المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * العقد الأول (ما يرجع إلى النزول زمانًا ومكاناً - شرح منظومة التفسير - جـ ٥

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * العقد الأول (ما يرجع إلى النزول زمانًا ومكاناً

‌عناصر الدرس

* العقد الأول (ما يرجع إلى النزول زمانًا ومكاناً وهو12 نوعاً)

* شرح النوع الأول والثاني (المكي والمدني) وذكر ضوابطهما.

* شرح النوع الثالث والرابع (الحضري والسفري).

* شرح النوع الخامس والسادس (الليلي والنهاري).

* شرح النوع السابع والثامن (الصيفي والشتائي)

* شرح النوع التاسع (الفراشي من الآيات).

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

قال المصنف رحمه الله تعالى: (العِقْدُ الأَولُ: ما يَرجعُ إلى النُّزُولِ زَمانًا ومكانًا، وهو اثنا عَشَرَ نوعًا).

ذكرنا فيما سبق أن المصنف رحمه الله تعالى تبع الأصل وهو ((النُّقاية)) وجعل أو حصر أنواع علوم القرآن في خمسٍ وخمسين وذلك فيما سبق أن

(الخَمْس والخَمْسِينا قَدْ حُصِرَتْ أَنواعُهُ يَقينا) وجمع هذه الخمس والخمسين في عقود كلُ عِقدٍ يحتوي على عدة أنواع (وقَدْ حَوَتْهَا سِتَّةٌ عُقُودُ) بدأ ينشر هذه العقود فقال: (العِقْدُ الأَولُ). بكسر العين، والمراد بالعقد كما سبق القلادة (ما يَرجعُ إلى النُّزُولِ زَمانًا ومكانًا) ما اسم موصول بمعنى الذي يصدق على أنواع من علوم القرآن، هذه الأنواع ترجع إلى شيءٍ واحد يعني يمكن جمعها في إطارٍ واحدٍ وهو (النُّزُولِ)، (زَمانًا ومكانًا) هذا باختلاف الوقت واختلاف المكان وهو أي: هذا النوع الذي هو العقد الأول (اثنا عَشَرَ نوعًا)، إذًا أدرج لك من الخمس والخمسين اثني عشر نوعًا تحت عنوانٍ واحد وعِقدٍ واحد وهو ما عنون له ما يرجع إلى النزول، وهذه ستأتي متوالية فقال:

(الأولُ) من هذه الاثني عشر.

والثاني أيضًا منها (الْمَكِّيُّ والْمَدَنِيُّ)، الْمَكِّيُّ هذا نسبة إلى مكانه وهو مَكَّة بحذف التاء على ما هو القاعدة في قاعدة النسب مَكِّيٌّ قالوا: مكةٌ يُنسب إلينا بحذف التاء مَكِّيٌّ، والْمَدنيُّ مَدِينَة فَعِيلَة [وفَعَلِيٌّ في فَعِيلَةٍ الْتُزِم] حينئذٍ تحذف الياء وتحذف التاء اشتراكا مكة والمدينة في وجود أو ختم هذه التاء تاء التأنيث وقاعدة أن النسب إذا كان المنسوب إليه مختومٌ بتاء التأنيث وجب إسقاطها نقول: مَكّة بالتاء مَكِّيٌّ مَدِينَة مَدَنِّيٌّ بحذف وإسقاط التاء، يزيد مدينة فَعِيلة بحذف وإسقاط الياء فَعِيلَة تقول: فَعَلِّيٌّ. هذا هو المشهور يعني لا يجوز أن يقال: مَدِينِيٌّ. بإبقاء الياء وجوزه البعض لكنه لو جاز يكون على ندرة وقلة.

ولست بنحوي يلوك لسانه

ولكني سَلِيقِيٌّ أقول فأُعرب

أثبت الياء هنا سَلِيقِيٌّ والأصل أنه منسوبٌ إلى سَلِيقَة فَعِيلَة كمدينة والأصل أن يقال سَلَقِيٌ مثل مَدَنِيُّ لكنه أثبت الياء.

ص: 1

الحاصل أن النوع الأول والثاني هو الْمَكِّيُّ والْمَدَنِيُّ، الْمَكِّيُّ نسبة إلى مكة والْمَدَنِيُّ نسبة إلى المدينة، إذًا هما نوعان متقابلان لأن مكة مقابلة للمدينة والمدينة مقابلة لمكة، إذًا نوعان متقابلان هذا النوع أو هذا الصنف من علوم القرآن أو ما يسمى بالْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ هذا أفرده لأهميته جماعةٌ من أهل العلم بالتصنيف لأن مسائله تحتاج إلى تحرير وينبني عليه معرفة الناسخ والمنسوخ، فإذًا أفرده بعضهم بالتصنيف وأهم ما يُبنى عليه - كما سيأتي - العلم بهذا الباب الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ معرفة وبيان الناسخ من المنسوخ لأن الْمَدَنِيَّ يكون متأخرًا والْمَكِّيُّ يكون متقدمًا كما سيأتي ضبطه ما كان قبل هجرة فهو مَكِّيٌّ ولو نزل في غير مكة، وما كان بعد الهجرة فهو مَدَنِيٌّ ولو نزل في أسفار النبي صلى الله عليه وسلم حينئذٍ لو تعارض عندنا آيتان ولم يُمكن الجمع نقول: من معرفة الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ عرفنا التاريخ وهو أن الآية الْمَكِّيَّة [متأخرة](1) والآية الْمَدَنِيَّة [متقدمة](1) فإذا لم يمكن الجمع وهو الأولى في الأصل فحينئذٍ نعدل إلى النسخ فنقول الْمَدَنِيُّ ناسخٌ للمَكِّي إذًا هذه الفائدة مهمة جدًا في معرفة الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ، ولذلك قيل من لا علم له بالْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ لا يحل له أن يُقدم على تفسير كلام الرب جل وعلا لما فيه من هذه الفائدة الأولى وهي بيان الناسخ من المنسوخ أو كون الثاني المتأخر مخصصًا عند من يشترط ماذا عند من يشترط تأخير المخصص كما سبق بيانه في موضعه لأن بعض الأصوليين يشترط أن يكون الْمُخَصِّصُ متأخرًا حينئذٍ إذا اشتُرط أن يكون المخصِّص متأخرًا حينئذٍ الْمَدَنِيّ يكون مخصِّصًا والْمَكِّيُّ يكون مُخصَّصًا بفتح الصاد لكن الصواب أنه لا يشترط.

هذه الفائدة الأولى وهي العظيمة والعظمى في هذا أو العلم بهذا الباب.

ثانيًا: الاستعانة على فهم القرآن وتفسير القرآن تفسيرًا صحيحًا.

ثالثًا: ظهور بلاغة القرآن لأنه كما سيأتي أن الْمَكِّيَّ له أسلوبه الخاص وله موضوعاته الخاصة، والْمَدَنِيّ له أسلوبه الخاص وله موضوعاته الخاصة حينئذٍ الوقوف على كون هذه السورة وهذه الآيات وهذه القصة مَكِّيَّة ثم تتضمن أسلوبًا خاصًا وموضوعًا خاصًا ينفرد عن الْمَدَنِيّ والعكس أيضًا بالعكس حينئذٍ نقول: ستظهر بلاغة القرآن لأنه يخاطب كل قومٍ بما يُصلح شأنهم وهذا ما يُسمى عن البيانيين بمراعاة مقتضى الحال التي من أخص معاني البلاغة، إذًا نقول: ظهور بلاغة القرآن حيث يخاطب كل قومٍ بما تقتضيه حالهم من قوةٍ أو لين كما سيأتي أن من خصائص الْمَكِّيِّ أن فيه قوة في الألفاظ وشدة العبارة بخلاف الْمَدَنِيّ فإن فيه لينًا وسهولة إذًا لكل قومٍ مقال لكل مقامٍ مقال وهذا ما يسمى بمقتضى الحال وهو من أخص ما يعتني به البياني وهذا دليل على ماذا؟ على أن الرب جل وعلا بكلامه الكريم العزيز قد بلغ أعلى درجات البلاغة يعني أنه خاطب كل قومٍ بما يناسب حالهم ويصلح شأنهم.

(1) سبق لسان.

ص: 2

الفائدة الرابعة من فائدة الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيّ: بيان حكمة التشريع لأنه كما سيأتي أيضًا في الخصائص أن في الْمَدَنِيّ قد نزلت التشريعات عامة بيان تفصيلات العبادات الصلاة والزكاة والصيام إلى آخره وكذلك المعاملات، وأما في الْمَكِّيِّ فالأكثر فيه تقرير العقيدة وتأسيس القواعد العامة للتشريع وذكر الجنة والنار والقيامة إلى آخره، لماذا؟

لأنه كما قالت عائشة رضي الله عنها: لو كان أول ما نزل تحريم الخمر ونحو ذلك لما آمن أحد، ولكن نزل ذكر الجنة والنار فَرَقَّقَ القلوب فكان أول ما يكون في سمع الكافر هو ذكر الجنة والنار لأنه يؤدي إلى ماذا؟ يؤدي إلى رقةٍ في القلب حينئذٍ يستجيب المخاطَب.

إذًا عرفنا فوائد هذا الباب من ثَمَّ اعتنى به أرباب علوم القرآن فصنفوا فهي تصانيف مفردة وذكره كثير كما هو في ((الإتقان)) و ((البرهان)) بتوسع، ما من سورةٍ في كتب التفسير إلا وتجد ذكرًا للمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ.

ما المراد بالْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ؟

قال رحمه الله: (مَكِّيُّهُ ما قَبْلَ هِجْرَةٍ نَزَلْ والْمَدَنِيْ مَا بعدها). (مَكِّيُّهُ) الضمير يعود إلى القرآن، مَكِّيّ القرآن ما هو؟

اختلف فيه، اختلف في تحديد معنى الْمَكِّيّ أو المراد بالْمَكِّيِّ ومعنى الْمَدَنِيّ والمراد بالْمَدَنِيّ ولكن ثم قول مشهور عند أرباب التفسير وخاصةً المتأخرين ممن جاء بعد السيوطي رحمه الله تعالى ونحوه وهو ما ذكره الناظم هنا (ما قَبْلَ هِجْرَةٍ نَزَلْ)(ما) سورة كلها أو أعظمها (ما) هذا اسم موصول بمعنى الذي يصدق على ماذا، ونفسره بماذا؟ ذكرنا فيما سبق أن القواعد العامة في هذه أنه يذكر مفسر (ما) الموصولية ما يعلم من السياق والقرائن والكلام هنا عن ماذا؟ عن السورة لأن نحكم على السورة كلها أو بعضها لأنه مَكِّيّ أو مَدَنِيّ فحينئذٍ نقول:(مَكِّيَّهُ ما) أي: سورة كلها أو أكثرها لماذا كلها أو كثرها؟ لأن الشأن هنا في معرفة الْمَكِّيِّ أو بالحكم بكون السورة مَكِّيَّة أو مَدَنِيَّة هو حكم الأغلب على ماذا؟

على معظم السور قد تكون السورة كلها مَكِّيَّة قد تكون كلها مَدَنِيَّة وقد يكون أكثرها مَكِّيَّة وفيها شيءٌ من الآيات الْمَدَنِيَّة هذا لا يُخرجها عن كونها مَكِّيَّة فإذا كان معظم السورة مَكِّيَّة نزلت في مكة أو نزلت قبل الهجرة حينئذٍ وجود بعض الآيات التي نزلت بعد الهجرة لا ينافي كونها مَكِّيّة لماذا؟

لأن الحكم بكونها مَكِّيَّة متعلقًا بأحد أمرين:

إما أن يوجد الأول أو الثاني، فإن وجد الأول فلا إشكال وهو كون كل السورة مَكِّيَّة كما هو الشأن في سورة الإخلاص مثلاً كلها مَكِّيَّة، وقد يكون أكثرها نزل قبل الهجرة ويكون في بعضها ماذا؟ ما هو نازلٌ بعد الهجرة وهو مَدَنِيّ حينئذٍ وجود بعض الآيات التي حَكم أهل العلم بكونها مَدَنِيَّة في سورة مَكِّيَّة لا تنافي بينهما لماذا؟

لأن متعلق الوصف والحكم بكونها مَكِّيَّة إما كل أو الأغلب وقد وجد أحدهما، وهذا يؤكد المسألة السابقة التي ذكرناها وهي أن ترتيب الآي توقيفي، وهذا هو الذي نُص عليه عند أهل العلم وأجمعوا عليه أن ترتيب الآيات آيات القرآن توقيفي بدليل ماذا؟

ص: 3

بدليل أن بعضها من ابتداء السورة إلى منتصفها مثلاً فإذا بها مَكِّيَّة ثم تأتي بعض الآيات ثلاث أو أربعة مَدَنِيَّة ثم يرجع الحكم إلى ما سبق فتكون مَكِّيَّة، هذا دليل على ماذا؟ على أن الترتيب توقيفي وإلا لو كان اجتهاديًا لناسب أن الْمَكِّيَّ بجانب الْمَكِّيِّ متصلاً به والْمَدَنِيُّ بجانب الْمَدَنِيِّ متصلاً به هذا أولى من جهة العقل لو كان الاجتهاد له مدخل في هذا لكان الْمَكِّيّ بجانب الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيّ بجانب الْمَدَنِيِّ لكن لما توجد سورة كاملة وهي مَكِّيَّة ثم يوجد بعض الآيات في أولها ثم تأتيك مَكِّيَّة ثم يرجع الحكم وتأتيك مَدَنِيَّة نقول هذا دليل على أن ترتيب الآية توقيفي وليس اجتهاديًا.

