
هَذَيْنِ مَا جَاءَ كَسَلْخِ اللَّيْلِ
(وَهِيَ تَشْبِيْهٌ) إذًا الاستعارة مبنية على التشبيه، (وَهِيَ) أي: الاستعارة (تَشْبِيْهٌ) والتشبيه هو: التمثيل. التشبيه في اللغة هو: التمثيل. والمراد به هنا تشبيه شيءٍ بشيء آخر تقول: زيد كالأسد. هذا ماذا نسميه؟ زيد كالأسد، هذا تشبيه لاستيفاء أركان التشبيه الأربعة:
المشبه وهو: زيد.
المشبه به وهو: الأسد.
أداة التشبيه وهي: الكاف.
والجامع وهو: الشجاعة.
إذًا الاستعارة تشبيه لشيء بشيء آخر (بِلا أَدَاةِ) يعني: بدون أداة. إذًا حصل عندنا تشبيه لكن بدون أداة، زيد أسد، هذا ماذا نسميه؟
اختلفوا فيه إذا نطقت ابتداءً زيد أسد فهو استعارة لأنك شبهة زيدًا بالأسد بدون أداة تشبيه.
وإذا قلت: زيد كالأسد. فهو تشبيه قولاً واحدًا.
وإذا قلت: زيدٌ أسدٌ. وحذفت أداة التشبيه ونويتها مقدرةً فهو تشبيه.
فحينئذٍ زيدٌ أسدٌ هل هو تشبيه أم استعارة؟
فيه تفصيل ما هو التفصيل؟ [ .... أسمع واحد الأذن واحدة أيمن .... لا، زيدٌ أسد أنت سمعت هذا الكلام زيد أسد هل هو تشبيه أم استعارة؟ ما هو طب هنا ما وجدت الأداة زيد أسد لم ألفظ بالأداة .... الله أعلم أي: إذا سمعتني إذا كنتَ أنتَ المتكلم فأنت تعرف هل نويتَ الأداة أم لا؟ إذا لم تنوها حينئذٍ هذا استعارة فتحكم على كلامك بكون استعارة، أما إذا كنت سامعًا فتقدر الكلام فتقول: إن نوى أداة التشبيه وهي: الكاف يعني: حذفها تخفيفًا واختصارًا ونواها فهو تشبيه بليغ، وهذا ضابط التشبيه البليغ إذا حذفت أداة التشبيه، وإذا لم ينو الأداة، بل تكلم ابتداءً دون أداة نقول: هذا استعارة].
(وَهِيَ تَشْبِيْهٌ بِلا أَدَاةِ)، (بِلا أَدَاةِ) أي: ومع حذف وجه الشبه، لأن وجه الشبه في التشبيه قد يُذكر تقول: زيد كالأسد لشجاعته. هذا مستوفي للأركان الأربعة، زيد كالأسد في شجاعته نطقت بالأركان الأربعة، ولك أن تحذف وجه الشبه زيد كالأسد، ولك أن تحذف أداة التشبيه فتقول: زيد الأسد. (وَهِيَ تَشْبِيْهٌ بِلا أَدَاةِ). تشبيه لشيء بشيء آخر بلا أداة أي ومع حذف وجه الشبه. وزاد بعضهم: وأحد المشبه والمشبه به أيضًا. أن يُحْذَف أحد المشبه والمشبه به أيضًا كما سيأتي، ويحذف المشبه في الاستعارة التصريحية، والمشبه به في الاستعارة المكنية، يعني تحذف أو تشبه مشبه بمشبه به بدون أداة مع حذف وجه الشبه مع حذف أحد الطرفين المشبه أو المشبه به، إن حذفت المشبه فحينئذٍ تسمى استعارة تصريحية أو مُصَرَّحَة، وإذا حذفت المشبه به فهي الاستعارة المكنية، ولذلك قال بعضهم: كل مجاز مبني على التشبيه فهو مجاز بالاستعارة، ولذلك فسرها الناظم بقوله:(وَهِيَ تَشْبِيْهٌ). وإذا أردت حدًا للاستعارة التي هي المعنى المصدري فقل في حدها: استعمال اسم الْمُشَبَّهِ به في الْمُشَبّهِ للمُشَابَهة. وهذا معنى الاستعارة بالمعنى المصدري لماذا؟
