الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
:
الحمد لله على جزيل نعمه، وتواتر آلائه ومننه، والصلاة والسلام على النبي المرتضى والحبيب المرتجى؛ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم النبي العربي، والرسول القرشي؛ صفوة الأنبياء، وأفصح البلغاء، وعلى آله وأصحابه وتابعيه، ومن نحا نحوهم، واهتدى بهديهم، وسلك سبيلهم، إلى يوم الجزاء.
"وبعد" فهذا مؤلف جديد، وتعليق فريد، على "أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك" للإمام الجليل جمال الدين بن هشام الأنصاري، يزيد على ما سبقه من الكتب في دقة نسجه، ويفوق ما تقدمه من التعليقات في بسط جوهره، وينفرد عن غيره من المؤلفات بعمق النظرة، ووضوح الفكرة.
تناولت فيه التعليق الوافي على متن فخر النحاة "ابن هشام"، وأوضحت باختصار معاني وإعراب ألفية "ابن مالك" الهمام. وكشفت عن خفي العبارات والتراكيب التي يصعب على الدارس فهمها، ويلتوي عليه وعيها وإدراكها. وشرحت ما فيه من أمثلة وشواهد، وأجملت معانيها، وذكرت إعراب الغامض منها، وموضع الشاهد فيها.
واستقصيت -في إيجاز- ما تمس الحاجة إليه من طرائف وفوائد في شتى الموضوعات، وعملت على تجديد وتنويع ما عرضت من الأسئلة والتطبيقات.
وأضفت -في المناسبات- الموضوعات الصرفية الهامة التي أغفلها "ابن هشام" كما أغفلها "ابن مالك" -وبخاصة تصريف الأفعال اكتفاء بكتابه لامية الأفعال- ليكون الكتاب مغنيًا بنفسه في القواعد النحوية والصرفية.
وعنيت بعرض تعريف مناسب لأئمة النحاة والقراء الذين وردت أسماؤهم
في هذا السفر الجليل؛ ليكون الدارس على بصيرة بمنزلتهم العلمية، فيختار من آرائهم ما تطمئن إليه نفسه، ويهديه إليه درسه وبحثه.
وقد صدرت الكتاب بنبذة جامعة عن وضع النحو ونشأته، وسيره في طريق النمو والازدهار، حتى أينع وأثمر، واستتبع ذلك ذكر بعض رواده الأوائل، وجلة واضعيه الأماثل.
وأوضحت كيف نشأ المذهبان المعروفان لدى علماء النحو؛ وهما: المذهب البصري، والمذهب الكوفي، وأهم الفروق بينهما.
وقد أقبلت على وضع هذا المؤلف بعد أن سمح وقتي بتفرغي إليه، وقصر جهدي عليه، ومراجعة المصادر المختلفة التي تعين على توضيحه، وتساعد على إظهار مكنون أسراره، وقصدت بعملي هذا خدمة ذلك السفر العظيم، والتقرب إلى الله -الذي تعنو له الوجوه- بتيسير وفهم لغة كتابه الكريم.
وقد أسميته: "ضياء السالك إلى أوضح المسالك" سائلًا الله -جلت قدرته- أن يضيء به الطريق لقارئه، وينير السبيل أمام المطلع عليه، إنه سميع مجيب.
المؤلف
ترجمة ابن هشام:
هو الإمام العلامة النحوي المشهور: أبو محمد عبد الله "جمال الدين" بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري، ولد بالقاهرة في ذي القعدة من عام 708 "ثمان وسبعمائة من الهجرة النبوية"، الموافق 1309 ميلادية.
وقد اشتغل منذ نشأته بالعربية، وتوافر على دراستها حتى أتقنها وبرز فيها، وقرأ على ابن السراج، وسمع من أبي حيان ديوان زهير بن أبي سلمى ولم يلازمه، وحضر دروس الشيخ تاج الدين التبريزي، وتفقه على مذهب الشافعي ثم تحنبل.
وقد فاق الأقران بل الشيوخ، وبز من تقدمه، وأعيا من أتى بعده، وتصدر للدرس، فنفع الطلاب وأفادهم كثيرًا، وأقبل الناس عليه من كل صوب، وكان كثير المخالفة لأبي حيان، شديد الانحراف عنه، هذا إلى صلاحه وورعه وشدة تواضعه. قال عنه شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني في كتابه "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة:"لقد انفرد ابن هشام بالفوائد الغريبة، والمباحث الدقيقة، والاستدراكات العجيبة، والتحقيق البالغ، والاطلاع المفرط، والاقتدار على التصرف في الكلام، والملكة التي كان يتمكن بها من التعبير عن مقصوده بما يريد؛ مسهبًا وموجزا، مع التواضع والبر، والشفقة ودماثة الخلق، ورقة القلب".
وحسبك هذه الشهادة -الجامعة لأنواع الفضائل- من إمام جليل كابن حجر.
وقال عنه المؤرخ العلامة ابن خلدون: "ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية، يقال له ابن هشام، أنحى من سيبويه".
وذكره مرة أخرى بقوله: "إن ابن هشام على علم جم يشهد بعلو قدره في صناعة النحو: وكان ينحو في طريقته منحى أهل الموصل الذين اقتفوا أثر ابن جني، واتبعوا مصطلح تعاليمه، فأتى من ذلك بشيء عجيب يدل على قوة ملكته واطلاعه".
وقد صنف ابن هشام كثيرًا من الكتب النافعة التي تلوح منها أمارات التحقيق، وطول الباع في البحث والتدقيق، منها:"مغني اللبيب عن كتب الأعاجيب" وهو مشهور متداول، ومرجع هام للدارسين، وعليه شروح كثيرة. و"الروضة الأدبية في شواهد علوم العربية" وهو شرح لشواهد "اللمع لابن جني" و كتاب "رفع الخصاصة عن قراء الخلاصة" في أربع مجلدات
…
وغير ذلك. ومن كتبه المتداولة الآن: "شذور الذهب في معرفة كلام العرب"، و"قطر الندى وبل الصدى" وهما يدرسان في بعض المعاهد. و"شرح الجامع الصغير". وله عدة حواش على الألفية والتسهيل. وشرح قصيدتي:"بانت سعاد" و"البردة". أما "أوضح المسالك" الذي نحن بصدد التعليق عليه، فقد ذاع صيته، وانتشر في الآفاق ذكره، وهو مرجع هام في نحو اللغة العربية.
وكان رحمه الله خبيرًا بالشعر ونظمه. ومن شعره قوله:
ومن يصطبر للعلم يظفر بنيله
…
ومن يخطب الحسناء يصبر على البذل
ومن لا يذل النفس في طلب العلا
…
يسيرا يعش دهرا طويلا أخا ذل
وتوفي رحمه الله ليلة الجمعة، الخامس من ذي القعدة سنة 761 "إحدى وستين وسبعمائة هجرية"، الموافقة 1630 ميلادية. ودفن عند باب النصر بالقاهرة، وقبره معروف هنالك إلى الآن. رحمه الله وأسبغ على جدثه المغفرة والرضوان.
وقد رثاه كثير من الشعراء، ومنهم ابن نباتة المصري بقوله:
سقى ابن هشام في الثرى نوء رحمة
…
يجر على مثواه ذيل غمام
سأروي له في سيرة المدح مسندا
…
فما زلت أروي سيرة ابن هشام
كلمة إجمالية عن نشأة النحو:
العرب وسيادة قريش:
1 -
كان يسكن الجزيرة العربية شعبان عظيمان من شعوب الأمة العربية هما: العدنانيون، وكانوا يسكنون الحجاز بمكة وما والاها، ومنهم قريش. والقحطانيون، وكانت منازلهم باليمن. وكانت لغة الشعبين عربية فصيحة، غير أنهما يختلفان في مدلول بعض الألفاظ واللهجات، كما كان لكل من الشعبين لهجات تختلف باختلاف القبائل.
2 -
وكان لقريش السيادة في الجاهلية، بسبب ما آل إليها من السقاية
(1)
والرفادة
(2)
والحجابة
(3)
والسدانة
(4)
في البيت الحرام. وكانت مكة مزارًا يحج إليها العرب جميعًا كل عام، وتقام فيها الأسواق التي كان من أشهرها: عكاظ
(5)
، ومجنة
(6)
، وذي المجاز
(7)
، والتي كان يحضرها الناس للتجارة، كما يحضرها الخطباء والشعراء من شتى الجهات؛ للتفاخر والتهاجي والتباري في الخطابة والشعر، ويحكم بينهم الحكام، والسعيد من حكم له بالسبق. فاجتمع
(1)
هي: سقاية الحجاج.
(2)
ما كانت تخرجه قريش من المال لتشتري به طعامًا للحجيج.
(3)
القيام على خدمة البيت. والحاجب: البواب، ووظيفته الحجابة.
(4)
خدمة الكعبة المشرفة، يقال: سدن أي: خدم الكعبة.
(5)
سوق بين نخلة والطائف، شهدها الرسول صلى الله عليه وسلم وبقيت حتى نصف القرن الثاني من الهجرة.
(6)
موضع قرب مكة، وقد تكسر ميمها.
(7)
سوق كانت على فرسخ من عرفة.
لقريش من ذلك كله زاد لغوي واسع، أضافته إلى لغتها الأصلية بعد أن تخيرت أعذبه جرسًا، وأخفه وقعًا، وأبلغه معنى. فأصبحت لغتها أغنى اللغات العربية، وأشملها، وأعذبها، وأقدرها على تصوير المعاني المختلفة. وتسابق الخطباء والشعراء في استعمال لغة قريش، ونقلوا كثيرا منها إلى قبائلهم، فانتشرت في الجزيرة العربية وسادت. فكان ذلك تمهيدًا وتهيئة لجو ملائم للرسالة المحمدية، ونزول القرآن الكريم بتلك اللغة المنتقاة.
3 -
وكان العرب في هذه الآونة، يتكلمون العربية الصحيحة بالسليقة على اختلاف قبائلهم ولهجاتهم، وكانوا قليلي الاتصال بمن حولهم من الأعاجم، فكان بين الفرس وعرب الجزيرة، والروم وعرب الشام شيء من الاتصال، يدخل بعض هؤلاء الجزيرة العربية، ويتعلمون اللغة، وينطقونها تقليدًا.
ظهور اللحن:
1 -
ولما جاء الإسلام وانتشر خارج الجزيرة العربية، اضطر العرب للاختلاط بغيرهم، وزاد اتصالهم بالأعاجم في سائر الأمصار، وتبادلوا معهم التجارة والمنافع؛ فأخذ الفساد يدب في تلك السليقة العربية، وظهر اللحن بين بعض العرب -علاوة على الدخلاء من الأعاجم- وساعد على ذلك أن اللغة العربية لغة مُعْربة، سرعان ما يتسرب إليها اللحن والفساد.
2 -
وقد ظهر اللحن في عهد الرسول عليه السلام فقد روي أن رجلًا لحن بحضرته، فقال:"أرشدوا أخاكم فقد ضل". ومر عمر بن الخطاب على نفر يتمرنون على رمي السهام فوجدهم لا يحسنون، فأنبهم، فقالوا له: إنا قوم متعلمين، فأفزعه ذلك وقال: والله لخطؤكم في لسانكم أشد على من خطئكم في رميكم. وروي أن كاتبًا لأبي موسى الأشعري -وكان واليًا لسيدنا عمر على البصرة- كتب رسالة على لسان أبي موسى إلى سيدنا عمر: من أبو موسى الأشعري إلى .... ، فلما اطلع عمر عليها كتب إلى أبي موسى: عزمت عليك
لما ضربت كاتبك سوطًا.
3 -
وقد شاع اللحن بين أوساط الناس، وجرى على ألسنة العجم المستعربين فهال ذلك أولي الأمر، وخافوا أن يتسرب إلى القرآن الكريم والحديث الشريف، فأسرع المفكرون والعلماء إلى وضع قواعد يهتدى بها؛ لحفظ اللغة من هذا الخطر الداهم. وقد هداهم تفكيرهم إلى وضع علمي النحو واللغة.
وضع النحو:
1 -
اختلفت الروايات عن المتقدمين فيمن أشار بوضع النحو، ومن ابتدأ وضعه. وكثر الحديث في ذلك؛ فمن قائل: إن علي بن أبي طالب أول من وضع النحو، وأنه دفع إلى أبي الأسود الدؤلي المتوفى سنة 67 هجرية بصحيفة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، الكلام كله اسم وفعل وحرف
…
إلخ. وأمره بتكميله. ومن قائل: إن أبا الأسود هو الذي ابتدأ هذا العمل بإشارة عمر رضي الله عنه وقيل بإشارة زياد بن أبيه -وكان أبو الأسود معلم أولاده- وهو والي العراق وقتئذ، وقد لحظ انتشار اللحن. ويرى فريق أن أبا الأسود هو الذي بدأ ذلك بنفسه حين قالت له ابنته: يا أبت ما أحسن السماء! فقال نجومها. فقالت له: لم أرد شيء منها أحسن؟ إنما تعجبت من حسنها. فقال لها: قولي إذن: ما أحسن السماء! ثم دفعه ذلك إلى التفكير في وضع النحو، وابتدأ بباب التعجب.
2 -
ومهما قيل، فمن المؤكد -بعد البحث- أن أبا الأسود هو الذي بدأ هذا العمل، سواء كان بإشارة علي، أم عمر، أم زياد، أم بتفكيره هو، وأنه لم يبدأ بما قيل من تقسيم الكلمة إلى اسم وفعل وحرف، ولا بوضع باب التعجب أو غيره، فإن التأليف لم يكن معروفًا عند العرب، كما أن كلمة النحو كلمة دقيقة مبتكرة لا تأتي عفوا، والمنطق والعقل يوحيان بالتدرج في مثل هذا العمل المبتكر، والأقرب -كما قيل- أن أبا الأسود بدأ بوضع نقط فوق الحروف؛
لتقوم مقام الشكل الذي نعرفه اليوم، وبعض الضوابط التي تحفظ من الخطأ في كتاب الله، ثم تدرج العمل بعد.
3 -
وقد كان أبو الأسود من القراء، لبقا ذكيا، حاضر البديهة، كما كان شاعرًا مفلقا. ولعل الذي هداه إلى ذلك أنه خالط الأعاجم في العراق مدة طويلة، وكانت اللغة السريانية -وهي شقيقة اللغة العربية؛ لأن كلتيهما لغة سامية- منتشرة في شمال العراق، ولها نحو فيه اصطلاحات وتقاسيم، وقد يكون أبو الأسود استفاد من ذلك، هو ومن عاصره وشاركه هذا العمل، ومن أتى بعده ممن عنوا بهذا العلم، ووضعوا أصوله وقواعده.
4 -
وقد عاصر أبا الأسود، وأخذ عنه، وتدارس معه مسائل النحو كثيرون من العلماء؛ منهم: نصر بن عاصم الليثي المتوفى سنة 89 هجرية، أول من سبب النحو وفتق فيه القياس؛ حتى نسب بعضهم إليه أول وضعه. وعبد الرحمن بن هرمز، أول من نقل النحو إلى المدينة وتكلم فيه، وتوفي سنة 117 هـ، ودفن بالمدينة. ومنهم: يحيى بن يعمر المتوفى سنة 129 هـ، والذي بسط النحو وعين بعض أبوابه، وكان أظهر عمل هؤلاء أن أثاروا بعض مسائل مختلفة من النحو حول آيات من القرآن الكريم، وأبيات من الشعر العربي.
5 -
وقد أخذ عن معاصري أبي الأسود أو تلاميذه كثيرون؛ منهم عبد الله بن إسحاق الحضرمي المتوفى سنة 117 هـ، أول من مد القياس وشرح العلل. وأبو عمرو بن العلاء، أوسع الناس علمًا بكلام العرب ولغتها وغريبها، ثم عيسى بن عمرو الثقفي المتوفى سنة 149 هـ، الذي تتلمذ عليه الخليل بن أحمد، وقد جمع ما أثاره أسلافه من المسائل المتفرقة، وقيل إنه ألف كتابين سمى أحدهما "الإكمال" والآخر "الجامع"، وقد قال فيهما الخليل:
بطل النحو جميعا كله
…
غير ما أحدث عيسى بن عمر
ذاك "إكمال" وهذا "جامع"
…
فهما للناس شمس وقمر
ويقال: إن الجامع هو كتاب سيبويه، أضيف إليه كثير مما تلقاه عن الخليل بن أحمد وبعض أساتذته وعلماء عصره، وكل هؤلاء بصريون. وقد ظهر في زمنهم بالكوفة كثير من علمائها، منهم: معاذ الهراء أستاذ الكسائي، إمام الكوفيين في النحو واللغة. والرؤاسي أستاذ الفراء، وهو أول من ألف في النحو من الكوفيين، وكتابه يسمى "الفيصل".
6 -
ثم جاء الخليل بن أحمد المتوفى سنة 175 هجرية، فعكف على دراسة هذا العلم، وأخذ يخترع ويستنبط الأصول من الفروع، وكان له الفصل الأول في إرساء قواعده ومسائله، ولم يؤلف في ذلك كتابا، وإنما أوحى بعلمه ونتائج بحوثه إلى تلميذه "سيبويه" المتوفى سنة 180 هـ، فجمع ذلك وضم إليه كثيرًا من أقوال علماء عصره، ومن سبقهم، وما سمعه بنفسه عن العرب، ورتبه وبوبه وبسطه على النحو الذي نعرفه الآن، وألف فيه كتابه المعروف، وقد حاز هذا الكتاب ثقة العلماء بعده، وتناولوه بالشرح والإيضاح، وأصبح لفظ "الكتاب" إذا أطلق لا ينصرف إلا إلى كتاب سيبويه. والواقع أن ما ألف بعده مبني عليه ومستمد منه، ولا يزال المرجع في كثير من مسائل النحو إلى الآن.
مصادر النحو والصرف:
1 -
اعتمد العلماء الأقدمون فيما جمعوه من المسائل والقواعد النحوية والصرفية على ما جمع من علوم اللغة والأدب؛ تلك العلوم التي كان من أهم مصادرها: القرآن الكريم، والحديث الشريف، والشعر العربي الموثوق بصحته، وعربية قائليه.
2 -
كما اعتمدوا على مشافهة العرب والرحلة إليهم، حيث يقيمون في بواديهم النائية، أو الحواضر التي نزحوا إليها. وبذلوا في تتبع النصوص المختلفة المتنوعة جهدًا مضنيًا، وتحملوا كثيرًا من مشاق السفر والرحلة، وخشونة العيش؛ للاختلاط بالعرب. ثم أخذوا يستعرضون الجزئيات المختلفة
التي جمعوها، ويضعون لها الكليات، وأعملوا ذهنهم في استخراج القواعد المضبوطة الجامعة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا.
3 -
وبرغم ما أنفقوا من جهد ووقت ومال، وتحملوا من عناء ومشقة، جاءت القواعد التي وضعوها نتيجة استقراء ناقص؛ لأنه من المحال استيعاب جميع ما ورد عن العرب. يضاف إلى هذا: أن القبائل العربية لم تكن في مستوى واحد من الفصاحة، ولا من السلامة من اللحن؛ بسبب اختلاطها بغيرها من الأعاجم، وقرب بعضها من الحضر. ولذلك كان العلماء يتحرزون عند جمع اللغة، ويفضلون بعض القبائل على بعض، وأكثر القبائل العربية التي نقل عنها، وأخذت العربية الصحيحة منها هم: قيس، وتميم، وأسد، وهذيل، وبعض قبائل كنانة، وبعض الطائيين. واستبعدت قبائل: حمير، ولخم، وجذام، وقضاعة، وغسان، وإياد، وثقيف، وبني حنيفة، وعبد قيس؛ وذلك بسبب تسرب الخطأ إليهم، لقربهم من الأعاجم، ومخالطتهم لهم.
