المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الثالثة: جمع تأخير دون تقديم: - صلاة المسافر

[محمد ضياء الرحمن الأعظمي]

الفصل: ‌المسألة الثالثة: جمع تأخير دون تقديم:

‌المسألة الثالثة: جمع تأخير دون تقديم:

حديث أنس بن مالك قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر، ثم ركب"1.

وفي الحديث جواز على جمع تأخير دون تقديم وهو رأي ابن حزم.

جمع تقديم وتأخير:

حديث معاذ بن جبل قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فكان يصلي الظهر والعصر، والمغرب والعشاء جميعاً".

رواه مسلم 2عن زهير وأبو داود 3والنسائي 4عن مالك، وابن ماجة 5عن سفيان الثوري كلهم عن أبي الكبير، عن أبي الطفيل عامر عن معاذ.

ثم روى مسلم أيضاً باسناده عن قرة بن خالد: حدثنا أبو الزبير نحوه وفيه" فقلت ما حمله على ذلك: قال: أراد أن لا يحرج أمته".

وروى أبو داود6 فقال: حدثنا يزيد بن خالد الرملي الهمداني، حدثنا المفضل بن فضالة والليث بن سعد، عن هشام بن سعد، عن أبي الزبير بهذا الاسناد، ولفظه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك وإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر، وإن ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر حتى ينزل العصر، وفي المغرب مثل ذلك، إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء وأن يرتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل للعشاء ثم جمع بينهما".

1 رواه البخاري (2/582 ، 583) ومسلم (1/489) والنسائثي (1/284) كلهم عن قتيبة بن سعيد قال: حدثنا المفصل بن فضالة عن عقيل ،عن ابن شهاب عن أنس بن مالك. ثم روى البخاري أيضاً عن شيخهحسان الواسطي (وهو ابن عبد الله بن سهيل الكندي المصري) عن الفضل نحوه. ورواه ايضاً عن عمرة الناقد، حدثنا شبابة بن سوار المديني، حدثنا ليث بن سعد، عن عقيل بن خالد ، باسناده ولفظه "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل العصر، ثم يدخل وقت العصر، ثم يجمع بينهما" وروى أيضاًعن أبي الطاهر ، وعمرو بن سواد قالا: أخبرنا ابن وهب ، حدثني جابر بن إسماعيل عن عقيل باسناده ولفظه " أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا عجل عليه السفر يؤخر الظهر إلى وقت العصر، فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينهما وبين العشاء، حين يغيب الشفق".

وروى أبو داود (2/11 – 12) عن قتيبة وابن وهب قالا: حدثنا مفضل بن عقيل (كذا الصواب وفي نسخة أبي داود: مفضل بن عقيل) باسناده نحو روايةالشيخين.

ثم روى أيضاً فقال حدثنا سليمان بن داود المهري ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني جابر بن إسماعيل عن عقيل باسناده نحو رواية مسلم)) .

2 1/490.

3 10/2.

4 1/1/285.

5 1/340.

6 2/12.

ص: 85

قال أبو داود: رواه هشام بن عروة، عن حسين بن عبد الله عن كريب عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. نحو حديث المفضل والليث.

ثم روى أبو داود1 والترمذي 2كلاهما عن قتيبة بن سعيد قال: أخبرنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل بإسناده ولفظه:" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر فيصليها جميعاً، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب".

قال أبو داود: ولم يرو هذا الحديث إلا قتيبة وحده. وقال الترمذي: حديث معاذ حديث حسن غريب، تفرد به قتيبة، لا نعرف أحداً رواه عن الليث غيره. وحديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن معاذ حديث غريب. والمعروف عند أهل العلم حديث معاذ من حديث أبي الزبير، عن أبي الطفيل عن معاذ:"أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك بين الظهر، وبن العصر وبين المغرب والعشاء" رواه قرة بن خالد وسفيان الثوري ومالك، وغير واحد عن أبي الزبير المكي. انتهى.