قالوا: لأن أصل الاستعارة التشبيه. حُذف أحد طرفيه ووجه شبهه وأداته، فيُحذف المشبه ووجه الشبه والأداة ويستعار لفظ المشبه به للمشبه للعلاقة بين المشبه والمشبه به ولا بد فيها من تنافي التشبيه الذي وقع من أجله الاستعارة بادعاء أن المشبه غير المشبه به أو فرد من أفراده فحينئذٍ يكون المشبه به له فردان: فرد حقيقي، وفرد ادعائي. يعني: تقصد زيدٌ أسدٌ. تقول: زيدٌ أسدٌ. هنا شبهت زيد بالأسد في ماذا؟ في الشجاعة لم تلفظ بأداة التشبيه ولم تأت بالجامع بين المشبه والمشبه به بل حذفتهما، ثم ذكرت المشبه والمشبه به وتناسيت التشبيه لماذا؟ بادِّعاء زيد كأنه فرد من أفراد الأسد، فكأن الأسد وضع لشيء متضمن للشجاعة فكأن له فردان: فرد وهو حيوان حقيقي وهو السَّبُع، وفرد دخل معه بالادعاء يعني: بكأنك نويت وقدرت في نفسك أن زيد فرد من أفراد الأسد، إذا جعلت الأسد له معنى مصدري وهذا المعنى المصدري يوجد في ضمن أفراده من ضمن هذه الأفراد زيد ولكنه فرد حقيقي أو ادعائي؟
فرد ادعائي، ولذلك يجعل المشبه فردًا من أفراد المشبه به كجعل زيد فردًا من أفراد الأسد يعني: تدَّعي في نفسك تدعي بأن زيدًا له أفراد وهذا أقوى من قولك: زيد كالأسد. إذا قلت: زيد كالأسد. هذا لا شك أن زيد منفصل عن الأسد وأنك شبهت زيد بالأسد وهذا مشبه وهذا مشبه به لكن في الاستعارة لا أنت تدَّعي ليس شبيهًا له في الشجاعة، لا، بل هو فرد من أفراد مدلول الأسد لكنه فرد ادعائي، ولذلك قال بعضهم في تفصيل الاستعارة هذا كلام موجز جيد: (أصل الاستعارة تشبيه حُذف أحد طرفيه ووجه شبهه وأداته فيُحذف المشبه ووجه الشبه والأداة ويُستعار لفظ المشبه به للمشبه بالعلاقة ولا بد فيها من تنافي التشبيه الذي وقعت من أجله الاستعارة لأن أولاً تشبه ثم بعد ذلك تتركب الاستعارة، فالاستعارة مركبة على التشبيه.
من تنافي التشبيه الذي وقعت من أجله الاستعارة بادعاء أن المشبه عين المشبه به لفظ زيد وهو الأسد هذا وجه، أو فرد من أفراده، فيكون للمشبه به وهو الأسد فردان: فرد حقيقي وهو السبع، وفرد ادعائي وهو زيد.
(وذَاكَ كالمَوْتِ وكالحَيَاةِ فِيْ مُهْتَدٍ وضَدِّهِ)، (وذَاكَ) أي: التشبيه المذكور في الاستعارة كالموت المستعار للضلال والكفر، وكالحياة المستعارة للهداية (فِيْ مُهْتَدٍ وضَدِّهِ) كالموت المستعار للضلالة في ضده في ضد المهتد وهو الضال وكالحياة المستعارة للهداية.
