المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مقدمة عن كتب علم مصطلح الحديث - شرح نخبة الفكر للخضير - جـ ١

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌مقدمة عن كتب علم مصطلح الحديث

‌شرح نخبة الفكر (1)

‌مقدمة عن كتب علم مصطلح الحديث

وكتاب نخبة الفكر (شروحها- وحواشيها- ومن نظمها

)

الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً خالصاً لوجهك، صواباً على سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.

أما بعد:

مقدمة عن كتب علم مصطلح الحديث:

فقد طلب مني أن أشرح مختصراً وجيزاً، ومتناً متيناً، وأصلاً أصيلاً من المتون العلمية التي هي كالقواعد والأسس الثابتة التي يبنى عليها غيرها، وهذا المختصر هو (نخبة الفكر) للإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله.

وهذا الكتاب على وجازته إذ لا يزيد على ثلاث أو أربع أو خمس ورقات حسب اختلاف الطبعات إلا أنه حوى علماً عظيماً مباركاً من أهم العلوم وأشرفها يتعلق بالمصدر الثاني من مصادر التشريع، وهو سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، والسنة جاء في أول الأمر النهي عن كتابتها وتدوينها، فقد ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي سعيد أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:((لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن، ومن كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحه)) وهذا قاله النبي عليه الصلاة والسلام، خشية منه على اختلاط كلامه بكلام الله عز وجل؛ لأن القرآن لم يكن مجموعاً في مصحف معزولاً عن غيره، فإذا سمع الصحابي الكلام من النبي عليه الصلاة والسلام فيما ينقله عن ربه عز وجل من وحي نوعان:

منه ما هو متعبد بلفظه وهو القرآن، ومنه ما هو متعبد بمعناه دون لفظه وهو السنة.

ص: 1

وكلاهما من عند الله عز وجل {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3 - 4) سورة النجم] فخشية منه عليه الصلاة والسلام أن يختلط كلامه بكلام الله نهى عن كتابة غير القرآن، فحمل أهل العلم هذا النهي على هذه الصورة، أو خشية منه عليه الصلاة والسلام أن يعتمد الناس على الكتابة ويهملوا الحفظ، ثم بعد ذلكم احتيج إلى الكتابة فأذن بها ((اكتبوا لأبي شاه)) يقول أبو هريرة:"ما كان من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر مني رواية، وأكثر مني حديثاً إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب"، وبعد ذلك المنع حصل الإجماع على جواز الكتابة، بل على استحباب تدوين العلم.

ومن أهم ما يدون ما يعتمد عليه في إثبات تصرفات المسلم على مراد الله، وعلى مراد رسوله عليه الصلاة والسلام.

كتب الصحابة، كتبوا السنن من عهده عليه الصلاة والسلام، واستمرت الكتابة كتابة فردية، ثم لما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة -رحمة الله عليه- أمر الإمام محمد بن شهاب الزهري بالتدوين الرسمي، فعمر بن عبد العزيز خشي من ضياع السنة لضعف الحافظة لدى الناس، ومعلوم أن العرب كانوا يتميزون بالحفظ ثم لما اختلطوا بغيرهم أخذت هذه الملكة والغريزة تضعف شيئاً فشيئاً، في العادة أن من يعتمد على شيء يعتني به، لما كان عمدتهم الحفظ كانوا يعتنون به، ثم لما توسعوا في أمر الكتابة، ضعفت الحوافظ لدى الناس، وهذا شيء مشاهد، الشيء الذي تعتني به وتودعه حفظك في الغالب أنك تحفظه، أما إن كنت بمجرد سماعه تخرج القلم وتكتب فإن هذا لا يثبت في الحفظ، وإن ثبت في الورق.

ثم تتابع الناس بعد ذلك على الاعتماد على المكتوب، اعتمدوا عليه اعتماداً كلياً، فدونت الأحاديث، ودونت العلوم كلها، بداية من منتصف القرن الثاني يعني بعد أمر عمر بن عبد العزيز لابن شهاب الزهري تتابع الناس في الكتابة حتى وجدت المصنفات من الموطئات والمسانيد والمصنفات، المصنفات نوع من أنواع التأليف في السنة، ثم بعد ذلكم دونت الجوامع من الصحاح والسنن والمعاجم وغيرها، بهذه الطريقة وجدت كتب السنة، لكن ماذا عن كتب علوم الحديث؟

ص: 2

علوم الحديث كغيره من علوم الآلة التي هي وسائل إلى علوم أخرى، علوم الحديث وسيلة يتوصل به إلى تمييز الصحيح من الضعيف من كلام النبي عليه الصلاة والسلام، فهو وسيلة وليس بغاية.

في أول الأمر لم تكن الحاجة داعية إلى التأليف المستقل في هذا العلم، ومثله علوم الآلة كلها، التي هي الوسائل أصول الفقه، علوم القرآن وقواعد التفسير، وعلوم العربية بفروعها العشرة المعروفة.

لما كثر اختلاط العرب بغيرهم، وبعدوا عن عصر الرسالة احتاجوا إلى قواعد وضوابط تعينهم على فهم الكتاب والسنة، ووجد هذا العلم مبثوثاً ومنثوراً في كتب الأئمة، في كتب الإمام الشافعي كالرسالة والأم، وكتب تلميذه الإمام أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني ويحيى بن معين والبخاري والترمذي والنسائي وغيرهم، فوجدت هذه القواعد وهذه الضوابط التي يحتاجها طالب العلم لفهم السنن في الكتب المبثوثة.

واختلف أهل العلم في أول ما صنف في هذا العلم على سبيل الاستقلال، فمنهم من يقول: الإمام الشافعي في الرسالة، والرسالة وإن قال أهل العلم: إنها أول ما صنف في أصول الفقه، فهي أول ما دون في علوم الحديث، الرسالة يوجد فيها هذا وهذا، ولا انفكاك لعلوم الحديث من أصول الفقه، كما أنه لا انفكاك لأصول الفقه عن علوم الحديث.

وجد أيضاً في سؤالات الإمام أحمد فيما يسأله عنه تلاميذه كثير من قواعد هذا العلم، وما يتعلق بعلله ورجاله ثم في سؤالات يحيى بن معين، وعلل ابن المديني، وتواريخ الإمام البخاري -رحمة الله عليه-، وجامع أبي عيسى الترمذي فيه كثير مما يحتاجه طالب العلم، ولو قيل: إن أولى ما يتمرن عليه طالب العلم في معرفة المتون والأسانيد ونقد الرجال وتعليل الأحاديث جامع الترمذي لما كان بعيداً، فيه الأنواع كلها، ووجد في سنن النسائي التراجم التي ترجم بها على الأحاديث كثير من ضروب العلل وأصنافها.

ص: 3

نظراً لعدم وجود بداية محددة للتأليف في هذا الفن خرج الحافظ ابن حجر من هذا كله بقوله: "فمن أول من صنف فيه القاضي الحسن بن محمد بن خلاد الرامهرمزي في كتابه (المحدث الفاصل) "، ويعتبره بعضهم هو أول المصنفات في هذا الفن، لكنه لم يستوعب، وهذا أمر طبيعي وعادي أن يكون أول من يؤلف لا يستوعب، ثم يأتي من بعده أهل العلم فيكملون ما بدأه من مشروع، ثم جاء بعده الحاكم أبو عبد الله فصنف المعرفة (معرفة علوم الحديث).

الأول قال عنه الحافظ: لم يستوعب، والثاني قال عنه: لم يهذب ولم يرتب، يعني الحاكم أبا عبد الله في (معرفة علوم الحديث)، وابن خلدون في مقدمته الشهيرة قال عن الحاكم:"إنه أول من هذب هذا العلم ورتبه"، أول من هذب هذا العلم ورتبه الحاكم فهل من اختلاف بين قول الحافظ وقول ابن خلدون؟ في اختلاف واضطراب وإلا ما في؟ نعم، هذاك قال: لم يهذب ولم يرتب، وقال هذا: أول من هذب هذا العلم ورتبه؟

أقول: لعل الحافظ رحمه الله نظر إلى من جاء بعد الحاكم فمن قارن كتاب الحاكم بما ألف بعده من كتب في علوم الحديث حكم على معرفة علوم الحديث أنه لم يهذب ولم يرتب، وابن خلدون نظر إلى ما كتب قبل الحاكم، ولا شك أن الحاكم أبدع في كتابه إذا نظرنا إلى ما ألف في الفن قبله، ترتيب وتهذيب وجمع لا نظير له إذا قسناه بما قبله.

ثم جاء الحافظ أبو نعيم الأصفهاني فعمل على كتاب الحاكم مستخرجاً. . . . . . . . . المستخرج على علوم الحديث، إيش معنى المستخرج؟ يعمد عالم من علماء الحديث إلى كتاب معتبر عند أهل العلم ويخرج أحاديث الكتاب بأسانيده هو من غير طريق صاحب الكتاب، وقد يستغلق عليه الأمر ويضيق عليه فلا يجد الحديث إلا من طريق مؤلف الكتاب وحينئذ هو بين خيارات ثلاثة -كما فعله أصحاب المستخرجات-: إما أن يعلق الحديث ويحذف الإسناد، أو يرويه من طريق صاحب الكتاب، أو يحذف الحديث.

ص: 4

ثم بعد أبي نعيم تتابع أهل العلم في الكتابة في هذا العلم فألف الخطيب البغدادي الذي صنف في علوم الحديث وفي قوانين الرواية كتاباً جامعاً ماتعاً نافعاً أسماه: (الكفاية في قوانين الرواية) وفي آداب الراوية والراوي كتاباً آخر أسماه: (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)، وهذا كتاب نفيس لا يستغني عنه طالب علم، ونحن اليوم بأمس الحاجة إلى مثل هذا الكتاب إذا أضيف إليه (جامع بيان العلم وفضله) لابن عبد البر، و (فضل علم السلف على الخلف) لابن رجب، و (مقدمة الموضح في أوهام الجمع والتفريق) للخطيب أيضاً، طالب العلم بحاجة ماسة إلى أن ينظر في مثل هذه الكتب؛ لأننا نلاحظ على كثير من طلاب العلم لا سيما من يتصدى لهذا الفن العظيم -أعني الحديث وعلومه- نلاحظ عليهم بعض الشدة والقسوة وشيء من غمط الآخرين، ولا أقول: إن هذا موجود بكثرة لكنه موجود.

ثم ألف القاضي عياض كتاباً لطيفاً أسماه: (الإلماع إلى أصول الرواية وتقييد السماع) لكنه خاص بطرق التحمل والأداء.

ثم بعد ذلكم جاء الإمام أبو عمرو بن الصلاح فألف مقدمته الشهيرة التي جمع فيها ما تفرق مما كتب قبله في كتب الخطيب وغيرها؛ لأن الخطيب ما من نوع من أنواع علوم الحديث إلا وكتب فيه كتاباً مستقلاً، حتى قال الحافظ أبو بكر بن نقطة:"كل من أنصف علم أن كل من جاء بعد الخطيب عيال على كتبه" عالة على كتب الخطيب، ثم بعد ذلكم يقال: الخطيب أساء إلى علوم الحديث، وأدخل فيه من أصول الفقه وعلم الكلام، لا شك أن الناس في القرن الخامس وما بعده تأثروا بعلم الكلام، ويأتي مزيد بسط لهذا الكلام -إن شاء الله تعالى-.

ص: 5