المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * النوع التاسع والعاشر (المطلق والمقيَّد) * النوع الحادي عشر - شرح منظومة التفسير - جـ ١٤

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * النوع التاسع والعاشر (المطلق والمقيَّد) * النوع الحادي عشر

‌عناصر الدرس

* النوع التاسع والعاشر (المطلق والمقيَّد)

* النوع الحادي عشر والثاني عشر (الناسخ والمنسوخ)

* النوع الثالث عشر والرابع عشر (المعمول به مُدَّةً مُعَيَّنة وما عَمِل به واحد)

* العقد السادس (ما يرجع إلى المعاني المتعلقة با لألفاظ وهي "6" أنواع الأول والثاني الفصل والوصل).

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

قال المصنف رحمه الله تعالى:

النوع (التاسع والعاشر) وهذا من العقد الخامس فيما يتعلق بالمعاني المتعلقة بالأحكام، جعل العقد الرابع فيما يتعلق بالألفاظ، ثم العقد الخامس فيما يتعلق بالمعاني المتعلقة بالأحكام، ثم جعل السادس في المعاني المتعلقة بالألفاظ كأنه قَسَّم اللفظ والمعنى على الاعتبار الذي ذكرناه سابقًا بأنه لا يمكن تجزئة الألفاظ عن المعاني، وإنما المقصود أنه يُنْظَرُ في اللفظ أصالةً ويكون المعنى تابعًا، أو يُنْظَرُ إلى المعنى أصالة ويكون اللفظ تابعًا، ثم هذا المعنى قد يكون متعلقًا بحكم تكليفي أو حكمٍ وضعي عن حكم شرعي، وإما أن يكون متعلقًا بالألفاظ.

النَّوعُ التَّاسِعُ وَالعَاشِرُ: الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ.

هذا من المباحث الراجعة للمعاني المتعلق بالأحكام، لأن الأحكام الشرعية كما هو معلوم أنها تؤخذ من المنطوق ومن الملفوظ، ومن المنطوق ما قد يكون مطلقًا في موضع ويكون مقيدًا في موضعٍ آخر، وإن شئت قلت: ما قد يكون مطلقًا في موضعٍ ولم يقيد في موضعٍ آخر، حينئذٍ يجب أن يُعْمَلَ بماذا؟ بإطلاقه يعني: إذا كان مطلقًا في موضع ولم يرد تقيده في موضعٍ آخر. ما الحكم الشرعي؟

يجب حمله على إطلاقه ولا يجوز تقيده بقيدٍ إلا بدليلٍ صحيح فإذا لم يوجد دليلٌ صحيح على تقيد المطلق كان من التحكم وإتباع الهوى.

وكذلك إذا جاء مقيدًا في موضعٍ ولم يَرِد إلا مقيدًا فحينئذٍ يجب إعماله أو حمله على قيده ولا يجوز إطلاقه أبدًا إلا بدليلٍ صحيح، حينئذٍ يجوز أن يطلق المقيد، وقد يَرِدُ في موضعٍ مطلقًا ويرد في موضعٍ آخر مقيدًا وهذا الذي عنون له هذا (النَّوعُ التَّاسِعُ وَالعَاشِرُ: الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ) وأما المطلق فقط فهذا يجب إعماله على إطلاقه وحمله على إطلاقه ولا يجوز تقيده بحالٍ من الأحوال وأي قيدٍ يضاف إلى أي مطلق من نصوص الشرع سواءٌ كان في المعتقد أو في الفروع حينئذٍ يكون من باب التحكم وإتباع الهوى، وإذا كان مقيدًا في موضعٍ ولم يرد إطلاقه البتة فحينئذٍ يجب أن يحمل على تقيده فإطلاقه يكون من قبيل التحكم وإتباع الهوى.

أما إذا جاء في موضعٍ مطلقًا وفي موضعٍ آخر مقيدًا هو الذي عنون له الأصوليون بباب المطلق والمقيد إذًا (المُطْلَقُ والمُقَيَّدُ) المراد به إذا ورد الخطاب أو اللفظ في موضعٍ مطلقًا وورد نفسه في موضعٍ آخر مقيدًا فما العمل حينئذٍ؟ عقد الأصوليون هذا الباب للتعامل مع هذه النوعية المعينة.

(المُطْلَقُ والمُقَيَّدُ) الْمُطْلَق بفتح اللام هذا اسم مفعول من أُطْلِقَ يُطْلَقُ فهو مُطْلَق، وبكسرها مُطْلِق هذا اسم فاعل الْمُقَيَّد قُيِّد يُقَيَّدُ فهو مُقَيَّد فهو اسم مفعول، والمطلق لغةً الانفكاك من أي قيدٍ حسيًا كان أو معنويًا، نقول: هذا الفرس مطلقٌ. يعني: في الحس، والمعنوي نحو الأدلة الشرعية تقول:

{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92]. هذا نصٌ مطلق هذا في المعنويات.

ص: 1

والْمُقَيَّد لغةً: ما يقابل المطلَق. وهو: ما قُيِّدَ بشيءٍ من شرطٍ أو وصفٍ أو نحوه. ما قيد بشيءٍ مطلقًا من شرطٍ أو وصفٍ أو نحوه.

المطلق اصطلاحًا: هو اللفظ الدال على الماهية بلا قيدٍ. اللفظ هذا جنس يشمل المطلق والمقيد ويشمل العام والخاص والحقيقة والمجاز

إلى آخره لأن المراد به كل ما يُتَلَفَّظ به مهملاً كان أو مستعملاً قوله: الدال. يعني: ذو دلالة إذًا أخرج المهمل لأن المهمل لا يدل على شيءٍ البتة، الدال على الماهية المراد به الحقيقة حقيقة الشيء سميت ماهية لماذا؟ لأنه يسأل عنها ما هي حقيقة كذا؟ ما هي حقيقة الإنسان؟ فيقول: حيوان ناطق

وهلم جره، إذًا لما كان السؤال عنها بلفظ ما هي حسن أن يُشتق لها لفظ الماهية، وإلا الماهية هذا من جهة اللغة فيه ركاكة ماهية لأن أصله ما هي ثم جعل مصدرًا صناعيًا ماهية مثل حيوانية وإنسانية وقومية ونحو ذلك فهذه تمسى ماذا؟ تسمى مصادر صناعية بزيادة ماذا؟ ياء النسبة مع التاء.

ما وردت، إنسان هذا اسم جامد لا مصدر له لأنه ليس بفعل ولا بمشتق حتى يقال إنه له مصدر، كيف نأتي بالمصدر. قالوا: ثم مصدر صناعي إنسان تزيد عليه الياء ثم تلحقه تاء التأنيث تقول: إنسانيةُ. مثل قوم هذا اسم جمع لا واحد له من لفظه فتقول: قومية .. وهلم جره، إذًا الماهية نقول: هذا مصدر اصطناعي.

ص: 2

بلا قيدٍ إذًا ما دل على حقيقة الشيء بلا قيد يعني من غير تقيد بالوحدة ولا تَعْيِين في الخارج ولا في الذهن، هذه ثلاثة أشياء منفية بلا قيد، يعني أخرج النكرة وأخرج المعرفة وأخرج علم الجنس لأن اللفظ الذي له دلالة وهذه الدلالة تكون في الذهن لأن ما دل على الماهية وجوده وجد الذهن إذا قيل: الإنسان له ماهية، ما هي هذه الماهية كونه حيوانًا ناطقًا، الحيوانية الناطقية موجودة في العقل ولا وجود لها في الخارج، إن لوحظ الخارج فحينئذٍ ما كان مقيدًا وملاحظًا بفرد واحدٍ في الخارج هذا يسمى النكرة، فالنكرة حينئذٍ لفظ دال على الماهية بقيد الوحدة، فحينئذٍ وُضِعَ اللفظ وله معنى في الذهن وهو المعنى الكلي وُضِعَ ملاحظًا له الفرد الخارجي، فحينئذٍ يدل المعنى الذهني الذي يكون في ضمن الفرد الخارجي يدل عليه دلالة مطابقة، فإن وُجِدَ الخارج على جهة التعيين فهو المعرفة، ولذلك قلنا: بلا قيد. المراد به ثلاثة أشياء بلا قيد يعني: بلا قيد الوحدة واحد غير مُعَيْنٍ في الخارج هذا هو النكرة لأن النكرة تدل على ماهية رجل، رَجل هذا يدل على ماذا؟ ذكر بالغ من بني آدم من هو هذا؟ لا، ليس مُعَيَّنًا في الخارج وإنما يصدق على زيد وعلى بكر وعلى عمرو وعلى خالد كلٌّ يسمى ماذا؟ يسمى رجلاً، نقول: المعنى الذهني لوحظ فيه الفرد الخارج، فحينئذٍ دل عليه دلالة مطابقة إن كان مُعَيَّنًا في الخارج كالرجل والإنسان، فرقٌ بين إنسان والإنسان وفرقٌ بين رجل والرجل، الرجل هذا دل على واحد لكنه معين ورجل دل على واحد لكنه غير معين، فإن كان التعيين في الخارج فهو المعرفة وإن كان في الذهن فهو ماذا؟ فهو علم الجنس لأن علم الجنس هو الدال على الماهية لتعيين في الذهن، لأن التعيين إما أن يكون في الخارج خارج الذهن وإما أن يكون في الذهن، إن عُيِّنَ في الخارج كالرجل وهو أحد المعارف السبعة نقول: لفظ دال على الماهية على الحقيقة لكن بقيد وهو التعيين الخارجي وهو المعارف كلها، لأنه إما أن يكون نكرة الاسم وإما أن يكون معرفة إن كان نكرة فهو لفظ دال على الماهية بقيد الوحدة في الخارج، والمعرفة بتعيين في الخارج دال على الوحدة وغيرها لكنه بتعيين إن كان التعين في الخارج فهو المعرفة إن كان في الداخل في الذهن فهو علم الجنس، إن لم يكن بقيد الوحدة ولا بقيد التعين الخارجي ولا بقيد التعيين الذهني كأسامة فنقول: هذا هو المطلق.

ص: 3

الدال على الماهية من حيث هِيَ هِي يعني لا باعتبار كونها موجودة في الخارج البتة، وإنما وضع لفظ رجل مثلاً أو إنسان وضع لفظ رجل للذكر البالغ العاقل من بني آدم وجوده في الذهن ليس له أي علاقة بفردٍ في الخارج، بخلاف النكرة النَّكرة وضع المعنى ولكنه ملاحظ وجوده في الخارج في فرد واحد لكن المطلق وضع للحقيقة للماهية للمعنى الذهني للمعنى الكلي للمعني الذي وجوده وجود ذهني وضع له بلا قيد البتة، يعني المعنى من حيث هُوَ هُو دون اعتبار أفرادٍ في الخارج، لم يؤخذ للفرد الخارج قيدًا في المعنى الذهني، لم يؤخذ، هذا فرق جوهري بين النكرة والمطلق لم يؤخذ الفرد الخارج قيدًا في وضع الحقيقة، وإنما أخذ الفرد الخارجي من جهة الالتزام لماذا؟ لأننا نقول: إذا كان بحث الأصوليين في المطلق فإذا كان المطلق هو حقيقة ذهنية بحته حينئذٍ نبحث في ماذا؟ في المعقولات أو في الملفوظات؟

في الملفوظات، إذًا ما أدخل الأصوليين، ما الذي أدخل الأصوليين في المباحث العقلية؟

نقول: لا هذا المعنى الذهني لا بد وأن يوجد في الخارج، وإن لم يكن الفرد الخارج قد أخذ قيدًا في الماهية، لكن دلالته عليه بدلالة الالتزام، ودلالة النكرة على الفرد الخارج بدلالة المطابقة، هذا هو الفرق بين النكرة والمعرفة عند من فرق بين النكرة والمطلق عند من فرق بينهما، وبعضهم سوى بين النكرة والمطلق فأطلقوا في هذا الباب باب المطلق قالوا: النكرة هي المطلق نفسها، النكرة هي المطلق لماذا؟

قالوا: لأنه لا ينبني عليه فرق من حيث الألفاظ وما يترتب عليها من حيث الأحكام الشرعية، فحينئذٍ كل نكرة هي مطلق وكل مطلق هي نكرة، لكن فرق الفقهاء ببناء مسألة - وهي مهمة صحيحة واقعة على هذين الحدين إذا قلنا: ثَمَّ فرق بين المطلق والنكرة - إذا قال الرجل لزوجته: إذا ولدتي ذكرًا فأنت طالق. ذكرًا نكرة فولدت اثنين تطلق أو لا؟

هذا ينبني على هذه، إن قلنا: المطلق والنكرة بمعنى واحد أنه لوحظ فيه المعنى الخارجي حينئذٍ لا تَطْلُق لماذا؟ لأنه علق على فردٍ واحد وقد وجد اثنين إذًا لم يوجد المعلق عليه، لكن لو قلنا: أن ثَمَّ فرق بين المطلق والنكرة حينئذٍ تَطْلُق لماذا؟

لأن الذكر وضع للماهية من حيث هي لا باعتبار وجوده في الخارج، فحينئذٍ قد يوجد في الخارج في ضمن واحد أو اثنين أو عشرة، فحينئذٍ إذا وجد مع تعدد الأفراد في الخارج نقول: قد وجد المطلق وهو معلق عليه الشرط هنا فتَطْلُق.