إذًا قوله: (فِيْ مُهْتَدٍ وضَدِّهِ). هذا تفصيل وتفسير لقوله: (كالمَوْتِ وكالحَيَاةِ). لكنه على اللف والنشر غير المرتب لأنه قال: (وذَاكَ). أي: التشبيه المذكور كالموت المستعار لضد المهتد، الذي ذكره ثانيًا في البيت الثاني (وكالحَيَاةِ) المستعارة في مهتد وهذا إشارة إلى قوله تعالى:{أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122]. هذا مثال للاستعارة عندهم {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} أي: ضالاً فهداه {مَيْتاً} أي: ضالاً {فَأَحْيَيْنَاهُ} الموت هو الموت أليس كذلك هل الضال ميت؟ الجواب: لا، ليس بميت بمعنى أنه فاقد الروح، وإنما حصل التشبيه كما سيأتي. أي: ضالاً فهديناه. فاستعير لفظ الموت للضلال والكفر، ولفظ الإحياء {فَأَحْيَيْنَاهُ} {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} أحييناه هذا فعل والإحياء للإيمان والهداية بجامع عدم الفوز في الأول الذي هو استعارة الموت بالضلال والفوز بالثاني وهو استعارة الإحياء للإيمان والهداية، إذا أردنا تفصيل هذه الاستعارة أو بيان كيف وقعت الاستعارة هنا فنقول: شبه الضلال بالموت. هذا أولاً، لأنه مبني على التشبيه شبه الضلال بالموت بجامع ماذا؟ بجامع عدم الانتفاع لما هو سبب السعادة الدنيوية والأخروية، إذًا أصل التركيب ما هو؟ الضلال كالموت زيدٌ كالأسد الضلال كالموت، ثم حذف المشبه وهو؟ أين المشبه والمشبه به قولوا معي: الضلال كالموت. أما قلنا: الاستعارة أصلها تشبيه؟ كيف حصل التشبيه هنا؟ الأصل الضلال كالموت بجامع ماذا؟ عدم الانتفاع، قال: حذف المشبه وهو الضلال واستعير اسم المشبه به وهو الموت على طريق الاستعارة التصريحية فحينئذٍ قوله: الضلال. هذا مشبه (كالمَوْتِ) الموت هذا مشبه به حذف المشبه واستعير لفظ المشبه به للمحذوف الذي هو الضلال إما بادعاء أنه عينه أو أن الضلال فرد من أفراد الموت {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً} يعني: ضالاً. كيف عبر بالميت عن الضال؟ تقول: أصل الترتيب الضلال كالموت ثم حذف المشبه واستعير إعارة من باب العارية أعرني قلمك استعير لفظ المشبه به في الدلالة على ذلك المحذوف بادعاء ماذا؟ بادعاء أن المحذوف الضلال هو عين الموت أو أنه فرد لكنه فرد ادعائي وهذا معنى التنافي تنافي التشبيه كما أنه لم يكن تشبيه وهذا ينبني عليه معاني جليلة في القرآن حتى أن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يُنْكِرُ المجاز لكنه إذا جاء في التفسير إلى بعض الآيات قال: وعلى القول بالاستعارة. ثم يفسرها يقول: هذا معنى ما أجمله. هكذا يقول. بناء على ماذا؟ أن المجاز يتألق في بعض المواضع هذا موجود في تفسيره في أوائل البقرة لو تسمع الشيخ قد يأتي ببعض المسائل وهو يشدد في مسألة المجاز رحمه الله لكنه يأتي يفسر القرآن على ما يراه أنه حقيقة ثم على قول المجازيين بأن في الكلام كناية واستعارة ثم يقول: ما أجمل هذا القول. أو هذا المعنى، معنى جليل لو لم تجر الكلام على الاستعارة حينئذٍ لا تستقي معنى يعني: يدل عليه لفظ بالحقيقة، وإذا قيل: الضلال كالموت. ليس هو كأن تدعي الضلال هو عين الموت عندما ترى كافرًا وتقول: هذا مَيْتٌ.