4 -
وقد حمل ذلك العلماء واضطرهم إلى القياس النحوي في بعض المسائل، فأصبحت القواعد التي وضعت بعد الاستقراء والقياس الصحيح، هي المقياس لعلم النحو والصرف، وأهدر ما عدا ذلك من المصادر.
أين نشأ النحو؟
المذهبان: البصري والكوفي
1 -
العراق إقليم خصب يقع بين نهري دجلة والفرات، وهو من أقدم بقاع الأرض عمرانًا، وكان يسكنه كثيرون من الأمم والدول ذات العلوم والحضارة؛ كالبابليين، والآشوريين، والكلدانيين، والفرس، وغيرهم، وقد هاجر إليه كثيرون من القبائل العربية؛ منها قبيلتا ربيعة ومضر، ونزح إليه الأدباء والعلماء من سائر الجهات: لهذا كان أسبق البلاد إلى تدوين النحو والصرف، وساعد على ذلك حاجة أهل العراق الأعاجم إلى العناية بهذا العلم لتستقيم لغتهم الأعجمية بخلاف العرب، وقد أنشئت مدينة البصرة في الجنوب الغربي من
العراق قريبًا من بادية "نجد" سنة (14) هـ، كما أنشئت مدينة الكوفة في الشمال منه سنة (17) هـ بعيدة عن البادية، وكلاهما في زمن الخليفة سيدنا عمر بن الخطاب.
2 -
وكان بين أهل البصرة والكوفة تعصب قبلي، انقلب بعد إلى تعصب سياسي، ثم علمي. ولما كانت البصرة قريبة من بادية نجد، وعلى ثلاثة فراسخ من "المربد" -الذي كان في مبدأ أمره سوقًا للإبل، ثم صار متجرا يأتي إليه الناس من كل فج للبيع والشراء، ثم انقلب سوقا للشعر والأدب، والمناظرة بين العلماء- كان النحويون يقصدونها لتلقي الشعر من أفواه العرب، وقد ساعدهم ذلك على تحديد قواعد النحو ووضع رسومها.
3 -
وقد هاجر إلى البصرة كثيرون من علماء الممالك المجاورة؛ ليتعلموا النحو على علمائها، وينقلوه إلى بلادهم. وبذلك انتشر المذهب البصري، وشجع عليه خلفاء بني أمية. وتعتبر البصرة أول مدينة عنيت بالنحو واللغة وتدوينها، ووضع القواعد لهما، وقد سبقت غيرها بنحو قرن من الزمان. ويعتبر "سيبويه" وكتابه على رأس المذهب النحوي البصري. ومن أشهر النحويين البصريين غير ما أسلفنا: الأخفش، ويونس بن حبيب، واليزيدي، والجرمي، والمازني، والمبرد، والزجاج، وابن السراج، وابن درستويه، والفارسي، والسيرافي
…
وغيرهم. ويقسم العلماء نحاة البصريين إلى عشر طبقات.
4 -
أما الكوفة؛ فلبعدها عن البادية قل نزوح الأعراب الذين صحت لهجاتهم إليها، وكانت "الكناسة"
(1)
عندهم تقابل "المربد" في البصرة؛ حيث يجتمع فيها العرب، ويتنافسون في إلقاء الخطب وإنشاد الشعر .. إلخ. ولكن -على الرغم من هذا- لم يكن لها ما كان للمربد من أثر بعيد في اللغة.
(1)
موضع بالكوفة.
5 -
وقد اتخذ الكوفيون لهم مذهبًا خاصا يضاهي مذهب البصريين وينافسه، واختلفوا معهم في كثير من المسائل؛ لأن بعض القواعد التي قعدها البصريون جاءت نتيجة استقراء ناقص؛ فقد كان الكوفيون أكثر رواية للشعر من البصريين. وعلى رأس المذهب الكوفي: أبو جعفر الرؤاسي، وتلميذاه: الكسائي والفراء، واشتهر من علمائهم: هشام بن معاوية الضرير، وابن السكيت، وابن الأعرابي، والطوال، وابن سعدان، وثعلب، وابن كيسان، والأنباري، ونفطويه .. إلخ. وينقسم نحاة الكوفة إلى ست طبقات.
6 -
وقد حدثت بين أصحاب المذهبين مناقشات، وخلافات، ومنازعات ومناظرات
(1)
، ابتدأت هادئة بين الخليل من البصريين، والرؤاسي من الكوفيين، ثم اشتدت بين سيبويه والكسائي وأتباعهما. وقد كان لهذه العصبية العلمية التي نشأت عن العصبية السياسية أثر عظيم في خدمة العلم، والتسابق في تجليته. واستمر الخلاف إلى أواخر القرن الثالث الهجري، ثم خفت حدة النزاع والجدل، وتقارب المذهبان حين التقى الكوفيون بالبصريين في بغداد بعد قليل.
ثم جاء بعد ذلك من عرض المذهبين ونقدهما، واختار منهما مذهبًا خاصا، وعلى رأس هؤلاء: العالم الثقة، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري الكوفي المتوفى سنة (296) هـ. فقد مزج المذهبين وإن كان إلى البصريين أميل.
(1)
- حدثت مناظرة بين سيبويه والكسائي أمام يحيى البرمكي، انتصر فيها الكسائي بالاتفاق مع بعض العرب في المسألة المعروفة بمسألة "العقرب" أو "المسألة الزنبورية"، وأخرى بين الكسائي وبين اليزيدي، انتصر فيها اليزيدي.
منهج المذهبين وسبب الخلاف بينهما:
1 -
وضع البصريون قواعد عامة مستنبطة من الجزئيات التي تتبعوها في أكثر القبائل المشهورة، التي كانت بمنأى عن المواطن التي سرى فيها اللحن،
ورأوا التزام هذه القواعد، والسير عليها، بدون حيدة عنها. وتمسكوا بصواب ما ذهبوا إليه على الرغم من تعدد القبائل واختلافها اختلافًا بينًا في اللغات واللهجات. وشجعهم على ذلك قرب البصرة من البادية، وتمشيًا مع قواعدهم أخذوا يؤولون كل ما خرج عن هذه القواعد، ولو كان مرويا عن الشعراء الموثوق بعربيتهم وبسلامة لغتهم، ويتكلفون في التخريج شططًا ليوافق مذهبهم، وإذا أعجزهم التأويل قالوا: إنه شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، أو ضرورة دعت إليها القافية، أو الوزن الشعري وأحيانًا يخطئون بعض العرب المعروفين بصواب القول وصدق العروبة؛ إذا جاء في أقوالهم ما يخالف قواعدهم. وقد نشأ عن ذلك إهدارهم لكثير من الاستعمالات العربية في بعض القبائل، واعتبروه خطأ أو شاذا، مع أنه في الواقع قد يكون غير ذلك، وما هو إلا لغة أو لهجة لهذه القبائل، وأحيانًا يصطنعون أبياتًا من الشعر للتدليل على آرائهم، وتمشيًا مع قواعدهم، وكانوا يرمون من وراء ذلك إلى تنظيم اللغة ولو بإهدار بعضها.
2 -
أما الكوفيون فقد عنوا بكل ما سمعوا من شعر عربي، ورأوا احترام جميع ما ورد عن العرب، وأجازوا استعماله ولو لم يجر على تلك القواعد التي وضعها البصريون، وقد احتجوا بالشاهد الواحد، وبالشاهد المجهول قائله، وربما جعلوا من هذه الشواهد الفردية والشواذ أساسًا لقواعد أخرى. قيل إن الكسائي كان يسمع الشاذ الذي لا يجوز إلا في الضرورة، فيجعله أصلًا ويقيس عليه.
وقد كان الكوفيون أكثر رواية للشعر من البصريين، وكانوا يستنبطون بعض القواعد بالقياس النظري من غير حاجة إلى شاهد. أما البصريون فكانوا لا يستجيبون لكل مسموع، ولا يقيسون على الشاذ، ولهذا كانوا أصح قياسًا من الكوفيين. ومن هنا نشأ خلاف بين الفريقين في كثير من الفروع النحوية.
ونستطيع أن نجمل الفروق الأساسية بين المذهبين فيما يأتي:
أ- البصريون حازمون متشددون في قبول ما يروى من الشعر، ولا يعترفون إلا ببعض القبائل الموثوق بشعرها، وقد ذكرناها، ويقل عندهم التجويز.
ب- البصريون صارمون، معتدون بأنفسهم، والثقة بروايتهم، ويخطئون ما عداها من الروايات، مهما كان مصدرها.
جـ- البصريون يؤولون ما يخالف قواعدهم، ولو كان عربيا صحيحًا، ويتكلفون في ذلك عنتًا، وإذا أعجزهم التأويل حكموا بشذوذه.
أما الكوفيون فمتسامحون؛ يقبلون كل ما ورد عن العرب، ويقيسون حتى على البيت الواحد، ويضعون لكل شيء قاعدة ولو كان شاذا.
وقد كان البصريون يتحرجون من الرواية عن علماء الكوفة؛ لأن اتصال هؤلاء بالخلفاء ببغداد، وتزاحمهم على أبوابهم -جعلهم يتزيدون فيما يعجب ويجري على الألسنة. أما الكوفيون فكانوا يأخذون عن البصريين؛ لثقتهم فيما يروونه.
والذي لا شك فيه أن البصريين كانوا أكثر استنباطًا وإنتاجًا، وأوثق رواية من الكوفيين؛ لما ذكرنا من أن الفصحاء من العرب كانوا يردون على البصرة أكثر من الكوفة لقرب الأولى منهم. وقد نضج النحو في البصرة قبل الكوفة بنحو مائة عام. وهذا لا يحول دون صواب رأي الكوفيين في كثير من المسائل.
ونشير هنا إلى أن تشجيع الخلفاء والأوامر من بني العباس للحركة العلمية -وبخاصة اللغة والنحو- كان له أكبر الأثر في الإقبال على تدوين هذا العلم، ووضع أصوله وقواعده. وقد أشرت إلى ما كان يحدث من مناظرات وغيرها.
ويعتبر ما وضعه الخليل بن أحمد معجزة الزمان، وما دونه سيبويه في كتابه، وأكمله العلماء والباحثون في ذلك العصر -أساسًا لكل ما وصل إلينا في
النحو والصرف. وما جد في العصور المتتالية وفي جميع الأمصار- إنما هو شرح وتفصيل وتنظيم وتكميل لهذا التراث العظيم. فجزاهم الله بما قدموا من عمل أحسن الجزاء.
وقد ألف أبو البقاء العكبري المتوفى سنة 616 هـ كتابًا أسماه: "التبيين في مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين". كما ألف الإمام الجليل كمال الدين أبو البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري النحوي المتوفى سنة 577 هـ كتابًا أسماه "الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين" وهو كتاب فريد في بابه، ذكر فيه مائة وإحدى وعشرين مسألة.
ولعل من المفيد أن أعرض بعض أمثلة من هذه المسائل التي وقع فيها الخلاف، ليقف الدارس على وجهة نظر كل من الفريقين وما احتج به.
1 - العطف على موضع اسم "إن" بالرفع قبل تمام الخبر:
أجازه الكوفيون محتجين بالنقل، مثل قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} بعطف {وَالصَّابِئُونَ} على موضع اسم إن بحسب الأصل قبل تمام الخبر وهو {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} وورد في كلام العرب: إنك وزيد ذاهبان. ذكر ذلك سيبويه في كتابه، والقياس لا يمنع العطف على الموضع قبل تمام الخبر مع "لا" فكذلك "إن" ويمنعه البصريون ويؤولون ما ورد من ذلك:
2 - وقوع الفعل الماضي حالًا:
أجازه الكوفيون محتجين بالنقل والقياس. أما النقل فقوله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} فحصرت فعل ماض، وهو موضع الحال من جاءوكم. ويؤيد قراءة:"حَصِرَةً صُدُورُهُمْ" وقول الشاعر أبي صخر الهذلي:
وإني لتعروني لذكراك هزة
…
كما انتفض العصفور بلله القطر
فـ "بَلَّلَهُ" فعل ماض، وهو في موضع الحال، والقياس: أن كل ما جاز أن يكون صفة للنكرة جاز أن يكون حالًا للمعرفة. والفعل الماضي يجوز وقوعه صفة للنكرة، فتقول: مررت برجل قعد، وغلام قام.
ومنعه البصريون، وأولوا ما ورد من أمثاله:
3 - إظهار "أن" المصدرية بعد "لكي":
أجازه الكوفيون، على أن تكون "أن" توكيدًا لكي، محتجين بقول الشاعر:
أردت لكيما أن تطير بقربتي
…
فتتركها شنًا ببيداء بلقع
ومنعه البصريون. ومثل "كي""حتى".
4 - ترخيم المضاف:
أجازه الكوفيون، ويوقعون الترخيم في آخر الاسم المضاف إليه، محتجين بورود ذلك كثيرًا في الفصيح من كلام العرب، ومنه قول زهير بن أبي سلمى:
خذوا حظكم يا آل عكرم واحفظوا
…
أواصرنا والرحم بالغيب تذكر
أراد: "يا آل عكرمة" وهو عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان، وحذف التاء للترخيم.
ومنعه البصريون؛ بحجة أنه لا توجد فيه شروط الترخيم، وهي: أن يكون الاسم منادى، مفردًا، معرفة
…
إلخ.
5 - إضافة اسم إلى آخر يوافقه في المعنى:
أجازه الكوفيون إذا اختلف اللفظان، محتجين بمثل قوله تعالى:{إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ} ، {وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ} فاليقين في المعنى نعت لحق، والنعت في المعنى هو المنعوت، وقد أضيف المنعوت إلى النعت وهما بمعنى واحد. والدار هي الآخرة وقد أضيفت إليها. وقولهم:"صلاة الأولى، ومسجد الجامع، وبقلة الحمقاء" فالأولى في المعنى هي الصلاة، والجامع هو المسجد، والبقلة هي الحمقاء.
ومنعه البصريون؛ بحجة أن الإضافة يراد بها التعريف أو التخصيص، والشيء لا يتعرف بنفسه، وأولوا ما ورد من ذلك، على نحو ما هو مبسوط في كتب النحو.
6 - إضافة النيف إلى العشرة:
أجازه الكوفيون؛ فيقولون: خمسة عشر، واحتجوا بورود ذلك في الشعر العربي. قال الشاعر:
كلف من عنائه وشقوته
…
بنت ثماني عشرة من حجته
ولأن النيف اسم مظهر كغيره من الأسماء المظهرة، فلا مانع من إضافة مثلها. ومنعه البصريون؛ لأنهم جعلوا اللفظين اسمًا واحدًا، ولا يضاف بعض الاسم إلى بعضه، وأنكروا البيت.
7 - العطف على الضمير المخفوض:
أجازه الكوفيون، تقول: مررت بك ومحمد، محتجين بوروده كثيرًا؛ في القرآن الكريم، وفي الكلام العربي. ومن ذلك قوله تعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ} بخفض الأرحام على قراءة حمزة؛ عطفًا على الضمير في "به" وقوله: {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} بعطف المسجد على الهاء من "به". وقال الشاعر:
فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا
…
فاذهب فما بك والأيام من عجب
يخفض الأيام على الكاف في "بك".
ومنعه البصريون؛ بحجة أن الجار مع المجرور كالشيء الواحد، والضمير إذا جر اتصل بالجار، ولهذا لا يكون إلا متصلًا، بخلاف ضمير المرفوع والمنصوب.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
(1)
، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وقائد الغر
(2)
المحجلين
(3)
وعلى آله وصحبه أجمعين صلاة وسلاما دائمين بدوام السموات والأرض.
أما بعد حمد الله مستحق الحمد وملهمه
(4)
، ومنشئ الخلق ومعدمه، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأكرمه
(5)
، المنعوت بأحسن الخلق وأعظمه
(6)
؛ محمد نبيه، وخليله وصفيه، وعلى آله وأصحابه وأحزابه وأحبابه. فإن
(7)
كتاب "الخلاصة
(1)
الأرجح: أنه اسم جمع، أعرب إعراب الجمع، وليس جمعًا لعالم بفتح اللام كما قال بعضهم؛ لأنه يستلزم أن يكون المفرد أعم من الجمع؛ لأن العالم اسم لما سوى الله، والعالمين خاص بالعقلاء.
(2)
جمع أغر من الغرة، وهي بياض في الجبهة، ورجل أغر: شريف كريم الأفعال واضحها.
(3)
جمع محجل، وهو من الخيل الذي يرتفع البياض في قوائمه إلى الركبتين التي هي مواضع الأحجال؛ أي: الخلاخل والقيود. وفي هذه العبارة إشارة إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أمتي الغر المحجلون"، والمراد الموسومون ببياض مواضع الوضوء؛ من الأيدي والوجه والأقدام، وهو كناية عن النور والوضاءة.
(4)
ملقنه لعباده. والإلهام: شيء يلقيه الله في النفس، يبعث الملهم على الفعل أو الترك، وهو نوع من الوحي يخص الله به من يشاء من عباده.
(5)
أي: الموصوف من النعت بمعنى الصفة.
(6)
الخلق -بضم اللام وسكونها- الدين والسجية والطبيعة، وهو صورة الإنسان الباطنية لنفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها. كما أن الخلق صورته الظاهرة وأفعالها وأوصافها المختصة بها، ويجمع على أخلاق لا غير. وهو يشير إلى قوله تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} .
(7)
هذا جواب أما، ولذلك قرن بالفاء، أي: فأنا أقول لك إن
…
الألفية في علم العربية"
(1)
نظم الإمام العلامة جمال الدين أبي عبد الله محمد بن مالك الطائي رحمه الله
(2)
كتاب صغر حجمًا، وغزر علمًا
(3)
، غير أنه لإفراط
(4)
(1)
المراد هنا: النحو والصرف؛ لأن علم العربية -كما يقول الزمخشري- يطلق على اثني عشر علمًا. ويحد على هذا: بأنه قواعد تعرف بها أحوال الكلمات عند الإفراد والتركيب.
(2)
هو إمام النحاة وحافظ اللغة: محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني الشافعي. ولد سنة 600 هـ بمدينة جيان بالأندلس، فنسب إليها. ورحل أهله إلى دمشق، فنشأ بها، وأخذ العربية عن علمائها وغيرهم، ثم صرف همته إليها فأتقنها حتى حاز فيها قصب السبق، وبلغ الغاية، وأربى على المتقدمين، وأصبح المرجع في غريب اللغة ووحشيها، وكان فوق ذلك إمامًا في القراءات وعللها. أما النحو والصرف فكان فيهما بحرًا لا يجارى، وحبرًا لا يبارى. وكان العلماء يعجبون من أشعار العرب التي يستشهد بها في النحو واللغة من أين جاء بها؟ وكان نظم الشعر عليه سهلًا؛ رجزه، وطويله، وبسيطه. وأكثر ما كان يستشهد بالقرآن، فإن لم يجد فيه شاهدًا عدل إلى الحديث، فإن لم يجد فيه ضالته تحول إلى أشعار العرب. هذا مع شدة تدينه، وصدق لهجته، وفصاحة لفظه وأسلوبه، وكمال عقله، ووقاره، وقد أقام بدمشق يصنف ويدرس. وقد تخرج به كثير من العلماء، وله تصانيف كثيرة تقرب من الثلاثين، وقد قدم القاهرة ثم عاد إلى دمشق، وقيل إنه قرأ على ثابت بن حيان، وسمع من أبي علي الشلوبين، وأخذ عن ابن يعيش الحلبي. وتوفي ابن مالك بدمشق في 12 من شعبان سنة 672 هـ، وقد رثاه العلماء كثيرًا، وقد جاء في مرثية الإمام شرف الدين الحصني:
يا لسان الأعراب يا جامع الإعـ
…
ـراب يا مفهمًا لكل مقال
يا فريد الزمان في النظم والنثـ
…
ـر وفي نقل مسندات العوالي
كم علوم بثثتها في أناس
…
علموا ما بثثت عند الزوال
(3)
- أي: كثر علمه، والغزارة: الكثرة، وبابه ظرف.
