المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الثانية: مسافة القصر: - صلاة المسافر

[محمد ضياء الرحمن الأعظمي]

الفصل: ‌المسألة الثانية: مسافة القصر:

وقد صرح الحافظ بأن ابن مسعود لم يكن يعتقد بأن القصر واجب ولو كان اعتقد غير هذا لما تعمد ترك الفرض1 وقد ذكر العلماء عدة تأويلات غير أنها كلها منتقدة2.

وقد احتج الشافعي على عدم وجود القصر بأن المسافر إذا دخل في صلاة المقيم صلى أربعاً باتفاقهم، ولو كان فرضه القصر لم يأتم مسافر بمقيم3.

1 الفتح: 2/564 ، 565.

2 انظر زاد المعاد: 10/469 – 471.

3 الأم: 1/180.

ص: 81

‌المسألة الثانية: مسافة القصر:

فيها عدة أقوال للعلماء جعلها ابن المنذر وغيره أكثر من عشرين قولاً ولكن أهما كالأتي:

1-

مذهب ابن حزم: أقل مسافة القصر هو الميل لما رواه ابن أبي شيبة باسنا صحيح عن ابن عمر، وأيضاً إطلاق قول الله عز وجل:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} . والسنة لم تخصص سفر دون سفر. وإنما لم يسم دون الميل قصراً لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يخرج إلى البيقع لدفن الموتى، وإلى الفضاء لقضاء الحاجة وما كان يقصر الصلاة. قال رحمه الله تعالى بعد نقل الأخبار الكثيرة عن الصحابة:"وبه يقول أصحابنا في السفر إذا كان على ميل فصاعداً في حج أو عمرة أو جهاد وفي الفطر، في كل سفر"1.

2-

مذهب الظاهرية: مسافة القصر ثلاثة أميال لحديث أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ (شك شعبة) صلى ركعتين2.

وشك شعبة في هذا الحديث يبطل استدلال الظاهرية به فإن الفرسخ ثلاثة أميال، فإن قال ثلاثة فراسخ فيكون تسعة أميال. والمعروف الأخذ بالكثير أحوط لأن القليل يندرج تحت الكثير. إلا أن يقال أنهم أخذوا بالقليل واستأنسوا في ذلك بحديث أبي سعيد الخدري أنه قال:"إن النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر فرسخاً قصر الصلاة". رواه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وسعيد بن منصور3.

1 المحلى: 5/13.

2 رواه مسلم (1/481) وابو داود (2/8) عن محمد بن جعفر عندر ، عن شعبة عن يحيى بن يزيد الهنائي قال سألت أنس بن مالك عن قصرة الصلاة.

3 ذكره الحافظ في التلخيص (47/2) وعزاه لسعيد بن منصور فقط ولم يتكلم عليه بشيء. وفيه أبو هارون العبدي وهو عمار بن جوين قال عنه في التقريب متروك. ومنهم من كذبه وكان شيعياً.

ص: 81

ولا دليل لهم في حديث أنس، قال:"صليت الظهر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعاً، وخرج يريد مكة فصلى بذي الحليفة العصر ركعتين"1. لأنه على ابتداء القصر، وجميع الأحاديث التي ذكروها تحمل على ذلك.

3-

وذهب الشافعي ومالك وفقها، أصحاب الحديث وغيرهم: إلى أنهم لا يجوز القصر إلا في مسيرة مرحلتين قاصدتين وهي ثمانية وأربعون ميلاً هاشمياً. والميل ستة آلاف ذراع، والذراع أربع وعشرون أصبعاً معترضة معتدلة، والإصبع ست شعيرات معتدلات.

وروى مثل هذا ابن قدامة عن الإمام أحمد أيضاً، وقدره هذه المسافة بمسيرة يومين وهو تقدير ابن عباس فإنه قدر مسيرة يومين من عسفان إلى مكة ومن الطائف إلى مكة ومن جدة إلى مكة.

أخرج عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: "سألت ابن عباس فقلت أقصر الصلاة إلى عرفة أو إلى منى قال: لا، ولكن إلى الطائف وإلى جدة، ولا تقصروا الصلاة إلا في اليوم التام ولا تقصروا فيما دون اليوم. فإن ذهبت إلى الطائف أو إلى جدة أو إلى قدر ذلك من الأرض، إلى أرض لك أو ماشية فاقصر الصلاة فإذا قدمت فأوف".

ولكن هذه الرواية مخالفة لرواية مسيرة يومين التي أشار إليها ابن قدامة.

هذا هو مذهب المعروف عن الأئمة الثلاثة جميعاً قالوا لا تقصر الصلاة الإ في مسير يومين كما نقله النووي والحافظ والبغوي. إلا أن صاحب الهداية نسب إلى الإمام الشافعي مسيرة يوم واحد بالسير الوسط وقدر بالفرسخ مثل تقدير اليومين وهو ستة عشر فرسخاً أو ثمانية وأربعون ميلاً. فالذي يظهر من هذا أن العبرة بالفرسخ لا بالأيام والله تعالى أعلم

4-

وذهب الإمام أبو حنيفة: إلى أن مسافة القصر مسيرة ثلاثة أيام ولياليها سير الابل ومشي الأقدام لقوله صلى الله عليه وسلم: "يمسح المقيم كمال يوم وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليها" هكذا قال صاحب الهداية.