ص: 4

إذًا إن ولدت ذكرًا قالوا: إن ولدتي ذكرًا فأنت طالق. ولدت ثلاثة أو اثنين اثْنين فحينئذٍ إذا فرقنا بين النكرة والمطلق فرقنا بينهما حينئذٍ تَطْلُق على القول بأن هذا اللفظ مطلق، وإذا قلنا: هما سيان، هما سواء فحينئذٍ لا تطلق، لأن التقييد يكون إن ولدتي ذكرًا واحدً هذا نعت صفة لأن هذا له الشأن في النكرة ما دل على واحد شائعٍ في جنسه دل على فرد واحد شاع في جنسه وهو ذكر حينئذٍ كأن التقدير إن ولدتي ذكرًا واحدًا فأنت طالق فولدت اثنين لا تَطْلُق لأن المعلق عليه واحد، إذا لم تجد نية إذا لم تكن ثَمَّ نية. إذًا هذا هو حقيقة المطلق هو اللفظ الدال على الماهية بلا قيد أو إن شئت قل: اللفظ المتناول لواحد لا بعينه. باعتبار حقيقة شاملة للجنس، لفظ وهذا يشمل المطلق وغيره كل ما يتلفظ به المتناول لواحدٍ هذا أخرج الألفاظ ألفاظ الأحداث، المتناول لأكثر من واحد كاثنين ثلاث وعشرة وخمس إلى آخره لأنه متناولة لأكثر من واحد، لا بعينه اللفظ المتناول لواحد لا بعينه أخرج ماذا؟ ما تناوله واحدًا بعينه مثل ماذا؟ العلم زيد، زيد هذا لفظ تناول واحدًا بعينه لأن مسماه معين، وأخرج ما مدلوله واحد معين كالرجل، الرجل ليس بعلم وهو معرفة لكن مدلوله ماذا معين وهو واحد، وأخرج العام المستغرق، إذًا الواحد لا بعينه أخرج المستغرق لأن العام لفظ يستغرق جميع ما يَصْلُح له واللفظ، فحينئذٍ نقول: فرق بين المطلق والمقيد. باعتبار حقيقة واحدة هذا أخرج المشترك لأن المشترك يتناول لواحد لا بعينه كالقرء مثلاً يتناول الحيض أو الطهر لكن هل حقيقة الطهر وحقيقة الحيض من جنس واحد؟ لا، متباينان. لكن لو قلت: رجل. يتناول واحد لا بعينه زيد أو خالد حقيقتهم واحدة أم لا؟ متحدة إذًا حقائقهم متحدة بخلاف القرء ونحوه، وأخرج أيضًا الواجب المخير الواجب المخير هذا يتناول واحد لا بعينه أليس كذلك؟ لكنه حقائقها مختلفة لا متحدة مثل ماذا؟ كفارة اليمين مُخَيّر بين ثلاث إذًا نقول: هذه الثلاث المراد بالواجب المخير واحد منها لا بعينه أليس كذلك؟ إما إطعام وإما كسوة وإما تحرير، واحدة منها لا بعينه، إذًا الواجب المخير متناول لواحد لا بعينه لكن هل هذه ثلاثة الأشياء من جنس واحد أو مختلفة؟ مختلفة والشرط في المطلق أن تكون من جنس واحد، لذلك قال: اللفظ المتناول لواحد لا بعينه باعتبار حقيقة شاملة لجنسه وأما المشترك والواجب والمخير فإن كل منها يتناول واحدًا لا بعينه باعتبار حقائق مختلفة.

المطلق قد يكون في الأمر اعتق رقبة وهذا أمر أو لا؟ إذًا وقع في سياق أو في معرض الأمر اعتق رقبة، كذلك في مصدر الأمر {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} يعني: حرروا رقبة. ويرد أيضًا في الخبر عن المستقبل سأعتق رقبة وهل يرد في الماضي أعتقت رقبة؟

يَرِدُ في الأمر أعتق رقبة، نقول: هذا لفظ متناول لواحد لا بعينه إلى آخر الحل، {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} مصدر الأمر يأتي أيضًا في الخبر عن المستقبل سأعتق رقبة لكن في الماضي يتناول واحدًا بعينه لو قال: أعتقت رقبة. أخبر بماذا؟

ص: 5

بأنه أعتق رقبة وهذه متناوله لواحد لا بعينه، أكرمت رجلاً هذا متناول واحدًا لا بعينه، أكرمت طالبًا هذا كله في الماضي حينئذٍ هذا يتناول واحدًا بعينه.

أما المقيد عرفناه في اللغة وأما في الاصطلاح فهو: المتناول لمعينٍ هو اللفظ المتناول لمعينٍ، أَعْطِ هذا الفقير هذا متعين أو لا؟ متعين، أو لغير معين موصوف بأمر زائد عن الحقيقة الشاملة لجنسه يعني: قد يتعين بشيء حسي كالإشارة أو بشيء لفظي أو يكون نكرة لكنه يأتي وصف زائد دال على وصف زائد على مجرد الماهية {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} رقبة معينة أو لا؟ رقبة مؤمنة معينة أو لا؟ معينة من جهة ماذا؟ من جهة الوصف لأنه إما مؤمن وإما كافر، فحينئذٍ لما زيد وصف الإيمان تعين بكون هذه الرقبة لا تخرج عن صفة الإيمان ولا واسطة.

إذًا المتناول لمعين أو لغير معين موصوف بأمر زائد عن الحقيقة الشاملة لجنسه، أَعْطِ هذا الفقير تقول: هذا معين بماذا؟ بالإشارة أعطِ الفقير الجالس مثلاً نقول: هذا مقيد بالوصف.

النَّوعُ التَّاسِعُ وَالعَاشِرُ: الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ.

المطلق مع المقيد عند الأصوليين كالعام مع الخاص ولذلك بعضهم يذكره في ضمن الكلام عن العام والخاص لماذا؟ لأن المطلق يشبه العام من حيث ماذا؟

من حيث دلالته على الشمول لأن المطلق فيه شمول يشمل فيه استيعاب فيه استغراق لكن استغراقه وشموله واستيعابه بدليٌّ، حينئذٍ الرجل إذا قيل: أعتق رقبة. الرقبة هذا يشمل كل ما يَصْدُق عليه اللفظ أنه رقبة كل ما يصدق عليه أنه رقبة داخل تحت مسمى اللفظ، فيحتمل زيد أو عمرو أو .. إلى آخره من العبيد أليس كذلك؟ لكنه لا على جهة كونه دفعة واحدة يعني: لا يشمل اللفظ رقبة كل المسمى ما يصح أن يطلق عليه لفظ رقبة لا يشمل الجميع دفعة واحدة وإنما على جهة البدل فإذا قيل: أعتق رقبة. فإذا أعتق زيد وهو رقبة حينئذٍ سقط الحكم وبرئت الذمة عن إطلاق اللفظ عن غيره، وأما العام فلا فهو موضوع للماهية لشمولها لكل الأفراد دفعةً واحدة، فإذا قيل:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] كل المؤمنين دخلوا في هذا اللفظ دفعةً واحدة لأن اللفظ موضوع لجميع الأفراد بخلاف ماذا؟ بخلاف أعط رجلاً أو أكرم طالبًا.

إذًا المطلق موضوع للماهية فقط بقطع النظر عن أفرادها فعمومه بدليٌّ كأسد، موضوع لماذا؟ للماهية فقط بقطع النظر عن أفرادها كما ذكرناه في الحدِّ فعمومه حينئذٍ يكون بَدَلِية والعام موضوع للماهية المتحققة في جميع الأفراد فعمومه شمولي كما ذكرناه في المثال السابق.

المطلق والمقيد قال رحمه الله:

وَحَمْلُ مُطْلَقٍ على الضِدِّ إِذا

أَمْكَنَ وَالحُكْمُ لَهُ قَدْ أُخِذَا

ص: 6

(وَحَمْلُ مُطْلَقٍ على الضِدِّ) هذا متى؟ هذا يُتَصور فيما أطلق في خطاب وقيد في الخطاب الآخر لأن الأحوال ثلاثة الإطلاق والتقيد لها ثلاثة أحوال: إما أن يُطْلَق فقط ولا يَرِدُ تقيده أبدًا في موضع آخر - وتنبه إلى هذه من يبحث في الفقه - إذا جاء مطلقًا حينئذٍ يجب حمله على إطلاقه ولا يجوز تقيده البتة، فتقيده من غير دليل شرعي هذا تحكم وهوى، وإذا جاء مقيدًا ولم يرد إطلاقه البتة حينئذٍ يجب حمله على تقيده ولا يجوز إطلاقه البتة، فإذا أطلق من غير دليل شرعي فيكون من باب التحكم وإتباع الهوى، أما إذا جاء في موضع مطلق وفي موضع آخر مقيد هو الذي عناه الناظم قال:(وَحَمْلُ مُطْلَقٍ على الضِدِّ). ما هو ضد المطلق؟

المقيد، ضد المطلق المقيد. وعليه نقول: إذا ورد لفظ مطلق في خطاب وورد أيضًا مقيدًا في خطاب آخر لا يخلو عن أربعة أحوال - وهذا ما يسمى عند الأصوليين بصور حمل المطلق على المقيد-:

إما أن يتحدا حكمًا وسببًا.

وإما أن يختلفا حكمًا وسببًا.

وإما أن يتحدا حكمًا ويختلفا سببًا.

أو بالعكس.

هذا أربعة أحوال بعضها متفق عليها وادعي فيه الإجماع وذلك فيما إذا اتفق الحكم والسبب معًا، وما عداه فهو مختلف فيه إلا إذا اختلف الحكم والسبب معًا فادعي الإجماع على ماذا؟ على عدم حمل المطلق على المقيد.