تجعل الضلال والكفر هو عين الموت وأنه فرد من أفراده ليس فيه كالانفصال ولا شك في هذا. إذًا الضلال مشبه والموت مشبه به وادُّعي أن الضلال فرد من أفراد الموت، والثاني الذي هو تشبيه الهداية بالحياة أو الإحياء شُبِّهَتْ الهداية بمعنى الإيصال إلى المطلوب بمعنى الإحياء، الهداية كالحياة أو كالإحياء إلى ماذا؟ بجامع الحصول للانتفاع والوصول إلى المطالب العلية، الحياة مُوصِلة والهداية مُوصِلة هذا هو الجامع بينهما، فصار التشبيه من معنى المصدرين الهداية والإحياء إلى ما في ضمنهما من معنى الفعلين وحذف لفظ المشبه واستعير اسم المشبه به له ثم اشتق من الإحياء أحييناه بمعنى هديناه على طريق الاستعارة التصريحية التبعية، كأنه قال: الهداية كالإحياء. الهداية مشبه والإحياء مشبه به حُذف المشبه وهو: الهداية، واستعير اللفظ الإحياء للدلالة على المحذوف وهو الهداية ولكن هنا أصلاً استعارة حصلت في المصدرين لماذا ولا ندَّعي هذا في الأول؟
لأن الأول ذكره باسمه {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} ومعلوم أن الميت هذا اسم وليس بفرع وأحييناه هذا ليس باسم وإنما هو فرع وهو فعل حينئذٍ نجري الاستعارة في المصدر الأصل ثم نشتق من المصدر فعل ثم نشتق من المصدر فعلاً ولذلك نفرق بين النوعين، فنقول: هنا صار التشبيه من معنى المصدرين الهداية والإحياء إلى ما في ضمنهما، ما هو الذي في ضمن المصدر؟ الفعلان من معنى الفعلين وحذف لفظ المشبه واستعير اسم المشبه به له، ثم اشتق منه من الإحياء {فَأَحْيَيْنَاهُ} وهذه تسمى استعارة ماذا؟ تصريحيه تبعية لأنها أجريت أولاً في المصدر ثم في الفعل، أولاً أجري في المصدر ثم في الفعل، (وذَاكَ) أي: التشبيه المذكور (كالمَوْتِ وكالحَيَاةِ) المذكورين في قوله تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} .
(فِيْ مُهْتَدٍ) يعني: كالموت المستعار للضلال في ضد المهتدي، لأنه قال: في مهتد وضده ما هو ضد المهتدي الضال وإذا أردنا الهداية أصلها الكافر لأن الهداية تامة هذه تكون بماذا؟ بالإيمان أو الإسلام ثم ما يكمله، وإذا أردنا أصل الهداية فهي الإسلام (فِيْ مُهْتَدٍ) إلى الإسلام أو لتمام الطاعة وضده وهو الكافر أو الضال.
(كَمِثْلِ هَذَيْنِ مَا جَاءَ كَسَلْخِ اللَّيْلِ) يعني مثل هذين ماذا؟ التشبيهين
…
(كالمَوْتِ وكالحَيَاةِ فِيْ مُهْتَدٍ وضَدِّهِ) ما أي تشبيه الذي جاء كمجيء (سَلْخِ اللَّيْلِ) في قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} [يس: 37]. الله أكبر {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} هنا حصل ماذا؟
استعير السلخ من سلخ الشاه لكشف الضوء عن مكان الليل والجامع كما قيل ما يعقل من ترتب أمر على آخر وحصوله عقب حصوله وإذا أردنا التفصيل نقول: شبه إزالة ضوء النهار وإذهابه بسلخ الجلد عن الشاه، ما هو المشبه هنا؟ إزالة ضوء النهار إذا جاء الليل أزال ماذا؟ ضوء النهار، إذا دخل الليل أزال ضوء النهار أليس كذلك؟ ما هو المشبه هنا؟ المشبه إزالة ضوء النهار، شُبِّهَ بماذا؟ بسلخ الجلد عن الشاه، بجامع ماذا؟ بجامع ظهور شيءٍ كان مستترًا في كلٍّ منهما، فاللحم مستتر تحت الجلد أليس كذلك؟ وظهور الظلمة بعد ذهاب الضوء، وظهور اللحم بعد ذهاب الجلد وظهور الظلمة بعد ماذا؟ إذا أزيل النهار ما الذي يظهر وينكشف؟ الظلمة إذًا انكشفت الظلمة كما أن السلخ يكشف ماذا؟ يكشف اللحم، إذًا بجامع ظهور شيء كان مستترًا في كل منهما، وهو: ظهور الظلمة بعد ماذا؟ بعد ذهاب الضوء، وظهور اللحم بعد ذهاب الجلد، واستعير لفظ المشبه به وهو السلخ للمشبه واشتق منه الفعل، إذًا أجريت أولاً في المصدر، ثم انتقل إلى الفعل بمعنى نزيل على طريق الاستعارة التبعية، على كلٍّ يجري هذا المثال كما ذكرناه في السابق {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} ، {اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} فاستعير السلخ من سلخ الشاة لكشف الضوء عن مكان الليل والجامع ما يعقل من ترتب كل منهما على الآخر.
(فِي مُهْتَدٍ وضَدِّهِ كَمِثْلِ هَذَيْنِ مَا) أي: تشبيه الذي جاء (كَسَلْخِ اللَّيْلِ) كمجيء سلخ الليل.
النوع السابع من العقد الرابع فيما يرجع إلى الألفاظ (التَّشبِيهُ)، تفعيل شَبَّهَ يُشَبِّهُ تَشْبِيهًا، والتَّشْبِيه في اللغة التمثيل كمثل مثلاً، مَثَّلَ كذا بكذا والتشبيه هو عينه التمثيل كما ذكره غير واحد من أهل اللغة.
النوع السابع: التشبيه. الغرض منه من التشبيه فهمنا بعض ما يتعلق بالتشبيه بالاستعارة الغرض منه تأنيس النفسي بإخراجها من خَفِيٍّ إلى جَلِيٍّ، زيد كالأسد ما يعرف أن زيد شجاع أو لا فأمره خفي فإذا قلت: زيد كالأسد. حينئذٍ تجلى لك شجاعة زيد، وإدنائه البعيد من القريب ليفيد بيان، وقيل: الغرض منه الكشف عن المعنى المقصود مع الاختصار وهذا عام ليس بالتشبيه فقط، لأنه بدل من أن يقول: أنا أعتقد أن زيدًا فيه من الشجاعة مثل شجاعة أسد، فيكون زيد كالأسد وقع اختصار، بدل من الجملة الطويلة يأتي بهذه الكاف فيدل على ماذا؟ على التشبيه، لكن هذا ليس هذا خاصًا بالتشبيه، بل الاستعارة فيها اختصار أيضًا.
حدَّهُ عندهم: ما دل على اشتراك أمر لأمر في معنى بينهما. ما دل على اشتراك أمرٍ الأمر الأول يُسمى مُشَبَّهًا لأمرٍ يُسَمَّى مُشَبَّهًا به في معنى بينهما يُسَمَّى وجه الشَّبَهِ، بقي عليه الأداة، وهذا منسوب للسكاكي.
قال رحمه الله:
وَما عَلَى اشتِرَاكِ أَمْرٍ دَلَاّ
…
مَعْ غَيْرِهِ التَّشْبِيهُ حيثُ حَلَاّ
والشَّرْطُ هَهُنا اقْتِرانُهُ مَعَا
…
أَدَاتِهِ وهُوَ كَثِيْرًا وَقَعَا
(وَما) يعني: وعرف السكاكي التشبيه بأنه ما هذه واقعة على كلامه ما اسم موصول بمعنى الذي في محل رفع خبر مقدم، والمبتدأ قوله:(التَّشْبِيهُ) بالشطر الثاني، كأنه قال: والتشبيه ما دل على اشتراك أمرٍ، إذًا ما اسم موصول بمعنى الذي في محل رفع خبر مقدم ويصدق على ماذا؟ على الكلام لأن التشبيه هنا ليس بوصف لمفرد بل هو وصف لكلام لأنه لا بد من مسند ومسند إليه، زيد كالقمر حينئذٍ أو كالأسد فزيد مبتدأ كالأسد جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، ولك أن تقول: زيد كالأسد. زيد مبتدأ والكاف خبر وهو مضاف والأسد مضاف إليه يجوز هذا الوجه يجوز أو لا؟ يجوز على جعل الكاف اسمية، قال ابن مالك:
واسْتُعْمِلَ اسمًا وكذا عَنْ وَعَلَى
…
مِنْ أجل ذا عليهما مِنْ دَخَلا
واستعمل اسمًا يعني: الكاف. فإذا استعمل الاسم فحينئذٍ تعرب مبتدأ وتعرب خبر وتعرب مجرورة وتعرب .. إلى آخره.
