الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
…
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله وحده وصلاته وسلامه على نبينا محمد وآله وصحبه وعلى من تمسك بهديه واستقام على طريقته إلى يوم الدين1.
أما بعد:
فهذه رسالتنا اليوم وموضوعها إثبات أن:
صلاة العيدين في المصلى خارج البلد هي السنة
وقد كنت فكرت في أن اجعلها رسالة جامعة لأحكام صلاة العيدين على نحو رسالة "صلاة التراويح "
1 كان استاذنا المحدث الشيخ ناصر الدين الألباني قد قدم لهذه الرسالة بكلام يتعلق بالرد علي رسالة "الاصابة" وما فيها من جهل وضلالات وافتراءات علي اتباع السنة. وعن صلاة التراويح وانها احدى عشر ركعة. وقد اقتصرنا علي الموضوع الخاص بصلاة العيدين في المصلي. "زهير.
ولكن الوقت أداركني حيث لم يبق لعيد الفطر1 إلا بضعة أيام ولذلك فإني اضطررت لحصرها في هذا الموضوع الذي ذكرت راجيا من الله تبارك وتعالى أن ييسر لي قريبا إخراج الرسالة الجامعة ونشرها على الناس آملا أن يتقبلوا رسائلنا بقبول حسن عسى أن أحظى منهم بدعوة صالحة في الغيب تنفعني إن شاء الله {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} 2.
فاعلم أيها القارئ الكريم: أن أولئك المؤلفين كانوا سودوا في رسالتهم "الإصابة" صفحتين كبيرتين "14 - 15""حول موضوع صلاة العيد في المصلى" تناقضوا فيها تناقضا مخزيا يتبين القارئ منه {مَبْلَغُهُمْ
1 هذا في طبعتها الأولى سنة 1373هـ بدمشق وكذلك أدركنا الوقت بهذه الطبعة فلم نستطع الاتصال مع أستاذنا المؤلف لعله يزيد عليها ولكن قدر الله وما شاء فعل ونرجو أن يستدرك ذلك لنعيد طبعها قريبا إن شاء الله.
2 سورة الشعراء: الآيتان 88 – 89.
مِنَ الْعِلْمِ} وقد كانوا افتروا علينا في رسالتهم تلك فزعموا أننا نقول: إن صلاة العيد في المساجد لا تصح!
فقد قالوا: "والسبب في اختيار النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاتها في المصلى لعدم "كذا" توفر الأسباب في المدينة المنورة حيث لا يوجد في المدينة سوى مسجد واحد".
وهذا جهل بالغ فالمساجد التي كانت في المدينة في عهده صلى الله عليه وسلم كثيرة معروفة أشهرها "مسجد قباء" و "مسجد القبلتين" و "مسجد الفتح". وفي هذه المساجد آثار صحيحة كثيرة في كتب السنة وذكر الحافظ في "الفتح""1 / 445"، مساجد أخرى بأسمائها فليرجع إليه من شاء.
وقصدهم من هذه الدعوى الباطلة التوسل إلى تعطيل سنة صلاة العيد في المصلى باختلاق هذه العلة الكاذبة وهي: "أن المدينة لم يكن فيها سوى مسجده صلى الله عليه وسلم". وهو بزعمهم لا يتسع للمصلين صلاة العيد!
فها نحن قد أثبتنا بطلان هذه العلة ببطلان الدعوى من أصلها وحينئذ نقول:
لو فرضنا أن المسجد النبوي كان لا يتسع لهم فكان يمكنهم أن يصلوا في تلك المساجد الكثيرة كما يفعل الناس اليوم فتركهم الصلاة فيها إلى الصلاة في المصلى دليل واضح على أن السنة الصلاة فيه دون المساجد تثبت المراد وبطل ما قصدوا إليه من التعطيل.
ثم قالوا:
"ولما كثر المسلمون حتى تعذر على المسلمين اجتماعهم في المصلى خصوصا في المدن الكبرى كدمشق لكثرة المصلين فصاروا يجتمعون في المساجد حسب الحاجة"!
