الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* النوع الثالث والرايع والخامس (الإيجاز والإطناب والمساواة)
* النوع السادس (القصر)
* الخاتمة.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: قال المصنف رحمه الله تعالى: (النوع الثالث والرابع والخامس) يعني: من العقد السادس ما يرجع إلى المعاني المتعلقة بالألفاظ. ذكرنا أنه جعل هذا العقد للارتباط بين المعنى واللفظ، والمعنى قد يكون مركبًا وقد يكون مفردًا، لذلك الفصل والوصل هذا في المركبات، والمعنى قد يكون مفردًا وقد يكون مركبًا، كذلك سيأتي الإطناب والإيجاز والمساواة التي تتعلق بالألفاظ والمعاني من حيث الترتيب.
النوع الثالث والرابع والخامس: الإيجازُ والإطنابُ والمُساواةُ
هذه ثلاثة أنواع من أنواع علوم البلاغة، قال في ((الإتقان)): اعلم أنهما من أعظم أنواع البلاغة. اعلم أنهما أم أنها؟ أنهما، وهي كم؟
الإطناب والإيجاز والمساواة. هو في ((الإتقان)) لم يعنون للمساواة أسقط المساواة لمثل هذا، ولذلك قال: اعلم أنهما - يعني: الإيجاز والإطناب. - من أعظم أنواع البلاغة حتى نقل صاحب ((سر الفصاحة)) عن بعضهم أنه قال: البلاغة هي الإيجاز والإطناب. كما قيل: البلاغة هي الفصل والوصل. كذلك قيل: الإيجاز والإطناب. قال الزمخشري: كما أنه يجب على البليغ في مظان الإجمال أن يُجْمِل ويوجز، فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل أن يفصل ويشبع. لكل مقام حديث، لكل مقام مقال، فإذا كان المقام يقتضي الإيجاز أنجز وإذا كان المقام يقتضي التفصيل فَصَّل. إذًا لا يُذم التفصيل مطلقًا ولا يذم الإيجاز مطلقًا، بل متى ما كان التفصيل في مقامه حينئذٍ صار محمودًا، ومتى ما كان الإطناب في مقامه صار محمودًا، وهذا ما يسمى بموافقة أو مقتضى الحال عند البيانيين.
واختُلف هل بين الإيجاز والإطناب واسطة وهي المساواة أو لا؟ هل بين الإيجاز، عندنا إيجاز وإطناب، والمساواة هذه مختلف فيها هل هي واسطة بين الإيجاز والإطناب أم أنها داخلة في الإيجاز فيه خلاف، الجمهور على أنها واسطة بين الإيجاز والإطناب ولذلك يذكرونها بكثرة في كتب البيان، واختلف هل بين الإيجاز والإطناب واسطة وهي المساواة أو لا؟
فالسكاكي وجماعة على إثبات الواسطة، يعني وهي المساواة لكنهم جعلوا المساواة غير محمودة ولا مذمومة، وعليه هل توجد مساواة في القرآن؟
لا، لا توجد في القرآن، لأنها ليست محمودة ولا مذمومة، وإذا لم تكن محمودة حينئذٍ لم تكن من مقتضيات البلاغة ولم تكن نوعًا من أنواع البلاغة، ولذلك أسقطها السيوطي رحمه الله لم يعدها في ((الإتقان)) بل قال: الإيجاز والإطناب. وأسقط المساواة.
وقيل: المساواة داخلة في قسم الإيجاز وعليه ابن الأثير وجماعة لكن المشهور ماذا؟ المشهور أن المساواة واسطة بين الإيجاز والإطناب.
الإيجاز هذا مصدر، أَوْجَزُ يُوجِزُ إِيجَازًا مصدر أفعل من باب الإفعال يعني: من الثلاثي الذي زيد عليه حرف واحد. وهو باب أفعل، أَكْرَمَ يُكْرِمُ إِكْرَامًا أَوْجَزُ يُوجِزُ إِيجَازًا.
الإيجاز في اللغة: التقصير. ضده التطويل يقال: أوجزتُ الكلام أي: قصرته. أوجزت الكلام، الْكلام هذا مفعول به أوجزتُ فعل وفاعل والكلام هذا مفعول به إذًا ماذا؟
متعدي، صار متعديًا، يقال: أوجزت الكلام. أي قَصَّرْتُهُ. وأوجز الكلام أي قَصُرَ. فحينئذٍ يُستعمل أوجز متعدديًا، ولكن أوجزتُ الكلامَ هذا متعددي أَوْجَزَ الكلامُ هذا قاصر لازم يعني، فورد متعديًّا ولازمًا، يقال: كلام موجَزٌ. بالفتح موجَز من أَوْجَزَ المتعدي، وكلامٌ مُوجِزٌ بالكسر كسر الجيم من أَوْجَزَ اللازم، كلام ٌمُوجَز بفتح الجيم وكلام موجِز بكسر الجيم، الأول من أَوْجَزَ المتعدي والثاني من أَوْجَزَ ماذا؟ اللازم.
الإيجاز والاختصار بمعنى واحد، هذا مما يؤخذ من الإيضاح وصرح به الطيبي أن الإيجاز والاختصار بمعنى واحد، وقيل: الاختصار يكون بحذف بعض الجمل. لكنه ذكر السيوطي عن بهاء الدين السبكي أنه ليس بشيء، بل الصواب أن الإيجاز والاختصار بمعنى واحد.
والإطناب هذا معناه في اللغة، وسيأتي في الاصطلاح.
والإطناب إطناب أَطْنَبَ يُطْنِبُ إِطْنَابًا، إذًا كان أول من باب الإِفْعَال، أَكْرَمَ يُكْرِمُ إِكْرَامًا، والإطناب المبالغة من أطنب في الكلام أي: بلغ فيه. من أطنب أفعل في الكلام أي: بالغ فيه. وقيل: الإطناب بمعنى الإسهاب يقال: أطنب بالكلام وأسهب بالكلام. قيل: إنهما بمعنى واحد. الإطناب والإسهاب، والحق أنه أخص منه يعني الإسهاب أعم لماذا؟
لأن الإسهاب التطويل لفائدة أو لا مطلقًا، الإسهاب التطويل أفاد أم لا، بفائدة أم لا، أمّا الإطناب فهو تطويل لكنه بفائدة فأيهما أعم أيها أخص؟ الإسهاب أعم لأنه تطويل مطلقًا سواء كان بفائدة أو لا، هذا الإسهاب.
وأما الإطناب فهو مختص بالتطويل بفائدة، والمساواة هذه واضحة من التساوي يعني: تساوي اللفظ مع المعنى. هذا ما يتعلق من جهة اللفظ والمعاني اللغوية.
أما حدودها وتعريفها فقد اختلف فيه وأكثر البيانيين والبحث للبيانيين [ما عليه صاحب ((التلخيص)) وهو القزويني حيث قال]- لأنه لا يمكن أن يأتي هنا بتعريف يشمل الجنس والرسم وإنما المراد أنه يكشف لك حقيقة الإيجاز والإطناب والمساواة لأن المعبر لو أردناه بالجملة هذا المعبر حتى يكون كلامه مقبولاً إما أن يكون لفظه ومعناه متساويين، وإما أن يكون المعنى أقل، أو اللفظ أقل، إما أن يكون المعنى أقل من اللفظ أو يكون المعنى أكثر - وليس اللفظ - أن يكون المعنى أكثر من اللفظ. إذًا العبرة هنا بماذا؟ بالمعنى إن كان اللفظ والمعنى بقدر واحدٍ فهو: المساواة. إن كان اللفظ قليل والمعنى كثير فهو: الإيجاز. وإن كان اللفظ كثير والمعنى أقل فهو: الإطناب. هذا تلخيصه.
قال القزويني في ((التلخيص)): إن المقبول من طرق التعبير عن المراد تأدية أصله بلفظ مساوٍ له أو ناقص عنه وافٍ. هذا احتراز من ماذا؟ ناقص عنه وفيه خلل، هنا قال: ناقص عنه وافٍ. يعني: أدى بالغرض الذي سيق اللفظ من أجله، فإذا كان لم يؤدِ المعنى الذي سيق اللفظ من أجله صار فيه خلل.
إذًا تأدية أصله بلفظ مساوٍ له أو ناقصٍ عنه وافٍ، أو زائدٍ عليه لفائدة، فإن لم يكن لفائدة فهو الحشو والتطويل، أو بعض الإسهاب الذي ذكرناه.
الأول المساواة: أن يكون بلفظ مساوٍ له يعني للمعنى إذا ساوى اللفظ المعنى قلنا: هذه مساواة. لكن السيوطي أسقطها من الترجمة لماذا؟
قال في ((الإتقان)): المساواة لا تكاد توجد خصوصًا في القرآن. لأنه يَصْعُب أن يقال اللفظ والمعنى بمساواة واحدة هذا حكم عليه صعب جدًا، وحتى في القرآن، ولذلك ما من مثال يورد للمساواة إلا وُجِّهَ إليه نقد وتعقب قائله، ولذلك أسقطه السيوطي في ((الإتقان)) وعنون للإيجاز والإطناب وقال: المساواة لا يكاد أن توجد وخصوصًا في القرآن.
فالأول: المساواة.
والثاني: الإيجاز.
والثالث: الإطناب.
فخرج بقوله: وافٍ. الإخلال، ولفائدةٍ التطويل والحشو. هذا على مذهب السكاكي والقزويني تبعه لأن لخص المفتاح، وذهب ابن الأثير إلى أن الإيجاز التعبير عن المراد بلفظ غير زائد عنه والإطناب بلفظ زائد عنه. فتدخل حينئذٍ المساواة في الإيجاز لا في الإطناب. وتنتفي الواسطة. فعلى مذهب ابن الأثير لا واسطة بين الإيجاز والإطناب، وعلى طريقة السيوطي أثبتها ولكن مثالها عزيز، وهذا كالإجماع يعني: لا بأس أن يُذكر الشيء من حيث العقل لأنه يمكن أن يكون اللفظ لو نظرنا من جهة العقل الأصل فيه أن اللفظ يكون مطابقًا للمعنى مساويًا له أو أكثر أو أقل، لكن هل وُجِدَ لفظ مساوٍ لمعناه مطلقًا لا يزيد اللفظ عن المعنى ولا المعنى على اللفظ، هنا يحتاج إلى مثال والمثال عزيز. فيُثْبَتُ الشيء أصلاً ثم إن وُجِدَ له مثال لأنه قد يوجد في بليغ يأتي فيما بعد فيأتي بمثال كما يقال في الإجماع أهل الإجماع يقولون: لو حصل الإجماع في هذا الزمان حجة. لكن كيف يحصل الإجماع؟! عزيز صعب لا يمكن فعدم إمكانه لا يلزم منه نفي حجية الإجماع، بل هو باقٍ في كل عصر، والذي ينضبط هو إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم وبعضهم يقيده بأنه قبل الفتنة.
