الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* تابع للمبادئ العشرة.
* الفرق بين القرآن والحديث القدسي.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(حَدُّ عِلْمِ التفسيرِ) أراد أن يبين لك في هذا الباب بعضًا من مقدمة العلم الذي ذكرنا بعضها أو كلها في الدرس الماضي (حَدُّ عِلْمِ التفسيرِ) أي: هذا بابٌ (حَدُّ عِلْمِ التفسيرِ) حينئذٍ يكون حدُّ هذا خبرًا لمبتدأ محذوف على حدِّ مضاف يعني: أصل التركيب هذا باب حد علم التفسير فقيل: باب حد علم التفسير. ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فارتفع ارتفاعًا، لكن لا يصح أن يقال: هذا حد علم التفسير. لا يصح هذا لا بد من تقديم مضاف وأصل التركيب على ما ذكرناه كما قال ابن مالك رحمه الله تعالى: الكلام وما يتألف منه. لا يمكن أن يقال الكلام هذا خبر لمبتدأ محذوف هذا كلام لا يصح لأنه ليس بكلام هو أراد ماذا؟ أراد شرح حد الكلام، هنا كذلك أراد بيان حد علم التفسير بالمعنى العام حينئذٍ لا بد من تقدير المضاف محذوف هو الأصل خبر والمبتدأ محذوف هذا باب حد هذا حذف للعلم به ثم قيل: باب حد علم التفسير. إذًا باب هو الخبر فحذف الخبر وأقيم وهو المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فارتفع ارتفاعه، إذًا فإعرابه أن تقول هكذا: حد هذا خبر لمبتدأ محذوف على تقدير ماذا؟ على تقدير مضاف. هذا أسهل ما يقال فيه من جهة الإعراب ومن جهة الحركة يعني: يكون خبر لمبتدأ محذوف وحركته يكون للرفع.
(حَدُّ) الحدّ هذا مصدر حَدَ يحُدُّ حَدًّا وله معنيان معنى لغوي ومعنى اصطلاحي.
أما معناه اللغوي فهو: المنع. ومنه سمي البواب حدادًا لماذا؟
قالوا: لأنه يمنع من غير أفراد البيت من الدخول فيه كما يمنع الداخل أفراد الداخلين من الخروج عنه لذلك سمي ماذا؟ سمي حدادًا بواب سمي حدادًا لهذا لأنه يمنع الداخلين من الخروج إلا بإذن بالطرق ويمنع غير الداخلين من الدخول، إذًا هو جامعٌ مانع، وهذا هو معناها الاصطلاحي.
الحد في الاصطلاح عند أرباب الأصول على جهة الخصوص الجامع المانع الجامع لأفراد المحدود من الدخول في الحد، المانع من دخول غير أفراد المحدود في الحد.
الجامع المانع حَدُّ الحدِّ
…
أو ذو انعكاس إِنْ تَشَأْ والطَّرْدِ
يعني: يعبر بهذا أو يعبر بذاك المشهور أن الحد هو الجامع المانع، جامع لكل الأفراد أفراد المحدود مانع من غيرها أو من غير أفراد المحدود من الدخول في الحد كما تقول: الاسم كلمة دلت على معنى في نفسها ولم تقترن بأحد الأزمنة الثلاثة. كل أفراد الاسم لأن الاسم هذا هو الذي حُدّ كل أفراد الاسم زيد وعمرو وخيل وكتاب وحمار .. إلى آخره كلها داخلة في الحد الذي هو كلمة دلت على معنى في نفسها .. إلى آخره، وهل دخل غير أفراد الاسم من أفراد الفعل أو الحرف في الحد؟ الجواب لا، إذًا صار جامعًا مانعًا.
(حَدُّ عِلْمِ التفسيرِ) علم التفسير علم عرفنا المراد بالعلم، وهنا علم مفرد مضاف إلى التفسير حينئذ يعم كأن العلم هنا ليس واحدًا هي علوم حينئذ نقول هنا: أضف العلم وهو نكرة إلى المعرفة واكتسب ماذا؟ اكتسب العموم من باب قوله تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ} [إبراهيم: 34]. يعني: تعدوا نعم الله. إذًا حد علم التفسير علم يعني: علوم التفسير. لأن العلوم متعددة هنا وليست بواحدة كما سيأتي أنه عدها خمسة وخمسين نوعًا.
(حَدُّ عِلْمِ التفسيرِ) علم التفسير، التفسِير هذا تفعيل من فَعَلَ، فَعَلَ يُفَعِّلُ تَفْعِيلاً خَرَجَ يُخَرِّجُ تَخْرِيجًا كما أخذناه في القريب، حينئذٍ التفسير نقول: هذا مصدر. وعلم أيضًا مصدر فيكون من باب إضافة المصدر إلى المصدر لكن المراد هنا العلم المراد به المعلوم ليس عين العلم لماذا؟
لأنه كما ذكرناه المراد بالآحاد هو المعلوم، والجنس والمعنى الذهني هذا لا تعدد فيه لماذا؟
لأنه وحدة ذهنية وجودها في العقل والتعدد دائمًا يكون الآحاد والتجزئة والتفاوت إنما يكون في الخارج لا في الذهن، ولذلك إذا قيل: الاسم كلمة دلت على معنى في نفسها .. إلى آخر الحد أين وجود هذا الحد؟
في الذهن لا وجود له في الخارج إلا في ضمن أفراده، فإذا كان المحدود معرفًا فإذا كان المعرف جمعًا هذا لا يتصور وجوده في الذهن وإنما لا يكون في ماذا في خارج الذهن لماذا؟
لأن التعدد تعدد الأفراد إنما يكون في الخارج، ولذلك الإنسان يقال حيوان ناطق ماهية الإنسان وجودها في الذهن لكن أفراد الإنسان في الذهن أو في الخارج؟
لا يمكن أن توجد في الذهن زيد وعمرو وخالد يوجد في الذهن هذا مستحيل محال إنما يوجد في خارج الذهن الخارج عن الموجود العام، فتقول: هذا فضل وهذا محمد وهذا خالد. أما في الذهن فماهية الإنسان وحقيقة الإنسان هل هي متعددة؟ نقول: لا هي ليست متعددة بل هي شيء واحد وإنما الآحاد والأفراد تكون في الخارج.
إذًا علم التفسير علم مصدر مراد به المعدود الذي هو متعدد في الخارج ولذلك قلنا: علوم التفسير. هذا تفعيل وهو مصدر أيضًا ولكنه معنًى عام ومعنًى خاص، معنًى عام مرادًا به ما يرادف علوم القرآن وهذا هو المشهور عند المتقدمين لذلك السيوطي رحمه الله تعالى والزركشي وغيره ممن كتب في علوم القرآن على جهة الجمع الكلي أو الجزئي بعض العلوم لم يفرقوا بين علوم القرآن وعلوم التفسير وقواعد التفسير وأصول التفسير بل هذه الأصح أنها كلها ألفاظ إن لم تكن مترادفة فهي متقاربة والفروق التي يمكن أن توجد بين هذه الأفراد هي فروق ليست جوهرية بحيث يفتقر كل مصطلح عن الآخر.
علوم القرآن سبق أنه علم ذو مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من حيث نزوله وجمعه وكتابته وترتيبه
…
إلى آخره، وعلوم التفسير كذلك كل ما يتعلق بالقرآن مما يعين على فهم مراد الرب جل وعلا وهذا أيضًا من ماذا؟ مشتمل على علوم القرآن لأن جوهر أنواع علوم القرآن ولب أنواع علوم القرآن يعتمد عليها التفسير، إذًا لا يكاد أن يثبت فرقًا بين علوم القرآن وعلوم التفسير، ولو وجد بعض أنواع فحينئذ لا تكون من أصول ولب العلم نفسه مثلاً بعضهم نقول عد الآي مثلاً من علوم القرآن وليست من علوم التفسير نقول: لو سلم لكن عد الآي هو لب في فهم علوم القرآن على جهة الخصوص أو فهم القرآن على جهة الخصوص؟
الجواب: لا، لا ينبني عليه والأصل في فهم كلام الرب جل وعلا أنه ما يعين على العمل وما يعين على التدبر وما يعين على الاتعاظ والتفكر والنظر كل ما يفيد وينتج هذه النتيجة العظمى الكبرى التي هي وظيفة المفسر نقول: هذا هو الذي يكون معينًا لعلم التفسير وما عداه كما هو في سائر الفنون كل فن فيه أصول وفيه مكملات، لو نظر في النحو فيه أصول وفيه مكملات، لو نظر إلى الصرف البيان علم مصطلح الحديث، علم الحديث، علم التفسير نفسه علم أصول الفقه لا بد وأن تجد أن ثمرة هذا العلم مثلاً كأصول الفقه تجد أن الثمرة متعلقة ببعض ما يبحث في أصول وليس بكل ما يكتب في أصول الفقه، لا، هذا لا يريد هذا العلم هذا، وإنما يريدون أن ثم بعضًا مما يكتب في فن أصول الفقه هو الذي يعتمد عند تطبيق العملي وما عداه يكون مكملاً، فمثلاً قاعدة مقتضى الأمر للوجوب يكون هذه قواعد أصولية لكن البحث فيها وإثباتها بأدلتها من الكتاب والسنة والنظر الصحيح أن نقول: إثباتها والبحث في دلالة الأمر على الوجوب عند الإطلاق والتجرد عن قرينة هو خارج عن أصول الفقه أو منه؟
منه لا شك، لا نفرق بين القواعد الأصولية وبين إثبات القواعد الأصولية كلاهما من أصول الفقه حينئذ البحث في إثبات أن مقتضى الأمر يقتضي الوجوب أو أن الأمر يقتضي الوجوب هذا يحتاج لمبحث خاص لا بد من الأدلة لا بد من ذكر ما يستقرئ من الكتاب والسنة وأقوال العلماء وحكاية إجماع الصحابة ونحوهم نقول: هذا البحث ثمرته ماذا؟
النتيجة أن الأمر يقتضي الوجوب مطلق الأمر يفيد الوجوب، نقول: القاعدة الأصولية هي الأخيرة هذه الثمرة لكن كونها هي القاعدة لا يلزم منه أن يكون الدليل أو طريقة أو بحث في إثبات هذه القاعدة خارجة عن أصول الفقه، كذلك إذا قيل: أصول التفسير. التي يستعملها مباشرةً المفسر الذي يعتني بإيضاح وكشف وإظهار مراد الرب جل وعلا من كلامه نقول: إثباتٍ كقواعد والنتائج لا يلزم منه أن يكون البحث في النوع من حيث هو خارجًا عن أصول التفسير أو قواعده حينئذٍ ينظر الباحث فيما يتعلق بأسباب النزول يبحثها كلها من أولها إلى آخرها قد يخرج بنتيجة هي التي يطبقها يقول: هذا أصول التفسير ولا شك وقواعد التفسير ولا شك لكن لا يلزم منه أن يكون إثبات قاعدة هو البحث في الفن نفسه أو النوع كله من أوله إلى آخره أن يكون خارجًا عن مقتضى ماذا؟ قواعد التفسير أو أصول التفسير، حاول البعض أن يجزأ هذه المسائل من المعاصرين ولا أظن أن اللفظ يساعدهم أو أن المعنى يقتضي ذلك، بل كل ما يبحث في علوم القرآن وهو لب له في جوهر العلم فلا بد أن يحتاجه المفسر، لذلك السيوطي رحمه الله قال:((التحبير في علم التفسير)). أو ((التحبير في علوم التفسير)). ثم ألف كتابًا ضمنه التحبير وزاد عليه رتبه وهذبه قال: ((الإتقان في علوم القرآن)). إذًا لم يفرق بين علوم التفسير وعلوم القرآن.
