المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أسباب الطعن في الراوي: - شرح نخبة الفكر للخضير - جـ ٦

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌أسباب الطعن في الراوي:

الرابع: فصل آخرون فقالوا: إن عرف من المدلس أنه لا يروي إلا عن ثقة فإنه يقبل بأي صيغة روى، وإن كان المدلس يروي عن الثقات وغير الثقات فلا يقبل إلا إذا صرح بالتحديث، وذكر ابن عبد البر في التمهيد عن أئمة الحديث أنهم قالوا: لا يقبل تدليس الأعمش، لا يقبل تدليس الأعمش لماذا؟ لأنه إذا وقف أحال على غير ملي، يعني يروي عن غير الثقات، يعنون على غير الثقة، وقالوا: يقبل تدليس ابن عيينة؛ لأنه إذا وقف أحال على ابن جريج ومعمر ونظائرهما من الثقات، والراجح -والله أعلم- هو القول الثالث، وهو ما اختاره المحققون من العلماء وهو قبول خبر المدلس إذا صرح بالتحديث وإلا فلا، مع استثناء ما في الصحيحين.

وقوله: "وكذا المرسل الخفي من معاصر لم يلق" تقدم تحقيق معنى المرسل الخفي والفرق بينه وبين التدليس، وعرفنا أنه إذا كان الراوي قد لقي وسمع من روى عنه وروى عنه ما لم يسمعه منه هذا يسمى تدليس، إذا كانت بينهما المعاصرة فقط ولم يثبت اللقاء ولا السماع وروى عنه بصيغة موهمة فإنه يسمى المرسل الخفي، وهذا هو الفرق بين المرسل الخفي والتدليس، نعم.

‌أسباب الطعن في الراوي:

قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "ثم الطعن: إما إن يكون لكذب الراوي، أو تهمته بذلك أو فحش غلطه، أو غفلته، أو فسقه، أو وهمه، أو مخالفته، أو جهالته، أو بدعته، أو سوء حفظه".

الطعن في الراوي كيف يتسرب الطعن في الراوي؟

أولاً: كيف ينفذ الضعف إلى الحديث؟ عرفنا أن الحديث إنما يضعف بسبب السقط من الإسناد أو ضعف في راويه، بسبب السقط من الإسناد وهذا كله تقدم بأنواعه الستة الظاهرة والخفية، وأما الطعن في الراوي وهو المسلك الثاني من مسالك الضعف إلى الخبر، وينقسم هذا إلى قسمين رئيسين، وتحت كل قسم خمسة أنواع:

القسم الأول: ما كان سببه الخلل في العدالة، والثاني: ما كان سببه اختلال الحفظ، القسم الأول: ما كان سببه الخلل في العدالة وينشأ عنه خمسة طعون من الطعون العشرة المذكورة الآن، والثاني: الخلل في الحفظ والضبط ويدخل فيه خمسة من الطعون المذكورة العشرة.

ص: 11

فما يتعلق بالعدالة من العشرة التي بين أيديكم الآن التي قرأها: الكذب يرجع إلى العدالة، التهمة بالكذب إلى العدالة، الفسق إلى العدالة، الجهالة إلى العدالة، والبدعة ترجع إلى العدالة، هذه الخمسة ترجع إلى العدالة، الخمسة الباقية: فحش الغلط، والغفلة، والوهم، ومخالفة الثقات، وسوء الحفظ، كلها ترجع إلى الخلل في الحفظ

الحافظ ما ميز وفصل هذا عن هذا، لماذا؟ ها؟ الحافظ بدأ بالطعون العشرة غير مميز لها وفاصل لما يتعلق بالعدالة وما يتعلق بالضبط، بادئاً بالأشد ثم الذي يليه على سبيل التدلي، أعظم ما يرمى به الراوي من الطعون الكذب، ثم الذي يليه التهمة بالكذب، ثم يليه فحش الغلط، ثم الغفلة، ثم الفسق، ثم الوهم، ثم مخالفة الثقات، ثم الجهالة، ثم البدعة، ثم سوء الحفظ، فرتبها ترتيباً متدلياً من الأعلى إلى الأدنى.

فبعد أن أنهى الحافظ -رحمه الله تعالى- المسلك الأول من مسالك الضعف إلى الحديث وهو السقط من الإسناد بأنواعه الظاهرة والخفية شرع -رحمه الله تعالى- ببيان المسلك الثاني وهو الطعن في الراوي.

ص: 12

والطعن مصدر طعن يطعن طعناً وطعناناً ثلب بالقول السيئ، وفلان طعان: أي وقاع في أعراض الناس بالذم والغيبة ونحوهما، ومنه الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي بلفظ:((ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان، ولا الفاحش البذيء)) والمراد بالطعن هنا: جرح الراوي باللسان، والتكلم فيه من ناحية عدالته ودينه، ومن ناحية ضبطه وحفظه وتيقظه، هذا المراد بالطعن هنا، هل المراد بالطعن هنا الطعن بالسهام؟ نعم، لا، إنما الطعن هنا المراد به جرح الراوي باللسان لا بالسهام والسنان، وإن كانت حقيقة الطعن هي ما كان في جسده بالسنان، لكن المراد بالطعن هنا جرح الراوي باللسان والتكلم فيه من ناحية عدالته ودينه، ومن ناحية ضبطه وحفظه وتيقظه، والكلام في الرواة تجريح الرواة وتضعيفهم ليس من الغيبة المحرمة، بل هو أمر جائز بإجماع أهل العلم، فيما نقله النووي في رياض الصالحين وغيره قد أوجبه بعضهم، أوجبه بعض العلماء للحاجة إليه، ولا شك أنه مما لا يتم الواجب إلا به إذاً هو واجب، إذ به يعرف صحيح الحديث من ضعيفه، وإذا فتح الباب في هذا المجال من أجل حفظ السنة، فإن هذا لا يعني إطلاق عنان اللسان بجرح الرجال من غير حاجة، فإنما ذلك إنما جوز للضرورة الشرعية، ولهذا حكم العلماء بأنه لا يجوز الجرح بما فوق الحاجة، يقول السخاوي:"لا يجوز التجريح بشيئين إذا حصل المقصود بواحد"، إذا عرف ذلك فليس لكل شخص أن يجرح ويعدل، بل لا بد من توافر شروط اشترطها العلماء في الناقد للرجال والمتكلم فيهم، كالعلم والتقوى والورع والصدق، والتجنب عن التعصب، ومعرفة أسباب الجرح والتزكية، وسيأتي الكلام بالتفصيل عن هذه المسألة عند ذكر الحافظ -رحمه الله تعالى- لمبحث الجرح والتعديل.

ص: 13