(4)
- الإفراط: مجاوزة الحد في الأمر. والإيجاز: الاختصار، يقال: أوجز الكلام: قصره وقلله، والمراد شدة الاختصار. أما التفريط فهو: التقصير والإهمال، يقال: فرط في الأمر -قصر فيه وضيعه حتى فات.
الإيجاز، قد كاد يعد من جملة الألغاز.
(1)
وقد أسعفت
(2)
طالبيه، بمختصر يدانيه،
(3)
وتوضيح يسايره
(4)
ويباريه
(5)
، أحل به ألفاظه
(6)
، وأوضح معانيه، وأحلل به تراكيبه
(7)
، وأنقح مبانيه
(8)
، وأعذب به موارده
(9)
، وأعقل به شوارده
(10)
، ولا أخلي
(11)
منه مسألة من شاهد
(12)
أو تمثيل، وربما أشير فيه إلى خلاف أو نقد أو تعليل. ولم آل جهدًا
(13)
في توضيحه وتهذيبه، وربما خالفته في تفصيله وترتيبه.
(1)
جمع لغز "بالضم وبضمتين -وبالتحريك- وكصرد" وهو ما يعمى به ويصعب فهمه، يقال: ألغز الكلام وألغز فيه: عمى مراده وأضمره على خلاف ما أظهره. والألغوزة: ما يعمى به.
(2)
ساعدت وعاونت، يقال: أسعفه بحاجته: قضاها له.
(3)
يقاربه في مسائله وبحوثه.
(4)
يسير على نهجه ويتبع طريقته.
(5)
يسابقه ويفعل مثل فعله.
(6)
أبين وأشرح مفرداته.
(7)
أي: أفصلها وأوضحها.
(8)
أهذب أصول موضوعاته. ومبنى الكتاب: ما تبنى عليه مسائله.
(9)
الموارد: المناهل، واحدها مورد. والعذب: الماء الطيب، والمراد: أيسر مسائله، حتى تطيب وتحلو لدى طلابها.
(10)
عقل البعير -من باب ضرب- ثنى وظيفه "مستدق ساقه" مع ذراعه وشدهما بالحبل؛ وهو العقال. والشارد: النافر، والمراد: أجمع مسائله المبعثرة، وأقيد المطلقة منها بأدلتها المحددة.
(11)
لا أترك.
(12)
أي: دليل من كلام عربي صحيح لإثبات القاعدة، والمثال: جزئي يذكر للإيضاح.
(13)
لم أقصر في طاقتي ولم أدخر وسعًا، يقال: ألا -من باب عدا- قصر. والألو: التقصير. والجهد -بفتح الجيم وضمها- الطاقة والوسع.
وسميته: "أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك"، وبالله أعتصم
(1)
، وأسأله العصمة مما يصم
(2)
، لارب غيره
(3)
، ولا مأمول إلا خيره، عليه توكلت، وإليه أنيب.
(1)
أمتنع من الخطأ بلطفه وحفظه. والعصمة: المنع والحفظ.
(2)
أي: يشين ويعيب. والوصم: العيب والعار.
(3)
"غير" صفة لرب على المحل، وخبر "لا" النافية محذوف، أي: لا غير الله يطلب منه شيء، وكذلك خبر "لا" الثانية محذوف. والمعنى: لا مأمول غير خير الله معتد به. ولا يصح أن يكون "غير" خبرا؛ لأن خبر "لا" الجنسية يكون منفيا عن جمع أفراد الاسم، وذلك يستلزم أن تكون مغايرة الله منفية عن كل رب، وليس كذلك.
هذا
باب شرح الكلام، وشرح ما يتألف منه
(1)
:
الكلام في اصطلاح النحويين:
(2)
عبارة عما اجتمع فيه أمران: اللفظ والإفادة.
والمراد باللفظ: الصوت المشتمل على بعض الحروف، تحقيقًا أو تقديرًا
(3)
.
والمراد بالمفيد: ما دل على معنى يحسن السكوت عليه
(4)
.
وأقل ما يتألف الكلام من اسمين؛ كـ"زيد قائم"
(5)
، ومن فعل واسم؛ كـ"قام زيد"، ومنه
(6)
"استقم"؛ فإنه من فعل الأمر المنطوق به، ومن ضمير المخاطب المقدر بـ"أنت".
هذا باب شرح الكلام، وشرح ما يتألف منه الكلام:
(1)
- تشتمل الترجمة على قسمين: شرح الكلام؛ وقد بينه بقوله: "الكلام في اصطلاح النحويين .. إلخ" وشرح ما يتألف الكلام مه؛ وقد أوضحه بقوله: "وأقل ما يتألف الكلام من اسمين .. إلخ".
(2)
أما عند اللغويين فهو القول وما كان مكتفيًا بنفسه في أداء المقصود منه؛ كالخط والإشارة والرمز. ويقول ابن عقيل: هو في اللغة: اسم لكل ما يتلفظ به، مفيدًا كان أو غير مفيد. وعند المتكلمين: هو المعنى القائم بالنفس.
(3)
تحقيقًا: كمحمد وعلي، وتقديرًا: كالضمائر المستترة في نحو: اقرأ، تعلم، نشكر؛ فإنها ليست بحروف ولا أصوات، والتعبير عنها بالضمائر المنفصلة تقريبًا للفهم.
(4)
أي: من المتكلم، بحيث يقتنع السامع ولا ينتظر مزيدًا من المخاطب، وهذا يستلزم أن يكون الكلام مركبًا مقصودًا، وعلى ذلك فلا حاجة لهذين القيدين، كما قال البعض.
(5)
- هذان اسمان حكمًا؛ لأن الوصف مع مرفوعه المستتر في حكم الاسم المفرد. ومثال الاسمين حقيقة: الدب حيوان.
(6)
- أي: ومما يتألف من فعل واسم. وهو بهذا يشير إلى أنه لا فرق بين أن يكون الجزآن مذكورين، أو أحدهما، ولا بين الخبر والإنشاء، هذا ويسمى الكلام "جملة".
والكلم: اسم جنس جمعي
(1)
، واحدة كلمة، وهي: الاسم، والفعل، والحرف. ومعنى كونه اسم جنس جمعي: أنه يدل على جماعة
(2)
وإذا زيد على لفظه تاء التأنيث فقيل: "كلمة"، نقص معناه وصار دالا على الواحد، ونظيره: لبن ولبنة
(3)
، ونبق ونبقة.
وقد تبين بما ذكرناه في تفسير الكلام من أن شرطه الإفادة، وأنه من كلمتين، وبما هو مشهور من أن أقل الجمع ثلاثة، أن بين الكلام والكلم عمومًا وخصوصًا من وجه
(4)
،
(1)
اسم الجنس: هو ما وضع للحقيقة من حيث هي: وينقسم بحسب الاستعمال قسمين:
أ- اسم جنس جمعي "أي: يفيد معنى الجمع"، وهو: ما يدل على أكثر من اثنين، ويفرق بينه وبين واحده؛ إما بالتاء المربوطة، وتكون في المفرد غالبًا كشجر وشجرة وعنب وعنبة، ومنه كلم وكلمة، ويندر أن تكون التاء في اسم الجمع مثل: كمء "الموحدة" وكمأة "للجمع" وجبء، وجبأة. والكمء: نوع من النبات الصحراوي. وفي الحديث: "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين". والجبء: الأحمر من الكمء. وإما بياء النسب المشددة في المفرد؛ كترك وتركي وزنج وزنجي وعرب وعربي. ولا يقال: إن بعض جموع التكسير يفرق بينه وبين واحده بالتاء؛ كمدية ومدى، فكيف نميز بينهما؟ لأنا نقول: جمع التكسير له أوزان معروفة، أما اسم الجنس فلا وزن له، ويرى بعضهم: أن هذا النوع من اسم الجنس من جموع التكسير.
ب- واسم جنس إفرادي، وهو ما يصدق على الكثير والقليل بلفظ واحد، فهو موضوع للحقيقة الذهنية لا بقيد قلة ولا كثرة، وذلك نحو: ماء، هواء، لبن، عسل
…
إلخ.
وهنالك نوع من اسم الجنس يسمى: اسم الجنس الآحادي، وهو ما يدل على الماهية "الحقيقة الذهنية" ممثلة في فرد منتشر غير معين من أفرادها، ولا يتصور العقل هذه الحقيقة إلا بتخيل ذلك الفرد، مثل "أسامة" فإن معنى هذا اللفظ لا يفهم إلا متمثلًا في فرد.
(2)
أي: من الكلمات، وذلك ثلاثة فأكثر.
(3)
هذا مثال لاسم الجنس الجمعي من المصنوعات الإنسانية، وما بعده مثال من المخلوقات التي ليس للإنسان دخل فيها. واللبنة الطوبة النيئة التي يبنى بها.
(4)
ضابط هذه النسبة بين الأشياء: أن تجتمع في الصدق على شيء، وينفرد كل. وقد أوضح المصنف ذلك.
فالكلم أعم من جهة المعنى؛ لانطلاقه على المفيد وغيره
(1)
وأخص من جهة اللفظ؛ لكونه لا ينطلق على المركب من كلمتين
(2)
؛ فنحو: "زيد قام أبوه" كلام؛ لوجود الفائدة، وكلم؛ لوجود الثلاثة بل الأربعة. و"قام زيد" كلام لا كلم. و"إن قام زيد" بالعكس.
والقول: عبارة عن اللفظ الدال على معنى
(3)
؛ فهو أعم من الكلام والكلم والكلمة، عمومًا مطلقًا
(4)
لا عمومًا من وجه.
وتطلق الكلمة لغة
(5)
ويراد بها الكلام
(6)
نحو: {كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ}
(7)
. وذلك كثير لا قليل.
(1)
المفيد نحو: القطن ثروة مصر، وغير المفيد؛ نحو: إن يجتهد الطالب.
(2)
فقد تقدم أنه ما تركب من أكثر من كلمتين.
(3)
سواء صح السكوت عليه أم لا.
(4)
ضابط هذه النسبة بين الأشياء: الاجتماع في الصدق على شيء وانفراد الأعم وهو القول؛ فهو ينفرد في نحو: نور الشمس -ظلمة الليل- غلاف المصحف؛ لأن هذه الأمثلة ليست كلامًا ولا كلمًا ولا كلمة كما سلف. ولهذا قال الناظم: "والقول عم"؛ لأنه ينطبق عليها جميعًا.
(5)
قيد بذلك؛ لأنها في الاصطلاح هي: اللفظة الواحدة التي تتركب من بعض الحروف الهجائية، وتدل على معنى مفرد، أي: جزئي.
(6)
أي: على سبيل المجاز، من باب تسمية الشيء باسم جزئه. وكذلك يطلق القول ويراد به الرأي والاعتقاد؛ نحو: قال أبو حنيفة كذا، أي: رأى واعتقد.
(7)
فإن الضمير في "إنها" وفي "قائلها" راجع لقوله تعالى حكاية عن العاصي إذا جاءه الموت: {رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} ، ومثل قولهم: كلمة الشهادة يريدون: لا إله إلا الله محمد رسول الله. وتقول: قيل في حفل تكريم فلان كلمة رائعة لفلان، يراد: ما قال من خطبة أو شعر. ومن هذا قول الرسول عليه
فصل: يتميز الاسم
(1)
بخمس علامات
(2)
:
إحداها الجر:
وليس المراد به حرف الجر؛ لأنه قد يدخل في اللفظ
(3)
على ما ليس باسم، نحو: عجبت من أن قمت، بل المراد به الكسرة التي يحدثها عامل الجر، سواء أكان العامل حرفًا، أم إضافة، أم تبعية
(4)
وقد اجتمعت في البسملة
(5)
.
السلام: "أصدق كلمة قالها شاعر، كلمة لبيد بن ربيعة: ألا كل شيء ما خلا الله باطل". وفيما تقدم يقول ابن مالك:
"كلامنا" لفظ مفيد كاستقم
…
واسم وفعل ثم حرف "الكلم"
واحده كلمة، "والقول" عم
…
وكلمة بها كلام قد يؤم *
أي: إن الكلام عند النحاة هو: اللفظ المفيد، وذلك يستلزم أن يكون مركبًا مقصودًا، كاستقم، والكلم ثلاثة أقسام: اسم وفعل وحرف، مفرده كلمة، والقول يشمل بمعناه هذه الأقسام. وقد يقصد بالكلمة الكلام مجازًا، كما بينا.
(1)
الاسم: كلمة تدل بذاتها -أي: من غير احتياج إلى كلمة أخرى- على شيء ولا تقترن بزمن. وهذا الشيء قد يكون محسا؛ كمحمد، أو يدرك بالعقل؛ مثل: علم، شجاعة.
(2)
إذا وجدت واحدة منها في الكلمة كانت دليلًا على أنها اسم.
(3)
قيد بذلك؛ لأن ما بعد "من" في المثال اسم بالتأويل، أي: من قيامك.
(4)
الصحيح أن الجار في الإضافة هو المضاف لا الإضافة، وفي التبعية عامل المتبوع من حرف أو مضاف -في غير البدل- لا التبعية.
(5)
فإن "بسم" مجرور بالحرف، ولفظ الجلالة مجرور بالإضافة، و"الرحمن الرحيم" مجروران بالتبعية للموصوف.
* "كلامنا" مبتدأ ومضاف إليه. "لفظ" خبر. "مفيد" صفة للفظ. "كاستقم" جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لمفيد. وهذا الإعراب على اعتبار "استقم" من تمام التعريف. أما إذا جعل مثالًا فهو خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك كاستقم. وقد جر استقم بالكاف؛ لأنه قصد لفظه "واسم" خبر مقدم. "وفعل ثم حرف" معطوفان على اسم. "الكلم" مبتدأ مؤخر. "واحده كلمة" مبتدأ وخبر. "والقول" مبتدأ "عم" فعل ماض وفاعله يعود على القول والجملة خبر، و"عم" مشددة الميم وقد سكنت للروي، ويجوز أن يكون أفعل تفضيل حذفت همزته.
الثانية التنوين:
وهو نون ساكنة تلحق الآخر لفظًا لا خطا لغير توكيد. فخرج بقيد السكون: النون في "ضيفن" للطفيلي
(1)
، و"رعشن" للمرتعش، وبقيد الآخر النون في انكسر، ومنكسر. وبقولي لفظًا لا خطا: النون اللاحقة لآخر القوافي
(2)
وسيأتي. وبقولي لغير توكيد: نون نحو: {لَنَسْفَعًا} ولتضربن يا قوم، ولتضربن يا هند.
وأنواع التنوين أربعة:
أحدها: تنوين التمكين
(3)
: كـ"زيد،، ورجل". وفائدته: الدلالة على خفة الاسم
(4)
، وتمكنه في باب الاسمية؛ لكونه لم يشبه الحرف فيبنى، ولا الفعل فيمنع من الصرف.
الثاني: تنوين التنكير: وهو اللاحق لبعض المبنيات للدلالة على التنكير
(5)
؛ تقول: "سيبويه" إذا أردت شخصا معينًا اسمه ذلك، و"إيه" إذا استزدت مخاطبك من حديث معين. فإذا أردت شخصًا ما اسمه سيبويه، أو استزادة من حديث ما نونتهما
(6)
.
(1)
هو الذي يجيء مع الضيف في مأدبة أو وليمة، متطفلًا من غير دعوة له.
(2)
جمع قافية، وهي آخر كلمة في البيت من الشعر. أو هي الحرف الذي تبنى عليه القصيدة، وقيل: هي من أول متحرك قبل أو ساكنين في نهاية البيت.
(3)
ويسمى أيضًا: تنوين الصرف، وتنوين الأمكنة، وهو الذي يلحق أغلب الأسماء المعرفة المنصرفة: معرفة كانت أو نكرة كما مثل المصنف؛ لأن الأصل في الأسماء أن تكون معربة منونة. وهذا النوع أقوى أنواع التنوين في الدلالة على الاسمية، وهو المقصود عند الإطلاق.
(4)
أي: بكونه معربا منصرفا.
(5)
أي: الشيوع وعدم التعيين.
(6)
ومن المبنيات ما لا يدخله التنوين؛ كحيث، وكم. وهذا التنوين مقيس في الأسماء المبنية المختومة بكلمة "ويه" مثل: خالويه، ونفطويه. ومقصور على السماع في أغلب أسماء الأفعال والأصوات؛ كصه وإيه، و"غاق" لحكاية صوت الغراب؛ فهو غير منون؛ يراد به صياح خاص فيه حزن أو فزع مثلًا، وبالتنوين نكرة تدل على مجرد صياح
…
وهكذا.
الثالث تنوين المقابلة: وهو اللاحق لنحو "مسلمات"
(1)
، جعلوه في مقابلة النون في نحو "مسلمين"
(2)
.
الرابع تنوين التعويض
(3)
: وهو اللاحق لنحو: "غواش وجوار"
(4)
؛ عوضًا عن الباء
(5)
.
(1)
أي: من جمع المؤنث السالم والملحق به.
(2)
المقصود: جمع المذكر السالم والملحق به. وإيضاح ذلك كما يقول النحاة: أن التنوين في المفرد قد اختفى وحلت محله النون في آخر جمع المذكر: للدلالة على تمام الاسم. ولما كان جمع المؤنث جمع سلامة كجمع المذكر جعل التنوين فيه في مقابلة النون في جمع المذكر؛ لأنه أيضًا علامة على تمام الاسم، والذي يدل على أنه لتمام الاسم ليس غير؛ أنه ليس بتمكن.
(3)
ويسمى أيضًا تنوين العوض.
(4)
أي: من كل جمع تصحيح معتل الآخر على وزن "فواعل". وغوامش؛ جمع غاشية. وهي يوم القيامة، والغطاء. وغاشية الرجل: من يغشاه من زواره وأصدقائه. وجوار: جمع جارية، وهي السفينة والفتية من النساء.
(5)
أي: المحذوفة عند جمع الكلمة جمع تكسير، فالتنوين هنا عوض عن حرف. وأصل جوار: جواري، على الصحيح من أن الصرف مقدم على الإعلال "أي: إن التنوين سابق على الحذف والتعويض"، حذفت الضمة لثقلها على الياء، فالتقى ساكنان: الياء والتنوين الذي تدل عليه الضمة الثانية، فحذفت الياء للتخلص من الساكنين، ثم التنوين لصيغة منتهى الجموع تقديرًا؛ لأن المحذوفة لعلة كالثابت، فصار "جوار" بغير تنوين، فخيف رجوع الياء فجيء بتنوين آخر عوضًا عنها، وقيل: إن منع الصرف مقدم على الإعلال "أي: إن الكلمة كانت غير منونة، ثم جاء الحذف والتعويض" فأصلها: جواري بدون تنوين؛ لأنها ممنوعة من الصرف لصيغة منتهى الجموع، حذفت الضمة للثقل فصارت جواري، ثم حذفت الياء تخفيفًا، وجيء بالتنوين عوضًا عنها؛ لأنها حرف أصلي لا يحذف من غير تعويض. ويقال عند الإعراب في حالتي الرفع والجر: مرفوع بالضمة على الياء المحذوفة، ومجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة فوق الياء المحذوفة. والتنوين في الحالتين عوض عن الياء.
ولـ"إذ"
(1)
في نحو: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} عوضًا عن الجملة التي تضاف "إذ" إليها
(2)
.
وهذه الأنواع الأربعة مختصة بالاسم.
وزاد جماعة تنوين الترنم
(3)
: وهو اللاحق للقوافي المطلقة
(4)
؛ أي: التي آخرها حرف مد
(5)
؛ كقوله:
أقلي اللوم عاذل والعتابن
…
وقولي إن أصبت لقد أصابن
(6)
(1)
ومثلها: "حين" و"ساعة" وما أشبههما من ظروف الزمان التي تضاف إلى: "إذ".
(2)
هذه الجملة في الآية هي: {غُلِبَتِ الرُّومُ} ، فحذفت وعوض عنها التنوين. ولما كانت الذال ساكنة وكذلك التنوين؛ حركت الذال بالكسر للتخلص من الساكنين، ووصلت "إذ" في الكتابة بما قبلها. وقد يجيء التنوين عوضًا عن كلمة، كتنوين "كل" و"بعض" الذي يكثر بحذف المضاف إليه بعدهما. والتنوين فيهما تنوين عوض وأمكنية معًا؛ لأنهما معربان منصرفان.
(3)
أي: التنوين الذي يحصل به الترنم -وهو التغني- لأن النون حرف أغن، وقيل: الكلام على حذف مضاف؛ أي: قطع الترنم؛ لأن الترنم مد الصوت بمدة تجانس الروي، وهذا ما مشى عليه المصنف.
(4)
أي: التي لم تقيد بسكون، فتحركت وامتد بها الصوت حتى تولد حرف علة في آخرها.
(5)
وهو الألف والواو والياء المتولدة من إشباع الحركة قبلها، وتسمى أحرف الإطلاق.
(6)
هذا مطلع قصيدة لجرير بن عطية بن حذيفة الخطفي، الشاعر الأموي المشهور، المتوفى سنة 114 هـ يهجو فيها عبيد بن حصين الملقب بالراعي النميري؛ لتفضيله الفرزدق عليه.
ومنها البيت المشهور:
فغض الطرف إنك من نمير
…
فلا كعبًا بلغت ولا كلابا
=
الأصل: "العتابا" و"أصابا"، فجيء بالتنوين بدلًا من الألف لترك الترنم، وزاد بعضهم التنوين الغالي، وهو اللاحق للقوافي المقيدة
(1)
، زيادة على الوزن، ومن ثم
(2)
سمي غاليًا؛ كقوله:
قالت بنات العم يا سلمى وإنن
…
كان فقيرًا معدمًا قالت وإنن
(3)
= اللغة والإعراب: أقلى: أمر من الإقلال؛ وهو جعل الشيء قليلًا؛ أي: خفي ولا تكثري، ولعله يريد الترك. اللوم: العذل والملامة. العتاب: مخاطبة الإدلال وتذاكر الموجدة. "أقلى" فعل أمر مبني على حذف النون وياء المخاطبة فاعل. "اللوم" مفعوله. "عاذل" منادى مرخم "عاذلة"، مبني على الضم في محل نصب. "والعتابن" معطوف على اللوم منصوب بالفتحة، والنون عوض عن ألف الإطلاق. "إن أصبت" شرط وفعله، والجواب محذوف؛ أي: فقولي "لقد أصابن" اللام موطئة لقسم محذوف، والجملة جواب ذلك القسم؛ وجملة القسم وجوابه في محل نصب مقول القول.
المعنى: خففي أو اتركي أيتها اللائمة الوم والتعنيف، وإن وجدت مني صوابًا وتوخيا الحق والواقع، فلا تنكري ذلك علي، وقولي: والله لقد أصاب القول وما جانب الحق والسداد، وروي: أصبت -بكسر التاء- على أنها ضمير المخاطبة؛ أي: قصدت المنطق بالصواب والحق.
الشاهد: في "العتابن، وأصابن"؛ حيث دخلهما تنوين الترنم بدلًا من ألف الإطلاق. والأولى اسم مقترن بأل، والثانية فعل ماض، وذلك يدل على أن هذا التنوين ليس مختصا بالاسم. وقد يدخل هذا التنوين الحرف كقول زياد بن معاوية، المعروف بالنابغة الذبياني؛ نسبة إلى قبيلة "ذبيان":
أزف الترحل غير أن ركابنا
…
لما تزل برحالنا وكأن قد
فإن الأصل "قدي" فجيء بالتنوين بدلًا من الياء لترك الترنم.
(1)
هي التي رويها ساكن غير مد.
(2)
أي: ومن أجل زيادته على الوزن؛ فإن الغلو في اللغة: الزيادة، يقال: غلا السعر؛ زاد، وغلا في الأمر؛ جاوز فيه الحد.
(3)
ينسب النحاة هذا البيت لرؤبة بن العجاج الراجز الإسلامي، المتوفى سنة 145 هـ، ولكن =
والحق أنهما نونان زيدتا في الوقف، كما زيدت نون "ضيفن" في الوصل والوقف، وليسا من أنواع التنوين في شيء؛ لثبوتهما مع أل، وفي الفعل، وفي الحرف، وفي الخط والوقف
(1)
ولحذفهما في الوصل
(2)
. وعلى هذا فلا يردان على من أطلق أن الاسم يعرف بالتنوين؛ إلا من جهة أنه يسميهما تنوينين. إما باعتبار ما في نفس الأمر، فلا.
الثالثة النداء: وليس المراد به دخول حرف النداء؛ لأن "يا" تدخل في اللفظ على ما ليس باسم، نحو:{يَا لَيْتَ قَوْمِي}
(3)
، "أَلَا يَا اسْجُدُوا". . . . . . . . . . .
= لم يوجد في ديوانه، وينشدون قبله:
قالت سليمى ليت لي بعلًا يمن
…
يغسل جلدي وينسيني الحزن
اللغة والإعراب: سليمى: تصغير سلمى؛ اسم امرأة. بعلا، البعل: الزوج والجمع البعولة. يمن: يمنن ويتفضل. معدمًا: شديد الفقر لا شيء عنده. "وإنن" الواو عاطفة على محذوف. "إن" حرف شرط جازم وحرك بالكسر للساكنين، والنون الزائدة حرف "كان" فعل الشرط واسمها يعود على البعل. "فقيرًا" خبرها. "معدمًا" صفة لفقير، وجواب الشرط محذوف؛ أي: تقبلينه بعلًا. "وإنن" الثانية محذوف شرطها وجوابها لدلالة الأولى عليهما.
المعنى: قالت بنات عم سلمى لها: أترضين بهذا البعل وإن كان شديد الفقر لا مال له؛ فأجابتهن: نعم رضيت به وإن كان كذلك.
الشاهد: في "إنن" حيث لحقها التنوين في عروض البيت وقافيته المقيدة، زيادة في الوزن، وهي حرف شرط بلا خلاف. وذلك يدل على أن هذا النوع من التنوين لا يختص بالاسم.
(1)
كما ذكر في العتابن، وأصابن، وإنن.
(2)
أي: وليس كذلك شيء من أقسام التنوين. وهنالك مواضع يحذف فيها التنوين وجوبًا؛ منها وجود "أل" في صدر الكلمة المنونة، فتقول في جاء رجل: جاء الرجل، بغير تنوين، وإضافة الكلمة المنونة، تقول: جاء رجل القوم. والوقف على الكلمة المنونة في حالتي الرفع والجر .. إلخ.
(3)
من الآية 26 من سورة يس. و"يا" حرف نداء، وقد دخلت في اللفظ على ليت، وهي حرف تمن ونصب، و"قومي" اسمها. وجملة "يعلمون" خبرها، والمنادى محذوف؛ أي: يا هؤلاء، أو يا قوم. وقيل "يا" للتنبيه، وإذا لا شاهد فيه.
في قراءة الكسائي
(1)
، بل المراد كون الكلمة مناداة، نحو: يا أيها الرجل، و"يا فل، ويا مكرمان"
(2)
.
الرابعة أل غير الموصولة
(3)
: كالفرس والغلام. فأما الموصولة فقد تدخل على المضارع كقوله:
ما أنت بالحكم الترضي حكومته
(4)
(1)
فإنه يخفف اللام في "ألا" على أنها حرف تنبيه، وتكون "يا" حرف نداء، وقد دخلت على فعل الأمر لفظًا وهو "اسجدوا" والمنادى محذوف أي: يا هؤلاء. أما على قراءة "ألا" بتشديد اللام، فأن مصدرية و"لا" نافية، و"يسجدوا" مضارع منصوب بأن المصدرية، والمصدر المنسبك من أن والفعل في موضع نصب بدل من "أعمالهم" من قوله تعالى:{فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} وهذا الشاهد من الآية 25 من سورة النمل.
(2)
هذان اسمان ملازمان للنداء ولا يقبلان من العلامات غير النداء، و"فل": كناية عن نكرة؛ أي: يا رجل، و"مكرمان": اسم للكريم الواسع الخلق، كما أن "ملأمان" للئيم الدنيء، وسيأتي إيضاح لذلك في باب "أسماء لازمت النداء" إن شاء الله.
(3)
وغير الاستفهامية أيضًا؛ فإنها تدخل على الماضي، نحو: ألفعلت؟ بمعنى هل فعلت؟
(4)
صدر بيت من البسيط، لهمام بن غالب، المعروف بالفرزدق الشاعر الأموي، يخاطب رجلًا من بني عذرة هجاه بحضرة الخليفة عبد الملك بن مروان. وعجزه:
ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
قيل: إن هذا الرجل دخل على عبد الملك، وعنده جرير والفرزدق والأخطل وهو لا يعرفه، فعرفه بهم، فقال على الفور:
فحيا الإله أبا حرزة
…
وأرغم أنفك يا أخطل
وجد الفرزدق أتعس به
…
ودق خياشيمه الجندل
فأجابه الفرزدق:
يا أرغم الله أنفًا أنت حامله
…
يا ذا الخنى ومقال الزور والخطل
=
الخامسة الإسناد إليه
(1)
: وهو أن تنسب إليه ما تحصل به الفائدة، وذلك كالتاء في "قمت" و"أنا"
(2)
في قولك: أنا مؤمن.
= وبعد هذا بيت الشاهد:
اللغة والإعراب: الحكم: الذي يفصل في الخصومة بين المتخاصمين. الأصيل: الحسيب الكريم الأصول. الرأي: العقل والتدبير. الجدل: القدرة على المجادلة والمحاجة. "ما" نافية حجازية تعمل عمل ليس. "أنت" اسمها. "بالحكم" خبرها على زيادة الباء. ويجوز أن تكون "ما" تميمية مهملة، و"أنت" مبتدأ، و"بالحكم" خبر "أل" اسم موصول بمعنى الذي، صفة للحكم. "ترضى حكومته" الجملة من الفعل ونائب الفاعل صلة الموصول "ولا" الواو عاطفة و"لا" زائدة لتأكيد النفي. "الأصيل" معطوف على الحكم، ومثله ما بعده.
المعنى: لست أيها العذري بالرجل الذي يعتد بحكمه ويرتضي قوله؛ فإنا لم نحكمك، ولا أنت بالحسيب الشريف النسب، ولا بصاحب رأي وتفكير، أو حجة تدعم بها قولك.
الشاهد: دخول "أل" الموصولة على الفعل المضارع، مما يدل على أنها ليست علامة للاسم. وهل دخولها على المضارع خاص بالضرورة فتكون من علامة الاسم؟ أو جائز في الاختيار وإن كان قليلًا؟ رأيان: الأول رأي الجمهور، والثاني رأي الناظم وبعض الكوفيين، وقد سوغه شبه المضارع بالوصف.
(1)
أي: الإخبار عنه بشيء، وجعله متحدثا عنه؛ لأنه لا يتحدث إلا عن الاسم. وبهذه العلامة دل على اسمية الضمائر ونحوها.
(2)
كرر المثال؛ لبيان أنه لا فرق بين تأخر المسند إليه وتقدمه، ولا بين أن يكون فعلًا أو وصفًا. وقد أشار ابن مالك إلى العلامات المتقدمة بقوله:
بالجر والتنوين والنداء وأل
…
ومسند للاسم تميز حصل*
* "بالجر" جار ومجرور متعلق بحصل. "والتنوين والندا وأل ومسند" معطوفات على الجر. "للاسم" متعلق بمحذوف خبر مقدم. "تمييز" مبتدأ مؤخر. "حصل" فعل ماض مبني على الفتح وسكن للروي، والفاعل يعود على تمييز، والجملة صفة لتمييز.
فصل: ينجلي الفعل بأربع علامات:
إحداها: تاء الفاعل
(1)
؛ متكلمًا كان: كقمت، أو مخاطبًا نحو: تباركت.
الثاني: تاء التأنيث الساكنة
(2)
؛ كقامت وقعدت، أما المتحركة فتختص بالاسم؛ كقائمة
(3)
. وبهاتين العلامتين رد على من زعم حرفية "ليس" و"عسى"
(4)
.
وبالعلامة الثانية على من زعم اسمية "نعم" و"بئس"
(5)
.
(1)
أي: تاء الضمير الذي يقع فاعلًا في المعنى للفعل قبله.
(2)
أي: في الأصل، فلا يضر تحركها لعارض، نحو:{قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} ، {قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} .
(3)
أي: مما حركته حركة إعراب، أما المتحركة بحركة بناء، فتدخل على الحروف؛ نحو: لات ربت، ثمت. وتكون في الاسم نحو: لا قوة إلا بالله.
(4)
يرى الفارسي ومن تبعه من البصريين: أن "ليس" حرف؛ لدلالتها على النفي، قياسًا على "ما" النافية. وذهب الكوفيون إلى أن "عسى" حرف: لدلالتها على الترجي، قياسًا على لعل. ويقول الفريقان: إن لحاق التاء لهما لشبههما بالفعل، في كونهما على ثلاثة أحرف. وفي المعنى، والصحيح أنهما فعلان؛ بدليل قبولهما تاء التأنيث وتاء الفاعل.
(5)
الزاعم هو الفراء من الكوفيين وحجته: دخول حرف الجر عليهما في بعض التراكيب، ومن ذلك قول بعض العرب وقد بشر بمولود أنثى:"والله ما هي بنعم الولد"، وقد سار إلى محبوبته على حمار بطيء السير "نعم السير على بئس العير". وتأولها المانعون على حذف موصوف وصفته، ودخول الجار على معمول الصفة وهو اسم؛ أي: بولد مقول فيه نعم الولد، وعلى عير مقول فيه بئس العير. وسيأتي مزيد إيضاح لذلك في باب "نعم وبئس".
الثالثة: ياء المخاطبة
(1)
؛ كقومي. وبهذه رد على من قال: إن هات و"تعال" اسما فعلين
(2)
.
الرابعة: نون التوكيد، شديدة أو خفيفة، نحو:{لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا}
(3)
.
وأما قوله: أقاتلن أحضروا الشهودا
(4)
. فضرورة.
(1)
تكون في الأمر، وفي المضارع؛ نحو: أنت يا زينب تقومين.
(2)
القائل هو الزمخشري. وحجته: استعمالها بلفظ واحد للمفرد والمثنى والجمع، وإبراز الضمير معهما، لشدة شبههما بالفعل. والصحيح أن "هات" -بكسر التاء- فعل أمر بمعنى ناول، و"تعال" -بفتح اللام- أمر بمعنى أقبل؛ لقبولهما ياء المخاطبة. وهما مبنيان على حذف حرف العلة.
(3)
من الآية 32 من سورة يوسف.
(4)
بيت من مشطور الرجز، نسبه بعض النحاة إلى رؤبة، وينسبه آخرون لشاعر من هذيل وقبله:
أريت إن جاءت به أملودا
…
مرجلًا ويدبس البرودا
ولا ترى مالًا له معدودا
اللغة والإعراب: الأملود: الناعم، يقال: غصن أملود أي: ناعم. مرجلًا: ترجيل الشعر تجعيده، وإرساله بالمشط. البرود: جمع برد، وهو نوع معروف من الثياب. "أريت" أصله أرأيت، حذفت الهمزة الثانية تخفيفًا "إن جاءت" شرط وفعله. "أملودا" حال من الضمير في "به" العائد على الشاب المراد التزوج به، أو المولود على ما سنبين. وكذلك إعراب مرجلًا، وجملة:"يلبس البرودا". "أقائلن" جواب الشرط، والهمزة للاستفهام، وقائلن: خبر لمبتدأ محذوف مرفوع بالواو المحذوفة للساكنين، إن أريد به الجمع؛ أي: أأنتم قائلون؟ أو مبتدأ مرفوع بالضمة، وفاعله محذوف سد مسد الخبر، إن أريد به المفرد، والنون في الحالين حرف توكيد. "أحضروا الشهودا" الجملة في محل نصب مقول القول.
المعنى: أخبرني إن جاءت هذه المرأة بشاب حسن القوام؛ كالغصن الناعم، مرجل الشعر، حسن البزة؛ ليتزوجها، ولكنه فقير معدم، أأنت راض عن ذلك، آمر بإحضار الشهود لعقد نكاحها؟ والاستفهام إنكاري، يراد به الإنكار والتهكم والسخرية. وقيل: إن رجلًا من العرب أتى أمة له، فلما حملت جحد أن يكون الحمل منه، فأنشأت تقول له هذه الأبيات.
الشاهد: في "أقائلن" حيث دلت نون التوكيد على اسم الفاعل ضرورة؛ لأنها خاصة بالفعل، وسهل ذلك شبه اسم الفاعل المقرون بأداة الاستفهام بالفعل المضارع، وروي "أقائلون" بواو الجمع، وعليه فلا شاهد فيه، ولا ضرورة.
وشذ أيضًا دخول النون على الماضي في قول الشاعر:
دامن سعدك إن رحمت متيمًا
…
لولاك لم يك للصبابة جانحا
وفي هذه العلامات يقول ابن مالك:
بنا فعلت وأتت و"يا" افعلي
…
و"نون" أقبلن فعل ينجلي*
أي: إن الفعل ينجلي وينكشف ويتميز عن غيره بإحدى هذه العلامات، وهي: تاء الفاعل، أو تاء التأنيث الساكنة، أو ياء المخاطبة، أو نون التوكيد.
فصل: في الحرف وعلامته وأنواعه
ويعرف الحرف
(1)
بأنه لا يحسن فيه شيء من العلامات التسع
(2)
؛ كهل، وفي، ولم.
وقد أشير بهذه المثل إلى أنواع الحروف؛ فإن منها ما لا يختص بالأسماء ولا بالأفعال فلا يعمل شيئًا؛ كهل
(3)
تقول: "هل زيد أخوك؟ " و"هل يقوم؟ " ومنها ما يختص بالأسماء
(1)
الحرف: كلمة لا تدل على معنى في نفسها، وتدل على معنى في غيرها إذا ضم إليها، ولا تدل على زمن ما.
(2)
أي: التي ذكرت للاسم والفعل.
(3)
الأصل في "هل" الاختصاص بالفعل؛ لأنها بمعنى "قد" وهذه مختصة بالفعل، فلما جاءت بمعنى الهمزة فقدت الاختصاص، فإذا جاء الفعل في تركيبها حنت إليه وجذبته نحوها واختصت به ولو تقديرا، ولهذا وجب نصب الاسم بعدها في باب الاشتغال كما سيأتي. ومن الحروف غير المختصة ما يعمل؛ كما، ولا، ولات، وإن المشبهات بليس.
* "بتا" متعلق بينجلي. "فعلت" مضاف إليه مقصود لفظه، و"أنت" معطوف على فعلت مقصود لفظه "ويا" معطوف على تا. "افعلي" مقصود لفظه مضاف إليه. "ونون" معطوف على تاء، مضاف إلى "أقبلن" لقصد لفظه. "فعل" مبتدأ وسوغ الابتداء به وهو نكرة التنويع "ينجلي" الجملة خبر المبتدأ.
فيعمل فيها؛ كـ"في"
(1)
؛ نحو: {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ} ، {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ}
(2)
. ومنها ما يختص بالأفعال فيعمل فيها؛ كـ"لم"
(3)
؛ نحو: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} .
(1)
ومنها ما يختص بالأسماء ولا يعمل؛ كلام التعريف؛ فقد نزلت منزلة الجزء من الاسم.
(2)
من الآيتين 20، 22 من سورة الذاريات.
(3)
وقد يختص بها ولام يعمل؛ كقد، والسين، وسوف. واعلم أن الأصل في الحروف المختصة بالأسماء أن تعمل الجر الذي يخص الاسم، والمختصة بالأفعال أن تعمل الجزم، لأنه يخص الفعل. والأصل في المشتركة ألا تعمل شيئًا. وقد مثل لها المصنف، وهذه لا يسأل عن علتها؛ لأنها جاءت على الأصل. وما خالف هذا الأصل فلعلة. وقد بينا هذا.
فصل:
والفعل جنس
(1)
تحته ثلاثة أنواع:
أحدها المضارع
(2)
: وعلامته أن يصلح لأن يلي "لم"
(3)
؛ نحو "لم يقم"،
(1)
الفعل هو: ما يدل على معنى -أي: حدث وزمن- يقترن به والمراد بالجنس: معناه الغوي الأعم من النوع.
(2)
هو كلمة تدل على معنى -أي: حدث، وزمن يصلح للحال والاستقبال. ويتعين للحال إذا اقترن بكلمة تفيد ذلك؛ ككلمة: الآن -الساعة- حالًا. كما يتعين للاستقبال إذا اقترن بالسين، أو سوف، أو بظرف من ظروف المستقبل، مثل:"إذا" نحو: أزورك إذا تسافر، أو دل على وعد أو وعيد؛ نحو:{يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} أو اقترن بأداة توكيد؛ كالنون، أو لام القسم، أو أداة رجاء، مثل لعل، أو أداة شرط وجزاء. وقد ينصرف زمنه للماضي إذا سبقته "لم" أو "لما" الجازمتان.
(3)
أي: يقع بعد "لم" النافية الجازمة. وفي هذا يقول الناظم:
سواهما الحرف؛ كهل، وفي، ولم
…
فعل مضارع يلي "لم"؛ كيشم*
أي: إن علامة الحرف: كهل، وفي، ولم، هي عدم قبوله علامة من علامات الأسماء والأفعال. وعلامة المضارع: صلاحيته للوقوع بعد "لم" الجازمة أو أخواتها.
* "سواهما" سوى خبر مقدم مرفوع بضمة مقدرة على الألف، هما: مضاف إليه. "الحرف" مبتدأ مؤخر. "كهل" جار ومجرور خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك كهل. "وفي، ولم" معطوفان على هل. "فعل" مبتدأ "مضارع" نعت له. "لم" مفعول يلي مقصود لفظه، والجملة خبر المبتدأ" كيشم" إعرابه مثل كهل،
وهو مضارع شممت الطيب ونحوه، من باب فرح.
و"لم يشم"، والأفصح فيه فتح الشين لا ضمها، والأفصح في الماضي شممت بكسر الميم لا فتحها. وإنما سمي مضارعًا لمشابهته للاسم
(1)
؛ ولهذا أعرب واستحق التقديم في الذكر على أخويه.
ومتى دلت كلمة على معنى المضارع
(2)
ولم تقبل "لم"، فهي اسم، كـ"أَوَّه" و"أف"؛ بمعنى أتوجع، وأتضجر
(3)
.
الثاني الماضي
(4)
: ويتميز بقبول تاء الفاعل؛ كتبارك، وعسى، وليس، أو تاء التأنيث الساكنة؛ كنعم، وبئس،
(1)
أي: الاسم المصوغ للفاعل؛ فقد أشبهه في اللفظ بجريانه معه في الحركات والسكنات، وفي الحروف الأصلية والزائدة، وفي المعنى؛ لأن كلا منهما يصلح للحال والاستقبال إذا لم توجد قرينة تقصره على أحدهما.
(2)
وهو الحدث المقترن بالزمن الصالح للحال أو الاستقبال.
(3)
"أوه" اسم فعل مضارع بمعنى أتوجع شدة الوجع، و"أف" اسم فعل كذلك بمعنى أتضجر وأتألم كثيرًا. ومن هنا نعلم أن اسم الفعل هو: اسم يقوم مقام الفعل في المعنى والزمن والعمل، ولكنه لا يقبل علامة الفعل الذي يقوم مقامه، ولا يتأثر بالعوامل. وسيأتي مزيد إيضاح لذلك في موضعه. ولا يقال: إن هنالك كلمات تدل على معنى الفعل ولا تقبل "لم" وليست أسماء أفعال، بل هي حروف؛ مثل حرف النداء؛ فإنه بمعنى أدعو. وحرف الاستثناء؛ فإنه بمعنى أستثني؛ لأنا نقول: المقصود أن تدل بهيئتها على معنى المضارع. وما ذكر ليس كذلك.
(4)
هو كلمة تدل على معنى -أي: حدث- وزمن فات قبل النطق بها. ويتعين معناه للحال؛ إذا قصد به الإنشاء؛ مثل: اشتريت، بعت، وهبت، أبرمت. إلخ. كما يتعين للاستقبال؛ إذا أفاد طلبًا أو دعاء؛ مثل: أعانك الله ورفع منزلتك، أو سبق بنفي بـ"لا" أو "إن" المسبوقتين بقسم؛ نحو: والله لا أكرمت الجبان، لئن ثابرت لتظفرن بما ترجو.
وعسى، وليس
(1)
.
ومتى دلت كلمة على معنى الماضي
(2)
ولم تقبل إحدى التاءين، فهي اسم؛ كهيهات، وشتان بمعنى بعد، وافترق
(3)
.
الثالث الأمر:
(4)
وعلامته أن يقبل نون التوكيد مع دلالته على الأمر
(5)
، نحو: قومن؛ فإن قبلت كلمة النون ولم تدل على الأمر فعل مضارع، نحو:{لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا}
(6)
، وإن دلت على الأمر ولم تقبل النون، فهي اسم
(7)
؛ كنزال ودراك، بمعنى انزل وادرك.
(1)
كرر "عسى" و"ليس" ليبين اشتراك التاءين فيهما، ولم يكرر "تبارك" و"نعم" و"بئس"؛ لانفراد تبارك بتاء الفاعل، ونعم وبئس بتاء التأنيث. وقيل: إن تبارك تقبل تاء التأنيث؛ فقد قيل: تباركت أسماء الله. وتقبل كذلك تاء الفاعل، تقول: تباركت يا الله. وفيما تقدم يقول الناظم:
وماضي الأفعال بالتاء مز وسم
…
بالنون فعل لأمر إن أمر فهم*
أي: إن الماضي من الأفعال يتميز، ويختص من تلك العلامات بقبوله في الآخر: التاء المتحركة للفاعل أو الساكنة للتأنيث. وأن فعل الأمر يوسم -أي: يعرف- بقبوله نون التوكيد، مع دلالته على الطلب.
(2)
وهو الحدث المقترن بزمن مضى وفات.
(3)
هيهات: اسم فعل ماض بمعنى بعد جدا. وشتان: اسم فعل كذلك بمعنى افترقا بعيدًا.
(4)
الأمر: هو كلمة تدل بصيغتها من غير زيادة، على معنى مطلوب تحقيقه في المستقبل.
(5)
وهو الطلب بالصيغة.
(6)
من الآية 32 من سورة يوسف.
(7)
أي: اسم فعل أمر؛ كما مثل المصنف، أو اسم مصدر؛ نحو: صبرا على الشدائد والمحن.
* "وماضي الأفعال" مفعول مقدم لمز ومضاف إليه. "بالتا" متعلق بمز. "وسم" الواو للعطف "سم" فعل أمر، ومعناه: علم. "بالنون" متعلق به. "فعل الأمر" مفعوله ومضاف إليه "أن" حرف شرط. "أمر" نائب فاعل لفعل محذوف يفسره فهم. وهو فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف وجوبًا؛ أي: إن فهم أمر فسمه بالنون، وجملة "فهم" لا محل لها من الإعراب؛ لأنها مفسرة.
وهذا التمثيل أولى من التمثيل بصه وحيهل
(1)
؛ فإن اسميتهما معلومة مما تقدم؛ لأنهما يقبلان التنوين.
(1)
" صه" معناه: اسكت. ومعنى "حيهل": أقبل. وفيما تقدم يقول الناظم:
والأمر إن لم يك للنون محل
…
فيه هو اسم؛ نحو "صه وحيهل"*
أي: إن اللفظ الدال على الأمر إذا لم يقبل النون فهو اسم فعل؛ نحو: صه وحيهل؛ فإنهما وإن دلا على الطلب، لكنهما لا يقبلان النون، فلا يقال: صهن، ولا حيهلن؛ فهما اسما فعل.
* والأمر "الواو للعطف أو للاستئناف، الأمر مبتدأ "إن" حرف شرط جازم "لم يك" مضارع مجزوم بلم على النون المحذوفة للتخفيف، وهو فعل الشرط "للنون" في محل نصب خبر يك مقدم "محل" اسمها مؤخر وسكن للوقف "فيه" متعلق بمحذوف صفة لمحل "هو اسم" مبتدأ وخبر. والجملة في محل جزم جواب الشرط، وحذفت الفاء للضرورة، وجملة الشرط وجوابه خبر المبتدأ الأول وهو "الأمر" ويجوز جعل جملة: هو اسم، خبر المبتدأ، وجملة الجواب محذوفة لدلالة جملة المبتدأ والخبر عليها "نحو" خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك نحو. "صه" مضاف إليه مقصود لفظه ": وحيهل" معطوف على صه كذلك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأسئلة والتمرينات:
1 عرف كلا من: الكلام، والكلم، وبين الفرق بينهما وبين القول، ووضح بأمثلة من عندك.
2 بين من أي الأنواع العبارات الآتية؟
الظلم ظلمات يوم القيامة، ثورة الشعب، إذا سادت شريعة الغاب بين الأمم، عِ، مَه، دولة الباطل ساعة، صه، اسكت.
3 يقول ابن مالك: "وكلمة بها كلام قد يؤم".
اشرح هذا الشطر من البيت، موضحًا بأمثلة من عندك.
4 الكلمات المذكورة بعد أسماء، دلل على ذلك بما عرفت من علامات الأسماء: حيث، قط، هو، نزال، متى، نحن.
5 عرف اسم الجنس الجمعي والإفرادي، واشرح الفرق بينهما، وهات ثلاثة أمثلة لكل منهما، ثم بين نوع كل من الألفاظ الآتية:
رهط، شجر، قبط، نحل، عسل، يهود، هواء، ملح، فل، ماء.
6 اشرح قول ابن مالك الآتي شرحًا وافيًا على ضوء ما عرفت:
بتا فعلت وأتت و"يا" افعلي
…
و"نون" أقبلن فعل ينجلي
7 متى يتعين الفعل الماضي للحال؟ ومتى يتعين للاستقبال؟ اذكر مثالين يوضحان ذلك.
8 بين فيما يأتي: الأسماء، وأنواع الأفعال، وعلاماتها، ومعنى كل فعل مستعينًا بما سبق شرحه: قال تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} ، {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} ، {كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ} ، {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} ، {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} ، {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} ، {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} .
لقد وقع الآن ما لم نكن ننتظره، فلنعتصم بالصبر، وليبذل كل منا جهده في العمل والإنتاج، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا. أقبح أعمال المقتدرين الانتقام. الرجال ثلاثة. رجل كالغذاء لا يستغنى عنه أبدًا، ورجل كالدواء يحتاج إليه في بعض الأوقات، ورجل كالداء لا يحتاج إليه أبدا، فاختر لنفسك مثلًا من هؤلاء.
وإنما رجل الدنيا وواحدها
…
من لا يعول في الدنيا على أحد
هذا
باب شرح المعرب والمبني:
الاسم ضربان:
معرب: وهو الأصل
(1)
، ويسمى متمكنًا
(2)
.
ومبني: وهو الفرع، ويسمى غير متمكن.
وإنما يبنى الاسم إذا أشبه الحرف
(3)
.
وأنواع الشبه ثلاثة:
أحدها: الشبه الوضعي
(4)
وضابطه: أن يكون الاسم على حرف أو حرفين.
فالأول
(5)
كـ"تاء" قمت؛
هذا باب شرح المعرب والمبني:
(1)
الإعراب: تغير آخر اللفظ ظاهرًا أو تقديرًا، بسبب تغير العوامل التي تدخل عليه، وما يتطلبه كل عامل. والمعرب: هو ذلك اللفظ الذي يتغير آخره بتغير هذه العوامل، وإنما كان الأصل في الأسماء الإعراب؛ لأن الاسم يدل بذاته على معنى مستقل هو المسمى. وهذا المسمى قد يكون فاعلًا، أو مفعولًا، أو غيرهما. فلا بد من علامة في آخره تتغير بتغير العوامل، لتميزها، وهي الإعراب.
(2)
أي: في باب الاسمية، وذلك لقبوله الحركات كلها ثم إن كان منونًا سمي متمكنًا أمكن، وإلا سمي متمكنًا غير أمكن.
(3)
أي مشابهة قوية لا يعارضها شيء من خصائص الأسماء؛ كالتثنية والإضافة. ومعلوم أن الحروف كلها مبنية؛ لأن الحرف؛ لا يؤدي معنى بنفسه كما سبق؛ فلا ينسب إليه، ولا يقع فاعله ولا مفعولًا حتى يحتاج إلى إعراب.
(4)
أي: أن يكون الاسم موضوعًا أصالة على صورة وضع الحرف؛ بأن يكون وضعه على حرف أو حرفين من حروف الهجاء.
(5)
أي: الموضوع على حرف واحد.
فإنها شبيهة بنحو: باء الجر ولامه
(1)
، وواو العطف وفائه
(2)
.
والثاني: كـ"نا" من قمنا
(3)
؛ فإنها شبيهة بنحو: قد، وبل. وإنما أعرب نحو: أب، وأخ
(4)
؛ لضعف الشبه بكونه عارضًا؛ فإن أصلهما: أبو، وأخو، بدليل: أبوان، وأخوان
(5)
.
الثاني: الشبه المعنوي
(6)
:
وضابطه: أن يتضمن الاسم معنى من معاني الحروف، سواء وضع لذلك المعنى حرف أم لا.
فالأول: كـ"متى"؛ فإنها تستعمل شرطًا؛ نحو: متى تقم أقم، وهي حينئذ شبيهة في المعنى بإن الشرطية
(7)
. وتستعمل أيضًا استفهامًا نحو: {مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} وهي حينئذ شبيهة في المعنى بهمزة الاستفهام
(8)
. وإنما أعربت
(9)
"أي" الشرطية في نحو {أَيَّمَا
(1)
أي: في حالة الكسر.
(2)
أي: في حالة الفتح.
(3)
أي: مما ثانيه حرف لين وضعا. مثل: "ما" و"لا"، وهو الراجح، وأطلق بعضهم الوضع على حرفين وأثبت به شبه الحرف، وهو غير سديد.
(4)
أي: مما ظاهره أنه موضوع على حرفين، مع أنه محذوف أحد أصوله، مثل:"يد" و"دم".
(5)
أي: برد المحذوف في التثنية؛ لأنها ترد الأشياء إلى أصولها. ولو جعل الدليل تصغيرهما والنسب إليهما لكان أحسن؛ لأنه يقال: أبان وأخان، على لغة النقص كما سيأتي.
(6)
أي: أن يتضمن الاسم بعد وضعه في جملة، معنى جزئيا، زيادة على معناه المستقل الذي يؤديه في حال انفراده، وكان الحرف أولى بتأدية هذا المعنى الجزئي؛ فيكون الاسم قد خلف الحرف في ذلك.
(7)
أي: في إفادة التعليق والجزاء الذي يتضح من الجملة بعدها.
(8)
أي: في السؤال عن معنى محدود يتبين من الجملة التي تليها.
(9)
هذا كالجواب عن مظنة سؤال هو: أن "أي" الشرطية، و"أي" الاستفهامية أعربتا، مع أنهما أشبها الحرف.
الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ}
(1)
، والاستفهامية في نحو:{فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ}
(2)
؛ لضعف الشبه بما عارضه من ملازمتهما للإضافة التي هي من خصائص الأسماء.
والثاني: نحو "هنا"؛ فإنها متضمنة لمعنى الإشارة
(3)
. وهذا المعنى لم تضع العرب له حرفًا، ولكنه من المعاني التي من حقها أن تؤدى بالحروف؛ لأنه كالخطاب والتنبيه. فـ"هنا" مستحقة للبناء، لتضمنها لمعنى الحرف الذي كان يستحق الوضع. وإنما أعرب هذان وهاتان
(4)
مع تضمنهما لمعنى الإشارة؛ لضعف الشبه بما عارضه من مجيئهما على صورة المثنى
(5)
، والتثنية من خصائص الأسماء.
الثالث الشبه الاستعمالي
(6)
:
وضابطه: أن يلزم الاسم طريقة من طرائق الحروف؛ كأن ينوب عن الفعل
(7)
ولا يدخل عليه عامل فيؤثر فيه
(8)
،
(1)
من الآية 28 من سورة القصص. و"أي" اسم شرط جازم منصوب على أنه مفعول مقدم لقضيت، و"ما" زائدة. "الأجلين" مضاف إليه. "قضيت" فعل الشرط وجملة "فلا عدوان علي" جواب الشرط.
(2)
من الآية 81 من سورة الأنعام. و"أي" اسم استفهام مبتدأ مرفوع. "الفريقين" مضاف إليه "أحق" اسم تفضيل خبر المبتدأ.
(3)
فإن معناها مطلق الإشارة إلى المكان.
(4)
أي بناء على قول بأنهما مثنيان حقيقة؛ يعربان بالألف رفعًا، وبالياء نصبًا وجرا، وقد حذفت الألف من "ذا" و"تا". وقيل: تثنيتهما: هذيان وهتيان، بقلب الألف ياء، مثل الفتيان.
(5)
من يرى أنهما جاءا على صورة المثنى يبنيهما وهو الأصح، فقد لفق المصنف بين القولين.
(6)
هو أن يكون الاسم عاملًا في غيره، ولا يدخل عليه عامل يؤثر فيه؛ كالحرف.
(7)
أي في معناه، وفي عمله.
(8)
فيكون في هذه الحالة عاملًا غير معمول كما أن الحرف كذلك. ومن هذا النوع: أسماء الأفعال؛ كما بين المصنف.
وكأن يفتقر افتقارًا متأصلًا إلى جملة
(1)
.
فالأول:
(2)
" كـ "هيهات" و"صه" و"أَوَّه"؛ فإنها نائبة عن بَعُدَ، واسكت وأتوجع، ولا يصح أن يدخل عليها شيء من العوامل فتتأثر به
(3)
، فأشبهت "ليت"، و"لعل" مثلًا؛ ألا ترى أنهما نائبان عن أتمنى، وأترجى؟
(4)
ولا يدخل عليهما عامل؟ واحترز بانتفاء التأثر من المصدر النائب عن فعله؛ نحو"ضربًا" في قولك: ضربًا زيدًا؛ فإنه نائب عن اضرب، وهو مع هذا معرب؛ وذلك لأنه تدخل عليه العوامل فتؤثر فيه؛ تقول: أعجبني ضرب زيد، وكرهت ضرب عمرو، وعجبت من ضربه
(5)
.