أقول: لقد زال تفرد قتيبة برواية أبي داود عن الرملي، ومن طريق أبي داود رواه البيهقي3.لكنه قال: عن الليث بن سعد: "فجعل الليث شيخ المفضل وإنما هو قرينه". ولم ينتبه الحافظ ابن القيم فقال: "فهذا المفضل قد تابع قتيبة، وإن كان قتيبة أجل من المفضل وأحفظ، لكن زال تفرد قتيبة به، ثم أن قتيبة صرح بالسماع فقال: حدثنا ولم يعنعن، فكيف يقدح في سماعه، مع أنه بالمكان الذي جعله الله به من الأمانة، والحفظ، والثقة، والعدالة"4 انتهى

والصواب: أن الذي تابع قتيبة إنما هو الرملي لكنه خالف في اسناده فقال: الليث عن هشام بن سعد، عن أبي الزبير عن أبي الطفيل، فإما أن يصار إلى الجمع فيقال الليث بن سعد فيه اسنادان عن أبي الطفيل روى أحدهما قتيبة والآخر الرملي، وأما يصار إلى الترجيح فيقال: قتيبة أجل وأحفظ من الرملي فروايته أصح، والجمع أولى5.

1 2/18.

2 2/438.

3 البيهقي: 3/162.

4 زاد المعاد: 1/479.

5 انظر ارواء الغليل: 3/30.

ص: 86

وأما ما أشار إليه الترمذي من حديث قرة بن خالد فرواه مسلم كما سبق ذكره، ورواه أيضاً الإمام أحمد في مسنده1وحديث مالك رواه أبو داود كما سبق ذكره ورواه مالك في موطئه أيضاً2.

وقد أطال العلماء الكلام في رواية قتيبة بن سعيد وملخص هذه الأقوال كما ذكره الشوكاني هي خمسة:

أحدها: أنه حسن غريب كما قال الترمذي.

الثاني: أنه محفوظ صحيح قاله ابن حبان.

الثالث: أنه منكر قاله أبو داود.

الرابع: أنه منقطع قاله ابن حزم.

الخامس: أنه موضوع. قاله الحاكم. انتهى3.

أقول: هذه الأقوال تدور حول علتين. إحداهما تفرد قتيبة بن سعيد، والثانية عنعنة يزيد بن أبي حبيب ويجاب عن الأولى بأن قتيبة بن سعيد ثقة ثبت كما قال الحافظ، فلا يضر تفرده كما هو معلوم في علم الحديث وتخطيئة الثقات بالظن أمر مرفوض لأنه يؤدي إلى الشك في جميع الثقات.

ويجاب عن الثانية بأن يزيد بن حبيب غير معروف بالتدليس، وقد أجرك أبا الطفيل حتماً، فإنه ولد سنة 53 ومات سنة 128،وتوفي أبو الطفيل سنة 100هـ أو بعدها وعمر يزيد حينئذ 47 سنة4.

وأما دعوى الحاكم5 بأنه موضوع فباطل قال الحافظ في التهذيب6 إن البخاري قال: قلت لقتيبة مع من كتبت عن الليث بن سعد حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل. قال: مع خالد المدائني: قال محمد بن إسماعيل: وكان خالد المدائني هذا يدخل الأحاديث على الشيوخ. وقال أبو سعيد يونس لم يحدث به إلا قتيبة، ويقال إنه غلط وإن الصواب عن أبي الزبير، ثم قال الحافظ: "وما اعتمده الحاكم من الحكم على ذلك بأنه موضوع فليس بشيء. فإن مقتضى ما استأنس به من الحكاية التي عن البخاري أن خالداً أدخل هذا الحديث عن الليث ففيه نسبة الليث مع إمامته، وجلالته

1 مسند أحمد: 5/228 -229.

2 موطأ مالك: 1/122 – 123 مع التنوير.

3 انظر نيل الأوطار: 3/262.

4 انظر ارواء الغليل: 3/30 وقد أطال الشيخ الألباني في الرد على من يضعف هذا الحديث.

5 لقد أطال الحاكم الكلام على هذا الحديث في كتابه علوم الحديث وحكم عليه بأنه موضوع وعلل ذلك ((بأنه شاذ الاسناد والمتن، ولا نعرف له علة نعلل بها)) مع اعترافه بأن رواته أئمة ثقات. ص119-121 والمعروف ليس شاذ ما انفرد به الثقة بل إنما الشاذ أن يخالف الراوي وغيره ممن هو أحفظ منه وأوثق.