(وَما) أي: كلامهم (عَلَى اشتِرَاكِ أَمْرٍ دَلَاّ). (دَلَاّ) الألف للإطلاق يعني: ذو دلالة والدلالة كما سبق معنا فَهْمُ أمر من أمر للفعل أو لا؟ (دَلَاّ) الحملة صلة الموصول (عَلَى اشتِرَاكِ) هذا جار ومجرور متعلق بقوله: (دَلَاّ). مع غيره، معْ بالإسكان للوزن، (ومع معْ فيها قليل)، إذًا الأصل معَ وقد تسكن وهو قليل (ومع مع فيها قليل) هكذا قال ابن مالك، وهو ظرف منصوب بالفتح المقدر متعلق بقوله:(اشتِرَاكِ). (التَّشْبِيهُ) هذا مبتدأ مؤخر (حيثُ حَلَاّ)، (حَلَاّ) بمعنى نزل (حَلَاّ) الألف هذه للإطلاق (حيثُ) إطلاقية ليست تقيدية حيث للإطلاق هنا (حيثُ حَلَاّ) يعني في أي وقت ومكان حلَّ ونزل فالتشبيه لا يخرج عن معناه، فحينئذٍ نقول: مراد المصنف هنا بالتشبيه والمعنى أي: حده هو الكلام الدال على اشتراك الأمر مع غيره في معنى بينهما. هذا مراده بهذا التركيب (وَما عَلَى اشتِرَاكِ أَمْرٍ دَلَاّ مَعْ غَيْرِهِ) الكلام الدال على اشتراك أمرٍ، المشبه، مع غيره، المشبه به، في معنى بينهما. فقوله:(عَلَى اشتِرَاكِ أَمْرٍ). نفسره بماذا؟ بالمشبه، (مَعْ غَيْرِهِ) يعني: اشتراك مع غيره في ماذا؟ المشبه به، لا بد أن يكون في معنى بينهما أو لجامع بينهما، (والشَّرْطُ هَهُنا) يعني في التشبيه اقترانه أي: التشبيه. (مَعَ أَدَاتِهِ) الألف هذه للإطلاق (مَعَ أَدَاتِهِ) مع هذا مضاف وأداته مضاف إليه، والضمير في أداته يعود على التشكيل، إذًا مع مضاف وهو متعلق بقوله:(اقْتِرانُهُ) اقتران التشبيه مع أداته، (وهُوَ) أي: التشبيه (كَثِيْرًا وَقَعَا)(والشَّرْطُ هَهُنا اقْتِرانُهُ مَعَ أَدَاتِهِ) الشرط في اللغة العلامة وهنا الشرط كون التشبيه مشتملاً على ذات التشبيه، وهل هو ذات فيما هي فيه أو هو أمر خارج عنه؟ لما نقول: أركان التشبيه أربعة: المشبه، والمشبه به، والأداة، ووجه الشبه.
إذًا الأداة ركن أو شرط؟ ركن وليست بشرط، فلا يوجد التشبيه إلا في ضمنه الأداة في بطنه الأداة، فحينئذٍ نقول: لا توجد الأداة ولا يوجد التشبيه، لا، توجد الأداة في ضمن التشبيه حينئذٍ قوله: هو الشرط. لعله يريد به أن الأداة ركن في مفهوم التشبيه، يعني: يكون كالاستدراك على حد التشبيه عند السكاكي.
(وهُوَ كَثِيْرًا وَقَعَا)(وهُوَ) أي التشبيه (وَقَعَا)(كَثِيْرٌ وَقَعَا) فعلٌ ماضي والألف هذه للإطلاق والضمير يعود على هو، (وهُوَ)(وَقَعَا) أي وقع في القرآن وقوعًا كثيرًا، فكثيرًا هذا صفة لموصوفٍ محذوف مقدر أي وقوعًا كثيرًا، وقع التشبيه في القرآن وقوعًا كثيرًا، وهو أي التشبيه وقع في القرآن وقوعًا كثيرًا إذًا صفة مقدمة، صفة لأي شيء لمفعولٍ مطلق وقع وقوعًا ضربت ضربًا شديدًا مثله ضربًا هذا مفعولٌ مطلق وهو مبين للنوع كذلك وقوعًا كثيرًا يعني: لا قليلاً.
هذا هو حد التشبيه عند المصنف وهو المشهور، الكلام الدال على اشتراك أمرٍ مع غيره في معنًى بينهما. عرفنا التشبيه قال السيوطي رحمه الله في
…
((الإتقان)):
والتشبيه نوعٌ من أشرف أنواع البلاغة وأعلاها. نوعٌ من أنواع علوم القرآن قال: من أشرف أنواع البلاغة وأعلاها.
قال المبرد في ((الكامل)): لو قال قائل: هو أكثر كلام العرب لم يُبْعِد. وأفرد يعني تشبيهات القرآن بالتصنيف أبو القاسم بن البندار البغداي في كتابٍ سماه ((الْجُمان)).
