المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * العقد الثاني (ما يرجع إلى السند وهي "6" - شرح منظومة التفسير - جـ ٧

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * العقد الثاني (ما يرجع إلى السند وهي "6"

‌عناصر الدرس

* العقد الثاني (ما يرجع إلى السند وهي "6" أنواع)

* النوع الأول والثاني والثالث (المتواتر والآحاد والشاذ).

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

سبق في قول الناظم رحمه الله تعالى: (أَوَّلُهُ التَّطْفِيفُ، ثُمَّ البَقَرَةْ وقِيْلَ بالعَكْسِ)، (بالعَكْسِ) عربناه هنا بأنه مقول القول نظرًا له يعرب نائب فاعل.

ثم قال المصنف رحمه الله: العِقْدُ الثاني. بكسر العين كما سبق العقد المراد به القلادة يسمى عقد العِقْدُ الثاني: مَا يَرجعُ إلى السَّنَدِ. العقد الثاني من العقود الستة قال: (وقَدْ حَوَتْهَا سِتَّةٌ عُقُودُ) ذكر العقد الأول وهو ما يتعلق بالنزول وتحته اثنا عشر نوعًا.

(مَا يَرجعُ إلى السَّنَدِ، العِقْدُ الثاني: مَا يَرجعُ إلى السَّنَدِ)، وهي ستة أنواع: مَا يَرجعُ إلى السَّنَدِ. مَا اسمٌ منصوب بمعنى الذي في محل رفع خبر المبتدأ، العقد هذا مبتدأ، الثاني صفته، مَا هذا اسم موصول بمعنى الذي ماذا في محله رفع خبر المبتدأ يَرجعُ هذا صلة الموصول، (يَرجعُ) وقال: وهي ستة أنواع. مصدق ما أنواع لأنه أراد أن يجمع الخمس والخمسين تحت ستة عقود حينئذٍ مسمى العقد أنواع كل عقدٍ تحته أنواع، والأنواع هذا جمع وكل جمعٍ فهو مؤنث حينئذٍ يصح أن يرجع إليه الضمير مؤنثًا، وهنا قال: يَرجعُ. وقال: وهي يَرجعُ. ولم يقل ترجع وقال: وهي. إذًا ذَكَّرَ وأنث أليس كذلك، فالتذكير باعتبار لفظ (مَا) لأن اللفظ مذكر، والتأنيث باعتبار معنى (مَا) ومصدقها وهي أنواع، لأنها ستة فهي جمع لم يذكر نوعًا واحدًا وإنما ذكر ستة أنواع تحت هذا العقد، إذًا لا إشكال في تذكير المصنف بقوله: يَرجعُ. ولم يقل ترجع بالتاء، ترجع هذا مؤنث ويرجع هذا للغائب الأصل فيه أنه مذكر، وهي الضمير يعود على (مَا)، لو قال: وهو ستة أنواع. صح باعتبار لفظ (مَا)، وقال هو هنا: وهي. باعتبار معنى (مَا)، ولو قال: ما يرجع. صح ما ترجع صح أليس كذلك، ما يرجع ما ترجع صح الوجهان.

(مَا يَرجعُ إلى السَّنَدِ) أنواع من الخمس والخمسين ترجع إلى السند يعني مبحثها القَدْر المشترك هو السند أو السند صار كالجنس لها حينئذٍ يوجد في ضمن كل الأنواع الستة فلذلك جعله قاسمًا مشتركًا فعنون به العِقْدُ الثاني.

(إلى السَّنَدِ) والمراد بالسند هو الإخبار عن طريقٍ المتن.

والسَّنَدُ الإِخْبَارُ عنْ طَرِيقِ

مَتْنٍ كَالإِسْنَادِ لدى فَريقِ

هكذا قال السيوطي في ألفية المصطلح.

قال ابن جماعة رحمه الله: وأخذه إما من السند، وهو ما ارتفع وعلا من سفح الجبل، لماذا سمي الإخبار عن طريق المتن سندًا؟

لا بد وأن ثّمَّ قدرًا مشترك كما سبق تكريره مرارًا بين المعنى الاصطلاحي الجعلي المنقول إليه، وبين المعنى اللغوي لا بد أن نُنْشِئ وننظر لِما المحدثون نقلوا لفظ السند من اللغة لأنها سابقة عن الاصطلاح لما جعلوا هذا اللفظ السند مسماه الإخبار عن طريق المتن، قال ابن جماعة رحمه الله:

ص: 1

وأخذه إما من السند وهو ما ارتفع وعلا من سفح الجبل لأن المسند يرفعه إلى قائله أو من قولهم: فلانٌ سندٌ. أي: معتمدٌ، فسمي الإخبار عن طريق المتن سندًا لاعتماد الحفاظ في صحة الحديث وضعفها عليه، يلتفتون إلى ماذا؟ في الأصل إلى السند وقد يكون الاعتماد هو المتن لكن في الأصل والأكثر والأغلب هو السند حينئذٍ اعتمدوا عليه في ماذا؟

في معرفة الصحيح والضعيف، فصار معتمدًا ولذلك سمي سند. قال: والمحدثون يستعملون السند والإسناد لشيءٍ واحد. ولذلك قال السيوطي:

والسَّنَدُ الإِخْبَارُ عنْ طَرِيقِ

مَتْنٍ كَالإِسْنَادِ لدى فَريقِ

عند بعضهم السند والإسناد بمعنى واحد وعند الكثير أن الإسناد هذا إفعال مصدر إذًا رفع الكلام إلى قائله ورفع الكلام إلى قائله مغايرٌ للإخبار عن طريق المتن لأن الإخبار عن طريق المتن هو تسمية الرجال حدثنا فلان عن فلان عن فلان هذا هو الإخبار عن طريق المتن، مثلاً حديث كذا بما رُوِيَ؟ رُوِيَ عن طريق فلان وفلان وفلان، تسمية الرجال هو السند إذًا مسمى السند هو ذكر الرجال الذين توصل بهم المحدث إلى المتن، وهي: ستة أنواع. وهي أي هذا العقد أو الأنواع التي ترجع إلى السند ستة أنواع.

(النوع الأول، والثاني، والثالث: المتواتر، والآحاد، والشاذّ)

فجمع لك ثلاثة أنواع تحت العقد الثاني في موضوعٍ واحد لأن كلاً منها يتوقف فهمه على فهم الآخر فقال: (المتواتر، والآحاد، والشاذّ). المتواتر، والآحاد، والشاذّ. في ظاهر كلام المؤلف هنا لم يجر على طريقة أهل الحديث لأنهم يجعلون الشاذ هذا قسمًا من أقسام الآحاد هل هو قسيم أم قسم؟ الشاذ باعتبار الآحاد هل هو قسم أم قسيم؟

قسم وليس بقسيم، وهنا جعل الشاذ قسيمًا للآحاد نقول: لأن البحث هنا يتعلق بأهل علوم القرآن ومبحث القراءات ولهم بحثٌ خاص يتميزون به في بعض مصطلحاتهم عن غيرهم من أرباب الفنون، فليس كل ما جاء لفظًا متواتر عند المحدثين هو عينه عند أرباب القراءات وليس كل ما جاء لفظ الآحاد عند أرباب الحديث هو عينه عند أرباب القراءات وكذلك يقال في الشعر، لكن في الجملة هو مبحثٌ مشترك ولذلك الأنواع الخمس والخمسين هذه بعضها ينفرد به علم القرآن، وبعضها يكون مشتركًا بينه وبين غيره يعني: ليس كل ما ذكر من أنواع علوم القرآن التي هي عمدة المفسرين ليس كل ما ذكر من أنواع علوم القرآن يكون منشأه القرآن لا بل بعضه يكون منشأه القرآن مثل ماذا؟

نزول القرآن، ترتيب السور، عد الآي، نقول: هذه مباحث في ماذا؟

ص: 2

نشأت عن القرآن لولا وجود القرآن لما وجدت هذه العلوم، إذًا توقفها عليه توقف الشيء على شرطه أو حقيقته أو ماهيته بحيث ينتفي العلم بانتفاء القرآن، وبعضها لا، يكون مشتركًا بينه وبين غيره كما هو الشأن في مبحث السند هذه يشترك في أرباب علوم الحديث ويشترك فيه أيضًا من حيث الجملة أرباب علوم القرآن فهو قدرٌ مشترك بين الطائفتين، وبعضه يشترك مع أهل الأصول كالناسخ والمنسوخ، وما خص به من السنة وما خصصت السنة به، وبعضه يشترك مع أرباب اللغة كالمجاز، والاستعارة، والمعرب، والمترادف، والمشترك. نقول: هذه أبحاث مشتركة من حيث كونه نصًا شرعيًا فاشترك مع علوم الحديث في ماذا؟ في الشاذ والمتواتر أو نقول في الجملة: من حيث السند، وبعض الأبحاث مشتركة بين الحديث والسنة مثل ماذا؟ وجود المترادف، ووجود المجاز، والاستعارة، والتشبيه ونحو ذلك والعام المخصوص والعام الذي خصص على عمومه والعام الذي أريد به الخصوص هذه مشتركة بين القرآن وبين السنة، يعني لا ينفك القرآن عن السنة ولا السنة عن القرآن. ولذلك سبق معنا في قواعد الأصول إن المصنف جمع بينهما في موضعٍ واحد كذلك المجاز ونحوه والاستعارة والتشبيه، هذا من حيث ماذا؟ من حيث كونه نصًا شرعيًا وقد يبحث في علوم القرآن من حيث كونه نصًا عربي كالإعراب، والصرف، إعراب القرآن، إعراب مشكل القرآن، تصريف القرآن كما ألف فيه المعاصرين أو بلاغة القرآن. نقول: هذه علمٌ من علوم القرآن يتعلق بالقرآن من حيث ماذا؟ من حيث كونه نصًا شرعيًا مشاركًا للسنة أو من حيث كونه نصًا عربيًا؟

الثاني لأنه ينظر فيه من حيث القواعد العربية، فما قعده أهل العربية من قواعد النحو حينئذٍ ينزل على القرآن مثلاً، فيعرب القرآن إعراب مشكل القرآن أو إعراب القرآن كله نقول: هذا علمٌ من علوم القرآن لكنه يشترك مع غيره في كونه نصًا عربيًا لأنك قد تأخذ مثلاً قصيدة من المعلقات السبع فتعربها هذا إعراب المعلقات أو لا؟ إعراب المعلقات. نص عربي أو لا؟ نقول: نصٌ عربي. قد تأخذ سورة الفاتحة وتعربها عربتها من أي حيثية من حيث كونها نصًا عربيًا.