6 8/360

ص: 87

إلى الغفلة حتى يدخل عليه خالد ما ليس من حديثه، والصواب ما قاله أبو سعيد بن يونس أن يزيد بن أبي حبيب غلط من قتيبة، وأن الصحيح عن أبي الزبير، وكذلك رواه مالك وسفيان عن أبي الزبير عن أبي الطفيل لكن في متن الحديث الذي رواه قتيبة التصريح بجمع التقديم في وقت الأولى وليس في حديث مالك، إذ أجاز أن يغلط في رجل من الإسناد فجائز أن يغلط في لفظة من المتن، والحكم عليه مع ذلك بالوضع بعيد جداً" وهذه الغلطة التي نسبها الحافظ إلى قتيبة بن سعيد غير مسلم لأنه من الثقات. فإذا زاد في روايته ولم ينكر عليها أحد من زملائه فلا يحكم عليه بالغلط، بل هو من قبيل زيادة الثقة وهي مقبولة.

ولحديث معاذ من طريق قتيبة بن سعيد في جمع تقديم شاهد من حديث ابن عباس. وهو الآتي:

2-

حديث ابن عباس: قال: ألا أحدثكم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر قال قلنا بلى قال: "كان إذا زاغت الشمس في منزله جمع بين الظهر والعصر قبل أن يركب، وإذا لم تزغ له في منزله سار حتى إذا حانت العصر نزل فجمع بين الظهر والعصر، وإذا حانت المغرب في منزله جمع بينهما وبين العشاء، وإذا لم تحن في منزله ركب، حتى إذا حانت العشاء نزل فجمع بينهما"1

فقه الحديث: هذا الحديث يدل على جواز الجمع مطلقاً بسبب السفر وهو اختيار الإمامين الشافعي وأحمد. وبه قال جماعة من الصحابة منهم: علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وأسامة بن زيد، ومعاذ بن جبل، وأبو موسى، وابن عمر وابن عباس وغيرهم. وهو لرأي جماعة من التابعين منهم: عطاء بن أبي رباح، وطاوس، ومجاهد، وعكرمة، وجابر بن زيد، وربيعة، وأبو الزناد ومحمد بن المنكدر. وصفوان بن سليم، وهو رأي الثوري، وإسحاق، وأبن ثور، وابن المنذر، ومن المالكية أشهب وغيرهم.

والنظر يشهد له ذلك فإن الله أباح للمسافر أن يقصر من الصلوات بسبب السفر الذي هو مظنة للمشقة. فالجمع أولى بالرخصة فإن الصلوات في أوقاتها أعظم مشقة في السفر.

1 رواه الشافعي (1/116) وأحمد (1/367 – 368) والدارقطني (1/388) والبيهقي (3/163) من طرقهم عن ابن جريج عن حسين ابن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة وكريب كلاهما عن ابن عباس.

وحسين ضعيف. قال الحافظ في التلخيص (2/48) واختلف عليه فيه وجمع الدارقطني في سننه بين وجوه الاختلاف فيه، إلا ان علته ضعف حسين، ويقال إن الترمذي حسنه وكان باعتبار المتابعة، وغفل ابن العربي فصحح اسناده لكن له طريق أخرى أخرجهما يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده عن أبي خالد الأحمر، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، وروى إسماعيل القاضي في الأحكام عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه عم سليمان بن بلال ، عن هشام بن عروة عن كريب عن ابن عباس نحوه)) انتهى.

قال الشيخ الألباني: "فالحديث صحيح عن ابن عباس بهذه المتابعات والطرق، وقواه البيهقي بشواهد فهو شاهدآخر لحديث معاذ من رواية قتيبة تدل على حفظه، وقوة حديثه" راجع ارواء الغليل (3/32)

ص: 88

الجمع بين الصلاتين إذا جد به السير:

1-

حديث ابن عمر: "قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجله السير في السفر يؤخر المغرب، حتى يجمع بينهما وبين العشاء"1.

2-

حديث أنس بن مالك: قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل عليه السير يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر، فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينهما وبين العشاء حين يغيب الشفق"2.

فقه الحديث: والحديث يدل على الجمع بين الصلاتين لمن جد به السير وهو قول مشهور عن مالك، وبه قال أسامة بن زيد وابن عمر.