قلت: انظر أيها القارئ الكريم إلى هذا المنطق المعكوس حيث جعلوا اجتماع المسلمين في المصلى متعذرا مع أنه سهل متيسر والدليل عليه أنه جرى العمل به في معظم الأمصار كما قال الإمام النووي في
"شرح مسلم" وسيأتي نص كلامه في "دلالة الأحاديث على أن السنة الصلاة في المصلى"
وإلى اليوم لا تزال هذه السنة قائمة بفضل الله في كثير من البلاد الإسلامية كدمشق والأردن ومصر والجزائر والباكستان وغيرها.
ثم أي حاجة في تفريق جماعة المسلمين في هذه المساجد الكثيرة الكبيرة منها والصغيرة المنبثة في كل مكان والتي يقرب بعضها من بعض أحيانا إلى درجة أنه لا يوجد بينها إلا مسافة خمسين خطوة أو أقل!
ولو أن هؤلاء المؤلفين قيدوا كلامهم بالصلاة في المسجد الواحد الأكبر لكان لهم سلف في هذا القول كما سيأتي عن الإمام الشافعي رحمة الله.
ولكنهم لا يتحرجون من أن يقولوا ما لم يقله مسلم قبلهم البتة في سبيل محاربة السنة وإلا فالمسلمون متفقون جميعا على أن الصلاة في المصلى هو السنة إذا لم يسعهم المسجد وجمهورهم لم يقبلوا هذا الشرط بل قالوا: ولو وسعهم المسجد فقد خالفوا بجهلهم
جميع المسلين سلفهم وخلفهم والله تعالى يقول:
{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} 1 فالسنة السنة أيها الناس!
ثم قالوا: "
…
حسب الحاجة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم حين صلى في المسجد للعذر " ثم ذكروا في التعليق حديث أبي هريرة في صلاته صلى الله عليه وسلم في المسجد لعذر المطر.
والجواب أن حديث أبي هريرة - لو صح - حجة لنا لأن مفهومه أنه لولا عذر المطر لصلى في المصلى: وهذا لا يخالف فيه مسلم غيركم فإن كلامكم السابق ينصب كله على القول بأن الصلاة في المصلى غير مشروعة الآن لأنه متعذر بزعمكم وقد رددنا عليكم فعاد الحديث حجة عليكم لا لكم وهذا كله يقال لو صح الحديث وهو غير صحيح بل إسناده ضعيف كما سيأتي بيانه.
وسائر كلامكم هراء لا يستحق جوابا إلا قولهم بعد
1 سورة النساء: الآية 115.
أن ساقوا الحديث الأول عن أبي سعيد الآتي وحديث أبي هريرة:
فيستفاد من الحديثين أنها تصح بالمصلى وفي المسجد وأن كلا فيه ثواب.
كما أنه يستفاد من الحديث الأول أن الأفضل صلاتها في الصحراء لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.
قلت: فانظر إليهم أيها القارئ الكريم كيف عادوا إلى الصواب الذي ندعوا إليه وبذلك نقضوا معنا كلامهم السابق ولكن أتظن أنهم يستقرون عليه؟ لا فقد عادوا من حيث بدؤوا فقالوا: بعد أن نقلوا عن الحافظ ابن حجر كلام الإمام الشافعي الآتي قالوا:
"فمن أمعن النظر فيما تقدم مع حديث البخاري1 "عن أم عطية: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحيض
1 قلت: عزوه للبخاري باللفظ الآتي خطأ وإنما هو لمسلم (3 / 20 - 21 – استانبول
وذوات الخدور فأما الحيض فيعتزلن الصلاة".
وفي لفظ "المصلى ويشهدن الخير ودعوة المسلمين".
علم أن السبب في مواظبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصلاة في المصلى "هو: أما كون مسجده صلى الله عليه وسلم لا يتسع للرجال والنساء في ذلك اليومين أو أن المسجد لا يصلح لحضور الحيض".
أقول: لقد تأملنا هذا الكلام كله فوجدناه لا طائل تحته كسائر كلامهم!
فإننا لو سلمنا أن مسجده صلى الله عليه وسلم كان لا يتسع للرجال والنساء فإن الأمر كذلك في مساجدنا لا يتسع واحد منها لجميع المصلين فحينئذ يبقى مشروعية الخروج إلى المصلى ساري المفعول وهذا هو المطلوب.
