الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* المبادئ العشرة.
* شرح المقدمة الثانية للناظم (مقدمة العلم).
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
ذكرنا أن هذا النظم في علوم القرآن، يعني الفن المسمى بعلوم القرآن، وذكرنا شيئًا من المقدمة التي سماها أو أطلق عليها أهل العلم: مقدمة الكتاب. وسبق أن المقدمة مقدمتان:
مقدمة كتاب.
ومقدمة علم.
مقدمة الكتاب التي أخذناها بالأمس، ويزيد عليها بعض أهل العلم إذا كان له اصطلاحات خاصة في الكتاب فيبين حينئذ إذا أطلقت كذا فمرادي به كذا إذا قلت: قال الشيخ فالمراد به فلان
…
إلى آخره، هذا ما يسمى ببيان اصطلاحات ورموز الكتاب التي اصطلح عليه المصنف تُذكر في مقدمة الكتاب.
وأما النوع الثاني وهو: مقدمة العلم، وهذه تذكر في الشروع أو قبل الشروع في دراسة أي فن ما، ولهذا يعتني بها كثير من العلماء في أوائل كتبهم بل بعضهم يؤلف رسالات خاصة في بيان هذه المبادئ العشرة وهي ما يسمى: بمقدمة العلم. المبادئ العشرة المجموعة في قول محمد بن علي الصبان:
إن مبادئ كلِّ فَنٍّ عَشْرَة
…
الحد والموضوع ثم الثمرة
ونسبة وفضله والواضع
…
والاسم الاستمداد حكم الشارع
مسائل والبعض بالبعض اكتفى
…
ومن درى الجميع حاز الشرفا
هذه تسمى بمبادئ العلوم وتسمى بمقدمة العلم لا بد لكل شارع في فن ما أن يتصوره بوجه ما، وأما التصور على وجه التمام هذا لا يكون إلا بعد الانتهاء من الكم لماذا؟
لأن التصور عندهم يحصل بالحد يعني ببيان الحقيقة والمهية، فإذا قيل: ما حقيقة الفقه؟
حينئذ يقول المجيب: الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفسير. فيفهم حينئذ الطالب بوجه ما، لا يمكن أن يستوعب كل معنى كلمة الفقه الاصطلاحي عند أرباب الفقه من هذا الحديث وإلا لو صار فقيهًا تام الفقه لو أدرك الفقه كله من هذا الحد لقلنا: صار فقيهًا تامًا في الفقه. وليس هذا المراد إنما المراد أن يعرف ما الذي يطلبه في سعيه في هذا الفن فيدرس كتابًا ما يقول هذا في النحو ما هو النحو؟
لا بد أن يعرف حقيقة النحو ولا بد أن يعرف ماذا يدور هذا الفن يعني ما موضوعه وما فائدته التي تكون مرجوة من دراسة هذا الفن لا بد أن يعرف استمداده لا بد أن يعرف فضله حكمه الشرعي وإلا لو لم يكن عالمًا بجل هذه المسائل لقال أنه يقع له الكسل والفتور لأنه يتعلل ويطلب شيئًا لا يعرف أهميته ولا يعرف حكمه الشرعي فيدرس الفقه ولا يعرف أهمية علم الحلال والحرام مثلاً حينئذ لا بد - أمر فطري - لا بد أن تفتر همته ويكسل ويتراجع من حيث بدأ.
إذًا لذلك جعل أهل العلم في مبادئ الفنون ذكر هذه المسائل العشرة: الحد، والموضوع، والثمرة، التي هي الفائدة المرتبة على تحصيل هذا العلم وحكمه الشرعي إن كان يتعلق به حكم شرعي وهذا أصل في العلوم التي يدرسها طالب العلم الشرعي، ولذلك لا بد أن يحدد طالب العلم الشرعي ما هو العلم الذي يسعى في تحصيله؟ وما حقيقة هذا العلم؟ هل هو من علم المقاصد أو من علم الوسائل؟ لماذا؟ إذا عرف أن هذا من علم الوسائل حينئذ لا بد أن يتعامل معه لتعامله مع أي وسيلة أخرى حينئذ إذا قيل مثلاً: السكين للقطع. هل يلازم السكين كل يوم أربعة وعشرين ساعة وإلا أنه يأخذها إذا احتاجها؟
إذا احتاجها، ثم إذا لم يحتج حينئذ يبتعد يتركها حينئذ العلوم الآلة كالنحو، والصرف، والبيان، وأصول الحديث، وأصول التفسير، وكذلك المنطق إذا كان من علوم الآلات لا بد أن يعرف أن هذا علم وسيلة، لا بد فإذا علم أنه علم وسيلة بمعنى: أنه موصل إلى غيره وعليه ينبني أنه يأخذ ما يحتاجه في فهم الشرح لأن الأصل هو علم المقاصد علم الوحيين الكتاب والسنة، ثم يأخذ فائدة أخرى إن لم يعرف عن علم الوحيين الكتاب والسنة فلا يتخصص في علم الوسيلة أبدًا، لا يقول: أنا أدرس المصطلح فقط. أو: أنا أصولي فقط. أو: أنا نحوي. أو: بياني. إلى آخره نقول: لا، إلا في حالة واحدة إذا جرب التفسير مثلاً وما استطاع أن يسلك فيه حينئذ لا بأس أن يرجع إلى الخلف فيتخصص في علم من علوم الوسائل، وأما تخصص الابتدائي الذي يختاره الكثير من طلاب العلم الآن - في ظني وقد أكون مخطئًا - أنه من الخطأ ولا ينبغي لطالب العلم أن يتخصص ويجعل عمره يُفني عمره كله في علم ليس مقصودًا لذاته في الشرع ولذلك ما أُعطي النحو ولا أعطيت أصول التفسير ولا أي علم من علوم الوسائل ما أعطي حكم شرعي من الإيجاب أو الندب إلا لكونه صار وسيلة لغيره، فالإيجاب حينئذ في النحو إذا قيل: إنه واجب. هذا واجب لا شك ولذلك فرض عين على من تعاطى التفسير هذا بالإجماع حكى السيوطي وغيره الإجماع على ذلك أن علم النحو، وعلم الصرف، وعلم البيان أن علوم اللغة بأثرها هذه وسيلة لفهم التفسير فهم كلام الرب جل وعلا وعليه نقول: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وإلا ما جعل شرع لم يأت نص في القرآن قال: ادرسوا النحو. هل جاء أمر نقول: أمر يقتضي الوجوب؟
لا، لم يأت لماذا؟
لأن النحو قد يكون وسيلة إلى الشرع وقد يكون وسيلة لغير الشرع، فما كان يحصل أن يكون وسيلة لفهم مقاصد الشرع أخذ حكمه لأنه يجب على جمهور المسلمين أن يفقهوا كلام الرب جل وعلا:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24] إذًا نقول: هذا ذم ولا يترتب الذم إلا على ترك ما هو واجب. إذًا ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. إذًا علوم القرآن نرجع إلى ما خرجنا عنه علوم القرآن هذا يعتبر من علوم الوسائل يقرأ الطالب منظومة الزمزمي مثلاً ويأخذ شرحًا عليها ثم يأخذ التحبير ثم يأخذ الإتقان ثم يقرأ في تطبيق هذه العلوم والأنواع المذكورة في علوم القرآن يقرأها في مظانها في التفسير، فما من كتاب من كتب التفسير إلا وتجده - خاصة التفاسير الأثرية - تجده إلا وقد نص على أن هذه الآية مكية ومدنية صيفي شتائي سبب النزول لأنه يعين على الفهم إلى آخره فنقول حينئذٍ: علوم القرآن هذا من علوم الوسائل.
علوم القرآن هذا مركب تركيب إضافي، علوم القرآن مضاف ومضاف إليه، وإذا كان العلم مركبًا تركيبًا إضافيًّا فحينئذٍ لزامًا أن يكون له معنيان: معنًى إضافي، ومعنًى لقبي علمي. كما هو الشأن في أصول الفقه لماذا؟
لأنه لا يمكن أن يُتَوَصَّلَ - على قول الكثيرين - لا يمكن أن يتوصل إلى إدراك معنى المركب الإضافي الذي نُقِلَ عن معناه وتركيبه الإضافي إلى معنى اللقب العلمي إلا بعد فهم جزأين وطرفين، حينئذٍ إذا قيل للناس: علوم القرآن صار علمًا فإذا أطلق اللفظ علوم القرآن انصرف إلى المعنى المراد الذي ضمنه السيوطي مثلاً كتابه ((الإتقان)) نقول: هذا يصلح إذا كان ابتداءً أُطْلِقَ على جهة الإفراد وأما إذا كان في الأصل مركبًا تركيبًا إضافيًا فحينئذٍ لا بد في النظر في كل جزء من أجزائه كما يقال في أصول الفقه حينئذٍ نقول: علوم القرآن له معنيان:
معنى إضافي باعتباره مفردين يعني النظر إلى كلمة مضاف لأنه مركب من كلمتين علوم، وقرآن، علوم مضاف وقرآن مضاف إليه، علوم هذا له معنى في اللغة ومعنى في الاصطلاح، والقرآن له معنى في اللغة ومعنى في الاصطلاح أليس كذلك؟
حينئذ لا بد من النظر في كل كلمة من هذه الكلمات فنقول: علوم: جمع علم والعلم في اللغة يطلق بمعنى المعرفة والفهم - عند الكثيرين - ولكن الأصح أنه بمعنى الإدراك، والإدراك مصدر: أَدْرَكَ يُدْرِكُ إِدْرَاكًا. والمراد بالإدراك وصول النفس إلى المعنى بتمامه سواء كان متعلق بإدراك المفردات أو المركبات سواء كان على جهة اليقين أو على جهة الظن، فالإدراك مطلقًا الشامل للعلم بنوعيه التصور والتصديق الذي هو: إدراك المركبات. والتصور الذي هو: إدراك المفردات. سواءٌ كان على جهة اليقين أو على جهة الظن، العلم إدراك المعاني مطلقًا.
العلم إدراك المعاني مطلقا
…
وحصره في طرفين حققا
سموهما التصديق والتصورَ
…
.........................
قسمان لا ثالث لهما
حينئذٍ نقول: العلم هو: الإدراك، والإدراك هو: وصول النفس إلى المعنى بتمامه. هذا من حيث اللغة، وإن اشتهر عند بعضهم أن المعرفة تكون مرادفةً للعلم ذكرنا أوجه الفرق بين المعرفة والعلم في ((شرح الورقات)) حينئذٍ نقول علوم جمع علم والعلم هذا من حيث الاشتقاق واللفظ مصدر بكسر العين وإسكان اللام، عَلِمَ يَعْلَمُ عِلْمًا باب فَعِلَ يَفْعَلُ وهو متعدي وهو بمعنى المعرفة والعلم والأصح أن يقال: أنه بمعنى الإدراك.
وأما في الاصطلاح في مثل هذا المقام هنا لأن العلم من حيث الاصطلاح يختلف باختلاف المتكلم في ذلك السند، وهنا نعرف العلم في الاصطلاح بأنه جملةٌ من المسائل المضبوطة بجهة واحدة جملة يعني: بعض كمٌ من المسائل جمع مسألة مَفْعَلَة من السؤال وهو ما يُبرهن عنه في العلم، المضبوطة بجهة واحدة يعني التي يجمعها ضابطٌ وأصلٌ وقدرٌ مشترك هي: جهةٍ واحدة. وهذه الجهة الواحدة هي باعتبار ماذا؟ باعتبار ما يبحثه ذلك العالم في ذلك الفن فمثلاً علم أصول الفقه نقول علم أصول الفقه ما المراد بكلمة علم في مثل هذا التركيب؟
نقول: جملةٌ من المسائل المضبوطة بجهةٍ واحدة. وهي معرفة أصول الفقه ما هو معرفة العام والخاص والمطلق والمقيد، هذه المسائل هي العلم في هذا التركيب، وهنا في علم علوم القرآن نقول المراد بالجملة هنا: أسباب النزول، والمكي، والمدني، والإنزال، نزول القرآن، وكيفية إنزاله، وقراءته، وأداؤه
…
إلى آخره كل الأنواع التي تُذكر في علوم القرآن المقصود بلفظة علم هنا هي هذه الأنواع الخمسة والخمسين التي ذكرها المصنف وهي أكثر من ذلك.
حينئذٍ نفسر العلم هنا في الاصطلاح: جملة من المسائل المضبوطة بجهةٍ واحدة. والمراد بالجهة الواحدة هذه هنا يعني يشملها وحدة الموضوع كما يقال وحدة الموضوع، أسباب النزول، المكي والمدني، الحضري والسفري، الأداء، الإدغام، الإمالة
…
إلى آخره نقول: هذه يشملها ماذا؟
وحدة واحدة وهي كونها من مباحث علوم القرآن تدرك في هذا الفن، هذا هو اللفظ الأول وهو المضاف، ثم ننتقل إلى المضاف إليه وهو القرآن، قرآن هذا مختلفٌ فيه هل هو مشتقٌ أو جامد وهل هو مهموز أو غير مهموز؟
هل هو مشتقٌ أو جامد؟ جامد بمعنى أنه مرتجل علمٌ مرتجل أول ما ابتدع وضع اسمًا لمسمًى هو كلام الرب جل وعلا أما أنه منقول فهو مصدر قَرَأَ يَقْرَأُ قِرَاءَةً وَقُرْآن، أم أنه ابتداء هذا محل اختلاف، هل هو مشتقٌ أم جامد كما قيل في لفظ الجلالة ((الله)) هل هو مشتق أم جامد بمعنى: هل هو دالٌ على صفة المتصف على ذاته هل هو دالٌ على ذاتٍ متصفة بصفةٍ أم أنه يدل على ذات فقط ولا يتضمن الدلالة على صفة كما هو الشأن في الرحمن، الرحمن هذا فعلان صفةٌ مشبهة اسم مشتق من الرحمة على جهة المبالغة ما مفهومه يدل على أي شيء ماذا تفهم من كلمة الرحمن؟ تفهم أنه يدل على ذات، هذه الذات متصفة بصفةٍ خاصة وهي: صفة الرحمة. العليم يدل على ذاتٍ متصفة بصفةٍ هي: العلم. الله جل جلاله هل هو دالٌ على ذاتٍ فقط كما يدل العلم في المخلوق، المخلوق الآن نقول زيد هل له معنى؟
ليس له معنى بل حتى المشتقات في المخلوقين إلا النبي صلى الله عليه وسلم فمحل نزاع باتفاق أنها لا تدل على معاني، ولذلك قد يسمى محمود الشخص ويسمى محمد غير النبي صلى الله عليه وسلم هل نقول: محمد ومحمود أنه يدل على أنه ذات متصفة بالحمد أو أنه يحمد أو قد يسمى صالح يعني: ذات متصفة بالصلاح قد يكون صالح بالفعل يوافق الاسم المسمى، وقد يكون من أشر خلق الله عز وجل ويسمى صالحًا حينئذٍ نقول: الاسم هنا لم يوافق مسماه. وإنما المراد أنه لفظٌ جُرِّدَ عن المعنى عن الوصف هذا المراد بلفظ الجلالة هل هو دالٌ على ذاتٍ فقط أم لا؟ القرآن مثله هل هو مشتقٌ أم لا؟ ثم إذا كان مشتقًا أم جامدًا - على القولين - هل هو مهموز فيقال: القرآن بالهمز. أم غير مهموز فيقال: القران. هكذا بدون همز؟
قال بعضهم: هو اسمٌ علمٌ غير مشتق خاصٌ بكلام الله فهو غير مهموزٍ وبه قرأ ابن كثير وهو مروي عن الشافعي رحمه الله تعالى أن القرآن قران هكذا يقرأ وهي قراءة ابن كثير لأنه علمٌ مرتجل يعني: لم يكن مصدرًا فنُقِل إلى كلام الرب جل وعلا فجعل اسمًا صار علمًا مرتجلاً لأن العلم عند أهل العربية قسمان:
علمٌ منقول.