إذًا قوله (ما) أي: سورةٌ كلها أو أكثرها، فنفسر (ما) هنا بسورة بالجميع أو بالمعظم، (نَزَلْ) (قَبْلَ هِجْرَةٍ). (قَبْلَ) هذا منصوب على الظرفية متعلق بقوله:(نَزَلْ) لأن نزل هذه الجملة صلة الموصول كأنه قال: مكيه هو الذي نزل قبل هجرةٍ، قبل هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فحينئذٍ كل ما نزل من الآي قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وإن نزل بغير مكة نقول هذا مَكِّيّ. كل ما نزل قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وإن نزل بغير مكة نحكم عليه بأنه مَكِّيّ لأن غير مكة مثل ماذا؟ مثل عرفات عَرفات هذه ليست من مكة وإن كان المراد والمصطلح عند أهل العلم أن مكة اسم للبنيان وليست اسمًا للحرم كما يظنه الناس، لا، فيظن أن الحرم هو مكة لذلك بينهم عمومٌ وخصوص، فكل ما كان من مكة الآن فكل ما كان من الحرم فهو في داخل مكة وليس كل مكانٍ بمكة فهو داخلٌ في الحرم، ولذلك المناطق التي من جهة التنعيم متصلة بمكة نقول: متصلة بالبنيان الذي هو داخل الحرم هي من مكة ولكنها ليست من الحرم فهي مكة لماذا؟

لكون مسمى مكة هو البنيان المتصل وليست من الحرم لكون الحرم توقيفي، حينئذٍ لا يمكن توسعة الحرم الذي هو البقعة الأرض وليس المسجد الحرام حينئذٍ نقول: بينهما عموم وخصوص.

ص: 4

إذًا (مَكِّيُّهُ ما قَبْلَ هِجْرَةٍ نَزَلْ) فما نزل في عرفات نقول: هذا مَكِّيّ [$ هكذا قال الشيخ والمفهموم من الشيخ في موضع 13.50] وإذ لم يكن بمكة {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] هذا نقول: مَكِّيّ أو مَدَنِيّ؟ مَدَنِيّ لماذا لأنه بعد الهجرة ونزل بضواحي مكة، (والْمَدَنِيْ مَا بعدها) (والْمَدَنِيْ) نقول: الْمَدِنِيّ بالتشديد لأن هذه الياء ياء النسبة تكون مشددة ينتقل إليها الإعراب (والْمَدَنِيْ) لكنها سُكِّنَتْ من أجل الوزن، (والْمَدَنِيْ مَا بعدها) (مَا) سورة كلها أو معظمها (بعدها) أي: بعد هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن نزل بغير المدينة حينئذٍ المثال السابق هو موضوعه هنا ما نزل بعرفات في حجة الوداع نقول: هذا مَدَنِيّ لأنه نزل بعد الهجرة وإن نزل بضواحي مكة، لأن عرفات ليست من مكة وإنما هي من ضواحي مكة، (والْمَدَنِيْ مَا) أي: سورةٍ كلها أو أكثرها (بعدها) أي: بعد الهجرة نزل أي وإن نزل بغير المدينة، فحينئذٍ نقول هذا هو الضابط المشهور هو ليس بتعريف وإنما هو ضابط لمعرفة الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ، وثّمَّ ضوابط أخرى كذلك تعرف من جهة السورة نفسها لفظها أو موضوعها أو أسلوبها حينئذٍ نقول: هذا هو القول المشهور ما نزل قبل الهجرة فهو مَكِّيٌّ وما نزل بعد الهجرة فهو مَدَنِيّ.

القول الثاني: الْمَكِّيُّ ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة.

التقسيم الأول الهجرة هذا رُعِيَ فيه الزمن، والتقسيمة على القول الثاني رُعِي فيه المكان، فقوله: الْمَكِّيُّ نسبةً إلى مكة الموضع نفسه فما نزل في مكة فهو مَكِّيٌّ والمراد بمكة ما يشمل ضواحيها كعرفات ومنى ونحوها ولو بعد الهجرة.

والْمَدَنِيُّ ما نزل بالمدينة وضواحيها كبدرٍ وأحد وسلع ونحو ذلك، حينئذٍ اعتبر في هذا التقسيم ماذا؟ اعتبر المكان فما نزل في ساحة مكة وضواحيها فهو مَكِّيٌّ، وما نزل في ساحة المدينة أرض المدينة النبوية وضواحيها نقول: هذا مَدَنِيّ.

طيب ما نزل في تبوك؟ ما نزل في أسفار النبي صلى الله عليه وسلم؟

ليس بمكي ولا مَدَنِيّ فأثبتوا الواسطة فصار التقسيم للسور والآيات ثلاثة أقسام: مَكِّيٌّ، مَدَنِيٌّ، لا يوصف بكونه مَكِّيًّا ولا مَدَنِيًّا.

ألا يلزم على هذا القول؟ يلزم عليه أنه إذا جعل الْمَكِّيَّ محصورة في الأرض الموضع والْمَدَنِيِّ محصورًا في الأرض حينئذٍ ما لم ينزل في مكة وضواحيها والمدينة وضواحيها نقول: هذا ليس بِمَكِّيٍّ لا مَدَنِيّ حينئذٍ صار القسمة ثلاثية فأثبتوا الواسطة، وعلى القول الأول: لا واسطة لأنه ما نزل قبل الهجرة فهو مَكِّيٌّ وما نزل بعد الهجرة فهو مَدَنِيٌّ، إذًا الأسفار أين تكون؟ إما أنها قبل الهجرة وإما أنها بعد الهجرة فما كان من الأسفار قبل الهجرة فهو مَكِّيٌّ، وما كان من الأسفار بعد الهجرة فهو مدنيًا ولا واسطة، فالقسمة ثنائية ولذلك لهذا الملحظ جعلوه مطردًا يعني لكونه مطردًا جعلوه هو المرجح.

ص: 5

إذًا القول الثاني: الْمَكِّيُّ ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة ويدخل في مكة ضواحيها كالذي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم عند بمنى وعرفات والحديبية، والْمَدَنِيّ ما نزل بالْمَدَنِيَّةِ وضواحيها كبدرٍ وأحدٍ وسلع، وعلى هذا القول نثبت الواسطة فما نزل بالأسفار لا يطلق عليه مَكِّيّ ولا مَدَنِيّ وهذا التقسيم لوحظ فيه النزول باعتبار المكان.

القول الثالث: الْمَكِّيُّ ما وقع خطابًا لأهل مكة والْمَدَنِيُّ ما وقع خطابًا لأهل المدينة وهذا ضعيف جدًا لم يلتفت إليه أهل العلم ولذلك لا يعرف له قاعدة لم ينسبه السيوطي لبعض أهل العلم وإنما ذكره هكذا حكاية فصار قولاً معلقًا لا يُدْرَى من صاحبه ويكون الترجيح دائرًا بين القول الأول والثاني، إما أن ننظر إلى الزمان وإما أن ننظر إلى المكان، ولكن الذي يطرد ويصح جعله ضابطًا للفرق بين النوعين هو اعتبار الزمان، وذلك جرى عليه أكثر أهل العلم.

مَكِّيُّهُ ما قَبْلَ هِجْرَةٍ نَزَلْ

والْمَدَنِيْ مَا بعدها، وإِنْ تَسَلْ

فَالْمَدَنِيْ .................

............................

الآن عرفنا ضابط الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيّ ستأتي بعض الضوابط (وإِنْ تَسَلْ) أيها الطالب عن عدد كل من الْمَدَنِيِّ والْمَكِّيِّ لكن يرد السؤال أولاً ما المرجع في معرفة الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ هل ورد قول عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن البقرة مَدَنِيَّة والفاتحة مَكِّيَّة والأنعام؟ هل ورد؟ لم يرد فحينئذٍ المرجع هو حفظ الصحابة رضي الله تعالى عنهم والتابعين لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم نصٌ في تعيين كون هذه مَكِّيَّة أو مَدَنِيَّة لكن في التعيين في التنصيص كون هذه مَكِّيَّة بلقبها الخاص وكون هذه مَدَنِيَّة بلقبها الخاص وسيأتي أن المعنى الطريق الذي يحكم به نقلي واجتهادِي.

(وإِنْ تَسَلْ) عن عدد كل من الْمَدَنِيِّ والْمَكِّيِّ، فالْمَدَنِيّ القرآن كله أربع عشر ومائة سورة، أو أربع عشرة سورة ومائة، مائة وأربع عشرة سورةً هل كلها مَكِّيَّة؟ الجواب لا، هل كلها مَدَنِيَّة؟ الجواب: لا. إذًا لا بد من التفصيل منها ما هو مَكِّيّ ومنها ما هو مَدَنِيّ منها ما هو مَكِّيّ باتفاق ومنها ما هو مَكِّيّ على الراجح ومنها ما هو مَدَنِيّ باتفاق، ومنها ما هو مَدَنِيّ على الراجح.

هو سيذكر بعض الأنواع التي ترجح عنده تبعًا لصاحب الأصل ((النُّقاية)) السيوطي رحمه الله تعالى بأنها مَدَنِيَّة: (وإِنْ تَسَلْ) عن عدد كلٍ من الْمَدَنِيِّ والْمَكِّيِّ فالْمَدَنِيّ فأقول لك الْمَدَنِيّ.

(وإِنْ تَسَلْ) أين الهمزة؟ أصلها سأل حذفت تخفيفًا، لغة، أو شذوذ، أو ضرورة؟

لغة: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة: 211]. اسأل، {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا} [الزخرف: 45]. {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة: 211]. جاء بهذا وجاء بهذا حينئذٍ يكون لغةً لا يكون من باب الضرورة، (وإِنْ تَسَلْ فَالْمَدَنِيْ) فأقول لك الْمَدَنِيّ، الفاء هذه واقعة في جواب الشرط. فأقول لك (الْمَدَنِيْ)، بإسكان الياء لضرورة النظم.

ص: 6

تسعٌ وعشرون سورة، سيسردها، وهي: أي التسع والعشرون سورة التي حُكم عليها بأنها مَدَنِيّ (أَوَّلَتا القُرْآنِ مَعْ أَخِيْرَتَيْهِ وكذا الحَجُّ تَبَعْ). (أَوَّلَتا القُرْآنِ) ما هو القرآن هنا مراد القرآن كله وهو من الفاتحة إلى سورة الناس، أول ما يقرأ في القرآن أي السور الفاتحة، ثم البقرة ثم آل عمران. على ظاهر كلام المصنف أن الفاتحة والبقرة هما المرادتان هنا (أَوَّلَتا القُرْآنِ)، (أَوَّلَتا) وذكرنا في مضى أن هذه التسمية من باب التغليب فقط وإن الأول شيءٌ واحد، (أَوَّلَتا القُرْآنِ) لكن هل المراد الفاتحة والبقرة أم المراد البقرة وآل عمران؟

البقرة وآل عمران.

كيف نصرف كلام المصنف هنا وإن كان ظاهره أن الفاتحة والبقرة؟.

نقول: الأولية نسبية إضافية يعني باعتبار البقرة وما بعدها فحينئذٍ صارت الأولية نسبية إضافية فلك أن تقطع الشيء عن سابقه فتجعله أولاً فصار أولاً لأي شيء باعتبار الشيء كله أو باعتبار ما بعده باعتبار وما بعدها، فصارت الأولية هنا نسبية إضافية، يعني: البقرة بنسبة لآل عمران أول والبقرة وآل عمران بالنسبة للنساء لآخر القرآن أولتا القرآن حينئذٍ صح كلام المصنف رحمه الله تعالى.

(فَالْمَدَنِيْ أَوَّلَتا القُرْآنِ). وهما البقرة وآل عمران لا الفاتحة والبقرة لأن الفاتحة فيها خلاف قيل: مَكِّيَّة، وقيل: مَدَنِيَّة، وقيل: نزلت مرتين، وقيل: النصف الأول مَكِّيّ والنصف الثاني مَدَنِيّ، وهذا أضعف الأقوال، والجمهور على أنها مَكِّيَّة إذًا لا يمكن إدخال الفاتحة هنا لكونه يعد السورة الْمَدَنِيَّة والفاتحة المرجح فيها عند الجمهور أنها مَكِّيَّة (مَعْ أَخِيْرَتَيْهِ)، (أَخِيْرَتَيْهِ) الضمير يعود على ماذا؟ على القرآن، وما هما الأخيرتان هما الْمُعَوِّذَتَان بكسر الواو اسم الفاعل مُعَوِّذ، لأن قارئهما يَتَعَوَّذ ويتحصن بها والسبب في نزولهما كما هو معلوم قصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم، الذي سحره لبيد بن عاصم اليهودي.

مُعَوِّذَتان: يقال: المعوِّذات والمعوذتان أليس كذلك؟ إذا قيل المعوذات فما المراد؟.

عند أهل العلم قال: المعوذات بالجمع، ويقال: المعوذتان إذا قيل: المعوذتان لا شك أنه تثنية فالمراد به سورة الفلق والناس وإذا قيل: المعوذات هذا جمع لا بد أن يكون أقله ثلاث، فحينئذٍ تكون سورة الإخلاص من المعوذات ذكر ذلك ابن حجر في الفتح في كلام طويل جدًا.

(مَعْ أَخِيْرَتَيْهِ) وهما المعوذتان بكسر الواو المشددة، إذًا المعوذتان مدنيتان.

ص: 7

(وكذا الحَجُّ تَبَعْ)، (وكذا) أي ومثل الذي ذُكر من سورة البقرة وآل عمران، والمعوذتين في الحكم بكونها مَدَنِيَّة (الحَجُّ تَبَعْ) لها لكونها مَدَنِيَّة، والحج هذه قول الجمهور فإنها مَدَنِيَّة وإلا فروى مجاهد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنها مَكِّيَّة لكن المراد عند أهل العلم بأنها مَدَنِيَّة وإن قيل إنها من المختلف يعني: مما شمل الْمَكِّيّ والْمَدَنِيّ معًا، قيل: سُلِّم ذلك لاشتمال الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيّ لكن ينظر في الأكثر والأغلب على الضابط الذي ذكرناه سابقًا فأكثر سورة الحج نزل بعد الهجرة حينئذٍ نحكم عليها بأنها مَدَنِيَّة ولذلك ذكرها المصنف هنا ولذلك ذكر بعضهم مقولة أن سورة الحج من أعاجيب السور. لماذا؟.

قالوا: أنها نزلت ليلاً ونهارًا، يعني وجد فيها ما نزل بالليل وما نزل

بالنهار. وسفرًا وحضرًا، ومَكِّيًّا ومَدَنِيًّا، وسلميًا وحربيًا، وناسخًا ومنسوخًا، ومحكمًا ومتشابهًا. لأنها اشتملت على عدة أنواع من علوم القرآن، لك نوع من هذه المذكورات نصيب حظ من آيات سورة الحج، ولذلك بعضهم: لا يعبر بكونها مَدَنِيَّة بل يقول هي مختلفة ويذكر هذا القول المنسوب للصاوي ولغيره لأنها اشتملت على هذه الأنواع العديدة:

(وكذا الحَجُّ تَبَعْ مائِدَةٌ) ومائدة يعني: سورة المائدة هي مَدَنِيَّة معطوفٌ على (أَوَّلَتا)(فَالْمَدَنِيْ أَوَّلَتا القُرْآنِ) و (مائِدَةٌ) على إسقاط حرف العطف (مَعْ مَا تَلَتْ) الأنعام النساء قولان لأنهما عدا هنا في الْمَدَنِيّ الأنعام وإنما هو داخلٌ فيهم قولهما: ما عدا هذا المذكور فالْمَكِّيّ فحينئذٍ الأنعام مَكِّيَّة وإن وجد فيها بعض الآيات الْمَدَنِيَّة {قُلْ تَعَالَوْاْ} [الأنعام: 151]. إلى آخره ثلاث آيات قيل إنها مَدَنِيَّة ولكن العام أنها مَكِّيَّة، وهنا قوله:

مع (مائِدَةٌ، مَعْ مَا تَلَتْ) يعني ما تلتها المائدة، فالمائدة هي التالية والنساء هي الْمَتْلُوّة والنساء مَتْلُوّة وهنا الحكم للمائدة مع المتلوة التي تلتها سورة المائدة حينئذٍ نحكم على المائدة بأنها مَدَنِيَّة وعلى النساء بأنها ماذا؟ مَدَنِيَّة عرفتم قوله:

(مَعْ مَا تَلَتْ) يعني: مع ما تلتها المائدة، وهي سورة النساء. وزعم النحاس أنها مَكِّيَّة ولذلك هذا من المختلف فيه والمرجح أنها مَدَنِيَّة، وخَرَّج البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده صلى الله عليه وسلم. ودخولها عليه كان بعد الهجرة اتفاقًا وهي تقول: ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده صلى الله عليه وسلم. عند النبي صلى الله عليه وسلم، ودخولها على النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد الهجرة اتفاقًا وما نزل بعد الهجرة فهو مَدَنِيّ فدل على أن سورة البقرة وسورة النساء مدنيتان وسقط قول النحاس، والغريب أن أهل اللغة لهم كلام في الْمَدَنِيِّ والْمَكِّيِّ.

ص: 8

(أَنْفَالُ براءَةٌ) يعني وأنفال بإسقاط حرف العطف فسورة الأنفال سورةٌ مَدَنِيَّة و (براءَةٌ، والرَّعْدُ) وعن ابن عباس: أنها مَكِّيَّة في رواية أن الرعد هذا من المختلف فيه أنها مَكِّيَّة (والقِتَالُ) حكى النَّسَّفِيّ قولاً غريبًا أنها مَكِّيَّة والجمهور على أن القتال مَدَنِيَّة وهي سورة محمد وتسمى القتال وتسمى محمد وسبق أن بعض السور قد تسمى باسمين وهذا مثالٌ لها.

(وتَالِيَاها) يعني: تاليا القتال وهما سورة الفتح والحجرات، وفي الحجرات قول شاذ: أنها مَكِّيَّة. (والحَدِيْدُ، والنَّصْرُ) بإسقاط حرف العطف والحديد والنصر قول الجمهور أنها مَدَنِيَّة (قِيامَةٌ) يعني وسورة القيامة {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} هذه مَدَنِيَّة، والمصنف هنا الناظم تبع السيوطي في ((النُّقاية)) السيوطي رحمه الله عدها من الْمَدَنِيِّ وكذلك عدّها في ((التحبير)) من الْمَدَنِيِّ وهنا تبع الأصل بأنها مَدَنِيَّة وهو قولٌ فيها لكن يُحكى الإجماع بأنها مَكِّيَّة، وتجد الشُّرَّاح يقولون: هذا لعله سبق قلم بدل من أن كتب قيامة صوابه قيِّمةٌ وهي سورة {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البينة: 1]. حينئذٍ نقول: قوله: (قِيامَةٌ) تبع قولاً ضعيفًا بأنها مَدَنِيَّة وحُكِي الإجماع على أنها ماذا؟ مَكِّيَّة، صوابه قيِّمةٌ - هكذا قال الشارح - وهي سورة {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البينة: 1]. فإنها مَدَنِيَّة عند الجمهور بخلاف القيامة فإنها مَكِّيَّة بالإجماع، ودعوى الإجماع هذا فيه نظر.

و (زَلْزَلَةٌ) لكن تصويب كلام الناظم فيه نظر بل تبقى على أصلها أن مراده القيامة لأنه نظم ((النُّقاية))، و ((النُّقاية)) أثبت أن القيامة مَدَنِيَّة فإذًا لا نقول: أنه سبق قلم ولا نقول: أنه خطأ بل نقول: هذا قوله وهو مرجوح وعدها السيوطي في ((التحبير)) بأنها من الْمَدَنِيَّات وكذلك في ((النُّقاية)).

(قِيامَةٌ، زَلْزَلَةٌ) يعني: وزلزلة، سورة الزلزلة وفيها قولان هذه، والمرجح عند الجمهور أنها مَدَنِيَّة (والقَدْر) بسكون الدال:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]. (والنُّورُ) سورة النور (والأَحْزَابُ، والمُجَادَلَةْ) بفتح الدال ويجوز كسر مجادلة إن روعي القصة قيل المجادَلة وإن رُوعِيَ المرأة قيل المجادِلة، وسميت بها في اللغة .. (وَسِرْ) هذا أمرٌ من السير يعني (وَسِرْ) في تعداد السور من المجادلة إلى سورة التحريم وتعد سبعة وتعد سبع سور الحشر، والممتحنة، والصف، والجمعة، والمنافقون، والتغابن، والطلاق هذه كلها من الْمَدَنِيَّات يعني من المجادلة يعني جزء قد سمع كله مَدَنِيّ لأنه عد المجادلة وعد التحريم وما بينهما، وهي داخلة أي التحريم حينئذٍ إذا قال: إلى التحريم لا يفهم أن ما بعد إلى على القاعدة المشهورة أنه ليس داخلاً في المغيا، بل المغيا داخلٌ في الحكم السابق (وَسِرْ) في تعداد السور (إلى التَّحْرِيْمِ وَهْيَ) أي سورة التحريم (داخِلَةْ) في العدد، نص على دخولها لماذا؟ لأن الغالب عدم دخول المغيا مع إلى بخلافه مع حده، الغالب أن ما بعد إلى لا يدخل فيما قبله فحينئذٍ نحتاج إلى التنصيص بكون ما بعد إلى داخلاً في ما قبله.

ص: 9

إذًا عرفنا الآن ما ذكره الناظم وهو تسعٌ وعشرون سورة هذه حُكِمَ عليها بأنها مَدَنِيَّة، والخلاف والأدلة تجدونه مذكورًا في ((التحبير)) و ((الإتقان)) ونحو ذلك.

وما عَدا هَذا هُوَ الْمَكِيُّ

على الَّذي صَحَّ بهِ المَرْوِيّ

أيهما أقل الْمَكِّيّ أم الْمَدَنِيّ، الْمَدَنِيّ لأنهم تسعٌ وعشرون بقي خمسٌ وثمانون وأيهما الأولى أن يشرع في تعداد الأقل أو الأكثر؟

الأقل فذكر عدَّد لك الأقل الذي هم تسعٌ وعشرون ثم أحالك على الأكثر وهو خمسٌ وثمانون سورة، والمستثنيات هذه موجودة في مواضعها ما من سورة اختلف فيها إلا وذكر أن بعضها ليس داخلاً في مسماها الكلي فيقال سورة كذا مَكِّيَّة إلا آية كذا وكذا، وهذه مَدَنِيَّة إلا آية كذا وكذا هذا تجدونه في و ((الإتقان)) ونحو ذلك، والسيوطي استوفى هذا الكلام كله في ((الإتقان)).

(وما عَدا هَذا) أي المذكور من السور وهو خمسٌ وثمانون سورة (هُوَ الْمَكِيُّ) هو المحكوم عليه بأنه مَكِّيّ سواءً كان اتفاقًا أو على الأرجح وعليه ما ذكره الناظم هنا بأن الفاتحة مَكِّيَّة، رجح بأن الفاتحة مَكِّيَّة وقيل: الرحمن والإنسان والإخلاص والفاتحة من الْمَدَنِيِّ يعني يضاف إلى ما سبق هذه السور الرحمن والإنسان والإخلاص والفاتحة من الْمَدَنِيِّ والأصح أنها مَكِّيَّة والأصح والمرجح عند الجمهور أنها مَكِّيَّة.

وقيل: الفاتحة نزلت مرتين والقول بأنه مَدَنِيَّة فقط أو بأنها نصفين النصف الأول مَكِّيّ والثاني مَدَنِيّ هذا ضعيف، بل قيل: بأن القول بأن الفاتحة مَدَنِيَّة فقط هذا قول مجاهد لا يعرف عن غيره وقيل: هو شاذ ضعيف. ولذلك قال بعضهم: قد تفرد به مجاهد حتى عُدَّ هفوةً منه. هفوة يعني بمعنى زلة.

وقيل: النساء والرعد والحديد والحج والصف والتغابن والقيامة، والمعوذتان مكيات والأصح أنها مدنية (على الَّذي صَحَّ بهِ الْمَرْوِيّ). على القول الذي صح به أي بذلك القول المروي من الأحاديث على النبي صلى الله عليه وسلم كيف نقول المروي على النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نقول: الْمَكِّيُّ والْمَدَنِيُّ مرجعه حفظ الصحابة والتابعين المرجع في الحكم ومحل الاستنباط هو الأحاديث محل الاستنباط بأن هذه مَكِّيَّة أو مَدَنِيَّة لا بد أن يثبت قول أو فعل النبي صلى الله عليه وسلم فنأخذ منه أن السورة مَكِّيَّة أو مَدَنِيَّة فما صح الأصل صح الاستنباط منه وما ضَعُف الأصل حينئذٍ ضعف الاستنباط منه لأن البعض قد يأتي ويحكم بأن السورة كذا وآية كذا مَكِّيَّة ثم ننظر نستند إلى دليل أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث فننظر فيه فإذا به ضعيف حينئذٍ ماذا نقول؟ سقط الأصل، فيجب سقوط الفرع هذا هو الأرجح.