ثم إذا كان المسجد لا يصلح عندهم لحضور الحيض فهو اعتراف منهم بأن المصلى يصلح لحضورهن فإذا التزموا الصلاة في المسجد فقد منعوهن من أن "يشهدن الخير ودعوة المسلمين".
وهذا خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي عزوه للبخاري فالحديث من أدلتنا على أن الصلاة ينبغي أن تكون في المصلى لا في المسجد لأن المسجد مهما كبر لا يمكن أن يتسع لحضور جميع الجنسين فيه باعترافهم؟
ومن حججنا عليهم قولهم: "وكانت تخرج النساء للمصلى حتى الحيض تكبر بتكبيرهم".
فإننا نسألهم كيف يمكن لكم تحقيق هذه السنة في المساجد؟ لا سبيل لكم إلى ذلك إلا بأن تمنعوهن من الحضور مطلقا وهذا خلاف أمره صلى الله عليه وسلم كما سبق. وأما أن تأمروهن بالحضور خارج المسجد ومن وراء أسواره وحيطانه فكيف يمكنهن والحالة هذه أن يكبرن بتكبيرهن؟!
فتأمل أيها الأخ المسلم ما يفعله الجهل بصاحبه واعتبر.
" تنبيه " لقد تبين مما نقلناه عن أولئك المؤلفين أنهم يقولون بمشروعية خروج النساء إلى المصلى ولو كن
شابات لأنهن "العواتق" فاحفظ هذا فأنه ربما يأتي يوم يبادر هؤلاء المؤلفين إلى إنكار ما اعترفوا به إذا رأوا أنصار السنة قد عملوا بذلك حسدا وبغيا من عند أنفسهم!
هذا ونحن وإن كنا نحض النساء على حضور جماعة المسلمين تحقيقا لأمر سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم فلا يفوتنا أن نلفت نظرهن ونظر المسؤولين عنهن إلى وجوب تقيدهن بالحجاب الشرعي الذي لا يبيح لهن أن يبدين من بدنهن إلا الوجه والكفين على ما فصلته في كتابي " حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة " والله تبارك وتعالى يقول: {يا يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} . [سورة الأحزاب: الآية 59] . مع تصريحنا هناك بأن الأفضل لهن أن يسترنهما أيضا خلافا لما نسبه إلي بعض المؤلفين الذين لا يخشون رب العالمين.
وقد يستغرب البعض القول بمشروعية خروج النساء إلى المصلى لصلاة العيدين فليعلم: أن هذا هو الحق
الذي لا ريب فيه لكثرة الأحاديث الواردة في ذلك وحسبنا الآن حديث أم عطية المتقدم فإنه ليس دليلا على المشروعية فقط بل وعلى وجوب ذلك عليهن لأمره صلى الله عليه وسلم به والأصل في الأمر الوجوب ويؤيده ما روى ابن أبي شيبة في "المصنف"، "2 / 184" عن أبي بكر الصديق أنه قال: حق على كل ذات نطاق "شبه إزار فيه تكة" الخروج إلى العيدين" وسنده صحيح. فهل يقول بهذا من زعم الانتصار للخلفاء الراشدين وقد قال به أولهم كما تراه مخرجا مصححا؟ ذلك ما لا نظنه بهم فليخطؤوا ظننا هذا - وهو الأحب إلينا - وإلا فقد تبين للناس غرضهم من انتصارهم المزعوم.
والقول بالوجوب هو الذي استظهره الصنعاني في "سبل السلام" والشوكاني وصديق خان وهو ظاهر كلام ابن حزم وكأن ابن تيمية قد مال إليه في "اختياراته" والله أعلم. الأولى1 "ص 9 – 10" خلاصتها أننا نقول:
1 هي رسالته "من تسديد الإصابة إلى من زعم نصرة الخلفاء الراشدين والصحابة".
إن السنة صلاة العيد في المصلى مع جوازها في المساجد ووعدت هناك بتحقيق القول في هذه الرسالة.
فقد جاء أوان الوفاء بذلك فأقول: