الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهج التحقيق
اعتمدت في تحقيق الكتاب على ما توفّر لدي من الأصول الخطية التي تقدم وصفها: نسخة جامع المرسي "م"، نسخة دار الكتب "م"، نسخة جامعة الإمام "ج"، وهذه الأخيرة قابلت عليها الكثير من المواضع، والمشكلة منها على وجه الخصوص، واستعنت على إتمام بعض الخروم في أول الكتاب وآخره وكذا بعض المواضع المشكلة بقراءة محققي طبعتَي الصميعي والعبيكان لاعتمادهم على النسخة التركية "ت" الكاملة من الكتاب، وربما أشرت لقراءة الحساني في مواضع يسيرة برمز "ط"، خاصة إذا تابعه عليها من جاء بعده من الناشرين.
وأثبتّ أهم الفروق بين هذه النسخ، وخاصة ما كان منها مؤثرًا في المعنى، وأغفلت التنبيه على أوهام النساخ وتحريفاتهم البيّنة إلا اليسير عند الحاجة، ونبّهت على السقط الطويل كجملة ونحوها.
ثم قمت بخدمة النص بما يتطلبه ذلك من توزيع النص على فقرات، وضبط للمشكل من المصطلحات والأعلام ونحوها، وعزو للآيات، التي حافظت في رسمها على قراءة أبي عمرو البصري؛ قراءة أهل الشام في زمن المؤلف
(1)
، وتخريج موجز للأحاديث والآثار، وتوثيق ما استطعت من الأقوال والأشعار ونحوها من مصادرها الأصيلة، وربما مسّت الحاجة إلى
(1)
قال ابن الجزري (833 هـ) في "غاية النهاية"(1/ 292): "القراءة التي عليها الناس اليوم بالشام والحجاز واليمن ومصر هي قراءة أبي عمرو
…
ولقد كانت الشام تقرأ بحرف ابن عامر إلى حدود الخمس مئة فتركوا ذلك".
التعريف بعلم أو بيان معنى أو إيضاح مبهم ونحوه.
متوخّيًا في جميع ذلك ما يحقق المقصود بأقصر عبارة، وأوجز إشارة، دون إثقال للحواشي بتتبع الطرق والروايات وصنوف العلل وتعداد للمصادر وتعريف بالأعلام والكتب.
هذا، ولمّا كان الغرض من التحقيق هو تقديم النص التراثي للقارئ أقرب ما يكون إلى ما تركه مؤلفه؛ فإني آثرت الحفاظ على ما اتفقت عليه الأصول الخطية وإثباته في المتن، حتى لو كان وهمًا أو خطأً أو تحريفًا، بشرط وجود قرينة ترجّح أن هذا الخلل من قلم المؤلف لا من وهم الناسخ أو تحريفه، والتزمت التنبيه عليها في الحواشي وبيان وجه الصواب منها ما وسعني ذلك، وتلك القرائن تختلف باختلاف المقام والتقدير، ومنها على سبيل المثال:
أن يكون الوهم في نسبة القول إلى غير قائله، كما وقع في (1/ 336): "قال لبيد
…
"، ثم أنشد المصنف بيتًا مشهورًا لامرئ القيس، فلا يُتصوّر في مثله أن يتواطأ النسّاخ على الوهم عينه، أو يخلطون بين رسم "لبيد" و "امرئ القيس"، ليس هذا فحسب، بل عند الكشف عن مورد المؤلف هاهنا تبيّن أنه متابع للواحدي في هذه النسبة.
وقريب منه صنيعه في (1/ 333) حيث قال متابعة للواحدي أيضًا: "قال أبو عبيدة: يقال: ركست الشيء
…
"، وهو تحريف محض، صوابه: أبو عبيد، وهو في "غريب الحديث" له.
ومن أظهر القرائن فيما نحن بصدده أن يكون الخطأ أو التحريف في رجال الأسانيد بإبدال أو زيادة أو سقط؛ فإن البصير بكتب الرواية يدرك ما في
الباب من أنواع الاحتمالات التي يصعب معها الجزم بتخطئة الناقلين عنها، ويزيده تأكيدًا هنا وقوع عين الوهم في مصنفات المؤلف الأخرى.
ويكفي ما جاء في (1/ 33) حين نقل ابن القيم رواية بإسنادها من "مسند إسحاق": "أخبرنا بقية
…
عن راشد بن سعد، عن عبد الرحمن بن أبي قتادة"، وهو في أكثر المصادر: "عبد الرحمن بن قتادة"، غير أن بقية كان يضطرب في اسمه على الوجهين، يضاف إلى ذلك أن المؤلف متابع فيه لمصدره، كما سيأتي بيانه في موضعه.
ومما تكرر في الكتاب وغيره من كتب التراث أن يختصر المؤلف لفظ الحديث فيسقط بعض ألفاظه قصدًا في عدة مواضع، أو يسوقه بالمعنى، أو ينقل اللفظ بواسطة، فهذه قرينة أخرى شاهدة على ما نحن فيه، وهي غنية عن التمثيل لظهورها.
ومنه أيضًا أن يكون المثبت من التراكيب اللغوية غير الفصيحة التي يكثر استعمالها في عصر المؤلف وما بعده، كما يقع كثيرًا في الأعداد وتمييزها، والفاء في جواب الشرط وغير ذلك.
وعلى كل حال، فالمقصود هنا التنبيه بأمثلة تدل على المراد، سيأتي التنبيه على بعضها في محالّها، وقد كنت في غنى عن الإشارة إليها هنا لولا ما وقع في طبعات الكتاب القديمة والحديثة من عشرات الإصلاحات والتصرفات والزيادات في نص المؤلف داخل المتن، مخالفة للأصول الخطية، دون التفات للقرائن، أو انتفاع بالموارد.
وبعد؛ فقد بذلت جهدي في إخراج نص الكتاب وخدمته بما يليق به حتى يكون أقرب ما يكون لما تركه عليه مؤلفه، بحسب ما بلغته طاقتي
المحدودة وعلمي القاصر، والمأمول في قارئه أن يكون باذلًا للعلم ناصحًا، فلعلك تصلنا بما وجدت من خطأ أو ترشد إلى صواب؛ فإن العلم رحم بين أهله.
غفر الله لابن قيم الجوزية ولمحققه ولقارئه، وشملنا بواسع رحمته، إنه جواد كريم.
والحمد لله أولًا وآخرًا.
* * * *