الصورة الأولى نقول: أن يتحدا في الحكم والسبب معًا، أن يكون حكم المطلق هو عينه حكم المقيد وأن يكون السبب في المطلق هو عينه السبب في المقيد، ادعي الإجماع في هذه المسألة بأنه يجب حمل المطلق على المقيد ونُفِيَ الخلاف يعني: يجب حمل المطلق على المقيد بلا خلاف في هذه المسألة وذلك متى؟

ص: 7

إذا اتحدا حكمًا وسببًا. مَثَّلَ له بعضهم بقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [المائدة: 3]. الدم ورد في مواضع مطلقًا {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} وجاء في سورة الأنعام مقيدًا {أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً} [الأنعام: 145] حينئذٍ الحكم واحد وهو: تحريم الدم. والسبب واحد هو ما في الدم من الإيذاء والمضرة قالوا: فيجب حمل المطلق في جميع السور على المقيد في سورة الأنعام {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} إذًا المسفوح أي: المسفوح. بدليل ماذا؟ بدليل تقييده في سورة الأنعام هذا نقول: مطلق ومقيد. {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} الحكم هو: تحريم الدم. السبب هو: ما في الدم من الأذية والمضرة. {أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً} هذا حُكِمَ عليه بأنه نجس فيستلزم ماذا؟ التحريم لما فيه من المضرة والإيذاء. إذًا اتحدا حكمًا وسببًا يجب حمل المطلق على المقيد يعني: نقيد المطلق {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} يجب تقيد هذا المطلق بالقيد الذي قُيِّدَ به في سورة الأنعام فيقال: حرمت عليكم الميتة والدم المسفوح. من أين جئنا بالدم المفسوح نقول: هذا من حمل المطلق على المقيد لأن السبب واحد والحكم واحد، هذا في القرآن مبحثنا في القرآن لكن سبق المثال أنه في السنة «لا نكاح إلا بولي». وجاء في رواية:«لا نكاح إلا بولي مرشدٍ وشاهدي عدل» . «لا نكاح إلا بولي» و «لا نكاح إلا بولي مرشد» . الحكم ما هو؟ نفي النكاح صح؟! والسبب؟ ما هو السبب؟ السبب النكاح والحكم عدم صحته هذا الحكم «لا نكاح» . صحيح أليس كذلك حينئذٍ اتحدا حكمًا وسببًا فنقول: «لا نكاح إلا بولي» . هذا مطلق ولي مطلق يشمل المرشد وغيره «لا نكاح إلا بولي مرشد» إذًا اشترط ماذا؟ أن يكون مرشدًا فحينئذٍ أخرج غيره السفيه ونحوه حينئذٍ نقول: يجب تقيد المطلق أو حمل المطلق على المقيد هذا في السنة وبحثنا في القرآن.

الثاني: أن يختلفا في الحكم والسبب معًا. أن يختلفا يعني: المطلق والمقيد في الحكم والسبب معًا، وهذا لا حمل لأحدهما على الآخر إجماعًا، الأول ادُّعي الإجماع وقيل على قول الجمهور والثاني هذا قيل: لا حمل لأحدهما على الآخر إجماعًا، مثاله تقييد الصيام للتابع في كفارة اليمين مع إطلاق الإطعام في كفارة الظهار، في كفارة اليمين قال ماذا؟ {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} أليس كذلك؟ بلى {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} ما السبب هنا؟ كفارة، كفَّارة ماذا؟ كفارة اليمين، هذا سبب، والحكم الصيام دون نظر إلى قراءة ابن مسعود هذا مراد يعني: نظر للنص القرآني فقط وجاء في كفارة الظهار ماذا {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} [المجادلة: 4] هل نقول هنا تقييد الصيام بالتتابع لكفارة الصيام؟ نعم المثال بالملاحظة قراءة ابن مسعود (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) فجاء في كفارة الظهار إطلاق الإطعام {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} [المجادلة: 4] هل نقول: متتابعين؟ هل نقيد نحمل المطلق على المقيد؟ نقول: لا لماذا؟

لاختلاف الحكم والسبب، ما هو الحكم في كفارة اليمين؟ الصيام، ما السبب؟ الكفارة.

ص: 8

في كفارة الظهار الحكم الإطعام، السبب الظهار، إذًا اختلف حكمًا وسببًا لا يُحْمَل هذا على ذاك.

الثالث: أن يتفق الحكم ويختلف السبب، وهذا ما مَثَّلَهُ الناظم إطلاق الرقبة في كفارة الظهار {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} ، وقيدت في كفارة القتل، الحكم واحد والسبب مختلف هذا قتل وهذا ظاهر، هل يحمل المطلق على المقيد، هذا فيه خلاف فيما إذا اتحدا السبب هنا اتحد ماذا؟ الحكم واختلف السبب.

الجمهور على حمل المطلق على المقيد في هذا النوع، وذلك مثل إطلاق الرقبة في كفارة الظهار في قوله:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} . مع تقيد الرقبة بكونها مؤمنة في كفارة القتل {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فالحكم العتق، والسبب في الرقبة المطلقة الظاهر، وفي الرقبة المقيدة بالإيمان قتل الخطأ، وهذا المطلق يحمل على المقيد عند أكثر أهل العلم، والأحناف لهم نزاع ذكرناه في شرح القواعد.

الرابع: عكس الثالث، ما هو عكسه؟ أن يتفقا السبب ويختلفا في الحكم، الثالث الاتفاق في الحكم والاختلاف .. عكسه. الاتفاق في السبب والاختلاف في الحكم، هذا مَثَّلُوا له بالمثال المشهور وهو قوله تعالى في آية الوضوء {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] وقال في التيمم {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ} . أطلق هنا وقيد في ماذا؟ في الوضوء، ما هو سبب الوضوء؟ الحدث والقيام إلى الصلاة. الحكم غسل اليدين، وما هو السبب في التيمم؟ الحدث أيضًا والقيام إلى الصلاة ما الحكم؟

المسح وهو التيمم، إذًا اتفقا في السبب واختلفا في الحكم، الْغَسْل مغاير للمسح هل يحمل المطلق على المقيد؟

هذا محل نزاع، والصواب أنه لا يحمل، أكثر العلماء على عدم حمل المطلق على المقيد في هذه الحالة، ومَثَّلُوا له أيضًا بقوله ويختلف الحكم إطلاقًا

{فَإِطْعَامُ} في كفارة الظهار {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} مع تقييد الصيام بقوله: {مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} ، {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] هل يُحْمَلُ أو لا؟ نقول: لا.

هذه الأقسام الأربعة فيما إذا كان المقيد واحدًا، وأما إذا تعدد المقيد يعني: جاء مطلقًا في موضع وجاء مقيدًا في موضع آخر بقيد وجاء مقيدًا في موضع آخر بقيد يغاير ذلك القيد، إذًا مطلق ومقيدان الأحكام الأربع صور هذه كلها في ماذا؟ مطلق ومقيد، لكن لو جاء عندنا مطلق ومقيدان يعني: جاء إطلاقه في موضعه وجاء تقيده في موضع آخر وجاء تقيده في موضع ثالث لكنه بقيد مغاير عن القيد الثاني في الحالة الثانية على أيٍّ يحمل منها أو لا يحمل؟

هذا فيه تفصيل.

ص: 9

أما إن كان هناك مقيدان بقيدين مختلفين فإن كان القيدان متضادين متقابلان حينئذٍ ولم يكن أحدهما أقرب من الآخر لم يحمل المطلق على واحد منهما اتفاقًا يعني ننظر في هذين المقيدين قُيد بقيد وقيد في الموضع الثالث بقيد آخر ننظر فيهما إن كانا متضادين ولم يكن أحدهما أقرب إلى المطلق نقول: لم يحمل على واحد منهما اتفاقًا، مَثَّلُوا له بماذا؟ - فضائل رمضان - {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ} من أيام متتابعات أم متفرقات مطلق أو مقيد؟ مطلق. جاء في كفارة اليمين مقيد {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] قراءة ابن مسعود

(متتابعات) وجاء في صوم التمتع {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] جاء ماذا؟ مقيدًا بالتفريق، جاء في كفارة اليمين مقيدًا بالتتابع، وجاء في كفارة في صوم التمتع مقيدًا بالتفريق نحمله على ماذا؟

إذا قلنا: نحمله على كفارة حينئذٍ يجب على من عليه قضاء شهر رمضان أن يصومه متتابع فلو فرقه أَثِم، وإذا قلنا: نحمله على صوم التمتع حينئذٍ يجب عليه التفريق فلو تابعه أَثِم أليس كذلك؟ إذا قيدناه لأننا نقول: يجب. نقول ماذا؟ يجب، لكن نقول هنا: لا يمكن حمل النص المطلق على واحد منهما. لا يمكن حمل المطلق على واحد منهما بل يبقى على إطلاقه فلا يقيد لا بالمتابعة ولا يقيد بتفريق، {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} هذا مقيد بالتتابع، وقوله تعالى في صوم التمتع:{فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89]

الآية مقيدًا بالتفريق، فيبقى المطلق على إطلاقه لامتناع تقيده بهما لتنافيهما يعني: القيدين، وبواحد منهما لانتفاء مرجحه على الآخر حينئذٍ لا يجب في قضاء رمضان تتابع ولا تفريق، وهو معنى قول الناظم الذي سيأتي (حُكْمَهُ لا تَقْتَفِي).

أما إذا ورد على المطلق قيدان أو مقيدان متضادان ولكن يمكن ترجيح أحدهما على الآخر، فحينئذٍ يكون الراجح مُقَيِّدًا للمطلق يكون الراجح المعنى الذي هو أقرب إلى المطلق هو المقيد يعني يحمل المطلق على أرجح القيدين وأشبههما كقوله تعالى:{فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} . مع قوله: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} . في الظهار مع آية التمتع صوم التمتع قوله: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ

أَيَّامٍ}. في الكفارة لو لم ننظر إلى قراءة ابن مسعود {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} نقول: هذا كفارة جاء مطلقًا في القرآن وجاء مقيدًا في الظهار {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} وجاء مفرقًا في صوم التمتع لو أردنا أن ننظر في القيدين التتابع أو التفريق أي النصين والمقيدين أقرب إلى قوله {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} ؟

التتابع لأنه كفارة {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} هذا كفارة، والظهار كفارة، والصوم التمتع نقول: هذا ليس بكفارة. إذًا أيهما أقرب إلى النص إلى المطلق التقييد بالتتابع.

(وَحَمْلُ مُطْلَقٍ على الضِدِّ) على المقيد (إِذا أَمْكَنَ) ذلك الحمل بوجود الجامع وانتفاء المانع وذلك في الثلاثة الصور السابقة فيما إذا اتحدا حكمًا

وسببًا، فيما إذا اتفقا حكمًا واختلفا سببًا، وفيما إذا اختلفا سببًا واتفقا حكمًا، بقي ماذا؟

ص: 10

هناك حالة بالإجماع لا يُحْمَل وهي: فيما إذا اختلفا سببًا وحكمًا بالإجماع ادُّعى الإجماع أنه لا يحمل المطلق على المقيد، وهناك حالة قلنا: أكثر العلم على عدم وهو: فيما إذا اختلفا حكمًا واتحدا سببًا. هذا أكثر أهل العلم على أنه لا يحمل المطلق على المقيد لكن عند الشافعية يحمل، ولذلك أجراه الشارح المساوي وغيره قال: يحمل. ومَثَّلُوا له بآية التيمم والصواب أنه لا يحمل، بل أكثر أهل العلم على أنه لا يحمل بقي ماذا؟

بقي حالتان وهما:

إذا اتحدا حكمًا وسببًا وهذا يجب.

وفيما إذا اتفقا حكمًا واختلفا سببًا.

إذًا الشرط اتحاد الحكم، الشرط في حمل المطلق على المقيد اتحاد الحكم مطلقًا سواء اتحد السبب أم اختلف، هذا هو الضابط نقول:(وَحَمْلُ مُطْلَقٍ على الضِدِّ إِذا أَمْكَنَ). إذا أمكن ذلك الحمل وذلك فيما إذا اتحد الحكم مطلقًا، حكم المطلق والمقيد سواء اتحدا سببًا أم اختلفا سببًا، (وَالحُكْمُ لَهُ قَدْ أُخِذَا) (وَالحُكْمُ لَهُ) أي: حكم المقيد قد أُخِذَا له الضمير يعود على ماذا هنا؟ على المطلق هو الظاهر على أنه على المطلق لكن الشارح المساوي يقول: على المقيد. وليس بظاهر، بل الظاهر أنه له للمطلق يعني: ترتيب الكلام والحكم قد أخذ - هذا مغير الصيغة - والألف للإطلاق يعني: نُزِّلَ المطلق على المقيد أُخِذَا له حكم، حُكم المقيد أل للعهد هذه حكم المقيد أُخِذ له لماذا؟ للمطلق هذا هو الظاهر.