نعم التفسير له مصطلح خاص لأن التفسير بالمعنى الخاص نوع من أنواع علوم القرآن ولا شك لكن من حيث الأدلة الإجمالية أما من حيث كشف المفردات والتراكيب والجمل وإيضاح أن مراد الرب جل وعلا بكذا هو كذا هذا تفسير بالمعنى الخاص، إذًا (حَدُّ عِلْمِ التفسيرِ) المراد به حد علوم التفسير وإن شئت قل: حد علوم القرآن. وإن شئت قل: حد أصول التفسير. أو حد قواعد التفسير، كلها متقاربة أو مترادفة وحصول بعض الاختلاف في دخول بعض الأنواع وخروجها من بعض لا يلزم منه أن يستقل كل فن عن الآخر بل كلها مندمجة في بعض ولو وجد بعض الفروق هذا لا يستلزم الالتفات.
(حَدُّ عِلْمِ التفسيرِ) أي: علم أصول التفسير لم سمي بذلك؟
سمي بذلك لأنه مفتاح أو كالمفتاح للمفسرين علوم القرآن كالمفتاح للمفسرين كما أن مصطلح الحديث، وقواعد الحديث، وعلوم الحديث ألفاظ مترادفة والمعنى واحد ولم يأت أحد يقول: علوم الحديث مغايرة لأصول الحديث أو قواعد التحديث
…
إلى آخره وإنما هي متقاربة أو مترادفة كحاجة المحدث لمصطلح الحديث لا يمكن أن يثبت حديث صحيح أو ضعيف أو إلى آخره أو موضوع أو نحو ذلك لا يمكن أن يحكم عليه إلا بالعلم بمصطلح القواعد وأصول الحديث، كذلك التفسير يعجز المفسر بمعنى كلمة يعجز المفسر أن يفسر كلام الرب جل وعلا وأن يكشف مراده جل وعلا إلا بمعونة هذه العلوم لذلك سمي أصول التفسير أو علوم التفسير لأنه مفتاح للمفسرين ولأنه أيضًا يبين القرآن ويكشفه ويوضحه لأنه ما شَرُفَ هذا العلم إلا بشرف مبحثه بأنه يبحث فيه كما سبق أن موضوعه: كلام الرب جل وعلا من الحيثية المذكورة في حد علوم القرآن.
(حَدُّ عِلْمِ التفسيرِ) التفسير هذا تفعيل من فَسَّرَ يُفَسِّرُ تَفْسِيرًا وسبق أن فعل يأتي بالتكثير وهل المراد هنا التكثير بعينه؟
نقول: نعم، مراد به التكثير لماذا؟
لأنه كأن المفسر يتبع سورة بعض سورة بإيضاحها وكشف معانيها يعني: ينظر في الفاتحة فيكشف معانيها وأسرارها وحقائقها بما يفتح الرب جل وعلا عليه ثم يتبعها بسورة البقرة، ثم يتبعها بسورة آل عمران وهلم جرا إلى آخر القرآن، إذًا حصل التكثير أو لا؟
نقول: حصل التكثير. إتباع المفسر سورةً بعد سورة وآية بعد آية فهو مأخوذ من الْفَسْرِ يقال: فَسَّرَهُ وَيُفَسِّرُهُ وَيُفَسُّرُهُ يَفْسُرُهُ وَيُفَسِرُهُ بالتخفيف فَسَّرَهُ نصر يَفْسُرُهُ وَفَسَّرَهُ ضربه من باب ضرب يَفْسِرُهُ إذًا يجوز فيه الوجهان، التفسير مأخوذ من الْفَسْرِ وهو: الكشف والإيضاح والإبانة. هذا في الأصل وفعله كضرب ونصر يعني: من باب فَعَلَ يَفْعِلُ فَعَلَ، ومن باب فَعَلَ يَفْعُلُ إذًا فَسَرَ يَفْسُرُ وفَسَرَ يَفْسِرُ والمصدر متحد في البابين فَسْرًا، والفسر المراد به الإيضاح، والكشف، والبيان. وَفَسَّرَهُ هذا بالتثقيل نقول: أبانه. وفي اللسان لسان العرب: الْفَسْر كشف المغطى. يعني: كأنه أراد أن يجعل الفرق بين الفسر والتفسير يعني التفسير فيه زيادة حرف بل حروف حينئذٍ لا بد من زيادة في المعنى فقال: الفسر كشف المغطَّى. لأن المعنى قد يكون مشغولاً حينئذٍ يكشفه المفسر والتفسير كشف المراد عن اللفظ الْمُشْكِل، إذًا فيه بُعد من جهة المعنى، الْفَسْرُ هذا كشف المعنى المغطى الذي ليس فيه إشكال والتفسير كشف المراد عن اللفظ المشكل كأنه جعل التفسير أدق وأعمق من الفسر، فالفسر يكون لأمرٍ مغطى في الظاهر فيكشفه ويبينه بأدنى كشف وبأدنى إظهار وبأدنى إبانة لا يحتاج إلى بحث، وأما التفسير فهو: التعمق وزيادة النظر وزيادة البحث وزيادة الكشف فيحتاج إلى عمل أكثر من جهة التدبر والنقل. هذا من جهة المعنى اللغوي لكن من جهة المعنى الاصطلاحي كلاهما بمعنى واحد وقيل: التفسير أو الفسر مقلوب السفر. يقال: أسفر الصبح إذا أضاء. ومنه يقال: السفور أسفرت المرأة عن وجهها إذا كشفته.
حد علم التفسير قال:
عِلْمٌ بِهِ يُبْحَثُ عَنْ أَحوالِ
…
كِتابِنا مِنْ جِهَةِ الإِنْزَالِ
ونَحْوِهِ ......
…
.....
علم مرادف لعلوم القرآن علم ذو مباحث تتعلق بالكتاب العزيز من حيث النزول وكتابته وجمعه وترتيبه وأسمائه وسوره إلى آخره وناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابه إلى آخره فحينئذٍ رادف المصنف هنا معنى علوم التفسير بمعنى علوم القرآن السابقة والمراد بالمعنى اللقبي العلمي، وأما المعنى الذي هو الإضافي هذا لا يمكن أن يعرف بعلوم القرآن المدون الذي هو الأنواع التي سيذكرها المصنف بخمسة وخمسين نوعًا نقول: علوم القرآن بالمعنى الإضافي الذي سبق معنا بالأمس طوائف متصلة أو طوائف المعارف المتصلة بالقرآن فيشمل كل علم لكن هنا خصه ببعض العلم لذلك قال: (مِنْ جِهَةِ الإِنْزَالِ).
(عِلْمٌ بِهِ)(عِلْمٌ) العلم إذا أخذ جنسًا في حد العلوم هذا إما أن يفسر بالإدراك وإما أن يفسر بالمسائل وإما أن يفسر بالملكة، وبكلٍّ قيل يعني: كل قول من هذه الأقوال الثلاثة قال به بعض أهل العلم فأيده ورد الآخر ففسر العلم بالإدراك والإدراك عام يشمل التصور والتصديق إدراك وهو وصول النفس إلى المعنى بتمامه سبق معنا مرارًا، أو المسائل التي تثبت بدليلهم يعني: التصديق بتلك المسائل عن دليل، أو الملكة التي تسمى ملكة الاستحضار التي تحصل بتكرار النظر في تلك التصديقات لأن الإنسان إذا كرر النظر في المسائل بأدلتها حصل له نوع ملكة هذه الملكة لا تحصل إلا بالرسوخ في العلم، وبعضهم يطلق هذه الملكة ملكة الاستحضار ويريد بها ملكة التهيؤ الكامل الذي يُذكر في شأن الفقيه والعلم بالصلاح فيما قبلها لأن الفقه يقال فيه العلم بالأحكام المراد به العلم الحاصل بالفعل في كل مسألة مَسألة إن قيل بذلك خرج أكثر الفقهاء ومنهم الأئمة الأربعة لأن ما من إمام الأئمة الأربعة وهو العمدة في الفقه إلا وقد سئل عن مسائل فقال: لا أدري. فحينئذٍ لو قيل المراد بكل مسألة بالفعل لخرج أكثر الفقهاء ولكن المراد ماذا؟ ملكة التهيؤ التام بحيث لو سئل عن مسألة فيستحضر في نفسه حكم المسألة ودليلها فأجاب وقد يسأل عن مسألة بل مسائل فلا يستحضر فيها حكمًا فحينئذ هو متهيئ للبحث والنظر في الكتاب والسنة فيتوصل إلى النتيجة وهو الحكم بدليله، فحينئذ لو قال الإمام مالك رحمه الله وقد سئل عن بعض المسائل تجاوزت الثلاثين في أكثرها لا أدري هل لو بحث الإمام مالك ونظر وتأمل وتدبر الكتاب والسنة هل يستطيع أن يصل إلى نتيجة أو لا؟
يستطيع، ولِمَ نفى أولاً نفى لماذا واستطاع بماذا؟ نفى العلم الحصولي الحضوري واستطاع أن يصل إلى المسئول عنه بالملكة التي تسمى ملكة التهيؤ التام يعني: عنده قدرة بحيث لو نظر في الأدلة لاستطاع أن يصل إلى الحكم الشرعي. هذا ما يُعبر بالملكة وهو عام في كل الفنون يقال: فلان نحوي. وليس المراد كل مسائل النحو تكون في ذهنه بحيث لو سئل عن إعرابها قال: لا أدري. يقال: هذا ليس بنحوي. أو أنه فقيه أو أنه محدث لو سئل عن صحة حديث قال: لا أدري - أو - لم يمر عليّ. وأحيانًا يكون في البخاري أو مسلم يقول: لا أدري عن هذا الحديث. لكن لو تأمل وجلس مع نفسه وكذا قد يصل إلى أنه في البخاري مثلاً أو بحث أن يعرف دليلاً أو يعرف حكمه من جهة الصحة والثبوت.
إذًا علم يطلق ويراد به المسائل المخصوصة ويطلق ويراد به التصديقات في تلك المسائل عند دليلها ويطلق على الملكة الحاصلة بتكرار النظر في تلك التصديقات وتسمى ملكة الاستحضار، ويطلق ويراد به الملكة التي تسمى ملكة التهيؤ التام وأيهما أرجح هنا في العلم أيهما أرجح؟
الأظهر الكل.
وكل فن في اسمه مشتركة
…
قواعد إدراكها هو الملكة
وكل فن في اسمه الآن نحن نبحث في ماذا؟
نبحث في اسم الفن يعني: ما يطلق عليه الفن متى يكون مفسرًا؟ متى يكون نحويًا؟ هل يشترط إذا قلنا: المسائل حينئذ إذا قيل: مسمى النحو هو المسائل فحينئذ لو سئل عن مسائل وقال: لا أدري. لا يسمى نحوي لم يوجد النحو لأننا قيدنا النحو بماذا؟ بالمسائل ولو قيدناه الإدراك أيضًا لو سئل عن بضع المسائل قال: لا أدري. نقول: لا يسمى نحوي. كذلك لو قيدناه بالملكة لو سئل عن بعض المسائل قال: لا أدري. نقول أيضًا: لا يسمى نحويًّا. والصواب أن يقال يحمل لفظ العلم في مسمى العلوم على الكل.
وكل فن في اسمه مشتركة
…
قواعد إدراكها هو الملكة
هذه الثلاثة داخلة في المسمى ولا نحتاج إلى الخلاف الطويل بين الشراح هل المراد به المسائل المخصوصة أو الملكة أو التصديق؟ نقول: بل يدخل الجميع يدخل الكل.
(عِلْمٌ بِهِ يُبْحَثُ عَنْ أَحوالِ)(عِلْمٌ بِهِ) الباء هنا بمعنى الظرفية وهي بمعنى في {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ} [الصافات: 137، 138] الباء هنا بمعنى في إذًا يبحث فيه علم يبحث فيه (يُبْحَثُ) هذا فعل مضارع مغير الصيغة ومن الباحث هو طالب العلم نفسه من يطلب العلم هو الذي يَبْحَثُ (يُبْحَثُ) قلنا: هذا فعل مضارع مغير الصيغة. قال في القاموس: بحث عنه كمنع. ما المراد بهذا الكلام يعني من باب منع يَمْنَعُ أم يَمْنِعُ؟ يَمْنَعُ بالفتح إذًا بَحَثَ يَبْحَثُ ويقال: (يُبْحَثُ). يَبْحَثُ إذًا من باب يَفْعَلُ، واستبحث وابتحث وتبحث تفتيش إذًا البحث بمعنى ماذا في اللغة؟ بمعنى: الفحص والتفتيش.
وفي الاصطلاح: إثبات المحمول للموضوع أو نفيه عنه. هذا باصطلاح أرباب الفنون ما المراد بالبحث يبحث يبحَث لماذا يبحث؟ من أراد أن يبحث ماذا يريد؟
في ذهنه مسألة يريد إثبات حكم لها أليس كذلك؟ فحينئذ إثبات المحمول للموضوع يبحث في الفاعل مثلاً يبحث ما حكمه فيثبت أنه مرفوع، إذًا أثبت المحمول للموضوع الذي يسمى بالخبر المبتدأ أو المسند للمسند إليه أو الفعل للفعال أو نائبه، فكلها أسماء لمسمى واحد. إذًا البحث في الاصطلاح إثبات المحمول للموضوع أو نفيه عنه لأن هذه وظيفة الباحث يبحث ليصل إلى نتيجة، إثبات المحمول بالموضوع أو نفيه عنه يعني: عنده موضوع في ذهنه مجهول الحكم في الأصل فإما أن يثبت له وإما أن ينفي عنه فإذا أثبت في نتيجة البحث نقول: هذا هو مراده بالبحث.
(عِلْمٌ يُبْحَثُ بِهِ) به جار ومجرور يتعلق بقوله: (يُبْحَثُ)، (عَنْ أَحوالِ كِتابِنا) (عَنْ أَحوالِ) جار ومجرور متعلق بقوله:(يُبْحَثُ). لأن مطلق البحث لا بد من تعينه يبحث في أي شيء قال: (عَنْ أَحوالِ). الأحوال جمع حال والمراد به الصفة صفة ماذا؟ كتابنا (عَنْ أَحوالِ كِتابِنا) أحوال هذا مضاف وكتابنا مضاف إليه لأن مبحث علوم القرآن أو موضوعه كما سبق هو الكتاب العزيز القرآن الكريم هذا هو مبحث علوم القرآن إذا قيل: ما موضوع فن النحو؟ تقول: الكلمات العربية من حيث الإعراب والبناء أليس كذلك؟ وما مبحث أو موضوع علم التصريف تقول: الكلمات العربية من حيث ماذا؟ من حيث كونها مفردة وما يطرأ عليها من تغيير ونحو ذلك كاشتقاق وغيره، ما مبحث فن الحديث؟ علم الحديث ما مبحثه ما موضوعه؟ كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وقيل: ذاته. لكن الصواب أنه كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ما مبحث الطب فن الطب؟ البدن بدن الإنسان من حيث ماذا؟ طوله وعرض؟! لا، من حيث الصحة والمرض. إذًا موضوع فن كل علم ما يُبحث في ذلك الفن عنه فمبحث الطب مثلاً بدن الإنسان من أي حيثية؟ نقول: من حيثية واحدة لأن بدن الإنسان له صفات فيبحث عنه من جهة بدنه من جهة دينه من جهة معتقده من جهة طوله وعرضه من جهة جماله وعدمه من جهة كونه ذكرًا وأنثى جهات متعددة صفات، هل مبحث الطب في الجميع؟