الإيجاز والإطناب والمساواة. الإيجاز عندهم نوعان قسمان:
إيجاز قصر.
وإيجاز حذف.
إيجاز قصر: هو تقليل اللفظ وتكثير المعنى بلا حذف تقليل ماذا؟ اللفظ الحروف والكلمات قليلة والمعنى كثير لكن بلا حذف، فإن كان بحذف فهو إيجاز الحذف [نعم أحسنت] إيجاز الحذف {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] حصل تقليل للفظ مع زيادة المعنى إيجاز لكنه بماذا؟ بحذفٍ حذف المضاف إليه، فإن لم يكن بحذف فهو إيجاز الحذف (1).
إذًا الإيجاز قسمان: إيجاز قصر. وهو تقليل اللفظ وتكثير المعنى بلا حذف.
إيجاز حذف هذا نحو: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} . أي: اسأل أهلها. والإطناب هو المساواة.
قال رحمه الله:
وَلَكُمُ الحَيَاةُ في القِصَاصِ قُلْ
…
مِثالُ الإيجَازِ ولا تَخْفَى المُثُلْ
لِمَا بَقِي كـ {لَا يَحِيقُ الْمَكْرُ}
…
ولكَ فيْ إِكْمَالِ هَذي أَجْرُ
نَحْوُ {أَلَمْ أَقُل لَّكَ} الإِطْنَابُ
…
وهيَ لَهَا لَدَى المَعَانِيْ بَابُ
(وهيَ لَهَا لَدَى المَعَانِيْ بَابُ) يعني: أحالتها إلى تفاصيل هذا الباب إلى فن البلاغة وخاصة باب أو فن المعاني، لأنها تذكر هناك بتوسع ولها أقسام الإطناب متى يكون والإيجاز .. إلى آخره، إيجاز الحذف هذا والقصر له أقسام متعددة ذكر السيوطي بعضها في ((الإتقان)) ومفصلة في شروحات التلخيص و
…
((عقود الجمان)).
(وَلَكُمُ الحَيَاةُ) هنا ذكر المثال فقط لم يعرف الإيجاز ولا الإطناب ولا المساواة وإنما ذكر أمثلة لماذا؟
(1) إيجاز القصر.
للإحالة، هذا نذكره كثيرًا .. ما عرف فإنما أتى بأمثلة فقط .. تعريف يشير إلى التعاريف كما ذكرناه في المشترك (قُرْءٌ وَوَيْلٌ نِدُّ والمَوْلَى جَرَى) هذا أراد بالمثال الإشارة إلى حقيقة المشترك، وهنا أراد بالأمثلة الإشارة إلى حقيقة ماذا؟ الإيجاز أتى بمثال له وكذلك الإطناب والمساواة وهذا كثير لَمَّا قلنا: ابن مالك يقول رحمه الله:
مُبْتَدَأُ زَيْدُ وَعَاذِرٌ خَبَرْ
أتى بمثال والأصل قال: الابتداء. عنون بالابتداء ثم قال:
مُبْتَدَأُ زَيْدُ وَعَاذِرٌ خَبَرْ
…
إِنْ قُلْتَ زَيْدٌ عَاذِرٌ مَنِ اعْتَذَرْ
هذا المراد به أنه أتى بمثال لك أن تأخذ منه الحدّ أو تقريب الحدّ أو الرسم، وهذا يُسَمَّى عندهم بالرسم، المثال يصلح أن يكون تعريفًا معرفًا يعرف بمثال، وهو ليس بحدّ لأن المعرف ثلاثة أقسام: حد، ورسم، ولفظي. من الرسم ذكر مثال أو التفصيل، ولذلك بعضهم يقول: الكلمة إما اسم وإما فعل وإما حرف. ما عَرَّفَ هنا الكلمة وإنما ذكر أقسامها، وتقول: هذا تعريف. تعريف بالتقسيم الكلمة كما عرف سيبويه يذكر عنه في الكتاب قال: الاسم كزيد مثلاً والفعل كقام. ذكر مثال ولم يعرفه لماذا؟ لأنه أراد لك أو أراد منك أن تقيس على نفس هذا المثال، لكن ذُكْرُ الْحَدِّ أولى ولا شك في هذا لأن المثال لو قيل للمبتدئ: الاسم كزيد. يقول لك: الاسم كقام. هو مُبتدئ، صحيح لأنه قام وزيد ثلاثة أحرف، فالمبتدئ ما يصلح له مثل هذا وإنما لا بد أن يقال: الاسم ما دل على مسمى
…
إلى آخره.
(وَلَكُمُ الحَيَاةُ في القِصَاصِ) يعني: في آية القصاص. (وَلَكُمُ الحَيَاةُ) هذا إشارة إلى ماذا؟ ذكرنا أنه اقتباس وفصلناه في أول النظم (تَبارَكَ المُنْزِلُ للفُرقانِ) قلنا هناك: الاقتباس لا يُشترط فيه أن يأتي بنسخ النص كما هو بل يأتي ببعض التغير لكن لا يقول: قال الله. وإنما كالإشارة (وَلَكُمُ الحَيَاةُ في القِصَاصِ) يعني: في آية القصاص قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ} [البقرة: 179]. هذه الآية مثلوا لها بالإيجاز لماذا؟ لأن اللفظ قليل والمعنى كثير جدًا، واللفظ قليل. ذكر السيوطي معنى هذا النص القرآني قال: فإن معناه كثير. يعني: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} قال: فإن معناه كثير. ولفظه يسير لماذا؟
لأنه قائم مقام جمل، فإذا أقيمت الجملة الواحدة مُقام جمل حينئذٍ نقول: هذا بلغ الغاية في الإيجاز.
ما هو معناه لو لم نأت بهذا التعبير؟ {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} قال: لأنه قائم مقام قولنا: إذا علم الإنسان أنه إذا قَتَلَ يُقْتَصُّ منه. إذا علم الإنسان أنه إذا قتل غيره يعني يقتص منه كان ذلك الاقتصاص يعني منه كان ذلك داعيًا قويًّا مانعًا له من القتل فارتفع بالقتل الذي هو قصاص كثير من قتل الناس بعضهم لبعض فكان ارتفاع القتل حياةً لهم. الكلام كله هذا مأخوذ من
…
{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} إذًا المعنى كثير لأن فيه ردع للقاتل {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} المشهور عند العرب فيما سبق قبل نزول القرآن في هذا المعنى القتل أنفى للقتل، نفس المعنى لكن الآية أبلغ وبعضهم جعل المقارنة بين الآية والمثل المشهور هذا القتل أنفى للقتل. والسيوطي ذكر مفاضلة بين الآية والمثل من عشرين وجه في ((الإتقان)). وبعضهم أنكر أن يُجعل مقارنة أو مفاضلة بين النص القرآني وبين المثل لكن المراد أن إعجاز الآية أن إعجاز الآية باعتبار المثل المشهور يتضمن كيت وكيت وليس المراد أنه مقارنة لفظ بلفظ، لا، المراد أن مدلول هذه الآية أعظم وأجل من مدلول هذا المثل المشهور عند العرب، حينئذٍ لا مانع أن يُجعل مقارنة من جهة الدلالة. القتل أنفى للقتل، ما الذي زاد قوله تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} . على قولهم: القتل أنفى للقتل؟
قال السيوطي رحمه الله: فزاد عليه بقلة حروفه {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} هذا أقل من القتل أنفى للقتل لأن فيه محذوفًا، والنص على المطلوب القتل هذا أعم من القصاص أليس كذلك؟
والمطلوب القصاص حينئذٍ صار ماذا؟ نص على المطلوب ولذلك إذا قيل: أيهما أنص على المطلوب؟ نقول: قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} . أما القتل أنفى للقتل هذا عام.
وما يفيده تنكير حياة من التعظيم {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} التنوين قد يأتي للتعظيم وتكلم النحاة عن فوائد التنوين ومنها: التعظيم. لمنعه عما كانوا عليه من قتل جماعة بواحدة واطراده مطرد {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} هذا مطرد بخلاف القتل أنفى للقتل قد لا يطرد.
وخلوه من التكرار القتل أنفى للقتل، قتل قتل تكرار وهنا {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} ليس فيه تكرار، والتكرار ليس فيه تمجه الأذن فيه نوع ثقل واستغناءه عن تقدير محذوف مع المطابقة {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} هذا مطابق لمعناه بخلاف القتل أنفى للقتل فليس فيه ثم مطابقة كالآية وإن كان فيه نوع مطابقة إلا أنها جزئية وليست من كل وجه.
(وَلَكُمُ الحَيَاةُ) في آية (القِصَاصِ)(قُلْ مِثالُ الإيجَازِ) هذا هنا لكم في القصاص هذا إيجاز قصر أو حذف؟
إيجاز قصر، [نعم] إذًا يصير هذا مثال لماذا؟ لإيجاز القصر.
(قُلْ) أيها القارئ هي (مِثالُ الايجَازِ) بإسقاط الهمزة همزة القطع، هي همزة قطع أو وصل؟
قطع، لماذا قطع؟ لأنه مصدر رباعي [أحسنت] لأنه مصدر رباعي المصدر الرباعي هذا همزته همزة قطع، بخلاف المصدر الخماسي والسداسي همزته همزة وصل.
(قُلْ مِثالُ) والمراد بالمثال ماذا؟ جُزْئِيٌ يُذْكَرُ لإيضاح القاعدة. هذا هو الذي فسر به هنا، إطلق هكذا فجأة عرف المثال، فعرف المثال بأنه جزئي يذكر لإيضاح القاعدة، حينئذٍ لا يلام، لكنه لما يذكر المعتل قبله والأجوف والناقص والمثال والأجوف والناقص جاءت متصلة فنقول: هذا فيه سهو لأن الشيء يُقيد بـ .. كما ذكرناه البارحة وذكرت البيت بيت ابن مالك:
مَوْصُولُ الاسْمَاءِ الَّذِي الأَنْثَى الَّتِي
قال: موصول الأسماء الذي. لم يقيده بكونه مذكر أو مؤنث، موصول الأسماء الذي الأنثى التي لما قيد الأنثى بالتي عرفنا أن الذي خاص بالمذكر، لأنه قد يحذف من لفظ قيد ويذكر مخالفه في ما بعده فيُعلم أن ذلك مقيد بضده.
مثال هي (مِثالُ الايجَازِ) والهمز هنا همزة قطع سهلت من أجل النظم (ولا تَخْفَى المُثُلْ لِمَا بَقِي). (ولا تَخْفَى المُثُلْ) المثلُ جمع مثال فُعُل فِعَال يُجْمَعُ على فُعُل مثال يجمع على مُثُل. مثال كما ذكرناه بأنه جزئي ويذكر لإيضاح القاعدة (ولا تَخْفَى المُثُلْ لِمَا بَقِي) من الإطناب والمساواة.
(كـ {لَا يَحِيقُ الْمَكْرُ}) هذا مثال للمساواة، وقلنا: مثال المساواة في القرآن عزيز بل نص السيوطي لا يكاد يُوجد خاصة في القرآن، وكل ما ادُّعي فيه بأنه مساواة، فإما أن يكون إيجاز أو إطناب لا يخرج عنهما، ولو وجد في غير القرآن فلا إشكال (كـ {لَا يَحِيقُ الْمَكْرُ}) (كـ {لَا) يعني: كقوله تعالى. (لِمَا بَقِي) يعني: فمثال المساواة كقوله تعالى: {وَلَا يَحِيقُ} . يعني: لا ينزل. {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43](وَلَكَ فِي إِكْمَالِ هَذِي أَجْرُ) أكمل الآية ولك أجر {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} قالوا: هذه للمساواة مثال للمساواة فإن معناه مطابق للفظه حيث أُدِّيَ بما يستحقه من التركيب الأصلي والمقام يقتضي ذلك ولا مقتضى للحدود عنه إلى الإيجاز والإطناب هذا رأي من مثل بهذه الآية لكنه منتقد لماذا؟
أُورِدَ عليه أمران - من استدل بهذه الآية بكونها مثالاً على المساواة نقول: هذا أُورِدَ عليه إيرَادن -:
الأول: أن فيه إطنابًا. يعني: زيادة تطويل لفائدة. لأن السيئ زيادة لأن كل مكر من المخلوق لا يكون إلا سيئًا {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ} {إِلَّا بِأَهْلِهِ} لو قيل هكذا المكر من المخلوق لا يكون إلا سيئًا فقوله: {الْمَكْرُ السَّيِّئُ} . هذا من باب التأكيد، والتوكيد عندهم إذا علم من السابق هذا يسمى إطنابًا، نوع من أنواع الإطناب، إذًا هذه الآية مثال للإطناب وليست مثالاً المساواة. إذًا لأن كل مكر من المخلوق لا يكون إلا سيئًا.
الثاني: أن فيه إيجازًا، لأن الاستثناء إذا كان مفرغًا ففيه إيجاز القصر، تقليل اللفظ مع زيادة المعنى بلا حد وإلا ففيه إيجاز قصر بالاستثناء وإيجاز حذف للمستثنى منه فإنه يُقَدَّرُ بأحدهما.
إذًا الأول أوضح وهو كون المكر مقيد بقوله: {السَّيِّئُ} . والسيئ هذا معلوم من سابقه فحينئذٍ {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ} هذا جاء من باب التأكيد ولذلك هو في اللفظ يُعرب عند النحاة نعتًا يعرب نعتًا، ولكن من جهة المعنى معلوم مما سبق {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} .
(لِمَا بَقِي كـ {لَا يَحِيقُ الْمَكْرُ} ولكَ) أيها الطالب (فيْ إِكْمَالِ هَذي) هذا اسم إشارة للمفرد المؤنثة.
بِذَا لِمُفْرَدٍ مُذَكَّرٍ أَشِرْ
…
بِذِي وَذِهْ تِي تَا عَلَى الأُنْثَى اقَْتَصِرْ
(ولكَ فيْ إِكْمَالِ هَذي) يعني: الآية. (أَجْر) من الله تعالى لأنه قرآن وما من حرف إلا تؤجر عليه.
(نَحْوُ {أَلَمْ أَقُل لَّكَ} الإِطْنَابُ) ماذا إعراب نحو؟
خبر، نحو هذا خبر مقدم، والإطناب هذا مبتدأ مؤخر، الإطناب (نَحْوُ {أَلَمْ أَقُل لَّكَ} الإِطْنَابُ) إذًا نحو هذا خبر مقدم ({أَلَمْ أَقُل لَّكَ}) هذا في سورة الكهف {أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً} [الكهف: 75] {أَلَمْ أَقُل لَّكَ} (نَحْوُ {أَلَمْ أَقُل لَّكَ} الإِطْنَابُ) نحو قوله تعالى فَقَدِّر هذا نحو قوله تعالى في سورة الكهف {أَلَمْ أَقُل لَّكَ} ونحوه نحو هذا المثال من كل معنى أُدِّيَ بلفظ أزيد منه لفائدة لأن هذا هو حقيقة الإطناب، ونحوه يعني: من كل معنى أُدِّيَ بلفظ أكثر وأزيد منه لكن لفائدة. (الإِطْنَابُ) أي: مثاله ما سبق ذكره.
{أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً} هذه جاءت في موضعين في موضع جاءت بدون لك، وفي موضع جاءت بلك فلمَّا وُفِّيَ المعنى بدون لك علمنا أن لك في الموضع الأخير زائد للتوكيد، وهذا هو حقيقة الإطناب كما ذكرناه في المكر السيئ أن المكر معلوم أنه لا يكون إلا سيئًا من المخلوق فحينئذٍ لما قيل:{السَّيِّئُ} . قلنا: هذا زيادة في المعنى. لماذا؟ لأنه معلوم مما سبق كذلك إذا لم يقل لك نقول: صح التركيب وطابق المعنى بدليل مجيئها بدون لك، فكل باب التوكيد من الإطناب كل باب التوكيد في القرآن {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [ص: 73] {كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} هذا فيه توكيد فإذًا يكون من باب الإطناب.
(نَحْوُ {أَلَمْ أَقُل لَّكَ} الإِطْنَابُ) والزيادة في لفظ لك توكيد بتكرر القول الصادق من الخضر وموسى عليهما السلام، (وهيَ لَهَا لَدَى المَعَانِيْ بَابُ) (وهيَ) ما هي؟ الثلاثة الأبواب الأنواع (وهيَ) أي: هذه الثلاثة. (لَهَا) للثلاثة (لَدَى المَعَانِيْ) لدى فن المعاني باب مستقل، وهو الباب الثامن عندهم وفيه تفاصيل كُثُر فيحتاج إلى الرجوع إليه (َوهيَ لَهَا لدَى المَعَانِيْ بَابُ) يعني: باب مستقل فارجع إليه.
ثم قال رحمه الله:
النوع السادس: القَصْرُ
واحد القصور صحيح هكذا في ((مختار الصحاح)) قال: القصر واحد القصور. لكن ليس كل ما أطلق القصر المراد به واحد القصور، إنما يختلف وهذا يدل على أن الألفاظ استُعملت في لغة العرب ولكلٍّ معنى خاص، فاللفظ لهو معنى يبحث عنه في المعاجم حينئذٍ تأخذ المعنى الذي تُريد مع تطبيقه على لفظه الذي وُضِعَ له فتركبه في كلام مفيد، أليس كذلك؟ ودعوى أن اللفظ ليس له حقيقة إلا بالتركيب هذه يردها الواقع.
النوع السادس من العقد السادس: القصر. ويقال له: الحصر. القصر والحصر اثنان لمسمى واحد، الْقَصْرُ بفتح وسكون فَعْل قَصَرَ يَقْصُرُ قَصْرًا مصدر إذًا صار.
القَصْر في اللغة: الحبس. القصر: الحبس، ومنه قوله:{حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن: 72]. {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ} يعني محبوسات. ومنه سمي المقصور مقصورًا عند النحاة لحبسه عن الحركات أو منعه عن الحركة.
واصطلاحًا: هو تخصيص أمرٍ بآخر بطريق مخصوص، يعني: القصر له طرق محفوظة في لغة العرب إذا أردت القصر والحصر فلا بد أن تأتي به على طريقة مخصوصة، وحقيقته تخصيص أمر بأمر أن تخص وتحصر أمر بأمر معين كما إذا قلت:{وَمَا مُحَمَّدٌ} [آل عمران: 144]. أو الآية {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ} هذا فيه قصر وحصر {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] هذا فيه قصر وحصر بطريق مخصوص، وعلى التعريف المشهور عندهم أن الحصر أو القصر إثبات الحكم للمذكور ونفيه عن ما عداه، وهذا واضح أوضح من الأول، إثبات الحكم للمذكور ونفيه عن ما عداه {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} هذا فيه إثبات الحكم وهو ثبوت العبودية أو إثبات العبودية للمذكور وهو الرب جل وعلا الإله، ونفيها عن ما عداه، إذًا إثبات ونفي هذا هو القصر تخصيص أمر بآخر خَصَّصْتَ أو خُصَّ الرب جل وعلا بتوجه العبد بالعبودية والتعبد له وهو المعبود الواحد الحق، إثبات الحكم للمذكور ونفيه عن ما عداه هذا هو حقيقة القصر والحصر، وله أدوات وطرق كثيرة جدًا لكن أشهرها أربعة أو خمسة منها: النفي، والاستثناء. يعني: أداة إلا، ما وإلا إذا ركبتا معًا فهذا أعلى صيغ الحصر أعلاها جدًا مطلقًا لا يعلوها شيء {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ} [ص: 65] هذا أعجز {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ} [آل عمران: 144] نقول: هذا أعلى صيغ الحصر، النفي والاستثناء {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ} .
ومنها: إنما. «إنما الأعمال بالنيات» . حصر وقصر {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} حصر وقصر لأنه أي ما حرم إلا ذلك دون ما ادعوه من البحيرة والسائبة ونحوهما {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} حرم الميتة دون ما ادعوه من البحيرة والسائبة ونحوهما.
ومنها: التقديم. يعني تقديم ما حقه التأخير. {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] نقول: هذا فيه حصر وقصر. زيدٌ ضربتُ {فَرِيقاً هَدَى} [الأعراف: 30]، {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [الأحزاب: 43] نقول: فيه قصر وحصر. تقديم ما حقه التأخير لأن العامل رتبته مقدمة والمعمول رتبته مؤخرة.
ومنها: غير. لفظ غير {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: 3] لا، لا أحد، هذا نقول: فيه حصر وقصر.
كذلك وهذا فيه خلاف تعريف المسند والمسند إليه العالم زيد هذا فيه حصر وفيه نفي إثبات العلم لزيد ونفيه عن ما عداه يعني: إثبات العلم الكامل بحق لزيد ونفيه عن ما عداه. هذا فيه خلاف لكن هذا هو المشهور تعريف المسند والمسند إليه.
ينقسم القصر والحصر إلى قسمين:
قصر الموصوف على الصفة.
وعكسه قصر الصفة على الموصوف.
وكل منهما إما حقيقة وإما مجاز، فقصر الموصوف على الصفة نحو ما زيد إلا كاتب، هذا قصر الموصوف على الصفة يعني لا صفة لزيد إلا الكتابة، هذا من جهة كونه حقيقةً مثاله عزيز وأنكره البعض، يعني لا يمكن أن يكون لزيد أن ينفى عن زيد كل الصفات ولا يُثبت له إلا الكتابة ولكن يمثل له على سبيل التنزه إذًا قصر الموصوف على صفة، الموصوف وهو زيد تقصره على صفة لا توجد فيه إلا صفة كيت هذا محال لا يمكن فالأول نحو ما زيد إلا كاتب، أي: لا صفة له غيرها وهو عزيز لا يكاد يوجد، هكذا قال السيوطي في ((العقود)) وفي ((التحبير)) وفي ((الإتقان))، وهو عزيز لا يكاد يوجد لتعذر الإحاطة بصفات الشيء حتى يمكن إثبات شيء منها ونفي ما عداها بالكلية، لا يمكن أن لا توجد في زيد صفة إلا الكتابة وعلى عدم تعذرها يُبعد أن تكون للذات صفةً واحدة ليس لها غيرها ولذا لم يقع في التنزيل لم يقع في القرآن، بل نُفِيَ عن اللغة أصلاً وإن وجد كما في قوله:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ} . هذا مجاز إضافة يعني: الحديث الواقعة يستلزم أنه لا يُذكر من الصفات في شأن الموصوف إلى صفة الرسالة. حينئذٍ {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ} هذا مثل: ما زيد إلا كاتب. لكن الأول حقيقي والثاني مجازي، إذا أريد بالأول أنه لا يوجد كاتب بحق إلا زيد فحينئذٍ يصح يكون بالإضافة إلى غيره ولذلك يُسمى المجازي القصر الإضافي يعني: النظر يكون باعتبار غير الموصوف ومثاله مجازيًّا ({وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ}) وهو الذي ذكره المصنف هنا الناظم رحمه الله أي: إنه مقصور على الرسالة بهذا النص مقصور على الرسالة لا يتعداها إلى التبري من الموت الذي استعظموه الذي هو من شأن الإله {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ} هذه قيلت في ماذا؟ {أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ} [آل عمران: 144] إذًا هل النبي صلى الله عليه وسلم لما أُثبت له وصف الرسالة يستلزم أن لا يموت؟ إذا أثبت هل يفهم من كونه مرسلاً أنه لا يموت وأن له صفة الخلد؟
الجواب: لا، إذًا قوله:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ} . مقصور على الرسالة باعتبار الواقعة، يعني: هو رسول أرسل ليؤدي الرسالة فحينئذٍ لا يستلزم ذلك أنه خالد مخلد لأن هذه صفة ماذا؟ صفة الرب جل وعلا بل لا يتصور من الصحابة أنهم يثبتون هذا للنبي صلى الله عليه وسلم أنه أبدي أنه لا يموت وإنما استعظموا الأمر لأنهم يظنون أنه سيبقى مدة طويلة فلما جاء هكذا الأمر بُهِتَ بعضهم دون بعض.
كذلك قوله: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَاّ رَسُولٌ} [المائدة: 75]. أي: لا يتعدى ذلك الوصف إلى الإلوهية لأن الواقعة التي نزلت الآيات في شأنها تدل على ماذا؟ على أنهم قد وصفوه بالإلوهية، والرسالة لا تقتضي ذلك يعني لا يتعدى المتعدي من الرسالة إلى إثبات الإلوهية لعيسى عليه السلام.
والثاني: الذي هو قصر الصفة على الموصوف عكس الأول، قد يكون حقيقيًّا وقد يكون مجازيًّا، حقيقيًّا نحو لا إله إلا الله هذا قصر الصفة على الموصوف لا إله إلا الله أي الموصوف هنا بعد إلا؟ الله ما هي الصفة؟ الإلوهية مقصورة أو لا؟ مقصورة لا شك، قصر الصفة على الموصوف قصر ماذا؟ الصفة على الموصوف [نعم] الصفة التي هي الإلوهية مقصورة ومحصورة في الإله الحق وهو الرب جل وعلا ومنفية عن ما عداه ولا إشكال واضح هذا.
ومجازيًا نحو قوله تعالى - على رأي الشافعي -: {قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً} [الأنعام: 145]
…
إلى آخر الآيات {قُل لَاّ أَجِدُ} {إِلَاّ} لأن النفي ليس مقصورًا بما، بل كل ما يؤدي النفي إذا كان في جوابه إلا، هذه فيها قصر المحرمات المذكورات أليس كذلك؟ لكن ليس هذا مراد، ودائمًا الذي يحق الحق الحقيقي هو النظر إلى سبب النزول ومعنى الآية وما سيقت الآية من أجله.
قال الشافعي رحمه الله تعالى في هذه الآيات: إن الكفار لما كانوا يُحلون الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أُهل لغير الله به وكانوا يُحرمون كثيرًا من المباحات أحلوا هذه المذكورات وهي محرمات وحرموا كثيرًا من المباحات نزلت الآية مسوقة بذكر شبههم في البَحيرة والسائبة والوصيلة
…
إلى آخره، وكان الغرض إبانة كذبهم. فكأنه قال: لا حرام إلا ما أحللتموه. وهم قد أحلوا هذه المذكورات فحينئذ هذا الحصر إنما المراد به رد الشبه وتكذيب الكفار الذين أحلوا الميتة وما عطف عليه أي: ما حرام إلا ما أحللتموه. فحينئذٍ لا يكون من باب الحصر لا يلزم منه إذا جاءت تحريم «كل ذي ناب من السباع» . وغيره نقول: هذا مصروف بحصر هذه الآية. نقول: لا، الحصر هنا حصر مجازي إيضاحي وليس المراد أن ما عدا هذه المذكورات فهو مباح أو مكروه، لا، وإنما نذكره كما ذكر الشافعي هنا فكأنه قال: لا حرام إلا ما أحللتموه. والغرض الرد عليهم المضادة للحصر الحقيقي.
وينقسم أيضًا باعتبار آخر القصر والحصر إلى ثلاثة أقسام:
قصر إفراد.
وقصر قلب.
وقصر تعيين.
فقصر الإفراد: هذا يُخَاطَب به من؟ من يعتقد الشَّرِكَة قصر إفراد يعتقد الشَّرِكَة فتخاطبه بقصر الإفراد، إذًا القصر يتنوع قصر إفراد ويخاطب به من يعتقد الشَّرِكَة نحو {إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النساء: 171] نقول: هذا قصر إفراد. خُوطِب به من يعتقد إشتراك الله تعالى والأصنام في الإلوهية يعتقد أن الإلوهية مشتركة يعني: لو كان المخاطب يعتقد الشَّرِكَة في الإلوهية بين الرب جل وعلا وبين الأصنام فقيل له: {إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} . يعني: أَفْرِدْ اعتقد إفراد الإلوهية وأنها مختصة بالرب جل وعلا، إذًا المخاطب يعتقد الشركة وتأتي بقصر الإفراد.
وقصر القلب: يخاطب من يعتقد إثبات الحكم لغير من أثبته المتكلم له. يعني: تقلب. هو يحكم على شيء معين ويكون المحكوم عليه غير ما تكلم به المتكلم فتأتي بقصر يقلب عليه المحكوم عليه كما قال إبراهيم عليه السلام:
…
{رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} . هذا خُوطِب به من؟ خوطب به النمرود الذي اعتقد أنه هو المحي والمميت فقال له: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة: 258]. إذًا قلب عليه أو لا؟ قلب عليه، خوطب به نمرود الذي جادله إبراهيم عليه السلام الذي اعتقد أنه هو المحي والمميت دون الله تعالى
…
{رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} أين صيغة القصر والحصر هنا؟ {رَبِّيَ الَّذِي} تعريف الجزأين المسند والمسند إليه.
والثالث الذي هو قصر التعين: يخاطب به من تساوى عنده الأمران حينئذٍ يخاطب بلفظ بقصر يُعَيِّنُ له أحد الشيئين أحد الأمرين، فلم يحكم بإثبات الصفة للصفة لواحد بعينه ولا لواحد بإحدى الصفتين بعينها هذا يسمى ماذا؟ قصر تَعْيِين، ولم أقف على مثال له في القرآن مما ذكره السيوطي ولا غيره، وإنما يذكرون قصر الإفراد وقصر التعين وهذا موجود يعني في لغة العرب كثير لكن يُمَثّل له أو يذكر في باب (لا وبل ولكن) هكذا هناك علم النحو وذكرناه في شرح نظم الآجرومية لعبيد ربه الشنقيطي فليرجع إليه.
النوع السادس: القَصْرُ
قال رحمه الله:
(وذاكَ في المَعانِ بَحْثُهُ). (وذاكَ) أي: القصر. في فن المعاني بحذف الياء للوزن في فن المعاني بحثه يعني: يبحث أين؟ في فن المعاني، ولَمِ يذكره هنا أيضًا ما دام أنهم لا يتكلمون عنه؟ لتعلقه بالقرآن من مباحث القرآن القصر، وأما التفصيل فهذا تأخذه من مظانه، وهذا يدل على ما ذكرته قبل وهو أن ما ذُكر في فنون علوم القرآن من العلوم الأخرى مرجعها إلى تلك العلوم، بخلاف ما يدندن حوله بعض المعاصرين، يعني بعضهم يرى أنه إذا وُضع العام والخاص في باب العلوم علوم القرآن ينبغي أن نتكلم عليه بما يليق بالقرآن، وهذا لا يتصور لو تأمل طالب العلم ما يتصور أن يتحدث عن العام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين إلا بما ذكره الأصوليون لأن البحث مأخوذ منهم والبحث مشترك، كذلك ما ذكر في فن المعاني وفن البيان بحثه يكون في ماذا؟ يكون في فن البيان وفن المعاني، وإذا بُحث هنا يبحث بلغة أهل البيان كما أن العام والخاص يبحث بلغة الأصوليين ولا إشكال في هذا، لأن العلوم يخدم بعضها بعض ولا يُشترط أن نقول: هذا علوم القرآن. حتى نعترف لأن بعضهم يقول: هذا ليس بعلم مستقل. فإذا كان ليس بعلم مستقل فمتخصص فيه تخصص في ماذا؟ يتخصص في شيء ليس بعلم فيردون أن يجيبوا عن هذا بأن البحث هنا لا بد أن يكون مستقل بنظرة، وهذا يكون من الأخطاء الذي وقع فيها السيوطي والزركشي وغيرهم أنهم نقلوا كلام الأصوليين في العام ووضعوه في علوم القرآن، إذًا من أين تريد أن نأتي العام هو العام الذي يستدل به {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]، {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ} [النور: 31] هو الذي تكلم عنه أرباب علوم القرآن ولذلك هنا يُحيل على فن البلاغة بدليل ماذا؟ أن العلوم يخدم بعضها بعضًا، وما وضع في هذا الفن من فن أصول الفقه هو عينه في فن أصول الفقه ولا مغايرة، قد يمثل هناك بمثالٍ لا يترتب عليه حكم شرعي ولا إشكال، قد يمثل بمثال لا يترتب عليه حكم شرعي ولا إشكال، وكذلك في القصر والحصر (وذاكَ في المَعانِ بَحْثُهُ كـ {وَمَا) يعني: وذلك كما كقوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ} كما يعني كقوله {وَمَا} تضيف واو ({وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ}) ذكرناه في السابق بأنه قصر موصوف على صفته لكنه إضافي مجازي وليس بحقيقي لأن النبي له صفات (عُلِمَا) أي: هذا الفصل هنا علم الألف هذه للإطلاق، وعُلِمَ هذا مغير للصيغة أتى به من باب التكملة لما أنهى العقود الستة
قَدْ حَوَتْهَا سِتَّةٌ عُقُودُ
…
وبَعدَها خاتِمَةٌ تَعُودُ
فقال: (الخَاتِمَةُ). هنا قال: لا بد قبلها من مقدمة. ثم قال: مقدمة. لم يقل المقدمة، وذكرنا أن الأولى أن يقول: المقدمة. بأل لأن إعادة النكرة نكرة مغاير وعلى القاعدة المشهورة فجرى على غير المشهور فأعاد النكرة نكرة، (وبَعدَها خاتِمَةٌ) ذكرها نكرة هنا قال:(الخَاتِمَةُ). بأل فأل هذه ما نوعها؟ للعهد الذكري لأنه أعاد النكرة معرفة والقاعدة أنه إذا أعاد النكرة معرفة فهي عين الأولى، وهناك أعاد النكرة نكرة والأصل أنها مغايرة فالمقدمة التي ذكرها بعد ذاك البيت ليست هي المقدمة التي أشار حينئذٍ يكون قد وعد بذكر مقدمة ولم يذكرها وقوله:(مُقَدِّمَةٌ). حينئذٍ نقول: هذا شيء آخر منفصل. لكن نقول: هذا من باب قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] فالثاني هو عين الأول.
(الخَاتِمَةُ) خاتمة الشيء آخره، يقال: خَتَمَ يَخْتِمُ من باب ضَرَبَ ومنه النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء يعني: آخر الأنبياء، به ختمت النبوة، وإذا ختمت النبوة استلزم ختم الرسالة. أليس كذلك؟ جاء خاتم الأنبياء ولم يرد أنه خاتم الرسل لأنه إذا نفي الأعم نفي الأخص ولا عكس.
اشتملت هذه الخاتمة (على أربعة أنواعٍ: الأسماءُ، والكُنَى، والأَلقابُ، والمُبْهَماتُ) على طريقة أهل الحديث (الأسماءُ) جمع اسم والمشهور عند النحاة أنه ما ليس بكنية ولا لقب لأن الْعَلَمَ عند النحاة مُقَسَّم إلى ثلاثة أقسام أو مُقَسِّم إلى ثلاثة أقسام: عَلَمٌ اسم، وكنية، ولقب.
وَاسْمَا أَتَى وَكُنْيَةً وَلَقَبَا
…
وَأَخِّرًَنْ ذَا إِنْ سِوَاهُ صَحِبَا
واسمًا أتى يعني: العلم. اسم يعين المسمى مطلقًا ثم قسمه.
قال: واسمًا أتى وكنية ولقبا.
الكنية: ما صُدِّرَ بأبٍ أو أمٍّ على المشهور، وسيأتي نقضه ما صُدِّرَ بأبٍ أو أمٍ ونحوهما.
واللقب: ما أشعر بمدحٍ أو ذمٍ، ما أشعر بمدح كزين العابدين أو ذمٍ كأنف الناقة أنف الناقة اسم قبيلة هذا.
والاسم: ما ليس بكنية ولا لقب.
إذًا القسمة ثلاثية، فلما نفى كونه كنية وكونه لقبًا حينئذٍ تعين كونه اسمًا، وقد يكون مفردًا وقد يكون مركبًا، فإذا سمي بزيد نقول: هذا اسم. عبد الله هذا اسم، أبو زيد أبو عبد الله نقول: هذا كنية. أم عبد الله نقول: هذا كنية. أنف الناقة نقول: هذا لقب. زين العابدين نقول: هذا لقب. لو سمي به بالكنية ابتداءً وضعوه أول ما ولد المولود سمي بأبو عبد الله، هل نقول: اسم أم كنية؟ اسم فكيف نقول في ضابط الكنية ما صُدِّرَ بأبٍ أو أمٍّ؟
لأنه قد يكون كنيته اسمه، قد أول ما يولد هذا موجود يسمى ماذا؟ يسمى أبو عبد الله أو يسمى أبو الدرداء كما هو صاحبنا، اسمه أبو الدرداء علمًا مع كونه ماذا من يسمعه أول ما يسمعه يظن أنه كنية، أم كلثوم هذه الصحابية اسمها بالكنية حينئذٍ لا بد من وضع قيد باعتبار كونه أولاً.
فنقول: الاسم ما وضع وضعًا أوليًّا ودل على مسماه ولو صدر بأبٍ أو أمٍّ أو بنت أو ابن ونحوها، فحينئذٍ لو صُدِّرَ بأب أبو الدرداء فنقول: هذا علم. لأنه وضع وضعًا أوليًّا فإن وضع وضعًا ثانويًّا أو مصدرًا بأبٍ أو أم أو نحوهما نقول: هذا كنية وليس باسم. إذًا الأسماء جمع اسم وهو ما وضع وضعًا أوليًّا يعني: أول ما وُلِدَ لا بد أنه تابع للمولود والأسماء في بني آدم المقصود هنا ما وضع وضعًا أوليًّا ودل على مسماه.
(والكُنَى) جمع كنية وهي: ما وضعت وضعًا ثانويًّا وصُدِّرَ بأبٍ أو أمٍ ونحوهما. حينئذٍ لو وضع وضعًا أوليًّا وصُدِّرَ بأبٍ أو أمٍ نقول: ليس بكنية بل هو اسم وليس بكنية، والألفاظ هذا واضح لا اعتراض فيها ما أشار بمدح أو ذم ووضع وضعًا ثانويًّا يعني: لو سمي وضعًا ثانويًّا لا بأس بهذا القيد يعني: لو سمي زين العابدين علمًا أول ما وضع زين العابدين على مسماه نقول: هذا لقب أو اسم؟ اسم، لأن زين العابدين يكون لقبًا إذا وضع وضعًا ثانويًّا يعني: أول ما يوضع هو الاسم ثم بعد ذلك يلقب أو يكنى.
(والمُبْهَماتُ) جمع مبهم كمكرم وهو المغلق من الإبهام أبهم الليل إذا لم يتضح، وقيل: المبهم المغلق من الأبواب. سيذكر بعض الأسماء الواردة في القرآن من أسماء الأنبياء، وأسماء الملائكة، وأسماء بعض الصالحين، والأولياء، وأسماء بعض الكافرين مما ذكر في القرآن وكذلك الكنى ما كُنِّيَ وذكر بكنى في القرآن كذلك ما ذكر بلقبه أو ذكر مبهمًا فجاء مُفَسَّرًا في طريق ونحو ذلك سيذكر بعض الأشياء وهذه مما لا، وإن بحثت في علوم القرآن لكن لا يتعلق بها حكم شرعي وإنما تعتبر من الزيادات ومن الْمُلَح، مُلَح العلم لأن العلم كل علم هذا قد يكون أصولاً وقد يكون مُلَح، يعني مما زاد عن الأصل مما قد يستغنى عنه بل يستغنى عنه، فطالب العلم إذا لم يعرف المبهمات التي في القرآن أو في الأحاديث في المتون، لا في الأسانيد، لا ينبني عليه، لكن المبهم في السند مثلاً هذا ينبني عليه حكم ينبني عليه ولا بد من معرفته لكن المبهم في المتن قد لا ينبني عليه حكم وكذلك المبهم في القرآن {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ
…
يَسْعَى} [القصص: 20] من هو الرجل هذا؟ ما ينبني عليه فائدة لو ذكر أو لم يذكر.
(إِسْحاقُ) الأسماء بدأ بماذا؟ بأسماء الأنبياء المذكورة في القرآن وهي: خمسةٌ وعشرون اسمًا. ذكر ثمانية عشر منها في آية واحدة في آية الأنعام
إِسْحاقُ يُوسفُ ولُوطٌ عِيْسَى
…
هُوْدٌ وصَالِحٌ شُعَيْبٌ مُوسَى
هذه الأسماء ما ذكرت في القرآن هكذا (إِسْحاقُ يُوسفُ ولُوطٌ عِيْسَى هُوْدٌ) لكن في كتب التاريخ تجد أن لهم سند يعني: يكون آباهم وأجدادهم وأجداد أجدادهم إلى آخره. هذه [مما لا] إن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن النبي كذا أبوه كذا هذا لا إشكال مقبولٌ على العين والرأس وما عدا ذلك فهو مما يُسمع ولا يُصدق ولا يُكذب لأنه من قبيل ماذا؟ من قبيل التأريخ والتأريخ أكثره لم يثبت إنما هو بأسانيد لو بحث عنها لَوُجِدَ أنها - إذا ثبت لها أسانيد - إذا ثبت لها أسانيد فهي مما لم يشتغل أهل العلم بتمحيصها وفحصها، ولذلك أنا أنسب المذكور في القرآن جزمًا وإذا قيل أبوه يقال كذا ولا أجزم بكون أباه كذا
…
(إِسْحاقُ) يعني وهم إسحاق. (إِسْحاقُ) هذا خبر مبتدأ محذوف وهو لأنه عبارة عن ماذا؟ أعلى من يذكر اسمه في القرآن هم الأنبياء والرسل لكن لم يرتبهم بالأفضل بل جعل النبي صلى الله عليه وسلم رقم خمس وعشرين وبدأ بإسحاق وأخر آدم عليه السلام إذًا هذا ليس بترتيب وإنما ذكرهم هكذا اتفاقًا على ما سمح به النظم، (إِسْحاقُ) وهم إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام.
و (يُوسفٌ) بالتنوين للوزن ويوسف بن يعقوب.
(ولُوطٌ) ورد في القرآن دون أن يبين من أبوه لكن يُذكر أنه ابن هاران.
و (عِيْسَى) بن مريم عليه السلام.
و (هُوْدٌ) هكذا ذكر في القرآن ويقال: ابن عبد الله. هودٌ بن عبد الله. والله أعلم.
و (وصَالِحٌ) وقيل: ابن عبيد صالح بن عبيد النبي صالح (وصَالِحٌ) قيل: ابن عبيد.
و (شُعَيْبٌ) وقيل: ابن ميكائيل. يعني: أبوه اسمه ميكائيل يذكرون جده وجد جده سبعة وعشر ويُرجع عليها في الشرح ذكرها.
و (مُوسَى) ابن عمران، و (هَارُونُ)
هَارُونُ دَاودُ ابْنُهُ أَيَّوبُ
…
ذُو الكِفْلِ يُونُسُ كَذَا يَعْقُوبُ
يعني: و (هَارُونُ) هذا شقيق موسى {وَأَخِي هَارُونُ} [القصص: 34]. أخي هارون، وإذا أطلق أخي نحمله على حقيقته وهو أنه أخوه شقيقه قال بعضهم: لا، لأمه. وقال بعضهم: لا، بل لأبيه. نقول: ائت بالدليل نص القرآن قال: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً} . أخي الأصل ماذا؟ حقيقة أنه شقيق فنقول: شقيقه. ونجزم بهذا إن جاء نص يخص أنه لأبيه أو لأمه على العين والرأس وإلا سنبقى على هذا الإطلاق.
و (هَارُونُ) شقيق موسى، و (دَاودُ) عليه السلام وقيل: ابن إيشا. يعني: أبوه إيشا، و (ابْنُهُ) (دَاودُ ابْنُهُ) يعني: وابنه دائمًا على إسقاط الواو ونحتاج إلى أن ننص عليها في كل موضع و (ابْنُهُ) يعني: سليمان بن داوود، و (أَيَّوبُ) قيل: ابن أبيض، و (ذُو الكِفْلِ) هكذا ورد (ذُو الكِفْلِ) هل هو اسمٌ أو لقب؟ الله أعلم قيل: ابن أيوب ذو الكفل بن أيوب. وقيل: اسمه بشر، و (يُونُسُ) ابن مَتَّى هذا جاء في النص (يُونُسُ) ابن مَتَّى بفتح الميم مع تشديد التاء ومتى أبوه لا أمه كذا قيل، (كَذَا يَعْقُوبُ) يعقوب ابن من؟ ابن إسحاق نجزم (كَذَا يَعْقُوبُ) ابن إسحاق هذا رقم خمسة عشر، (آَدَمُ) هذا أبو البشر والأولى تقديمه لكن للنظم أخره قيل: سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض آدم أبو البشر، و (إِدْرِيسُ) ابن يرد. الله أعلم، و (ونُوحٌ) قيل: ابن لَمْج بفتح اللام وإسكان الميم. والله أعلم، و (يَحْيَى) ابن زكريا وهذا جاء في القرآن، (واليَسْعُ) ابن جبير هكذا قيل. والله أعلم، و (إِبْراهيمُ) ابن آزر هذا هو المشهور وهذا هو الصحيح قيل: آزر عمه. وهذا فاسد {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ} [الأنعام: 74] نقول: لعمه؟! بعض المفسرين يقولون عمه وليس أباه لكن هذا ما هو صحيح الله عز وجل يقول: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ} [الأنعام: 74]. لو أطلق الأب على العم مجازًا نقول: نحمله على حقيقته. ائت بدليل صارف وإلا نبقى على الحقيقة، أنا أقول بالمجاز لكن أقف في حلوقهم [شوية] فلا بد يعني من أدلة وإلا ما نصرف اللفظ عن ظاهره.
(واليَسْعُ، إِبْراهيمُ أَيضًا إِلْيَا)(إِبْراهيمُ) ابن آزر.
(إِلْيَا) إلياس ترخيم هذا إلياسين هذا ترخيم ورفعٌ
وَلاضْطِرَارٍٍ رَخَّمُوا دُون نِدَا
وهنا ليس عند الندا هذا باب الشعري فقط إل ياسين، ترخيم إلياس إلياس بن إل ياسين هكذا قيل: إليا. حذفت السين من باب ماذا؟ يا سعاد يا سعا أليس كذلك هذا يسمى ترخيم لكنه يكون في العلم في النداء في المنادى وأما ما عدا المنادى فلا يجوز.
وقولهم في صاحب يا صاح
…
شذ لمعنى فيه باصطلاح
لماذا؟ لكون ليس بعلم ما كونه في النداء، وقولهم في صاحب يا صاح شذَّ، شاذ لماذا؟ لكونه مما جرى على ألسنة العرب ورخموه، هنا شاذ لكون ليس في النداء قال ابن مالك:
وَلاضْطِرَارٍٍ رَخَّمُوا دُون نِدَا
و (وزَكَرِيَّا) قيل: كان من ذرية سليمان بن داوود. والله أعلم.
(وزَكَرِيَّا أَيضًا) آضَ يَئِيضُ أَيْضًا مفعولٌ مطلق.
(وزَكَرِيَّا أَيضًا إسْمَاعِيلُ) بإسقاط الهمزة للوزن همزة قطع هي في الأصل لكنها أسقطت للوزن (إسْمَاعِيلُ) بن إبراهيم عليه السلام إسماعيل وهو الذبيح على الأصح وليس إسحاق.
(وجاءَ في مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم تَكْمِيلُ) يعني: تكميل للأنبياء الخمسة والعشرين الذين ذكروا في القرآن، هؤلاء لو عددتهم كلهم خمسٌ وعشرون.
ثم قال:
هَارُوتُ مَارُوتُ وجِبْرَائِيْلُ
…
قَعِيْدٌ السِّجِلُّ مِيْكَائِيْلُ
(هَارُوتُ، مَارُوتُ) قيل: اسما ملكين ذكرا في آية السحر من سورة البقرة (هَارُوتُ، مَارُوتُ) بإسقاط الواو.
(وجِبْرَائِيْلُ) معلوم.
(قَعِيْدٌ) يعني: وقعيد. يعني: كاتب السيئات يكون اسمه قعيد ملك، والمشهور أنه ليس اسمًا بل صفة للمَلَكَيْنِ الْمُوَكَّلَيْنِ بالإنسان يعني ليس بعلم هو أراد أن يذكر الآن أعلام الملائكة لما ذكر أعلام الأنبياء في القرآن جمع لك في هذا البيت ما ذُكر من أعلام الملائكة، إذًا شرع في بيان أسماء الملائكة الذين ذكروا في القرآن (هَارُوتُ مَارُوتُ وجِبْرَائِيْلُ قَعِيْدٌ السِّجِلُّ)، (قَعِيْدٌ، السِّجِلُّ) يعني: والسجل السجل قيل: ملك موكلٌ بالصحف. والله أعلم.
(مِيْكَائِيْلُ) هذا موكلٌ للمطر هذا ثابت ولا إشكال فيه.
لُقْمَانُ تُبَّعٌ كَذَا طَالُوتُ
…
إِبْلِيسُ قَارُونُ كَذا جَالُوتُ
ذكر لك في البيت الشطر الأول ثلاثة من الصالحين الذين ذكروا في القرآن، وذكر في الشطر الثاني ثلاثة من الكافرين الذين ذكروا في القرآن (لُقْمَانُ) قيل: أنه نبي. كان نبيًّا قاله عكرمة والشعبي والأكثر على أنه عبدٌ صالح وقيل: نجار. (لُقْمَانُ تُبَّعٌ) أيضًا قيل: نبي. والصواب أنه رجلٌ صالح سُمِّيَ به لكثرة من تبعه (لُقْمَانُ، تُبَّعٌ) يعني: وتُبَّعٌ. بضم التاء وتشديد الباء المفتوحة.
(كَذا طَالُوتُ) أيضًا هذا اسم رجل صالح جعله الله ملكًا على بني إسرائيل لقتال جالوت {وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ} [البقرة: 251].
(إِبْلِيسُ) هذا شرع منه في ذكر أسماء ثلاثة ممن كفروا بالله العظيم وإبليس سمي به لأن الله أبلسه من الخير يعني: آيسه منه (إِبْلِيسُ).
(قَارُونُ كَذا) قارون قيل: ابن يسحر. أو يصهر الله أعلم.
(كَذا جَالُوتُ) اسم ملكٍ من ملوك الكفار الذين تجبروا في الأرض.
(ومَرْيَمٌ عِمْرَانُ أَيْ أَبُوهَا) يعني: ومريم بنت عمران. وقيل: إنها نبية. وعليه ابن حزم رحمه الله، والصواب أنه ليس في الأنبياء نساء، وكونها أوحي إليها هذا لا يلزم منه مجرد الوحي أو صيغة الوحي في القرآن لا يلزم منه أنه إيحاء نبوة بل الله عز وجل قال:{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: 68]. نقول: النحل نبي؟ لا يلزم إذا تعلق الوحي أو الإيحاء بشيء نقول: إنه يدل على النبوة لا. (ومَرْيَمٌ) يعني: بنت عمران (عِمْرَانُ أَيْ أَبُوهَا) يعني: ذُكر أيضًا أبوها أبو من؟ مريم وهل هي أخت موسى بن عمران؟ الجواب: لا.
(أَيضًا كَذَا هَارونُ) أبوها أيضًا (كَذَا) ممن ذكر في القرآن (هَارونُ أَيْ أَخُوهَا){يَا أُخْتَ هَارُونَ} [مريم: 28] هل هو وأخي هارون؟
الجواب: لا. (ومَرْيَمٌ عِمْرَانُ) وعمران (أَيْ أَبُوهَا) ذُكرا معًا في القرآن (أَيضًا) كما ذكر هارون (أَيْ أَخُوهَا) أخو مريم لا أخو موسى.
ثم شرع في بيان من ذكر من الصحابة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
مِنْ غَيْرِ زَيْدٍ مِنْ صِحَابٍ عَزَّا
…
ثُمَّ الكُنَى فِيهِ كَعَبْدِ العُزَّى
(مِنْ غَيْرِ زَيْدٍ) زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه هو الذي سُمِّيَ في القرآن {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ} [الأحزاب: 37] زيد بن حارثة، وهل هذا يدل على ماذا؟ هل يدل أو يستفاد منه أنه أفضل من أبي بكر وعمر؟
من ذُكر اسمه في القرآن أولى وأفضل ممن لم يذكر أليس كذلك؟ لا شك من تكلم الله تعالى باسمه أفضل لكن الفضيلة لا تستلزم أن يكون أفضل من حيث الجملة فيقال مثلاً: زيد بن حارثة من حيث هذه المزية من حيث هذه الفضيلة أفضل من غيره من الصحابة، لكن لا يستلزم تفضيله في شيء ما أنه أفضل بالجملة، وإلا جاء نص في عمر رضي الله تعالى عنه «أنه ما رآه الشيطان سالكًا في فج إلا سك فجًا آخر» . هذه لم تذكر في شأن أبي بكر، ودخل أبو بكر والنبي صلى الله عليه وسلم كاشف عن فخذيه ودخل عمر ثم دخل عثمان فماذا؟ فستر النبي فقال:«ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة» . إذًا ثبتت مزية لعثمان لم تثبت لأبي بكر ولا عمر، نقول: الضابط في هذه أن إثبات المزية لصاحبيٍ، الصحابة من حيث هذه المزية هذا الشخص وهذا الصحابي أفضل، وهذا لا يستلزم تفضيله بالكلية فنقول: أبو بكر مطلقًا أفضل الصحابة وبإجماع أهل العلم، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي. كترتيبهم في الخلافة لا فرق في الفضل ولا في الخلافة، لكن إثبات مزية لبعض الصحابة لم تثبت لمن هو أعلى لا يستلزم منه أن يكون أفضل بالجملة وإنما في هذه الخصيصة.
(مِنْ غَيْرِ زَيْدٍ) ابن حارثة (مِنْ صِحَابٍ) يعني من أسماء صحاب النبي صلى الله عليه وسلم (عَزَّا) يعني: قل بل عدم. (ثُمَّ الكُنَى) شرع في بيان الكنى وهو النوع الثاني (فِيهِ) يعني: في القرآن. (كَعَبْدِ العُزَّى كَنَّى أَبَا لَهْبٍ) أبو لهب {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] فقط لا يوجد كنية أخرى لم يذكر باسمه لماذا؟ لأنه حرام شرعًا عبد العزى عُبِّدَ لغير الرب جل وعلا إذًا حرام وقيل: للإشارة مع هذا يعني: زيادة على هذا – النكات لا تتراحم مع هذا - إشارة إلى أنه جهنمي (لهب).
(الأَلْقَابُ قَدْ جَاءَ ذُو القَرْنَيْنِ يا أَوَّابُ) شرع في بيان الألقاب (قَدْ جَاءَ) فيه في القرآن حذف الجار والمجرور (ذُو القَرْنَيْنِ) قيل لأنه سُمِّي ذو القرنين لأن ملك فارس والروم وهما قرنان أعظم أمتين، وقيل: لأنه دخل الظلمة والنور. وقيل: لأنه كان برأسه شبه القرنين. وقيل: كان له ذؤابتان. وقيل: لأنه رأى في النوم بأنه أخذ بقرني الشمس. والله أعلم.
(يا أَوَّابُ) هذا من باب التكملة يا كثير التوبة والرجوع إلى الله تعالى.
(واسْمُهُ إِسْكَنْدَرُ) هذا لقبه ذو القرنين وسبب تلقيبه ما ذكر من بعض الأقوال (واسْمُهُ إِسْكَنْدَرُ) على الأشهر والله أعلم.
(المَسِيْحُ عِيْسَى) عيسى ابن مريم، لقبه المسيح وجاء اسمه المسيح عيسى ابن مريم هنا ذكر أنه لقب المسِيح بتخفيف السين وقد تشدد المسِّيح بتشديد السين لقب عيسى عليه السلام ابن مريم (وذَا) اللقب (مِنْ أَجْلِ مَا يَسِيْحُ) يعني: لم لقب عيسى ابن مريم بالمسيح؟ (مِنْ أَجْلِ مَا يَسِيْحُ) يعني: سياحته في الأرض من أجل سياحته في الأرض أو لأنه لا يمسح ذا عاهةٍ إلا بريء أو لأنه كان مسيح القدمين أي: لا أخمص فيه. يعني: مستوي القدم من أسفل هذه يقال أنه مسيح، يقال: للدجال أيضًا مسيح لكنه مسيح الضلالة وهذا مسيح الهداية، ومسيح الضلالة قيل: لأنه يمسح الأرض في الزمن القليل لإضلال الناس أو لأنه ممسوح العينين.
(فِرْعَونُ ذَا الوَلِيْدُ) فرعون هذا لقب اسم هذا فرعون اسم أو لقب؟ هذا لقب لأننا في الألقاب (فِرْعَونُ ذَا) أي: الفرعون الوليد بن مصعب هكذا قيل، اسمه الوليد بن مصعب والله أعلم، فرعون هذا اسمه الوليد (ذَا) أي: الفرعون اسمه الوليد بن مصعب.
(ثُمَّ المُبْهَمُ) هذا للترتيب ولذلك في قوله: (كَنَّى أَبَا لَهَبٍ). ثم الألقاب تُقدر ثم (ثُمَّ المُبْهَمُ) في القرآن (مِنْ آلِ فِرْعَونَ الذي قَدْ يَكْتُمُ إِيْمَانَهُ) هذا في سورة غافر (مِنْ آلِ فِرْعَونَ) من أتباع فرعون الذي آمن وقد كتم إيمانه كما جاء في سورة غافر {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} [غافر: 28].
(واسْمُهُ حِزْقِيْلُ) بكسر الحاء وإسكان الزاي وقاف المكسورة اسم هذا الرجل المبهم (حِزْقِيْلُ){وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ} من هو؟ (حِزْقِيْلُ) لكن ما نجزم بهذا كل المبهمات إن لم يرد نص عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا نجزم إلا أن يكون لصحابي وصح سنده فيأخذ حكم الرفع.
.......................
…
ومَنْ عَلى يَاسِيْنَ قَدْ يُحِيْلُ
أَعْنِيْ الذي يَسْعَى اسْمُهُ حَبِيْبُ
…
..........................
(ومَنْ عَلى ياسين) يعني ومن في على بمعنى في، في ياسين يعني في سورة ياسين (قَدْ يُحِيْلُ) أي يُسلم أحال أي: أسلم (أَعْنِيْ الذي يَسْعَى){وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} [يس: 20] من هو هذا الرجل قال:
…
(اسْمُهُ حَبِيْبُ) بن موسى النجار هذا هو المشهور حبيب بن موسى النجار. والله أعلم.
(ويَوشَعُ بنُ نُونَ يَا لَبِيْبُ) يعني: يا عاقل.
(وهُوَ فَتَى مُوسى لَدَى السَّفِيْنَةْ) يوشع بن نون يا لبيب هذا من باب التكميل للبيت يعني: يا عاقل. (وهُوَ) أي يوشع (بنُ نُونَ) فتى موسى الذي ذُكر معه في سورة الكهف (لَدَى السَّفِيْنَةْ){وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ} [الكهف: 60] من هو هذا الفتى؟ يوشع بن نون. والله أعلم لا نجزم.
(ومَنْ هُمَا في سُورَةِ المَائِدَةِ كالبُ مَعْ يُوشَعَ)(ومَنْ هُمَا) يعني اللذان هما في سورة المائدةِ بالكسر {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا} [المائدة: 23] رجلان من هما؟ قال: كالب. اسمهما (كالبُ مَعْ يُوشَعَ) هما كالب ويوشع، يوشع بن نون السابق هكذا قيل.
(أُمُّ مُوسَى) يعني: وأم موسى. واردة في سورة القصص {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً} [القصص: 10] من هي أم موسى هذه كنية من هي؟ قيل: (يِوْحَانِذُ اسْمُها). والله أعلم. (كُفِيْتَ البُوسَا) هذه جملة دعائية البأس، الألف هذه للإطلاق أي: كفاك وحفظك الله من البؤس والشدة، جملة دعائية فاصلة.
(ومَنْ هُوَ العَبْدُ لَدى الكَهْفِ الخَضِرْ)(ومَنْ هُوَ العَبْدُ) يعني: والذي هو العبد لدى سورة الكهف {فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا} [الكهف: 65] من هو هذا العبد؟ (ومَنْ هُوَ العَبْدُ لَدى) سورة الكهف (الخَضِرْ) بفتح الخاء وكسر الضاد ويقال: الْخَضْرُ والْخِضْرُ. ثلاثة روايات خِضْر بكسرٍ فسكون، وَخَضْرٌ بفتح وسكون والْخَضِر مثل كَتِف.
كَتْفٌ وَكِتْفٌ جاء في مثل كَتِف
…
في عضد ونحوه عضد عرف
لأنه من باب فَعِل خَضِر وكله من باب فَعِل يجوز فيه ثلاث رواة.
الخضر هذا لقب له واسمه قيل: بَلْيى. بفتح الباء وسكون اللام ومعناه بالعربية أحمد بن ملكان. والله أعلم، وكنيته أبو العباس لُقِّبَ بالخضر لأنه كان إذا جلس على الأرض أخضر ما تحته والجمهور على نبوته، الجمهور على أنه نبي لا أنه رسول أو ولي وهذا هو الظاهر من النصوص أنه نبي وهل هو مات أو لا أو باقٍ شيخ الإسلام ابن تيمية على أنه قد مات.
(ومَنْ لَهُ الدَّمُ لَدَيْها قَدْ هُدِرْ
أَعْنِي الغُلامَ وهُوَ حَيْسُورُ) (ومَنْ لَهُ الدَّمُ لَدَيْها) لدى سورة الكهف (قَدْ هُدِرْ) بلا قصاص ولا دية يقال: هذا ردمه بطل. بابه ضَرَبَ وأهدره السلطان أي: أبطله وأباحه وهَدْرًا وهَدَرَ بإسكان والفتح ماذا؟ أي: باطنًا ليس فيه قودٌ ولا عقلٌ (ومَنْ) يعني: الذي. (لَهُ الدَّمُ لَدَيْها) لدى سورة الكهف (قَدْ هُدِرْ أَعْنِي) به (الغُلامَ){حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ}
…
[الكهف: 74] هدر دمه أباحه من هو هذا الغلام؟ (وهُوَ حَيْسُورُ) اسمه حيسور (الْمَلِكْ في قَولِهِ) يعني: والملك في قوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} [الكهف: 79]. ما اسمه هذا الملك؟ هُدد بن بدد على وزن عُمَر وسُرَر هدد يعني: اسم الملك الذي جاء في النص
…
{وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ} اسمه هدد بن بدد والله أعلم.
. والصَّاحِبُ لِلرَّسُولِ في
…
غَارٍ هُوَ الصِّدِّيقُ أَعْنِي المُقْتَفِي
{إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} [التوبة: 40] هذا لا إشكال فيه أن المراد به أبو بكر رضي الله تعالى عنه (والصَّاحِبُ لِلرَّسُولِ) صلى الله عليه وسلم لرسولنا محمد عليه الصلاة والسلام (في غَارٍ) غار حراء هو الصديق (أَعْنِي المُقْتَفِي) المتبع أثره صلى الله عليه وسلم {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} في سورة التوبة.
(إِطْفِيْرٌ العَزِيْزُ أَو قِطْفِيْرُ) العزيز {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ}
…
[يوسف: 21] من هو هذا القائل؟ العزيز ما اسمه هذا لقب أو مبهم ما اسمه؟ قيل: (إِطْفِيْرٌ). بكسر همزة القطع (إِطْفِيْرٌ)، (أَو قِطْفِيْرُ) اختلفوا فيه على قولين وسواء كان هذا أو ذاك لا يهمنا العلم به، (إِطْفِيْرٌ العَزِيْزُ، أَو قِطْفِيْرُ) إطفير هو اسم العزيز عزيز مصر (أَو قِطْفِيْرُ) بدل الهمزة قولان،
…
(ومُبْهَمٌ وُرُودُهُ كَثِيْرُ) وارد في القرآن كثير ولكن إن تتبع السلف هذه المبهمات فيحسن لا خلاف أن اتتبعه طالب العلم وإن لم يشتغلوا بها فحينئذٍ لا نشتغل بها، (ومُبْهَمٌ) يعني في القرآن. وروده كثير. قال في (الإتقان): إن مرجعه النقل المحض لا مجال للرأي فيه. هذا هو الأصل وإذا كان مرجعه النقل نقيد النقل النَّقل الصحيح ولماذا نطلق النقل ثم نأتي كل من هب ودب في كتب التأليف فنقول: إن كان مرجعه النقل المحض حينئذٍ ينبغي أن نقيده بماذا؟ بالنقل الصحيح. لا مجال للرأي فيه وفيه تصنيف مستقل للسهيلي والبدر بن جماعة هو ذكره في ((التحبير)) مستوفاه كما قال الناظم هنا: (وكادَ أَنْ يَسْتَوعِبَ التَّحْبِيْرُ) يعني: كاد أن يستوعب كل المبهمات في القرآن
…
((التحبير في علوم التفسير)) للسيوطي نفسه، هذا كتاب جيد يعني لو يعتني به طالب العلم زبدة ((الإتقان)) موجودة في ((التحبير)) كتاب قصير ليس بطويل.
(جَمِيعَهَا فَاقْصِدْهُ يَا نِحْرِيْرُ) جميعها (وكادَ أَنْ يَسْتَوعِبَ التَّحْبِيْرُ جَمِيعَهَا) جميعها هذا منصوب بيستوعب مفعول به (جَمِيعَهَا) أي جميع المبهمات
…
(فَاقْصِدْهُ) فاقصد ماذا؟ ((التحبير)) يعني اقصده اعتني به (يَا نِحْرِيْرُ) النحرير بوزن مسكين وهو العالم المتقن هذا من باب التفاؤل يعني: وصف الطالب بما سيؤول إليه وهو مجاز لأنه الآن ليس بنحرير ليس بعالم متقن وإنما مآله أن يكون عالمًا متقنًا فهو مجاز.
فَهاكَها مِنِّي لَدى قُصُورِيْ
…
ولا تَكُنْ بِحَاسِدٍ مَغْرُورِ
إِلَاّ إِذا بِخَلَلٍ ظَفِرْتَا
…
فَأَصْلِحِ الفَاسِدَ إِنْ قَدَرْتَا
قَدَرْتَا أو قَدِرْتَا. (فَهاكَها) أي: فخذ هذه المنظومة المؤلفة في فن أصول التفسير، (مِنِّي) أي أيها القارئ أو الناظر فيها (لَدى قُصُورِيْ) قصر عن الشيء عجز عنه ولم يبلغه، قصر عن الشيء قصر إذا تعدى بعن عن الشيء يعني عجز عنه ولم يبلغه وبابه دخل ولذلك جاء على فُعُول دَخَلَ يَدْخُلُ دُخُولاً فُعُول هنا قال:(قُصُورِيْ). يعني: قصوري في ماذا؟ في العلم (ولا تَكُنْ) أيها الناظر (بِحَاسِدٍ) لي بهذه المنظومة (مَغْرُورِ) بغرور الشيطان، فلا تنتقد عليَّ وتعترض إلا إذا ظفرت بخلل، حينئذٍ له أن ينتقد لكن بعد أن يتأمل وبعد أن يصحح النسخة وبعد أن ينظر في هل ذكر بعضهم هذه المسألة أو لا
…
إلى آخره يعني بعد أن يتحقق ولا يستعجل طالب العلم في النقد وإنما .. . (إِلَاّ إِذا بِخَلَلٍ ظَفِرْتَا) يعني: وقفت على خلل إما في اللفظ وإما في المعنى (فَأَصْلِحِ) إذا ظفرت بخلل، بخَلَلٍ هذا متعلق بماذا؟ بظفرت ولك أن تعلقه بمحذوف يدل عليه المذكور إلا إذا ظفرت بخلل ظفرت هكذا ذكره المساوي وهذا هو الأصل، (فَأَصْلِحِ الفَاسِدَ) يعني الحاصل من ذلك الخلل سواء من جهة المعنى أو من جهة اللفظ يعني بالتعليق عليه لا يغيره بالنص يعني إنما يصلحه في الحاشية أو يقول: لعله يُريد كذا. أو لعل الأصح كذا أو لعل الصواب كذا إلى آخره، (إِنْ قَدَرْتَا) إن قَدَرْتَا قَدِرْتَا قَدَرْتا قد على الشيء قُدْرَةً وقُدْرَانًا، قَدَرَ على الشيء من باب فعل على الشيء قُدْرَةً بضم القاف وقُدْرَانًا وقِدْرَانًا، اختلفوا في الضمة هذه صاحب القاموس في اللسان قِدْرانًا بالكسر، وصاحب مختار الصحاح بالضم يعني انتُقد على الضم وَقَدِرَ يَقْدَرُ قُدْرةً هذا لغة فيه باب عَلِمَ يَعْلَمُ حينئذٍ يصح أن تقول:(فَأَصْلِحِ الفَاسِدَ إِنْ قَدِرْتَا) إن قَدَرْتَا لأنه جاء من باب فَعَلَ وفَعِلَ فتقول: (فَأَصْلِحِ الفَاسِدَ إِنْ قَدِرْتَا). أو إن قَدَرْتَا وهنا النظم من أجله فلا بأس أن يقال: قَدَرْتا.
(وَوَجَبَتْ مِنْ بَعْدِ ذا) يعني بعد أن انتهى من مصنفه قال: (وَوَجَبَتْ). وجوبًا صناعيًّا (مِنْ بَعْدِ ذا) الكلام كله (صَلاتِي عَلى النَّبِي) محمد صلى الله عليه وسلم كما افتتح نظمه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ختمها بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وبينا الصلاة ومعنى النبي فيما سبق، (وآَلِهِ) يعني على آله. وسبق بيان معنى الآل (الهُدَاةِ) جمع هادي، الهداة كقاضٍ يجمع على قُضاة كذلك هادٍ يجمع على قضاة.
وعلى (وصَحْبِهِ) جميعًا حال كوني (مُعَمِّمًا أَتْبَاعَهْ) فحينئذٍ يُحمل قوله: (وآَلِهِ). على أقاربه المؤمنين لأنه قال: (مُعَمِّمًا أَتْبَاعَهْ). حينئذٍ نص على الأتباع فيحمل قوله: (وآَلِهِ) على أقاربه المؤمنين. (وصَحْبِهِ) يعني: وعلى صحبه. ومر معنا الصحب، جميعًا حال كوني (مُعَمِّمًا أَتْبَاعَهْ) يعني: شاملاً تعميم شمول مأخوذ من العام (أَتْبَاعَهْ) صلى الله عليه وسلم (على الهُدَى) جيلاً بعد جيل قرنًا بعد قرن (إِلى قِيامِ السَّاعَةْ) الوقف عليها بالسكون في الموضعين.
وصَحْبِهِ مُعَمِّمًا أَتْبَاعَهْ
…
على الهُدَى إِلى قِيامِ السَّاعَةْ
إلى قيام القيامة.
- - -
وبهذا نكون قد انتهينا من هذا المتن وسائر الدورة
وجزاكم الله خيرًا
- وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وسلم