كالقَتْلِ والظِّهَارِ حَيْثُ قَيَّدَتْ

أُولاهُمَا مُؤْمِنَةٌ إِذْ وَرَدَتْ

هذا مثال في أي صورة؟ في اتحاد الحكم واختلاف السبب، (كالقَتْلِ) أي ككفارة القتل وككفارة الظهار (حَيْثُ قَيَّدَتْ) بالبناء الفاعل (أُولاهُمَا مُؤْمِنَةٌ) قيدت مؤمنة هذا فاعل قيدت (أُولاهُمَا) الكفارتين التي كفارة القتل مؤمنة فقال:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]. وجاءت مطلقة في كفارة الظهار {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] هنا السبب مختلف قتل وظهار والحكم واحد وهو تحرير رقبة يجب حمل ماذا؟

المطلق على المقيد، لأنه ممكن هنا.

كالقَتْلِ، والظِّهَارِ حَيْثُ قَيَّدَتْ

أُولاهُمَا مُؤْمِنَةٌ ................

(أُولاهُمَا مُؤْمِنَةٌ) هذا فاعل قيدت (إِذْ وَرَدَتْ) يعني: مؤمنة وردت في النص هذا من باب التتميم، وحيث لا يمكن هذا يطابق قوله:(إِذا أَمْكَنَ). مفهومه إذا لم يمكن لا يحمل قوله: (وَحَمْلُ مُطْلَقٍ على الضِدِّ إِذا). على الضد يعني المقيد. (إِذا أَمْكَنَ) يحمل، مفهومه - مفهوم مخالفة مفهوم الشرط كما أخذناه البارحة {وَإِن كُنَّ أُولَاتِ} [الطلاق: 6]- مفهومه إذا لا يمكن لا يحمل المطلق على المقيد صرح بهذا المفهوم لو سكت عند قوله: (إِذْ وَرَدَتْ). نفهم من البيت الأول أنه إذا لم يمكن لا يُحمل المطلق على المقيد، لكن نص هنا على ما فُهِمَ سابقًا لإيراد المثال لأنه قال: كالقضاء. أراد أن يُورِد مثال لما لا يمكن فيه حمل المطلق على المقيد.

ص: 11

(وحَيْثُ لا يُمْكِنُ) حمل المطلق على المقيد بأن كان ثَمَّ مقيدٌ في محلين بالمتنافيين ولم يكن المطلق أولى بالتقييد من أحدهما هذا فيما ذكرناه من مثال {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} هنا ورد المقيد في موضعين بمقيدين مختلفين متضادين ليس أحدهما أرجح من الآخر حينئذٍ نقول: لا يحمل المطلق على المقيد اتفاقًا إما إذا وجد مرجح في أن يكون ثَمَّ شبه بين المطلق وبين أحد المقيدين فحينئذٍ نحمل المطلق على أقربهما شبهًا على أقرب المقيدين شبهًا، وحيث لا يمكن حمل المطلق على المقيد (كالقَضاءِ) وذلك (كالقَضاءِ) القضاء هذا إعرابه خبر مبتدأ محذوف وذلك (كالقَضاءِ)

في شهر رمضان في قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} . حكمه؟

(لا تَقْتَفِي)، حكمه حكم ماذا؟ حكمه (لا تَقْتَفِي) يعني: لا تتبع.

(لا تَقْتَفِي) الاقتفاء والإتباع قَفْوا الأسد يعني: إتباع الأسد. (لا تَقْتَفِي)(حُكْمَهُ) هذا مفعول به منصوب مقدم لقوله: (لا تَقْتَفِي). يعني: لا تقتفي حكمه لا تتبع حكمه أي: حكم ذلك المقيد، بل يبقى المطلق على إطلاقه، أو لا تقتفي حكمه أي: حكم الحمل ذلك الحمل المذكور حينئذٍ يكون إشارة على قوله: (وَحَمْلُ مُطْلَقٍ على الضِدِّ). هذا حكم لا تقتفي حكمه أي: لا تتبع حكم الحمل المذكور ولا إشكال في التقديرين، والمثال قد ذكرناه فيما سبق.

إذًا هذا ما يتعلق بماذا؟ بالمطلق والمقيد.

النوع الحادي عشر والثاني عشر: النَّاسِخُ والمنسوخُ

النوع الحادي عشر والثاني عشر من هذا العقد الذي هو متعلق بالمعاني المتعلقة بالأحكام الناسخ والمنسوخ، ناسخ هذا اسم فاعل من النسخ، والمنسوخ هذا اسم مفعول من النسخ والمراد به الناسخ من القرآن والمنسوخ من القرآن، حينئذٍ لا بد من معرفة حقيقة النسخ.

فنقول النسخ لغة: الإزالة أو النقل. يعني: يطلق بهذا المعنى أو على المعنى الثاني، النسخ لغةً الإزالة تقول: نسخت الشمس الظل. بمعنى: أزالته. النقل نسخت الكتاب أي نقلت ما فيه، والمراد به هنا الإزالة المراد به هنا يعني المناسب للمعنى الاصطلاحي الإزالة لأن النسخ هنا في الاصطلاح رفع الحكم بمعنى إزالة الحكم وليس ثَمَّ نقلٌ، وعند السلف - لأن الاصطلاح يختلف بين المتقدمين وبين المتأخرين - عند السلف يطلق النسخ بمعنى أو مرادًا به البيان، ولذلك عندهم يُطْلَقُ على التخصيص نسخٌ، فيقال هذا: نسخ. فيظن الظان أن الآية ناسخة وهي مخصصة لماذا؟

لأن مفهوم النسخ عندهم أوسع من مفهوم النسخ عند المتأخرين. إذًا معناه معنى النسخ عند السلف هو: البيان. فإذا كان البيان فيشمل حينئذٍ أو يدخل فيه تخصيص العام لأنه بيان، ويدخل فيه تقيد المطلق لأنه بيان، ويدخل فيه تبين المجمل لأنه بيان، ويدخل فيه رفع الحكم بالجملة لأنه بيان.

ص: 12

الرابع هذا خصه المتأخرون - قبيل الاصطلاح - خصه بالنسخ ولم يطلقوا النسخ على تخصيص العام ولا على تقييد المطلق ولا على تبين المجمل، وهذا لا إشكال يكون من باب الاصطلاح ولا نقول: المتأخرين قد أساءوا للمتقدمين. نقول: هذا معناه كذا وهذا معناه كذا ولا مشاحة في الاصطلاح لأن هذا الاسم ليس توقيفيًا المصطلحات هذه ليست توقيفية، فإذا خالف المتأخرون المتقدمين في اصطلاح وخاصة إذا لا ينبني عليه كبير أحكام أو فرق بأحكام نقول هذا ماذا؟ هذا من قبيل الاصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح ولا نأتي بكتب الأصول هنا نقول: هذه مما تجرأ المتأخرون على المتقدمين. لا بأس يبين هذا ليعلم الطالب أنه إذا بحث في التفسير ونقل عن ابن عباس وغيره أو كبار التابعين بأن هذا نسخ فيتأنى لا يحمله على النسخ عند المتأخر يتأنى يقف فينظر فيه يتأمل هل ثَمَّ مخصص وعام، هل ثم مطلق ومقيد، هل ثَمَّ مجمل ومبين إن لم يكن فحينئذٍ لا بأس أن يحمله على المعنى عند المتأخرين معنى النسخ عند المتأخرين، والمراد به أن يتريث ويتأنى.

وعند المتأخرين رفع الحكم الثابت بخطاب متقدمٍ بخطاب متراخي عنه، ربط الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخي عنه، أو إن شئت قلت أقصر من هذا: رفع حكم شرعي بدليل شرعي متراخي. هكذا عرفه في ((مختصر التحرير)) رفع حكم شرعي بدليل شرعي متراخي، رفع الحكم الثابت رفع هذا عنون له في أول الحد بالمصدر، فحينئذٍ نقول: هذا موافق لمعناه اللغوي الذي هو معنى الإزالة لأن الرفع هنا بمعنى الإزالة، الرفع إزالة الشيء بمعنى تغيره، غُيِّر الحكم رُفِعَ الحكم الشرعي بمعنى غُيِّر كان واجبًا ثم صار مباحًا كنسخ ماذا؟ {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12] قيل: هذه للوجوب فنسخت. فحينئذٍ نقول: غير الحكم أزيل الحكم الأول كله فنقول: تغير الحكم. إذًا رفع الحكم أي: إزالة الحكم بمعنى تغييره من إيجاب إلى إباحة، أو من إباحة شرعية إلى إيجاب وندب ونحو ذلك، من تحريم إلى إباحة «كنت نهيتكم عن زيارة القبور». نهي الأصل أنه يحمل على ماذا؟ على التحريم «فزوروها». إما إيجاب وإما سنة فنقول: سنة. إذًا انتقل الحكم من ماذا؟ من التحريم إلى السنة، نقول: هذا هو المراد بالرفع إزالة الحكم وتغيره على وجه لولاه لبقي ثابتًا، يعني: لولا الحكم الثاني لبقي الأول ثابتًا كما هو يعني لولا قوله تعالى: {أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا} [المجادلة: 13]

الآية لبقي ماذا؟ وجوب الصدقة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لولا الناسخ لبقي الحكم ثابتًا كما هو، ليخرج ماذا؟ ليخرج زوال الحكم بخروج وقته، لو خرج الحكم بخروج وقته نقول: تغير وأزيل الحكم لكنه ماذا؟ بانتهاء وقته، إذا زال الحكم بخروج الوقت نقول: هذا ارتفع الحكم وزال الحكم وتغير، فحينئذٍ نقول: هذا نسخ أو لا؟

ليس بنسخ لماذا؟ لأن الحكم مقيد بالزمن ومثلنا له في القواعد بماذا؟

بصلاة الجمعة، إذا لم يصل حتى خرج الوقت فقام فصلى الجمعة بعد صلاة العصر نقول ماذا صلاة واجبة أم لا؟ الجمعة تقضى أو لا؟

ص: 13

لا تقضى باتفاق، فحينئذٍ لو أراد أن يصلي صلاة الجمعة بعد العصر نقول: هذه واجبة زال الحكم أو لا تغير أم لا؟ هل هذا نسخ؟

نقول: لا، هنا أزيل الحكم لخروج وقته لأنه مغير بوقت معين بخلاف سائر الفرائض.

أي: انتهاء وقت الحكم لا يسمى نسخًا كمن أخرج الجمعة عن وقتها فلا يصلي لعدم الوجوب، رفع الحكم الثابت بخطاب، إذًا الحكم السابق المنسوخ يكون ثابتًا بماذا؟ بخطاب لا بد أن يكون ثابتًا بخطاب احترز به عن الثابت بالبراءة الأصلي، والثابت بخطاب هذا صفة للحكم المنسوخ ليُخْرِج ماذا؟

رفع الحكم السابق بالأصالة وهي البراءة الأصلية عدم التكليف بالشيء، فرفع البراءة الأصلية لا يسمى نسخًا.