إذًا هنا لا غرابة في كون أرباب علوم القرآن يجعلون من أنواع علوم القرآن المتواتر، والآحاد، والشاذ. فجعلوا الشاذ قسيمًا للآحاد وله اصطلاحٌ خاص عندهم حينئذٍ انفردوا ببعض ما أطلقه أرباب علوم الحديث.

(المتواتر، والآحاد، والشاذّ) ما المراد بالمتواتر، وما المراد بالآحاد، وما المراد بالشاذّ قال رحمه الله:

والسَّبْعَةُ القُرَّاءُ مَا قَدْ نَقَلُوا

فَمُتَواتِرٌ ولَيْسَ يُعْمَلُ

بِغَيْرِهِ في الحُكْمِ مَا لَمْ يَجْرِ

مَجْرَى التَّفاسِيْرِ، وإِلَاّ فَادْرِ

قَوْلَيْنِ إِنْ عَارَضَهُ المَرْفُوعُ

قَدِّمْهُ ذا القَولُ هُوَ المَسْمُوعُ

والثَّانِيُ الآَحَادُ كالثَّلاثِةِ

تَتْبَعُها قِرَاءَةُ الصَّحابَة

والثَّالِثُ الشَّاذُ الَّذي لَمْ يَشْتَهِرْ

مِمَّا قَرَاهُ التَّابِعُونَ واسْتُطِرْ

ولَيْسَ يُقْرَأُ بِغَيْرِ الأَوَّلِ

وَصِحَّةُ الإِسْنَادِ شَرْطٌ يَنْجَلِيْ

لَهُ كَشُهْرَةِ الرِّجَالِ الضَّبْطِ

وِفَاقُ لَفْظِ العَرَبِيْ والخَطِّ

ص: 3

هذه قسم لك قراءات باعتبار السند إلى متواترة وآحاد وشاذة، وجرى الناظم هنا على ما اشتهر عليه أرباب القراءات من أن القراءات تنقسم إلى: متواترة، وآحاد، وشاذة.

فالمتواتر هذا سبق معنا مرارًا مأخوذ من التواتر وهو التتابع {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا} [المؤمنون: 44] أي متتابعين، بعضهم يتلو بعضًا حينئذٍ نقول: هذا متواتر. لكنه من جهة اللغة، وأما من جهة اصطلاح المحدثين ونحوهم فالمتواتر ما رواه عددٌ جمٌ أحالة العادة على تواطئهم وتوافقهم على الكذب رووا ذلك عن مثلهم وكان منتهى خبرهم الحس مع شرط استواء الكثرة ابتداءً وانتهاءً. وحينئذٍ إن أفاد هذا العدد الكثير إن أفاد العلم الضروري حينئذٍ سُمِيَ متوترًا فإن تخلف عنه العلم الضروري كان مشهورًا.

ولذلك ذكر ابن حجر رحمه الله: كل متواترٍ مشهور من غير عكس لماذا؟ لأن التواتر هو ما رواه عددٌ جمٌ أحالت العادة تواطئهم وتوافقهم على الكذب رووا ذلك عن مثلهم من أول السند إلى آخره. ولذلك يشترطون استواء الكثرة في أوله وانتهائه ويكون منتهى خبرهم الحس سمعت رأيت، فإن كان العقل فلا يكون متواترًا إن أفاد العلم نظريًّا كان أو ضروريًّا يعني: اليقين - والأصح أنه ضروري - إن أفاد العلم ضروري حينئذٍ نقول: هذا متواتر. فإن لم يفد العلم الضروري نقول: هذا مشهور وليس بمتواتر. حينئذٍ كل متواترٍ مشهور من غير عكس.

وَمَا رَوَاهُ عَدَدٌ جَمٌ يَجِبْ

إِحَالَةُ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْكَذِبْ

فَالْمُتَوَاتِرُ وَقَوْمُ حَدَّدُوا

بِعَشْرَةٍ وَهْوَ لَدَيَّ أَجْوَدُ

يعني: هل يشترط بيان إذا قيل: عدد كثير عدد جم هل يشترط تحديد العدد أم لا؟

الأصح أنه لا يشترط، وقيل: عشرة. وقيل: عشرون. وقيل: أربعون. وقيل: خمسون. وقيل: سبعون. إلى آخره وقيل: أربعة. والسيوطي قوله:

وهو لدي أزودُ

فَالْمُتَوَاتِرُ وَقَوْمُ حَدَّدُوا

بِعَشْرَةٍ وَهْوَ لَدَيَّ أَجْوَدُ

والصواب أنه لا يُحَدّ بعدد فكل ما أفاد العلم اليقيني فهو: متواتر.

القراءة هنا المتواتر هي: القراءات السبعة المشهورة. لأنها هي التي يتوفر فيها ضابط التواتر، لكن سبق وأن انتقدنا بعض الشروط هذه التي ذكرها صاحب ((قواعد الأصول)) بأن منتهاه الحسي هذا ليس بشرطٍ واستواء الكثرة في أوله وانتهائه وألا يكون أو تحيل العادة تواطئهم على الكذب أو توافقهم على الكذب تشمل هذه طبقة صحابة وهذا فيه بعد، لكن نقول: ما رواه عددٌ. ولا نُدخل طبقة الصحابة وأحالت العادة تواطئهم وتوافقهم على الكذب فحينئذٍ يفيد العلم هذا في الأصل، في الأصل أنه يفيد العلم مع شهرة الرواة وضبط الرواة إلى آخره فإن أفاد العلم نقول: هذا هو المتواتر. ولا تلازم بين ما ذكر من الشروط وإفادة العلم بل قد يوجد العلم اليقيني برواية شخص واحد ثقةٍ عندنا، فلو روى أبو بكر رضي الله تعالى عنه حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم لأحد التابعين نقول: أفاد العلم. يفيد العلم أو لا؟

ص: 4

يفيد العلم قطعًا، فإذا أفاد العلم حينئذٍ نقول: إذًا وجد العلم اليقيني الضروري فلزم أن يكون متواترًا، إذًا وجد التواتر دون وجود هذه الشروط، وهم يقولون: لا، لا يفيد العلم. ولو أفاد العلم في خبر أبي بكرٍ فأي قرينة احتفت به لكونه أبا بكر رضي الله تعالى عنه، وإذا أخبر أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أحد التابعين بخبرٍ واحد أفاد العلم وهم أربعة دون العشرة، السيوطي حده بعشرة، إذًا ما دون العشرة حينئذٍ لا يفيد العلم نقول: كيف لا يفيد العلم وقد أخبره الخلفاء الأربعة الراشدون؟ يفيد العلم قطعًا لكن هنا قالوا: المتواتر هو القراءات السبعة المشهورة.

لذلك قال المصنف هنا رحمه الله: (والسَّبْعَةُ القُرَّاءُ مَا قَدْ نَقَلُوا فَمُتَواتِرٌ). (والسَّبْعَةُ) هذا مبتدأ أول، و (القُرَّاءُ) هذا بدل أو عطف بيان، (مَا) الذي أو التي بمعنى قراءة هذا مبتدأ ثان (قَدْ نَقَلُوا) قد نقلوها نقلوه يجوز الوجهان ما يطبق على قراءة أي: القراءة التي نقلوها. أي: تبعًا. أو القراءة التي نقلوه بتذكير الضمير مراعاةً للفظ (مَا) كما قلنا في (مَا يَرجعُ إلى السَّنَدِ وهي).

(فَمُتَواتِرٌ) الفاء واقعة في جواب المبتدأ الثاني على القاعدة العامة المطردة عند أهل اللغة من أنه إذا كان المبتدأ من صيغ العموم أو فيه معنى العموم جاز دخول الفاء في الخبر ليست بواجبة وإنما هي جائزة، لذلك قال:(فَمُتَواتِرٌ). الفاء هذه واقعة في جواب المبتدأ لماذا وقعت؟

نقول: وقعت جوازًا لا وجوبًا، لكون المبتدأ من صيغ العموم يعني: فمتواتر. فهو متواتر، متواترٌ هذا خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو فهو متواتر، وجملة المبتدأ مع خبره فمتواترٌ في محل رفع الخبر المبتدأ الثاني (مَا قَدْ نَقَلُوا)، وجملة المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول وهو السبعة، إذًا نقول: هذه جملة كبرى أو صغرى؟

كبرى لأن خبرها جملة، والصغرى ما هي؟

(مَا قَدْ نَقَلُوا فَمُتَواتِرٌ) هذه صغرى لماذا؟ لكونها وقعت خبر المبتدأ، وهي أيضًا كبرى لكون الخبر فيها جملة، قد تكون الجملة كبرى فقط وذلك إذا وقع الخبر فيها جملة زيد أبوه قائمٌ، زيد مبتدأ أول أبوه مبتدأ ثاني قائم خبر مبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع المبتدأ الأول، إذًا وقع الخبر في هذه الجملة زيدٌ أبوهُ قائمٌ وقع جملة، الجملة كلها كبرى تسمى كبرى زيدٌ أبوهُ قائمٌ نقول: هذه جملة كبرى. لماذا؟ لكون الخبر وقع فيها جملة، جملة أبوهُ قائمٌ من قولك زيد أبوه قائم نقول: هذه صغرى. لماذا؟

لكونها وقعت خبرًا عن المبتدأ، فالمبتدأ الذي وقع خبره جملة نقول: هذه جملة كلها كبرى ونفس الخبر الذي هو جملة نسميه جملة صغرى. لو قيل: زيد قائم هكذا. مبتدأ وخبر مفرد ومفرد صغرى أو كبرى؟

ص: 5

لا صغرى ولا كبرى [نعم أحسنت]، إذًا وقع المبتدأ مفردًا والخبر مفردًا حينئذٍ لا توصف بكونه صغرى ولا كبرى، زيدٌ قائمٌ نقول: مبتدأ وخبر. قائمٌ هذا خبر مفرد أو جملة؟ مفرد إذًا لا توصف بكونها كبرى ولا صغرى، لكن لو وقع الخبر جملة لنا نظران: نظر إلى الجملة برمتها، ونظر إلى الخبر الذي وقع جملة فنقول: زيدٌ أبوهُ قائمٌ. هنا ليست كزيد قائم وقع الخبر جملة حينئذٍ نسمى الجملة كلها كبرى ونسمي جملة الخبر صغرى، ثم هذا وصف منفك وقد توصف الجملة باعتبارين يعني: تكون في نفس الوقت كبرى صغرى يجتمع فيها الوصفان لكن بالنظر إلى سابق ولاحق.

