المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌((حديث أم معبد في صفة النبي صلى الله عليه وسلم) - صفة النبي لمحمد بن هارون

[ابن شعيب]

الفصل: ‌((حديث أم معبد في صفة النبي صلى الله عليه وسلم)

((حديث أم معبد في صفة النبي صلى الله عليه وسلم)

حدثنا أبو محمد الحسن بن علي بن خلف الصيدلاني وأبو حريش الكوفي بمصر: قالا: ثنا مكرم بن محرز بن مهدي بن عبد الرحمن بن عوف بن خويلد بن خليفة الربعي ثم الخزاعي، من ولد أم معبد واسمها عاتكة بنت خالد، عن حزام بن هشام بن حبيش، عن أبيه، عن جده حبيش بن خالد ابن أخي أم معبد -وحبيش الذي قتل ببطن مكة يوم الفتح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة إلى المدينة هو وأبو بكر وعامر بن فهيرة -مولى أبي بكر- وعبد الله بن أريقط الليثي دليلهما مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية وكانت امرأة برزة جلدة، تحتبي بفناء القبة وتسقي وتطعم، فسألوها لحماً وتمراً ليشتروا منها فلم يصيبوا عندها شيئاً، وإذا القوم مرملون مسنتون، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة خلفها الجهد عن الغنم. قال:((هل بها من لبن؟)) قالت: هي أجهد من ذلك. قال: ((أتأذنين لي أن أحلبها؟)) قالت: بأبي أنت

ص: 19

وأمي، نعم إن رأيت بها حلباً فاحلبها. فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمسح بيده ضرعها، وسمى الله، ودعا الله لها في شاتها، فتفاجت عليه ودرت واجترت ودعا بإناء يربض الرهط، فحلب فيها ثجاً حتى علاه البهاء، ثم سقاها حتى رويت، ثم سقى أصحابه حتى رووا، ثم شرب آخرهم صلى الله عليه وسلم، ثم أراضوا، ثم حلب ثانياً بعد بدءٍ حتى ملأ الإناء، فغادره عندها، ثم بايعها وارتحلوا عنها،

فقل ما لبث أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزاً عجافاً يتساوكن هزلاً ضحى مخهن قليل. فلما رأى اللبن أبو معبد عجب وقال: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد والشاء عازب حيل ولا حلوبة في البيت؟ قالت: لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا.

قال: صفيه لي يا أم معبد. قالت:

رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، متبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزر به صقلة، قسيم، وسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره

ص: 20

غطف، وفي صوته صهل، وفي لحيته كثاثة، وفي عنقه سطع، أزج، أقرن، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، وأجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنهم وأحلاهم من قريب، حلو المنطق، فصل لا نزوٌ ولا هدرٌ، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة لا يائس من طول ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، وهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم متزراً، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفند.

قال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر ولأصحبنه إن وجدت إلى ذلك سبيلاً.

ص: 21

فأصبح صوت بمكة عالياً يسمعون صوته ولا يدرون من صاحبه يقول:

جزى الله رب الناس خير جزائه

رفيقين قالا خيمتي أم معبد

هما نزلاها بالهدى واهتدت به

فقد فاز من أمسى رفيق محمد

فيال قصي ما زوى الله عنكم

به من فعال لا تجارى وسؤدد

[ليهن بني كعب مكان فتاتهم

ومقعدها للمؤمنين بمرصد]

سلوا أختكم عن شاتها وإنائها

فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد

دعاها بشاةٍ حائل فتحلبت

عليه صريحاً ضرة الشاة مزبد

فغادرها رهناً لديها لحالبٍ

يرددها في مصدرٍ ثم مورد

ص: 22

قال مكرم: فبلغني أن حسان بن ثابت لما سمع بذلك شبب بجواب الهاتف:

لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم

وقدس من يسري إليهم ويغتدي

ترحل عن قوم فضلت عقولهم

وحل على قومٍ بنورٍ مجدد

هداهم به بعد الضلالة ربهم

وأرشدهم من يتبع الحق يرشد

فهل يستوي ضلال قومٍ تسفهوا

عمايتهم هادٍ به كل مهتد

وقد نزلت منه على أهل يثرب

ركاب هدىً حلت عليهم بأسعد

نبي يرى ما لا يرى الناس حوله

ويتلو كتاب الله في كل مشهد

وإن قال في يوم مقالة غائبٍ

فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد

ليهن أبا بكرٍ سعادة جده

بصحبته من يسعد الله يسعد*

ص: 23