والثاني:
(6)
كإذ، وإذا، وحيث
(7)
، والموصولات
(8)
؛ ألا ترى أنك تقول: جئتك إذ،
(1)
هذا النوع الرابع من أنواع الشبه، ويسمى: الشبه الافتقاري، وهو: أن يكون الاسم مفتقرًا افتقارًا لازمًا إلى جملة أو شبه جملة بعده؛ كالموصول؛ فإنه محتاج إلى صلة تكمل معناه وتوضحه، كما أن الحرف لا يظهر معناه إلا بوضعه في جملة. وسيبين المصنف هذا.
(2)
وهو ما ينوب عن الفعل، ولا يدخل عليه عامل يؤثر فيه.
(3)
هذا بناء على الصحيح؛ من أن أسماء الأفعال لا محل لها من الإعراب. خلافًا للمازني ومن تبعه في جعلها مبتدأ أغنى فاعلها عن الخبر، أو مفعولًا مطلقًا لمحذوف وجوبًا.
(4)
أي: في إفادتهما معناهما.
(5)
وكذلك "ضربًا" فإنه منصوب بفعل محذوف وجوبًا؛ أي: اضرب ضربًا ومثله: الأوصاف النائبة؛ نحو: جاء الضارب زيدًا، أقائم الزيدان؛ فإنها -وإن نابت عن الفعل- إلا أنها تتأثر بالعوامل.
(6)
وهو الذي يفتقر افتقارًا متأصلًا إلى جملة أو شبهها.
(7)
فإنها مفتقرة دائمًا إلى جملة تكمل معناها. وأما إضافة "حيث" إلى مفرد في قول الفرزدق:
ونطعمهم تحت الحبا بعد ضربهم
…
ببيض النواصي حيث لي العمائم
فنادر.
(8)
فإنها مفتقرة في جميع الأحوال إلى جملة أو شبه جملة تكون صلة لها؛ تكملها، وتوضح معناها.
فلا يتم معنى "إذ" حتى تقول: لجاء زيد، ونحوه؟ وكذلك الباقي.
واحترز بذكر الأصالة من نحو: {هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} ، فيوم مضاف إلى الجملة، والمضاف مفتقر إلى المضاف إليه، ولكن هذا الافتقار عارض في بعض التراكيب؛ ألا ترى أنك تقول: صمت يومًا، وسرت يومًا، فلا يحتاج إلى شيء؟ واحترز بذكر الجملة من نحو:"سبحان" و"عند" فإنهما مفتقران بالأصالة، لكن إلى مفرد؛ تقول: سبحان الله
(1)
، وجلست عند زيد
(2)
.
وإنما أعرب اللذان واللتان، و"أي" الموصولة في نحو: اضرب أيهم أساء؛ لضعف الشبه بما عارضه من المجيء على صورة التثنية
(3)
، ومن لزوم الإضافة.
(1)
" سبحان" مصدر منصوب بفعل محذوف؛ تقديره: أسبح، ولفظ الجلالة مضاف إليه. والمعنى: تنزيهًا لله من كل نقص وعيب.
(2)
"عند" منصوب على الظرفية بجلست.
(3)
هذا بالنسبة إلى اللذين واللتين، ويقال فيهما ما سبق في "هذين" و"هاتين". أما لزوم الإضافة فراجع إلى "أي". هذا: وقد ذكر في الكافية من أنواع الشبه نوع خامس بسمي: الشبه الإهمالي. ومثل له بفواتح السور، مثل: ص، ق، الم. على القول بأنه لا محل لها. أما على أنها أسماء للسور؛ فمحلها رفع بالابتداء أو الخبرية، أو نصب على المفعولية بفعل محذوف؛ أي: اقرأ مثلًا. ومثلها الأعداد المسرودة، والأسماء قبل التركيب.
وإلى تقسيم الاسم إلى معرب ومبني وأنواع الشبه المتقدمة يشير الناظم بقوله:
والاسم منه معرب ومبني
…
لشبه من الحروف مدني
كالشبه الوضعي في اسمي "جئتنا"
…
والمعنوي في "متى" وفي "هنا"
وكنيابة عن الفعل بلا
…
تأثر وكافتقار أصلا*
=
* والاسم "مبتدأ أول". منه جار ومجرور خبر مقدم. "معرب" مبتدأ مؤخر، والجملة خبر الأول. "ومبني" مبتدأ خبره محذوف لدلالة ما قبله عليه؛ أي: ومنه مبني. "لشبه" متعلق بمبني. "من الحروف" متعلق بشبه، أو بمدني. "مدني" -أي: مقرب- نعت لشبه والباء فيه زائدة للإشباع؛ لأن ياء المنقوص المنكر -غير المنصوب- تحذف =
وما سلم من مشابهة الحرف فمعرب.
وهو نوعان:
ما يظهر إعرابه؛ كأرض، تقول: هذه أرض، ورأيت أرضًا، ومررت بأرض.
وما لا يظهر إعرابه؛ كالفتى
(1)
، تقول: جاء الفتى، ورأيت الفتى، ومررت بالفتى، ونظير الفتى
(2)
: سُمًا كهدًى، وهي لغة في الاسم؛ بدليل قول بعضهم: ما سُماك؟
(3)
= أي: إن الاسم: معرب، ومبني؛ بسبب يدنيه -أي: يقربه- من الحروف. وذلك كالشبه الوضعي: وهو أن يكون الاسم موضوعًا على حرف أو حرفين؛ كالضميرين في "جئتنا". وكالشبه المعنوي في كلمتي: "متى"، و"هنا"؛ فإنهما أشبها الحرف في تأدية معنى معين، كان من حقه أن يؤدى بالحرف. وكأن ينوب الاسم عن الفعل من غير أن يتأثر بعامل، أو يحتاج دائمًا إلى جملة بعده.
وإذا كانت العلة الحقيقية في الإعراب والبناء -كما يقول المحدثون وبعض القدامى- هي محاكاة العرب فيما أعربوه أو بنوه، وأن الفيصل في ذلك هو السماع عنهم؛ فإن ما تلمسه النحاة، وأعملوا فيه فكرهم، من علل -مهما قيل فيها وأخذ عليها- يدل على عمق تفكير، ورغبة في تلمس الأسباب؛ للوصول إلى الحقيقة. فجزاهم الله عن البحوث المستفيضة خيرًا.
(1)
أي: من كل اسم مقصور؛ فإنه يرفع وينصب ويجر بحركات مقدرة على الألف للتعذر.
(2)
أي: في تقدير الحركات على آخره.
(3)
أي: ما اسمك؟ ووجه الدلالة: أنه أثبت الألف مع الإضافة، وذلك يدل على أنه مقصور.
= وجوبًا. "كالشبه" جار ومجرور خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: وذلك كالشبه. "الضوعي" نعت للشبه" في اسمي متعلق بمحذوف صفة للوضعي "جئتنا" مضاف إليه مقصود لفظه. "والمعنوي" معطوف على الوضعي "في متى وفي هنا" متعلقان بمحذوف نعت للمعنوي. "وكنيابة" الواو عاطفة والجار والمجرور معطوف على "كالشبه"، "عن الفعل" متعلق بنيابة "بلا تأثر" متعلق بمحذوف نعت لنيابة، و"لا" اسم بمعنى "غير" نقل إعرابها إلى ما بعده؛ لأنها على صورة الحرف فهي مضافة إلى تأثر. "وكافتقار" معطوف على "كنيابة" أصلًا فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود على افتقار، والألف للإطلاق والجملة من الفعل ونائب الفاعل نعت لافتقار.
حكاه صاحب الإفصاح
(1)
، أما قوله:
والله أسماك سُمًا مباركًا
(2)
فلا دليل عليه فيه؛ لأنه منصوب منون، فيحتمل أن الأصل: سُمٌ، ثم دخل عليه الناصب ففتح، كما تقول في يد: رأيت يدًا.
(1)
الإفصاح: شرح لكتاب الإيضاح لأبي علي الفارسي، وصاحبه هو: محمد بن يحيى، المعروف بابن هشام الخضراوي، المتوفى سنة 646 هـ. وسيأتي التعريف به.
(2)
هذا بيت من مشطور الرجز، لابن خالد القناني الأسدي، نسبة إلى "قنان" جبل لبني أسد وبعده:
آثرك الله به إيثاركا
اللغة والإعراب: أسماك: ألهم آلك أن يسموك. سما: اسما. آثرك: اختصك وميزك. "والله" مبتدأ. "أسماك" الجملة خبر. "سما" مفعول ثان لأسماك منصوب بفتحة ظاهرة، أو مقدرة على الألف المحذوفة "مباركًا" نعت لسما. "به" متعلق بآثرك والضمير يعود على سما "إيثاركا" مفعول آثرك، وهو مصدر مضاف لمفعوله؛ أي: إيثاره إياك، أو لفاعله والمفعول محذوف؛ أي: إيثارك الناس بالخير.
المعنى: أن الله -سبحانه- ألهم أهلك أن يسموك اسمًا ميمونًا مباركًا، اختصك به، وميزك عن سواك، كما اختصك وفضلك بالعقل وحسن التدبير، أو كما تؤثر غيرك، وتخصهم بالمعروف والعطايا.
الشاهد: في "سما" فإنه لغة في الاسم، وهو هنا لا يصلح أن يكون دليلًا على أنه مقصور مثل "هدى"، وقد أوضح المصنف ذلك. وفي المعرب من الأسماء، وتقسيمه إلى ظاهر الإعراب ومقدره. يقول الناظم:
ومعرب الأسماء ما قد سلما
…
من شبه الحرف كأرض وسما*
أي: إن المعرب من الأسماء: هو الذي لا يشبه الحرف، وهو قسمان: صحيح الآخر يظهر في آخره الإعراب؛ كلفظ أرض. ومعتل الآخر يقدر الإعراب على آخره؛ نحو: سما، لغة في الاسم.
* معرب الأسماء "مبتدأ ومضاف إليه. "ما" اسم موصول خبر. "قد سلما" الجملة صلة الموصول والألف للإطلاق "من شبه" متعلق بسلم. "الحرف" مضاف إليه. "كأرض" خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: وذلك كأرض "وسما" معطوف على أرض مجرور بكسرة مقدرة للتعذر.
فصل: والفعل ضربان: مبني وهو الأصل
(1)
، ومعرب وهو بخلافه.
فالمبني نوعان:
أحدهما الماضي: وبناؤه على الفتح كضرب. وأما "ضربت" ونحوه، فالسكون عارض أوجبه كراهتهم توالي أربع متحركات فيما هو كالكلمة الواحدة
(2)
، وكذلك ضمة "ضربوا" عارضة لمناسبة الواو
(3)
.
والثاني الأمر: وبناؤه على ما يجزم به مضارعه، فنحو:"اضرب" مبني على السكون
(4)
، .....
(1)
لأنه لا يتوارد عليه معان يحتاج في تمييزها إلى إعراب، ولا تتوالى عليه العوامل التي تقتضي ذلك. والمراد بالأصل هنا: الغالب.
(2)
نزلت تاء الفاعل من الفعل منزلة الجزء؛ لشدة اتصالها به، فصارت المتحركات: أحرف الفعل الثلاثة، وتاء الفاعل.
(3)
وعلى هذا يكون الفتح مقدرًا للثقل مع ضمير الرفع المتحرك في نحو: ضربت، وللتعذر في نحو: ضربوا، منع من ظهوره الضمة العارضة للمناسبة. وكذلك في رمى وغزا؛ فالماضي مبني على الفتح دائمًا لفظًا أو تقديرًا، غير أنه تمشيًا مع الواقع وتيسيرًا على الدارسين، يقال: يبنى الماضي على الفتح الظاهر إذا لم يتصل به شيء؛ كضرب، أو اتصلت به تاء التأنيث الساكنة؛ نحو: قالت، أو ألف الاثنين؛ نحو: قالا. وقد يكون الفتح مقدرًا إذا كان الماضي معتل الآخر بالألف، مثل: دعا، ورمى. ومبني على السكون إذا اتصلت به تاء الضمير المتحركة؛ مثل: قلت، قلنا، أو نون النسوة؛ مثل: الطالبات نجحن. ويبنى على الضم إذا اتصلت به واو الجماعة؛ نحو: الطلاب نجحوا.
(4)
لأن مضارعه يجزم بالسكون؛ نحو: لم يضرب. وكذلك إذا اتصلت به نون النسوة؛ نحو اضربن يا فتيات.
ونحو: "اضربا" مبني على حذف النون
(1)
، ونحو:"اغز" مبني على حذف آخر الفعل
(2)
.
والمعرب المضارع:
نحو: يقوم، لكن بشرط سلامته من نون الإناث، ونون التوكيد المباشرة
(3)
؛ فإنه مع نون الإناث مبني على السكون؛ نحو: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} ومع نون التوكيد المباشرة مبني على الفتح؛ نحو: {لَيُنْبَذَنَّ}
(4)
. وأما غير المباشرة فإنه معرب معها تقديرًا؛ نحو: {لَتُبْلَوُنَّ} . {فَإِمَّا تَرَيْنَ} ، {وَلا تَتَّبِعَانِ}
(5)
.
(1)
لأن مضارعه كذلك؛ نحو: لم يضربا، مما فيه ألف الاثنين، وكذلك إذا كان فيه واو جماعة؛ نحو: اخرجوا، أو ياء مخاطبة؛ نحو: اسمعي.
(2)
لأن المضارع المعتل الآخر يجزم بحذف آخره؛ واوا كان الآخر، أو ألفًا أو ياء؛ نحو: لم يدع، ولم يخش، ولم يرم. وبقيت حالة رابعة وهي: البناء على فتح آخره، إذا اتصلت به نون التوكيد؛ نحو: اهجرن البذيء، وما ذكر من بناء الأمر مذهب البصريين، ويرى الكوفيون -كما في المغني- أن فعل الأمر معرب وجزمه بلام أمر محذوفة؛ فأصل "قم" -مثلًا- لتقم، حذفت لام الأمر وحرف المضارعة.
(3)
أي: التي لم يفصل بينها وبين الفعل فاصل؛ ظاهرا كان؛ كألف الاثنين، أم مقدرًا، كواو الجماعة، وياء المخاطبة كما سيأتي، وإلا كان معربًا. أما نون النسوة فلا يكون اتصالها به إلا مباشرًا.
(4)
مثله: كل فعل مؤكد مسند للواحد. ويبنى على الفتح لتركبه مع النون تركيب خمسة عشر.
(5)
"لتبلون" فعل مضارع مبني للمجهول مؤكد بالنون مسند لواو الجماعة، من البلاء؛ بمعنى الاختبار، وأصله قبل التوكيد:"لتبلوون" بواوين؛ واو الفعل وواو الجماعة، تحركت الأولى، وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا، ثم حذفت للساكنين، ثم أكد بالنون، فصار "لتبلونن" حذفت نون الرفع لتوالي الأمثال، فالتقى ساكنان، وتعذر حذف واحد منهما؛ لأن الواو للجماعة، والنون جيء بها لغرض؛ فحركت الواو بحركة تجانسها هي الضمة. =
والحروف كلها مبنية
(1)
.
= و"ترين" مضارع مؤكد مسند لياء المخاطبة، وأصله قبل التوكيد:"ترأيين" نقلت حركة الهمزة إلى الساكن قبلها وهو الراء، ثم حذفت الهمزة تخفيفًا، فصار "تريين"، قلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت لالتقاء الساكنين فصار "ترين"، ثم دخل الجازم فحذف النون، وأكد، فالتقى ساكنان، وتعذر حذف أحدهما لما مر، فحركت الياء بالكسرة للمجانسة فصار:"ترين". و"تتبعان" مضارع مسند لألف الاثنين، وأصله قبل دخول لا الناهية للتوكيد. "تتبعان" دخل الجازم، فحذف نون الرفع، ثم أكد، فالتقى ساكنان، فحركت نون التوكيد بالكسر، ولم تحذف الألف؛ لئلا يلتبس بالواحد، ولم تحرك؛ لأنها لا تقبل الحركة. وقد تبين أن النون لم تباشر الفعل في هذه الأمثلة؛ للفصل بواو الجماعة، وياء المخاطبة، وألف الاثنين. ولذلك أعرب إعرابًا تقديريا في "لتبلون"؛ لأن علامة الرفع -وهي النون- محذوفة مقدرة الثبوت، ولفظيًا في "ترين" و"تتبعان"؛ لأن حذف النون فيهما للجازم. ويتضح مما تقدم أن للمضارع حالتين: الإعراب؛ بشرط ألا تباشره نون التوكيد، أو نون النسوة، والبناء؛ إما على الفتح إذا باشرته نون التوكيد، أو على السكون إذا اتصلت بآخره نون النسوة. وتعرف المباشرة من غيرها: بأن المضارع إذا كان مرفوعًا بالضمة قبل دخول نون التوكيد، فإنه يبنى بعد مجيئها؛ لأن الاتصال يكون مباشرًا، وإذا كان مرفوعًا بالنون قبل دخولها، فلا يبنى؛ لوجود الفاصل الظاهر أو المقدر، وهو الضمير. وفي بناء الأمر والماضي، وإعراب المضارع غير المباشر لإحدى النونين، يقول ابن مالك:
وفعل أمر ومُضيٍّ بنيا
…
وأعربوا مضارعا إن عَرِيا
من نون توكيد مباشر، ومن
…
نون إناث؛ كَيَرعْنَ من فُتِن*
أي: إن فعل الأمر والفعل الماضي مبنيان. والمضارع معرب إن خلا من نون التوكيد المباشرة، ومن نون الإناث؛ كيرعن من قولك: النساء يرعن -أي: يخفن- من فتن بهن.
(1)
لأن الحرف وحده لا يؤدي معنى في نفسه، فلا ينسب إليه أي فعل. وعلى ذلك فلا تتوارد عليه معان يحتاج في التمييز بينها إلى الإعراب.
* "وفعل أمر" مبتدأ ومضاف إليه. "ومضي" معطوف على أمر. "بنيا" ماض مبني للمجهول والألف ضمير الاثنين نائب فاعل والجملة خبر المبتدأ. "وأعربوا مضارعًا" فعل وفاعل ومفعول. "إن حرف شرط جازم "عريا" -أي: خلا- فعل الشرط في محل جزم، والألف للإطلاق، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام -أي: إن المضارع من النون أعرب، ومعنى عري: خلا. "من نون" متعلق بعري "توكيد" مضاف إليه. "مباشر" نعت لنون "ومن نون إناث" معطوف على ما قبله ومضاف إليه "كيرعن" -أي: يخفن- خبر لمبتدأ محذوف، وقد تقدم مثله، والنون للنسوة. "من" اسم موصول مفعول يرعن باعتباره فعلًا قبل أن نقصد لفظه مع باقي الجملة من الفاعل ونائب الفاعل صلة الموصول لا محل لها.
فصل: وأنواع البناء أربعة
(1)
أحدها: السكون: وهو الأصل
(2)
ويسمى أيضًا وقفًا. ولخفته دخل في الكلم الثلاث؛ نحو: هل، وقم، وكم.
والثاني: الفتح: وهو أقرب الحركات إلى السكون؛ فلذا دخل أيضًا في الكلم الثلاث، نحو: سوف، وقام
(3)
، وأين.
والنوعان الآخران هما الكسر، والضم: ولثقلهما وثقل الفعل
(4)
لم يدخلا فيه، ودخلا في الحرف والاسم
(5)
؛ نحو: لام الجر، وأمس، ونحو:"منذ" في لغة من جر بها أو رفع؛ فإن الجارة حرف، والرافعة اسم
(6)
.
(1)
المراد أنواع البناء الأصلية. والبناء: لزوم آخر الكلمة حالة واحدة.
(2)
أي: لخفته، واستصحابًا للأصل وهو عدم الحركة. قال الناظم في ذلك:
وكل حرف مستحق للبنا
…
والأصل في المبني أن يسكنا*
(3)
مثال للماضي المجرد، ويكون في المضارع والأمر عند وجود نون التوكيد في آخرهما.
(4)
لدلالته على الحدوث والزمان، وحاجته للفاعل.
(5)
أي: لخفتهما، وذلك بدلالتهما على شيء واحد.
(6)
سيأتي الكلام عليها في باب "حروف الجر" وإلى باقي أنواع البناء الأربعة، يشير الناظم
بقوله: ومنه ذو فتح وذو كسر وضم
…
كأين أمس حيث والساكن كم*
* "وكل حرف" مبتدأ ومضاف إليه. "مستحق" خبر "للبنا" متعلق بمستحق "والأصل" مبتدأ. في المبني "متعلق به "أن مصدرية. "يسكنا". مضارع منصوب بأن ونائب الفاعل يعود إلى المبني والألف للإطلاق وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر المبتدأ.
فصل: الإعراب أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل في آخر الكلمة
(1)
وأنواعه أربعة: "رفع" و"نصب" في اسم وفعل؛ نحو: زيد يقوم، وإن زيدًا لن يقوم، و"جر" في اسم نحو: لزيد و"جزم" في فعل نحو: لم يقم
(2)
.
ولهذه الأنواع الأربعة علامات أصول؛ وهي: الضمة للرفع
(3)
، والفتحة للنصب والكسرة للجر، وحذف الحركة للجزم.
(1)
- هذا تعريف للإعراب على أنه لفظي، وتقدم تعريفه على أنه معنوي، في أول "المعرب والمبني" والمراد بالأثر: ما يحدثه العامل من الحركات الثلاث أو السكون وما ينوب عنها، وبالظاهر: ما يلفظ به، وبالمقدر: ما ينوى من ذلك؛ كالضمة والفتحة والكسرة في نحو:
الفتى. والنون في مثل: لتبلون كما سبق ويراد بالكلمة: الاسم والفعل المعربان.
(2)
وإلى هذه الأنواع الأربعة يشير الناظم بقوله:
والرفع والنصب اجعلن إعرابًا
…
لاسم وفعل نحو لن أهابا
والاسم قد خصص بالجر كما
…
قد خصص الفعل بأن ينجزما*
(3)
أي: إن الضم علامة للرفع فيقال في الإعراب مرفوع وعلامة رفعه الضمة، وكذلك منصوب وعلامة نصبه الفتحة .. إلخ. ولا يقال: إن الضمة والفتحة والكسرة والسكون أنواع بناء، فكيف تكون علامات أنواع الإعراب؟ لأنا نقول: إن مطلق الضم وما عطف عليه أعم؛ فإن كان لعامل فإعراب، وإلا فبناء.
* "ومنه" خبر مقدم "ذو فتح" مبتدأ مؤخر ومضاف إليه "وذو كسر" معطوف على ما قبله "وضم" معطوف على كسر بتقدير مضاف، أي: وذو ضم "كأين" مقصود لفظه خبر لمبتدأ محذوف "أمس حيث" معطوفان على "أين" بحذف العاطف "والساكن كم" مبتدأ وخبر.
* "والرفع" مفعول أول مقدم لا جعلن "والنصب" معطوف عليه "اجعلن" فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة "إعرابًا" مفعول ثان لاجعلن "لاسم" متعلق بإعرابًا "وفعل" معطوف على اسم، "نحو" خبر لمبتدأ محذوف. "والاسم" مبتدأ، "قد خصص بالجر" الجملة في محل رفع خبر "كما" الكاف جارة، وما مصدرية "قد خصص الفعل" الجملة من الفعل ونائب الفاعل في تأويل مصدر مجرور بالكاف "بأن" الباء جارة، وأن حرف مصدري ونصب "ينجزما" منصوب بأن والألف للإطلاق والجملة في تأويل مصدر مجرور بالباء.
وعلامات فروع
(1)
عن هذه العلامات؛ وهي واقعة في سبعة أبواب:
(1)
عدتها عشر علامات: ينوب في بعضها حركة فرعية عن حركة أصلية، وفي بعضها حرف عن حركة أصلية، وفي ثالث حذف حرف عن سكون، وتنحصر هذه الفروع النائية فيما يأتي؛ فينوب عن الضمة ثلاثة: الواو والألف والنون، وعن الفتحة أربعة: الكسرة والألف والياء وحذف النون، وعن الكسرة اثنان: الفتحة والياء، وعن السكون واحدة وهي الحذف؛ ويشمل: "حذف حرف العلة في آخر المضارع المعتل، وحذف النون في الأفعال الخمسة المجزومة، وفي العلامات الأصول والفروع بقول الناظم:
فارفع بضم وانصبن فتحا وجر
…
كسرًا كذكر الله عبده يسر
واجزم بتسكين وغير ما ذكر
…
ينوب نحو جا أخو بني نمر*
أي: أن الرفع يكون بالضمة، والنصب بالفتحة، والجر بالكسرة، والجزم بالسكون، وما عدا ذلك يكون نائبًا عنه؛ مثل:"جا أخو بني نمر" فقد نابت الواو عن الضمة في "أخو"، والياء عن الكسرة في "بني". والمواضع التي تقع فيها النيابة سبعة، سماها المصنف أبوابًا.
* "فارفع" فعل أمر. "بضم" متعلق به. "وانصبن" أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد. "فتحًا" منصوب بنزع الخافض، وكذلك كسر "كذكر الله" خبر لمبتدأ محذوف ومضاف إليه. "عبده" مفعول لذكر وهو مصدر مضاف للهاء. "يسر" فعل مضارع فاعله يعود على ذكر والجملة خبر المبتدأ. "واجزم" فعل أمر معطوف على ارفع. "بتسكين" متعلق به "وغير " مبتدأ "ما" اسم موصول مضاف إليه "ذكر" الجملة من الفعل ونائب الفاعل صلة ما. "ينوب" الجملة خبر المبتدأ، وفاعل ينوب يعود على غير "نحو" خبر لمبتدأ محذوف "جاء" فعل ماض قصر للضرورة. "أخو" فاعل مرفوع بالواو. "بني" مضاف إليه. "نمر" مضاف إليه لبني، وسكن، لأجل الروي.
الباب الأول: باب الأسماء الستة
(1)
فإنها ترفع بالواو، وتنصب بالألف، وتخفض بالياء.
وهي: "ذو" بمعنى صاحب
(2)
، و"الفم" إذا فارقته الميم
(3)
، والأب، والأخ،
(1)
يسميها بعض النحاة الأسماء الستة المعتلة الآخر؛ لأن آخرها واو محذوفة تخفيفًا فيما عد "ذو".
(2)
قيد بذلك لتخرج "ذو" التي بمعنى الذي؛ فإنها مبنية على الأصح.
(3)
يريد ما يدل عليه العضو المخصوص المعروف بالفم -وهو "فوك"- لا لفظ الفم؛ لأنه إذا فارقته الميم بقيت الفاء وحدها، وهي لا تعرب أصلًا.
والحم
(1)
، والهن
(2)
. ويشترط -في غير ذو- أن تكون مضافة لا مفردة، فإن أفردت أعربت بالحركات؛ نحو:{وَلَهُ أَخ} و {إِنَّ لَهُ أَبًا} و {وَبَنَاتُ الأَخِ}
(3)
.
فأما قوله:
خالط من سلمى خياشيم وفا
(4)
فشاذ، والإضافة منوية، أي: خياشيمها وفاها. واشترط في الإضافة أن تكون لغير الياء، فإن كانت للياء أعربت بالحركات المقدرة؛ نحو:{وَأَخِي هَارُونُ} ، {إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي}
(5)
.
(1)
هو كل قريب للزوج أو الزوجة وقد قصره العرف على الوالد.
(2)
معناه: شيء، أو شيء يسير، أو تافه. تقول: هذا هنك؛ أي: شيئك، ويكنى به عن كل ما يستقبح ذكره.
(3)
من الآيات 12 من سورة النساء، و 78 من سورة يوسف، و 23 من سورة النساء.
(4)
ينسب النحاة هذا الشاهد للعجاج الراجز المشهور، في وصف الخمر، ولم نجده في ديوانه، وهو عجز بيت من الرجز، وصدره:
حتى تناهى في صهاريج الصفا
اللغة والإعراب: صهاريج: جمع صهريج، وهو حوض يجتمع فيه الماء. خالط: امتزج. خياشيم: جمع خيشوم؛ وهو الأنف، أو أقصاه. "فا" المراد:"فاها". "تناهى" الفاعل يعود على الماء الممزوج بالخمر في الأبيات قبله، وكذلك فاعل خالط. "خياشيم" مفعول خالط "وفا" معطوف على خياشيم.
المعنى: كأن هذه الخمر التي وصفها امتزجت بريح خياشيم سلمى وريقة فمها، حتى وصلت إلى هذه الجودة وطيب النكهة.
الشاهد: في قوله "فا"؛ فإنه معطوف على خياشيم، وهو منصوب بالألف نيابة عن الفتحة، مع أنه غير مضاف في اللفظ إلى شيء، وشرط إعراب الأسماء الستة بالحروف الإضافة. وقد أجاب المصنف؛ بأن هذا شاذ، أو مضاف إلى ضمير محذوف عائد على المحبوبة كما بين.
(5)
من الآيتين: 34 من سورة القصص، و 25 من سورة المائدة، و"أخي" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على الخاء منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، وياء المتكلم مضاف إليه. "هارون" بدل من أخي أو عطف بيان. "هو أفصح مني لسانًا" الجملة خبر المبتدأ. أما "أخي" في الآية الثانية، فيجوز فيه النصب عطفًا على الياء المجرورة بإضافة "نفسي"، والواقع مفعولًا لأملك، والجر عطفًا على الياء المجرورة بإضافة "نفسي"، والرفع على أنه مبتدأ حذف خبره؛ أي: وأخي لا يملك إلا نفسه، أو أنه معطوف على الضمير في "أملك".
و"ذو" ملازمة للإضافة لغير الياء
(1)
، فلا حاجة إلى اشتراط الإضافة فيها. وإذا كانت "ذو" موصولة لزمتها الواو
(2)
، وقد تعرب الحروف
(3)
؛ كقوله:
فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا
(4)
(1)
أي: من أسماء الأجناس الظاهرة التي ليست وصفًا؛ نحو: معلمي ذو فضل على؛ فلا تضاف إلى الأعلام، ولا إلى الضمائر، ولا إلى الجمل، ولا إلى الصفات، إلا ما شذ من ذلك كله.
(2)
أي: غالبًا في أحوالها المختلفة، وتكون مبنية على السكون في محل رفع أو نصب أو جر.
(3)
أي: مثل إعراب "ذي" بمعنى صاحب.
(4)
عجز بيت من الطويل لمنظور بن سحيم الفقعسي، شاعر إسلامي. وصدره.
فإما كرام موسرون لقيتهم
اللغة والإعراب: "إما" حرف شرط وتفصيل. "كرام" فاعل لفعل محذوف يفسره السياق؛ أي: إما قابلني كرام، أو خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: فالناس إما كرام، بدليل وإما لئام. "موسرون لقيتهم" صفتان لكرام، أو كرام: مبتدأ نكرة خصص بالوصف، وجملة "لقيتهم" خبر. "فحسبي" الفاء واقعة في جواب الشرط، وحسبي: اسم فعل بمعنى كافيني، خبر مقدم "من "جارة. "ذي" اسم موصول مجرور بالياء. "عندهم" ظرف ومضاف إليه متعلق بمحذوف صلة. "ما" اسم موصول مبتدأ مؤخر، ويجوز أن يكون "حسبي" مبتدأ، و"ما" خبر. "كفانيا" الجملة صلة ما، والألف للإطلاق.
المعنى: هؤلاء الناس الذين لقيتهم ونزلت عندهم؛ إما أن يكونوا كرامًا أصحاب ثراء، فالذي يصلح حالي، ويقوم بمعيشتي من عطائهم، كافي وحسبي، ولا أبتغي زيادة عليه. وبعد هذا البيت.
وإما كرام معسرون عذرتهم
…
وإما لئام فادخرت حيائيا
أي: وإما معسرون فأعذرهم، وإما لئام أشحاء فأدخر حيائي وعرضي ولا أسألهم شيئا.
الشاهد: في "ذي" فإنها هنا اسم موصول بمعنى "الذي" معرب مجرور بالياء في لغة طيئ، مثل "ذي" بمعنى صاحب. وروى "من ذو" على أنها مبنية على سكون الواو بمعنى "الذي" لأنها في محل جر بمن.
وإذا لم تفارق الميم "الفم" أعرب بالحركات الثلاث
(1)
.
فصل: والأفصح في "الهن" النقص؛ أي: حذف اللام
(2)
؛ فيعرب بالحركات
(3)
، ومنه الحديث:"من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا"
(4)
. ويجوز النقص في الأب، والأخ، والحم. ومنه قوله:
بأبه اقتدى عدي في الكرم
…
ومن يشابه أبه فما ظلم
(5)
(1)
سواء كانت مفردة أو مضافة، تقول: محمد أطيب الناس فمًا. ومنه قوله عليه السلام: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" والخلوف: التغير. يقال: خلف فم الصائم، تغيرت رائحته. وخلف اللبن والطعام، إذا تغير طعمه أو ريحه وما به دخل.
(2)
أي: الواو منه.
(3)
أي: الظاهرة على النون، فتقول: هذا هنك -ورأيت هنك- ونظرت إلى هنك.
(4)
تعزى: انتسب وانتمى. عزاء الجاهلية: هو أن يقول الشخص: يا لفلان ليخرج الناس معه إلى القتال بغير حق. فأعضوه: فعل أمر من الثلاثي المزيد، وهمزته همزة قطع؛ أي: قولوا له: اعضض وتمسك بهن أبيك؛ أي: بذكره؛ الذي انتسبت إليه، وذلك استهزاء به ولا تكنوا: لا تذكروا كناية الذكر؛ وهو الهن، بل اذكروا له الاسم الصريح.
الشاهد: استعمال الهن منقوصًا معربًا بالحركات الظاهرة.
(5)
بيت من الرجز، ينسب لرؤبة بن العجاج، يمدح عدي بن حاتم الطائي.
اللغة والإعراب: اقتدى به: اتبعه وجعله إمامه وقدوة له. فما ظلم، أي: ما ظلم أمه باتهامها فيه؛ لأنه جاء على مثال أبيه. "بأبه" جار ومجرور متعلق باقتدى، وهو مضاف إلى الضمير. "عدي" فاعل اقتدى. "ومن" اسم شرط جازم مبتدأ. "يشابه" الجملة فعل الشرط. "أبه" مفعول منصوب بالفتحة مضاف إلى الهاء. "فما ظلم" الفاء واقعة في جواب الشرط، و"ما" نافية، وسكن ظلم للقافية، وجملة الشرط وجوابه خبر المبتدأ.
المعنى: أن عديا اقتدى بأبيه حاتم، وسلك طريقه في الجود والكرم، فدل بذلك على أنه ابنه حقيقة، وكل من يشبه أباه يحسن إلى أمه ولا يظلمها باتهامها فيه. وقيل: معنى ما ظلم، أي: ما ظلم أباه بتضييع صفته وشبهه.
الشاهد: استعمال "أب" منقوصًا مجرورًا بالكسرة الظاهرة في "بأبه" ومنصوبًا بالفتحة في "أبه" مع أنهما مضافان إلى ضمير الغائب. وهذه لغة تميم وتسمى لغة النقص.
وقول بعضهم في التثنية: أبان وأخان
(1)
. وقصرهم أولى من نقصهن؛ كقوله:
إن أباها وأبا أبها
(2)
(1)
مثنى أب، وأخ، بدون نظر إلى اللام المحذوفة؛ كما قيل في تثنية "يد" و"دم": يدان ودمان.
(2)
شاهد من الرجز لأبي الفضل بن قدامة العجلي الراجز. وقيل: لبعض أهل اليمن. وتمامه:
قد بلغا في المجد غايتاها
وقبله:
واها لسلمى ثم واها واها
…
هي المنى لو أننا نلناها
يا ليت عينا لنا وفاها
…
بثمن نرضي به أباها
اللغة والإعراب: واها: اسم فعل مضارع بمعنى أعجب. المجد: الشرف ورفعة النسب. "أباها" اسم إن منصوب بفتحة مقدرة على الألف للتعذر "وأبا" معطوف على أباها منصوب كذلك. "أباها" الثانية مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على الألف "غايتاها" مفعول بلغ منصوب بفتحة مقدرة على الألف للتعذر. وجاء على لغة من يلزم المثنى الألف، والضمير للمجد مضاف إليه، وأنث باعتبار الصفة أو الرتبة. والمراد بالغايتين: المبدأ والنهاية، أو غاية المجد في النسب، وغايته في الحسب. وقيل: الألف بعد التاء للإشباع لا للتثنية.
المعنى: يصف الشاعر والد محبوبته وجدها بأنهما بلغا الغاية في المجد والسؤدد.
الشاهد: لزوم الألف في "أباها" على لغة القصر في الأسماء الستة. وهذا صريح =
وقول بعضهم: مكره أخاك لا بطل
(1)
وقولهم للمرأة: "حماة"
(2)
.
= وواضح في "أباها" الثالثة؛ لأن موضعها خفض بإضافة "أبا" الثانية إليها. أما الأولى والثانية فبالقرينة. ويجوز إجراؤها على لغة الإتمام؛ لأنهما منصوبان، ويكون نصبهما بفتحة مقدرة على الألف للتعذر على لغة القصر أو بالألف نيابة عن الفتحة على الإتمام، ويكون من باب التلفيق، وهو بعيد في اللغات.
تنبيه: قيل في إعراب "لا أبا له"، و"لا أبا لي" ونحوهما مما وقعت فيه بعد "أبا" لام الجر: إن "أبا" اسم "لا" مبني على الألف على لغة من يلزم الأسماء الستة الألف، وحذف التنوين منها للبناء، و"له" متعلق بمحذوف خبر. وهذا خير من جعل "أبا" منصوبًا بالألف ومضافًا إلى الضمير بعدها، واللام بينهما زائدة، لما فيه من جعل اسم "لا" الجنسية معرفة لإضافته للضمير. وهذا التركيب قد يراد به المبالغة في المدح؛ بمعنى أنه معجزة، أو المبالغة في الذم؛ أي: إنه لا ينسب لأب شرعي.
(1)
هذا مثل عربي يضرب للرجل يضطر إلى عمل ما ليس من شأنه، وقد تمثل به عمرو بن العاص لعلي بن أبي طالب؛ حين حمله معاوية على مبارزته في واقعة صفين، وذكر الأخ للاستعطاف، وقد حمل هذا عليا على الإعراض عنه حين التقيا. "مكره" اسم مفعول خبر مقدم. "أخاك" مبتدأ مؤخر مرفوع بضمة مقدرة على الألف. "لا" عاطفة. "بطل" معطوف بلا على مكره.
الشاهد: في "أخاك" حيث جاء بالألف، وهو في موضع رفع، مما يدل على أنه مقصور معرب بحركات مقدرة عليها.