(وما عَدا هَذا هُوَ الْمَكِيُّ على الَّذي). يعني على القول (الَّذي صَحَّ بهِ المَرْوِيّ). صح المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث والآثار.

ص: 10

هذا جملة ما يذكر في الْمَدَنِيِّ والمكي والأكثر أنه يذكر تعداد فيه وأما المستثنيات ترجع إلى أصولها، لكن ذكروا بأن الْمَكِّيَّ له ضوابط يمكن الْحُكم على السورة بأنها مَكِّيَّة والْمَدَنِيَّ له ضوابط يمكن الحكم على السورة بأنها مَدَنِيَّة لكن هذا في ما لم يصح نقله ولذلك ذكر الجعبري وغيره أن طريق الحكم على السورة بأنها مَكِّيَّة أو مَدَنِيَّة إسناد نقليٌ سماعيٌ وقياسيٌ اجتهاديٌ.

النقل السماعي وهو ما حكم به الصحابة رضي الله تعالى عنهم ثم التابعون.

والاجتهادي أو النقلي هذا محل الاستنباط والنظر والبحث والتدبر.

لمعرفة الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيّ طريقان سماعيٌ وقياسي، والسماعي يستند إلى النقل الصحيح لا بد من أن يكون النقل صحيحًا عن الصحابة الذي عاصروا الوحي وشاهدوا نزوله أو عن التابعين الذي أخذوا عن الصحابة وسمعوا منهم، ومعظم ما ورد في الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ من هذا القبيل، أكثر ما حكم فيه إما أن تجد قولاً لمجاهد أو قبل ذلك تجد قولاً لابن عباس، أو أُبي بن كعب، أو علي بن أبي طالب

إلى آخره أو من التابعين كمجاهد وعطاء ونحوهم حينئذٍ نقول: هذا حكمهم أنه نقلي مستنده السمع فما صح عنهم حينئذٍ نحكم به، فما لم يرد أو إذا اختلفوا حينئذٍ لا بد من النظر والبحث ولذلك وُجد النوع الثاني وهو القياس والاجتهاد وهذا يستند إلى ماذا؟

إلى معرفة خصائص الْمَكِّيِّ وخصائص الْمَدَنِيِّ ولذلك بحثوا ونظروا في ما حكم عليه اتفاقًا أو عن الأرجح فيما حكم عليه بأنه مَدَنِيّ وجدوا بعض الألفاظ أو بعض القصص أو بعض المواضيع هذه تختص بالْمَكِّيِّ ولا توجد في الْمَدَنِيِّ، ووجدوا بعض الخصائص أيضًا توجد في الْمَدَنِيِّ ولا توجد في الْمَكِّيِّ فحينئذٍ إذا وجدت سورة أو آيات مختلفٌ فيها هل هي مَكِّيّة أو مَدَنِيّة نقول: نلحقها بأقربها شبهًا فما وجد فيه مما اتفق عليه أنه مَكِّيّ فنحكم عليه بأنه مَكِّيّ لماذا؟

لأن أسلوبه وألفاظه على أسلوب وألفاظ وطريقة موضوعات الْمَكِّيِّ فيلحق به وهذا هو أصل القياس فيه إلحاق وكذلك الْمَكِّيّ حينئذٍ يقال ضوابط الْمَكِّيِّ أمور:

ص: 11

أولاً: كل سورةٍ وهذه الضوابط أغلبية ليست كلية مطردة وإنما في الأغلب الأكثر كل سورةٍ فيها {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وليس فيها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} فهي مَكِّيَّة إلا سورة الحج ففي آخرها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77]. وبعضهم يرى أن هذه الآية الأخيرة مَكِّيَّة إذًا كل سورة اشتملت على قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وليس فيها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} حكمنا عليها لأنها مَكِّيَّة لماذا؟ لأن {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} هذا خطابٌ يشمل المؤمن والكافر وأهل مكة آمن بعضهم وإن كانوا قلة لكن في الجملة هم كفار فحينئذٍ يخاطبون بـ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} هذا شامل، وهذا من أدلة أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة لأنهم داخلون في هذا العموم وكذلك ألحق بعضهم بهذا اللفظ {يَا بَنِي آدَمَ} هذا يشمل الكافر والمؤمن فلا يختص بالمؤمنين لأن الخطاب في المدينة الغالب بل الأصل أنهم مؤمنون فحينئذٍ إذا خوطبوا بـ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} نظر إلى الجملة وإلى الأغلب، أما الْمَكِّيّ فهذا بـ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} ، {يَا بَنِي آدَمَ} .

فإذًا كل صورةٍ فيها {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وليس فيها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} فهي مَكِّيَّة إلا سورة الحج ففي آخرها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} .

طيب سورة البقرة فيها {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} [البقرة: 21] كيف نقول: مَدَنِيَّة فيها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]. والضابط هنا كل سورةٍ فيها {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وليس فيها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} ، وهذه فيها سورة البقر فيها {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وفيها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} الضابط ما هو؟ إثبات ونفي، الإثبات {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وليس فيها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} إذا اجتمعا حينئذٍ ليس من ضوابط الْمَكِّيَّة ولذلك استثني ماذا؟ استثني سورة الحج.

الثاني: كل سورةٍ فيها سجدة فهي مَكِّيَّة.

الثالث: كل سورةٍ فيها قصة آدم وإبليس فهي مَكِّيَّة سوى سورة البقرة.

الرابع: كل سورةٍ فيها قصص الأنبياء والأمم الغابرة الخالية فهي مَكِّيَّة سوى البقرة كذلك.

الخامس: كل سورةٍ فيها لفظ: {كَلَّا} فهي مَكِّيَّة {كَلَّا} هذا حرف زجر وردع لماذا؟

لأنهم قالوا: لماذا وجد في السور الْمَكِّيَّة دون الْمَدَنِيَّة؟

لأن الْمَكِّيَّ كما سيأتي من خصائصه القوة والشدة في العبارة لماذا؟

لأن فيه جبابرة معاندين، جبابرةٌ معاندون مشاقون حينئذٍ ناسب أن يُؤتى بلفظٍ شاق {كَلَّا} إذًا كل سورةٍ فيها لفظ {كَلَّا} فهي مَكِّيَّة، ولم ترد إلا في النصف الأخير من القرآن الخمسة عشرة الأخيرة، ووردت ثلاثًا وثلاثين مرة في خمس عشرة سورة في لفظ {كَلَّا} ، فدل على أن هذا خمس عشرة سورة نقول: هذه مَكِّيَّة.

سادس: كل سورةٍ تفتتح بحروف التهجي فهي مَكِّيَّة سوى الزهراوين البقرة وآل عمران واختلف في الرعد والصحيح أنها كما سبق مَدَنِيَّة، هذا من حيث الضوابط اللفظية.

ص: 12

وأما من حيث المميزات الموضوعية والأسلوب فنقول: الغالب في الْمَكِّيِّ الدعوة إلى التوحيد. الغالب في السورة الْمَكِّيَّة من حيث الموضوع تبحث في ماذا؟ ما هو موضوع السورة الْمَكِّيَّة؟ لو قيل هذا السؤال نقول: الغالب فيه أنها تتحدث عن التوحيد لأن المقام مقام دعوة إلى التوحيد قومٌ كفار فأول ما يُبدأ به هو التوحيد.

وعبادة الله وحده جل وعلا، وإثبات الرسالة والبعث والقيامة والنار وأهوالها والجنة ونعيمها ومجادلة المشركين بالبراهين العقلية، كل هذا موضوع البحث في السور الْمَكِّيَّة، نقول: الغالب في الْمَكِّيِّ الدعوة إلى التوحيد، وعبادة الله وحده وإثبات الرسالة والبعث - لأنهم منكرون للبعث -، والقيامة، والنار وأهوالها، والجنة ونعيمها، ومجادلة المشركين بالبراهين العقلية.

الثاني: قوة الأسلوب وشدة الخطاب مع قصر الفواصل يعني: الآيات تكون قصيرة في الْمَكِّيَّة. وقوة المحاجة لأن غالبهم معاندون فخوطبوا بما يقتضيه حالهم هذا ما يسمى بمراعاة مقتضى الحال.

أما الْمَدَنِيّ فضابطه:

الأول: كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مَدَنِيَّة سوى العنكبوت فإنها مَكِّيَّة لماذا؟ لأن النفاق أين وجد؟ في المدينة ولذلك صدر سورة البقرة قسمت الناس إلى ثلاث أصناف: مؤمن خُلَّص، وكفار خُلّص، وما ظاهرهم الإيمان وباطنهم الكفر والعياذ بالله. حينئذٍ نقول: كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مَدَنِيَّة سوى العنكبوت فإنها مَكِّيَّة.

الثاني: كل سورة فيها مجادلة أهل الكتاب فهي مَدَنِيَّة لأن أهل الكتاب إنما وجدوا في المدينة.

الثالث: كل سورة فيها فريضة أو حَدّ فهي مَدَنِيَّة.

أما من حيث الموضوع فالغالب في الْمَدَنِيِّ تفصيل العبادات والمعاملات والحدود والمواريث ونحو ذلك لأنه في الأصل شُرع ماذا؟ التوحيد هو الأصل ثم بعد ذلك يأتي البناء إذا لم يوجد التوحيد وهو الأصل حينئذٍ لا بناء وليس المراد أن النبي صلى الله عليه وسلم جرد الدعوة في المدينة عن التوحيد لا وإنما يقال: كان الأصل المركز عليه في مكة قبل الهجرة هو التوحيد ثم في المدينة لما كانوا موحدين أضاف ولا نقول ترك الدعوة للتوحيد هذا فهم خاطئ ولذلك نقول: بدأ النبي صلى الله عليه وسلم دعوته بالتوحيد وختمها بالتوحيد ولذلك مات عليه الصلاة والسلام وهو يقول: «الصلاة وما ملكت أيمانكم» . ثم قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» . هذا توحيد أم ماذا؟ هذا توحيد هذا صميم التوحيد حينئذٍ بدأ بالتوحيد وختم بالتوحيد وليس المراد أن هذه الآيات الْمَدَنِيَّة تفصيل العبادات والمعاملات يفهم منها أنه لا دعوة للتوحيد لا وإنما أضاف إذًا الدعوة إلى التوحيد ماذا؟ الدعوة إلى تفصيل العبادات لأنها فرع وليست بأصل باعتبار التوحيد أما فيها بعضها في نفسها فهي أصول ولا إشكال.

الثاني: دعوة أهل الكتاب إلى الإسلام هذا من موضوعات الْمَدَنِيّ.

الثالث: ذكر الجهاد وبيان أحكامه، وفضله، وتفصيلاته

إلى آخره. نقول: هذا مَدَنِيّ.

الرابع: فضح المنافقين وكشف أستارهم أو ستارهم.

الخامس: طول المقاطع والآيات.

ص: 13

هذا من ضوابط الْمَدَنِيِّ فإذا اختلف السلف في الحكم على السورة أو الآية بأنها مَكِّيَّة أو مَدَنِيَّة حينئذٍ ننظر إلى مثل هذه الضوابط وخاصة في الموضوعات عرفنا هذا.

ثم قال: (النَّوعُ الثالثُ والرابعُ: الحَضَرِيُّ والسَّفَرِيُّ من آي القرآن)

وعرفنا الفوائد المترتبة على الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ وأهمها معرفة الناسخ والمنسوخ ولذلك لا يحل لأحد أن يُقدم على تفسير كلام الله عز وجل إلا بعد معرفة هذا النوع الْمَكِّيّ والْمَدَنِيّ.

النوع الثالث والرابع من العقد الأول وهو اثنا عشر نوعًا: الْحَضَرِيّ والسَّفَرِيّ من آي القرآن. وما سيذكره الآن من العقود هذه لا ينبني عليها من الفائدة وإن كان لها أهمية من حيث تعلقها بالقرآن لا شك بذلك لكن لا ينبني عليها أحكام كما هو في شأن الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ، لا شك أن الْمَكِّيَّ والْمَدَنِيَّ ينبني عليه أحكام من جهة التحريم ونسخ إلى آخره وأما الحضري والسفري والصيفي والشتائي والنهاري والليلي والفراشي والنومي هذه من قبيل العلم فقط، من قبيل العلم بالآيات فقط أما هل يترتب عليها حكم شرعي أو لا؟

نقول: لا يترتب عليها شيء من ذلك.