وما من البراءة الأصلية

قد أخذت فليست الشرعية

حينئذٍ نقول: هذه إباحة لا شك أنها إباحة لكنها إباحة عقلية لا شرعية لأنها دل عليها العقل، وما دل عليه العقل ليس بشرع، فإذا جاء الشرع ابتداء العبادات لا نقول أنه نسخ، فالأصل عدم وجوب الصلوات كلها حتى نزل تشريع إيجاب الصلوات الخمس، قبل ذلك نقول: ليست بواجبة. إذًا عدم الوجوب ثم وجبت هل نقول: الخطاب الثاني رافع وناسخ لما ثبت بالعقل وهو عدم وجوب الصلوات؟ نقول: لا، لأنه ثبت بالبراءة الأصلية.

متقدمة أي في الورود على المكلفين لأن ابتداء العبادات في الشرع مزيل حكم العقل من براءة الذمة وليس هذا بنسخ، وبدليل متقدم بخطاب متراخٍ نقول: بدليل أحسن ليشمل ماذا؟ فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في الوضوء أليس كذلك؟ كان الأصل أنه يجب أن يتوضأ لكل صلاة وبعد ذلك نُسِخَ بماذا؟ بالسنة بفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وبدليل ليخرج زواله بزوال التكليف يعني رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم، رُفِعَ الحكم لكن بالموت مات نقول: رُفِعَ الحكم السابق بخطاب المتقدم كان يجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان لكنه مات ارتفع أو لا؟

ارتفع، لكن ارتفع بماذا؟ بزوال التكليف لا بدليل شرعي، فإذا أزيل التكليف بنحو جنون أو إغماء أو موت فنقول: ارتفع التكليف. ولا نجعل ذلك الجنون أو ذلك الموت رافعًا بكونه ناسخًا، لا، وإنما نقول: أزيل لفوات رفع التكليف، متراخٍ لماذا نشترط فيه لكونه متراخٍ؟ ليُخرج البيان والتخصيص، فالناسخ لا بد أن يكون متأخرًا عن الأول غير متصل به.

عرفنا حد النسخ؟ هذا حقيقته.

نقول: النسخ مما خص الله به هذه الأمة لِحِكَمٍ منها التيسير، ومنها تسهيل الأجر للمؤمنين ومضاعفة الأجر لهم، وقد أجمع المسلمون على جوازه لا خلاف، خلافًا لليهود والرافضة منعوا النسخ لكن لا نلتفت هنا دليلهم.

ص: 14

من التعريف لا بد أن يكون الناسخ والمنسوخ سَمْعِيَّيْنِ أليس كذلك؟ نقول: بالخطاب، رفع الحكم الثابت بخطاب متراخٍ، لا بد أن يكون كلاً من الناسخ والمنسوخ بخطاب، لا بد أن يكونا سَمْعِيَّيْنِ، فالعقل لا يثبُت به النسخ، والإجماع مجرد دعوى الإجماع لا يثبت به النسخ، ولو وُجِدَ بأن الأمة أجمعت وصح الإجماع حينئذٍ يكون إجماعًا على النص الناسخ، أما في مجرد الإجماع فليس بنسخ لماذا؟ [

أحسنت] لأن الإجماع لا ينعقِد إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم هذا شرطه، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم والنسخ لا يكون إلا بوحي فكيف حينئذٍ يكون ما لا يوجد إلا بعد انقطاع الوحي يكون ناسخًا، هذا لا يمكن ولو وجد أنه بالإجماع هذه الآية منسوخة فاعلم أن الإجماع على النص الناسخ، أما الإجماع نفسه فليس بناسخ.

القياس هل يُنسخ به؟

لا يُنسخ به قطعًا، إذًا لا بد من سَمْعٍ بسَمْعٍ لا يُنسخ إلا وحي ولا يكون الناسخ إلا وحي.

الثاني: لا تُنسخ الأخبار. لذلك قال: رفع حكمي. هذا كله نأخذه من الحدِّ، كونهما سمعيين نأخذه من الحدِّ لأنه قال: رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم. هذا الْمَنْسُوخ، بخطاب متراخٍ عنه هذا الناسخ. إذًا لا بد من كونهما سَمْعِيَّيْنِ. قوله: رفع الحكم. هذا دليل على أن النسخ لا يدخل الأخبار إلا إذا كان الخبر بمعنى الحكم.

ثالثًا: نقول: النسخ لا يقع إلا في الأحكام الشرعية وهذا مما سبق.

قال رحمه الله تعالى:

كَمْ صَنَّفُوا في ذَيْنِ مِنْ أَسْفَارِ

واشْتَهَرَتْ في الضَّخْمِ والإِكْثَارِ

(كَمْ) عدد كثير (صَنَّفُوا) أي العلماء من السابقين واللاحقين (في ذَيْنِ) المشار إليه ما هو؟ الناسخ والمنسوخ (ذَيْنِ) هذا تسمية ذا.

بِذَا لِمُفْرَدٍ مُذَكَّرٍ أَشِرْ

بِذِي وَذِهْ تِي تَا عَلَى الأُنْثَى اقْتَصِرْ

وَذَانِ تَانِ لِلمُثَنَّى الْمُرْتَفِعْ

وَفِي سِوَاهُ ذَيْنِ تَيْنِ اذْكُرْ تُطِعْ

(في ذَيْنِ مِنْ أَسْفَارِ) جمع سفر، وذكرنا أنه الكتاب الكبير هذا هو الأصل قال السيوطي رحمه الله في ((الإتقان)) أفرده بالتفصيل خلائق لا يُحْصَون. كُثُر لأنه مهم ينبني عليه أحكام شرعية لا يحصى منهم: أبو عبيد القاسم، وأبو داود السجستاني، وأبو جعفر النحاس، وابن الأنباري، ومكي، وابن العربي، وآخرون قال الأئمة: لا يجوز لأحدٍ أن يفسر كتاب الله إلا بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ، لا يجوز أن يفسر كلام الله كتاب الله إلا بعد أن يعرف الناسخ من المنسوخ، لأنه يدخل مع الآية وهي المنسوخة ويفسرها ويبني عليها الأحكام وهي منسوخة، وما درى المسكين أنها منسوخة ولذلك أُورِد عن علي رضي الله تعالى عنه أثرًا أنه قال لقاضٍ: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا. قال: هلكت وأهلكت. قاضٍ الأمر من زمن يعني، قاضٍ جالس يقضي بين الناس ولا يعرف الناسخ من المنسوخ، يعني: ليس ببدعة.

ص: 15

(كَمْ صَنَّفُوا)، (كَمْ) هذه تكسيريه (صَنَّفُوا)(كَمْ)، (كَمْ) هذه ما إعرابها؟ (صَنَّفُوا) عددًا كثيرًا مفعول به (كَمْ) تكسيريه ليست استفهامية مبنية على السكون في محل نصب مفعول به (في ذَيْنِ) الناسخ والمنسوخ (مِنْ أَسْفَارِ واشْتَهَرَتْ) تلك الأسفار عند أهل العلم في الضخم والإكثار، في الضخم يعني من جهة الحجم بعضها كبير وبعضها صغير والإكثار أي الكثرة.

ونَاسِخٌ مِنْ بَعْدِ مَنْسُوخٍ أَتَى

تَرْتِيْبُهُ إِلَاّ الذي قَدْ ثَبَتَا

مِنْ آيَةِ العِدَّةِ لا يَحِلُّ

لكَ النِّساءُ صَحَّ فيهِ النَّقْلُ

والنَّسْخُ لِلْحُكْمِ أَو التِّلاوَةِ

أَوْ لَهُما كَآيَةِ الرِّضَاعَةِ

(ونَاسِخٌ مِنْ) الآيات (مِنْ بَعْدِ مَنْسُوخٍ) يقصد به أن القاعدة ذكره ضابطٌ السيوطي في ((التحبير)) وفي غيره: ليس في القرآن - هكذا قال نظمه المصنف أو الناظم: - ليس في القرآن ناسخ إلا والمنسوخ قبله، على الترتيب يعني المنسوخ التالي يتلو المنسوخ أولاً، ثُم بعد ذلك يتلو الناسخ، يتلو المنسوخ أولاً.

إذًا من حيث التلاوة هي أولاً أليس كذلك؟ ثم يتلو الناسخ، ما من ليس في القرآن ناسخٌ إلا والمنسوخ قبله في الترتيب إلا آيتين (آيَةِ العِدَّةِ)، وآية الأحكام التي نظمها المصنف هنا. (ونَاسِخٌ مِنْ) الآيات (مِنْ بَعْدِ مَنْسُوخٍ) (ونَاسِخٌ مِنْ) الآيات يقع في القرآن من بعد منسوخٍ منها فتتلو أولاً المنسوخ ثم يأتيك بعد ذلك الناسخ يأتيك الناسخ (أَتَى تَرْتِيْبُهُ) في القرآن (إِلَاّ) استثنى من هذه القاعدة (إِلَاّ الذي قَدْ ثَبَتَا) الألف للإطلاق (مِنْ آيَةِ العِدَّةِ) (آيَةِ العِدَّةِ) هاتان الآيتان في سورة البقرة وهي قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ}

[البقرة: 240]. هذه منسوخة نسختها الآية التي قبلها.

{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]. المنسوخة، أيهما متقدمة؟ {يَتَرَبَّصْنَ} هي المتقدمة، الناسخ هو المتقدم على عكس القاعدة وهذا نأخذ منه دليل على ماذا؟ أن ترتيب الآيات توقيفي نعم، لأن ترتيب الآيات توقيفي، لأن النظر لو أردنا بالعقل نقول نضع الناسخ أولاً أليس كذلك؟ نضع الناسخ أولاً ثم بعد ذلك المنسوخ لكنهم عكسوا فعُكس الأمر فوضع أولاً المنسوخ ثم الناسخ، وخولف في آيتين فدل على ماذا؟ على أن الترتيب ترتيب الآيات توقيفي.

(إِلَاّ الذي قَدْ ثَبَتَا مِنْ آيَةِ العِدَّةِ)(مِنْ آيَةِ) هذا جار مجرور من بَيَانِّه يعني قوله: (إِلَاّ الذي) هذا مبهم بينه بقوله: (مِنْ آيَةِ العِدَّةِ) وهاتان الآيتان في سورة البقرة وعرفنا هذا.

ص: 16

(لا يَحِلُّ لكَ النِّساءُ) هذه الآية الثانية يعني وقوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} [الأحزاب: 52]. في سورة الأحزاب نسختها آية قبلها: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} [الأحزاب: 50]. وهذه متقدمة ثم جاءت {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} . إذًا الناسخ متقدم والمنسوخ متأخر (صَحَّ فيهِ النَّقْلُ) صح النقل فيه أي في المذكور كله من أوله إلى آخره، صح فيه النقل هذا من باب التكملة أو نجعله احترازًا من ما اختلف فيه، لأن بعض ما هو ناسخٌ وما هو منسوخ متفقٌ على أن الناسخ متقدمٌ على المنسوخ كالآيتين المذكورتين، وبعضه مختلفٌ فيه من كونه ناسخٌ ومنسوخ وكون الناسخ متقدمًا على المنسوخ، فحينئذٍ قيد المصنف هنا قوله:(صَحَّ فيهِ النَّقْلُ) يعني ما صح فيه النقل من تقديم الناسخ على المنسوخ خلافًا للضابط السابق، احترازًا مما اختُلف فيه، وهي آية الحشر في الفيء على رأي من قال بأنها منسوخة بآية الأنفال:{وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم} [الأنفال: 41]. هذه ناسخة وآية الفيء في الحشر هذه منسوخة على قولٍ لكنه مختلفٌ فيه، فتقدم الناسخ هنا على المنسوخ لكنه على اختلاف. كذلك آية:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}

[الأعراف: 199]. {الْعَفْوَ} أي: الفضل من أموالهم قيل: هذه منسوخة بآية: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60]. آية الزكاة وهذه في سورة الأعراف أليس كذلك {خُذِ الْعَفْوَ} . في سورة الأعراف أي: متقدمة، إذًا تقدم الناسخ على المنسوخ لكنه مختلفٌ فيه، فيكون قولٌ (صَحَّ فيهِ النَّقْلُ) احترازًا مما يصح صح فيه النقل مما قيل بأن الناسخ متقدمٌ على المنسوخ وفيه كلام.

