الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الجزء الخامس عشر]
كلمة المصنف
إن وضع فهارس عامة لكتاب «صبح الأعشى» يشكل حاجة عملية ملحّة، ويكتسب أهمية خاصة من كون هذا المؤلّف الضخم يرتدي طابعا موسوعيا غزير المادة ومتنوعها؛ «فهو أشبه بغابة كبيرة، كثيرة الخيرات متعددة الثمار، ولكنها وعرة المسالك متشابكة الأغصان بحيث يصعب على من يطرقها- دون دليل مرشد- أن يخرج منها بما يشتهي «1» ، وهذا لا يعني أن مؤلف الكتاب لا يمتلك منهجا واضحا وسليما في التأليف والتصنيف؛ فهو صاحب منهج علمي واضح متقدم يقوم على أساس وحدة الفكرة من ناحية، وعلى أسلوب التفريع داخل إطار محدد من ناحية أخرى؛ وهو بذلك يلتقي مع أحدث أساليب ومناهج التصنيف الموسوعي الحديث، وهو التصنيف «الموضوعي» للمواد، أي تبعا للموضوعات وليس تبعا للطريقة الأبجدية. وموضوعاته سماها مقالات؛ وقد بسط كل مقالة على أبواب وفصول وجمل- وغير ذلك من طرائق البسط والتفريع- بالاضافة إلى مقدمة وخاتمة «2» . غير أنه لما كان همّ المؤلف الأساسي هو تقديم العدّة النظرية والمعلوماتية الكاملة «لكاتب الانشاء في الدواوين» فقد جاء اختياره لتقسيم موضوعاته على أساس من احتياجات الكاتب هذا، وليس على أساس احتياجات الباحث أو القاريء. ولما كانت احتياجات الكاتب في نظره تشمل جميع أنواع المعلومات في مجالي النظرية والتطبيق، فقد جاءت تلك المعلومات موزعة على جميع أبواب الكتاب وفصوله، وعلى امتداد أربعة عشر جزءا كبيرا. والحقيقة أن هذا الكتاب يحتوي على فيض من المعلومات والفوائد تتعلق
بصلب الموضوعات المطروقة وبتفريعاتها، وبما يتصل بها من قريب أو بعيد، تجعل منه مصدرا غنيا بذاته لا يشاركه في هذا الغنى غيره من المصادر. ولقد حفظ لنا القلفشندي ثروة ضخمة من الآثار والمعلومات عن عصره والعصور السابقة في مختلف نواحي التاريخ والسياسة والاقتصاد ونظم الحكم والعادات والآدات والعلوم، هذا إلى جانب وفرة من المصطلحات والمسميات في الشؤون العامة والخاصة تضيف إلى المعاجم العربية ثروة جديدة لم تدخلها إلى اليوم بالشكل الكافي. ونحن مثلا نجد كتبا بعينها تكاد تكون مفرغة بكاملها داخل كتاب صبح الأعشى: مثل التعريف بالمصطلح الشريف لشهاب الدين بن فضل الله العمري، ومعالم الكتابة ومغانم الاصابة لابن شيث القرشي، وبعض فصول من مؤلفات قديمة لم تشهد النور حتى الآن إما لأنها ما تزال في طيّ مخطوطات موزعة في مكتبات العالم، أو لأنها مفقودة. وبحكم موقعه الوظيفي في جهاز دولة المماليك السلاجقة، استطاع أن يحتفظ لنا بمجموعة هائلة من الوثائق لا يمكننا العثور عليها مجموعة في كتاب واحد، وبعضها لا يمكن العثور عليه أي مصدر آخر «1» . وفي بعض المجالات نجد أن كتاب صبح الأعشى يشكل مصدرا أساسيا- لا بل المصدر الأساسي- للمعلومات حول بعض الموضوعات: فكل من يريد البحث والتأليف في موضوع الألقاب الاسلامية مثلا لا يمكنه الاستغناء عن كتاب القلقشندي؛ إذ من خلال صبح الأعشى وحده يمكننا استخراج مؤلف كامل حول الألقاب الإسلامية وأصولها ومعانيها وتطوّر استعمالها عبر التاريخ «2» ، إلى غير ذلك من الموضوعات في مختلف المجالات.
وبكثير من الاطمئنان نستطيع القول إن أي باحث أو دارس في أي من مباحث العلوم العربية الإسلامية المعروفة (الثقافة الإسلامية الكلاسيكية) يجد شيئا وأشياء في صميم موضوع بحثه بين تضاعيف صبح الأعشى؛ ولا شك عندنا أنه- أي الباحث- يحبذ الوصول إلى ضالته من أقرب السبل وبأنجع الوسائل توفيرا للجهد والوقت. من هنا أهمية أن يكون بين أيدينا فهارس مفصلة لمحتويات هذا الكتاب- الموسوعة.
وبرأينا أن وضع فهارس تفصيلية لكتاب من الكتب- خصوصا إذا كان كتابا مرجعيا- ليس فقط عملا عرضيا يكتفي بتقديم تفصيلات العناوين التي يقدمها الكتاب، أو إفراغ ألفاظ مؤبجدة تحت عناوين أصبحت معروفة في عمل الفهارس: مثل الأعلام والأماكن والنبات والحيوان والشعر وغير ذلك
…
إنما هو- إلى ذلك- عمل تأليفي يأتي بعد قراءات متأنية لمحتويات الكتاب، ومن ثم تقديم المفاتيح الضرورية والكافية لكل ما يمكن أن يقدمه الكتاب من فوائد ومعلومات؛ وبعبارة أخرى هو عمل استكشافي لجميع امكانيات الكتاب.
ولقد بذلنا الوسع في سبيل ان تأتي هذه الفهارس ملبية لحاجة الباحث في سبر كنوز هذا الكتاب؛ ولله الكمال وحده، وهو المستعان.
محمد حسين شمس الدين بيروت 1988