وعلمٌ مرتجل.
علمٌ منقول هو الذي سبق له استعمالٌ في غير الْعَلَمِيَّة.
فَضْل هذا مصدر فَضْل مصدر فَضَلَ يَفْضُلُ فَضْلاً إذًا هو مصدر، إذًا هو سابق على الْعَلَمِيَّة كان مصدرًا فنقل من المصدرية إلى الدلالة على العلم لوحده فضل تقول: هذا فضل زيد، وهذا فضل عمرو، هذا فضل الله. حينئذٍ فضل هذا المراد به زيادة فهل يدل على ذات؟
لا يدل على ذات، لكن لو نقلته من المصدرية إلى دلالة على ذات صار علمًا موصولاً منقول من أي شيء؟ من المصدر، ومثله المنقول عن جملة اسمية أو المنقول عن الجملة الفعلية تتأبط شرًا، وشاب قرناها شاب قرناها فعل ماضي وفاعل، وتتأبط شرًا فعل وفاعل ومفعولٌ به، نقل عن كونه جملةً فعلية إلى كونه علمًا على شخصٍ معين فصار مفردًا هذا يسمى علمًا منقولاً.
والعلم المرتجل هو الذي وُضع ابتداءً من أول الأمر هكذا نطقت به العرب ابتداءً أول ما وضع، وضع على أنه علم لم يستعمل في غير الْعَلَمِيَّة قبل كونه أو جعله علمًا.
وَمِنْهُ مَنْقُولٌ كَفَضْلٍ وَأَسَدْ
…
وَذُو ارتجالٍ كُسَعادَ وَأُدَدْ
وَجُمْلَةٌ وَمَا بِمَزْجٍ رُكِّبَا
…
ذَا إِنْ بِغَيْرِ وَيْهِ تَمَّ أُعْرِبَا
إذًا ومنه ما هو منقولٌ كفضلٍ وأسد لو سميت رجلٍ أسد، هذا منقول عن اسم حيوان معروف أو فضل وهو مصدر، وذو ارتجال كسعاد وأُدَد، سعاد قيل: هذا لم يسبق له استعمالٌ في غير الْعَلَمِيَّة كذلك أُدَد لم يسبق له استعمالٌ في غير الْعَلَمِيَّة، إذًا على هذا القول: بأن القرآن اسمٌ وعلمٌ. حينئذٍ يكون علم شخصٍ اسمٌ علمٌ غير مشتق خاص بكلام الله فإذا أطلق لفظ القرآن انصرف إلى كلام الرب جل وعلا، مثل ما تقول: قال زيد. فتعرف زيد أنه ذات التي أدركت ماهيتها وحقيقتها فهو غير مهموز لأنه وضع هكذا وما وضع بدون همز لا يمكن أن يهمز فإذا قيل: قران. فحينئذ يكون وزنه فُعَال، فُعَال قران فتكون النون أصلية والألف زائدة لأنها تكون لام الكلمة فعال قران ليس عندنا همز والألف هذه مقابلة للألف والنون تكون أصلية قران القاف هي فاء الكلمة والراء هي عين الكلمة قران والنون هي لام الكلمة، فصارت النون أصلية وهو وُضع ارتجالاً ابتداءً بدون همز وهذا منسوب إلى الشافعي.
أخرج البيهقي والخطيب عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه يقول: القران اسم وليس مهموزًا ولم يؤخذ من قَرأت. إذًا غير مشتق لأنه لو أخذ من قرأت لكان الأصل فيه أنه مهموز لأن قرأ الهمزة هي لام الكلمة فصارت الهمزة أصلاً حينئذ يكون الأصل في المصدر لأنها وجدت في الماضي ولذلك بعضهم يستشكل يقول: كيف يقال القرآن مأخوذ من قرأ ومعلوم أن القرآن مصدر وقرأ فعل ماضي.
والمصدر الأصل وأي أصلِ
…
ومنه يا صاح اشتقاق الفعلِ
كما هو مقرر عند البصريين على القول الراجح فكيف يقال: القرآن مأخوذ من قرأ؟ نقول: ليس قصدهم أنه فرع العام وإنما المراد أنه اجتمع معه في مادة الاشتقاق وأرادوا بذلك أن يستدلوا على أن الهمزة أصل قَرَأَ على وزن فَعَلَ، إذًا الهمزة هي لام الكلمة، إذًا قران سواء نطق بالهمزة قرآن أم حذفت الهمزة لإسقاط حركتها إلى الساكن قبلها فحذفت قران فحينئذٍ يكون وزنه فعلان كغفران ورجحان كما سيأتي.
إذًا قال الشافعي رحمه الله: القران اسم وليس مهموزًا ولم يؤخذ من قرأت ولو أخذ من قرأت لكان كل ما قرئ قرآنًا رحمه الله وهذا ليس بمُسَلَّم - ولو أخذ من قرأت لكان كل ما قرئ قرآنًا. نقول: لا، جعل علمًا على كلام الرب جل وعلا وحينئذٍ لا يجوز إطلاقه على كل ما قُرئ أما كونه مشتقًا منه. نحن نقول: هذا لا شك بتسليمه لو سُلِّمَ بكونه مشتقًا من قَرَأَ هل يَلْزَم منه أنه يُطلق القرآن على كل كلامٍ مقروء؟
الجواب: لا، لماذا؟
لأننا نقول بالاشتقاق ثم نجعله علمًا على كلام الرب جل وعلا فلا يجوز ماذا؟ استعماله في غيره صار توقيفًا، ولو أُخِذَ من قرأت لكان كل ما قرئ قرآن ولكنه اسم لكتاب الله مثل: التّوراة، والإنجيل. يهمز قرأت ولا يهمز القرآن. هذا قول من؟ قول الشافعي رحمه الله تعالى وهو إمام من أئمة اللغة. فقول الشافعي: هو اسم لكتاب الله. يعني: أنه اسم علم غير مشتق بل هو علم مرتجل. وقال آخرون: بل هو مشتق. ثم اختلفوا في اشتقاقه فقيل: مشتق من قرنت الشيء بالشيء إذًا مأخوذ من مادة الاقتران مأخوذ من قرنت الشيء بالشيء إذا ضممت أحدهما إلى الآخر فلماذا سمي القرآن كلام الرب جل وعلا قران وهو من قرنت الشيء بالشيء؟ فسمي بذلك لقران السور والآيات والحروف فيه، حصل اقتران وهو: ضم السورة إلى السورة، والآية إلى الآية، والكلمة إلى الكلمة، والحرف إلى الحرف. ومنه: قيل إذا قرن الحج والعمرة قران. لأنه ضم الحج إلى العمرة أو العمرة إلى الحج فسمي قرانًا من كونه ضم أحدهما إلى الآخر. هذا قول. وقال الفراء: هو مشتق من القرائن. عندنا القول الأول هو مشتق من ماذا؟ من القران وهذا مأخوذ على قول الفراء من القرائن لأن الآيات منه من القرآن يصدق بعضها بعضًا ويشابه بعضها بعضًا وهي قرائن، وعلى القولين يكون بلا همز على القول الأول بأنه مشتق من القران أو من القرائن يكون قران بلا همز ونونه أصلية. وقال الزجاج: هذا القول سهو. القول الأخير بأنه من القرائن سهو وفي بعض النسخ غلط والصحيح أن ترك الهمز فيه من باب التخفيف ونقل حركة الهمز إلى الساكن قبلها هذا مطرد في الهمز قرآن هذا يحتمل إذا قيل: إنه من القرائن. لا نقطع بأنه ليس مهموزًا إذا قيل من القرائن نقول: قرآن. هذا أصله حصل تخفيف وجه التخفيف أسقطت حركت الهمز يعني: أُرِيد قُصِدَ حذف الهمزة لأن الهمز فيها ثِقَل أريد التخفيف فحذفت الهمزة لا يمكن أن يُحذف الحرف المحرك ابتداءً هكذا، لا بد أن يُتَوفَر إلى حذفه بكونه ساكن فألقيت الحركة الفتحة على الراء لذلك تقول: قُرْآن. بإسكان الراء فإذا حذفت الهمزة تقول: قُرَان. القُرَان بتحريك الراء بالفتح من أين جاءت الفتحة؟ من أين جاءت؟
هي حركة الهمزة إذًا قران أصله قرآن ألقيت حركة الهمزة وهي الفتحة إلى الراء ثم سكنت الهمزة فصح التخفيف حينئذ لأن حذف الحرف المتحرك هذا يستعصي لأن الحرف المتحرك قوي أقوى من الحرف الساكن فحينئذ لا بد من تضعيفه إدخال الضعف عليه فلا بد من إسقاط حركته فإذا سقطت حركته صار ساكنًا فضَعُفَ حينئذٍ تمكنَّا من حذفه.