(الحَضَرِيُّ) هذا نسبة إلى حضر والمراد به الإقامة لأن الإنسان إما أنه مقيم أو مسافر أما مستوطن هذا لا وجود له وإن ذكره كثير من الفقهاء إما مقيم وإما مسافر وزاد الفقهاء مستوطن وهو الذي يرد إلى بلد لم يقصد أنه يقيم يجعله بلده الخاص كما كان الأول يعني يستقيم من الأول وينتقل إلى الثاني حينئذٍ نقول: لا هذا يسمى مستوطنًا هذا عند الفقهاء ورتبوا عليه أحكام من حيث القصر والجمعة .. إلى آخره لكن الصحيح أنه لا وجود وإنما هو إما مقيم وإما مسافر، فالحضري هذا نسبة إلى الحضر الياء هذه ياء النسبة وهو ما نزل في الحضر يعني: في حالة إقامة النبي صلى الله عليه وسلم. وإقامة النبي صلى الله عليه وسلم قد تكون في مكة وقد تكون في المدينة إذًا هل لهذا النوع ارتباط بالْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ؟

قد يكون له ارتباط فما نزل في المدينة وهو مقيم في الْمَدِينَةِ عليه الصلاة والسلام بعد أن انتقل لأنه أقام في المدينة ترك مكة وأقام في المدينة نقول: هذا حضري ومدني، وما نزل في مكة قبل الهجرة فنقول: هذا مَكِّيّ حضري. لأنه كان مقيم قبل الهجرة حينئذٍ قد يجتمعان، قد يكون ارتباط بين الحضري والْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ.

(والسَّفَرِيُّ) هذا نسبة إلى السفر مأخوذ من الإسفار وهو: البروز والظهور. ومنه: أسفر الصبح إذا أظهر الأشياء. ومنه: السفور. النساء إذا تبرجت أظهرت محاسنها وقيل: سُمِّيَ السفر سفرًا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال إذا أردت أن تجرب وتختبر صاحبك خذه في رحلة.

(والسَّفَرِيُّ) هذا نسبة إلى السفر، إذًا ما نزل في السفر في حال ليست حال الإقامة يسمى: سفرًا. حينئذٍ نقول: هذا يسمى بالسفري وهل يجتمع مع الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ نقول: نعم الشأن شأن الأول. إذًا النوعان الحضري والسفري قد يجتمعان مع الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ فيكون مدنيًّا حضريًّا ومدنيًّا سفريًّا، ومكي حضري ومكي سفري ممكن أو لا؟ نعم من آي القرآن قال رحمه الله:

ص: 14

والسَّفَرِيْ كَآَيَةِ التَّيَمُّمِ

مَائِدَةً بذَاتِ جَيْشٍ فَاعْلَمِ

أَوْ هِيَ بِالبَيْدَاءِ، ثُمَّ الفَتْحُ في

كُراعِ الغَمِيْمِ يا مَنْ يَقْتَفِي

(والسَّفَرِيْ) أي: من القرآن. ذكرنا أنه منسوب من السفر يعني: ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن وهو في حالة السفر ليس مقيمًا في المدينة (كَآَيَةِ التَّيَمُّمِ) السيوطي رحمه الله استوفى هذا الباب في ((التحبير)) وفي ((الإتقان)) أظن أوصله إلى بضع وأربعين مثالاً في ((الإتقان)) هنا ذكر أمثلة (كَآَيَةِ التَّيَمُّمِ) هذه الكاف تمثيلية وليست استقصائية لأنه ذكر بعض الأمثلة ثم أنت تبحث في بقية الآيات (كَآَيَةِ التَّيَمُّمِ مَائِدَةً)(كَآَيَةِ التَّيَمُّمِ) التي في المائدة وهي المصدرة بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [المائدة: 6] الآية {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً} [المائدة: 6] هذه تسمى آية التيمم ولم تسم بآية الوضوء؟

[نعم هو هذا] وله ملحظ آخر وهو خلافهم في الآية هل هي مؤسسة أو مؤكدة بمعنى مؤسسة هل الوضوء شُرع في هذه الآية وقبله لم يكن مشروعًا فصار الحكم تأسيسًا أو أن الوضوء كان مشروعًا ثم نزلت الآية مؤكِدة؟ الثاني أم الأول؟

إن قلتَ: التأسيس حينئذٍ يكون قد صلوا بلا وضوء قبل نزول الآية إذا أثبته من جهة السنة، ولم يثبت بالإجماع صلاة بدون وضوء لا في مكة لا قبل الهجرة ولا بعدها لم يثبت صلاة بلا وضوء فحينئذٍ نقول: هذه الآية مؤكِدة على الصحيح وليست مؤسسه بالنسبة للوضوء.

(كَآَيَةِ التَّيَمُّمِ مَائِدَةً) التي في سورة المائدة احترازًا من آية التيمم التي في سورة النساء ولا أدري لماذا يحترزون عنها مع أنهم يقولون: نزلت في السفر. (مَائِدَةً) بالنصب على نزع الخاص، والأصل كآية التيممِ التي في سورة المائدة فحذف حرف الجر فانتصب ما بعده.

وَعِدِّ لازِمًا بِحَرْفِ جَرِّ

وإِنْ حُذِفَ فَالنصبُ للمُنجرِ

نقلاً .....................

............................

لكنه هنا من باب الضرورة بل توسعوا فيه جعلوه كالقياس هم يقولون: نقلاً. يعني مسموع ولا يقاس عليه لكن في تصانيفهم نظمًا ونثرًا يجعلونه كالمقيس وإلا الأصل أنه ماذا؟

لا يُنصب على نزع الخافض إلا سماعًا.

وَعِدِّ لازِمًا بِحَرْفِ جَرِّ

وإِنْ حُذِفَ فَالنصبُ للمُنجرِ

نقلاً وفي أَنَّ وَأَنْ يطرد

مع أَمْنِ لَبَسٍ كَعَجِبْتُ أّنْ يَدُوا

في أنْ وأنَّ يطرد يعني: قياس. وما عداه من الموضعين فهو نقلي.

والسَّفَرِيْ كَآَيَةِ التَّيَمُّمِ

مَائِدَةً بذَاتِ جَيْشٍ فَاعْلَمِ

ص: 15

(أَوْ هِيَ بِالبَيْدَاءِ)(بذَاتِ جَيْشٍ) هذا بيان للموضع الذي نزل فيه على قولين اختلاف بين الرواة هل هي بذات الجيش موضع يقال له: ذات الجيش أو هي بالبيداء؟ فيه قولان، في الصحيح عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها نزلت بالبيداء - يعني: الآية آية التيمم - نزلت بالبيداء وهم داخلون المدينة. وفي لفظ: بالبيداء أو بذات الجيش. تردد الراوي بالبيداء أو بذات الجيش لهذه الرواية الثانية حصل تردد في الحكم على موضع نزول آية التيمم مقطوع بأنها سفرية لا إشكال في هذا هي سفرية نزلت في السفر لكن أين؟ هل هي بذات الجيش أو بالبيداء موضع خلاف، والخلاف هذا لا يخرجها عن كونها سفرية. (بذَاتِ الْجَيْشٍ) يعني: فإنها نزلت بمحل يسمى ذات الجيش وهو وراء ذي الحليفة قرب المدينة. يعني: موضوع وراء ذي الحليفة قرب المدينة.

(فَاعْلَمِ) ذلك الحكم بأنها نزلت بذات الجيش أو بتنويع الخلاف بين الرواة هي: بالبيداء. هي أي: آية التيمم نزلت بالبيداء، وهي ذو الحليفة قيل في طرفها، فالبيداء قيل: هي ذو الحليفة. وقيل: طرف ذي الحليفة. قولان في تفسير البيداء، وعلى كلٍّ هذا أو ذاك فهي سفرية وسبب النزاع هو ما ذكرناه من حديث عائشة في البخاري وفي لفظ: في البيداء أو بذات الجيش قرب المدينة في القفول من غزوة بني المصطلق.

وهذه الغزوة كانت في شعبان سنة ست أو خمس أو أربع، ثلاثة أقوال، في أقوال ثلاثة إذًا عرفنا أن السفري كان آية التيمم موضعها فيه خلاف هل هي بذات الجيش أو بالبيداء.

(ثُمَّ الفَتْحُ) أي: ثم سورة الفتح. يعني: يُذكر لك بعد ما سبق سورة الفتح. و (ثُمَّ) هنا للترتيب الذكري لا أصل معناها، ثم سورة الفتح هذا عطف على آية (كَآَيَةِ التَّيَمُّمِ) ثم سورة الفتح فحذف المضاف وأقيم المضاف مقامه فجر جرًا لأن المضاف هنا مكسور أليس كذلك مجرور ثم سورةِ الفتح سورة بالجر عطف على آية ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فالأصل قد ارتفع ارتفاعًا أو انتصب انتصابًا أو خفض خفضًا أو جر جرًّا فتقول حينئذٍ: هذا الفتح عطف على آية.

ثم سورة الفتح يعني: من السفر سورة الفتح ظاهره أن كل سورة الفتح نزلت في السفر أليس كذلك؟ ثم سورة الفتح دل على ماذا؟

على أن كل سورة الفتح نزلت في السفر لكن ليس بظاهر، ظاهره

كلها وكذا قال الْبُلقيني تمسكًا بظاهر ما رواه البخاري من حديث عمر

رضي الله تعالى عنه: بينما هو يسير مع النبي صلى الله عليه وسلم .. فذكر الحديث وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أنزلت عليَّ الليلة سورة هي أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس» . فقرأ قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 1، 2]. قال السيوطي رحمه الله: ولا دليل فيه على نزولها تلك الليلة بل النازل منها أو فيها أولها. حينئذٍ نقول: سورة الفتح الأصح أن أولها هو الذي نزل في السفر.

(في كُراعِ الغَمِيْمِ)

ص: 16

كرع الغميم هذا موضع نزول سورة الفتح أو أول سورة الفتح كما قيل في آية التيمم نزلت بذات الجيش أو بالبيداء ما موضعها في السفر؟ هنا كذلك قال: الفتح سفرية أين موضعها قال: (كُراعِ الغَمِيْمِ) بالإضافة هذا الأصل (كُراعِ الغَمِيْمِ) وادي بينه وبين الْمَدَنِيَّة نحو مائةٍ وسبعين ميلاً من جهة الْمَدَنِيَّة وبينه وبين مكة نحو ثلاثين ميلاً حينئذٍ يكون أقرب إلى مكة من المدينة قال في القاموس: وكراع الغميم - هذا علم موضع كراع الغميم علم موضع - على ثلاث أميال من عسفان. وغميم هذا ككريم والكراع جبل أسود في طبق الحرة يمتد إليه. قيل كراع الغميم هذا علمٌ لموضع الأصل فيه الإضافة

(كُراعٍ الغَمِيْمِ) بالألف لكن هناك للوزن لا بد من تنوين الأول (كُراعٍ الغَمِيْمِ) الأصل أن يجب الإضافة لماذا؟

لأنه من باب سعيد كرز تعرفون هذا؟

ولا يضاف اسم لِمَا بِهِ اتَّحَدْ

معنى وأوِّلْ مُوهِمًا إذا وَرَدْ

لا يضاف الشيء إلى نفسه

ولا يضاف اسم لِمَا بِهِ اتَّحَدْ

معنى وأوِّلْ مُوهِمًا إذا وَرَدْ

حينئذٍ سعيد كرز سعيد هو كرز وكرز هو سعيد سعِيد علم وكرز لقب ومسمى الاسم هو عين مسمى اللقب حينئذٍ كيف يضاف الأصل في الإضافة المغايرة أن يكون المضاف إليه مغايرًا للمضاف هذا الأصل غلامُ زيدٍ غلام ليس هو عين زيد وزيد ليس هو عين غلام لا بد من المغايرة، فإذا جاء غلام بمعنى زيد وزيد بمعنى غلام نقول: أضيف شيء إلى مسماه وهذا لا يجوز إلا على التأويل، ولذلك قال: وأول موهمًا. إذا أوهم أنه من باب إضافة سعيد كرز حينئذٍ يجب تأويله أليس كذلك؟

لكن في مقام العلم إذا كانا مفردين الاسم واللقب وجبت الإضافة عند البصريين وهذا من المواضع التي يتناقض فيها البصريون ولا جواب، لأنه في مقام الاسم واللقب - عفوًا سنخرج قليلاً فأنا عندي النحو كالملح في الدرس - الاسم واللقب إذا كانا مفردين حينئذٍ يجب الإضافة.