1 رواه البخاري (569/2مع الفتح) ومسلم (480/1 – 481) وأبو داود (2/9) والترمذي (2/421) كلهم عن سفيان عن محمد بن المنكدر عن إبراهيم بن ميسرة عن أنس. ورواه النسائي (1/237) باسناد آخر.

ص: 82

قال الشيخ ابن الهمام: "أما تقدير إحدى وعشرين فرسخاً أو ثمانية أو خمسة عشر فهي على اعتقاد مسيرة ثلاثة أيام ولا يصح هذه التقديرات بل العبرة بثلاثة أيام"1 وقال الكاساني: "ومن مشائخنا من قدر بخمسة عشر فرسخاً. وجعل لكل يوم خمس فراسخ ومنهم من قدر بثلاثة مراحل"2.

يقال إن في هذا لبياناً لأكثر من مدة المسح وليس فيه ما يدل على أن المسافر لا يكون مسافرا إلا بعد ثلاثة أيام.

5-

وذهب الإمام البخاري: إلى أن مسافة القصر مسيرة يوم وليلة. هكذا بوب في صحيحه إلا أته ذكر تحت الباب حديثين أحدهما حديث ابن عمر ولفظه: "لا تسافر المرأة ثلاثا إلا مع ذي محرم"3.

والحديث الثاني حديث أبي هريرة ولفظه "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة".وهو موافق لترجمة الباب.

قال الحافظ: إن البخاري اختار أن أقل مسافة القصر يوم وليلة4.

وأما هذه الأقوال المتعارضة المختلفة نحا المحققون إلى بيان الراجح بعدة وجوهات. منها ما قاله الشيخ الكاساني الحنفي: "ولنا ماروينا من الحديثين. ولأن وجوب الإكمال كان ثابتا بدليل مقطوع به فلا يجوز رفعه إلا بمثل. وما دون الثلاث مختلف فيه. والثلاث مجمع عليه. فلا يجوز رفعه بما دون الثلاث"5.

وقال الخرقي: "ولا أرى لما صار إليه الأئمة حجة. لأن أقوال الصحابة متعارضة مختلفة. ولا حجة فيها مع الاختلاف. وقد روي عن ابن عباس وابن عمر خلاف ما احتج به أصحابنا، ثم لو لم يوجد ذلك لم يكن في قولهم حجة مع قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله. وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التقدير الذي ذكره بوجهين:

أحدهما: أنه مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم التي رويناها. ولظاهر القران، لأن ظاهره اباحة القصر لمن ضرب في الأرض لقوله تعالى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} ولقد سقط شرط الخوف بالخبر المذكور عن يعلى بن أمية، فتبقى ظاهر تلاية متناولا كل ضرب الأرض.

1 انظر شرح فتح القدير 1: 392.

2 انظر البدائع والصنائع 1: 287-288.

3 البخاري – مع الفتح 566: 2.

4 انظر فتح الباري 566: 2.

5 انظر البدائع والصنائع 289: 1.

ص: 83

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يسمح المسافر ثلاثة أيام" جاء لبيان أكثر مدو المسح، فلا يصح الاحتجاج به هاهنا. وعلى أنه يمكن قطع المسافة القصيرة في ثلاثة أيام وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم سفراً فقال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم.

والثاني: أن التقدير بابه التوقيف. فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد، سيما وليس له أصل يرد إليه ولا نظير يقاس عليه. والحجة مع من أباح القصر لكل مسافر إلا أن يتعقد الإجماع على خلافه"1.

وبهذا يصح أن يقصر المسافر في كل سفر يسمى سفراً في العرف بدون قيد مسافة معينة وبدون نظر الى نوعية السفر ووسائله كالطائرة والقطار والسيارة وغير ذلك والله تعالى اعلم بالصواب.

وأما الموضع الذي يقصر منه: فقال ابن النذر "أجمعوا على أن لمريد السفر أن يقصر إذا خرج عن جميع بيوت القرية التي يخرج منها"2.

وهو رأي مالك والشافعي والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور. وحكي ذلك عن جماعة من التابعين3.

وحكي عن عطاء بن موسى أنهما أباحا القصر في البلدان لمن نوى السفر، وعن الحارث ابن أبي ربيعة أنه أراد سفراً فصلى بهم في منزله ركعتين، وفيهم الأسود بن يزيد، وغيره من أصحاب عبد الله4.

وروى عبد الرزاق عن عطاء بطريق ابن جريج قولاً مثل الجمهور ولفظه "إذا خرج الرجل حاجاً فلم يخرج من بيوت القرية حتى حضرت الصلاة فإن شاء قصر، وإن شاء أوفى، وما سمعت في ذلك من شيء"5.

1 انظر المغني: 2/212.

2 الاجماع ص43.

3 المغني 214: 2.

4 المصدر السابق.

5 مصنف عبد الرزاق 531: 2.

ص: 84