الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على كل حال الجرح إنما أبيح للحاجة، والضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، قد لوحظ على كثير من طلاب العلم أنهم صار مهنتهم الجرح والتعديل، الشيخ الفلاني قال، والشيخ الفلاني، والعلاني فيه ما لا فيه؟ وأخذوا يقعون في أعراض الناس ولم يسلم منهم حتى أهل العلم، نقول: هل من حاجة وضرورة داعية إلى مثل هذا الكلام؟ نعم، إذا وجد شخص ممن يتصدى لإفادة الناس ويخشى منه الضرر يحذر منه بقدر الحاجة، لكن تجعل نفسك حكم بين العباد وتجرح وتعدل من غير ما حاجة، لا شك أن أعراض المسلمين حفرة من حفر النار كما قال ابن دقيق العيد، والغيبة أمرها عظيم، والوقوع في أعراض الناس أمره شديد، وهذه حقوق العباد المبنية على المشاحة، والمفلس الحقيقي لما سألهم عنه النبي عليه الصلاة والسلام:((ما تعدون المفلس فيكم؟ )) أو ((من المفلس؟ )) قالوا: من لا درهم له ولا متاع، قال:((لا، المفلس من يأتي بأعمال من صيام وصدقة وصلاة وصلة يأتي قد شتم هذا وضرب هذا، وأخذ مال هذا، فيؤخذ لهذا من حسناته، ولهذا من حسناته)) .. إلى آخر الحديث، الإنسان قد يحرص على العمل، تطويد العمل وإتقانه ثم يأتي ويوزع الآثار المرتبة على هذا العمل، يكسب الحسنات ثم يوزعها على الناس، ألزم ما على الإنسان نفسه، ينبغي أن يحتاط لنفسه، ويحفظ ما تعب عليه من الحسنات، إذا تقرر هذا فالطعن في الراوي من ناحيتين:
الأولى: من حيث عدم العدالة.
والثانية: من حيث عدم الضبط.
وقد تقدم تعريف العدالة والضبط عند الكلام على الحديث الصحيح، وأوجه الطعن المتعلقة بانتفاء العدالة خمسة هي:
الكذب
، التهمة بالكذب، الفسق، البدعة، الجهالة، وأوجه الطعن المتعلقة بانتفاء الضبط خمسة: فحش الغلط، والغفلة، ومخالفة الثقات، الوهم، سوء الحفظ، لكن الحافظ -رحمه الله تعالى- لم يعتنِ بتمييز أحد القسمين على الآخر لمصلحة اقتضت ذلك وهي ترتيبها على الأشد فالأشد، في موجب الرد على سبيل التدلي من الأعلى إلى الأدنى فيها.
الكذب:
فالوجه الأول من أوجه الطعن في الراوي: الكذب: والكذب نقيض الصدق، يقال: كذب يكذب كَذِباً وكِذْباً، وكِذبة، وكَذبة، وكذاباً وكِذابا.
وفي الاصطلاح: هو الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو في الواقع عمداً كان أو سهواً، يعني إذا قلت كلام لا يطابق الواقع، إذا قلت: جاء زيد وهو لم يحضر فقد كذبت، سواءً قصدت الكذب أو لم تقصد الكذب، ولا واسطة بين الصدق والكذب عند أهل السنة خلافاً للمعتزلة، فلا يشترط لتسمية الكلام كذباً كونه صدر من قائله عمداً، بل مجرد الإخبار على خلاف الواقع يسمى كذاباً، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) ووجه الاستدلال من الحديث حيث قيد الكذب بالتعمد، فدل على أن هناك كذباً آخر إلا أنه لا وعيد فيه، وهو السهو والغلط، يسمى كذب لكنه لا يستحق هذه العقوبة، خلافاً للمعتزلة الذين يرون اشتراط العمدية لتسمية الكلام كذباً، ولذا يثبتون واسطة بين الصدق والكذب وهي كلام ليس بصدق ولا كذب، وأجمع من يعتد به من المسلمين على تحريم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحكم بأنه من كبائر الذنوب لما تواتر عنه صلى الله عليه وسلم من قوله:((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) هذا متواتر لفظه ومعناه كما تقدم، وهذا الوعيد الشديد يدل على أن الكذب على النبي عليه الصلاة والسلام كبيرة من الكبائر، موبقة من الموبقات، بل نقل أبو المعالي الجويني عن أبيه تكفير من يضع الحديث، يقول:"الذي يكذب على النبي عليه الصلاة والسلام متعمد يكفر" هذا قاله والد إمام الحرمين، لكن أبا المعالي ضعف هذا القول، وقال: إنه لم يره لأحد من الأصحاب، وأنه هفوة عظيمة.