وإن يكونا مفردين فأضف

حتمًا وإلا أتْبِع الذي ردف

وإن يكونا مفردين فأضف وجوبًا عند البصريين وإلا يكونا مفردين فأتبع الذي ردف، يكون تابعًا هذا في مقام العلم في باب العلم يذكرون هذا، أن الاسم واللقب إذا كانا مفردين وجبت الإضافة ولا يجوز الإتباع والكوفيون يجوزن الإتباع فيقولون: سعيد كُرْز. الثاني يكون تابعًا للأول عطف أو بدل ويأتون في باب الإضافة فيقولون:

ولا يُضَافُ اسْمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ

مَعْنى وأوِّل موهمًا إذا ورد

كيف ولا يضاف اسم لما به اتحد؟ ثم في باب العلم وإن يكونا مفردين فأضف حتمًا هذا لا جواب يعني: عجز كثير من النحاة أن يجيبوا عن مسألة البصريين في هذا الباب أوجبوا الإضافة في باب العلم سعيد كرز يجب الإضافة ثم جاءوا في باب الإضافة تكلموا عن المضاف والمضاف إليه إذا كانا متحدين معنى لا يجوز الإضافة فكيف الجمع؟

لا بد من النسخ هنا لا يمكن الجمع لأن الأول يوجب الإضافة والثاني يوجب عدم الإضافة فكيف هذا؟

لا جواب لا تنتظر شيء، لا جواب قيل: هذا تناقض بين البصريين لا جواب.

وإن يكونا مفردين فأضف

حتمًا وإلا أتبع الذي ردف

فيجب حينئذٍ عندهم في باب العلم يقال: سعيد كرز. باب الإضافة كرعُ غميم من قبيل سعيد كرزٍ أليس كذلك؟

ص: 17

لأن كراع هذا طرف الشيء فالاسم هو عين المسمى، الغميم هو مسمى كرع الغميم، الغمِيم ككريم هذا موضع قطعة أرض ونحوها كما قال بعضهم: جبل أسود ينتهي إلى طرف حرة. حينئذٍ هو كرع غميم وهو الغميم نفسه فحينئذٍ صار من باب سعيد كرز، إذًا يجب الإضافة كرعُ غميم مضاف ومضاف إليه، وعند الكوفيين يجوز الإتباع كراعٌ الغميمُ يكون الثاني بدل كل من بعض أو عطف بيان سعيد كرز يجوز عند الكوفيين ولا يجوز عند البصريين فيكون الثاني تبعًا للأول هنا من باب ضرورة الوزن نمشي على مذهب الكوفيين (كُراعٍ الغَمِيْمِ) بالتنوين والأصل (كُراعِ الغَمِيْمِ) بالإضافة ولكن ينون الأول والثَّاني لا يكون منونًا لوجود أل حينئذٍ نجعل الثاني تابعًا للأول، وإلا أتبع الذي ردف يكون تابعًا له.

الحاصل: أن كراعٍ بالتنوين (الغَمِيْمِ) إذًا عرفنا كراع الغميم هذا وادي بينه وبين المدينة نحو مائة وسبعين ميلاً وكراعه طرفه إذ كراع كل شيء طرفه.

(يا مَنْ يَقْتَفِي) يعني: يا من يتبع. الاقتفاء هو الإتباع أي: يتبع طريقهم في معرفة السفر ونحو ذلك، إذًا عرفنا أن سورة الفتح هذه سفرية والمراد

به أولها، ثم موضع ذلك السفر الذي نزل فيه أوائل سورة الفتح هو كراع الغميم وهذا الموضع الذي عينه لنا ما رواه الحاكم في مستدركه ثم قال:

وبِمِنَى {وَاتَّقُواْ} وبعدُ {يَوْماً}

و {تُرْجَعُونَ} أَوْلِ هذا الخَتْمَا

{وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281] هذه سفرية (وبِمِنَى) يعني: ونزلت بمنى بدون التنوين للوزن (وبِمِنَى {وَاتَّقُواْ}) يعني: آية اتقوا أو قوله تعالى:

{وَاتَّقُواْ} (وبعدُ) أي: بعد قوله: {وَاتَّقُواْ} ({يَوْماً} و

{تُرْجَعُونَ} أَوْلِ هذا الخَتْمَا) {وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ} (و {تُرْجَعُونَ} أَوْلِ) هذا أمر من الإله يعني: أجعل تالي هذا الذي هو ترجعون (الخَتْمَا) يعني: ختم الآية وهذا كما سبق أنه من الاقتباس والمراد به الإشارة ولا نجعل مضمون البيت هنا هو الآية وإنما تلفظ ببعض ألفاظ الآية على أنها أدلة على الآية وليست هي الآية وإلا هذا فيه تكلف، إذًا (وبِمِنَى) أي: نزلت آية

({وَاتَّقُواْ} وبعدُ) أي: وبعد اتقوا بعد هذا مبني على الضم حد المضاف بنية معناه (وبعدُ {يوْماً}) لو قال: وبعدَ. لكان أحسن لماذا؟ لأنه حذف المضاف هنا ونوى لفظه أو معناه؟ كيف بمعناه هو يريد أن يحكي لنا ألفاظ الآية (وبعدُ) وبعد اتقوا أو وبعد ما هو بمعنى اتقوا؟ الظاهر والله أعلم أنه أراد اتقوا وبمنى اتقوا وبعد اتقوا يومًا، اتقوا يومًا يَومًا هذا بعد اتقوا حينئذٍ قوله:(وبعدُ). لو ضبط بالنصب لكان أحسن حينئذٍ يكون قد حذف المضاف إليه ونوى لفظه وإنما يكون البناء إذا حذف المضاف إليه ونُوي معناه لذلك لو نصب بالفتح لكان أنسب {وَاتَّقُواْ يَوْماً} يومًا ما إعراب هذا؟

مفعول به.

الظَّرفُ وقتٌ أو مكانٌ ضُِمِّنًا

فيه باطِّرادِ كَهُنَا امْكُثْ أَزْمُنَا

ص: 18

مفعول به ولا يصح جعله ظرف نعم تنبهوا {وَاتَّقُواْ يَوْماً} لأنك لو جعلته ظرفًا لقدرت في واتقوا في ذلك اليوم حينئذٍ سلم الناس في الدنيا من التكليف بالتقوى، صارت التقوى المأمور بها في ذلك اليوم الذي هو لا تكليف فيه في الأصل أما {وَاتَّقُواْ يَوْماً} أي: ذلك اليوم عينه نفسه ذاته اتقوه

بماذا؟ بالعمل الصالح في الدنيا فيكون اليوم ذاته متقى، أما وقوع التقوى في ذلك اليوم هذا ليس بمراد هذا إفسادٌ للمعنى الذي دلت عليه الآية مثل:

{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ} [البقرة: 184، 185]. (وبِمِنَى {وَاتَّقُواْ} وبعدُ) لفظ اتقوا ({يَوْماً} و {تُرْجَعُونَ}) جاءت بعد يومًا (أَوْلِ) أمر من الإله اجعل بهذا الذي هو ترجعون الختما الألف هذه للإطلاق أي: ختم الآية.

هذه الآية نزلت عام حِجَّةِ الوداع يقال: حَجَّة، وحِجَّة. يقال: ذو القِعدة، وذو القَعدة، وذو الْحِجة وذو الْحَجة. الفتح فيه ذا القَعدة أولى من الكسر، والكسر في ذي الحِجة أولى من الفتح، عام حِجة الوداع فيما أخرجه البيهقي في ((الدلائل)) وذكره السيوطي هناك.

ويومَ فَتْحٍ {آمَنَ الرَّسُولُ}

لآخرِ السُّورَةِ يا سَئُولُ

يعني: مما نزل وهو سفري (ويومَ فَتْحٍ) ونزلت يوم فتحٍ بالتنوين يعني: فتح مكة آية ({آمَنَ الرَّسُولُ} لآخرِ السُّورَةِ) اللام هنا بمعنى إلى (لآخرِ السُّورَةِ) يعني: لآخر سورة البقرة آيتان {آمَنَ الرَّسُولُ} والتي تليها {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا} هذه نزلت في السفر، (لآخرِ السُّورَةِ) يعني: سورة البقرة (يا سَئُولُ) قال السيوطي رحمه الله تعالى: ولم أقف له على دليل. مع أنه يذكره في ((الإتقان)) وفي ((التحبير)) وفي ((النقاية)) لكنه يذكره تقليدًا لغيره وإلا لم يقف على دليل فذكره حينئذٍ يكون من باب التقليد.

إذًا ونزلت يوم فتح مكة آية {آمَنَ الرَّسُولُ} إلى آخر السورة سورة البقرة ولا دليل عليه (يا سَئُولُ) يعني: يا كثير السؤال (يا سَئُولُ) فعول صيغة مبالغة (يا سَئُولُ) عن أي شيء كثير السؤال عن ماذا؟ عن العلم الشرعي ومنه: معرفة السفري من غيره.

ويومَ بَدْرٍ سُورَةُ الأَنْفَالِ مَعْ

{هَذَانِ خَصْمَانِ} ومَا بَعْدُ تَبَعْ

(ويومَ بَدْرٍ) يعني: نزلت يوم بدر. (سُورَةُ الأَنْفَالِ) كلها سورة الأنفال كلها هذا ظاهر كلام المصنف مع أن السيوطي رحمه الله في كتاب ((التحبير)) وفي ((الإتقان)) يعبر بأول الأنفال وهذا هو الظاهر.

(ويومَ بَدْرٍ سُورَةُ الأَنْفَالِ) كلها كما هو ظاهر النظم أو أولها، فقد روى الإمام أحمد رحمه الله عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم بدرٍ قُتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اذهب فاطرحه» . - ليس لك - فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قَتل أخي وأخذ سببي قال: فما جاوزت إلا يسيرًا حتى نزلت سورة الأنفال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذهب فخذ سيفك» . فدل على أنها نزلت في ماذا؟

يوم بدر، لما كان يوم بدرٍ الدليل على أنه أولها لأن الذي تعلق بالأنفال والتقسيم هو أول سورة الأنفال لا كلها.

ص: 19

ويومَ بَدْرٍ سُورَةُ الأَنْفَالِ مَعْ

{هَذَانِ خَصْمَانِ} ومَا بَعْدُ تَبَعْ

إِلى {الْحَمِيدِ} .........

................................

{وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج: 24] هذه في سورة الحج. (مَعْ {هَذَانِ خَصْمَانِ}) يعني: مع آية

{هَذَانِ خَصْمَانِ} يحكم عليها بأنها سفري (ومَا بَعْدُ) أي: بعد قوله: {هَذَانِ خَصْمَانِ} (تَبَعْ) حينئذٍ تكون خمس آيات تقريبًا أو ست (ومَا بَعْدُ تَبَعْ) تبع هذا مصدر يعني: تبعًا لقوله: {هَذَانِ خَصْمَانِ} في الحكم بأنها سفرية إلى قوله: {الْحَمِيدِ} . والدليل كما ورد في البخاري عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه أنه كان يُقسم أن هذه الآية نزلت في حمزة وصاحبيه وعتبة وصاحبيه. قال الْبُلقيني رحمه الله: الظاهر أنها نزلت يوم بدرٍ وقت المبارزة لما فيه من الإشارة بـ {هَذَانِ خَصْمَانِ} . مشركون والمؤمنون وهذا كان في ماذا؟ في السفري في حمزة وصاحبيه وعتبة وصاحبيه ومتى قتل حمزة؟

في أحد، وأحد هذه تعتبر سفرًا بالنسبة للمدينة ولم يقيد بثمانين ونحوها.

(ومَا بَعْدُ) أي: بعد خصمان حال كونه

تَبَعْ إِلى {الْحَمِيدِ} ثُمَّ {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ

فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم

ثم إن عاقبتم يعني: ثم نزل أو مما حكم عليه بأنه سفري آية {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} بضم الميم للراوي يعني من سورة النحل عبر عنها السيوطي هناك بخاتمة النحل من قوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} إلى آخر السورة هذا سفري (ثُمَّ) آية {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم} ) بضم الميمين في الموضعين للراوي، أخرج البيهقي في الدلائل والبزار في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حين استُشهد وقد مُثِّل به. فذكر الحديث إلى أن قال:«لأمثلن بسبعين منهم مكانك» . فنزل جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بخواتيم سورة النحل {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} إلى آخر السورة فهو صريح في نزولها بماذا؟ بأحد، ولذلك قال:(بأُحُدٍ) هذا دليل على أنها نزلت في ماذا؟ في أحد، ولكن أخرج الترمذي والحاكم عن أُبي بن كعب رضي الله تعالى عنه أنها نزلت يوم فتح مكة. والحديث السابق أنها نزلت بأحد. قال السيوطي تبعًا لغيره: والجمع أنها نزلت أولاً بمكة، ثم ثانيًّا بأحد، ثم ثالثًا يوم الفتح تذكيرًا من الله لعباده. يعني: مما كرر نزوله. إذًا (ثُمَّ {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم} بأُحُدٍ) يعني: نزلت بأحد. هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف تقديره نزل أي الآية السابقة.

بأُحُدٍ وعَرَفاتٍ رَسَمُوا

{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}

بضم الميم للراوي. (وعَرَفاتٍ) يعني: بعرفات. (رَسَمُوا) أي: كتبوا نزول آية ({الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}) يعني: في حَجة الوداع جاء في الصحيح من حديث عمر رضي الله تعالى عنه أنها نزلت بعرفة عام حجة الوداع. وفي رواية: عشية عرفة يوم الجمعة عام حجة الوداع.

وما ذَكَرْنَا هَا هُنَا اليَسِيْرُ

والحَضَرِي وقُوعُهُ كَثِيْرُ

ص: 20

بعد أن أنهى لك بعض الأمثلة التي نزلت في السفر قال: (وما ذَكَرْنَا) والضمير هنا محذوف وهو مفعول به.

وحذف ما يعلم جائز

وحذف فضلة أجز

(وما ذَكَرْنَا) لك سابقًا (هَا هُنَا) من السفر (اليَسِيْرُ) يعني: فهو العدد اليسير وقد استوفاه السيوطي رحمه الله في ((التحبير)) يعني: كل ما وقف عليه.

(والحَضَرِي وقُوعُهُ كَثِيْرُ) لماذا؟ لأن الأصل في الإنسان الإقامة والحضر أم السفر؟ الحضر فلزم من ذلك أن يكون الحضر أكثر من السفر (والحَضَرِيّ) لأن الحضر هو الأصل لأن الإقامة هي الأصل والسفر إنما يكون طارئًا (وقُوعُهُ كَثِيْرُ) وقوعه في القرآن كثير ولكونه الأصل حينئذٍ لا يحتاج إلى تمثيل لوضوحه.

ثم قال رحمه الله:

النوع الخامسُ والسادسُ: الليليُّ والنَّهاريُّ

الليلي والنهاري يعني: ما نزل بالليل وما نزل بالنهار. هذا نازل بالليل وهذا نازل بالنهار الليلي والنهاري أيهما الأفضل؟

النهار الأصل لأن الليل سكن صار النهار أصل والليل لأنه محل للمعاش، والليل محل للسكن واليقظة تكون في الليل أو في النهار؟

في النهار، والأصل أن الوحي ينزل للنبي صلى الله عليه وسلم يقظة حينئذٍ صار النهاري هو الأصل بالنسبة الليلي.

وسُورَةُ الفَتْحِ أَتَتْ في اللَّيْلِ

وآيةُ القِبْلَةِ أَيْ {فَوَلِّ}

وقَولُهُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل}

بَعْدُ {لِّأَزْوَاجِكَ} والخَتْمُ سَهُلْ

أَعْنِي الَّتِي فيها البَنَاتُ لا الَّتِيْ

خُصَّتْ بِها أَزْواجُهُ فَأَثْبِتِ

وآَيةُ {الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ}

أَيْ {خُلِّفُواْ} بِتَوبَةٍ يَقِينَا

فَهذِهِ بَعْضٌ لِلَيْلِيٍّ عَلى

أَنَّ الكَثِيْرَ بالنَّهارِ نَزَلا

لأنه الأصل أنه كثير وهو الأصل.

(وسُورَةُ الفَتْحِ أَتَتْ في اللَّيْلِ) أي: نزلت. أتت بمعنى نزلت وفي بعض الأحاديث إلى قوله: {صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} . يعني: ليست كلها نزلت بالليل وإنما أوائلها إلى قوله: {صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} . ففي البخاري كما سبق من حديث عمر: «لقد أنزلت عليَّ الليلة سورة هي أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس» . فقرأ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً}

[الفتح: 1] الحديث فدل على ماذا؟ على أنها نزلت بالليل لأنه قال: «نزلت عليَّ الليلة» يعني: في الليل. فدل على أن سورة الفتح أي: أوائلها ليلي. (وسُورَةُ الفَتْحِ أَتَتْ في اللَّيْلِ وآيةُ القِبْلَةِ) ما هي آية القبلة فسرها قال: (أَيْ {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}) هذه نزلت ماذا؟ نزلت بالليل في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ آتاهم آت فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة. - هذا الشاهد - إن

النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل القبلة. فدل على أن قوله: {فَوَلِّ وَجْهَكَ} . نزل بماذا؟

بالليل وأول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم هي؟

ص: 21

بِكُلٍّ قيل، قيل: الصبح. وقيل: الظهر. وقيل: العصر. ولذلك الرواية التي معنا هنا: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ آتاهم آت فقال: إن

النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن. إذًا متى نزلت؟ في الليل لزم من ذلك أن يكون أول صلاة صلاها إلى القبلة التي هي المسجد الحرام هو الصبح بناءً على ماذا؟

على أن تأخير البيان إلى غير وقت الحاجة هذا لا يجوز عن النبي صلى الله عليه وسلم لماذا؟ لأنه من باب البلاغ، فلو جوز أن الآيات نزلت في الليل ثم كانت أول صلاة صلاها هي الظهر أو العصر لزم من ذلك ماذا؟ أنه صلى الفجر إلى القبلة المنسوخة فيكون النبي صلى الله عليه وسلم قد أخر البيان عن وقت الحاجة وهذا لا يجوز. ففي الصحيحين عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل بيت المقدس ستة عشر. أو قال: سبعة عشر شهرًا وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَلَ البيت وإن أول صلاة صلاها العصر. وإن أول صلاة صلاها العصرُ بالضم وصلى معه قوم فخرج رجلٌ ممن خرج ممن صلى معه فمر على أهل مسجده وهم راكعون فقال: أشهد بالله لقد صليتُ مع رسول الله قِبَلَ الكعبة. فداروا كما هم قِبَلَ البيت.

فهذا يدل على ماذا؟

على أنه أول صلاة صلاها هي العصر لزم منه أن هذه الآيات نزلت بين الظهر والعصر والرواية رواية ابن عمر تدل على أنها نزلت بالليل وأن أول صلاة صلاها صلاة الصبح إذًا وقع ماذا؟

وقع اختلاف بين الروايتين قال جلال الدين القاضي الْبُلقيني: والأرجح بمقتضى الاستدلال نزولها ليلاً لأن قضية أو قصة أهل قباء كانت في الصبح لأنه يبعد قباء ليست بعيدة عن المدينة يبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العصر إلى القبلة الجديدة الناسخة التي كانت ناسخةً لبيت المقدس ثم يبقى العصر والمغرب والعشاء ثم الفجر ولا يخبر أهل قباء بماذا؟ بتحويل القبلة هذا فيه نوع بعد لماذا؟

لكون قباء ليست ببعيدة عن المدينة.

ولكن ابن حجر رحمه الله له تأويل آخر قال ابن حجر رحمه الله: الأقوى أن نزولها كانت نهارًا يعني بين الظهر والعصر وأول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم هي صلاة العصر - لكن هذا فيه إشكال - والجواب عن حديث ابن عمر أن الخبر وصل وقت العصر إلى من هو داخل المدينة وهم بنوا حارثة، ووصل وقت الصبح إلى من هو خارج المدينة وهم بني عمرو بن عوف أهل قباء يعني: الخبر كأنه لم ينتشر حتى يصل أهل قباء إلا الصبح. لكن هذا فيه نوع إشكال وقوله: يعني ابن عمر أو قول النبي صلى الله عليه وسلم في رواية ابن عمر: «قد أنزلت عليَّ الليلة» . مجازٌ من إطلاق الليلة على بعض اليوم الماضي والذي يلي على كلٍّ وقوله: (وآيةُ القِبْلَةِ أَيْ {فَوَلِّ}). ليس متفق على أنها ليلية قيل: إنها نهارية استدلالاً بحديث البراء وأن أول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم هي صلاة العصر. وقيل: إنها ليلية استدلالاً بحديث ابن عمر.

وقَولُهُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل}

بَعْدُ {لِّأَزْوَاجِكَ} والخَتْمُ سَهُلْ

أَعْنِي الَّتِي فيها البَنَاتُ لا الَّتِيْ

خُصَّتْ بِها أَزْواجُهُ فَأَثْبِتِ

ص: 22

طال عليه النظم (وقَولُهُ) هذا عطف على سورة الفتح (وسُورَةُ الفَتْحِ) ليلية (وقَولُهُ) تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 59]. الآية التي في آخر الأحزاب هي ليلية هي التي يعنيها {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء} وهناك آية أخرى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الأحزاب: 28] هنا قال:

({يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل} بَعْدُ {لِّأَزْوَاجِكَ}). لم يحصل التعين لأي الآيتين فشملت الآيتين {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء} و {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ} آية التخيير وتلك آية الإذن حينئذٍ أراد ماذا؟

أن يبين لك أن الآية المقصودة هي التي ذكر فيها البنات فقوله: ({يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل} بَعْدُ) أي: بعده بعد المذكور السابق ({يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل} بَعْدُ {لِّأَزْوَاجِكَ})(والخَتْمُ) للآية (سَهُلْ) سهل عليك.

(أَعْنِي) يعني: أقصد بهذه الآية الآيةُ (الَّتِي فيها البَنَاتُ) يعني: ذكر فيها البنات {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ} [الأحزاب: 59] وليست: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ} [الأحزاب: 28] لذلك قال: (لا). الآية (الَّتِيْ خُصَّتْ) هذا مغير الصيغة (بِها) بتلك الآية (أَزْواجُهُ) يعني: لا الآية التي خصت أزواجه بها بتلك الآية (فَأَثْبِتِ) أمر من الإثبات يعني: أثبت أنت لفظة البنات أو أثبت ولا تغفل عما ذكر.

إذًا قوله: (أَعْنِي الَّتِي فيها البَنَاتُ). هذا استدراك لما سبق لقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ} . وهذه في موضعين قد (أَعْنِي الَّتِي فيها البَنَاتُ) الآية التي ذكر فيها لفظ البنات (لا) الآية (الَّتِيْ خُصَّتْ بِها أَزْواجُهُ فَأَثْبِتِ) هذا من باب التسليم.

ففي البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها وكانت امرأة جسمية لا تخفى على من لا يعرفها فرآها عمر رضي الله تعالى عنه فقال: يا سودة أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين. وفي رواية: قد عرفناك. فقالت: فارتفعت راجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه ليتعشى وفي يده عرقٌ فقلت: يا رسول الله خرجت لبعض حاجتي فقال لي عمر كذا وكذا. فأوحى الله إليه وإن العرق في يديه فقال: «إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن» . هذا دليل على أنها ليلية، ما الدليل أو ما وجه الاستدلال من هذه القصة؟

هنا قالت: خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها. جاء في قصة الإفك أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ما كن يخرجن لحاجتهن إلا ليلاً فقوله هنا: لحاجتها. ثم قال: «قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن» . ومعلوم بالاستقراء وبنص عائشة رضي الله تعالى عنها كما في قصة الإفك أن الخروج للحاجة إنما يكون ليلاً هذا من باب التستر طلب الستر.

وآَيةُ {الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ}

أَيْ {خُلِّفُواْ} بِتَوبَةٍ يَقِينَا

ص: 23

يعني: ومما نزل في الليل آية الثلاثة الذين خلفوا الذين الألف هذه للإطلاق

(وآَيةُ {الثَّلَاثَةِ}) من هم الثلاثة: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع أي: خلفوا بتشديد اللام مغير الصيغة حال كونها كائنة بسورة التوبة) بِتَوبَةٍ) يعني: بسورة توبة. (يَقِينَا) وتسمى براءة (يَقِينَا) أي: أتيقن أنها ليلية أيضًا يقينًا يَقينًا هذا مفعول مطلق لعامل محذوف وجوبًا أتيقن أنها ليلية أيضًا يقينًا ففي الصحيح من حديث كعب القصة الطويلة فأنزل الله توبتنا حين بقي الثلث الأخير من الليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة هذا دال على أنها ليلية.

(وآَيةُ {الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ} أَيْ {خُلِّفُواْ}).

خُلِّفُوا أم تَخَلَّفُوا؟

هم تَخَلَّفُوا وخُلِّفُوا بمعنى أُخِّرُوا، تَخَلَّفُوا عن الخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم، وخُلِّفُوا يعني: أُخِّرُوا بقبول عذرهم. حينئذٍ الوصف لا من حيث تأخرهم وإنما من حيث قبول التوبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء من جاءه ممن لم يخرج فذكر بعضهم أسباب وبعضهم أعذار فقبل منهم وجاء العتب {عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ}

[التوبة: 43]

إلى آخره وهؤلاء الثلاثة لا إنما ذكروا أنهم لم يعتذروا كما اعتذر غيرهم وإنما ذكروا الأسباب الحقيقة في عدم خروجهم أو في تخلفهم فأُخِّرُوا في قبول عذرهم وقبول توبتهم حينئذٍ ليس الوصف هنا خُلِّفُوا من حيث إنهم تَخَلَّفُوا عن الخروج والغزو وإنما من باب أنهم خُلِّفُوا وأَخِّرُوا عن قبول عذرهم.

(فَهذِهِ) المذكورات السابقة من الأمثلة (بَعْضٌ لِلَيْلِيٍّ) بعض ليس الكل ذكر السيوطي كثير في الإتقان ونحوه (لِلَيْلِيٍّ عَلى أَنَّ الكَثِيْرَ) من الآيات

(بالنَّهارِ نَزَلا)(عَلى أَنَّ الكَثِيْرَ)(نَزَلا) هذه الألف بالإطلاق بالنهار لأنه هو الأصل وهو محل اليقظة والأصل فيه أنه محل التنزل.

(السابعُ والثامنُ: الصَّيفيُّ والشتائِيُّ) الصيفي نسبة إلى الصيف، والشتائي نسبة إلى الشتاء ومعلوم أن الفصول أربعة فلِمَ خص أرباب علوم القرآن بالصيفي والشتائي فقط؟

لم يقولوا: هذا ربيعيٌّ. أو خرفيٌّ. قالوا: الصيف يلحق به الربيع لكونهما شماليين، والشتاء يلحق به الخريف لكونهما جنوبين. حينئذٍ نقول: كل من الربيع والخريف ألحق بالفصل الذي يليه وهذا من باب الاصطلاح فقط وإلا ما نص هذا نزل في الربيع وهذا نزل في الخريف وإنما جاء في بعض الروايات: آية الصيف. في قول النبي صلى الله عليه وسلم، في ليلة شاتية. فجاء لفظ الشتاء وجاء لفظ الصيف فألحق أرباب علوم القرآن بهذين الوصفين فكل ما جاء إما أنه صيفي وإما أنه شتائي ولذلك كل ما يمثل لا بد من لفظ كلمة صيف أو شتاء والقول بأن الخريف ملحق بكذا والربيع ملحق بكذا هذا لا مثال له إنما من باب تعميم الاصطلاحات.

إذًا الصيفي هو: ما نزل بالصيف.

والشتائي: ما نزل بالشتاء.

(الصَّيفيُّ) لَمْ تحذف الياء لماذا؟ حذف فعيلة، ليس من قبيل فعل صيف فعل وهناك فعيلة مدينة وصيف ليس كمدينة ليس كسليقة.

ص: 24

(والشتائِيُّ) قال في القاموس: الشتاء كالكساء شتاء مثل كساء والنسبة شَتْوِيٌّ ويحرك ويقال: شَتِيٌّ كَغَنِيّ. وكذلك في ((مختار الصحاح)) أن النسبة إلى لشتاء تكون شَتْوِيُّ وشَتَوِيٌّ مثل خَرْفِيُّ وَخَرَفِيُّ أساسًا الناظم هنا نسبه إلى نسبة غير مشهورة.

صَيْفِيَّةٌ كآَيِةِ الكَلالَةِ

والشِّتَائِي كالعَشْرِ في عَائِشَةِ

بهذه الصيغة الوزن ينكسر والأولى أن يقال: والشَّتَوِيٌّ كالعشر في عائشة. وبعضهم أصلحه في قوله: والشتائي لكن هذا يحتاج إلى إتباع، وقد بحثت في القاموس في بعض المعاجم ما وجدت أنه يقال فيه مثل ما قيل في النسأي نسائي ونسأي كأنه على وجدانه، ذاك لا وإنما هو شتاء ككساء ولذلك نص في القاموس في ((مختار الصحاح)) أن نسبة إلى الشتاء شَتْوِيٌّ ويحرك ويقال: شَتِيٌّ كغني. وكذلك في ((المختار)) قال أيضًا: شَتْوِيٌّ وَشَتَوِّيٌّ. مثل خَرْقِيّ وَخَرَقِيّ أما شتأي هذا يحتاج إلى إثبات.

صَيْفِيَّةُ كآَيِةِ الكَلالَةِ

والشَّتَوِيّ كالعَشْرِ في عَائِشَةِ

أي: القرآن. صيفيه أي: ما نزل في الصيف، (كآَيِةِ الكَلالَةِ) الكاف هذه للتمثيل ويحتمل أن هذه للاستقصاء لأن بعضهم ما ذكر إلا مثالاً واحدًا حينئذٍ إذا لم يثبت إلا آية الكلالة تكون الكاف هذه استقصائية، وإذا وجد مثال آخر فنقول: هذه الكاف تمثيلية (كآَيِةِ الكَلالَةِ) والكلالة هي: من لا والد له ولا ولد. في الكلالة كما قال الواحدي: أنزل الله في الكلالة آيتين: إحداهما في الشتاء وهي التي في أول النساء، والأخرى في الصيفِ وهي التي في آخرها. {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176] هي التي معنا الآن مثال التي في آخر سورة النساء، في صحيح مسلم عن عمر رضي الله تعالى عنه قال: ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة وما أغلظ لي في شيءٍ عليه - يعني: ما أغلظ لي فيه. - حتى طعن في أصبعه في صدري حتى قال: «يا عمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر النساء» ؟ الصيف فقال: «الصيف» . فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنها نزلت في فصل الصيف،

(صَيْفِيَّةُ كآَيِةِ الكَلالَةِ) عرفنا ماذا؟ أن آية الكلالة التي في آخر النساء هذه صيفية والتي في أولها هذه شَتَوِيَّة.

والشَّتَوِيُّ منسوبة للشتاء (كالعَشْرِ في عَائِشَةِ) يعني: كالآيات العشر التي في سورة النور في براءة عائشة رضي الله تعالى عنها مما لمزه المنافقون ففي صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت في ذكر قصتها: فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خرج أحدٌ من أهل البيت حتى أُنْزِلَ عليه فأخذه من كان يأخذه حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق وهو في يوم شاتٍ من ثقل قول الذي ينزل عليه

الحديث. قولها: في يوم شاتٍ. دل على ماذا؟ على أن هذه العشر نزلت في الشتاء.

التاسع: الفِراشيُّ من الآيات

ص: 25

الفراشي ويقال: النومي أيضًا يذكر معه. الفراشي نسبة إلى فراش وهو ما يتوسده الإنسان لينام عليه، فِرَاش فِعَال بمعنى مفعول فِرَاش: بمعنى مفروش. كغيرات بمعنى مغرور {جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً} [البقرة: 22] فراش يعني: مفروش. فعال بمعنى: مفعول. وقل أن يوجد فِعَال بمعنى مفعول قليل هذا في اللغة لكن منه فراش وغِرَار [وكتاب يحتمل بمعنى فاعل كاتب جامع على أنه مجاز، ويحتمل أنه مجموع مكتوب ما في بعد، أما فراش وغرار ونحوه هذا قليل].

(الفِراشيُّ) من الآيات يعني: ما نزلت وهو فوق فراشه سواء كان نائمًا أم لا هم يقولون: سواء كان نائمًا أم لا. لكن نائمًا ما يرد أنه يوحى إليه وهو نائم هذا ليس بصحيح وإنما دائمًا يكون الوحي في اليقظة.

(التاسع: الفِراشيُّ من الآيات

كآَيَةِ الثَّلاثةِ المُقَدَّمَةْ

في نَوْمِهِ في بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةْ

يَلْحَقُهُ النَّازِلُ مِثلُ الرُّؤْيَا

لِكَوْنِ رُؤيَا الأَنْبياءِ وَحْيَا

(كآَيَةِ) هذا خبر مبتدأ محذوف، والفراشي كآية خبر مبتدأ محذوف جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر، والفراشي يعني: ما نزل من الآيات والنبي صلى الله عليه وسلم فوق فراشه مثل: آية الثلاثة. فالكاف هنا إما اسمية وإما حرفية ولا بأس

(كآَيَةِ الثَّلاثةِ الْمُقَدَّمَةْ) بفتح الدال أي المتقدمة (في نَوْمِهِ) فإنها نزلت في نومه صلى الله عليه وسلم وليس المراد النوم وإنما ما يستعد به للنوم لأنها ما نزلت في النوم (في بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةْ) هند بنت أبي أمية المخزومية تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد موت أبي سلمة ففي الصحيح أنها نزلت وقد بقي من الليل ثلثه وهو صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة في فراشها، لكن استشكل هذا كونه نزل عند أم سلمة أو نزلت هذه الآية في فراش أم سلمة بقوله صلى الله عليه وسلم في حق عائشة:«ما نزل عليَّ الوحيُّ في فراش امرأةٍ غيرها» . وهنا نزل في بيت أم سلمة «ما نزل عليَّ الوحيُّ في فراش امرأةٍ غيرها» . وهنا يقول: (في بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةْ) فما الجمع؟

الجمع ما ذكره السيوطي بأنه روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها في مسند أبي يعلى أنها قالت: أُعطيتُ تسعًا. الحديث. وفيه: وإن كان الوحي لينزل عليه وهو في أهله فينصرفون عنه - هذا غريب تقول: فينصرفون. والأصل فينصرفن - وإن كان لينزل عليه وأنا معه في لحافه. إذًا لا معارضة بين الحديثين قوله صلى الله عليه وسلم: «ما نزل عليَّ الوحيُّ في فراش امرأةٍ غيرها» . يعني: ينزل الوحي وتبقى في اللحاف وأما البقية ينزل ولكنها تقوم وتنصرف من مكانها إذًا هل هناك تعارض؟

لا معارضة بين الحديثين.

ص: 26

(يَلْحَقُهُ النَّازِلُ مِثلُ الرُّؤْيَا) هنا ما ذكر النوم لما ذكرناه سابقًا وإن كان كثير يذكرون هذا يقولون: التاسع والعاشر الفراشي والنومي. لكنه لم يذكر النومي لأنه مظنة أن الوحي نزل عليه وهو نائم وهذا لا وجود بل لا يدعيه مدعٍ وينفيه، لكنه قول ضعيف في سورة الكوثر أغفى إغفاءة لكن لا ليست هذه الإغفاءة بنوم وإنما هي ما يعتريه النبي صلى الله عليه وسلم عند نزول الوحي من الثقل ونحوه (يَلْحَقُهُ) أي: يلحق الفراشيّ أيضًا. (يَلْحَقُهُ النَّازِلُ) من الآيات حال كونه (مِثلُ الرُّؤْيَا) كسورة الكوثر (لِكَوْنِ رُؤيَا الأَنْبياءِ وَحْيَا) لما روى مسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: بين رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا إذا غفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسمًا فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ فقال: «أُنزل عليَّ آنفًا سورة» . فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}

السورة حينئذٍ هذا نزل ماذا؟ نزل حيث أغفى النبي صلى الله عليه وسلم إغفاءة، فهم البعض أنه نام فأوحي إليه لكن هذا ليس بظاهر، ولذلك نقول: القرآن كله نزل في اليقظة، فكأنه الجواب عن أغفى إغفاءة فكأنه عرض عليه الكوثر الذي نزلت فيه السورة فقرأها عليهم وفسرها لهم يعني: الرؤيا التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم فاستيقظ من الإغفاء وقد تبسم نقول: هذا لكونه رأى الكوثر فحينئذٍ فسر السورة بماذا؟ بما رواه وإلا السورة قد نزلت في اليقظة قبل ذلك، ولكن ما أخبره إلا بعد أن أغفى إغفاءة حينئذٍ لا تعارض بأن كون القرآن ينزل إلا يقظة وبين ظاهر هذا النص، وورد في بعض الروايات أنه أُغْمِيَ عليه لم يقل أغفى إغفاءة وإنما قال: أغمي عليه. وقد يحمل هذا على الحالة التي كانت تعتريه عند نزول الوحي ويقال له: بَرْحَاءُ. أو بُرْحَاءُ كما يقولها البعض الوحي فليس حينئذٍ الإغفاءة التي وردت في النص الأول إغفاءة النوم وإنما الإغفاءة هذه ما يعتري النبي صلى الله عليه وسلم من ثقل الوحي.

يَلْحَقُهُ النَّازِلُ مِثلُ الرُّؤْيَا

لِكَوْنِ رُؤيَا الأَنْبياءِ وَحْيَا

حينئذٍ ينزل في النوم إن صح التعبير (لِكَوْنِ رُؤيَا الأَنْبياءِ وَحْيَا) لماذا؟ لأنه كما جاء ((فإنهم تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم)). حينئذٍ محل نزول الوحي هو القلب، والقلب يقظ حينئذٍ استوى في الحالين سواء كان يقظًا أو نائمًا لأن محل نزول الوحي هو القلب والقلب يقظ سواء كان نائمًا أغمضت عينيه أم لا

(يَلْحَقُهُ النَّازِلُ مِثلُ الرُّؤْيَا لِكَوْنِ) يعني: قيل بهذا (لِكَوْنِ رُؤيَا الأَنْبياءِ وَحْيَا) فإنها تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم ثم قال: العاشر أسباب النزول.

ونقف على هذا، وصلَّ الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 27