(السَّبْعَةُ) هذا قلنا: مبتدأ أول (مَا) هذا مبتدأ ثاني، أبطل المبتدأ الأول اترك المبتدأ الأول المبتدأ الثاني (مَا قَدْ نَقَلُوا فَمُتَواتِرٌ)(مَا) هذا مبتدأ أين خبره؟ (فَمُتَواتِرٌ) جملة أو لا. جملة إذا صارت (مَا قَدْ نَقَلُوا فَمُتَواتِرٌ) كل الجملة صارت كبرى أو لا؟

كبرى، لماذا؟ لكون خبرها جملة، طيب لو نظرت إلى الجملة كلها

(السَّبْعَةُ) هذا مبتدأ أول (مَا) مبتدأ ثاني (فَمُتَواتِرٌ) خبر الثاني والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول نسمي الجملة كلها كبرى، وجملة (مَا قَدْ نَقَلُوا فَمُتَواتِرٌ) هذا هذه صغرى لأنه وقعت خبرًا عن المبتدأ الذي هو (السَّبْعَةُ) وهي في نفسها كبرى لكون الخبر فيها وقع جملةً، واضحة أعيد أو تعيدون؟ - لا هذه ولا تلك -.

(والسَّبْعَةُ) نقول: هذه مبتدأ أول. و (القُرَّاءُ) هذا عطف بيان أو بدل منه (مَا قَدْ نَقَلُوا) ما اسم موصول بمعنى الذي في محل رفع مبتدأ بالثاني، (قَدْ نَقَلُوا) هذه جملة فعل فاعل والمفعول محذوف قد نقلوها لأنه لا بد من رابط بين المبتدأ والخبر إذا وقع جملةً نقلوها أي: القراءة وما اسم موصول بمعنى الذي يصدق على القراءة يعني: القراءة التي نقلوها فهي متواترة. أو فهو أي المنقول متواتر (فَمُتَواتِرٌ) جملة وقعت خبرًا عن المبتدأ الثاني معه، وجملة المبتدأ الثاني مع خبره نقول: هي في محل رفع خبر المبتدأ الأول وهو السبعة (والسَّبْعَةُ القُرَّاءُ مَا قَدْ نَقَلُوا فَمُتَواتِرٌ) كل الجملة هذه كبرى وجملة (مَا قَدْ نَقَلُوا) فمتواتر هذه صغرى باعتبار الجملة السبعة القراء لأنها خبر عنها وهي كبرى باعتبار كون الخبر فيها (فَمُتَواتِرٌ) جملة اسمية.

(والسَّبْعَةُ) المراد بهم السبعة القراء والقراء هذا جمع قارئ اسم فاعل من قرأ واصطلاحًا يطلق على إمام من الأئمة المعروفين الذين نسبت إليهم القراءة، في الاصطلاح إمام يطلق على إمام من الأئمة المعروفين المتبعة كما سبق بيان الإمام المراد به المأموم به يعني المتبع، الذين نسبت إليهم القراءات التي نسبت إليهم أو الذين نسبت إليهم القراءات، والقراءات معلومة أنها جمع قراءة مصدر سماعي لقرأ قَرَأَ يَقْرَأُ الأصل فيه قَرَأَ لأنه من باب فَعَلَ قَرَأَ، وقرأ قلنا المصدر فيه فَعْلُ

فَعْلٌ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَّدى

مِنْ ذِي ثَلاثَةٍ كَرَدَّ رَدَّا

ص: 6

حينئذٍ قراءة نقول: هذا ليس مصدرًا قياسيًا بل هو مصدر سماعي، إذًا القراءات جمع قراء مصدر سماعي لقرأ، واصطلاحًا القراءات عند أرباب القراءات اختلاف ألفاظ الوحي لأن القرآن ما هو؟ اللفظ المنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم المعجز بلفظه المتعبد بتلاوته.

لفظ منزل على محمد

لأجل الإعجاز وللتعبد

أما القران ها هنا فالمنزل

على النبي معجزًا يفصل

بقي تلاوةً

إذًا القرآن هو: كلام الله المنزل أو اللفظ المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم المعجز بلفظه المتعبد بتلاوته.

القراءات حقيقة مغايرة للقرآن ولذلك نص السيوطي في ((الإتقان)) بأن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فحينئذٍ صار تعريف القراءة بأنها اختلاف ألفاظ الوحي المذكور - ليس كل وحي - وإنما الوحي المذكور الذي أطلقنا عليه بأنه قرآن في الحروف وكيفتها من تخفيف وتشديد وغيرهما، اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف وكيفتها من تخفيف وتشديد وغيرهما هذه يسمى ماذا؟ يسمى بالقراءة يجمع على قراءات، فالقرآن شيء والقراءات شيء آخر فهما حقيقتان متغايرتان.

(والسَّبْعَةُ القُرَّاءُ) السبعة المراد بهم: نافع، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وابن عامر، وأبو عمرو، وابن كثير. هؤلاء السبعة أجمع عليهم أهل العلم بأنهم إذا أطلق السبعة فالمراد به هؤلاء، حينئذٍ صار السبعة علمًا بالغلبة متى ما أطلق السبعة القراء انصرف إلى هؤلاء نافع، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وابن عامر، وأبو عمرو، وابن كثير. كما إذا قيل: الأسماء الستة. هذا علم بالغلبة إذا أطلق انصرف إلى معين، وإلا الأصل كلها ست أسماء يصح أن تقال أنها يقال أنها أسماء ستة ولكن اصطلح النحاة على شيء معين (والسَّبْعَةُ القُرَّاءُ مَا قَدْ نَقَلُوا فَمُتَواتِرٌ) هنا عرف التواتر بماذا؟

بالمتواتر عند أهل الحديث أم بلفظ؟

بلفظ كشف به حقيقة المتواتر لماذا؟

لأنه يعرف المتواتر عند أرباب القراءات، فإذا قيل: المتواتر. حينئذٍ ينصرف الذهن إلى السبعة القراء، فمسمى المتواتر عندهم ما نُقل عن السبعة القراء ولذلك قال:(والسَّبْعَةُ القُرَّاءُ مَا قَدْ نَقَلُوا [نقلوها] فَمُتَواتِرٌ). القراءة التي نقلها القراء السبعة هي: مسمى المتواتر عند أرباب القراءات. ولذلك هنا عَرَّفَهُ بلفظ كاشف وهذا من أقسام التعريف عندهم.

مُعَرِّفٌ على ثلاثةٍ قُسِم

حَدٌّ وَرَسْمِي وَلَفْظِيٌّ عُلِم

قد يأتي بلفظ يكشف به حقيقة اللفظ المجمل، والمتواتر هذا لفظ مجمل مبهم عندهم إذا قيل: ما المتواتر؟ حينئذٍ يحسن أن يؤتى بالحد أو المعرف، والمعرف على ثلاثة أقسام:

قد يكون كاشفًا للمهية، إما بالجنس والفصل، أو بالفصل والخاصة، أو بالجنس والخاصة،

أو يأتي بلفظ يكشف المراد مع عدم الإبهام وهنا لما قال: (والسَّبْعَةُ القُرَّاءُ مَا قَدْ نَقَلُوا فَمُتَواتِرٌ). عرفنا أن القراءة التي نقلت عن طريق هؤلاء السبعة المعدودين بالسبعة هو المسمى المتواتر، والمراد به هنا تواتر الطبقات كما هو معلوم عند أرباب القراءات.

.....................

.............. ولَيْسَ يُعْمَلُ

بِغَيْرِهِ في الحُكْمِ مَا لَمْ يَجْرِ

مَجْرَى التَّفاسِيْرِ، وإِلَاّ فَادْرِ

ص: 7

إذًا عرفنا حقيقة المتواتر يرد السؤال ما هو الآحاد؟ نرجع بعد ذلك إلى قوله: (ولَيْسَ يُعْمَلُ). إذًا النوع الأول لأن التقسيم عندهم يختلف، قراءات تنقسم إلى متواتر وعرفنا أن المراد بالمتواتر القراءات السبعة المشهورة، والآحاد هي المتمة لعشرها يعني: الثلاثة المتمة للعشر. وهي قراءة: أبي جعفر يزيد بن القعقاع، ويعقوب، وخلف. هذه ثلاثة تسمى الثلاثة إذا أطلق القراءة الثلاثة انصرف إلى من؟ أبي جعفر يزيد بن القعقاع، ويعقوب، وخلف. هؤلاء هم الثلاثة.

الآحاد هي المتمة لعشرها إذًا ما المراد بالقراءات الآحادية عندهم؟ الثلاثة قراءة يعقوب، وأبي جعفر، وخلف. أليس كذلك هذا المشهور كما سيأتي هذا المشهور عند أهل القراءات مع أن الآحاد عند المحدثين ماذا؟

آحاد جمع واحد، ما رواه واحد هو الآحاد. إذًا ما لم يصل إلى درجة المتواتر هذا إذا لم نذكر المشهور وإذا ذكرنا المشهور حينئذٍ ما رواه الواحد أو الاثنين أو الثلاثة وكل له اسم خاص عند أرباب الحديث لكن هنا الآحاد المراد به ما رواه الثلاثة القراءات الثلاثة المتممة للعشر.

ثم ما يكون من قراءات الصحابة إذا صح سندها ملحقة بهذا القسم وهو قسم الآحاد كما سيأتي.

(والثَّانِيُ: الآَحَادُ كالثَّلاثِةِ)(والثَّانِيُ) الذي هو الآحاد (كالثَّلاثِةِ تَتْبَعُها قِرَاءَةُ الصَّحابَةِ) فحينئذٍ ما كان من الآحاد عند أرباب القراءات هو الثلاثة وتلحقها في الرتبة مثلها في الآحاد قراءة الصحابة إن صح سندها إليهم، هذا هو الآحاد ما عدا ذلك فهو الشاذ، فما زاد عن الأربعة فهو شاذ عندهم والمراد بالأربعة لأن القراءات عندهم المشهورة أربعة عشر، أربع عشرة قراءةً.

قراءة الحسن بن يسار البصري هذه الحادية عشر.

وابن محيصن محمد بن عبد الرحمن السوسي المكي الثاني عشر هذا.

الثالث عشر: يحيى بن مبارك اليزيدي.

الرابع عشر: محمد بن أحمد الشنبوذي.

هذه أربعة عشر قراءةً، السبعة هي المتواترة، والثلاثة المتممة للعشر هي الآحاد وألحق بها قراءة الصحابة، والأربعة عشر فيما زاد عن العشرة هذه شاذة هذا هو المشهور عند أرباب القراءات، وما بَقِيَ فهو شاذ كقراءات التابعين كابن جبير ويحيى بن وثاب والأعمش وغيرهم كل هذه قراءات شاذة.

القسم الثاني أو التقسيم الآخر عند بعضهم وهذا منسوب للأصوليين وبعض الفقهاء تقسيم القراءات إلى قسمين: متواتر، وشاذ. ليس عندنا آحاد، قالوا: متواتر وشاذ. المتواتر هو السبعة القراء وما عدا ذلك فهو شاذ حينئذٍ جعلوا الثلاثة قراء من قسم الشاذ هذا منسوب لكثير من الأصوليين، وعند بعض الأصوليين وبعض الفقهاء تنقسم القراءات إلى متواتر وهو: السبع. وشاذ وهو: ما سوى ذلك. فالثلاثة على هذا القول تكون شاذة كقراءة أبي جعفر يزيد، ويعقوب، واختيارات خلف.

الثالث - وهذا نفصله من أجل التباين والإيضاح فقط وإلا هو داخل في بعض الأقوال الأخرى -: وقيل: العشر متواترة وما عداها فهو شاذ. إذًا القسمة ثنائية أيضًا متواتر وشاذ، ولكن الخلاف في الثلاثة هل قراءتهم متواترة أم شاذة؟

هذا محل نزاع عند أرباب القراءات مع الأصوليين واللغويين هل قراءة أبي جعفر، وخلف، ويعقوب متواترة أم شاذة؟ هذا فيه نزاع.

ص: 8

القسم الثالث: قيل العشر متواترة. العشر كلها متواترة وما عداها فهو شاذ قراءة الحسن بن يسار وغيره تعتبر شاذًا، قال ابن السبكي تاج الدين صاحب ((جمع الجوامع)): القول بأن الثلاثة غير متواترة في غاية السقوط ولا يصح القول به عمن يعتبر قوله في الدين وهي لا تخالف رسم المصحف. ولذلك نقل السبكي الكبير أبوه عن البغوي رحمه الله وهم من المقرئين الاتفاق على القراءة بالثلاث أيضًا كالمتواتر لأنه ينبني إذا قيل: آحاد وشاذة. ينبني عليه أنه لا يجوز القراءة بها مطلقًا لا في الصلاة ولا في خارجها وإذا أثبتنا أن الثلاثة أيضًا متواترة حينئذٍ يجوز القراءة بها مطلقًا فينبني على هذا خلاف حكم وهو جواز القراءة بها أو لا؟

إذا قلنا: متواترة. على اشتراط التواتر في ثبوت القرآنية فحينئذٍ صارت الثلاثة هذه من المتواتر فيجوز القراءة بها مطلقًا في الصلاة وفي خارجها، إذًا البغوي ينقل الاتفاق على القراءة بالثلاث كما يُقرأ بالسبعة لأنها متواترة قال: وهذا هو الصواب.

القول الرابع في التقسيم قيل: المعتمد في ذلك الضوابط. يعني: لا نقول: سبعة. نتقيد بقارئ وإمام وإنما نتقيد بأصول وضوابط إن وجدت فهي قرآن ويصح القراءة بها إن انتفت كلها أو بعضها فليست بقرآن ولا يقرأ بها، على الخلاف بالاحتجاج بها أو لا.

إذًا الأقوال الأول الثلاث هذه متعلقة بأشخاص متى ما ثبتت القراءة عن فلان أو عن عدد معين فهي: متواترة. كل ما قرأ يعقوب فهو: آحاد. كل ما قرأ خلف فهو: آحاد. كل ما قرأ أبو جعفر فهو: آحاد. كل ما قرأ نافع، عاصم، ابن عامر، أبو عمرو نقول: هذه متواترة كل ما قرأ حسن بن أبي الحسن فهو: شاذ. إذًا هذا الحكم معلق بأشخاص قال بعضهم: بل الأولى أن يعلق بضوابط متى ما وجدت هذه الضوابط حينئذٍ حكمنا بالقرآنية كونه قرآنًا ولو لم يتواتر ونحكم حينئذٍ بالقراءة بها مطلقًا في الصلاة وفي خارجها وقيل: المعتمد في ذلك الضوابط سواء كانت القراءة من القراءات السبع أو العشر أو غيرها. قال ابن الجزري رحمه الله تعالى - وهو حامل راية هذا القول -: وقد ثُبِر في النشر كل قراءة - هذا هو الضابط - كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه

ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً

وصح سندها فهي قراءة صحيحة.

هذه ثلاثة أركان سماها أركان متى ما وجدت مجتمعة فحينئذٍ ثبتت القرآنية صارت قراءة ولا نقف مع فلان أو فلان بل نقول: متى ما وافقت القراءة العربية اللغة العربية ولو بوجه ما يعني: لا يكون ضعيفًا فصيحًا أو أن لا يكون مخالفًا مخالفة لا تضر كما سيأتي، ووافقت أحد المصاحف العثمانية لأنه ليس ثَمَّ مصحف واحد بل هي ستة أو ثمان - كما سيأتي - ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً وصح سندها هذا هو الثالث ثلاثة أقسام

وافقت العربية ولو بوجه،

وافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً،

وصح سندها.

ص: 9

فالعبرة حينئذٍ هل هو التواتر أم صحة السند؟ صحة السند لأنه ليس كل ما صح سندًا فهو متواتر ولذلك جعل هذا ركنًا في ثبوت القراءة بل في ثبوت القرآنية من حيث كونه قرآنًا، وصح سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يَحِلُّ بكسر الحاء ولا يَحِلُّ إنكارها سواء كانت عن السبعة أو العشرة أو غيرهم من الأئمة المقبولين، ومتى اختل ركن من الثلاثة أطلق عليها ضعيفةً أو شاذة أو باطلة، وسواء كانت عن السبعة أو عمن هو أكبر منهم، يعني قد يكون الشاذ فيما ثبت عن السبعة، وهذا موجود لكنه قليل قالوا: قد يُروى عن نافع ما هو شاذ. في وجه عن طريق أو يروى عن ابن عامر أو أبي عمرو نقول: هذا قد يكون شاذًا لكنه قليل. أُطلق عليه ضعيفة أو شاذة أو باطلة سواء كانت عن السبعة أو عمن هو أكبر منهم وهذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف صرح بذلك أبو عمرو الداني والمكي وأبو العباس والمهدوي وأبو شامة، ونقل مثله عن الكواشي وأبو حيان قال: وهو مذهب السلف الذي لا يُعرف عن أحد منهم خلافه.

إذًا ما العمدة؟

تقول: العمدة هو وجود هذه الثلاثة الأركان:

وافقت اللغة العربية ولو بوجه

وافقت أحد المصاحف العثمانية.

صح سندها.

فمتى ما وجدت هذه الأركان الثلاثة ثبتت القرآنية، لكن المشهور عند الكثيرين من أرباب القراءات والأصوليين وأهل اللغة وغيرهم من الفقهاء أنه لا قرآن إلا ما كان متواترًا وما عدا ذلك فلا يثبت كونه قرآنًا، والسيوطي رحمه الله في سائر كتبه جرى على هذا التفصيل ولكنه رجع في ((الإتقان)).

أما القران ها هنا فالمنزل

على النبي معجزًا يفصل

بقي تلاوة ومنه البسمله

لا في براءة ولا ما نقله

آحادهم على الصحيح فيهم

.........................

رجح أن ما نقل آحادًا لا يكون قرآنًا ومنه البسملة لا في براءة لا شك أن البسملة من القرآن هذا بإجماع الثلاثة لا في براءة يعني لا في أول براءة، لا في براءة ولا فيما نقل آحادهم إذًا ما نقله آحادهم يعني: طريق الآحاد لا يكون قرآنًا. على الصحيح فيهما يعني: في هذين القولين أن البسملة من القرآن، وأن ما نقله الآحاد لا يكون قرآنًا لكنه رجع في ((الإتقان)) فجرى على ما مشى عليه ابن الجزري ورجحه ولذلك قال في ((التحبير)): تبعت البَلقيني أو البُلقيني في التقسيم ثلاثي ثم تبين لي أن فيه نظرًا. وهنا جرى على ذلك.

إذًا عرفنا التقسيمات أو الاختلاف فيما ذكره بعضهم.

والسَّبْعَةُ القُرَّاءُ مَا قَدْ نَقَلُوا

فَمُتَواتِرٌ، ولَيْسَ يُعْمَلُ

بِغَيْرِهِ في الحُكْمِ مَا لَمْ يَجْرِ

مَجْرَى التَّفاسِيْرِ، وإِلَاّ فَادْرِ

قَوْلَيْنِ .....................

( ..........................

قولين هذا لمن هذا للسيوطي.

(ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ) إذًا عرفنا أن المتواتر يقابله الآحاد والشاذ جماهيرهم على أنه لا يُقرأ ولا يحتج إلا بالمتواتر لا يقرأ في الصلاة ولا في خارجها إلا بالمتواتر وهو السبعة القراء ما نقله السبعة القراء هذا هو المتواتر ولا يُقرأ بغيره ولا يعمل بغير ما تضمنته من أحكام ولذلك قال:

ص: 10

(ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ) لما عرف لك المتواتر من القراءات وهو ما رواه أو نقله السبعة القراءة قال: (ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ). يعني: بغير المتواتر. وإذا لم يعمل به فمن باب أولى أن لا يُقرأ به لماذا؟

لأن القرآن أُنزل في الأصل للعمل به وتلاوته، ولكن التلاوة ليست أصلاً وإنما هي من باب السبعة فحينئذٍ إذا منع العمل بغير المتواتر فمن باب أولى وأحرى أن يمنع قراءته وهذا ذكره كثير منهم النووي ورجحه في (شرح المهذب) قال: من جوز القراءة في الصلاة أو غيرها بالثلاثة وما عداها فإما هو جاهل أو متجاهل. هكذا قال النووي في (شرح المهذب) وقد نقله بعض المعاصرين عنه.

(ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ) أي: بغير المتواتر من الآحاد والشاذ فلا يعمل بقراءة أبي جعفر ولا يعقوب ولا خلف ولا غيره من الشاذ وخاصة مما نقل من قراءات التابعين.

(في الحُكْمِ) يعني: في الأحكام. لا يُعمل به في الأحكام، وإنما تؤخذ الأحكام من المتواتر (مَا لَمْ يَجْرِ مَجْرَى التَّفاسِيْرِ) هذا استثناء أو لا؟

استثناء (مَا لَمْ يَجْرِ مَجْرَى التَّفاسِيْرِ) غير المتواتر قد يجري مجرى التفسير والبيان كما في قراءة ابن مسعود (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) متتابعات هذا يجري مجرى التفسير كأن فسر لك هل هذه الأيام المأمور بصيامها متتابعة أو لا؟ فقال: (متتابعات). فهذه القراءة ليست متواترة هل يعمل بقوله:

(متتابعات). أو لا؟ كذلك بقوله: (وله أخ أو أخت من أم). (من أم) هذا جرى مجرى التفسير والبيان قال هنا: (ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ) بغير المتواتر والآحاد من الآحاد والشاذ في الأحكام (مَا لَمْ يَجْرِ مَجْرَى التَّفاسِيْرِ) لا يعمل به ما لم يجر مجرى التفاسير، ما هو المنفي؟

ما جرى مجرى التفسير أو الذي لم يجر مجرى التفسير؟

(وإِلَاّ فَادْرِ قَوْلَيْنِ) وإلا غير المتواتر ما لم يجر مجرى التفاسير وإلا يجري مجرى التفاسير فادر قولين فاعلم قولين يعني في الاحتجاج بها أو لا قولان.

(مَا لَمْ يَجْرِ مَجْرَى التَّفاسِيْرِ) إذا لم يعمل بغيره في الحكم إذا لم يجر مجرى التفاسير، وهذا فيه قلب في البيت لماذا؟

لأن الذي وقع فيه خلاف هو ماذا؟

[ما جرى مجرى التفسير](1)، أو الذي وقع فيه خلاف هو ما لم يجر مجرى التفسير، وأما الذي جرى مجرى التفسير فهذا يحتج به ولا إشكال، ما جرى مجرى التفسير هذا يحتج به ولا إشكال، وأما ما لم يجر مجرى التفاسير فهذا يُعمل به أو لا؟

ألا نقول: القراءة التي لم تكن متواترة إما أن تجري مجرى التفسير أو لا؟

القولان اللذان حكاهما (وإِلَاّ فَادْرِ قَوْلَيْنِ) القولين المحكيان هنا هل هي فيما جرى مجرى التفسير أو في غيره؟

(1) سبق لسان.

ص: 11

في غيره، ولكنهم في الظاهر أنه في ما جرى مجرى التفسير لأنه قيد الأول قال:(ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ في الحُكْمِ مَا لَمْ يَجْرِ مَجْرَى التَّفاسِيْرِ) وإلا فإن جرى مجرى التفاسير فقولان (فَادْرِ قَوْلَيْنِ) والأصل هو العكس، ولذلك قال بعضهم: مقتضاه أن القولين في الذي يجري مجرى التفسير. الخلاف (فَادْرِ قَوْلَيْنِ) أنهم في الذي جرى مجرى التفسير هذا مقتضى البيت، والصواب أن القولين إنما هما في ما لم يجر مجرى التفاسير، ولذلك أبدل بعضهم وصحح هذا البيت لأنه على ظاهره خطأ فقال:

بغيره إلا الذي من ذا جرى

مجرى التفاسير وإلا فترى

(ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ) إلا الذي من ذا جرى مجرى التفاسير يعني: مِنْ ذَا المشار إليه غير المتواتر وهو الآحاد والشاذ إذا جرى مجرى التفاسير يُعمل به وإلا يجري مجرى التفاسير فترى قولين، ولو صحح بطريقة أخرى فقيل:

بغيره في الحكم إذ لا يجري

مجرى التفاسير وإلا فادرِ

صح البيت بغيره نفس بيت الناظم هكذا قال أبو الوفاء ذلك

بغيره في الحكم إذ لا يجري

مجرى التفاسير وإلا فادرِ

صح البيت ولا يحتاج إلى تصويبه وإعادته مرة أخرى، واضح.

(ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ) بغير المتواتر من الآحاد والشاذ في الحكم إذ لا يجري مجرى التفاسير، إذًا ما لا يجري مجرى التفاسير لا يعمل به، وأما ما يجري مجرى التفسير فهذا الذي فيه قولان: يعمل به، لا يعمل به. واضح هذا.

إذًا نصوب البيت هكذا:

بغيره في الحكم إِذْ لا يجري

مجرى التفاسير ...........

إذ هذه تعليلية لنفي العمل عن غير المتواتر لماذا لا يُعمل به؟

إذ لا يجري مجرى التفاسير (ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ) بغير المتواتر من الآحاد والشاذ في الحكم إذ لا يجري مجرى التفاسير لا يعمل به لأنه لا يجري مجرى التفاسير وإلا بأن كان يجري مجرى التفاسير فادر أي فاعلم أو اعرف أن العَمَلَ في العَمَلِ به على قولين: قيل: يُعمل به، وقيل: لا يُعمل به.

إِنْ عَارَضَهُ المَرْفُوعُ

قَدِّمْهُ ذا القَولُ هُوَ المَسْمُوعُ

إن قيل: يُعمل به وعارضه حديث مرفوع عارض غير الآحاد والشاذ كل ما لم يكن من القراءات السبعة إذا عارضه الحديث المرفوع وقلنا هذا يجري مجرى التفسير فحينئذٍ إذا عورض بحديث مرفوع أيهما يقدم؟

ص: 12

الحديث المرفوع ولا إشكال وإذا لم يكن معارض بحديث مرفوع فحينئذٍ يعمل به مطلقًا ولا إشكال، هذا فيما إذا جرى مجرى التفسير قيل: يعمل به. وقيل: لا يعمل به. والأصح أنه يُعمل به، والأصح أنه يحتجُ بها كخبر الآحاد كما يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر واحد كذلك يحتج بالقراءة إذا ثبتت عن خبر واحد والأصح أنه يحتج بها كخبر الآحاد لصحة نقلها عن النبي صلى الله عليه وسلم، إذا صح السند وقرأ ابن مسعود (فصيام ثلاث أيام متتابعات) حينئذٍ انتفى التواتر في كونها قرآن ولكن بقي ماذا؟ أنها منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن الصحابة يبُعد أن يزيدوا حرفًا واحدًا ولو كان من جهة المعنى أو القيد أو التخصيص دون رجوع إلى النقل، فلهذا الاحتمال بل لهذا الظاهر حينئذٍ نعامله معاملة الحديث المرفوع كأنه خبر واحد، لذلك لصحة نقلها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يلزم من انتفاء قرآنيتها لكونها آحاد لم تكن متواترة لا يلزم من انتفاء قرآنيتها انتفاء عموم خبريتها حينئذٍ تعامل معاملة الخبر وإنما لم تصح القراءة بها لعدم شروط التواتر أو لعدم شرط التواتر، هذا إن قلنا بأن القرآنية مقيدة بالتواتر، وإذا أثبتنا بأنها مقيدة بصحة السند حينئذٍ يدخل فيما ذكره ابن الْجَزَرِيّ.

إذًا قوله: (وإِلَاّ). يعني: بأن لم يجر بغيره في الحكم إن لم يجر مجرى التفسير وإلا فادر بأن جرى مجرى التفسير قولين فادر يعني: فاعلم. قيل: يُعمل به. وقيل: لا يُعمل به. والأصح أنه يُعمل به كخبر الواحد وقيل: لا يُعمل به. لماذا؟ لأنها جاءت على كونها قرآنًا فانتفى كونها قرآنًا، إذًا سقط ما يدل على كونها قرآنًا وسقط ما تضمنته الآية من زيادة سقط ماذا؟ قرآنيتها وسقط مع قرآنيتها ما تضمنته من الأحكام نقول: لا، انتفاء شرط التواتر على القول به لا يلزم منه انتفاء خبريتها بل هي من هذه الحيثية خبر لأنه يبُعد أن الصحابة يزيدون من عند أنفسهم من تلقاء أنفسهم.

(إِنْ عَارَضَهُ) أي: غير المتواتر. الحديث المرفوع، المرفُوع هذا فاعل عارض (قَدِّمْهُ) أي: قدم المرفوع (ذا القَولُ) وهو تقديم الحديث المرفوع على غير المتواتر من الآحاد والشاذ هو القول المسموع والمرضي عند أهل العلم لأن ذاك نص في كونه مرفوعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا وإن كان الظاهر أنه في قوة المرفوع إلا أنه ليس كالمرفوع حقيقة، ولذلك إذا تعارض مرفوع حقيقة ومرفوعٌ حُكمًا ولم يمكن الجمع أيهما يقدم؟

المرفوع حقيقةً هو المقدم.

والثَّانِيُ الآَحَادُ كالثَّلاثِةِ

تَتْبَعُها قِرَاءَةُ الصَّحابَةِ

يبقى في مسألة التواتر هناك ذكر ابن الحاجب رحمه الله تعالى مسألة قد شُنِّعَ عليه بها وهي: أن المتواتر هو جوهر اللفظ وأما هيئة اللفظ من المد، والإمالة، وتخفيف الهمزة فليس بمتواتر. وينبني عليه أن التجويد ليس بمتواتر وليس بواجب فشُنِّعَ عليه وصارت مسألة فيها ردود و

إلى آخره.

وقيل إلا هيئة الأداءِ

وقيل خلف اللفظ للقراءِ

ص: 13

وقيل إلا هيئة الأداءِ هذا منسوب لابن حاجب رحمه الله تعالى، ولذلك قال ابن الحاجب يعني القراءة السبعة متواترة ويحكم بأنها متواترة قال: إلا ما كان من قبيل الأداء. الذي هو التجويد وابن الجزري شدد عليه قد وهم قال: لا أعلم له من سبقه بهذا القول. إلا ما كان من قبيل الأداء كالمد، والإمالة، وتخفيف الهمزة فإنه ليس بمتواتر وإنما المتواتر جوهر اللفظ. قال ابن الجزري رحمه الله: ولا نعلم أحدًا تقدم ابن الحاجب إلى ذلك، ويلزم من تواتر جوهر اللفظ تواتر هيئته حينئذٍ اللفظ وحال اللفظ الذي هو الأداء شيء واحد وإذا ثبت تواتر اللفظ حينئذٍ كان تواتر الهيئة من باب أولى وأحرى. هكذا قال ابن الجرزي رحمه الله ولذلك يقول في الجزرية:

والأخذ بالتجويد حتم لازم

من لم يجود القرآن آثم

إذا لم تجود القرآن صرت آثمًا، وقوله هذا فيه نوع صعوبة، ولذلك البلقيني توسط قال: أصل المد والإمالة وتخفيف الهمزة الذي هو قدر مشترك بين القراء هذا متواتر، وما اختلفوا فيه هذه يزيد ست حركات وهذا أربع حركات هذا ليس بمتواتر. ولذلك إذا قلت:{إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} [الانشقاق: 1]- بدون مد - تأثم فعلى هذا القول إذا قلت: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . هكذا دون أن تخرج الحروف من مخارجها ودون أن تأتي بالتشديدات ونحوها صرت آثمًا. من لم يجود القرآن آثم، لو قال:{إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} [الانشقاق: 1]. هكذا ولو مثال لو كلامي الآن أثمت عند ابن الجزري رحمه الله تعالى لماذا؟

لأن هيئة الأداء الذي هو التجويد من المد والإمالة ونحو هذا متواتر وإذا كان متواترًا حينئذٍ صار ماذا؟ صار واجبًا علمًا قطعيًّا فلا يُؤدى اللفظ إلا بهذا هذا قول

والثَّانِيُ الآَحَادُ كالثَّلاثِةِ

تَتْبَعُها قِرَاءَةُ الصَّحابَةِ

(والثَّانِيُ) والثاني بإسكان الياء على الأصل لكن حركها بالضم ردًا إلى الأصل للوزن (والثَّانِيُ) مرفوع بالضم الظاهرة للضرورة للوزن كما قال الأول:

لَعَمْرُكَ مَا تَدْرِي مَتَى أَنْتَ جَائيُ

وَلَكِن أَقْصَى مُدَّةَ الْعُمْرِ عَاجِلُ

ص: 14

لعمرك ما تدري متى أنت جَائيُ هذا منقوص، والمنقوص إنما يُرفع بضمة مقدر على آخره وهنا جائلُ للضرورة، (والثَّانِيُ) حركه للضرورة من الأنواع الثلاثة مما لا يصل إلى حل التواتر مما صح سنده الآحاد، (كالثَّلاثِةِ) يعني كقراءة الثلاثة وهذا لفظٌ كالقراءات السبعة ثلاثة القراء يعقوب وأبو جعفر وخلف حكم عليها بكونها آحاد لماذا؟ لكونها لم تنقل بالتواتر وإذا لم تنقل بالتواتر حينئذٍ سقطت قرآنيتها ولم تكن قرآنًا ولذلك لا يجوز القراءة بها عندهم، ما نُقل آحادًا ليس من القرآن لأنه لإعجازه الناس عن الإتيان بمثله تتوفر الدواعي على نقله تواترًا، وقيل: نعم كما ذكره ابن جزري كما سبق،

و (تَتْبَعُها قِرَاءَةُ الصَّحابَةِ)، (وتَتْبَعُها) هذا بالعطف على إسقاط حرف العطف أي: تتبع الثلاثة في كونها آحادًا لا يجوز القراءة بها (قِرَاءَةُ الصَّحابَةِ) لا مطلقًا وإنما إذا صح سندها، إذًا صحت القراءة عنه الصحابي ابن مسعود مثلا أُبَيُّ بن كعب وابن عباس نقول: هذه تابعةٌ للثلاثة لكونها آحادًا فإذا أطلق أرباب القراءة الآحادٍ انصرف إلى الثلاثة وقراءة الصحابي فليس مسمى الآحاد عندهم مختصًا بالثلاثة وإنما يشمل ماذا؟ قراءة الصحابة إذا صح سندها

و (تَتْبَعُها) أي في الحكم في كونها آحادًا (قِرَاءَةُ الصَّحابَةِ) التي صح سندها لماذا؟ قالوا: لأنهم عدول لا يقرؤون بالرأي، (والثَّالِثُ) من الأنواع الثلاثة (الشَّاذُ الَّذي لَمْ يَشْتَهِرْ)(الشَّاذُ) بتخفيف الذال (الشَّاذُ) هو الشاذ لكن عندهم لا يلتقي ساكنان عند العرضيين لا يلتقي ساكنان، والساكنان هنا الألف والذال الأولى حينئذٍ لا بد من إسقاط الذال الأولى ولذلك هو (الشَّاذُ) بالتخفيف

والثَّالِثُ الشَّاذُ الَّذي لَمْ يَشْتَهِرْ

مِمَّا قَرَاهُ التَّابِعُونَ .....

(والثَّالِثُ) من الأنواع الشاذ وهو الذي لم يشتهر (مِمَّا قَرَاهُ)، (قَرَاهُ) قرأه بإسقاط الهمزة للتخفيف (التَّابِعُونَ) إما لغرابته لم يشتهر إما لغرابته أو لضعف سنده، ما لم يشتهر من القراءة عن التابعين إما لغرابته وإما لضعف سنده نقول: هذا شاذٌ، وهو كل القراءات الأربعة التي بعد العشرة التي ذكرنا أنها قراءة الحسن بن يسار البصري، وابن محيصٍ محمد بن عبد الرحمن المكي، ويحيى بن مبارك اليزيدي، ومحمد بن أحمد، هؤلاء نقول من التابعين وقراءتهم شاذة إما لكونا لا تصح وإما لكونها غريبة لم تشتهر، (واسْتُطِرْ) هذا تكملة يعني استطر كتب الشاذ في أنواع القراءات.

السيوطي رحمه الله اجتهد وقسم القراءات ستة أقسام أراد أن يلتمس للقراءات مسلكًا مع مسالك أو يجتمع مع مسالك أهل الحديث فيثبت القراءات متواترة، وقراءة ومشهورة، وقراءة أحادية، وشاذة، وموضوعة، ومدرجة. ذكرها في ((التحبير)) وفي ((الإتقان)).

[الأول]: المتواتر عنده. ما نقله جمعٌ يمتنع تواطئهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهاه على التقسيم المشهور أن المتواتر ما نقله جمع يمتنع تواطئهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهاه. قال: وغالب القراءات على هذا، غالب القراءات متواترة.

ص: 15

الثاني: المشهور. وهو الذي فُقد فيه التواتر، وهو ما صح سنده، ووافق العربية والرسم، واشتهر عند القراء - بقيد الشهرة - واشتهر عند القراء فلم يعدوه من الغلط ولا من الشذوذ ويُقرأ به على مقال ابن الجزري، المشهور لم يتواتر إذًا كل ما لم يتواتر فليس بقرآن القاعدة العامة عندهم، فحينئذٍ المشهور ليس بتواتر فلا يقرأ به والأصح أنه يُقرأ به فإذا جوزنا قراءة الآحاد كالثلاثة حينئذٍ ما لم يكن آحادًا ولم يصل إلى درجة التواتر من باب الأولى وأحرى. ومَثَّلَ له بما اختلفت الطرق في نقله عن السبعة، كُلّ ما اختلف فيه النقل عن السبعة - السبعة كل ما اتفقوا عليه فهو متواتر - إذا اختلفوا في النقل عن السبعة نقول: هذا لم يُنقل آحادًا ولم ينقل تواترًا فصار ماذا درجةً وسطى، فيجوز القراءة به على الصحيح عند ابن الجزري وغيره وعند الجمهور لا يُقرأ به، لماذا لفقد شرط التواتر.

الثالثة: الآحاد. وهو ما صح سنده، وخالف الرسم أو العربية. صح السند لكنه خالف الرسم رسم القرآن المصحف العثماني أو العربية مخالفةً تضر أو لم تشتهر مع صحة السند عند القراء ولا يُقرأ به مع كونه صح سنده لكنه خالف الرسم وخالف القواعد مخالفةً تضر هذا حتى عند ابن الجزري لا يقرأ به لأنه ليس بقرآن ولو صح سنده، مَثَّلُوا له بقراءة ابن عباس (مِنْ أَنْفَسِهِمْ)، لقد جاءكم رسولٌ من أَنْفَسِكُمْ والقراءة المشهورة من أَنْفُسِكُمْ، كما سيأتي بيناه.

الرابع: الشاذ. وهو ما لم يصح سنده ضعيف لم يصح سنده فهو شاذ. ومنه قراءة (مَلَكَ يومَ الدين) بصيغة الماضي الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مَلَكَ يومَ الدين، مَلَكَ فعلٌ ماضي والضمير فاعل هو ويومَ هذا مفعولٌ به هذه قراءة ضعيفة لم يصح سندها.

الخامس: الموضوع. وهو: ما لا أصل له. مثلوا له ما جمعه الخزاعي محمد بن جعفر نسبها إلى أبي حنيفة قراءة جماعها ألفها ونسبها إلى أبي حنيفة أتباع أبي حنيفة يصنفون وينسبون لأبي حنيفة - إكرامًا له تعظيم تعظيمًا له -! ولذلك مر معنا المقصود هذا ألفه الإمام الأعظم والفقه الأكبر .. إلى آخره وهذا منه، قراءات.

السادس: المدرج. وهو ما زيد في القرآن على وجه التفسير. مثلوا له بقراءة ابن مسعود (وله أخٌ أو أختٌ من أمٍ)، من أمٍ هذه زيادة زادها ابن مسعود تفسيرًا ولم يمنع ابن الجزري رحمه الله من كون بعض الصحابة يزيد بعض الألفاظ من باب التفسير قالوا: وهذا لا يلتبس لأن القرآن عندهم مصان ومحفوظ ولا يمكن أن يُشكل هذا اللفظ زائد عن القرآن أو لا.

هذه ستة أقسام ذكرها السيوطي رحمه الله في ((الإتقان)) وفي ((التحبير)) إذا عرفنا أن القراءات وقع خلاف ونزاع متواتر، ومشهور، وآحاد، وهل يجوز القراءة به أو لا يحوز قد يَرِدُ السؤال هل هناك فائدة من جهة الشرع في الاختلاف أو لا، حتى فيما ثبت من جهة التواتر.

نقول: نعم ثم فوائد ذكرها بعض أهل العلم:

أولها: تدل هذه القراءات على اختلافها على صيانة كتاب الله تعالى وحفظه من التبديل والتحريف مع كونه على هذه الأوجه الكثير، وجوه كل قارئ له طريقان وكل طريق له وجوه متعددة وخلاف إلى آخره كل هذه تدل على ماذا؟

ص: 16

تدل على حفظ القرآن لا العكس، يعني لا يُستدل على الاضطراب في القرآن.

نقول: لا هذه ثابتة ومتواترة وبعضها إن لم يكن متواترًا إلا أن الصحيح إنه مشهورٌ أو صحيح من جهة الآحاد حينئذٍ يثبت في كونه قرآنًا أو طريقًا أو وجه، فنقول هذا يدل على ماذا على صيانة كتاب الله تعالى وأنه محفوظٌ بلفظه وقراءته وما اختُلف في قراءته أليس كذلك؟

الثاني: التخفيف عن الأمة وتسهيل القراءة عليها. هذا يستطع أن ويقول الصراط ويقول السراط ويقول الظراط .. إلى آخر كل ذي بال يكون عليه من السليقة.

الثالث: إعجاز القرآن في إيجازه. حيث تدل كل قراءةٍ على حكمٍ شرعي دون تكرر اللفظ. يعني اختلاف القراءات قد تدل قراءةٍ على حكمٍ شرعي والأخرى على حكمٍ شرعي قد يقع اضطراب بينهم خلاف أليس كذلك حينئذٍ نقول: كل قراءةٍ تُنَزَّل منزلة دليلٍ مستق. ولذلك نصل الشيخ الأمين رحمه الله في ((الأضواء)) بأنه إذا اختلفت قراءتان نُزِّلَ كلٍ منهما مُنَزّل الحديثين المتعارضين. يعني إذا وقعت قراءة عندهم تتضمن حكمًا وقراءة أخرى تنفي ذلك الحكم فحينئذٍ ماذا تصنع؟ الآية واحدة واختلف القراء فيها تجعل القراءة الأولى مُنَزّلةً مُنَزّل الحديث وهذا مُنَزّل مُنَزّل الحديث كما تصنع بين الحديثين المتعارضين كذلك تصنع بين القراءتين المتعارضتين.

الرابع: بيان ما يحتمل أن يكون مجملاً في قراءةٍ أخرى فَيُبَيَّنُ في قراءةٍ أخرى. يعني يحتمل أنه مجمل. لو أردنا مثال على السابق الثالث: إعجاز القرآن في إيجازه، القراءة المشهورة في سورة المائدة {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6]. (وَأَرْجُلِكُمْ). هاتان قراءتان أرجلِكم بالكسر وأرجلَكم بدل أن نقول أنه من الجر بالمجاورة هذا ضعيف، المجاورة ضعيف أكثر أهل العربية على أنه ضعيف وإذا أمكن حمل الآية على معنى مستقل حكمٌ شرعي لا يُعارض الحكم التي دلت عليه قراءة النص فنقول نحمل كلاً من القراءتين على حكمٍ مستقل على الأخرى، {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} بالنصب عطف على {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} وهذا يبين ماذا؟

يبين إحدى حالتي القدم وهي إذا كانت مكشوفة {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} (أَرْجُلِكُمْ) بالخفض عطفًا على رؤوس بالجر ولا نقول عطفًا على الأول وجاء بالجر حينئذٍ صار من باب المجاورة نقول: لا، هنا قُصد فيها أن يكون معطوفًا على {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة: 6] وهذا بيانٌ للحالة الأخرى للقدم وهي فيما إذا كانت مستورة، فحينئذٍ يُستدل بإثبات مسح الخفين بماذا بالكتاب والسنة ولا نقول بالسنة فقط ونذكره نقول: لا، نقول هو مجمع على إنها إشكال لأنه يذكر في باب المعتقد، نقول: ثبت بالكتاب وبالسنة بالكتاب في قراءة إذًا هذا دل على حكم شرعي وهذه دلت على حكم شرعي، فحينئذٍ نُزِّلَت كل قراءة على مضمون خاص مغاير للأخرى وهذا لا بأس فيه.

ص: 17

وأما بيان ما يحتمل أنه مجمل هذا كما في قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]. بالتخفيف قُرِأَ حتى (يَطَّهَّرْنَ) فحينئذٍ يَطْهُرْنَ يَطَّهَّرْن، هل بينهما فرق {حَتَّىَ يَطْهُرْنَ} . يعني بانقطاع الدم [

اسمع اسمع

] {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ} . بانقطاع الدم ثم يأتي الخلاف هل يجوز أن يأتي ويطأ قبل الغسل أو لا، سيأتي الخلاف نحتاج إلى دليل آخر لكن إذا نظرنا إلى القراءة الأخرى يَطَّهَّرْنَ علمنا ماذا أنه لا يكفي انقطاع الدم وهو طهر انقطاع الدم هذا يسمى طهرًا فحينئذٍ نقول: لا يكفي لا بد من زيادة شيءٍ آخر دلت عليه القراءة الأخرى فقوله: {حَتَّىَ يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]. هذا صار كالمجمل أنه محتمل هل المراد بالطهر هنا الطهر بالغسل أو انقطاع الدم، محتمل فلما جاءت القراءة الأخرى بين ماذا أن المراد هو الغسل أن المراد الغسل يعني حتى تَتَطَهَّر بالماء، ثم قال رحمه الله تعالى:(ولَيْسَ يُقْرَأُ بِغَيْرِ الأَوَّلِ) يعني لا يجوز القراءة بغير الأول الذي هو المتواتر وما عداها فالمشهور عند المتأخرين لا تجوز قراءة بها لا في الصلاة ولا في غيرها وسبق أن السبكي الكبير نقل عن البغوي وهو من القراء الكبار أن الاتفاق حاصلٌ على جواز القراءة بالثلاثة قال: وهذا هو الصواب.

.....................

وَصِحَّةُ الإِسْنَادِ شَرْطٌ يَنْجَلِيْ

لَهُ كَشُهْرَةِ الرِّجَالِ الضَّبْطِ

وِفَاقُ لَفْظِ العَرَبِيْ والخَطِّ

هذا بيانٌ لما ذهب إليه ولا أدري لماذا ذكره إذا مشى على التفصيل الثلاثي المتواتر والآحاد والشاذ وبأنه لا يُقرأ بغير الأول لماذا يذكر الشروط هذا الأركان؟

أنا لا أدري لماذا ذكرها، الأصل أنه لا يذكرها لأن هذا يمشي على ماذا على القول الرابع أن المعتمد الضوابط إلا إذا كان المراد أن يُبين طريقة ابن الجزري ومن سلك مسلكه فلا إشكال، يكون من باب الإنصاف، ذكر قوله وما يعتمده ثم استطرد فذكر الشروط والأركان التي ذكرها ابن الجزري في إثبات القرآنية، كونه قرآنًا بهذه الشروط الثلاثة أليس كذلك يحتمل هذا أما قوله:(ولَيْسَ يُقْرَأُ بِغَيْرِ الأَوَّلِ). وقوله فيما سبق (ولَيْسَ يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ) بغير المتواتر وهو الآحاد والشاذ، ثم يقول:(وَصِحَّةُ الإِسْنَادِ) إلى آخره وهذا فيه تعارض، تعَارض لا يمكن أن يجمع بينهما إلا إذا كان مذهبًا للناظم إلا أن يكون من باب التبرع. وهذا يحصل عند بعض المصنفين يذكر اختياره ثم بعد ذلك يتبرع للقارئ فيذكر له ما قد يرجحه على اختياره هو.

إذًا قوله: (وَصِحَّةُ الإِسْنَادِ) هذا استطراد من المصنف نجعله استطرادًا وإلا تناقض مع أوله.

[

السيوطي ذكرها ما أدري يرجع للنقاية]

(وَصِحَّةُ الإِسْنَادِ شَرْطٌ يَنْجَلِيْ) هذا شروط تحقق القرآنية للقراءة المشهورة على طريقة ابن الجزري رحمه الله، وهي ثلاثة (وَصِحَّةُ الإِسْنَادِ شَرْطٌ

يَنْجَلِيْ) (شَرْطٌ) الشرط معلومٌ أنه يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجودٌ ولا عدمٌ لذاته. هذا هو الشرط وهو خارجٌ عن الماهية:

والركن جزء الذات والشرط خرج

وصيغة دليلها في المنتهج

ص: 18

(وَصِحَّةُ الإِسْنَادِ) باتصاله وثقة رجاله وضبطهم وشهرتهم كما سينص عليه المصنف رحمه الله تعالى (شَرْطٌ يَنْجَلِيْ) ويتضح ويظهر لهو الضمير يعود للقرآن أي: لكونه قرآن (شَرْطٌ يَنْجَلِيْ)(صِحَّةُ الإِسْنَادِ)(صِحَّةُ) هذا مبتدأ (شَرْطٌ) هذا خبره (يَنْجَلِيْ) صفة لشرط (يَنْجَلِيْ) يعني يتضح، (لَهُ) للقرآن في إثبات قرآنيته (كَشُهْرَةِ الرِّجَالِ الضَّبْطِ)(كَشُهْرَةِ الرِّجَالِ) يعني لا بد من شهرة الرجال ولا بد من ضبطهم فذكر وصفيتن اثنين لصحة الإسناد لا بد من وجودهما في الإسناد حتى يحكم بصحته شهرة الرجال والضبط بحذف أو إسقاط وهذا جائزٌ في الشعر مختلف فيه في النثر، الضبط هذا بالجر عطفًا على شهرة (وَصِحَّةُ الإِسْنَادِ) قال ابن الجزري: أن يروي تلك القراءة العدل الضابط عن مثله لأن كلام الآن فيه شروط ابن الجزري وأولى من يفسر شروطه هو، إذًا ما المراد بصحة الإسناد؟

قال: أن يروي تلك القراءة العادل الضابط عن مثله كذا حتى تنتهي وتكون مع ذلك مشهورةً عند أئمة هذا الشأن غير معدودة من عندهم من الغلط أو مما شذ بها بعضهم. كأنه لا يجعل صحة الإسناد فقط هي المثبتة للقرآنية، وإنما لا بد من مراعاة الشهرة وماذا أنه لم يشذ بها.

(لَهُ كَشُهْرَةِ الرِّجَالِ الضَّبْطِ) فإن انتفى صحة الإسناد حينئذٍ نقول: انتفى كونه قرآنًا، ولو وافق الرسم والقواعد. مثال ما لم يصح سنده كقراءة من قرأ (إنما يخشى اللهُ من عباده العلماءَ)، هكذا قرأ بعضهم لكنها لم تصح من جهة السند فهي باطلة برفع لفظ الجلالة ونصب العلماء.

لَهُ كَشُهْرَةِ الرِّجَالِ الضَّبْطِ

وِفَاقُ لَفْظِ العَرَبِيْ والخَطِّ

ص: 19

(وِفَاقُ) وفاق يعني موافقة هذا عطف على ماذا على الصحة. (وَصِحَّةُ الإِسْنَادِ) هذا الشرط الأول، الثاني:(وِفَاقُ لَفْظِ العَرَبِيْ) أي موافقة القواعد العربية ولو بوجهٍ، ولو بوجه المراد به أي وجهٍ من وجوه النحو سواءٌ كان أفصح أو فصيحًا مجمعًا عليه أو مختلفًا فيه اختلافًا لا يضر مثله، سواءٌ كان أفصح أو فصيحًا مجمعًا عليه أو مختلفًا فيه اختلافًا لكنه قيد الاختلاف هنا باختلاف لا يضر مثله، إذا كانت القراءة مما شاع وذاع وتلقاه الأئمة بالإسناد الصحيح إذ هو الأصل الأعظم والركن الأقوم - يعني صحة الإسناد - ولا يلتفت إلى إنكار النحاة لبعضها، بعض النحاة يتدخل القراءة سنة متتبعة فما وافق صح سنده ووافق الرسم حينئذٍ نقول قراءةٌ صحيحة ووافق القواعد العربية في الجملة عام مما اشتهر وذاع، فإذا خالف ولو سُمِعَ وقيل به عند بعض وقد يكون مذهب الكوفيين قائم عليه فيقول هذا قراءة شاذة لا تصح لماذا؟ لكونها خالفت القواعد العربية كإسكان (بَارِئْكُمْ) [البقرة: 52]، (إِنَّ اللهَ يَأْمُرْكُمْ)[البقرة 67]، هذه كيف نوجهها؟ قال: السكون هذا خطأ هذا لحن، فحينئذٍ خطئوا هذه القراءة (وَالأَرْحَامِ)، (وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ) [النساء: 1] بالجر بالخفض فطعنوا في القراءة لماذا لكونها مخالفةً لقواعد العربية لكن نقول قيده ابن الجزري أن تكون ثم خلاف لكنه خلافٌ لا يضر مثله، وهذا لا يضر مثله (وَالأَرْحَامِ) إذا كان مذهب الكوفيين قائمًا على جواز العطف على الضمير المجرور دون إعادة الخافض إذًا لا بأس (وَالأَرْحَامِ) وبالأرحام.

(وِفَاقُ لَفْظِ العَرَبِيْ والخَطِّ) أي: وفاق، الخط هذا عطف على ماذا؟

لا، على (لَفْظِ) هذا مثل ابن جني لما قال لأبيه: إذا سئلت

فقل: في المسألة قولان. إذاً قوله: (والخط) هذا معطوف على ماذا؟ على (لفظ)، يعني وفاق الخط أن تكون القراءة موافقة للخط، أي وفاق خط مصحف الإمام عثمان رضي الله عنه، وهذه قيل: ستة، المصاحف التي استنسخها عثمان رضي الله عنه قيل: ستة:

1 -

المكي.

2 -

والشامي.

3 -

والبصري.

4 -

والكوفي.

5 -

والمدني العام.

6 -

والمدني الخاص به لنفسه، اتخذه لنفسه.

هذه ستة وهو المسمى بالإمام الخاص به، وقيل: ثمانية:

مصحف البحرين.

ومصحف اليمن.

وقيل: مصحف مصر.

ص: 20

يعني صارت تسعة، والمشهور أنها ستة، فما وافق واحدا منها – وليس المراد أن يوافق الإمام فقط – فما وافق واحدًا منها ولو احتمالاً، نقول: نثبت به القراءة، أي ما كان ثابتًا في بعضها دون بعض، كقراءة ابن عامر (قَالُواْ اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) [البقرة: 116] في البقرة بدون واو، وقوله:(وبالزبر وبالكتاب المنير) بالباء فيهما، فإن ذلك ثابت في المصحف الشامي، (قَالُواْ اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً){وَقَالُوا} بزيادة الواو، ولو نظر إلى مصحف واحد إما أن يكون بالواو، وإما أن لا يكون، فإذا نظرنا إلى اعتبار القراءة بموافقة مصحف واحد خطأنا إحدى القراءتين، لكن نقول: لا، (وقالوا) بالواو وافقت مصحفًا عثمانيًا، (قالوا) بدون واو وافقت مصحفًا عثمانيًا، ولذلك قرأ ابن كثير {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [التوبة: 72]- في براءة التوبة -،

(تَجْرِي تَحْتهَا الأَنْهَارُ)، {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} ؛ لأنها ثابتة في المصحف المكي، (وفاق لفظ العربي والخط)، مثال ما صح وخالف العربية وهو قليل جدًا، وقيل: بل لا يكاد يوجد، أن يكون صحيح السند ثم يخالف القواعد العربية، لا يمكن أن يحمل على وجه مشهور أو فصيح أو أفصح أو مختلف فيه اختلاف لا يضر، قالوا: هذا لا وجود له، لكن مَثَّلَ السيوطي رحمه الله برواية خارجة عن نافع (معائش) بالهمز، وبعضهم خرجها

{مَعَايِشَ} ، (معائش) بالهمز، وبعضهم خرجها قراءة صحيحة.

ومثالُ ما صح وخالف الخط قراءة ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -

(وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا)، (أمامهم) أصلها:

{وَرَاءهُم} ، وهذا من الأضداد، {وَرَاءهُم} (أمامهم)، وزاد كلمة

(صالحة)، قالوا: هذا صح سنده وخالف الخط، ولذلك حكموا بكونها شاذة.

................

وصحة الإسناد شرط ينجلي

له كشهرة الرجال الضبط

وفاق لفظ العربي والخط

هذه ثلاثة أركان إن وجدت ثبتت القرآنية، فحينئذ كل ما صح سنده، ووافق القواعد العربية - على ما ذكره ابن الجزري - ووافق الرسم العثماني، ثبتت القرآنية، فصحت وجازت القراءة به مطلقًا، وما اختلت الأركان كلها أو بعضها حينئذ سقطت القرآنية، فلا يجوز القراءة بها، وهل هي كخبر الواحد أو لا؟ على الخلاف المذكور السابق.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 21