الجواب: لا، وإنما يبحث من حال أو صفة معينة وهي: الصحة والمرض. وعندنا كتابنا القرآن العزيز هو مبحث موضوع علوم القرآن أو الباحث في علم القرآن من أي حيثية قال: (يُبْحَثُ عَنْ أَحوالِ كِتابِنا). أحوال هذا عام وهنا أطلقه فيشمل ماذا؟ يشمل حال كتاب من حيث الإفراد والتركيب والجمل وكل قاعدة كلية إجمالية كالنزول والكتب الكتابة والجمع والناسخ والمنسوخ فيدخل الجميع فيشمل حينئذ الترتيب بالمعنى الخاص والترتيب بالمعنى العام يعني: علم الترتيب بالمعنى الخاص الذي هو كشف معاني كلام الرب جل وعلا كتفسير ابن جرير وابن كثير وغيره فحينئذ هذا التفسير بالمعنى الخاص هل يدخل معنا هنا أو لا؟ يأتي عن قوله: (عَنْ أَحوالِ كِتابِنا) دخل تفسير الخاص ماذا؟ لأنه يبحث عن أحوال أو حال من أحوال كتاب الرب جل وعلا من حيث كشف المعنى سواء كان متعلق المعنى الإفراد أو الترتيب أو الجمل ودخل معنى البحث عن الكتاب من حيث السند ومن حيث النزول ومن حيث كل ما يبحث من أنواع علوم القرآن أراد أن يخرج التفسير الخاص فقال: (مِنْ جِهَةِ) من حيث وحيث هذه للقيد تقيدية من حيث ما استطاع أن يأتي بحيثية بالحيثية فقال: (مِنْ جِهَةِ). وهي: مرادفة لحيث، إذًا البحث عن أحوال كتاب ربنا هذا مطلق يشمل كل ما يتعلق بكتاب ربنا جل وعلا فيدخل فيه التفسير بالمعنى الخاص وليس مراده التفسير بالمعنى الخاص هنا فأراد إفراده فقال:(مِنْ جِهَةِ الإِنْزَالِ ونَحْوِهِ). إذًا (عَنْ أَحوالِ كِتابِنا) نا هنا أي: معاشر المسلمين والإضافة هنا للتشريف تشريف من؟ المضاف أو المضاف إليه؟ المضاف إليه لا شك تشريف المضاف إليه لماذا؟ لأن الأمة شرفت بهذا الكتاب إذًا (كِتابِنا) الإضافة هنا للتشريف أي تشريف المضاف إليه (كِتابِنا) معاشر المسلمين أي: الكتاب المنزل. (عَنْ أَحوالِ كِتابِنا) أي: الكتاب المنزل إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن عرفنا أن الكلام المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالأمس هو القرآن ودليله هذا {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلاً} [الإنسان: 23] فدل على أن المنزل هو القرآن {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2] فدل على أن كلام الله المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو: القرآن. لكن هنا ما قال: القرآن. قال: (كِتابِنا). فهل الكتاب هو عين القرآن أم شيء آخر؟
عينه وما الدليل؟ {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، إذًا أُطلق الكتاب وأريد به القرآن إذًا القرآن والكتاب متحدان في اللفظ لفظان متحدين بالإجماع وأطرح دليل على هذا ما جاء في سورة الأحقاف {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ
…
الْقُرْآنَ}
…
[الأحقاف: 29] إلى قوله: {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً} [الأحقاف: 30] المسموع واحد أو متعدد؟ {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [الأحقاف: 29] ثم قالوا لما أنذروا قومهم: {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً} [الأحقاف: 30]. إذًا المسموع واحد أم لا؟
واحد فدل على أن القرآن هو الكتاب هذا تحفظه قد يأتيك مجادل الآن يقول لك: الكتاب غير القرآن. تقول: لا، لأن الدليل على أن الكتاب هو القرآن. لأننا في زمن العجائب فقد يأتيك آت يقول: القرآن ليس هو الكتاب. ولذلك يوجد في بعض البلدان الآن يقول: لا بد من أن يكون البخاري ومسلم كالترمذي. بمعنى ماذا؟
لا بد أن يخضع لقواعد التحديث في الحديث حينئذٍ لا بد أن يكون بمنزلة واحدة لأنه تراث، على كل حال (كِتابِنا مِنْ جِهَةِ الإِنْزَالِ) يعني ما يتعلق بالكتاب على سبيل الإجمال (مِنْ جِهَةِ الإِنْزَالِ) المراد به علوم التفسير الإجمالية، الجار والمجرور قوله:(مِنْ جِهَةِ). هذا حال عن أحوال صفات كتابنا (مِنْ جِهَةِ) أحوال من جهة حالة كون البحث عن الأحوال (مِنْ جِهَةِ الإِنْزَالِ) فصار ماذا؟ جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من أحواله، والمراد به علوم التفسير الإجمالية التي تخدم الكتاب (مِنْ جِهَةِ الإِنْزَالِ وَنَحْوِهِ) يعني: من جهة نزوله لأن الإنزال هذا مصدر والمراد به الْمُنْزَل (مِنْ جِهَةِ الإِنْزَالِ) أي: نزوله (ونَحْوِهِ) يعني: ونحو الإنزال ونحو عطف على الإنزال وذلك كسنده وأدائه وألفاظه ومعانيه ومكيه ومدنيه وسفريه وحضريه
…
إلى آخره من الخمسة والخمسين أنواعًا التي سيذكرها المصنف هذا التفسير بالمعنى العام وإذا أريد التفسير بالمعنى الخاص يقال: التفسير هو علم بأصول يعرف بها معاني كلام الله. وأحسن منه أن يقال: بيان معاني القرآن الكريم. هذا هو حقيقة التفسير وعرفه الزركشي في ((البرهان)) بأنه: علم يعرف به فهم كتاب الله جل وعلا المنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحِكَمِهِ. إذًا كل ما يرتبط بالمعنى سواء كان مأخوذًا من جهة الإفراد أو التركيب أو الجمل هو التفسير، وعليه كل التفاسير التي نهجت هذا المنهج، ولذلك ترى ثم فرقًا بين كتب علوم القرآن التي هي علوم التفسير وبين كتب التفسير كتفسير ابن جرير، وابن كثير، والبغوي ونحوها، هذا هو التفسير.
وتعلم التفسير بالمعنى الخاص واجب لقوله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [ص: 29]. ووجه الاستدلال على الوجوب واضح ولذلك قال في الآية الأخرى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]. ذمهم على ترك التدبر ولا ذم إلا على ترك واجب فدل على أن التدبر واجب، ولا تدبر إلا ببيان معاني كلام الرب جل وعلا حينئذ دل على أن التفسير واجب، ولذلك جاء في قول عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرءوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عشرة آيات لم يجاوزها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا. هذا التفسير بماذا؟ بمعناه الخاص ما يتجاوزوا العشر آيات إلا وتعلموا منها ما فيها من العلم والعمل (ونَحْوِهِ) عرفنا المراد بنحوه لأنه يشمل كل ما يدخل تحت علوم القرآن (ونَحْوِهِ) هذا مجمل أراد تفسيره وبيان ما الذي يَبْحث عنه أو يُبْحث فيه في علوم القرآن ذكر لك بعض من هذه الأنواع فقال:
بالخَمْسِ والخَمْسِينا
…
قَدْ حُصِرَتْ أَنواعُهُ يَقينا
هذا تفسير لأي شيء؟ لقوله: (ونَحْوِهِ). (مِنْ جِهَةِ الإِنْزَالِ ونَحْوِهِ) جهة الإنزال يعني النزول هذا نوع واحد فقط من أنواع علوم القرآن ولا يمكن أن يستوفى جميع أنواع علوم القرآن الخمس والخمسين في حد واحد يقال: حده كذا ثم تذكر الجميع نقول: لا (مِنْ جِهَةِ الإِنْزَالِ ونَحْوِهِ). ثم تعد هذه الأنواع فيقال: هي خمسة وخمسون. لكن هل هي محصورة في الخمسة والخمسين؟
الجواب: لا، لماذا؟
لأن علوم القرآن هذه اجتهادية ليس توقيفية متعلقها توقيفي وقد يكون بعضه اجتهادي لكن من جهة العدّ وإدماج بعضها مع بعض وتصنيفها وترتيبها هذه مسألة اجتهادية جعلية حصر الجعل يرجع إلى نفس المصنف، ولذلك السيوطي ذكر هنا في ((النقاية)) خمسة وخمسين نوعًا وذكر في ((التحبير)) مائة ونوعين وذكر في ((الإتقان)) ثمانين نوعًا، كم هذا خمسة وخمسين ثم ذكر في ((التحبير)) هذا إذا كان التحبير متقدم أو متأخر ذكر في ((التحبير)) مائة نوع ونوعين ثم زاد وأدمج فصار ثمانين لأنه أدمج بعضها مع بعض ولذلك بعضهم - كما سيأتي - قد يذكر ستة أنواع يجمعها شيء واحد ولذلك قال: في (سِتَّةٌ عُقُودُ) كما سيأتي أنه جعل لها عقودًا يعني: رؤوس هامة ليندرج تحتها أنواع فلو عدت العقود حينئذ صارت ستة أنواع ولكن ذكر أفرادها وكلها متداخلة يمكن أن تجعل في نوع واحد فجعلها ماذا؟ أنواع، فالنظر إلى الأصل العام هي ستة والنظر إلى الآحاد التي تكون تحتها جعلها خمسة وخمسين والمسألة اجتهادية ليست توقيفية من حيث العدّ.
(بالخَمْسِ والخَمْسِينا) هذا جار ومجرور متعلق بقوله: (حُصِرَتْ). وقد هذه بحرف تحقيق وحصرت بمعنى جمعت والحصر عبارة عن إيراد الشيء على عدد معين أو الحكم بعدم خروج الأقسام عن المقسم قد يراد هذا ويراد ذاك وهنا ثلاثة أنواع:
حصر عقلي.
وحصر استقرائي.
وحصر جعلي.
حصرٌ عقلي أن يكون التقسيم وحصر المقسوم في عدد معين من جهة العقل لا باعتبار ملاحظة الخارج، وحصر استقرائي تتبعي هذا ما يسمى بالاستقراء هو حصر مما حصر النحاة ماذا؟
الكلمة في ثلاثة أقسام هذا حصر واستقرائي لا عقلي، العقل لا يمنع أن تكون الكلمة قسم واحد أو عشرة أقسام أو مائة العقل لا يمنع ولا يوجب أن تكون ثلاثة إذًا هذا يسمى حصرًا استقرائيًّا، وقد يكون حصرًا جعليًا جعلي يعني بجعل المصنف لنفسه قد يأخذ ينظر في المائة نوع مثلاً من التحبير فيقول: أريد منها عشرة. حينئذٍ يذكر أن أنواع علوم القرآن عشرة نقول: الحصر هذا في عشرة من أين جاء بجعل المصنف نفسه فهو اصطلاح خاص.
بالخَمْسِ والخَمْسِينا
…
قَدْ حُصِرَتْ أَنواعُهُ يَقينا
ما نوع الحصر هنا؟
جعلي لماذا ما الدليل؟
هو السيوطي نفسه صاحب النقاية جعلها خمسة وخمسين أكثر عند من؟
عن السيوطي نفسه جعلها في ((التحبير)) مائة نوع ونوعين وجعلها في ((الإتقان)) ثمانين وهنا خمسة وخمسين فدل على أن الحصر هنا جعلي وليس باستقرائي ولا عقلي.
(بالخَمْسِ والخَمْسِينا) الألف هنا للإطلاق والخمس هنا مذكر أو مؤنث؟
هنا (بالخَمْسِ) مذكر أو مؤنث؟
مذكر - ولماذا ترددوا - بالخمس ما قال: بالخمسة. (بالخَمْسِ والخَمْسِينا) والتميز ما هو؟ إذًا (بالخَمْسِ والخَمْسِينا) نوعًا محذوف أو مذكور؟
محذوف، وإذا كان التميز مذكرًا حينئذ وجب أن يكون العدد الأول مؤنث والأصل أن يقول: بالخمسة والخمسينا. تقول: عندي خمسةٌ وعشرون رجلاً. صحيح خمسةٌ وعشرون رجلاً وعندي خمسٌ وعشرون امرأةٌ صحيح وعندي خمسٌ وخمسون نوعًا صحيح خمسٌ وخمسون نوعًا فقط هو يقول: (بالخَمْسِ والخَمْسِينا). نوعًا فقط؟
أي نعم نقول: يجب أن إجراء القاعدة وهي المخالفة إذا ذكر التميز، وأما إذا حذف وتقدم على قوله فحينئذ لا يجوز ونذكر دائمًا حديثًا مشهورًا «من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال» . ستًا بالتذكير التميز دائمًا يكون يومًا أيام وإما أن يكون ليالي والصواب أين يقع؟
الأيام في النهار حينئذٍ «ستًا من شوال» يعني: ستة أيام حذفت التاء فقال: «ستًا» . لماذا؟ لكون التميز محذوفًا إذًا (بالخَمْسِ) الأصل أن يقول: بالخمسة. وإنما حذفت لماذا؟
لعدم ذكر التميز، ويجب التأنيث إذا ذكر التميز، أما إذا تقدم أو تأخر لو قال: ونحوه نوعًا بالخمس والخمسينا. نقول: لا يجب التأنيث بل يجوز التذكير والتأنيث (بالخَمْسِ والخَمْسِينا قَدْ حُصِرَتْ) أي: جمعت، والحصر جعلي بجعل المصنف ولا يصح جعله استقرائيًا لماذا؟ لأن المصنف أوصلها بالتحبير إلى مائة ونوعين.
(حُصِرَتْ أَنواعُهُ) أي: أنواع علوم التفسير (يَقينا) أي: حصرًا يقينًا. حصرت يقينًا يَقينًا هذا صفة لموصوف محذوف وهو مفعول مطلق صار مفعولاً مطلق لفظي حصرًا يقينًا أي: جازمًا لا شك فيه، لكن هذا أيضًا يؤكد أن المراد به الحصر الجعلي لأنها كيف ينفي الشك في خمسة وخمسين وهي زادت على ذلك.
بالخَمْسِ والخَمْسِينا
…
قَدْ حُصِرَتْ أَنواعُهُ يَقينا
وقَدْ حَوَتْهَا سِتَّةٌ عُقُودُ
…
وبَعدَها خاتِمَةٌ تَعُودُ
(وقَدْ) هذه بالتحقيق (حَوَتْهَا سِتَّةٌ)(حَوَتْهَا) الضمير يعود على الأنواع (سِتَّةٌ) هذا فاعل (حَوَتْهَا) أي: شمل وجمع تلك الأنواع الخمس والخمسين (عُقُودُ)(سِتَّةٌ عُقُودُ)(سِتَّةٌ) ما إعرابها؟ فاعل و (عُقُودُ) بدل من الفاعل والأصل (وقَدْ حَوَتْهَا سِتَّةٌ عُقُودٍ) هذا هو الأصل لكن لا يتأتي معه في النظم (وقَدْ حَوَتْهَا سِتَّةٌ عُقُودُ) صار (سِتَّةٌ) هذا فاعل و (عُقُودُ) هذا بدل من الفاعل، (عُقُودُ) جمع عقد والمراد بها القلادة شبهت المسائل بالجواهر الثمينة وإثبات العقود
…
كأنه عقدٌ، وكل عقدٍ فيه بعض الأنواع وهذه الستة العقود هي الأصل ويندرج تحتها واحدٌ وخمسون نوعًا.
(سِتَّةٌ عُقُودُ)
العقد الأول: في ما يرجع إلى النزول وهو اثنا عشر نوعًا ذكر تحته اثني عشر نوعًا.
العقد الثاني: ما يرجع إلى السلف وهو ستة أنواع ذكر تحته ستة أنواع.
العقد الثالث: ما يرجع إلى الأداء وهو ستة أنواع.
هذه كم اثنا عشر وستة وستة أربعٌ وعشرون
العقد الرابع: ما يرجع إلى الأسفار وهو سبعة أنواع.
كم هذه واحد وثلاثون.
العقد الخامس: ما يرجع إلى المعاني المتعلقة بالأحكام وهو أربعة عشر نوعًا.
خمسة وأربعون.
العقد السادس: والأخير ما يرجع إلى المعاني المتعلقة بالعقاب وهو ستة أنواع.
مجموع واحد وخمسون وهو يقول: (بالخَمْسِ والخَمْسِينا قَدْ حُصِرَتْ أَنواعُهُ يَقينا). بقي كام أربعة أي هي؟
في الخاتمة، جعل الخاتمة تحتها أربعة أنواع.
(وقَدْ حَوَتْهَا سِتَّةٌ عُقُودُ وبَعدَها) أي: بعد الستة العقود (خاتِمَةٌ) تشمل أربعة أنواع فصارت كلها خمسة وخمسين نوعًا (تَعُودُ) يعني مقاصده إلى تلك الأنواع الخمس والخمسين.
(وقَبْلَها) أي: قبل الشروع في ذكر شيئًا من العقود أو من الخمس والخمسين (لا بُدَّ) لا محالة ولا مفر من ذكر مقدمة يُبَيَّنُ فيها ما يتعلق بعلم التفسير من مسائل وأحكام كتعريف القرآن والآية والسورة ونحو ذلك.
لا بُدَّ مِنْ مُقَدِّمَةْ
…
بِبَعْضِ ما خُصِّصَ فيهِ مُعْلِمَةْ
(مُعْلِمَةْ) هذا اسم فاعل من الإعلام يعني: مشعرة صفةٌ لمقدمة من مقدمةٍ معلمةٍ (بِبَعْضِ) جار مجرور متعلق بقوله: (مُعْلِمَةْ) لأنه اسم فاعل (بِبَعْضِ) نقول: هذا جار ومجرور متعلق بقوله: (مُعْلِمَةْ)(بِبَعْضِ ما خُصِّصَ فيهِ)(بِبَعْضِ ما) ببعض الذي أو الشيء الذي خُصِّصَ فيه أي في علم التفسير أي ذكر في هذا الفن على جهة الخصوص والمراد بالمقدمة هنا مقدمة كتاب وليست مقدمة علم، لأن مقدمة العلم هي ما ذكره أولاً ذكر فيه الحدّ والاسم فقط وذكرنا ما سبق بالأمس الحد والاسم وهذا يحصل به تطور الفن بوجهٍ ما لأن أهم ما يذكر في تلك المبادئ العشرة والحد، والحد يوصل إلى إيقاع أو وجود التصور الفني لكنه تصور ما بمعنى أنه من وجهٍ دون وجه ى على وجه التمام، إذًا قوله:(بِبَعْضِ ما خُصِّصَ فيهِ مُعْلِمَةْ) يعني لا بد من مقدمة مُعلمةٍ مشعرةٍ مبينةٍ (بِبَعْضِ ما خُصِّصَ فيهِ) ببعض المصطلحات والأحكام التي خُصِّصَ ذكرها في علم التفسير كالسورة مثلاً هذا أين تذكر؟ في علم الحديث في المنطق؟ لا تذكر هذا، إنما تذكر في علم التفسير، إذًا لا بد من معرفة هذه الأحكام لا بد من معرفة هذه المصطلحات وهذه مقدمة الكتاب كما ذكرناه في السابق أن مقدمة الكتاب ما يشمل الأربعة الأنواع التي يعبر عنها بالوجوب الاصطلاحي والأربعة الأخرى المعبر عنها بالاستحباب الصناعي يزيد على ذلك إن كان ثَمَّ للمصنف اصطلاحات خاصة حينئذٍ تذكر في مقدمة الكتاب وليس في مقدمة العلم لأن مقدمة العلم خاصة بالعشرة مبادئ ولا يزاد عليه وكل ما عدا ذلك من المقدمات حينئذٍ يندرج تحت مقدمة الكتاب، وهنا الذي ذكره مرادًا به بعض المصطلحات التي تختص أو يختص بها فن علم التفسير.
إذًا (وقَبْلَها لا بُدَّ مِنْ مُقَدِّمَةْ) هل يتعارض هذا مع ذكر حد التفسير هل يتعارض؟
الجواب: لا، لماذا لأن المقدمة هنا مقدمة الكتاب والذي ذكر فيه أو تحته تحت عنوان (حَدُّ عِلْمِ التفسيرِ) إنما هو من شأن مقدمة العلم، لكن يرد السؤال قوله:
تَبارَكَ المُنْزِلُ للفُرقانِ
…
على النَّبِيِّ عَطِرِ الأَرْدانِ
هذه مقدمة كتاب أو علم؟
كتاب، فيكون فصل بين بعض أجزاء المقدمة والأصل أنه يذكر مقدمة الكتاب متصلة الحمدلة والشهادة إلى آخره وما يتعلق بالمصطلحات ثم يذكر بعد ذلك باب (حَدُّ عِلْمِ التفسيرِ) هذا هو الأصل لكنه جزء لعله ذكر المقدمة الأولى لأنها منفكة عن النقاية ثم بدأ في (حَدُّ عِلْمِ التفسيرِ) من هنا يبدأ نظم كتاب ((النقاية)) قد يكون هذا الذي ألجأه إلى هذا الصنيع.
(مُقَدِّمَةْ) قال المصنف رحمه الله تعالى: (مُقَدِّمَةْ) والأولى أن يقول المقدمة نعم صحيح الأولى أن يقول: المقدمة. لأن الأكثر في لغة العرب أن إعادة النكر نكر يدل على أن الثاني غير الأول حينئذٍ (لا بُدَّ مِنْ مُقَدِّمَةْ) المقدمة التي ذكرت أولاً فإعادة نكرة معرفة يدل على أن الثاني هو عين الأول ولذلك قال في الأخير الخاتمة: لأنه قال: (وبَعدَها خاتِمَةٌ) ثم قال: الخاتمة. جاء الوجه الأفصح لكن يقال بأن هذه قاعدة ليست مطردة وإنما هي قاعدة أغلبية على حد قوله جل وعلا: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84]. السبكي انتقض هذه القاعدة بمثل هذا الآيات {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84]. إعادة النكرة نكر يدل على أن الثاني غير الأول هذا هو الغالب لكنه في الآية هذه هو عينه، النكرة الثانية هي عين النكرة الأولى لأنك لو قلت غيره لأثبت إلهين وهذا باطل أثبت التعدد، فحينئذٍ {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ}. نقول: هذا ماذا الإله الثاني هو عين الإله الأول، وإن كان الأكثر إعادة النكرة معرفة
ثم من القواعد المشتهرة
…
إذا أتت نكرة مكررة
تغايرا وإن يعرّف ثاني
…
توافقا كذا المعرفان
تغايرا يعني: الثاني غير الأول
شاهدها الذي رُوينا مُسندا
…
لن يغلب اليسرين عسرٌ أبدا
إذًا الأولى أن يقول المقدمة ولو قال مقدمة لا إشكال.
(مُقَدِّمَةْ) إعرابها أنها خبرٌ مبتدأٍ محذوف هذه مقدمةٌ، و (مُقَدِّمَةْ) هذه محلها أو هذا محلها مقدمةٌ هذا محلها فيصح أن تكون مبتدأ ولو لم تحل بأل لماذا؟ لأنها صارت علمًا فصارت ماذا من ما يجوز الابتداء به وإن كانت في الأصل نكرة (مُقَدِّمَة) بكسر الدال كمقدمة الجيش للجماعة المتقدمة منهم يقدم اللازم بمعنى ماذا؟ بمعنى تقدم ومنه قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1]. أي لا تتقدموا، ويجوز فتح الدال على قلة مُقَدَّمَة من قَدَّمَ الْمُتَعَدِّي كَمُقَدَّمَة الرحل في لغة من قَدَّمَ الْمُتَعَدِّي أي في أمور مُتَقَدِّمَة أو مُقَدَّمَةٍ، في أمور مُتَقَدِّمَة بنفسها أو مُقَدَّمَةٍ، مُتَقَدِّمَة بنفسها إذا كان من قَدَّمَ اللازم أو مُقَدَّمَةٍ إذا قُدِّمَتْ يعني بفعل فاعل إذا كانت مأخوذة من الْمُتَعَدِّي من قدم الْمُتَعَدِّي، وحقيقتها مسائل تذكر أمام المقصود لارتباطٍ بينها وبين المقصود وهذا هو المراد بمقدمة الكتاب.
فذاكَ مَا عَلى مُحَمَّدٍ نَزَلْ
…
ومِنْهُ الإعجاز بِسُورَةٍ حَصَلْ
هذا تعريفٌ للقرآن (فذاكَ) الإشارة هنا للتعظيم لذلك قال: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2]. ولم يقل هذا كتاب لماذا؟ لإفادة التعظيم لأن التعظيم يشار إليه بالبعد (فذاكَ) المشار إليه، هنا الإشارة بالبعد للدلالة على التعظيم (فذاكَ) الفاء فاء الفصيحة أي فأقول لك ذلك لماذا؟ لأنه قال:(بِبَعْضِ ما خُصِّصَ فيهِ مُعْلِمَةْ) فكأن سائلاً قال: ما هو الذي خُصِّصَ به علم التفسير قال: (فذاكَ) فأقول لك ذاك فيكون المشار إليه القرآن ضمنًا إذا كان المشار إليه قوله: (بِبَعْضِ ما خُصِّصَ فيهِ مُعْلِمَةْ) ويكون المشار إليه القرآن صراحةً إذا كان المشار إليه قوله: (عَنْ أَحوالِ كِتابِنا)(فذاكَ) المشار إليه ما هو؟ القرآن ذُكِرَ القرآن في السابق مرتين (حَدُّ عِلْمِ التفسيرِ)(كِتابِنا) وهو القرآن، وذكر ضن في قوله:(بِبَعْضِ ما خُصِّصَ فيهِ مُعْلِمَةْ) لأن أهم ما يذكر في المقدمة تعريف القرآن ثم السورة ثم الآية
…
إلى آخره فأعظم ما يعرف القرآن فذكر مرة ضمنًا وذكر مرة صراحة، فحينئذٍ لما استحضر أن ثم سائلاً ما هو الذي خُصِّصَ به أو ما هو كتابنا؟ حينئذٍ قال:(فذاكَ) فالفاء فاء الفصيحة، فَصِيحَة فَعِيلَة بمعنى مُفْصِحَة من الإفصاح وهو البيان والإيضاح لأنه أفصحت عند جواب شرطٍ مقدم. إذًا الإشارة للتعظيم (فذاكَ مَا عَلى مُحَمَّدٍ نَزَلْ) (مَا) أي: كلام الله كما ذكرناه سابقًا، وتجد بعضهم يقول الأولى أن يفسر ما هنا بلفظ لماذا؟ قالوا: لأنك لو قلت معي كلام الله كلام الله يشمل النفسي واللفظي والمراد به هنا ماذا على حد
…
زعمهم؟ النفسي، حينئذٍ لو قلت لفظٌ تعين أن المراد به غير النفسي، ونقول هذا باطل كما ذكرناه بالأمس إذًا (مَا) أي كلام الله ولو قلت اللفظ أيضًا صح على طريقة أهل السنة كلام الله الذي نزل على محمد هنا ذكر ماذا؟ ذكر جنس (مَا) هذا جنس و (نَزَلْ) على صلة الموصول (عَلى مُحَمَّدٍ) هذا فصلٌ (ومِنْهُ الإعْجازُ) هذا فصلٌ ثان، ذكر جنسًا وثلاثة فصول، الجنس قوله:(مَا) و (نَزَلْ) هذا فصلٌ أول و (عَلى مُحَمَّدٍ) هذا فصلٌ ثانٍ (ومِنْهُ الإعْجازُ) هذا فصلٌ ثالث، الجنس يُدْخِل والفصل يُخْرِج فحينئذٍ لا بد من دخول وخروج (مَا) أي: كلام الله أَخْرَجَ ماذا؟ كلام غير الله جل وعلا من كلام الإنس والجن والملائكة خرج بقوله كلام الله بالإضافة وحينئذٍ يَرِدُ السؤال كيف عين أن المراد بـ (مَا) هنا كلام الله، (مَا) اسم موصول مبهم والإبهام يحتاج إلى تعيين حينئذٍ كيف فسرنا (مَا) هنا بكلام الله؟
من السياق والقرائن من سياق الكلام وقرائن المقام نفسر (مَا) هنا بمعنى جنس بمعنى كلام الله وهذا في كل حدٍّ يُصَدَّرُ بما نقول جنس حينئذٍ نفسرها بماذا؟ إما بلفظٍ أو بكلامٍ أو لفظٌ عام أو حقيقة أو مجاز على حسب ما يذكر في موضعه، والذي يُعَيِّنُ مفهوم (مَا) هو السياق والقرائن. (نَزَلْ) هذا فصلٌ خَرَجَ به ما استأثر به الرب جل وعلا - كما ذكرناه بالأمس - وخَرَجَ به الأحاديث النبوية، الأحاديث نوعان: قدسية - ربانية كما يعبر البعض -، ونبوية: يعني لفظها ومعناها من عند النبي صلى الله عليه وسلم وهي لم تنزل لا شك، حينئذٍ
…
(نَزَلْ) خرج به فصلٌ خرج ما لم ينزل مما استأثر الله جل وعلا به وخرج به الأحاديث النبوية لأنها من كلام النبي أليس كذلك؟ لماذا؟ لأن المعنى قد يقال بأنه من عند الله عز وجل {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4]. حينئذٍ المعنى في الأصل أنه موحى به وحينئذٍ يكون التعبير واللفظ من جهة النبي صلى الله عليه وسلم، هل اللفظ لفظ النبي صلى الله عليه وسلم سواءٌ عبر به عن معنى أُنْزِلَ أو معنًى اجتهادي هل اللفظ مُنْزَل أو لا؟ نقول: ليس بمنزل وإن كان يمكن إخراجه بقوله كلام الله لأنه ليس بكلام الرب جل وعلا وليس بمنزل أيضًا، إذَا (نَزَلْ) نقول: هذا فصلٌ أول خرج به ما استأثر به سبحانه والأحاديث النبوية لأن ألفاظها لم تنزل أو لم تُنْزل عليه، (عَلى مُحَمَّدٍ) هذا فصلٌ ثان خرج به ماذا؟ ما نزل على غيره من الأنبياء كالتوراة والإنجيل والزبور وصحف موسى وصحف إبراهيم
…
إلى آخره سواء علمناه أو لم نعلمه، (عَلى مُحَمَّدٍ) لا على غيره كالتوراة والإنجيل والزبور (ومِنْهُ الإعْجازُ) هذا فصل ثان هذا الفصل الثاني وهو الْمُعَبَّر عند بعضهم بالْمُعْجِز بلفظه، كلام الله تعالى الْمُنَزَّلُ على محمدٍ صلى الله عليه وسلم الْمُعْجِزُ بلفظه، وتلحظون أن المصنف لم يقل الْمُتَعَبَّد بتلاوته - وقد ذكرناه بالأمس - لماذا؟ للاحتراز عن الأحاديث القدسية والآيات المنسوخة (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، هذه كانت آيةً نسخت إذًا لم يُتعبد بتلاوته هي كلام الله ونزل على محمدٍ صلى الله عليه وسلم لكنه لم يتعبد بتلاوته إذًا خرجت الآيات المنسوخة وخرجت الأحاديث القدسية على القول بأن اللفظ والمعنى من عند الرب جل وعلا، لكن قيل أن قوله:(المتعبد بتلاوته) هذا حكمٌ من أحكامه والحكم على الشيء فرع عن تطوره، إذًا لا يمكن إدخاله في الحدود، ونزيد بما ذكرناه بالأمس أن المراد في حد القرآن هو التقرير فقط والرسم وليس المراد إجراءه على طريقة المناطقة ونحوهم هذا هو المراد، وبذلك يذكر كل وصفٍ يمكن أن ينفصل القرآن عن غيره (المتعبد بتلاوته) أي: لازم يكون ذكره أولى من حذفه لأنه يمتاز به القرآن عن غيره، وأما صفة المعجز بلفظه نقول هذا نعم اختص به القرآن على جهة القصد (ومِنْهُ الإعْجازُ)
…
(ومِنْهُ) الواو واو الحال يعني والحال أن منه من القرآن من ذلك الكلام
…
(الإعْجازُ) للخلق أن يكون مُعْجِزًا للخلق أن يكون هذا الكلام الْمُنَزَّلُ على النبي صلى الله عليه وسلم معجزًا للخلق لإظهار صدق النبي صلى الله عليه وسلم في دعواه الرسالة لأنه رسول ادَّعى الرسالة لا بد من دليل يثبت ذلك صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى أن القرآن الذي معه حق حينئذٍ يكون الإعجاز هنا كونه معجزًا بلفظه هل هو لذاته أم لغيره؟ نقول: لغيره، وهو إثبات أن القرآن حق كون القرآن معجزًا لإثبات القرآن حق ولإثبات أن دعوى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه رسول دعوى صدق وحق فصار ماذا؟ فصار كون القرآن معجزًا بلفظه ليس المقصود به الزعم وإنما المقصود به إثبات شيئين اثنين وهما: أن القرآن حق، وأن النبي صلى الله عليه وسلم صادق في دعواه الرسالة. ولذلك صار القرآن معجزًا أو قل آية والمعجزة عندهم أمرٌ خارقٌ للعادة مقرونٌ بالتحدي مع عدم المعارضة.
والتحدي ما هو؟ هو طلب المعارضة ولذلك صار القرآن معجزًا لماذا لكونه طولب أن يعارض به من كلام البشر فعجزوا عن ذلك {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء: 88] فتحداهم أن يأتوا بمثل القرآن كله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سورٍ من مثله مفتريات فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، فدل على ماذا؟ دل على أن القرآن حق وأنهم عاجزون لماذا؟ لكون القرآن نزل بأعلى درجات لسان المخاطبة وهم فصحاء العرب وهم أرباب اللسان وهم مساطيع الفصحاء فلما كانوا على هذه الدرجة وكانوا يتنافسون في منثور الكلام وشعره فنزل القرآن بلغتهم فعجزوا عن أن يأتوا بسورةٍ من مثله فدل على أن القرآن حق فصار القرآن معجزًا دلالة على أنه حق وهذا الوصف مميز له عن غيره والذي يقصد في الحد هنا من باب التقريب ما يحصل به تمييز القرآن عن غيره، فحصل أو لا؟ نقول: حصل. وأما ما يُذكر في كتب البيان البلاغة كما مر معنا في ((الجوهر المكنون)) أن للبلاغة طرفان حدٌ أعلى، وحدٌ أدنى، والحد الأعلى فُسِّرَ هناك - وذكرناه سابقًا - أنه القرآن قالوا وما يقرب منه وما قاربه وذكرنا ماذا أن المراد به كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك جاء «فاختصر لي الكلام اختصارًا» ، «أُوتيت جوامع الكلم». فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يكون كلامه معجزًا أليس كذلك؟ ولأنه أبلغ الخلق في البلاغة والفصاحة والبيان فيجب أن يكون كلامه أعلى الدرجات حينئذٍ كيف يوصف القرآن بكونه معجزًا وقلنا هذا يتميز به القرآن دون غيره وأثبتنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قوله معجز وأنه أدنى من القرآن في البلاغة - وإن كان معجزًا - أجيب: بأن المقصود هناك الإعجاز من باب التحدي وهو مقصودٌ لذاته والنبي صلى الله عليه وسلم قوله معجز إلا أنه مقصود تبع لا لذاته.
ويوصف اللفظ بتلك باعتبار
…
إفادة المعنى بتركيب يُصار
وقد يسمى ذاك بالفصاحة
…
ولبلاغة الكلام ساحة
بطرفين حدّ الإعجاز علُ
…
وما له مقارب ......
علُ يعني أعلى
................
…
وما له مقارب والأسفل
هو الذي إذا لدونه نزل
صار كصوت الحيوان مستفل
إذًا البلاغة لها درجتان أعلى وأدنى، أدنى ما يصل إلى درجة أصوات البهائم هكذا قيل وأعلى هذا هو القرآن وما قاربه
بطرفين حدّ الإعجاز عل
…
وماله مقارب .....
وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم لكن الأول مقصودٌ لذاته لكونه معجزًا ولإثبات كون القرآن حقًا وأن دعوى الرسول صلى الله عليه وسلم الرسالة صدق، والثاني يكون ماذا؟ يكون لغيره (ومِنْهُ الإعْجازُ) قلنا (ومِنْهُ الإعْجازُ)(الإعْجازُ) ماذا إعرابه هنا؟
مبتدأ مؤخر وأين خبره (ومِنْهُ الإعْجازُ) ومن ذلك الكلام (الإعْجازُ). ما هو الفاعل؟ [أحد الإخوة قال: فاعل فقال له الشيخ: أنت كوفي، إذا كنت كوفيًا نقبل منك الكوفيون يرون تقدم الفاعل على العامل، والصواب عدمه].
والإعجاز منه حصل بسورة يحتمل الإعجاز هذا مبتدأ وجملة حصل بسورة منه هذا خبر المبتدأ هذا أولى ولو جعلت منه الإعجاز من ذلك الكلام الإعجاز ثم وقفت أو جعلت الجملة حصل بسورةٍ أنها في موضع نصب حال أيضًا صح، لكن الأولى جعل (الإعْجازُ) مبتدأ وجملة حصل بسورةٍ منه يعني من ذلك الكلام (ومِنْهُ الإعْجازُ) إذًا أَخْرَجَ ماذا هذا الفصل الثالث؟ أخرج الحديث القدسي لأنها نزلت كلام الله تعالى نزل على النبي صلى الله عليه وسلم ولكنها ليست معجزة لماذا؟ لأنه أسقط حد أو الفصل الرابع الذي ينبغي أن يُذكر وهو متعبدٌ بتلاوته فحينئذٍ ينبغي إخراج الأحاديث الربانية القدسية التي يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى هذا يُسمى حديثًا قدسيًا الذي يصرح به «قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي»، «قال الله تعالى: يا عبادي»
…
الحديث. فنقول: هذا حديثٌ قدسي واختلف العلماء هل لفظه ومعناه من عند الله أم أنه المعنى من عند الله واللفظ من عند النبي صلى الله عليه وسلم؟
إذا قلنا: المعنى من عند الرب جل وعلا واللفظ من عند النبي صلى الله عليه وسلم فلا إشكال أنه خالف لا إشكال لماذا؟
لأنه لم ينزل من عند الرب جل وعلا، والكلام هنا في كلام الله (الْمُنْزِلُ) وهذا لم ينزل لفظه لم ينزل وإن كان المعنى من عند الرب جل وعلا.
وإذا قيل بأن لفظه ومعناه نزل على النبي صلى الله عليه وسلم حينئذٍ لا بد من إخراجه وفصله عن القرآن، فكونه معجزًا - الذي هو القرآن - ينفك وينفصل عن الحديث القدسي، ولذلك أثبت أهل العلم فروقًا بين الحديث القدسي والقرآن وهو:
أن القرآن معجزُ بلفظه، والحديث القدسي ليس معجزًا بلفظه.
القرآن لا يجوز روايته بالمعنى، والحديث القدسي يجوز روايته بالمعنى.
القرآن متعبدٌ بتلاوته، والحديث القدسي ليس كذلك.
القرآن في الأصل لا يكون إلا متواترًا، والحديث القدسي منه الصحيح ومنه الضعيف بل الموضوع.
القرآن على قول الجمهور لا يجوز قراءته للجنب والحائض، والحديث القدسي ليس كذلك.
القرآن إذا أَنْكَرَ حرفًا واحدًا متفقًا عليه بين القراء كَفَرَ، والحديث القدسي لو أنكر حرفًا واحدًا ليس معلومًا من الدين بالضرورة نقول: لم يكفر.
إذًا فرقٌ بين الحديث القدسي والقرآن.
(ومِنْهُ الإعْجازُ بِسُورَةٍ حَصَلْ) قلنا: أن الإعجاز حاصلٌ بلفظ القرآن. هل المقصود أنه باللفظ فقط أم من جهاتٍ متعددة؟ القرآن معجز تحدى العرب وهو معجزٌ بلفظه يعني بألفاظه ومعانيه وأوامره ونواهيه وأخباره وقصصه وكل ما ذكر من موضوعات القرآن فهو معجز فأحكامهما كلها عدل وأخبارها كلها صدق، حينئذٍ لا يختص اللفظ فقط لماذا؟ - وإن ذكر المعجز بلفظه - لأن المقام مقام تحدي لكن نحن نفهم أن عموم الإعجاز حاصلٌ لعموم موضوعات القرآن في أوامره ونواهيه وأخباره وقصصه، أما بالنسبة للمخالفين فحينئذٍ الحاصل فيه اللفظ باللفظ، ولذلك ذكرت مسألة هنا وهي كونهم عجزوا عن الإتيان بمثل القرآن هل هو لعجزهم وضعفهم أم ما يُسمَّى
…
بالصرفة، يعني صُرفوا مع قدرتهم؟
الأول لا شك، والثاني مذهب المعتزلة وقال به أو أَوْمَئَ إليه بعض أهل السنة أيضًا، لأنهم وجدوا فيه معنًى بليغًا، والأصح الأول أنه ماذا؟ أنه لعجزهم وضعفهم، وهذا واضح لأن القرآن كلام الله، كلام الخالق، والبشر الذين هم ذوات كلامهم كلام مخلوق فلا يمكن أن يكون كلام المخلوق مساويًا ولو بوجه ما لكلام الخالق، أليس كذلك؟ لأن الكلام صفة للذات فإذا حصل التباين بين ذاتين فالتباين فالصفات من باب أولى، فإذًا لا يمكن أن يجيز العقل أصلاً أنهم يستطيعون في أنفسهم لأن المعنى في الصرف ماذا؟ أنهم يستطيعون قادرون على أن يأتوا بمثل القرآن كلهم لكن الله عز وجل صرفهم حجز بينهم وبين أن يأتوا بمثله، وهذا قولٌ باطل
وليس في طوق الورى من أصله
…
أن يستطيعوا سورةً من مثله
ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فالصواب المقطوع به أن الخلق كُلَهم عاجزون عن معارضته لا يقدرون على ذلك. فالصواب المقطوع به، لا شك في هذا. فالصواب المقطوع به أن الخلق كلهم عاجزون عن معارضته لا يقدرون على ذلك. ثم قال رحمه الله: بل ولا يقدر محمدٌ صلى الله عليه وسلم نَفْسُه من تلقاء نفسِه على أن يبدل سورةً من القرآن لأنه بشر وهو داخلٌ في كون كلامه صفةً لبشر والقرآن صفةٌ للخالق فتم تباين كلي بين الذات والذات وبين الصفة والصفات.
(بِسُورَةٍ حَصَلْ) الإعجاز بماذا حصل؟ حصل بسورةٍ، بسورةٍ واحدة، وإن حصل بالقرآن كله في آية الإسراء {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء: 88]. ثم لما عجزوا تحداهم بماذا بعشر سورٍ قال: {قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ} [هود: 13]. فعجزوا فتحداهم بماذا {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} [البقرة: 23]. وهذا في سورة البقرة حينئذٍ صار التحدي في مكة وفي المدينة.
(بِسُورَةٍ حَصَلْ) أقل السور كم آية أقل سورةٍ؟
ثلاث آيات فحينئذٍ يحصل الإعجاز بماذا بثلاث آيات فأكثر، هل ورد تحديهم بآيةٍ واحدة؟ ورد في القرآن سورة، هل ورد التحدي بآية؟
هنا قال: (ومِنْهُ الإعْجازُ بِسُورَةٍ حَصَلْ). يقتضي أنها أقل ما وقع التحدي به هو السورة، وأقل سورةٍ ما هي ثلاث آيات، فما كان من قدرها يحصل التحدي به وما كان أدنى من ثلاث وأدنى من السورة بآية من ضمن السورة لا يحصل الإعجاز به ولا التحدي به هذا مفهومه، لأنه قال:(بِسُورَةٍ حَصَلْ). اختصر على السورة نقول: لماذا؟
لأنه لم يكن في القرآن آيةٌ مفردة لا يتصور وجود آيةٍ مفردة بل كل آيةٍ مستلزمهٌ لآيةٍ قبلها وآيةٍ بعدها، ولذلك لم يحصل التحدي بآية الواحدة لأن أقل آية في القرآن كلمة واحدة {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64]. هل يعجز العربي الفصيح .. أن يقول: مُدْهَامَّتَانِ أو أن يأتي بمثلها لا يأتي، لكن
…
{مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] في موضعها باعتبار ما قبلها وما بعدها لو اجتمع الإنس والجن أن يأتوا بكلمة في هذا الموضع ثم لا يخل المعنى بلاغةً عن المعنى السابق لم يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً، وهذا أحسن ما يقال ولذلك قال بعضهم: القرآن كله معجز، هذا نحكم به القرآن كله معجز، لكن فيه ما لو انفرد لكان معجزًا بذاته لو انفردت سورة البقرة من ضمن القرآن لكانت معجزةً بذاتها لا شك في ذلك وحتى أقل سورة التي هي سورة الكوثر نقول معجزة بذاتها.
ومنه ما إعجازه ما لانضمامه إلى غيره كالآية المفردة هذه معجزة لكن لا من حيث هي لأن العربي لا يعجز أن يقول: ثم نظر. هل قبل نزول القرآن لم يتلفظ أحد بقوله: ثُمَّ نَظَرَ. أو ثُمَّ عَبَسَ هذا لا يتصور، حينئذٍ نقول قبل نزول القرآن لا يمتنع أن يقول قائلٌ مُدْهَام أو يقول ماذا؟ ثُمَّ نَظَرَ، فحينئذٍ نقول: هذه الآية من حيث كونها مفردة لم يحصل التحدي بها لأن في إمكانهم أن يأتوا بالمفردة لكن في موضعها بانضمامها إلى ما قبلها وما بعدها يعجز البشر عن أن يأتوا بمثل هذه الآية باعتبار ما قبلها وما بعدها لذلك قال بعضهم: القرآن كله معجز - وهذا أحسن ما يقال في هذا الموضع - لكن فيه ما لو انفرد لكان معجزًا بذاته، ومنه ما إعجازه مع الانضمام فإن القرآن يتفاوت إعجازه ويتفاضل ثوابه كما أن الثواب سيأتي متفاوت كذلك الإعجاز يتفاوت.
(ومِنْهُ الإعْجازُ ومِنْهُ الإعْجازُ بِسُورَةٍ حَصَلْ) يعني حصل بسورةٍ ومثلها فيه قدرها من غيرها، لأنه لا يقال مثلاً لا يحصل الإعجاز بآية لو انفكت آية الدين هل يحصل الإعجاز بالآية، نعم يحصل الإعجاز لأنها بقدر سورة الكوثر بل أكثر فكل آية موازية في الكلمات والأسطر لسورة الكوثر فأكثر يحصل إعجازٌ بها وما أدنى من ذلك سيأتي الكلام الذي ذكرناه سابقًا.
إذًا اقتصر على السورة لماذا؟
لأنه لم يكن في القرآن آيةٌ مفردة بل الآية تستلزم مناسبةً لما قبلها وما بعدها (ومِنْهُ الإعْجازُ بِسُورَةٍ حَصَلْ) أي حصل بسورةٍ واحدة.
والسُّورَةُ الطائِفَةُ المُتَرْجَمَةْ
…
ثَلاثُ آيٍ لأَقَلِّها سِمَةْ
نقف على هذا وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.