ثم انتقل إلى مسألةٍ أخرى تتعلق بالنسخ وهي بيان أقسام النسخ:

(والنَّسْخُ لِلْحُكْمِ أَو التِّلاوَةِ أَوْ لَهُما) هذه ثلاثة أقسام (والنَّسْخُ لِلْحُكْمِ) كائنٌ للحكم لما قال: (أَو التِّلاوَةِ) فهمنا أن قوله (لِلْحُكْمِ) أي: دون التلاوة قد يُقَيَّد الثاني بقيدٍ نفهم منه أن الأول مراد به قيدٌ مقدر كما قال ابن مالك رحمه الله:

بِذَا لِمُفْرَدٍ مُذَكَّرٍ أَشِرْ

بِذِي وَذِهْ تِي تَا عَلَى الأُنْثَى اقْتَصِرْ

لا ليس في هذا.

أين الموضع نسيته الآن على كلٍ ذكر في موضعٍ أنه مراد به تأنيث أو المؤنث فعلمنا أن الأول مقيد بقيدٍ مقدر وهو المذكر. (والنَّسْخُ لِلْحُكْمِ) أي: دون التلاوة كآية ماذا؟ العدة المتقدمة نسخ الحكم دون التلاوة يعني: الرفع وقع لماذا؟ للحكم، والتلاوة باقية نتلوها إلى الآن كالآية السابقة:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً} . هذه منسوخة ونتلوها، ما الحكمة من بقاء التلاوة مع رفع الحكم؟

أجاب السيوطي رحمه الله قال: والحكمة في رفع الحكم وبقاء التلاوة من وجهين ذكرهم في ((الإتقان)):

ص: 17

الوجه الأول: أن القرآن كما يتلى ليعرف الحكم والعمل به كذلك يتلى لكونه كلام الله فيثاب عليه، فأبقيت التلاوة من هذه الحكمة إذًا من قبيل ماذا؟ الثواب ومضاعفة الأجور للأمة وهذه حكمة ولا بأس بها. لو لم نعلم الحكمة نقول: سمعنا وأطعنا، لو لم نعلم، لو لم تكون هذه الحكمة ظاهرة - وهي ظاهرة بينة واضحة - لو لم تظهر نقول: سمعنا وأطعنا.

الثاني: أن النسخ غالبًا يكون للتخفيف، فأبقيت التلاوة تذكيرًا للنعمة ورفعًا للمشقة، تذكيرًا للنعمة نعم، كانت المرأة تتربص حول كامل سنة هذه مشقة فلما خُفف فبقية تلك للدلالة على ماذا؟ تذكيرًا وعلمًا بالنعمة.

إذًا القسم الأول النسخ للحكم دون ماذا؟ دون التلاوة. وهذا واقعٌ بالإجماع قال السيوطي رحمه الله تعالى: وهو الذي فيه الكتب المؤلفة. يعني: كثير وقيل هذا الكلام منزَّل على ماذا؟ على النوع الثاني. لكن كلٌ منهما أُلِّف وقُصد بتأليفه. هذا النوع الأول: النسخ للحكم دون التلاوة. لكن ما الناسخ له؟ إذا نسخ الحكم دون التلاوة ما الناسخ له؟

التلاوة، يعني لا ينسخ قرآن إلا بالقرآن إذا قلت: التلاوة، قد يكون الناسخ قرآنًا وقد يكون الناسخ سنة قد يكون الناسخ له قرآنًا وقد يكون له الناسخ له سنة، إذًا نقول: ما نسخ حكمه دون تلاوته، هذا قد ينسخه قرآن يعني: نسخ القرآن بالقرآن وهذا متفق عليه نسخ القرآن بالقرآن متفقٌ عليه لقوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}

[البقرة: 106]. فدل على ماذا؟ على أن نسخ القرآن بالقرآن هذا جائزٌ وواقعٌ بل مجمعٌ عليه.

قال بعضهم: وهذا نسبه الشارح لأبي بكر بن العربي: كل ما في القرآن من الصفح عن الكفار والتولي والإعراض والكف عنهم فهو منسوخٌ بآية السيف، كل ما ورد في القرآن من الصفح عن الكفار والتولي والإعراض والكف عنهم فهو منسوخٌ بآية السيف وهي قوله تعالى:{فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة: 5]. هذه قيل: نسخت مائةً وأربعًا وعشرين آية، لكن هذا يحتاج إلى تتبع ثم نسخ آخرها أولها.

الثاني: ما نسخه سنةٌ. يعني: نسخ الحكم دون التلاوة وكان الناسخ له سنة، وهذا التقسيم يطرد على النوع الثاني أيضًا لكن نذكره للأول للحاجة إليه واختلف للحاجة إليه واختلف في جواز هذا، هل يجوز نسخ القرآن بالسنة أم لا؟ هذا فيه الخلاف مثَّلُوا له بقوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ} [البقرة: 180]. قيل نسخ بحديث: «لا وصية لوارث» . وهذا فيه نظر لكن مثَّلُوا بهذا لماذا؟ لأن الوصية هنا ماذا؟ واجبة قال: {لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ} . والوالدان وارثان، والأقربين منهم من يرث «ولا وصية لوارث». قالوا: هذا الحديث ناسخٌ للآية. ومن أنكره قال: الناسخ آية الميراث، وهو الصواب أن الناسخ هو آية الميراث.

ص: 18

ذهب جمهور الأصوليين إلى أنه يجوز نسخ القرآن بالسنة المتواترة، وذهب الإمام الشافعي وأحمد - روايةٍ عنه -: إلى أنه لا يجوز نسخ القرآن بالسنة ولو كانت متواترة، بل لا ينسخ القرآن إلا قرآنًا مثله، وهذا اختيار ابن قدامة رحمه الله، وابن تيمية أن السنة مطلقًا لا تَنْسَخُ القرآن ولو كانت متواترة وهذا اختيار من؟ ابن قدامة، وابن تيمية، وقرره الشافعي في ((الرسالة)). وهذا الخلاف في الجواز وفي الوقوع، حجة الجمهور أنه يجوز بالمتواتر: أن الجميع وحيٌ من الله تعالى، السنة المتواترة وحي من الله لقوله تعالى:{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4] والقرآن وحيٌ ولا إشكال إذًا كلٌ منهما وحيٌ من الله تعالى. فالناسخ والمنسوخ من عند الله أليس كذلك؟ والناسخ في الحقيقة هو الله جل وعلا سواءٌ نسخ بالقرآن أو نسخ على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لأن الناسخ في الحقيقة هو الرب جل وعلا ليس النص وإنما الرب جل وعلا، فحينئذٍ سواءٌ كان الناسخ بلفظ القرآن أو بلسان النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم مُبَلِّغ أليس كذلك؟ فحينئذٍ يكون الناسخُ وحيٌ لوحي أو نسخ وحيٌ وحيًا، لكن أظهر النسخ على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ومثل الجمهور للوقوع بأن آية التحريم بعشر رضعاتٍ نُسِخْنَ بالسنة أما المثال الأول فهذا فيه نظر مثلوا بماذا؟ بأن آية التحريم بعشر رضعات - التي ستأتي - نُسِخْنَ بالسنة، وحجة الشافعي وابن قدامة وابن تيمية رحمهم الله: قوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106]. قالوا: ولا يكون مثل القرآن وخيرًا منه إلا قرآن، هذا باعتبار ماذا؟ السنة المتواترة، وأما الآحاد فلكونها عند الجمهور ظنية قالوا: إذًا لا يُرفع حكم القرآن نصًا ولا تلاوةً إلا بما هو مساوٍ أو أعلى، والآحاد يكون أدنى فحينئذٍ لا يُنسخ القرآن بخبر الواحد والجمهور على هذا لأنه ضعيف فلا يُرفع الأقوى بما هو دونه. وذهب بعضهم إلى جواز نسخ القرآن بأخبار الآحاد إذ لا يشترط في الناسخ والمنسوخ أن يكونا متساويين في الرتبة، ولا يشترط في الناسخ أن يكون أقوى من المنسوخ، بل قد يكون أدنى فالشرط حينئذٍ في الناسخ أن يكون وحيًا - احترازًا من الإجماع وقياس العقل - ثابتًا بالنقل الصحيح، فمتى ما وُجد الناسخ بهذا القيد فحينئذٍ نقول: هذا ناسخ سواءٌ كان خبرًا من السنة متواترًا أم آحادًا.

إذًا نقول: مسألة النسخ نسخ القرآن بالسنة فيه تفصيل عند الجمهور، إن كانت السنة متواترة فالجمهور على أن القرآن ينسخ بالسنة المتواترة، وإن كانت آحادًا فالجمهور على ماذا؟ على أن القرآن لا يُنسخ بخبر الواحد. وعند الشافعي ومثله ابن تيمية رحمه الله: لا يَنْسَخُ القرآن إلا قرآنًا ولا ينسخ السنة إلا السنة، واضح؟

هذا هو الخلاف عند أهل العلم.

نسخ السنة بالقرآن الكلام الآن في ماذا؟ في نسخ القرآن بالسنة، هل القرآن ينسخ السنة؟.

عند الشافعي وابن تيمية: لا، لأنه لا ينسخ السنة إلا السنة ولا قرآن إلا القرآن.

ص: 19

ذهب جمهور الأصوليين: إلى أنه يجوز نسخ السنة بالقرآن. وذهب الإمام الشافعي وغيره إلى أن السنة لا ينسخها إلا سنةٌ مثلها، والأدلة هي الأدلة السابقة للطائفتين، لكن الوقوع يشهد، نقول: استقبال بيت المقدس هذا ثابتٌ بالسنة المتواترة ونسخ بالقرآن: {فَوَلِّ وَجْهَكَ} [البقرة: 144]. كما ذكرناه سابقًا كذلك صوم يوم عاشوراء هذا ثابتٌ بالسنة على القول بأنه كان واجبًا ثم نسخ بماذا؟ بالقرآن فكيف نقول: لا تنسخ السنة بالقرآن.

ولذلك نقول: الأصح في المسألتين أن القرآن يُنسخ بالسنةِ مطلقًا متى ما صحت السنة، وأن السنة تُنسخ بالقرآن لأن الكل وحيٌ من عند الله، وأن الناسخ في الحقيقة هو الرب جل وعلا سواءٌ نسخ بالقرآن بلفظه بحرفه جل وعلا أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

(والنَّسْخُ لِلْحُكْمِ) أي: دون التلاوة، هذا النوع الأول. (أَو التِّلاوَةِ) يعني فقط مع بقاء الحكم مثل ماذا؟ نُسخ التلاوة دون الحكم، الحكم باقي

(الشيخ والشيخة)[أحسنت] آية الرجم تُسمى آية الرجم وهي: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيزٌ حكيم) هي كانت في سورة الأحزاب رواه الحاكم وغيره عن عمر رضي الله تعالى عنه. هذه منسوخة في التلاوة والحكم باقي. (أَوْ لَهُما) منسوخ التلاوة دون الحكم، جمع السيوطي عشرين موضعًا قال: ولا يوجد غيرهم. فقط عشرين موضعًا نسخ فيها التلاوة دون الحكم ذكرها في ((الإتقان)) (أَوْ لَهُما) يعني: النسخ لماذا؟ (أَو التِّلاوَةِ) هذا عطف على الحكم (أَوْ لَهُما) يعني للحكم والتلاوة معًا، المنسوخ الحكم والتلاوةُ معًا. قال:(كَآيَةِ الرِّضَاعَةِ) يعني وذلك (كَآيَةِ الرِّضَاعَةِ) خبر لمبتدأ محذوف، وهي ما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان فيما أُنزل عشر رضعاتٍ معلوماتٍ يحرمن فنسخن بخمس رضعاتٍ معلوماتٍ يحرمن، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يقرأ من القرآن. أي: يقرؤهن مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ نَسْخَهُنَّ، وأما من بلغه النسخ فأسقط تلاوتها، إذًا هذا نسخٌ لماذا؟ للتلاوة الحكم معًا. هذا ما يتعلق بالناسخ والمنسوخ.