قال مالك: "لا يجمع الرجل بين الصلاتين في السفر إلا أن يجد به السير، فإن جد به السير بين الظهر والعصر يؤخر الظهر حتى يكون في آخر وقتها، ثم يصليها، ثم يصلي العصر في أول وقتها، ويؤخر المغرب حتى يكون في آخر وقتها قبل مغيب الشفق، ثم يصليها في آخر وقتها قبل مغيب الشفق، ثم يصلي العشاء في أول وقتها بعد مغيب الشفق. ثم قال: والأمر عندنا في الجمع بين الصلاتين لمن جد به السير"3 هذا هو رأي مالك في الجمع بين الصلاتين، وأما ما نقله ابن قدامة بأن الجمع بين الصلاتين في السفر في وقت إحداهما جائز في قول أكثر أهل العلم ومنهم مالك4 فهو مخالف لمذهب المدونة. ولكن يبدو من أقوال الأئمة المالكيين المتأخرين ان الجمع يجوز مطلقاً. ففي حاشية الدسوقي: جواز الجمع مطلقاً سواء جد في السير أم لا، كان جده لإدراك أمر أم لأجل قطع المسافة والذي حكي تشهيره هو الإمام ابن رشد 5ثم الصورة التي بينها الإمام مالك والأئمة المالكيون أنها جمع صوري، لا جمعاً حقيقياً.

والقيد في حديث ابن عمر وأنس بن مالك لمن جد به السير للغالب وليس شرطاً للجمع لما نرى إطلاق المر في أحاديث الجمع.

وذهب الإمام أبو حنيفة وصاحباه إلى أن الجمع خاص بعرفة ومزدلفة. وهو قول الحسن وابن سيرين، وبه قال ابن مسعود، وسعد بن أبي وقاص.

1 رواه البخاري (2/572 مع الفتح) ومسلم (1/488) والنسائي (1/267) كلهم عن ابن شهاب عن سالم، عن ابن عمر ومالك (1/123 مع التنوير) عن نافع عن ابن عمر ، كما رواه مسلم أيضاً عن يحيى، والترمذي (2/441) عن غبدة بن سليمان، كلاهما عن عبيد الله بن عمر عن نافع أن ابن عمر إذا كان جد به السير بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق وكان يقول:"هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم". قال الترمذي حسن صحيح.

2 رواه مسلم (1/489) والنسائي (1/287) وأبو داود (2/18) كلهم عن جابر بن إسماعيل ، عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس. إلا أن أبا داود لم يذكر قوله ((إذا عجل عليه السير)) .

3 انظر المدونة: 1/116 – 117.

4 انظر المغني: 2/223.

5 حاشية الدسوقي علي الدردير: 1/339.

ص: 89

واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} .

قال ابن عباس أي مفروضاً1.

وقال ابن مسعود: إن الصلاة كوقت الحج2.

ثم بجميع أحاديث المواقيت مثل أمامة جبرائيل وغيره.

وقالوا: لا يجوز أن نترك ما يثبت بالتواتر في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخر الآحاد.

وذكروا أيضاً تحذير النبي صلى الله عليه وسلم لمن يفرط في أداء الصلوات في أوقاتها مثل حديث رواه مسلم عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة أن يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى".

وبحديث ابن عمر قال: "ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء قط في السفر إلا مرة"3.

وفي اسناده: عبد الله بن نافع وهو أبو محمد المخزومي مولاهم الصائغ يروي عن أبي مودود عن سليمان بن أبي يحيى عن ابن عمر.

قال البخاري: "يعرف حفظه وينكر" وقال أبو حاتم: "ليس بالحافظ وهو لين يعرف حفظه وينكر ووثقه ابن عمر".

وقال أبو داود بعد رواية الحديث: وهذا يروي عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موقوفا على ابن عمر أنه لم ير ابن عمر جمع بينهما قط إلا تلك الليلة يعني ليلة استصرخ على صفية. وروى من حديث مكحول عن نافع أنه رأى ابن عمر فعل ذلك مرة أو مرتين انتهى.

وقد حمل العلماء الحنفية هذا الحديث على تقدير صحته الجمع بين المغرب والعشاء في مزدلفة.

وأما الأحاديث التي مر ذكرها فقالوا عنها على ثلاثة أقسام: "يدل على الجمع الفعلي وبعضها يوهم الجمع الوقتي وبعضها يدل على مطلق الجمع".

