المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ حكم رواية المبتدع - شرح نخبة الفكر للخضير - جـ ٩

[عبد الكريم الخضير]

فهرس الكتاب

- ‌‌‌شرح نخبة الفكر (9)

- ‌شرح نخبة الفكر (9)

- ‌وقد يكون مقلاً فلا يكثر الأخذ عنه، وصنفوا فيه الوحدان، أو لا يسمى اختصاراً وفيه المبهمات، ولا يقبل المبهم ولو أبهم بلفظ التعديل على الأصح، فان سمي وانفرد واحد عنه فمجهول العين، أو اثنان فصاعداً ولم يوثق فمجهول الحال وهو المستور، ثم البدعة إما بمكفر أو بمفسق، فالأول لا يقبل صاحبها الجمهور، والثاني يقبل ما لم يكن داعياً إلى بدعته في الأصح، إلا إن روى ما يقوي بدعته فيرد على المختار، وبه صرح الجوزجاني شيخ النسائي، ثم سوء الحفظ إن كان لازماً فهو الشاذ على رأى، أو طارئاً فالمختلط، ومتى توبع سيء الحفظ بمعتبر وكذا المستور والمرسل والمدلس صار حديثهم حسناً لا لذاته بل بالمجموع، ثم الإسناد إما أن ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم تصريحاً أو حكماً من قوله أو فعله أو تقريره، أو إلى الصحابي كذلك، وهو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام ولو تخللت ردة في الأصح، أو إلى التابعي وهو من لقي الصحابي كذلك، فالأول المرفوع والثاني الموقوف والثالث المقطوع ومن دون التابعي فيه مثله

- ‌ المبهم

- ‌من أسباب الطعن في الراوي البدعة:

- ‌ حكم رواية المبتدع

- ‌حكم رواية سيء الحفظ:

- ‌ المرفوع

- ‌المقطوع:

الفصل: ‌ حكم رواية المبتدع

لما أنهى الحافظ -رحمه الله تعالى- الحديث عن الجهالة وأسبابها وأنواعها شرع في بيان السبب التاسع من أسباب الطعن في الراوي وهو البدعة، وسبق الحديث عنها من حيث تعريفها وتقسيمها، وهنا‌

‌ حكم رواية المبتدع

، وهنا الكلام يقتصر على حكم رواية المبتدع.

حكم رواية المبتدع:

اختلف العلماء في الرواية عن الراوي المبتدع كالمرجئ والقدري والخارجي والرافضي وغيرهم في الاحتجاج بما يروونه على أقوال:

الأول: يرى جمع من أهل العلم أن رواية أهل البدع لا تقبل مطلقاً، وذلك لأنهم إما كفار وهذا في أهل البدع المغلظة، أو فساق لما ذهبوا إليه، وكلٌ من الكافر والفاسق مردود الرواية، فلا تقبل رواية المبتدع مطلقاً، وهذا القول مروي عن الإمام مالك والقاضي أبي بكر الباقلاني، واختاره الآمدي، وجزم به ابن الحاجب، وأيد هذا الرأي بأن في الرواية عن المبتدع ترويجاً لأمره، وتنويهاً بذكره، وقد رد ابن الصلاح هذا الرأي وقال: إنه مباعد للشائع عن أئمة الحديث، فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة، يعني رد رواية المبتدع مطلقاً مخالف لما عليه العمل عند أهل العلم، فكتب السنة مملوءة بالرواية عن المبتدعة.

القول الثاني: يرى بعض العلماء التفصيل فإن كانت البدعة صغرى قبل وإلا فلا، وبهذا قال الحافظ الذهبي معللاً بأنه لو ردت مرويات هذا النوع –يعني من كانت بدعته صغرى- لذهب جملة من الآثار النبوية وفيه مفسدة بينة؛ لأن هذا النوع كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق، وقال: وإن كانت الكبرى –البدعة كبرى- كالرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والدعاء إلى ذلك فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة، لا سيما ولست أستحضر الآن من هذا الضرب رجلاً صادقاً ولا مأموناً، بل الكذب شعارهم والنفاق والتقية دثارهم فكيف يقبل من هذا حاله؟ حاشا وكلا، هذا رأي الذهبي، التفريق بين البدعة الصغرى والبدعة الكبرى.

ص: 9

القول الثالث: وهو تفصيل أيضاً: وهو إن كان المبتدع داعية إلى مذهبه لم يقبل، وإلا قبل إن لم يروِ ما يؤيد بدعته، وهذا مذهب أكثر العلماء ونسبه الخطيب للإمام أحمد ورجحه ابن الصلاح، إن كان المبتدع داعية إلى مذهبه وبدعته لم يقبل وإلا قبل إن لم يروِ ما يؤيد بدعته، وهذا مذهب أكثر العلماء، ونسبه الخطيب البغدادي للإمام أحمد، ورجحه ابن الصلاح، بل نقل ابن حبان الاتفاق عليه، حيث قال في ترجمة جعفر بن سليمان الضبعي من الثقات، يقول:"وليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتقن إذا كانت فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها أن الاحتجاج بأخباره جائز، فإذا دعا إليها سقط الاحتجاج بأخباره"، "وليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتقن إذا كانت فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها أن الاحتجاج بأخباره جائز، فإذا دعا إليها سقط الاحتجاج بأخباره".

لكن قال السخاوي في فتح المغيث: "كلام ابن حبان ليس صريحاً في الاتفاق لا مطلقاً ولا بخصوص الشافعية""ليس بين أهل الحديث من أئمتنا" من أئمتنا، قال السخاوي في فتح المغيث:"كلام ابن حبان ليس صريحاً في الاتفاق" ليس بين أهل الحديث خلاف، إذا ارتفع الخلاف وجد الاتفاق؟ نعم، إذا لم يوجد خلاف في المسألة فيوجد الاتفاق؟ نعم، لا ما يلزم، ما يلزم قد يوجد خلاف لكنه لم يقف عليه الناقل، قد يكون ما يسمى بالإجماع السكوتي مثلاً، ويقول:"ليس بين أهل الحديث من أئمتنا"، فليس النقل عن أهل الحديث كلهم، وليس النقل عن أئمتهم كلهم، واضح وإلا مو بواضح؟ لأنه يقول:"ليس بين أهل الحديث من أئمتنا"، فأهل الحديث أعم من أن يكونوا من أئمتهم الشافعية، وأئمتهم الشافعية أعم من أن يكونوا أهل حديث أو أهل فقه أو غير ذلك، ولذا قال السخاوي:"كلام ابن حبان ليس صريحاً في الاتفاق لا مطلقاً ولا بخصوص الشافعية".

وأضاف الجمهور إلى كونه غير داعية ألا يروي ما يؤيد بدعته، وبذلك صرح الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني شيخ أبي داود والنسائي في كتابه:(معرفة الرجال)، فقال في وصف الرواة:"ومنهم زائغ عن الحق، زائغ عن الحق، صادق اللهجة، فليس فيه حيلة إلا أن يؤخذ من حديثه ما لا يكون منكراً إذا لم يقوِ بدعته".

ص: 10

قال الحافظ: "وما قاله متجه؛ لأن العلة التي رد لها حديث الداعية واردة فيما إذا كان ظاهر المروي يوافق مذهب المبتدع ولو لم يكن داعية" قال الحافظ العراقي:

والأكثرون ورآه الأعدلا

ردّوا دعاتهم فقط ونقلا

فيه ابن حبّان اتّفاقاً ورووا

عن أهل بدع في الصّحيح ما دعوا

ص: 11

مما يرد على هذا القول -رد حديث الداعية- يرد عليه تخريج البخاري لبعض الدعاة إلى البدع مثل عمران بن حطان، الذي قال فيه المبرد:"كان رأس القعدية من الصفرية وخطيبهم وشاعرهم"، قال ابن حجر:"إنه كان داعية إلى مذهبه"، عمران بن حطان داعية إلى مذهب الخوارج ومع ذلكم خرج له البخاري، وابن حجر يقول:"ما المانع أن يخرج لمثل هذا وإن كان داعية؟ لأن الخوارج عرفوا بصدق اللهجة"، الخوارج عرفوا بصدق اللهجة، لماذا؟ لأن الكذب عندهم كبيرة، والكبيرة مكفرة، تخرج من الملة عند الخوارج، فعلى هذا يقبل حديث الخوارج ولو كانوا دعاة على كلام الحافظ؛ لأن الخوارج عرفوا بصدق اللهجة بخلاف الروافض، لكن العيني في عمدة القاري وهو يرد على الحافظ يقول:"أي صدق في لهجة مادح قاتل علي؟ " الذي يمدح قاتل علي هل هذا يسمى صادق اللهجة؟ نعم؟ الذي يمدح قاتل علي رضي الله عنه يقال عنه: إنه صادق اللهجة؟ نعم، أقول: كلام الحافظ يقول: إن الخوارج عندهم صدق في اللهجة وهذا صحيح، هم من أصدق الطوائف، وشيخ الإسلام يقول ذلك، عندهم صدق في اللهجة، لكن العيني يرى مستدركاً على الحافظ ابن حجر أن كلامه ليس بصحيح لماذا؟ لأن عمران بن حطان على وجه الخصوص من هؤلاء الخوارج يمدح قاتل علي، والذي يمدح قاتل علي يسمى صادق؟ نقول: من وجهة نظره، من وجهة نظره يرى أن هذا هو الحق فيمدح الحق، فيمدح الحق، وهو مخطئ في زعمه ووهمه، لا شك أنه مخطئ ضال، لكن الصدق شيء، والضلال شيء آخر؛ لأنه قد يوجد الصدق عند بعض الضلال، وهو موجود حتى في الكفار، يوجد منهم من يصدق، والكذب قد يوجد بل هو موجود، وإن كان الأصل في المسلم أنه لا يكذب، لكن يوجد في المسلمين من يكذب، وهذا ما دعا ابن حزم أن يقول:"الداعية أولى بالقبول من المقلد" لماذا؟ " الداعية أولى بالقبول من المقلد" هذا كلام ابن حزم، جماهير الأمة على أن الداعية لا يقبل وابن حزم يقول:"الداعية أولى بالقبول من المقلد" لماذا؟ لأنه ينصر ما يراه حق، ينصر ما يراه حق الداعية، لكن كلامه مرجوح، بل مردود، وجماهير الأئمة على أن الداعية غير مقبول، وأما الخوارج على وجه الخصوص فيقبلون؛ لأنهم عرفوا بالصدق.

ص: 12

القول الرابع: تفصيل أيضاً: وهو أنه إن كان المبتدع يستحل الكذب لنصرة مذهبه لم يقبل وإلا قبل؛ لأن اعتقاد حرمة الكذب يمنع من الإقدام عليه فيحصل الصدق، وممن قال بهذا الإمام الشافعي، فقد روى الخطيب عنه قوله:"تقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية، "تقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة؛ لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم".

وحكاه الخطيب عن ابن أبي ليلى وسفيان الثوري وأبي يوسف القاضي، ونسبه الحاكم لأكثر الأئمة، الذي يستحل الكذب على هذا القول لا يقبل، لكن نرجع إلى أصل المسألة هو أن الخلاف في البدعة غير المكفرة، واستحلال الكذب مكفر وإلا غير مكفر؟ نعم مكفر، فلا ينبغي أن يدخل مثل هؤلاء في الخلاف، قال الحافظ العراقي:

وقيل: بل إذا استحلّ الكذبا

نصرة مذهب له ونسبا

للشّافعيّ إذ يقول: أقبل

من غير خطّابيّة ما نقلوا

لكن قال الشيخ أحمد شاكر: "هذا المذهب فيه نظر؛ لأن من عرف بالكذب ولو مرة لا تقبل روايته، فأولى أن ترد رواية المستحل للكذب".

والقول الخامس: يرى جماعة من أهل النقل والمتكلمين، يرى جماعة من أهل النقل والمتكلمين أن أخبار أهل الأهواء كلها مقبولة، سواءً كانوا فساقاً أو كفاراً بالتأويل، قال ابن حجر في شرح النخبة:"والتحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعته، والتحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعته؛ لأن كل طائفة تدعي أن مخالفيها مبتدعة، وقد تبالغ فتكفر مخالفيها فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف، فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمراً متواتراً من الشرع، معلوماً من الدين بالضرورة، وكذا من اعتقد عكسه، فأما من لم يكن بهذه الصفة، وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله"، هذا موجود في النزهة.

وأما ابن الصلاح فلم يدخل من كفر ببدعته في الخلاف أصلاً، ابن الصلاح لم يدخل من كفر ببدعته في الخلاف أصلاً، بل حصر الخلاف فيمن لا يكفر ببدعته، وتبعه على ذلك الحافظ العراقي فقال:

والخلف في مبتدع ما كفّرا

قيل: يردّ مطلقاً واستنكرا

ص: 13