إذًا نقول: القاعدة أنه لا يُشترط في الناسخ أن يكون أقوى من المنسوخ - وهذا نتنبه له - لا يشترط في الناسخ أن يكون أقوى من المنسوخ، أو في مرتبته بل يكفي أن يكون الناسخ وحيًا ثابتًا، لأنه لا يمتنع أن يكون النسخ بالعقل لا يمنع أن يُنسخ بخبر الواحد لكن هم يمنعون لأنهم يقولون: يفيد الظن فقط ولا يفيد العلم.

(النوع الثالث عشر والرابع عشر) من العقد الخامس (المعمولُ بهِ مُدةً معينةً، وما عَملَ به واحدٌ).

هذا تابعٌ للنسخ أيضًا، يعني بعض الأحكام الشرعية قد يكون لها ماذا؟ أمد معين شهر أو شهرين أو ثلاثة بعضها مثل له بستة عشر عامًا ثم نُسخ، نقول: هذا كله النسخ على هذا المنوال، لكن ما عمل به واحدٌ فقط هذا قد يكون يحتاج إلى مثال.

كآيَةِ النَّجْوَى التي لَمْ يَعْمَلِ

مِنهُمْ بِها مُذْ نَزَلَتْ إِلَاّ عَليْ

وسَاعَةً قَدْ بَقِيَتْ تَماما

وقِيْلَ لا بَلْ عَشْرَةً أَيَّامَا

(عَشْرَة) بإسكان الشين.

ص: 20

(كآيَةِ النَّجْوَى) يعني: وذلك كآية النجوى دائمًا إذا جاءت مثل هذا تقدره أنه خبر لمبتدأ محذوف، لأنه لا يمكن أن يبتدئ الكلام جار ومجرور، فتنظر إما أن يكون بعده خبر وإما مبتدأ مؤخر وإما أن تقدر مبتدأ محذوفًا.

(كآيَةِ النَّجْوَى) يعني: وذلك كآية النجوى وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا} [المجادلة: 12]. هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب، {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} قيل: على الإيجاب وهو ظاهر النص وقيل: الندب. هذه الآية نسخت بقوله: {أَأَشْفَقْتُمْ}

[المجادلة: 13]. التي تليها: {أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} . قال ابن عطية رحمه الله: قال جماعة: لم يَعْمَل بهذه الآية بل لم يُعْمَل بهذه الآية بل نُسخ حكمها قبل العمل. التي هي ماذا؟ [لا ليس:

{أَأَشْفَقْتُمْ} ] نحن نقول: أن ذكرت الصواب أولاً {إِذَا نَاجَيْتُمُ} قال ابن عطية رحمه الله: قال جماعة: لم يُعْمَل بهذه الآية أحد أبدًا أليس كذلك؟ بل نُسخ حكمها قبل العمل.

وصح عن علي رضي الله تعالى عنه قال: ما عمل بهذه الآية أحدٌ غيري، ولا يعمل بها أحدٌ بعدي. رواه الحاكم وصححه أليس كذلك؟ لم يعمل بها أحدٌ غيري ولم يعمل بها أحدٌ بعدي لماذا؟ لأنها نُسخت.

وفيه أي: عند الحاكم كان عندي دينارٌ فبعته بعشرة دراهم فكنت كل ما ناجيت النبي صلى الله عليه وسلم قدمت بين يدي نجواي درهمًا ثم نُسخت فلم يعمل بها أحدٌ فنزلت: {أَأَشْفَقْتُمْ} الآية.

وروى الترمذي عنه قال: لما نزلت هذه الآية قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «ما ترى دينارًا» . يعني: في تقدير الصدقة. «ما ترى دينارًا» قلت: لا يطيقونه - كثير دينار -. قال: «فنصف دينار» . قلت: لا يطيقونه - كثير أيضًا -. قال: «فكم» ؟ قلت: شعيرة. قال: «إنك لزهيد» . فنزلت: {أَأَشْفَقْتُمْ} قال علي: فخُفف عن هذه الأمة بي، فبي خفف عن هذه الأمة، لأنه قال ماذا؟ لا يطيقون الدينار ولا نصف الدينار ما بقي شيء، ما بقي إلا الشعيرة «إنك لزهيد». إذًا دعوى من قال: بأنه لم يعمل بها أحد. نقول: هذه دعوى ساقطة لصحة ماذا؟ النص عن علي رضي الله تعالى عنه: بأنه عَمِلَ فقط بهذه الآية (وما عَملَ به واحدٌ) إذًا هذا مثالٌ صالحٌ. (كآيَةِ النَّجْوَى وهي التي (الذي لَمْ يَعْمَلِ مِنهُمْ) من الصحابة (لَمْ يَعْمَلِ) الكسر هذا للروي، والسكون يكون مقدرًا (لَمْ يَعْمَلِ مِنهُمْ) من الصحابة (بِها) أي: بهذه الآية (مُذْ نَزَلَتْ) يعني: إلى أن نزلت (مُذْ)

وَمُذْ وَمُنْذُ اسْمَانِ حَيْثُ رَفَعَا أَوْ أُولِيا الْفِعْلَ كَجِئْتُ مُذْ دَعَا

ص: 21

هذا مثلها حينئذٍ تكون اسمًا لا تكون حرف جار (مُذْ نَزَلَتْ) يعني: إلى أن نُسخت (مُذْ نَزَلَتْ) إلى أن نسخت (إِلَاّ عَليْ) ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، ثم كم بقيت؟ لأنه يرد السؤال لو بقيت وقتًا طويلاً كيف الصحابة لم يناج واحدٍ منهم النبي صلى الله عليه وسلم كم بقيت؟ هذا يدل على ماذا على أنها لم تبق طويلاً (وسَاعَةً قَدْ بَقِيَتْ). (وسَاعَةً) هذا ظرفٌ لما بعده يعني وقد بقيت هذه الآية التي هي ماذا {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا} [المجادلة: 12] بقيت ساعةً يعني: من نهارٍ، وهذا قول قتادة، (وسَاعَةً) هذا ظرفٌ لما بعده والتقدير و (قَدْ بَقِيَتْ)، (قَدْ) للتحقيق، بقيت أي تلك الآية (سَاعَةً) أي من نهارٍ وهذا هو قول قتادة أنها لم تبق النهار كله، (تَماما) أي بقيت تلك الآية بقاءً تمامًا لا زيادة فيه ولا نقصان وهي ساعة، (وقِيْلَ: لا)، لم تبق ساعة بل بقيت إلى أن نُسخت (عَشْرَةً أَيَّامَا) يعني: عشرة من الأيام (عَشْرَةً أَيَّامَا) عشرةً من أيام لا بد من تقدير حرف جر، وهذا قول مقاتل أنها بقيت عشرة أيام، لكن هذا ردوه بماذا أنه يُستبعد أن يبقى النبي صلى الله عليه وسلم عشرة أيام ولا يناجيه أحدٌ من الصحابة، هذا فيه بعد أن يبقى النبي صلى الله عليه وسلم وهو المفتي وهو القاضي وهو النبي عليه الصلاة والسلام وهو وليُ الأمر ثم عشرة أيام ولا يناجيه ولا أحد إلا علي هذا بعيد جدًا هذا فيه بعدٌ (وسَاعَةً قَدْ بَقِيَتْ تَماما وقِيْلَ: لا) أي لم تبق ساعةً بل بقيت إلى أن نسخت (عَشْرَةٌ) أي عشرةً من الأيام وهذا قول مقاتل، وهناك قولٌ ثالث: بأنها نسخت قبل العمل بها الذي ذكرناه عن ابن عطية بأنه عن جماعة وهذا غير صحيح لحديث الترمذي السابق. هذا ما يتعلق بالنوع الثالث والرابع عشر.

ثم قال [نأخذ الباب الأول والثاني من](العِقْدُ السادسُ ما يرجعُ إلى المعاني المُتعَلِّقَةِ بالألفاظِ).

(ما) يعني أنواعه (يرجعُ) تَرْجِعُ يَرْجِعُ يجوز الوجهان، هذه الأنواع مرجعها إلى ضابطٍ وقدر المشترك (المعاني المُتعَلِّقَةِ بالألفاظِ) يعني النظر هنا في المعنى من جهة أثره في اللفظ لا من جهة أثره في الحكم، وقد يترتب عليه حكم أيضًا قد يترتب عليه حكمٌ (وهيَ سِتَّةٌ) وهي بالتأنيث (سِتَّةٌ) بالاستقراء، (الأولُ والثاني: الفَصلُ والوَصْلُ). قال رحمه الله:

الفَصْلُ والوَصْلُ وفي المَعَانِيْ

بَحْثُهُما ومِنْهُ يُطْلَبانِ

إذًا طلبهما من أين؟ المعاني

مِثَالُ أَوَّلٍ إِذا خَلَوا إِلى

آخِرِها وذَاكَ حَيْثُ فُصِلا

وَمَا بَعْدَها عَنْهَا وتِلكَ اللهُ

إِذْ فُصِلَتْ عَنهَا كَمَا تَرَاهُ

وإِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمِ

في الوَصْلِ والفُجَّارَ في جَحِيْمِ

ص: 22

(والفُجَّارَ) بالنصب (في جَحِيْمِ)، (الفَصْلُ والوَصْلُ) هذا بابٌ مهمٌ في علم المعاني، هنا نظم أربعة أبيات والسيوطي في ((عقود الجمان)) تجاوزت السبعين يدل على أن مسائل هذا الباب كثيرةٌ جدًا ولذلك لما أُحْرِجَ الناظم قال:(بَحْثُهُما) في علم المعاني (ومِنْهُ يُطْلَبانِ). إذًا لن ينظم لك إلا مثال فقط، ولذلك سنذكر التعريف والمثالين فقط ما نستطيع أن نبين الفصل والوصل. قال في ((الإيضاح)) مبينًا أهمية هذا الباب الفصل والوصل قال: وتميز موضع أحدهما من موضع الآخر على ما تقتضيه البلاغة بند منها عظيم الخطر. يعني متى تفصل الجملة تعطفها على ما سبق، ومتى تقطعها؟

هذا في المفردات وفي الجمل، لكن اصطلحوا على أنه إذا أطلق الوصل والفصل انصرف إلى الجمل، وإلا في الأصح أنه يشمل المفردات، متى تعطف ومتى لا تعطف؟

فقط هذا الباب مبناه على هذا. (الفَصْلُ) هذا ماذا ترك العطف

(والوَصْلُ) هو العطف، عطف بعض الجملة على بعض، متى تعطف ومتى تفصل؟

هذا لا يُتقنه أي أحد، هذا لا بد أن يكون على علمٍ دقيق بالمعاني وبالإعراب وبمواضع الجمل، يعني الذي لا يعرف الجمل التي لها محل من الإعراب والتي لا محل من الإعراب ويكون متمرسًا لا يستطيع، ما ينجح في هذا الباب، الذي قيل البلاغة هي معرفة الوصل والفصل، هنا يقول لك في ((الإيضاح)) القزويني: وتميز موضع أحدهما من موضع الآخر - يعني متى تفصل ومتى تصل - تميز بعضهما عن الآخر على ما تقتضيه البلاغة ليس برأسك وإنما على وصف البلاغة فنٌ منها من البلاغة عظيم الخطر صعب المسلك لطيف المأخذ لا يعرفه على وجهه ولا يحيط علمًا بكنهه إلا من أُوتي فهم كلامٍ العرب طبعًا سليمًا ورزق في إدراك أسراره ذوقًا صحيحًا. ولهذا قصر بعض العلماء البلاغة على معرفة الفصل من الوصل، ما هي البلاغة قال: معرفة الفصل من الوصل. لأنك إذا أتقنت هذا الباب كل أبواب البلاغة لا بد أن تكون منطوية تحت ذهنك، لا يمكن أن تتقن هذا الباب إلا بمعرفة علم المعاني من بقية أبوابه وعلم البيان وعلم البديع، وما قصرها عليه لأن الأمر كذلك؟ لا، وإنما حاول بذلك التنبيه على مزيد غموضه، وأن أحدًا لا يكمُل فيه إلا كمُل في سائر فنونها، فوجب الاعتناء بتحقيقه على أبلغ وجهٍ في البيان.

ويأتي إن شاء الله في ((شرح جوهر المكنون)) أو ((عقود الجمان)) بأوسع.

ص: 23

(الفَصْلُ والوَصْلُ)، (الفَصْلُ) هو ترك عطف الجمل بعضها على بعض، (والوَصْلُ) هو عطف بعض الجمل على بعض. هناك قيل في الوصل عطف الجمل ونقول: يجري في المفردات أيضًا هذا هو الصحيح لا إشكال في هذا، يجري في المفردات، وإنما المفردات أمرها أوضح وأيسر، لكن الجمل أمرها صعب مأخذها دقيق يحتاج إلى تأمل. الفصل والوصل يجريان في الجمل وكما يجريان في الجمل يجريان في المفردات، فالوصل نحو قوله تعالى:{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: 3]. في المفردات عُطف بعضها على بعض وذلك لرفع توهم عدم اجتماعها، لِمَ عُطِفَ هنا؟ لرفع توهم عدم اجتماعها لأن الـ .. ، هو الأول والآخر كيف يتصف الشيء الواحد بكونه أولاً وآخرًا، قد يرد الذهن هكذا لكن لما عُطف دل على الجمعية الواو لمطلق الجمع، والفصل نحو {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر: 23] معطوفات أو لا؟ غير معطوفات، ترك العطف لعدم الجامع بينها، لكن المصطلح عليه اختصاص الفصل والوصل بالجمل. (الفَصْلُ والوَصْلُ وفي المَعَانِيْ بَحْثُهُما) يعني وفي فن المعاني (بَحْثُهُما) هذا مبتدأ مؤخر (وفي المَعَانِيْ) جار مجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم (وفي المَعَانِيْ بَحْثُهُما) بحثهما في المعاني الفصل والوصل وفي فن المعاني بحثهما (ومِنْهُ) أي: من فن المعاني (يُطْلَبانِ) إذ هناك محلهما، لأن البحث فيه طويل، يعني ست وسبعين أو أكثر من سبعين هذا مؤلف خاص.

ص: 24

(مِثَالُ أَوَّلٍ) المثال هو جزئي يذكر لإيضاح القاعدة. أراد أن يبين لك مثالًا للفصل (مِثَالُ أَوَّلٍ) وهو الفصل (إِذا خَلَوا إِلى آخِرِها) يعني: قوله تعالى: {وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 14، 15]. {اللهُ} مبتدأ و {يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} الجملة خبر، هنا ما عُطِف، لماذا؟ لأنه لو عُطِفَ لتوهم أنه مقول القول أنه تابعٌ له {وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} هو

عن الكفر {قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} لو قيل و {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} حينئذٍ لتوهم أنه معطوفٌ على مقول القول، دفعًا بهذا الوهم ودفعًا لهذا الإيراد وجب القطع، فقيل {اللهُ} دون عطفٍ {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} ، (مِثَالُ أَوَّلٍ إِذا خَلَوا) الذي هو الفصل (إِذا خَلَوا إِلى آخِرِها) يعني: آخر الآية، وعلة الفصل هنا قيل: هو أن الجملة الأولى لها حكمٌ لم يُقصد بإعطائه للثاني لمانع وهو اختلاف القائل فيهما، نعم {قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} هذا قائلٌ واحد، و {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} هذا قائلٌ منفكٌ عن الأول، إذًا هما مقولان لقائلين مختلفين، لو عطف بينهما تُوهم أن قائل المقولة الثانية هو عينه قائل المقول الأول، لذلك قال هنا: هو أن الجملة الأولى لها حكمٌ لم يُقصد إعطاؤه للثانية لماذا؟ وهو اختلاف القائل فيهما (وذَاكَ حَيْثُ فُصِلا مَا بَعْدَها عَنْهَا)(وذَاكَ) هذا ما هو ذاك؟ مشار إليه (إِذا خَلَوا إِلى آخِرِها) هنا ما جاء معه النظم جيد (وذَاكَ) أي: قوله: (إِذا خَلَوا إِلى آخِرِها)(حَيْثُ فُصِلا) الألف للإطلاق (مَا بَعْدَها عَنْهَا) يعني بعد (إِذا خَلَوا إِلى آخِرِها)(عَنْهَا) عن إذا خلو إلى آخره (وتِلكَ) أي: الجملة التي فُصلت ما بعدها {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} ، هذه هي ما بعدها مفصولةٌ عما قبلها، واضح الترتيب هنا؟ فيه ركاكة، ترتيب فيهما مأزق (مِثَالُ أَوَّلٍ) قوله تعالى:{إِذَا خَلَوْاْ} إلى آخرها، ثم قال أراد أن يبن الفاصل والمفصول (وذَاكَ) أي: قوله: (إِذا خَلَوا إِلى آخِرِها)(حَيْثُ فُصِلا) حيث للتقييد. (فُصِلا) يعني: لم يعطف (مَا بَعْدَها)، فصل لم يعطف ما بعدها (مَا بَعْدَها) الضمير يعود إلى (إِذا خَلَوا إِلى آخِرِها)، (عَنْهَا) عن (إِذا خَلَوا إِلى آخِرِها)، (وتِلكَ) المفصولة قوله تعالى: أي ما بعدها {اللهُ} ذكر المبتدأ يعني يتم الآيات {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} (إِذْ فُصِلَتْ عَنهَا كَمَا تَرَاهُ)(إِذْ فُصِلَتْ) يعني {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} (عَنهَا) عن قوله: {إِذَا خَلَوْاْ} [البقرة: 14](كَمَا تَرَاهُ) مفصولاً في القرآن، هذا واضح؟

ص: 25

إذًا لم يعطف قوله: {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} على قوله: {إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} دفعًا إلى إيهام اتحاد القائل لأنه لو عطف عليه لكان من مقول المنافقين وليس الأمر كذلك، لكن الناظم هنا لم يقل على {قَالُواْ} وإنما ذكر أو الآية {إِذَا خَلَوْاْ}

{اللهُ يَسْتَهْزِئُ}

... هذا له مأخذان، هو ذكر واحد وأنا ذكرت آخر، وهو المشهور في كتب البلاغة أنه لم يعطف على {إِنَّا مَعَكُمْ} يعني: فصل لأن لا يتوهم أنه معطوفٌ على قوله: {إِنَّا مَعَكُمْ} والناظم هنا ذكره على أول الآية {إِذَا خَلَوْاْ} فحينئذٍ لو عُطف و {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} فحينئذٍ يصير متعلق الظرف واحد {إِذَا خَلَوْاْ} ، إذا لم يخلوا فحينئذٍ لا يقول هذا القول، له مفهوم أو لا؟ له مفهوم، {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} متى؟ إذا خلوا أو مطلقًا؟ مطلقًا، فحينئذٍ الفصل من جهتين: فصل قوله تعالى: {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} .

هذا من جهتين:

أولاً: لأن لا يتوهم أن القائل {إِنَّا مَعَكُمْ} هو قائل: {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} وهذا واضح.

الثاني: فُصِلَ عن أول الآية {وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ} إذًا المقول مقيد بالخلوة {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} لو عُطف لتوهم أنه مقيدٌ للظرف أيضًا، فالله يستهزئ بهم إذا خلوا وإذا لم يخلوا لا يستهزئ بهم، ففصل لإفادة العموم فالله يستهزئ بهم مطلقًا خلوا أم لا. انظروا إلى البلاغة كيف يا إخوان!

عرفتم هذه؟ إذًا إن كان للأولى حكمٌ لم يقصد إعطاؤه للثانية تعين الفصل كما ذكرناه أولاً، لم يتعطف {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} بهم على {قَالُواْ} لئلا يشاركه في الاختصاص بالظرف المتقدم وهو قوله {إِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} فإن استهزاء الله تعالى بهم متصلٌ لا ينقطع بكل حال، خلوا إلى شياطينهم أم لم يخلوا إليهم فمطلقًا، وإنما قال هنا على:{قَالُواْ} لأن متعلق الظرف هو {قَالُواْ} إذا خلوا قالوا، فحينئذٍ فُصل لئلا يتوهم بكونه مقول القول وفُصل لئلا يتوهم لأن الاستهزاء استهزاء الرب جل وعلا وهو صفةٌ تليق به ليس مقيدًا بالخلوة، فلو عُطِفَ عليه لفُهِمَ ماذا؟

تقييده بالخلوة. هذا مثالٌ لماذا؟ للفصل.

(وإِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمِ) يعني وقوله {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار 13]. مع ما بعدها وهو قوله: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 14] هنا عطفت الجملة هذه على الجملة السابقة، علة الوصل هنا أن بين الجملتين اتحادًا في المعنى ما هو المعنى؟

ص: 26

شبه التضاد، لأن الشيء يُحمل على نظيره وكذلك يُحمل على نقيضه، ويحمل على مضاده من المعاني، فحينئذٍ يُجعل اتحاد المعنى إما بحمل النظير على النظير أو بحمل النقيض على النقيض، فحينئذٍ هنا حصل ماذا؟ حصل تشابه وهو بين كون الجنة النعيم {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} ابن القيم يقول:{لَفِي نَعِيمٍ} نعيم نكرة في سياق الامتنان فيعم، فالأبرار هذا عام يشمل النعيم في الدنيا وفي الآخرة {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} أين النعيم في الآخرة أم في الدنيا والآخرة؟ في الدنيا والآخرة ما وجه الاستدلال نقول: نعيم هذا نكرة في سياق الامتنان فيعم، يعم ماذا؟ يعم مطلق النعيم كل نعيم في الدنيا والآخرة.

{وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 14] هذا يحمل بحمل النقيض على نقيضه. إذًا علة الوصل هنا لما بينهما من شبه التضاد المقتضي للوصل (وإِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمِ) مع ما بعدها وهو قوله: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} . وعلة الوصل كما قيل أن بين الجملتين اتحادًا في المعنى وهو شبه التضاد خبرًا وإنشاءً لأنهما خبريتان لفظًا ومعنى، وعند البيانين أن الجملة يُشترط فيها أن تكون ماذا؟ متحدتين في كونها خبرًا من جهة اللفظ وفي المعنى، إذا اختلفا ففيه خلاف لا تعطف الجملة على الجملة إلا إذ اتحدت معها في كونها خبرًا لفظًا ومعنى، وإذا اختلفتا فحينئذٍ فيه خلاف هل يعطف الجملة الإنشائية على الجملة الخبرية والعكس؟

هذا محل خلاف.

مثال (في الوَصْلِ) يعني ما ذكر مثال وهو جزئي يذكر لإيضاح القاعدة في الوصل (والفُجَّارَ في جَحِيْمِ) هذا بيان للمعطوف من باب التسليم.

إذًا (الفَصْلُ والوَصْلُ) مقامها يطلبان أو يبحثان من علم وفن المعاني.

نقف على هذا.

وصلَّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 27