وأول من أجاب عن هذه الأحاديث بعد تسليم صحتها هو الإمام أبو جعفر الطحاوي فقال: "هو تأخير الأولى وتعجيل الآخرة4وهو المعروف بين الحنفية بجمع صوري أو بجمع فعلي".

1 انظر تفسير ابن كثير سورة النساء: 103.

2 انظر تفسير ابن كثير سورة النساء: 103.

3 رواه أبو داود2: 13.

4 شرح معاني الآثار: 1/166.

ص: 90

وقد أجاب المحدثون عن هذه الاشكالات وأطالوا البحث فيها فقال الخطابي: "الجمع رخصة فلو كان على ما ذكروه لكان أعظم ضيقاً من الإتيان بكل صلاة في وقتها، لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه الخاصة فضلاً عن العامة1.

وقال ابن قدامة: "وهذا فاسد لوجهين: أحدهما أنه جاء الخبر صحيحاً في أنه كان يجمعها في وقت إحداهما. والثاني: أن الجمع رخصة فلو كان على ما ذكروه لكان أشد ضيقاً وأعظم حرجاً من الاتيان بكل صلاة في وقتها، لأن الاتيان بكل صلاة في وقتها أوسع من مراعاة طرفي الوقتين بحيث لا يبقى من وقت الأولى إلا قدر فعلها، ومن تدبر هذا وجده كما وصفناه، ولو كان الجمع هكذا لجاز الجمع بين العصر والمغرب، والعشاء والصبح، ولا خلاف بين الأمة في تحريم ذلك، والعمل بالخبر على الوجه السابق إلى الفهم منه أولى من هذا التكلف الذي يصان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم من حمله عليه"2.

والدليل على أن الجمع رخصة قول ابن عباس: "أراد أن لا يحرج أمته" رواه مسلم.

وأما من خص الجمع بمن جد به السير فيرد عليه بما وقع التصريح في حديث معاذ بن جبل: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة في غزوة تبوك، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاًثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جمعاً"3.

قال الإمام الشافعي: "قوله: دخل ثم خرج: لا يكون إلا هو نازل، فللمسافر أن يجمع نازلا ومسافرا". وقال ابن عبد البر: "في هذا أوضح دليل على الرد من قال:

لا يجمع إلا من جد به السير، وهو قاطع للالتباس"4.

وأما قول العلماء الحنفية: "لا يجوز أن نترك ما ثبت بالتواتر في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبر الآحاد".

فيجاب ليس هناك ترك لما في الكتاب والسنة وإنما هو تخصيص، وتخضيض المتواتر يجوز بالحديث الصحيح وهو معلوم من أصول الدين. ويبدو أن المحققين من العلماء الحنفية لما وجدوا صعوبة حمل الأحاديث الصحيحة على الجمع الصوري رجعوا عما كانوا عليه.

1 الفتح: 2/580.

2 المغني: 1/224.

3 رواه مالك في الموطأ: 1/123 مع التنوير.

4 انظر فتح الباري.

ص: 91

فهذا الشيخ عبد الحي اللكنوي المحقق الحنفي يقول: "حمل أصحابنا يعني الحنيفية الأحاديث الواردة في الجمع على الجمع الصوري. وقد بسط الطحاوي الكلام فيه في شرح معاني الآثار ولكن لا أدري ماذا يفعل بالرويات التي وردت صريحاً بأن الجمع كان بعد ذهاب الوقت. وهي مروية في صحيح البخاري وسنن أبي داود. وصحيح مسلم وغيرها من الكتب المعتمدة على ما لا يخفى على من نظر فيها، فإن حمل على أن الرواة لم يحصل التمييز لهم فظنوا قرب خروج الوقت فهذا بعيد عن الصحابة الناصين على ذلك. وأن اختير ترك الروايات بإبداء الخلل في الإسناد فهو أبعد مع إخراج الأئمة لها، وشهادتهم بتصحيحها، وإن عورض بلأحاديث التي صرحت بأن الجمع كان بالتأخير إلى آخر الوقت، والتقديم في أول الوقت فهو أعجب، فإن الجمع بينهما بحملها على اختلاف الأحوال ممكن بل هو الظاهر" انتهى1.

وهذا هو الحق في هذا الموضوع والله تعالى أعلم.

1 التعليق الممجد: 129.

ص: 92