واخْتَلَفَ القائلون بأنه مهموز قيل: هو مصدرٌ لقرأت كالرجحان والغفران. قَرَأَ يَقْرَأُ قَرْءًا وقرآنًا مصدر زيدت الألف والنون عليه كما سيأتي، إذًا مثل الرجحان والغفران، الغفران هذا مصدر وإن كان سماعيًا غَفَرَ يَغْفِرُ غَفْرًا هذا المصدر القياسي وغفران هذا مصدر سماعي، وقيل: هو الأصل وزيدت عليه الألف والنون - كما سيأتي -. قيل: هو مصدر لقرأت كالرجحان والغفران سمي به الكتاب المقروء من باب تسمية المفعول بالمصدر. وسيأتي هذا بمعنى أنه مقروء يعني: متلو. وقال آخرون - منهم الزجاج -: هو وصف على فُعْلان. وصف ليس بمصدر إنما هو وصف على وزن فُعْلان مشتق من الْقَرْءِ بمعنى الجمع، ومنه: قَرَأْتُ الماء في الحوض. أي: جمعته. إذًا قد يحتمل أن القرآن مشتق من الْقِران قران ويحتمل أنه من الجمع وهذان صوابان يعني: يحمل عليهما دون تفصيل. قال أبو عبيدة: وسُمِّيَ بذلك لأنه جمع السور بعضها إلى بعض. إذًا قيل: القرآن مأخوذ من الجمع لما سمي القرآن كلام الرب جل وعلا قرآنًا؟ لأنه جامع للسور بعضها إلى بعض وسيأتي وجه آخر. وقال الراغب الأصبهاني: بل لكونه جمع ثمرات الكتب السالفة المنزلة. وهذا أصح لكونه جمع ثمرات الكتب السالفة المنزلة لأنه لا يُقال لكل جمعٍ قرآن، هذا لا شك ولا لجمع كل كلامٍ قرآن، هذا لا شك وخاصةً إذا صار علمًا على كلام الرب جل وعلا حينئذٍ لا يصح نقله.
وقيل: لأنه جمع أنواع العلوم كلها.
هذه بعض الأقوال التي ذكرها السيوطي رحمه الله تعالى في ((الإتقان)) وكذلك الزكشي في ((البرهان)) ونقول: والأظهر والله تعالى أعلم أن القرآن في اللغة مصدر قَرَأَ - يعني ما سيأتي هو الأصح - مصدر قرأ بمعنى: تلا. أو بمعنى: جَمَعَ. مصدر قرأ بمعنى: تلا. أو بمعنى: جمع. لأن قَرَأَ يستعمل في التلاوة بمعنى التلاوة ويستعمل في معنى الجمع فهو لفظٌ مشترك أو مشترك لفظي مثل القرح والعين زيدت فيه الألف والنون كما زيدتا في الغفران يعني: القرآن الألف والنون زائدتان. تقول: قَرَأَ قَرْءًا وقرآنًا كما تقول: غَفَرَ غَفْرًا وَغُفْرَانًا فعلى المعنى الأول تَلا فهو مصدرٌ بمعنى اسمٍ المفعول، فحينئذٍ يكون القرآن بمعنى الْمَقْرُوء أي: الْمَتْلُوّ. فسمي القرآن قُرْآنًا لكونه مَتْلُوًّا لأنه مأخوذٌ من قَرَأَ بمعنى: تَلا. ويدل عليه قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 17، 18]. يعني: تلاوته. فصار القرآن هنا مصدر لمعنى اسمٍ المفعول أي: الْمَتْلُوّ. فلذلك نقول: هذا المعنى صحيح سُمِّيَ الْقُرْآن قُرْآنًا لكونه مأخوذًا من قَرَأَ بمعنى تلا فيكون من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول فالْقُرْآن فُعْلان بمعنى الْمَفْعُول بمعنى الْمَقْرُوء والقرآن كلام الله تعالى مَقْرُوءٌ وهو متلو ولا شك في هذا فالمعنى صحيح.
وعلى المعنى الثاني الذي هو جَمَعَ، قلنا: قَرَأَ يأتي بمعنى تَلا ويأتي بمعنى جَمَعَ - كما ذكرناه في السابق - إنه يقال: قَرَأْتُ الماء في الحوض. بمعنى: جمعته. أي: جمعته. وعلى المعنى الثاني جَمَعَ فهو مصدرٌ بمعنى اسم الفاعل فالقرآن بمعنى قارئٍ جامع، القرآن جامع، جامعٌ لأي شيء؟ جامعٌ لثمرات علوم الكتب السماوية التي أُنْزِلَتْ قبله وزاد عليها أليس كذلك؟ أليست أصول التوحيد والغيب والإيمان باليوم الآخر موجودة في القرآن؟
إذًا جمع، وموجودة قبل ذلك لأنه متفقٌ عليها بين الأنبياء فهي موجودةٌ في ما سبق وزاد عليها بأمور انفردت بها شريعة النبي صلى عليه وآله وسلم، ولذلك جاء في القرآن {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 38] {مِن شَيْءٍ} هذا نكرة في سياق النفي وزيدت عليها {مِن} فدل على أنها نصٌ في العموم إذًا {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 38].
وعليه فالقرآن أصله مهموز لأن أصله ماذا؟ قَرَأَ سواءٌ كان بمعنى تلا أو بمعنى جَمَعَ لأنه يستعمل في المعنيين تلا، وجمع فيكون القرآن الأصل فيه أنه مهموز أو ليس بمهموز؟
مهموز هذا هو الأصل فيه فإذا قرأ ابن كثير قران نقول على أي جهة؟
على جهة التخفيف أصله قرآن، فخفف بإسقاط حركة الهمز إلى الراء فحذفت الهمزة فصار قران. على الهمز وترك الهمز وزنه فُعْلان مطلقًا سواءً ذكرنا الهمز نطقنا بها أو لم ننطق بالهمزة لماذا؟
لأن الهمز هنا حذفت تخفيفًا يعني: لعلة لغرض. فحينئذٍ صارت كالموجودة فتراعى في الوزن، إذًا وعليه فالقرآن أصله مهموز خُفِّفَ بنقل حركة الهمز إلى الساكن قبلها ثم حذفت فوزنه فُعْلان، وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى وزنه فُعَال. فرقٌ بين فُعْلان وبين فُعَال، واستشكل البعض باجتماع معرفين وهي: الْعَلَمِيَّة والألف واللام. القرآن، القرآن صار علم على كلام الرب جل وعلا، والعلم معرفة وال المعرفة لا تعرف المعرفة أليس كذلك؟
لا تدخل على المعرفة وإنما تدخل على النكرة
نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا
إذًا ضابط النكرة كل ما صَلَحَ لدخول أل عليه والقرآن بدون أل علم على كلام الرب جل وعلا فحينئذٍ نقول: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]. هذا قرآن أَتَى بأل وهي معرفة وقرآن حيث هو قبل دخول أل هو علم فكيف عُرِّفَ الْمَعْرِفَة؟
فالجواب أن يقال: أمرٌ سهل أن أل هذه زائدة وليست للتعريف، وإنما هي للمح الصفة، لمح الصفة يعني: قبل جعل لكونه منقولاً إذا نُقل الاسم فصار علمًا حينئذٍ صار علمًا إذًا صار تعريفه بالْعَلَمِيَّة فهو نوعٌ من أنواع المعارف إذا أردت الإشارة عند التكلم للدلالة على أنه منقولٌ عن ذاك المعنى تُدْخِلُ عليه أل وهذه الأل زائدة ليست معرفة ولذلك قال ابن مالك: نكرةٌ. رحمه الله قال:
نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا
أل المعرفة. ليست كل أل تكون للتعريف قد تكون أل مؤثر التعريف يعني: استفاد منها مكفولها التعريف رجل الرجل صار معرفةً، وليد الوليد هكذا يقول الناس: أبو الوليد. الوليد وليد تقول: هذا اسم علم منقول وليد فعيل يعني: مولود هو مولود هذا وصف نقل إلى الْعَلَمِيَّة فحينئذٍ إذا أردت الدلالة على المعنى الذي نُقِلَ عنه وأنه مولود تُدخل عليه أل فتقول جاء الوليد تشير إلى ماذا؟
أل هذه ليست معرفة لأنه هو معرفة علم وإنما تشير إلى كونه منقولاً عن ذات الوصف الذي هو كونه مولود.
كذلك عباس علم مشتق من العبوسة فإذا رجل اسمه عباس وقد وافق الاسم المسمى في وجه عبوس وكذا فتقول: جاء العباس. تقصد به ماذا؟
أنه جاء عابس الوجه وإلا هو لوحده عباس هذا عَلَم حينئذ لا يعرف، القرآن قرآن علم فإذا أدخلت عليه أل دلَّ على أن منقول من قَرَأَ بمعنى: تَلا. أو من قَرَأَ بمعنى: جَمَعَ، ولا إشكال. واستشكل البعض اجتماع معرفين وهما الْعَلَمِيَّة والألف واللام وواضح أن اللام زيدت للمح الصفة.
إذًا عرفنا أن القرآن هذا لفظ إذا أطلق انصرف إلى كلام الرب جل وعلا، إذًا صار علمًا علم جنس أو علم شخص؟
علم شخص، لماذا؟
لأن مدلوله مشخص محدود، وهذا المحدود هل هو في الذهن أو في الخارج؟
في الخارج فحينئذٍ صار علم لشخص هذا من باب التفسير الفرق بين علم الجنس وعلم الشخص، علم الجنس مدلوله في الذهن لا وجود له في الخارج فحينئذٍ إذا قيل القرآن علم من أي النوعين؟ علم شخص أو علم جنس؟
نقول: علم شخص. شخص من التشخص له شخص له ماهية له حقيقة يدرك حينئذ تقول: هذا القرآن من أوله إلى آخره. إذًا هذا صار شخصًا فصار له كالعَلَمِ الشخصي، ويطلق بالاشتراك اللفظي على مجموع القرآن كل القرآن مسماه قرآن من الفاتحة إلى الناس ويطلق على بعضه، إذا سمعت شخصًا يتلو آية فتقول: يتلو قرآن. {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ} [الأعراف: 204] قرأ القرآن ماذا؟ كله أو بعضه؟
بعضه إذًا صح إطلاقه على بعض كلام الرب جل وعلا، ولذلك هو نقول: يطلق بالاشتراك اللفظي على مجموع القرآن كل القرآن من أوله من الفاتحة إلى سورة الناس، وعلى كل سورة من سوره، وعلى كل آية من آياته، ولذلك إذا سمعت من يتلو آية من القرآن صح أن تقول: إنه يقرأ القرآن. والآية واضحة {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ} [الأعراف: 204] وإذا قيل: إنها في الصلاة. حينئذ لا يقع في الصلاة في الركعة الواحدة أو الركعتين كل القرآن إنما يقرأ بعض القرآن فصح إطلاق لفظ القرآن عليه، هذا من جهة القرآن من جهة المعنى اللغوي ومن جهة الاشتقاق.
أما مسماه في الاصطلاح يعني الشرعي المشهور في تعريفه بالطبع لا يمكن في مثل هذا أنه يُؤتى بحد على طريقة المناط إلا اللهم في حالة واحدة. إذا قيل: ما هو القرآن؟ وأردت تعريف القرآن بحد تام يصدق على مسمى القرآن حينئذ تقول: إذا أريد تعريف القرآن بحد تام لا يَدْخُلُ فيه غيره ولا يخرج عنه فرد من أفراده تقول: القرآن هو: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 1، 2] وتقرأه من أوله إلى {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}
…
[الناس: 6] صحيح إذا أُرِيد تعريف القرآن بحد شامل ما يُسمَّى بالحد الحقيقي لا يخرج عنه فرد من أفراده ولا يدخل فيه غيره ولا يَرِدُ عليه غيره أي إيراد فتقول: القرآن هو: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} ثم تقرأ القرآن كاملاً إلى آخره، وأما ما عداه فحينئذٍ لا بد من التقريب فقط ولو طبقت عليه من باب الإخراج والإدخال هذا من باب التقريب ولذلك يسمى رسمًا، أما الحد الحقيقي فهو كما ذكرناه، وذلك بعضهم يدخل قيدًا وبعضهم يخرج الآخر وهلم جر يعني: يختلفون في القيود التي يمكن أن يُحَدَّ بها القرآن. والمسلم لا يحتاج أن يُعَنْوَنُ له فيقال: القرآن كلام الله إلى آخره إلا من باب إثبات أنه صفة لله عز وجل وما زاد على ذلك فهو معلوم والمشهور في تأليفه أنه: كلام الله تعالى المنزل على رسوله وخاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته المبدوء بسورة الفاتحة المختوم بسورة الناس. وسيأتي أنه زاد في النظم هناك في المقدمة: المعجز بلفظه. وسيأتي أنه هذا من فوائده.
إذا قيل: بأن هذا هو مسمى القرآن نحن نُفسر الآن ما هو؟ نُفسر مسمى القرآن عندنا اسم وعندنا مسمى، لو قيل: ما الدليل على أن هذا التعريف هو مسمى القرآن؟ لو قال لك قائل: ما الدليل أنت الآن تقول الله عز وجل بقول: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي} [الإسراء: 9]. وأنت تقول: أن هذا القرآن مسماه كلام الله تعالى إلى آخره ما الدليل؟ نقول: الدليل قوله جل وعلا: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلاً} [الإنسان: 23]. فدل على أن المنزل هو القرآن وليس ثم منزل إلا كلام الرب جل وعلا كذلك قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2]. فدل على أن المنزل هو: القرآن. وهو: كلام الرب جل وعلا. إذًا كلام الله فكلام هذا على اصطلاح المناطقة جنس يشمل كل كلام، كلام الإنس، كلام الملائكة، كلام الجن إلى آخره كل من يمكن أن يتكلم فيصدق عليه أنه كلام، لما أريد تقيده وإخراجه ما عدا كلام الرب جل وعلا أضيف لأن التقيد إما أن يكون بوصف أو بإضافة «خمس صلوات» حصل التقييم هنا بماذا؟
بالإضافة، {وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ} [البقرة: 221] حصل هنا بالوصف.
إذًا كلام الله أضيف الكلام إلى لفظ الجلالة فأخرج ما عداه من كلام الإنس والجن والملائكة، كلام الله تعالى كلام مسمى كلام الرب جل وعلا على ما هو المقرر في كتب النحو أنه اللفظ والمعنى معًا، لأن كثير ممن يكتب في هذه المسائل في علوم القرآن وفي التفسير إنما يقصدون بالكلام هو: المعنى دون اللفظ إلا في أصول الفقه فيعنون به اللفظ مجازًا، والمعنى يحيلونه على علم أصول الدين ولذلك عَرَّف القرآن السيوطي في ((الكوكب الساطع)) بقوله:
أما القران ها هنا. جزء القرآن.
أما القرآن ها هنا فالمنزل
…
على النبي معجزًا يفصَّل
إذًا القرآن في كتب أصل الفقه المراد به اللفظ، والمراد بالقرآن في أصول الدين عندهم علم الكلام ليس في العقيدة السلفية إنما هو علم محدث مبتدع المراد به الكلام النفسي، وإطلاق الكلام على المعنى النفسي أو الحديث حديث النفس هذا إطلاق حقيقي، واختلفوا في إطلاق الكلام على اللفظ هل هو حقيقي أو مجازي؟ المرجح عندهم أنه مجاز لماذا؟
لأن حقيقة صفة كلام الرب جل وعلا هو المعنى القائم بالناس والكلام أو اللفظ، اللفظ عبارة ودليل عن المعنى القائم بالنفس وهذا باطل بالنص لقوله جل وعلا:{وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ} [التوبة: 6]. والذي يسمع هو اللفظ دالاً على معناه، وهذا واضح ولا إشكال فيه ولذلك لا يعرف خلاف عن السلف في مثل هذه المسائل، والخلاف محدث وقيل: أول ما قال بالتفرقة هو الكُلابي. ولذلك الأشاعرة كُلابية المعنى هم يرجعون إلى الكُلابي من جهة إثبات أن المراد بالكلام هو المعنى النفسي وإطلاقه بأن المراد به المعنى النفسي يرده النص الذي ذكرناه ويرده إجماع النحاة بأن الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع، هذا مجمع عليه عند النحاة، وكذلك لو صح إطلاق القول على،
لأن القول كلام بمعنًى لو صح إطلاقه على المعنى النفسي حينئذٍ لم احتاج إلى قيد في قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ} [المجادلة: 8]. لأن حديث النفس هذا لا ينكره أحد هو موجود لا إشكال فيه هل أحد ينكر حديث النفس المعنى القائم في النفس؟ لكن هل هو كلام حقيقة أو لا؟ هذا محل النزاع هم يقولون: إذا أطلق لفظ الكلام؟ هكذا دون أن يقيد انصرف إلى معنى قائم بالنفس ولا يدل على اللفظ إلا بقرينه لأنه مجاز كذلك إذا أطلق القول انصرف إلى ماذا؟ إلى ما في النفس ولا يدل على اللفظ إلا بقرينه لأنه مجاز. نقول قوله جل وعلا: {وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ} [المجادلة: 8]. {فِي أَنفُسِهِمْ}
…
[المجادلة: 8] جار مجرور متعلق بقوله: {وَيَقُولُونَ} [المجادلة: 8]. فلو كان القول إذا أطلق عن القيد انصرف إلى المعنى النفسي لما قيده؟
كأنه قال: يقولون في أنفسهم في أنفسهم. لأن القول إذا أطلق انصرف إلى المعنى النفسي فلم قيد؟ فدل على ماذا؟
دل على أن الأصل في اللفظ أن الأصل في القول هو اللفظ لأن العلم معناه ولذلك عبارة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول: الكلام للفظ والمعنى كالإنسان للجسد والروح. الآن إذا قيل: هذا إنسان. نقول: هذا إنسان مسماه الجسد والروح معًا. هل هو الروح دون جسد أو الجسد دون الروح؟
لا، لا يمكن أن يطلق ويراد به الإنسان، ولذلك من الباطل أن يقال:
…
{أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1]. أنه بروح دون جسد نقول: العبد إذا أُطلق يحمل على مسماه وهو الروح والجسد معًا. فإثبات الإسراء للروح فقط دون الجسد يحتاج إلى دليل نقول: لا مانع في الشرع لكن ائت بدليل، والأصل حمل اللفظ على ظاهره كذلك الكلام بالنسبة للفظ والمعنى كالإنسان باعتبار الجسد والروح.
على كلٍ إطلاق الكلام على ما المعنى القائم بالنفس نقول هذا محدث وبدعة وضلال. لماذا؟
لأنه ينبني عليه تحريف كلام الرب جل وعلا وبأن القرآن الذي بين أيدنا المكتوب في المصاحف المحفوظ في الصدور هذا ليس بكلام الرب جل وعلا، حينئذٍ صاروا بذلك يقولون الأشاعرة كالمعتزلة في أن القرآن مخلوق لكن يقولون: لا يُصرح به تأدبًا وإنما يذكر في مقام التعليم فقط عند الطلاب. يقال: القرآن مخلوق. وما عدا ذلك لا يكون كلام الله والإضافة حينئذٍ تكون من باب إضافة تشريف {نَاقَةَ اللَّهِ} [الشمس: 13] مثلها كلام الله، وهذا باطل.
على كلٍّ كلام الله لفظًا ومعنى وانتبهوا من الكتب التي في التفاسير وفي علوم القرآن ونحوها ولذلك يذكروا حتى في المصطلح لا يكاد يَسْلَم يقولون: الحديث ضد القديم. في تعريف الحديث ضد القديم قد يكون في اللغة لا إشكال يُبحث عنها لكن يقول: هو سمي الحديث حديثًا لماذا؟
لأنه مقابلٌ لكلام الرب جل وعلا لأنه ماذا؟
قديم صفةٌ قديمة قائمةٌ بالنفس. وهذا باطل. فتجد لوثة الأشعرية لا يكاد يسلم منها علم في النحو، في الصرف، في البيان في البيان حدث ولا حرج.
كلام الله تعالى المنزل على عبده، المنزل يخرج كلام الله الذي استأثر به هل كل كلام الله جل وعلا منزل؟ هل كلام الله هو القرآن فحسب أم أنه أعم؟
القرآن من كلام الله من بعض كلام الرب جل وعلا وليس كل كلام الرب جل وعلا فلذلك ليس كل كلامٍ يكون مُنَزّل فقوله: الْمُنَزَّل. كلام الله تعالى المنزل احترز به أو أخرج عن كلام الرب جل وعلا الذي استأثر به ولم ينزل {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} [الكهف: 109] على محمدٍ صلى الله عليه وسلم يُخْرِجُ ما أَنْزَلَ من الكتب أو ما أُنْزِلَ من الكتب على الأنبياء قبله كالتوراة، والإنجيل وغيرهما لأنه مقيد (الْمُنَزَّلُ) على محمد قد أنزل الرب جل وعلا التوراة، وأنزل الإنجيل وهي من كلامه جل وعلا لكنها ليست بقرآن وعند الأشاعرة ونحوهم كلها قرآن المعنى واحد واختلف باختلاف ماذا؟
المنزل عليه، فالقرآن سُمِّيَ قرآنًا لكونه منزل على محمد وسمي عينه توراة وسمي إنجيلاً هذا كله من الخلط. إذًا على محمدٍ صلى الله عليه وسلم يُخرج ما أنزل من الكتب على الأنبياء قبله كالتوراة والإنجيل وغيرهما كصحف إبراهيم وموسى، متعبد بتلاوته ما المراد بالمتعبد؟ يعني: ما أمر به الشرع أن يُتَّخَذَ عبادة، لأن العبادة هذا شأنها اسمٌ جامعٌ لكل ما يحبه الرب جل وعلا ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، نقول: هذا عبادة. كل ما أمر به الشرع فهو عبادة كل ما حبه الشرع فهو عبادة، كل ما جاء النص بأن الرب جل وعلا رضي عنه فهو عبادة، كل ما مُدِحَ فَاعِلُوه فهو عبادة. كيف نحكم على الشيء بأنه عبادة، هل كل قول بأنه عبادة؟
لا. هل كل فعل هو عبادة؟
نقول: لا، لا بد من ضابط وهذه المشكلة قد يُشكل على البعض حتى من طلاب العلم كون هذا الشيء عبادة أو ليس بعبادة ما الذي ينبني عليه؟
ينبني أولاً أنك تعرف أن هذا عبادة وصرف العبادة لغير الله جل وعلا كلها أو بعضها ما حكمه؟
شرك. إذًا الذي لا يميز العبادة عن غيرها كيف يسلم من الشرك، عبادة قد تكون بالقلب، وقد تكون باللسان، وقد تكون بالجوارح، إذًا ثلاثة الأركان محلٌ للتعبد للرب جل وعلا قولاً وعملاً وتركًا فالذي لا يميز هذا عن ذاك لا يكاد يسلم من الوقوع في الشرك ولو كان خفيًّا، إذًا المتعبد بتلاوته أي: المأمور بتلاوته وقراءته في الصلاة وفي غيرها على وجه قربة والطاعة حينئذٍ نقول: القرآن متعبدٌ بتلاوته. أخرج ماذا؟
الحديث القدسي على القول بأن لفظه ومعناه من عند الرب جل وعلا، وأما إذا قيل بأن المعنى من عند الرب جل وعلا ولفظه من عند النبي صلى الله عليه وسلم فلا إخراج وإنما يكون الإخراج حينئذٍ للآيات المنسوخة (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما) فقل هذا نُزل أولاً لكنه رُفِعَ فحينئذٍ لا يكون متعبدًا بتلاوته، نحن نعرف أن هذه كانت آية لها حرمة ولما نسخت تلاوتها هل يصح أن تُقْرأ في الصلاة؟
لا يصح.
هل هي كلام الرب منزل؟ نعم كان ثم رفعت لها الحرمة بالنسخ ولله عز وجل أن ينسخ ما يشاء كما يشاء فحينئذٍ نقول: هذه منسوخة فلا يُتعبد بتلاوتها. إذًا المتعبد بتلاوته أخرج الحديث القدسي إن قلنا: إنها منزلةٌ من عند الله تعالى بألفاظها فهو غير متعبد بتلاوتها وخرج أيضًا منسوخ التلاوة.
إذا عرفنا أيضًا الآن الطرفين المركب الإضافي علوم القرآن علوم في اللغة والاصطلاح، والقرآن في اللغة في الشرع يرد السؤال ما المراد بـ: علوم القرآن بالمعنى الإضافي؟
فبناءً على هذين التأليفين يمكن أن نعرف القرآن بالمعنى الإضافي فنقول: علوم القرآن عبارةٌ عن طوائف المعارف المتصلة بالقرآن. طوائف بمعنى طائفة مثل قوله هناك: جملة. يعني: بعض. طوائف المعارف جمع معرفة والمراد بها المساء لأنها جزئيات ولذلك بعضهم يفرق بين الجزئيات والكليات فيطلق على كليات بأنها علم على الجزئيات بأنها معرفة، المتصلة بالقرآن يعني: كل علمٍ له اتصالٌ من قريبٍ أو بعيدٍ فهو علمٌ من علوم القرآن فيدخل فيه العقيدة والتوحيد، والفقه، والحديث، وأصول الفقه، واللغة العربية بأنواعها، فكل علمٍ له عَلاقة بالقرآن فهو علمٌ من علوم القرآن واضح هذا.
فحينئذٍ صار علوم القرآن مرادفًا لعلوم الشريعة صار لفظ علوم القرآن بالمعنى الإضافي مرادفًا لعلوم الشريعة لأن علوم القرآن الفقه من أي مأخوذ؟ السنة عمومًا السنة ما الذي دل عليها في حجيتها وإثباتها؟
القرآن. إذًا هي داخلة في القرآن كل السنة من علوم القرآن، والفقه المستنبط من القرآن والسنة إذًا هو من علوم القرآن، وكلُ علمٍ كان وسيلةً للفقه في الوحيين دل عليه بماذا؟ بالقرآن إذًا كل العلوم الشرعية من علوم القرآن، كل ما اتصل بالقرآن من قريبٍ أو بعيدٍ فهو علمٌ من علوم القرآن، لكن هل هذا يصح هنا أن يجعل عنوان لعلمٍ يستقل بحدٍ أو موضوعٍ يطابق به الحديث والتفسير وأصول الفقه و .. و .. و
…
إلى آخره هل يصلح هذا أن يكون فنًا يتميز بنفسه وبموضوعه عن سائر الفنون؟
الجواب: لا، حينئذٍ صار هذا التعريف، التعريف ثابت ولا بد لأن دلالة اللفظ بالتركيب الإضافي تدل على هذا فحينئذٍ نقول: هذا التعريف لا يصلح أن يكون لفنٍ مستقلٍ عن غيره من الفنون فلا بد من تعريفٍ أدق وأضبط بحيث يصير عَلَمًا دون الأول.
إذًا نقول: علوم القرآن عبارة عن طوائف المعارف المتصلة بالقرآن. يعني: كل معرفةٍ اتصلت بالقرآن تدخل تحت علوم القرآن بالمعنى الإضافي فيشمل ذلك كل العلوم الشرعية من التفسير والحديث والفقه والأصول واللغةِ فكل هذه العلوم تعين على فهم معاني القرآن ومقاصده، فكل ما يتصل بالقرآن من قريبٍ أو بعيدٍ يدخل تحت هذا التعريف فصار علوم القرآن مرادفٌ لكل العلوم الشرعية، فحينئذٍ لا بد من تخصيص هذا المفهوم فنقول بالحد الثاني وهو كونه لقبًا وعلمًا على الفن المستقل بذاته وبموضوعه علوم القرآن: هو علمٌ ذو مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من حيث نزوله، وترتيبه، وكتابته، وجمعه، وقراءته، وتفسيره، وإعجازه، وناسخه ومنسوخه، ومحكمه، ومتشابهه. إلى غير ذلك من المباحث التي تُذكر في أنواع علوم القرآن.
حينئذٍ تقول الاختصار: علمٌ ذو مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من حيث نزوله، وترتيبه، وما يتبع ذلك من التتمات التي ستذكر في أنواع علوم القرآن.
أنواع علوم القرآن هي مسمى هذا الفن الذي يكون بالمعنى اللقبي العالمي بحيث إذا أُطلق اللفظ انصرف إلى هذا المعنى، إذا قيل: أصول الفقه انصرف إلى القواعد الكلية الإجمالية التي تثبت بها الفقه، إذا قيل: علوم القرآن. بالمعنى الإضافي ينصرف إلى أي شيء لا يتعين مسماه لأنه يُعم كل العلوم الشرعية لكن نريد أن نحده بحل بحيث إذا أطلق انصرف إلى معنى معين فنقول: علوم القرآن هي المباحث التي ذكرها الناظم هنا (بالخَمْسِ والخَمْسِينا) من الخمسةِ والخمسين نوعًا، فكل نوعٍ من هذه الأنواع الخمسة والخمسين هي من مسمى علوم القرآن ولذلك قيل: علمٌ ذو مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من حيث نزوله وما يتبع ذلك. ولذلك قال الناظم: (مِنْ جِهَةِ الإِنْزَالِ ونَحْوِهِ) لأنه لا يمكن أن يعد ثمانين أو يعد مائة واثنين أو يعود خمسة وخمسين ويجعلها تعريف، لا، وإنما كل ما يتعلق بفهم القرآن على جهةٍ معينة خاصة وهي الوقوف على مكيه، وترتيبه، ونزوله، وآياته وعدد سوره إلى آخره هذا هو مبحث فن علوم القرآن.
إذًا عرفنا حد علوم القرآن. إذًا يسمى علوم القرآن وهذا هو المشهور يرادفه عند المتقدمين علوم التفسير سواء كان بالإفراد أو بالجمع يقال: علم القرآن. كما ذكرناه عن مقاتل بالأمس {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ} [البقرة: 269] قال: الحكمة ما هي؟ علم القرآن. وذاك عن سفيان قال: الفهم والإصابة. علم القرآن مفرد ولكنه أضيف إلى ماذا؟ إلى معنى فاكتسب التعريف فصار علوم القرآن ولذلك يقال: علم القرآن وعلوم القرآن. بالإفراد وبالجمع ويرادفه عند كثيرين علوم التفسير وعلم التفسير ولذلك سمى السيوطي رحمه الله كتابه ((التحبير في علم التفسير)) هذا على النسخة المطبوعة، وفي ((الإتقان)) قال:((التحبير في علوم التفسير)) علوم بالجمع في علوم التفسير وهو مرادفٌ لعلوم القرآن ويسمى أصول التفسير ويسمى علم التفسير ويسمى علم التنزيه ويسمى أيضًا قواعد التفسير كلها أسماء لمسمى واحد.
موضوعه: كلام الله تعالى من حيثيةٍ مذكورة يبحث في أي شيء هذا الفن يبحث في ماذا؟ في كلام الله جل وعلا من حيث نزوله وترتيبه إلى سائر الأنواع التي تذكر في مظانها.
فائدته: التوصل إلى فهم معاني القرآن والعمل بما فيه بعد الفهم، ولذلك ما أنزل القرآن إلا من أجل العمل ولذلك عند جماهير أهل العلم أن التفسير واجبٌ بدليل قوله تعالى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]. ذمهم أو لم يذمهم؟
ذمهم والذم إنما يترتب على ماذا؟
على ترك واجب، والتدبر إنما يكون بعد الفهم يعني: يتأمل ويتدبر ثم يحصل العبرة والعظة من النظر في القرآن ولم ينزل القرآن من أجل أن يقرأ فقط وإن كان متعبد بتلاوته لكنه ليس هو المقصد الأساسي من إنزال القرآن وإنما المراد به العمل.
واضعه: الرب جل وعلا ونبيه صلى الله عليه وسلم لذلك هو علم إلهي وإن استنبط بعض أهل العلم بعض الفوائد فمصدرها في الأصل هو: القرآن.
استمداده: من القرآن نفسه والسنة وأساليب العرب.
مسائله: ما يبحث فيه من معرفة المكي، والمدني، والصيفي، والشتائي إلى آخره.
نسبته: أنه من العلوم الشرعية ولا شك بل يتوقف فهم معاني كلام الرب جل وعلا وهو التفسير على معرفة أنواع علوم القرآن.
فضله: أنه من أشرف العلوم وأجلها.
لأن العلوم تشرف بشرف موضوعاتها وموضوعه أجل وأشرف لأنه كلام الرب جل وعلا، هذا العلم من حيث النشأة بعضهم يرى أنه لم يكتب في علم علوم القرآن إلا متأخرًا بل ذكر السيوطي أنه لم يعرف إلا الْبُلْقِيني رحمه الله تعالى في كتابه:((مواقع العلوم من مواقع النجوم)). فقال: أول من ألف في علوم القرآن على جهة الجمع هو الْبُلقيني فبدأ ثم هو أتمه في كتبه الثلاثة لأنه ألف أولاً: ((التحبير))، ثم ألف بعد ذلك ((الإتقان))، و ((التحبير)) ذكر فيه مائة ونوعين من أنواع علوم القرآن، ثم ألف ((الإتقان)) يعني: وسع المدارك. وجمع بعض تلك الأنواع مع بعض فصيرها ثمانين نوعًا، ثم اختصر قيل اختصر ((مواقع العلوم)) للبُلقيني في رسالته ((النقاية)).
لكن هذا الكلام ليس بسديد كون البلقيني هو أول من صنف في علوم القرآن ليس بسديد بل علوم القرآن نشأت مع نزول القرآن وإن لم تدون ابتداءً إلا على جهة العلم الجزئي لأن التأليف لما كان هنا وهذا أمرٌ يعني يدرك بالحس أيضًا كالطفل أول ما ينشأ يَنشأ شيئًا فشيئًا مثله العلوم لكنها تكون موجودة أولاً في عهد الصحابة ثم بعد ذلك من جهة التزويد تنشأ كنشأة الطفل شيئًا فشيئًا ولا تولد هكذا وإنما تكون مستقرة، ولذلك كيف صار ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تُرجمان القرآن فقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعلمه الكتاب في رواية البخاري يعلمه التأويل وراوية البخاري أعم يعلمه الكتاب يعني: علم الكتاب، وعلم الكتاب هذا أعلم من التفسير وإن فُسِّرَ التأويل بمعنى التفسير على طريقة السلف.
فحينئذٍ نقول: ترجمان القرآن صار مفسرًا صار إمامًا في التفسير صار مرجع الأمة حجة في التفسير وهل يمكن أن يكون كذلك دون الوقوف على المكي والمدني وأسباب النزول ونحو ذلك؟
لا يمكن لأن بالمكي مثلاً والمدني يعرف المتأخر من المتقدم فعند عدم الإمكان يحكم بأن المدني ناسخ للمكي إذًا ينبغي عليه فائدة كبيرة عند المفسرين، كذلك أسباب النزول هذه تفيد في فهم كما نص شيخ الإسلام رحمه الله على ذلك أنها تعين على فهم المراد من الآية، قد يغلق المعنى على المفسر فإذا وقف على سبب النزول أدرك حينئذٍ صار معينًا أو لا؟ صار معينًا لا شك فحينئذٍ نقول: العلم كان موجودًا. ولكن الصحابة لكونهم فصحاء وأرباب اللغة واللسان ومعاينته للنبي صلى الله عليه وسلم قد يُدركون الكثير دون حاجةٍ إلى السؤال عنها من النبي صلى الله عليه وسلم فيدركون ما أشكل عليهم أو خفي عليهم سألوا عنه، ولذلك لم يفسر كل القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم لماذا؟
لأن بعضه يدرك كما نص ابن عباس على ذلك أنه على أربعة أنحاء بعض يدركه العربي القح فيفهم المراد دون الرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك كان ما ثبت في تفسير القرآن من الحديث المرفوع عن النبي أقل لو نظر إلى - هو في نفسه كثير - لكن باعتبار القرآن ستة آلاف آية مثلاً فنقول: هذا قليل. لماذا؟
ما وجهه ما سره الصحابة فصحاء أقحاح يعني: يفهمون من اللغة من النحو والبيان والصرف وإن لم تدون تلك العلوم. ولذلك كما قيل في فن أصول الفقه أنه موجودٌ بالسليقة والطبيعة ومأخوذ في أنفسهم والنحو كذلك فنقول: كذلك علوم القرآن موجودة عندهم وهم أهل القرآن، وهم أهل التفسير وهم أعلم ممن جاء بعدهم بتفسيرهم أو الوقوف على مراد الرب جل وعلا وما هذه العلوم إلا شروط في المفسر، فحينئذٍ نقول: العلم كان موجودًا. لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم واتسعت رقعة البلاد وكثر الناس ووقع شيءٌ من الخلاف والاختلاف في القراءة ظهر أول نوعٍ من أنواع علوم القرآن وهو: جمع القرآن. ثم نشأ رسم القرآن أو الرسم العثماني وهو نوعٌ من أنواع علوم القرآن إذًا وجد أو لم يوجد؟
وجد، كذلك التفاسير التي وجدت من عهد التابعين ولذلك ينسب تفسيرٌ لسعيد بن جبير وأيضًا الحسن البصري وشعبة بن الحجاج وسفيان بن عيينة ووكيع بن الجراح، كلهم جمعوا تفاسير في أقوال الصحابة أو جمعوا أقوال الصحابة في التفسير وكبار التابعين.
والتفسير ما هو التفسير؟
هو نوعٌ من أنواع علوم القرآن، وما علوم القرآن إلا خدمة لعلم التفسير، فهو أجل أنواع علوم القرآن فإذا وجد أجل أنواع علوم علُوم القرآن وكانت سائر علوم القرآن خدمة لهذا الفن وهو فن التفسير هل يمكن أن يقال بأن علوم القرآن لم يدون فيه شيئًا البتة حتى جاء الْبُلقيني؟
والتفاسير هذه من لدن سعيد بن جبير إلى عهد البلقيني كلها نقول: ليست في علوم القرآن؟
الجواب: لا، لأنه ما من تفسير إلا ويذكر فيه سائر الأنواع من جهة الإنزال، من جهة الجمع، من جهة عدّ الحروف، من جهة القراءات، من جهة معرفة لكونه مكيًا، أو مدنيًا، حضري، أو سفري
…
إلى آخره، فيذكر في ضمن التفاسير وإلا ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى وهو مُتوفى سنة عشر وثلاثمائة قد جمع أجل تفسير إلى يومنا هذا، أعظم تفسير من تفاسير السلف هو تفسير ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى ويغني عن غيرِهِ وغيرُهُ لا يغني عنه البتة فحينئذٍ نقول ماذا؟
نقول: وجد أهم وأعلى درجات أنواع علوم القرآن وما ذكر بأن الْبُلقيني هو أول من صنف إلى آخره فهذا ليس بسديد ولا نطيل في هذا المقام والوقت قد أدركنا.
وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.