أركان التشبيه أربعة: المشبه، والمشبه به، الشبه وهو الوصف الجامع بين الطرفين، وآلة التشبيه. وبعضهم يقول: أداة التشبيه وهي حروفٌ وأسماءٌ وأفعال.
أداة التشبيه قد تكون حرفًا وقد تكون اسمًا وقد تكون فعلاً، فالحروف الكاف، كالكاف {كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ} [إبراهيم: 18] {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ} تشبيه بحرفٍ وهو الكاف، وكأنَّ {كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات: 65]. هنا التشبيه أو أداة التشبيه حرف وهذا هو الكثير أن يكون بالكاف أو بكأن ولذلك يقال في باب إن وأخواتها وكأن للتشبيه، والأسماء نحو مَثَل ومِثل وشِبْه هذه أيضًا للتشبيه ونحوها:{مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} [آل عمران: 117]. هنا وقع بالكاف ومثل وبمثل أيضًا.
وفي الأفعال نحو: {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء} [النور: 39]. هذا تشبيه: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66]. يخيل {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء} إذًا وقع بالحرف ووقع بالاسم ووقع بالفعل.
(والشَّرْطُ هَهُنا اقْتِرانُهُ مَعَ أَدَاتِهِ)(اقْتِرانُهُ) الاقتران قد يكون لفظًا وقد يكون مغيرًا، يعني: لا يشترط في الأدلة أن يكون ملفوظًا بها، لا، بل قد تكون مقدرة فإن لم تقدر فهو استعارة [أحسنت]. فإن لم تقدر فهي استعارة. قال أهل البيان: ما فقد الأداة لفظًا - يعني التشبيه - ما فقد الأداة لفظًا إن قدرت فيه الأداة فهو تشبيهٌ وإلا فهو استعارة.
(والشَّرْطُ هَهُنا اقْتِرانُهُ مَعَ أَدَاتِهِ) فسرنا الأداة هنا بما هو أعم، وكل الأدوات تدخل على المشبه به، زيدٌ كالبدر كالأسد دخلت الأداة على ماذا؟ على المشبه به إلا كأن فتدخل على المشبه هذا هو الأصل الغالب الذي يكاد أن يكون مطردًا وإلا فقد تدخل على المشبه بقصد المبالغة فتقلب التشبيه وتجعل المشبه هو الأصل {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: 275]. أين المشبه والمشبه به {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} . على الظاهر على ظاهر الآية البيع مثل الربا، إذًا البيع مشبه بالربا هذا هو الأصل لكنهم أرادوا معنًى أدق من هذا، وهو أن الربا لا يُختلف فيه فيجعل أصلاً ويُلحق به البيع، والبيع الذي هو لا خلاف في حله وإنما الخلاف في حل ماذا - عندهم يعني -؟ في حل الربا فجعلوا الربا كأنه أصل وجهلوا التحريم وألحقوا به البيع وهذا يُسمى ماذا؟ تشبيهًا مقلوبًا فدخلت الأداة هنا على المشبه {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: 275]. الربا هو المشبه والمشبه به هو: البيع. لماذا؟ لأنه يُلْحَق المختلف فيه بالمتفق عليه، إذا أردت أن تشبه، تشبه شيئًا بماذا؟ شيئًا مختلفًا فيه بمتفق عليه لا العكس، هنا قصدوا ماذا؟ قصدوا أنه لا ينبغي أن يقع خلاف في الربا بل هو الأصل فأدخلوا اسم التشبيه مثل على المشبه {الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: 275]. الربا هو المشبه والبيع هو المشبه به قلبوا وعكسوا ماذا؟ للدلالة على معنًى غزيرًا، وهؤلاء عرب حينئذٍ ينظرون إلى المعنى فأرادوا أن يجعلوا الربا كأنه لا إشكال فيه هو الأصل والبيع هو الذي يمكن أن يختلف فيه فجعلوه أصلاً وقاسوا عليه أو حملوا عليه البيع، هذا ما يتعلق بشيءٍ من التشبيه ومبحثه أيضًا في ماذا؟ في كتب البيان.
العِقْدُ الخامس
نأخذ العام فقط نقف على هذا؟.
وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.