الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل المؤثر انتفاء التاء أم وجود فعلى
؟
هل المؤثر انتفاء التاء أم وجود فعلى؟
…
هل المؤثر انتفاء التاء أم وجود فعلى؟
الرأي السائد أن المزيد بالألف والنون إنما يمنع من الصرف بشرط ألا يكون مؤنثه بالتاء، فانتفاء التاء هو الشرط الضروري للمنع من الصرف.
وقول بعضهم إن الشرط هو أن يكون مؤنثه على فعلى أي يكون مؤنثه على غير لفظه، قال ابن الحاجب في الكافية عارضا هذين الرأيين (أو صفة فانتفاء فعلانة وقيل وجود فعلى ومن ثم اختلف في رحمان دون سكران وندمان) قال الرضي معقبا عليه: وقوله: (وقيل وجود فعلى) والأول أولى لأن وجود (فعلى) ليس مقصوداً لذاته بل المطلوب منه انتفاء التاء، لأن كل ما يجئ منه (فعلى) لا يجئ منه فعلانة في لغتهم إلا عند بعض بني أسد فإنهم يقولون في كل فعلان جاء منه فعلى:(فعلانة) أيضا نحو: غضبان وسكران فيصرفون إذن (فعلان فعلى) وهذا دليل قوي على أن المعتبر في تأثير الألف والنون انتفاء التاء لا وجود فعلى، ثم يدلل على قوله ببعض الألفاظ التي لا يكون مؤنثها على (فعلى) ومع هذا فهي ممنوعة من الصرف.
يقول الرضي: (فإذا كان المقصود من وجود (فعلى) انتفاء التاء وقد حصل هذا المقصود في (رحمان) لا بواسطة وجود (رحمى) بل لأنهم خصصوا هذه اللفظة بالبارئ تعالى فلم يطلقوه على غيره ولم يضعوا منه مؤنثا لا من لفظه أعني بالتاء ولا من غير لفظة أعني (فعلى) فيجب أن يكون غير منصرف) .
فإن قلت لا نسلم أن وجود (فعلى) مطلوب ليطرق به إلى انتفاء فعلانة بل هو مقصود بذاته لأنه يحصله بوجودها مشابهة بين الألف والنون وبين ألف التأنيث لكون مؤنث هذا على غير لفظه كما أن مذكر ذاك على غير لفظه قلت هذا الوجه وإن كان يحصل به بينهما مشابهة إلا أنه ليس وجها للمشابهة ضروريا بحيث لا يؤثر الألف والنون بدونه بل الوجه الضروري كما ذكرنا في التأثير انتفاء فعلانة ألا ترى إلى عدم انصراف مروان وعثمان بمجرد انتفاء التاء من دون وجود (فعلى) انتهى كلام الرضي.
ويقول الإمام بدر1 الدين محمد الزركشي في التنبيه الثالث في معرض الحديث عن لفظة (رحمان) : أنه لو جرد عن الألف واللام لم يصرف لزيادة
1 انظر البرهان في علوم القرآن ج 2 ص 509 التنبيه الثالث.
الألف والنون في آخره مع العلمية أو الصفة.
وأورد الزمخشري1 بأنه لا يمنع (فعلان) صفة من الصرف إلا إذا كان مؤنثه على (فعلى) كغضبان وغضبى وما لم يكن مؤنثه على (فعلى) ينصرف كندمان وندمانة وتبعه2 ابن عساكر بأن رحمن، وإن لم يكن له مؤنث على فعلى فليس له مؤنث على فعلانة لأنه اسم مختص بالله تعالى فلا مؤنث له من لفظه. فإذا عدم ذلك رجع فيه إلى القياس وكل ألف ونون زائدتين فهما محمولتان على منع الصرف.
قال الجويني وهذا فيه ضعف في الظاهر وإن كان حسنا في الحقيقة لأنه إذا لم يشبه غضبان ولم يشبه ندمان من جهة التأنيث فلماذا ترك صرفه مع أن أصل الصرف كان ينبغي أن يقال ليس هو كغضبان فلا يكون غير منصرف ولا يصح أن يقال هو كندمان فلا يكون منصرفا لأن الصرف ليس بالشبه إنما هو بالأصل وعدم الصرف بالشبه ولم يوجد ولعل تقدير ابن عساكر السابق يؤيد إنكار ابن مالك على ابن الحاجب تمثيله ب ((رحمن)) .
لزيادة الألف والنون مع منع الصرف وقال لم يمثل به غيره ولا ينبغي التمثيل به فإنه اسم علم بأغلبه لله مختص به وما كان كذلك لك يجرد من (أل) 3 ولم يسمع مجردا من (أل) إلا في النداء قليلا مثل (يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة) .
وقد أنكر الزمخشري4 على شاعر اليمامة قوله:
سموتَ بالمجدِ بابنِ الأكرمين أباَ
…
وأنتَ غيثُ الوَرَى لازلتَ رَحْمانَا
1 انظر الكشاف للزمخرشي ج 1 ص 6.
2 انظر التكميل والإفهام لابن عساكر.
3 والذي يدل على أن العرب كانت تعرف هذا الاسم قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} وقوله: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَن} .
وقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} فجهلوا الصفة دون الموصوف ولذلك لم يقولوا ومن الرحمن.
انظر البرهان ج 2 ص 503 ويقول أبو حيان في البحر المحيط ج 1 ص 17 الرحمن فعلان من الرحمة واصل بنائه من اللازم من المبالغة وشذ من المتعد (وال) فيه للغلبة كهي في الصعق فهو وصف لم يستعمل في غير الله كما لم يستعمل اسمه في غيره وسمعنا مناقبة قالوا: رحمن الدنيا والآخرة، ووصف غير الله من تعنت الملحدين، وإذا قلت الله رحمان ففي صرفه قولان يسند أحدهما إلى أصل عام وهو أن أصل الاسم الصرف، والآخر إلى خاص وهو أن أصل (فعلان) المنع لغلبته فيه. ومن غريب ما قيل فيه أنه أعجمي بالخاء المعجمة فعرب بالحاء قاله ثعلب وذهب إلا علم وابن الطراوة وغيرهم إلى أنه اسم علم مشتق من المتعدي كما اشتقوا الدبران من دبر صيغ للعلمية ويدل على علميته وروده غير تابع لاسم قبله في أكثر الكلام فعلى قول هؤلاء يكون الرحمن بدلا من اسم الله.
4 مشاهد الإنصاف على شواهد الكشاف ج 1 ص 5.
وأجاب ابن مالك بأن الشاعر أراد (لازلت ذا رحمة) ولم يرد الاسم المستعمل بالغلبة وحينئذ يستعملونه مضافا ومنكرا وقد أنكر على الشاطبي قوله في أول أرجوزته المعروفة في القراءات والمسماة حرز الأماني ووجه التهاني.
بدأت ببسم الله في النظم أولا
…
تبارك رحمانا رحيما وموئلا
لأنه أراد الاسم المستعمل بالغلبة وكان ينبغي عليه أن يعرفه بالألف واللام، ولما كان الرحمن علما لا صفة كما يقول:
الأعلم وابن مالك وصف بقوله في البسملة (الرحمن الرحيم) وليس الرحيم مرادفا للرحمن1 فالرحمن كالعلم لا يوصف به إلا الله تعالى فلهذا قدم، لأن حكم الأعلام وغيرها من المعارف أن يبدأ بها ثم يتبع الأنكر أي الأقل في الصفة وما كان في التعريف أنقص.
وهذا مذهب سيبويه وغيره من النحويين فجاء هذا على منهاج كلام العرب ومثل (رحمان) ، (لحيان) 2 لكبير اللحية وفيه الخلاف المذكور والصحيح منع صرفه أيضا، لأنه وإن لم يكن له (فعلى) وجودا فله (فَعْلى) تقديرا لأنا لو فرضنا له مؤنثا لكان (فعلى) أولى به من (فَعْلانةُ) لأن باب فَعْلان فَعْلى أوسع من باب فعلان فعلانة فالأولى أن يحمل على أوسع البابين انتشارا عند العرب، والتقدير في حكم الوجود بدليل الإجماع على منع أكمر3 وآدر4 مع أنه لا مؤنث له ولو فرض له مؤنث لأمكن أن يكون كمؤنث أرمل وأن يكون كمؤنث أحمر لكن حمله على أحمر أولى لكثرة نظائره.
ويقول أبو حيان الصحيح فيه الصرف لأنا جهلنا فيه النقل عن العرب والأصل في الاسم الصرف فوجب العمل به فهذه المسألة مما تعارض فيها الأصل والغالب.
(وللحديث بقية)
1 قال الإمام محمد عبده في تفسيره لسورة الفاتحة وقد ميز بين صيغتي الرحمن الرحيم فعنده أن الرحمن من يكثر من الأفعال الرحيمة فهي صيغة مبالغة، والرحيم من طبيعته الرحمة فالرحيم كسائر ما نسميه في الصرف صفة مشبهة تدل على الطبيعة الملازمة لصاحبها.
2 انظر شرح الأشموني ج 3 ص 174، وما لا ينصرف للزجاج ص 35، 36.
3 الأكمر وصف على أفعل لا مؤنث له يقال لكبير الحشقة.
4 الآدر وصف على أفعل لا مؤنث له يقال لكبير الخصيتين.
انظر البحر المحيط ج 1 ص 7.