الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة الثامنة
ضَبْطُ فِعْلين فِي مَتْنِ الأزهار
واعتراض وانتقاض
بسم الله الرحمن الرحيم
عبارة متن الأزهار في الفطرة: "وتسقطُ عن المُكَاتَبِ، قيل: متى يرقُّ أو يعتقُ"
(1)
.
سُئِلَ الحقيرُ: كيف تَضبِطُ يرقُّ أو يعتقُّ؟
فأجاب: أنِ (يرق) بفتح أوله وكسر ثانيه ويعتق بفتح أوله وكسر ثانيه مَبْنيٌّ كل منهما للمعلوم مضارعا من (رَقَّ، وعَتَقَ) إذا صار رقيقًا أو عتيقًا.
وطلب منّي الدليل، فعند المراجعة نقلتُ عبارة المصباح، وهي هذه في (ر ق ق):"والرق بالكسر العبودية، وهو مصدر رَقَّ الشخصُ يَرِقُّ من باب ضَرَبَ فهو رقيقٌ، ويتعدى بالحركة وبالهمزة، فيقال: رققته أَرُقُّه من باب قَتَل وأَرْققته فهو مرقوق ومُرَقٌّ، وأَمَةٌ مرقُوقةٌ ومُرَقَّة. قاله ابن السِّكيت"
(2)
.
وعبارتهُ في (ع ت ق): "عَتَقَ العبدُ عَتْقًا من باب ضَرَبَ، وعَتَاقًا وعَتَاقةً ــ بفتح الأوائل ــ والعِتقُ بالكسر اسمٌ منه، فهو عاتقٌ ويتعدَّى بالهمزة فيقال: أَعتقته فهو مُعتَقٌ على قياس الباب ..... "
(3)
.
فإن قلتَ: نراهُ ذَكَر الوجهين!
(1)
انظر: السيل الجرار (2/ 81).
(2)
انظر: المصباح (ص 235).
(3)
انظر: المصباح (ص 392).
قلتُ: نعم، ولكن صَدَّر بما قلنا.
فإن قلت: صدَّر به لكونه ثلاثيًّا، والآخرُ مزيدًا فيه.
قلت: مُسَلَّمًا، ولكن يتعيَّن هنا الأوّل؛ لأنّ المكاتب هو الذي يصير ذا رقٍّ، قال في الأزهار:"ويَردُّه في الرقِّ اختياره .... إلخ".
وكذلك العتق هو الذي يصيرُ ذا عتقٍ بالوفاء.
وأمَّا في نحو الأسير إذا أرقَّه الإمامُ، أو العبدُ إذا أعتقه سَيِّدهُ طَرْحةً فيجوز الوجهان؛ لأنَّك تقول: أرقَقته فرقَّ أي: صار ذا رِقٍّ، وأعتقته فعتق أي: صار ذا عتقٍ.
وتقول: أُرِقَّ الأسيرُ أي: أرقَّه الإمامُ أو أُعْتِقَ العَبدُ أي أعتقه سيِّده.
والله أعلم.
[اعتراض]
(1)
قوله: "إذا صار" غير مُسَلَّمٍ أنّ رقَّ وعتق بمعنى صار.
وقوله: "من باب قتل" أيُّ شيءٍ من باب قَتَلَ؟!
فلا تليقُ التعمِيةُ في موطن التعليم.
(1)
هذا الاعتراض وجدته في نفس الورقة التي أجاب فيها المعلمي عن السؤال السابق، ولم يذكر فيها اسم المعترض غير أني وجدت حرف (ع) مكتوبًا في وسط الاعتراض ولعله ــ والله أعلم ــ رمز للقاضي عبدالله بن علي العمودي فقد كان كثيرًا ما يعترض على المعلمي ويناقشه في المسائل، ومما يقوي هذا أن الخط هو عينه خط العمودي فلينظر في هذا ــ والله أعلم ــ.
ثم قوله: "مسلمًا" لحنٌ فاحش.
وقوله: "مزيدًا فيه" لم يتضح عطفه على (ثلاثيًّا) فالأَصْوبُ رَفعُه.
وقوله: "يَصِيرُ ذا رقٍّ" ويُصَيَّرُ أيضًا.
وقوله في الأزهار
(1)
: "ويرده في الرق اختياره" نقول: واضطراره، بدليل قوله بعده:"وعجزه" أي: ويردُّه في الرقِّ عجزه.
قوله: "يصير ذا عتقٍ بالوفاء" أفهمتْ عبارته أنه بالإعتاق لا يقال: (عَتَقَ يَعتِقُ) على أنَّه يُقال: عَتَقَ مطلقًا سواءً كان بالوفاء أو بالإعتاق. والمختارُ
(2)
كاسمِه لم يُهملْ (رَقَّ يَرِقُّ) بمعنى مُلِكَ إلا لكونها شاذّة، وقد ذكرها بمعنى ضدِّ ثَخُنَ وغَلُظَ، والفيوميُّ يجمع بين المشهور وغيره كالقاموس واللسان، والتصدير لا يدلُّ على الأعلى، فكثيرًا ما يُصَدَّر الأدنى والله ــ تبارك وتعالى ــ أعلم
(3)
.
* * * *
(1)
السيل الجرار (3/ 391 ــ 392).
(2)
يريد كتاب مختار الصحاح للرازي.
(3)
انتهى الاعتراض.
الحمد لله وحده
(1)
قوله: "إذا صار غَيرُ مُسَلَّمٍ أنَّ رقَّ وعتق بمعنى صار" فبمعنى ماذا؟! فإنَّه لازمٌ
(2)
ويتعدَّى بما ذكره في المصباح.
وأمَّا قوله: "أيُّ شيءٍ من باب قتل
…
إلخ".
فهذه عبارة المصباح، وليست من مسألتنا
(3)
حتى نتكلم عليها، نعم مقصوده أن (رقَّ) قد يتعدى بنفسه كما قال بالحركة ويكون من باب (قَتَلَ)
(4)
، فتقول: رَقَقْتُه، أَرُقُّهُ.
وأما قوله
(5)
: "مسلمًا لحنٌ فاحشٌ" فإنه ليس بخطِّ الحقير ولا أَمليتُه كذلك، على أني لو قلتُ ذلك لكان له وجهٌ، وهذه العبارة "
(6)
فإنْ قُلتَ: صدَّر به لكونه ثلاثيا والآخر مزيدا فيه، قُلْتَ: مسلمًا) فتُضبَط (قلت) الثانية بفتح التاء
(7)
، و (مسلَّما) نعتٌ لمصدر محذوف تقديره:(قولًا مسلمًا)
(8)
،
(1)
هذا جواب المعلمي على الاعتراض، وفي نفس الورقة أيضا اعتراض عليه أثبتُّه في الحاشية، وسينقض المعلمي الاعتراض بجواب آخر سيأتي إن شاء الله.
(2)
كتب فوقها: (العارف ما يُعرَّف). [المعترض].
(3)
بلى؛ لأنكم استطردتموها وهي ميزان الباب فعلى المصباح. [المعترض].
(4)
فقط أم ومن باب ضرب غلط. [المعترض].
(5)
أي شيء في اصطلاحكم؟ [المعترض].
(6)
ماهذا في وضعكم. [المعترض].
(7)
غلط لا يليق بالمذاكرة. [المعترض].
(8)
لا يعزب عنكم مافيه من التعسُّف والأخذ على غير الجادّة. [المعترض].
على أنه لا حاجة لمثل هذه.
وقوله: "لم يتَّضح عطفه على (ثلاثيًّا) ". كيف لا؟ ! والعبارةُ: (لكونه ثلاثيًّا والآخر مزيدًا فيه)، وهو من العطف
(1)
على مَعْموليْ عامل، وهو جائزٌ إجماعًا ــ كما في المغني ــ
(2)
على أنه ليس المعنى هنا على الاستئناف؛ لأن الجملة الثانية داخلةٌ في التعليل، فَنَظَرُكُم في قولكم: والأصوب رفعه.
وقوله في المكاتب: "ويُصَيَّر أيضًا" اعترافٌ بأنه يصير
(3)
؛ لأنَّ قوله: "أيضا" تدلُّ على ذلك
(4)
.
أما قوله: "ويصيَّر" فالنظر ما المتعيّن
(5)
أو الأولى؟ موكولٌ إلى إنصاف المجيب ــ عافاه الله ــ، ونقل عبارة الأزهار لم يظهر لنا وجه إيرادها
(6)
.
قَولُه: "يصير ذا عتقٍ بالوفاءِ أَفْهمتْ عبارتُه أنَّه بالإِعْتاقِ لا يقال: عَتقَ يَعْتِقُ، على أنَّه يقال: عَتَق مطلقًا
…
إلخ".
كَلامُنا في الأَوْلوية، والمفهومُ غير مسلَّم
(7)
، ولو سُلِّم ففي المنطوق
(1)
لو سوغنا العطف لكان المعنى: وصُدّر الآخر لكونه مزيدًا فيه، وهو خَلْفٌ. [المعترض].
(2)
انظر: المغني بحاشية الدسوقي (2/ 131).
(3)
إنّما قلتُ: ويُصَيّر، فلا اعتراف. [المعترض].
(4)
مع أنه واضحٌ لا ننكره. [المعترض].
(5)
لم يفهم هذا! [المعترض].
(6)
بلى؛ لأنكم أوردتم: "يردّه في الرق اختياره" فقلنا: واضطراره مأخوذ من قوله: "عجزه". [المعترض].
(7)
المذاكرة مبنيةٌ على الإنصاف فسلِّموا، وإلا تمثلنا بقوله:
قد قلتُ إذ مدحوا الحياة وأسرفوا .... إلخ. [المعترض].
قلت: تكملة الشطر في النهاية لابن الأثير (1/ 183) وهي:
.............................
…
في الموت ألف فضيلة لا تعرف
منها أمان عذابه بلقائه
…
وفراق كل معاشر لا يُنْصِف
بعده ما يصرِّح بعكسه، والعبرة بالمنطوق عند التعارض.
وقوله: "والمختار كاسمه لم يُهملْ (رَقَّ، يَرِقُّ) بمعنى مَلَكَ إلا لكونها شاذَّة"
ليت شعري! هل كلُّ ما أهمله المختار
(1)
شاذٌّ؟ !
والمجيبُ لا يرى ذلك قطعًا، على أنًّ (رقَّ) نَقيضُ (عتق) فهو محمولٌ عليه
(2)
.
على أنه لو قيل: إنَّه لم يَردْ أصْلًا لجازَ هنا للمُشَاكَلةِ كما في حديث أمِّ زرع: "زوجي كَليلِ تهامةَ لا حَرَّ ولا قَرَّ"
(3)
. هـ. صرَّحوا
(4)
أنَّه بفتح القاف لمشاكلة الحرِّ إلى غير ذلك.
وقوله: "والفيّوميّ
(5)
…
إلخ" لنا أن نَحْجُرَ على المجيب ــ حفظه الله ــ
(1)
هو ههنا لم يهمل فقد ذكر (رقَّ يرقّ) لغير ملك والعبودية، فلو كان مشهورًا مختارًا ــ كما لزم ذكر المختار ــ لجاء به، فعُلم أنه من غيره. [المعترض].
(2)
الحملُ في اللغة ممنوع إلا لجاهلي أو مخضرم. [المعترض].
(3)
لو استشهدتم بالمشهور كان أولى، كقولهم:"لا دريتَ ولا تليتَ". [المعترض].
(4)
من هم المصرّحون؟ [المعترض]
(5)
العلَّامة أحمد بن محمد بن علي المقرئ الفيومي ت (770).
بأن نقول له: لا تَتكلَّمْ بكلمةٍ إلاّ أنْ يكونَ في المختار
(1)
؛ لأنّ غَيرَه غَيرُ مَوثوق
(2)
في الفصاحة.
وقوله: "والتصدير لا يدلّ على الأعلى، وكثيرًا ما يُصدَّر الأدنى".
قلنا: لكنَّ الغالب في مثل هذا البدء بالأَفْصَحِ فالأَفْصَحِ، على أنا قد سلّمنا أنَّه لا دليل لنا في ذلك.
وحرَّرنا
(3)
هذا حرصًا على الفائدة مَعَ تَيقُّنِ الصَّفَاءِ، وحُبِّ الحقِّ من الجميع والله الموفِّق.
* * * *
(1)
ليس كذلك فإنما المختار ضَحْضاحٌ وقطرة من مطره، كيف لا؟ ! وقد أهمل القاموس أربعين ألف مادة فصاعدا أو فسافلا شَمِلها اللسانُ. واللسان قطعا بعضُ لغة أمعرب. وهي بحر لا ساحل لها واللغة طريق معرفتها التواتر والآحاد لا العقل مستقلا ولا القياس ــ والله أعلم ــ.
(2)
بلى وزيادة العدل مقبولة. [المعترض].
(3)
لكن هذا الكاتب لا يكاد يبين. [المعترض].
الحمد لله وحده
(1)
قوله: "قوله: إذا صار غير مسلَّم أنَّ (رقَّ وعتق) بمعنى صار" فبمعنى ماذا؟ ! فإنه لازم ويتعدى بما ذكره المصباح.
وأمّا قوله: "أيُّ شيءٍ من باب قتل
…
إلخ" فهذه عبارة المصباح، وليستْ في مسألتنا حتى نَتكلَّمَ عليها، ومَقْصودُه أنَّ (رقّ) قد يتعدى بنفسه كما قال: بالحركة، ويكون من باب قتل، فتقول: رققته أرُقُّه.
وأمَّا قوله: "قوله: مسلّما لحن فاحش" فإنَّه ليس بخطِّ الحقير ولا أمليتُه كذلك على أنني لو قلتُ ذلك لكان له وَجْهٌ، وهذه العبارةُ:(فإنْ قلتَ: صدَّر به لكونه ثلاثيًا والآخر مزيدًا فيه. قلتَ: مسلّمًا).
فتضبط (قلت) الثانية بفتح التاء، ومسلّمًا نعتٌ لمصدر محذوف تقديره: قولًا سليمًا على أنه لا حاجة لمثل هذا.
وقوله: "لم يتَّضحْ عَطْفُه على (ثلاثيًّا) كيف لا؟ ! والعبارة: (لكونه ثلاثيًّا والآخر مزيدًا فيه) وهو في العطف على معمولي عامل، وهو جائز إجْماعًا ــ كما في المغني ــ على أنه ليس المعنى هنا على الاستئناف لأنَّ الجملة الثانية داخلةٌ في التعليل، فنظركم في قوله: والأصوبُ رفعُه.
وقوله في المكاتب: "ويُصَيَّر أيضًا" اعتراف بأنَّه يصير لأنَّ قوله "أيضًا" تدل على ذلك.
أمَّا قوله: "يُصيَّر" فالنظر في المتعين أو الأولى موكولٌ إلى إنصافه، ونقلُ عبارة الأزهار لم يظهر لنا وجه إيرادها؛ لأنه بالاختيار قد يقال: هو
(1)
هذا جواب الاعتراض الأول قد كرره المؤلف وأثبته لاشتماله على زيادة.
الذي أرق نفسه بمعنى ردَّها في الرق لا لذلك مع الاضطرار.
قوله: "يصير ذا عتقٍ بالوفاء، أفهمت عبارته أنه بالإعتاق لا يقال:(عَتَقَ يَعتِقُ) على أنه قال: عتق مطلقا
…
إلخ" كلامنا في الأولوية والمفهوم غير مسلم. ولو سُلِّم ففي المنطوق بعده ما يصرح بعكسه، والعبرة بالمنطوق عند التعارض.
وقوله: "والمختار كاسمه لم يهملْ (رقّ يرقُّ) بمعنى ملك إلا لكونها شاذة" ليت شعري! هل كلُّ ما أهمله المختار شاذٌّ؟ ! والمجيب ــ حفظه الله ــ لا يرى ذلك قطعًا، على أنَّه لو قيل: إنَّه لم يرد رأسًا لجاز هنا للمشاكلة كما في حديث أمّ زرع: "زوجي كَليلِ تهامةَ لا حَرّ ولا قَرّ"
(1)
صرحوا أنه بفتح القاف لمشاكلة (حرّ) إلى غير ذلك.
وقوله: "والفيّومي .... إلخ" لنا أن نُضيِّق على المجيب ــ حفظه الله ــ بأن نقول له: لا تتكلّم بكلمةٍ إلا أن تكون في المختار؛ لأنّ غيره غيرُ موثوق في الفصاحة.
وقوله: "والتصدير لا يدلُّ على الأعلى وكثيرًا ما يُصدَّر الأدنى" قلنا: لكنّ الغالب في مثل هذا البدء بالأفصح فالأفصح، على أنّا قد سلمنا أنه لا دليل لنا في ذلك.
وحرّرنا هذا حرصًا على الفائدة مع تيقّن الصَّفاء وحبِّ الحقِّ من الجميع ــ والله الموفّق ــ.
(1)
الحديث أخرجه الشيخان، البخاري في كتاب النكاح باب حسن المعاشرة مع الأهل حديث رقم (5189)، ومسلم في فضائل الصحابة حديث رقم (2448).
الحمدُ لوليِّه والصلاة على نبيِّه وآله ووصيِّه
(1)
عبارة الرضيّ في شرح الشافية
(2)
: "ولزموا الضمَّ في المضاعف المتعدِّي إلا أحرفًا جاءت على (يَفْعِلُ)
…
إلى أنْ قال: "وما كان لازمًا فإنَّه يأتي على (يَفْعِلُ) بالكسر نحو: عَفَّ يَعِفُّ، وكلَّ يَكِلُّ إلا ما شذَّ من عَضَضْتَ تَعَضُّ
…
إلخ".
إذا عرفت ذلك فقولُ المصباح: "الرِّقُّ بالكسر العُبوديّةُ، وهو مصدر رَقَّ الشخصُ يَرِقُّ من باب ضَرَبَ فهو رقيقٌ، ويتعدَّى بالحركة وبالهمزة فيقال: رَقَقْته أرُقُّه من باب قَتَلَ .... إلخ" ممَّا لا يحتاجُ إلى إيضاحٍ؛ لأنَّ (رقَّ) الأولى لازمٌ، وقد عرفتَ أنَّ القياسَ فيه الكَسْرُ فلا حاجةَ إلى النَّصِّ عليه إلا أنه أراد تضمين الإفادة.
وقوله بعد ذلك: "ويتعَدَّى بالحَركةِ" فيه زيادةُ إيضاحٍ أنّ (رقّ) الأولى من اللازم.
وقوله: "رقَقْته أرُقُّه" هذا مُتَعدٍّ وقد عرفتَ أنَّ قياسَه ضمُّ عين مُضَارعه، فقولُه:"مِنْ باب قَتَلَ" زيادةُ كَشْفٍ وإيضاح.
فإنْ قيلَ: كيف تقول: ضَمُّ عَين مُضَارعه مع أنَّ الواقع في (رقَّ) الشخصُ (يَرُقُّه) ضمُّ الفاء؟!
(1)
هذا جواب المعلمي ــ رحمه الله ــ على الاعتراض الثاني الموجود بالهوامش المتقدمة مختومًا بـ[المعترض].
وقوله: "ووصيه" كذا هي في الأصل، ولم يثبت أن للنبي صلى الله عليه وسلم وصيًّا. وهذه الرسالة كتبها المؤلف في أوائل عمره. ولم نجد له نحوها في غير هذا الموضوع.
(2)
انظر (1/ 134).
قلتُ: أصله (يَرْقُقُ) فالضَمَّةُ على القاف الأولى ــ وهي عَيْنُ الكلمة ــ فنُقِلتْ الضَّمّةُ إلى ما قبلها أي: إلى الرَّاءِ التي هي فَاءُ الكلمة، وأُدْغمتِ القافُ في القافِ على القاعدة.
وقوله ــ على توجيه (مسلّمًا) ــ: "لا يَعْزُب عنكم ما فيه من التعسُّفِ" صحيحٌ إلا أنّنا
(1)
ارتكبناه ليُعْلم ما في قوله: "فيه لحنٌ فاحشٌ".
وقوله ــ في عبارتنا: (صدّر به لكونه ثلاثيًّا والآخر مزيدًا فيه) وقولُنا إنَّه من العَطْفِ على مَعْمُوليْ عَاملٍ: "لو سوَّغْنا أَمْعَطفَ
(2)
لكان المعنى: وصُدّر الآخر لكونه مزيدًا فيه، وهو خَلْفٌ " سَهْوٌ، فإنَّ العاملَ المعطوف على عَامليْه هو (كون)، والمعنى:(صَدَّرَ به لكونه ثلاثيًا وكون الآخرِ مزيدًا فيه)؛ لأنَّ العلَّةَ لا تتمُّ إلا بمجموع الأمرين؛ لأنَّه في غير هذا قد يكون الأول ثلاثيًّا، والثاني ثلاثيًّا فهو مستويان.
وقال على قولنا: (وقوله في المكاتب: "ويُصَيَّر أيضًا اعترافٌ بأنَّه يَصِيرُ؛ لأنَّ قوله (أيضًا) تدلُّ على ذلك
…
) إلخ، قال:"إنَّما قلتُ: ويُصَيَّرُ، فلا اعتراف".
أقول: الكاتبُ ضبط (ويَصير) بفتح أوله فظنَّ المُجيبُ ــ عافاه الله ــ أنَّ دعوانا الاعتراف مبنيّةٌ على ذلك وليس الأمر كذلك، فإنّا عارفون أنَّها بِضمِّ الأوَّل وفتح الثاني وتَشْديدِ الثَّالث مفتوحًا، وإنما محلُّ الإقرار كونه عَطَفَهَا على قولنا:(يَصير) في قولنا: "لأنَّ المكاتب هو الذي يَصِير ذا رقٍّ" فقال:
(1)
كُتب فوقها: [مع أنَّ أصلنا موجودٌ: مُسَلَّمٌ].
(2)
أمعطفَ أصلها: العطف، و (أم) الحميرية بمنزلة أداة التعريف (أل).
"ويُصَيَّر أيضًا"، فكأنّه قال: يَصِير ويُصَيَّر، ولاسيَّما مع قوله:"أيضًا" على أنّ في شرح القاموس: "وقد رقّ فلانٌ أي: صار عَبْدًا. هـ"
(1)
. وهذا دليل صريحٌ.
وقال ــ على قولنا: (أمّا قوله: ويُصيَّر فالنظر ما المتعيّنُ أو الأولى موكولٌ إلى إنصاف المجيب ــ عافاه الله ــ) قال: "لم يُفْهم هذا"!
فأقول: أردتُ أيُّ المتعيِّنُ أو الأولى من قولك في المكاتب: (يَصير أو يُصَيَّر)؟ .
وكَتَبَ على قولنا: (ونَقْل عبارة الأزهار لم يَظْهرْ لنا وَجْهُ إيرادِها) ما لفظُه: "بلى؛ لأنكم أوردتم: يردُّه في الرقّ اختياره" فقلنا: "واضْطرارُه مأخوذٌ من قوله: عَجْزٌ. هـ"
كأنَّه ــ حفظه الله ــ فَهِمَ مِنْ إيرادي عبارة الأزهار أنّي حاولتُ بها الاستدلالَ على تعيُّن (رقَّ) أو أَولويَّتَهُ لقوله: "اختياره"، والحقيرُ
(2)
لم أنقل عبارة الأزهار دليلًا بلْ مُرَادي أنَّه لم يَنْسب الردَّ في الرق إلى السيِّد أو نحوه حتى يكونَ الأولى أن يقال: "أرقَّ"، بل ليس في الحقيقة فاعلًا، وإنَّما هو سببٌ له وهذا أيضًا موجودٌ في الاضطرار كما هو في الاختيار، فهُوَ لي لا عليَّ، وَوَجْهُ الاستدلال يظهر من هذا المثال:(قولنا أَدْخَل زيدٌ عمرًا، وأخرجَ زيدٌ عمرًا)، إذا أردتَ حذفَ الفاعل كان قولُك:(أُدْخِلَ وأُخْرِجَ) أولى من قولك: (دَخَل وخَرَجَ) بل قد يتعيَّن في بعض المقاصد.
(1)
انظر تاج العروس مادة (ر ق ق).
(2)
يريد المؤلف نفسه.
وإذا قلتَ: (أَدْخَل زيدًا الجُبْنُ، وأَخْرَجه الخوفُ) فإنّك إذا أردتَ حذفَ الفاعل كان قولك: (دَخَل وخَرَجَ) أولى من قولك: (أُدْخِلَ وأُخْرِجَ)، فإذا أردتَ بيانَ السبب فَقُل:(دَخَلَ جُبْنًا وخَرَج خوفًا)، ولا يأتي مثل هذا في الأول، وههنا كأنّا قلنا: أرقَّه الاختيار، أرقَّه الاضطرار، فإذا حذفتَ الاختيار والاضطرار كان قولُنا:(رقَّ) أولى من قولنا: (أُرِقَّ) كما مرَّ، وإذا أردْنا ذِكْرَ السَّببِ قُلْنا:(رقَّ لاختياره، رقَّ لاضطراره)، ولا يحسن أن نقولَ:(أُرِقَّ لاختياره، أُرِقَّ لاضطراره) إلَاّ بتعسُّفٍ؛ لأنَّ المعنى حينئذٍ بحسب الظاهر أَرقَّه اختياره لاختياره
…
إلخ.
أمَّا في نحو: (أَرقَّ الإمامُ الأسيرَ، وأعتقه سيِّدُه) فإنّه يقال: (أُرِقَّ، وأعْتِقَ).
وأوْرَدَ على قولي: (لأنَّ المُكَاتِب هو الذي يصير ذا عتقٍ بالوفاء) أنَّ مفهومه أنَّه بالإعتاق لا يقال: عَتَق يَعْتِقُ.
فأجبتُ بأنَّ هذا المفهومَ غيرُ مسلَّم، وعلى فرض تسليمه فقد صرّحتُ عَقِبَه بخلافه، والعبرة بالمنطوق عند التعارض فأجابَ ــ على قولي: غير مسلّم ــ بطلب الإنصاف.
فأقول: عبارتي في مقابل قوله في المكاتب: أُعتق (والبحث في المكاتب).
فقلتُ: المكاتبُ هو الذي يصير ذا عتقٍ أي: هو بنفسه لا بإعتاقٍ من سيِّده، وقد قالوا في الأصول: إنَّ شرطَ المفهوم أنْ لا يكون اللفظُ المفهومُ مِنْه خرجَ مخرجَ الغالب أو لموافقة الواقع، أو في جواب سؤالٍ
…
إلخ
فراجعْه إنْ أردتَ
(1)
.
فقولنا: المكاتب كذا في جواب سؤالٍ عن المكاتب أو الواقع كذلك لا يُفهم منه غير المكاتب بخلافه.
وأمّا إهمال المختار (رقّ) بمعنى: صار ذا رقٍّ، مع ذكره لها بمعنى غير ذلك، ودعوى سَيِّدي المُجيب: أنّ ذلك يفيد أنّها شاذّةٌّ، فيا مرحبًا بالوفاق ما أمكن، لكن قولكم:"كما التزم ذكر المختار" لعلكم فهمتم الْتزامَه ذكر المختار من اسم المختار، ولا يخفى ما في هذا.
وأما عبارتُه في الخُطْبة فهي: "واقتصرتُ على ما لا بُدَّ لكل عالمٍ فقيه أو مُحدِّث، أو أديب من معرفته وحفظه لكثرة استعماله وجريانه على الأَلْسُنِ ممَّا هو الأهمّ فالأهمّ .... إلخ". وليس فيه ما يدلُّ على أنه يذكر كلَّ مختار مع عدم ادّعائكم ذلك مع قولكم: "زيادة الثقة مقبولة".
نعم إهماله (رقَّ) من الرِّقِّ مع ذكره (رقَّ) بمعنى غيرها قرينةٌ على أنّ (أُرِقَّ) أكْثرُ استعمالًا، على أنّ الفَصْل أن ننقل عبارة الإمام الزمخشري في كتابه أساس البلاغة، وهو حكمٌ عدلٌ، قال في (رقَّ): "وعبدٌ رقيقٌ من عبيدٍ أرقاء، وأمة رقيقةٌ من إماءٍ رقائق، وقد رقَّ رِقًّا، وقد ضُرِبَ الرِّقُّ عليه، وعبدُ الشهوة أذلُّ من عَبْدِ الرّقّ، والعبدُ المعتَق بعضُه يسعى ما رقَّ منه، وأعتق أحدَ العبدين وأرقَّ الآخَرَ
(2)
".
(1)
راجع شرح مختصر الروضة للطوفي (2/ 775) ط الرسالة.
(2)
هنا علامةٌ وجدت في هذا الموضع وعليها حاشية هذا نصها: (نعم وهذه العبارة واضحة في ما جنحنا إليه بشرط الإنصاف [هنا كلمة غير واضحة].
والحاصلُ أن (رقَّ وعَتَقَ) في حقِّ المكاتب أولى من (أَرقَّ وأَعْتق) لعِدَّةِ مُرجِّحاتٍ:
منها: ما يُفهم من غضون كلامنا.
ومنها: أنهما أخفُّ وكلام العرب مبنيٌّ على الخِفَّةِ؛ فيُقدَّم فيه الأخفُّ على غيره.
ومنها: أنهما أخصرُ لفظًا
(1)
، والمصنِّفون يراعون الاختصار، ولو بحرفٍ كما يعرفه مَن استقرأ كتبهم.
ومنها: أنَّه ليس المقصود هنا إلا مجرَّدَ صيرورته عبدًا أو حرًّا لا كونه صُيِّرَ إذ لا يتعلّق بذلك غرضٌ.
ومنها: مُراعاةُ اللفظ المأخوذ منه، فإنَّ العتقَ مِنْ: عتَقَ الفرخُ إذا طار واستقلَّ. والرِّقُّ من (رقَّ) ضد جفا وقسا، وفي شرح القاموس:"وقال أبو العباس سُمّي العبيد رقيقًا؛ لأنهم يَرِقُّون لِمَالِكهم ويَذِلّون ويخضعون" هـ.
ومنها: اختيار دورانها على لسان حملة الشرع، واستعمالها أكْثرُ من الأخرى، ومنهم من هو إمامٌ في اللغة كالإمام النووي ــ صاحب تهذيب الأسماء واللغات ــ فقد كرّر لفظ (رقَّ وعتق) في منهاجه وغيره مرارًا، بل لفظ (عتق) في الأحاديث لا يكاد يُحصَر، وقد عُلِمَ أن (رقَّ) أختُها.
والله المرجو في التسديد والتوفيق والهداية إلى أقوم طريق، وله الحمد ــ سبحانه ــ وصلَّى الله على سيدنا محمد وصحبه وسلم.
* * * *
(1)
كتُب فوقها: [باعتبار الماضي والمضارع].
* وكتب على قولي: (على أنَّ رقَّ نقيضُ عتق فهو محمولٌ عليه على قاعدة الحمل على النقيض كالحمل على النظير) ما لفظه: "الحملُ في اللغة ممنوع إلا لجاهلي"، وعلى قولي:(كالحمل على النظير): "فيه نظرٌ إلاّ لمن يحتجُّ بكلامهم".
أقول: مسلَّمٌ، والحقير: لم أُرد أن أحملَ شيئًا لم يرد على شيءٍ واردٍ، بل حَمْلُ واردٍ على واردٍ، وغرضي أنْ استأنس لتساويهما في الفصاحة.
وكتب على قولي: (على أنَّه لو قيل: إنَّه لم يرد أي: رقَّ أصلًا لجاز هنا للمشاكلة أي: يعتقُ كما في حديث أمّ زرعٍ: "زوجي كليل تهامة لا حَرَّ ولا قرَّ" صرحوا أنه بفتح القاف لمشاكلة حرَّ .... إلخ): "من هم المصرِّحون؟ ".
فأقول: هاكَ عبارةَ القاموس مع شرحه: " (القُرُّ بالضمِّ البردُ) عامةً (أو يُخَصُّ) القُرُّ (بالشتاء) والبرد في الشتاء والصيف، الأخير
(1)
نقله صاحب المعالم، وهو في المحكم قال شيخنا: وحكى ابن قتيبة فيه التثليث، والفتح حكاه اللحياني في نوادره، ومع الحرِّ أوجبوه لأجل المشاكلة. قلتُ: يعني به ما وقع في حديث أمِّ زرعٍ: "لا حَرَّ ولا قَرَّ"
…
إلخ" هـ.
أقولُ
(2)
: ظاهر عبارة شيخه وُجوبُ الفتح مع الحرِّ مطلقًا، فتخْصِيصُهُ له بالحديث خِلافُ ظاهره.
(1)
في تاج العروس (3/ 486): والقول الأخير
…
إلخ.
(2)
القائل هو المعلمي.
فائدتان
1 ــ خاطرة في قول الشاعر:
* ولكنني من حبها لعميد *
2 ــ المعارف التي بعد اسم الإشارة
[خاطرة في قول الشاعر:] يلومونني في حب ليلى عواذلي
…
ولكنني من حبها لعميد
(1)
خطر في ذهني عند الدرس تخريج لقوله: «لكنني» بقولي: يمكن أن يكون أصله «لكنْ» مُخَفَّفَةُ النون، وبعدها «إنني» فنُقلت حركة الهمزة إلى نون «لكن» فصار «لاكنِنَّي» بلام فألف فكاف فنون مكسورة ــ وهي نون لكن ــ فنونٍ مشدَّدةٍ مفتوحة ــ وهي نونُ إنَّ ــ ونونٍ مكسورةٍ ــ هي نونُ الوقاية ــ فياءٍ ــ هو ضمير المتكلم ــ فاستثقل اجتماع أربع نونات فحذفت الأولى تخفيفًا، فصار كهيئتِه.
وقد ورد حذف نونِ «لكن» في غير هذا فلا تستبعدْ، قال النجاشي
(2)
:
(1)
قال العيني في المقاصد النحوية (2/ 247): «ذكر المتأخرون من النحاة أن قائل هذا لا يعرف، ولا يحفظ له تتمة، وهو شطر من الطويل» .
والمقصود بهذا عجز البيت؛ لأن صدره لم يذكره أحدٌ حسبما وقفت عليه سوى ابن الناظم في شرح الألفية (ص 172)، وابن عقيل في شرحه كذلك على أن صدره فيه شذوذ، وقد روى العجز الفراء في معانيه (1/ 465) بلفظ «ولكنني من حبها لكميد» ، وعنه الجوهري في الصحاح (6/ 2197)، والكميد: وصفٌ من الكمد، وهو الحزن، والعميد: الذي هدَّه العشق.
انظر: الإنصاف (1/ 209)، وإعراب القرآن للنحاس (2/ 256)، وشرحي الكافية والتسهيل لابن مالك، والارتشاف (5/ 2397)، والخزانة (10/ 361)، وشرح أبيات المغني (4/ 356) للبغدادي، والدرر اللوامع (2/ 185).
(2)
قيس بن عمرو بن مالك من بني الحارث بن كعب، يكنى أبا الحارث، كان في عسكر علي رضي الله عنه بصفين، ووفد على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان رقيق الدين، يقال: إنه مات بلحج في اليمن.
انظر: الشعر والشعراء لابن قتيبة (1/ 329)، والإصابة (6/ 387)، وخزانة الأدب (10/ 420).
فلست بآتيه ولا أستطيعه
…
ولاكِ اسقني إن كان ماؤك ذا فَضْلِ
(1)
ثم رأيت ما يوافقه عن الزمخشري ــ رحمه الله ــ إلا قولي: وقد ورد
…
الخ فلم يتعرض له
(2)
.
فلله الحمد.
(1)
هذا البيت من شواهد سيبويه في الكتاب (1/ 27)، وقد ذكره ابن قتيبة مع أبيات له في المعاني الكبير (1/ 207)، وانظر الكلام عليه في الخزانة (10/ 418)، وشرح أبيات المغني (5/ 194) كلاهما للبغدادي.
(2)
رأي الزمخشري مذكور في المفصل، كما في (8/ 62) من شرح ابن يعيش.
قلت: وقد سبق الزمخشري إلى هذا الرأي الزجاجي ت (337 هـ) في كتاب اللامات (ص 177)، وقرر هناك عين ما قرره المعلمي هنا محتجًّا ببيت النجاشي كذلك، وذهب إلى هذا الرأي أيضًا ابن هشام في المغني (1/ 349 - 422)، وكذا ابن يعيش في شرح المفصل، وابن مالك في شرح التسهيل (2/ 29)، وفي المسألة أقوالٌ أخرى، تنظر في هذه المراجع المذكورة وغيرها من المظان.