(2)
فإن هذا يقتضي أن يقال لرجل: "حما"، بحذف التاء وألف مقصورة ويقدر الإعراب على الألف مثل "فتى"؛ لأن صيغة المؤنث هي صيغة الذكر بزيادة التاء. ومجمل ما ذكره المصنف: أن الأسماء الستة ثلاثة أقسام من حيث الإعراب: ما فيه ثلاث لغات الإتمام والنقص والقصر؛ وهو: الأب، والأخ، والحم". وما فيه لغتان: الإتمام والنقص، وهو:"الهن" والنقص أحسن. وما فيه لغة واحدة؛ هي الإتمام؛ وهو: "ذو" بمعنى صاحب و"الفم" بغير الميم.
ويشترط لإعراب هذه الأسماء بالحروف، علاوة على ما ذكر: أن تكون مكبرة؛ فلو =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= صغرت أعربت كذلك بالحركات الظاهرة، وأن تكون مفردة؛ فلو كانت مجموعة جمع تكسير أعربت كذلك بالحركات. وإن كانت مثناة، أو مجموعة جمع سالم لمذكر أعربت إعرابهما. وفي إعراب هذه الأسماء وشروطها ولغاتها يقول الناظم:
وارفع بواو وانصبن بالألف
…
واجرر بياء ما من الأسماء أصف
من ذاك "ذو" إن صحبة أبانا
…
و"الفم" حيث الميم منه بانا
أب أخ حم كذاك و"هن"
…
والنقص في هذا الأخير أحسن
وفي "أب" وتالييه يندر
…
وقصرها من نقصهن أشهر
وشرط ذا الإعراب أن يضفن لا
…
لليا كجا أخو أبيك ذا اعتلا*
بين في البيت الأول الحروف الثلاثة النائبة عن الحركات الأصلية، وهي: الواو والألف والياء. وأوضح في الثاني أن من الأسماء الستة، التي ذكر في البيت الأول أنه سيصفها:"ذو" بشرط أن يكون بمعنى صاحب، و"فم" بشرط أن تنفصل منه الميم. وذكر أربعة في البيتين: الثالث والرابع، وأن النقص في "هن" أحسن من الإعراب بالحروف. أما في الثلاثة الأخرى فالنقص فيها جائز، والقصر أحسن، وفي الخامس ذكر من شروطها: أن تكون مضافة لغير ياء المتكلم. وبقية الشروط بينها المصنف.
* "وارفع" فعل أمر. بواو متعلق به. "وانصبن بالألف" مثل ما قبله "ما" اسم موصول في محل نصب، تنازعه كل من ارفع، وانصب، واجرر. وقد أعمل الأخير لقربه وحذف الضمير مما قبله "من الأسماء". متعلق بأصف، وجملة أصف صلة الموصول والعائد محذوف. "من ذاك" جار ومجرور خبر مقدم. "ذو" مبتدأ مؤخر، مرفوع بضمة مقدرة على الواو لقصد لفظه. "إن" حرف شرط محذوف؛ أي: إن أبان "ذو" صحبة فارفعه بالواو "والفم" معطوف على ذو. "حيث" ظرف مكان. "الميم" مبتدأ. "منه" متعلق بانا. "بانا" أي: انفصل؛ ماض فاعله يعود على الميم، والألف للإطلاق والجملة خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر في محل جر بإضافة حيث إليها. "أب" مبتدأ "وهن" مبتدأ حذف خبره؛ أي: كذاك. "والنقص" مبتدأ. "في هذا" متعلق بالنقص، أو بأحسن. "الأخير" بدل أو عطف بيان من اسم الإشارة. "أحسن" خبر المبتدأ. وفي أب" متعلق بيندر. و"وتالييه" معطوف على أب. "يندر" فعل وفاعله يعود على النقص. "وقصرها" مبتدأ مضاف إلى الهاء "من نقصهن" متعلق بأشهر الواقع خبرا للمبتدأ. "وشرط" مبتدأ "ذا" اسم إشارة مضاف إليه "الإعراب" بدل أو عطف بيان:"أن يضفن" الجملة من الفعل ونائب الفاعل وهو نون النسوة، في تأويل مصدر خبر المبتدأ "لا" عاطفة؛ "لليا" معطوف على متعلق يضفن المحذوف؛ أي: يضفن لأي اسم ظاهر أو مضمر، لا لليا "كجا" خبر لمبتدأ محذوف. "أخو أبيك" فاعل ومضافع إليه "ذا" حال -بمعنى صاحب- من أخو. "اعتلا" مضاف إليه، وقصر للضرورة.
الباب الثاني: المثنى
(1)
وهو ما وضع لاثنين وأغنى عن المتعاطفين: كالزيدان والهندان؛ فإنه يرفع بالألف،
(1)
يعرفونه بأنه: اسم يدل على اثنين متفقين في الحركات والحروف والمعنى؛ بسبب زيادة في آخره تغني عن العاطف والمعطوف. وهذه الزيادة هي: الألف والنون المكسورة رفعًا أو الياء المفتوحة والنون المكسورة نصبًا وجرا، ويشترط في كل ما يثني ثمانية شروط:
أ- أن يكون معربًا؛ أما هذان، وهاتان، واللذان، واللتان، فقد وردت هكذا عن العرب، فلا يقاس عليها.
ب- أن يكون مفردًا؛ فلا يثنى جمع المذكر ولا جمع المؤنث. وقد يثنى جمع التكسير واسم الجنس أحيانًا؛ نحو: "جمالين، وركبين" في تثنية جمال وركب، بقصد الدلالة على التنويع.
جـ- أن يكون نكرة؛ فلا يثنى العلم باقيًا على علميته.
د- أن يكون غير مركب؛ فلا يثنى المركب الإسنادي بنفسه، وإنما يثني بطريق آخر؛ وهو أن يؤتى بكلمة "ذو" للمذكر، و"ذات" للمؤنث؛ لتوصيل معنى التثنية إليه، فترفع بالألف، وتنصب وتجر بالياء، وتضاف إلى المركب؛ فتقول: جاء ذوا "محمد مسافر"، وذواتا "زينب مسافرة"، ورأيت ذوي، وذواتي، ونظرت إلى ذوي وذواتي. والمضاف إليه في ذلك كله مجرور بكسرة مقدرة منع منها حركة الحكاية. ومثله المركب المزجي على الصحيح. ومن العرب من يعربه بالحروف؛ كالمثنى الحقيقي، فيقول: بعلبكان، وبعلبكين. أما المركب الإضافي؛ كعبد الله، فيثني صدره مع إعرابه بالحروف، ويبقى المضاف إليه على حاله.
هـ- أن يكون له موافقًا في اللفظ، موافقة تامة في عدد الحروف وضبطها. أما الأبوان للأب والأم، والعمران: لعمر بن الخطاب، وعمرو بن هشام، المعروف بأبي جهل، فمن باب التغليب.
و- أن يكون له موافق في المعنى؛ فلا يثنى المشترك؛ فلا تقول: العينين؛ للباصرة، والجارية "البئرة" ولا الحقيقة والمجاز، وأما قولهم: القلم أحد اللسانين، فشاذ.
ز- أن يكون له ثان في الكون، والوجود؛ فلا يثني الشمس والقمر. وقولهم: القمران، من باب المجاز والتغليب. =
ويجر وينصب بالياء المفتوح ما قبلها، المكسور ما بعدها
(1)
.
= ح- ألا يستغنى عن تثنيته بتثنية غيره؛ فلا تثنى "سواء" ولا "بعض"؛ لأنهم استغنوا عنهما بتثنية "سي". و "جزء"؛ فقالوا: سيان وجزءان. وكذلك لا تثنى كلمة "أجمع"، و"جمعاء" في التوكيد؛ استغناء بكلا وكلتا فيه.
وقد جمع بعضهم هذه الشروط في بيتين مشهورين،، نذكرهما إتمامًا للفائدة، وهما:
شرط المثنى أن يكون معربا
…
ومفردا، منكرا، ما ركبا
موافقا في اللفظ والمعنى له
…
مماثل لم يغن عنه غيره
(1)
هذا الإعراب هو أشهر الأقوال وأقواها، ويحسن الاقتصار عليه. ومن العرب من يلزم المثنى وملحقاته الآتية، غير كلا وكلتا، الألف في جميع الأحوال، ويعرب بحركات مقدرة عليها إعراب المقصور. وهذه لغة بني كنانة. وخرج عليه قوله تعالى:{إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} . ومنهم من يلزمه الألف والنون في جميع الحالات، مع إعرابه بحركات ظاهرة على النون كأنه اسم مفرد.
وحملوا عليه أربعة ألفاظ: "اثنين، واثنين" مطلقًا
(1)
، وكلا، وكلتا "مضافين لمضمر
(2)
،
(1)
أي: سواء أكانا مفردين عن الإضافة، أم مركبين مع العشرة؛ نحو: انقضى اثنا عشر يومًا واثنتا عشرة ليلة؛ فتعرب "اثنا واثنتا" على حسب موقعهما إعراب ليثنى، أما "عشر" فمبني على الفتح لا محل له من الإعراب؛ لأنه بدل من نون المثنى وهي حرف، أم مضافين إلى ظاهر أم إلى ضمير. ويمتنع إضافتهما إلى ضمير تثنية؛ فلا يقال: جاء الرجلان أثناهما، والمرأتان اثنتاهما.
(2)
لا تعرب "كلا، وكلتا" بالحروف إلا إذا كانتا للتوكيد، وذلك يستلزم إضافة كل منهما إلى ضمير يطابق المؤكد؛ نحو: جاء الطالبان كلاهما، وقطعت الوردتين كلتيهما؛ فـ "كلا وكلتا" مرفوعان بالألف؛ لأنهما ملحقان بالمثنى. و"هما" مضاف إليه هذا: ولفظهما مفرد، ومعناهما مثنى؛ فيجوز في الضمير العائد عليهما وفي الخبر ونحوه: الإفراد والتثنية، تقول: كلا الرجلين سافر؛ أو سافرا. وكلا الطالبين نبيه، أو نبيهان. والأكثر مراعاة للفظ. ويتعين الإفراد ومراعاة اللفظ في مثل: كلانا غني عن أخيه، من كل موضع ينسب فيه إلى كل واحد من الاثنين ما ينسب إلى الآخر.
فإن أضيفا إلى ظاهر لزمتهما الألف
(1)
.
(1)
أي: في الأحوال الثلاثة، ولا يكونان للتوكيد، ويعربان بحركات مقدرة عليها إعراب المقصور على حسب الجملة "فاعلا، أو مفعولا، أو مبتدأ أو خبرا
…
إلخ". هذا ويلحق بالمثنى أيضًا ما يسمى به منه؛ مثل: حمدان، بدران، مروان، محمدين. فهذه أو مثالها ملحقة بالمثنى وليست مثنى حقيقيا. وفي إعرابها وجهان: "أحدهما" حذف علامتي التثنية منها، وإعرابها بعد ذلك بالحروف كالمثنى؛ تقول: سافر بدران، وقابلت بدرين، وتحدثت إلى بدرين. وهذا الوجه فيه لبس؛ لأنه يوهم أنه مثنى. "والثاني" إعرابها إعراب ما لا ينصرف بحركات ظاهرة فوق النون؛ فترفع بالضمة، وتنصب وتجر بالفتحة من غير تنوين، للعلمية وزيادة الألف والنون؛ وإذا دخل عليها "أل" للضرورة جرت بالكسرة. وفي المثنى والملحق يقول الناظم:
بالألف ارفع المثنى و"كلا"
…
إذا بمضمر مضافا وصلا
"كلتا" كذاك "اثنان واثنتان"
…
كابنين وابنتين يجريان
وتخلف اليا في جميعها الألف
…
جرا ونصبًا بعد فتح قد ألف*
أي: إن المثنى يرفع بالألف و"كلا" كذلك إذا وصلت بمضمر وهي مضافة إليه، و"كلتا" كذلك. أما "اثنان واثنتان" فتجريان في التثنية؛ كابنين وابنتين، المثنيين حقيقة. وتحل الياء في كل ما سبق محل الألف في حالتي الجر والنصب، وما قبلها يكون مفتوحًا، وتكون الياء نيابة عن الفتحة وعن الكسرة.
* "بالألف" متعلق بارفع. "المثنى" مفعول ارفع. "وكلا" معطوف عليه "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط. "بمضمر" متعلق موصل. "مضافا" حال من ضمير وصل. "وصلا" ماض للمجهول ونائب الفاعل يعود على كلا، والألف للإطلاق، والجملة في محل جر بإضافة إذا، وجواب الشرط محذوف، والتقدير: إذا وصل "كلا" بمضمر حال كونه مضافا إلى ذلك المضمر، فارفعه بالألف. "كلتا كذاك" مبتدأ وخبر. "اثنان واثنتان" ومعطوف عليه. "كابنين" جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الألف في يجريان. "وابنتين" مبتدأ ومعطوف على ابنين. "يجريان" مضارع مرفوع بثبوت النون والألف فاعل، والجملة خبر المبتدأ وما عطف عليه. "وتخلف الياء" فعل وفاعل. "في جميعها" متعلق بتخلف وهو مضاف إلى الهاء. "الألف" مفعول تخلف وسكن للقافية. "جرا" مفعول لأجله. "ونصبا" معطوف على جرا. "بعد" ظرف متعلق بتخلف. "فتح" مضاف إليه "قد ألف" قد حرف تحقيق، والجملة من الفعل ونائب الفاعل في محل جر نعت لفتح.
الباب الثالث: باب جمع المذكر السالم
(1)
كالزيدون والمسلمون، فإنه يرفع بالواو
(2)
، ويجر وينصب بالياء المكسور ما قبلها
(3)
، المفتوح ما بعدها. ويشترط في كل ما يجمع هذا الجمع ثلاثة شروط
(4)
:
أحدها: الخلو من تاء التأنيث؛ فلا يجمع نحو: طلحة وعلامة
(5)
.
الثاني: أن يكون لمذكر؛ فلا يجمع نحو: زينب وحائض
(6)
.
الثالث: أن يكون لعاقل؛ فلا يجمع نحو: "واشق" علما لكلب، و"سابق" صفة لفرس
(7)
.
(1)
هو ما يدل على أكثر من اثنين؛ بزيادة واو ونون في حالة الرفع، وياء ونون في حالتي النصب والجر. ويشترط فيه ما اشترط في المثنى؛ من الإعراب، والإفراد، والتنكير، واتفاق اللفظ في الحروف والحركات، واتفاق المعنى.
(2)
ويضم ما قبلها ولو تقديرا، نحو: المصطفون والأعلون. قال تعالى: {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} .
(3)
أي: ولو تقديرا أيضا، نحو: المصطفين. قال تعالى: {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ} .
(4)
الذي يجمع هذا الجمع نوعان: العلم، والصفة. ولذلك مثل بمثالين في كل شرط وهذه الشروط علاوة على الشروط التي أشرنا إليها.
(5)
لئلا يجتمع علامتا التأنيث والتذكير، والعبرة في التأنيث ليست بلفظة، ولكن بمعناه؛ فإذا جاءت كلمة "سعاد" أو "هند" علما لمذكر واشتهر بذلك؛ فإنها تجمع جمع مذكر سالما.
(6)
أي: لئلا يلتبس جمع المذكر بجمع المؤنث، ولو سمي مذكر بزينب، جاز أن يجمع هذا الجمع لعدم اللبس.
(7)
أي: لعدم العقل. قيل: إنما اشترط العقل في هذا الجمع؛ لأنه أشرف الجموع لصحة بناء مفرده، والمذكر العاقل أشرف من غيره. والمراد بالعاقل: أن يكون من جنس العقلاء؛ كالآدميين والملائكة؛ فيشمل المجنون والطفل الصغير. وهذه الشروط سواء، فيها العلم والصفة.
ثم يشترط أن يكون: إما علمًا غير مركب تركيبًا إسناديا ولا مزجيا؛ فلا يجمع نحو: "برق نحره"، و"معديكرب"
(1)
؛ وإما صفة تقبل التاء، أو تدل على التفضيل
(2)
؛ نحو: قائم ومذنب وأفضل؛ فلا يجمع نحو: "جريح وصبور
(3)
، وسكران، وأحمر".
(1)
يبين أنه يشترط في العلم خاصة: ألا يكون مركبا تركيبا إسناديا؛ نحو: "فتح الله" و"برق نحره" مسمى بهما؛ لأن المحكي لا يغير، ومعنى برق: لمع. ولا مركبا تركيب مزج؛ كسيبويه وبعلبك، ولا عدديا؛ كأحد عشر وثلاثة عشر؛ تشبيها لهما بالمحكي في التركيب.
وهذه لا تجمع مباشرة، وإنما يتوصل إلى جمعها بأن يسبقها كلمة "ذو" مجموعة، فيقال: ذوو كذا، وذوي كذا، كما بيناه في المثنى. أما المركب الإضافي؛ كعبد الله، فيجمع صدره كما سبق في المثنى أيضًا.
(2)
يشترط في الصفة خاصة أحد أمرين: أن تقبل التاء المقصود بها التأنيث؛ فلا يجمع هذا الجمع نحو: علام؛ لأنه وإن قبل التاء، لكن لا يقصد بها التأنيث بل لتأكيد المبالغة. أو تدل على التفضيل؛ فلا يجمع ما كان على وزن "أفعل" الذي مؤنثه فعلاء؛ كأخضر، أو على وزن "فعلان" الذي مؤنثه فعلى؛ كسكران.
(3)
لأن هذه الصيغة تستعمل للمذكر والمؤنث. وكذلك إذا كانت الصفة خاصة بالمؤنث؛ مثل "مرضع"؛ لا تجمع جمع مذكر، منعا للتناقض بين ما يدل عليه المفرد، وما يدل عليه جمع المذكر. وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله:
وارفع بواو وبيا اجرر وانصب
…
سالم جمع عامر ومذنب*
أي: ارفع بالواو وانصب وجر بالياء، جمع المذكر السالم وما حمل عليه.
وأشار "بعامر" للعلم المذكر العاقل الخالي من التاء ومن التركيب، و"بمذنب" إلى الصفة التي لمذكر عاقل، خالية من تاء التأنيث، وليست من باب أفعل فعلاء، ولا فعلان فعلى، ولا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث؛ فيقال: عامرون ومذنبون.
* وارفع فعل أمر. "بواو" متعلق به. "وبيا" الواو عاطفة. "بيا" متعلق باجرر وقصر للضرورة. "وانصب" معطوف على اجرر ومتعلقه محذوف؛ أي: وانصب بيا. "سالم" مفعول به تنازعه كل من ارفع واجر وانصب، وأعمل الأخير، وحذف الضمير من الأولين. "جمع" مضاف إليه. "عامر" مضاف إليه لجمع. "ومذنب" معطوف على عامر.
فصل: وحملوا على هذا الجمع أربعة أنواع:
(1)
أحدها: أسماء جموع: وهي: أولوا
(2)
وعالمون
(3)
، وعشرون وبابه
(4)
.
الثاني: جموع تكسير
(5)
وهي: بنون، وحرون، وأرضون
(6)
، وسنون وبابه
(7)
؛ فإن هذا الجمع مطرد في كل ثلاثي حذفت لامه، وعوض عنها هاء التأنيث، ولم يكسر؛
(1)
هذه الأنواع تعرب بإعرابه، وليست جمعًا حقيقيا؛ لأنها فقدت بعض شروط الجمع، وأكثرها سماعي لا يقاس عليه كما سيأتي بيانه.
(2)
أي: التي بمعنى "أصحاب"، وهي اسم جمع لا مفرد له من لفظها، ولها مفرد من معناها؛ وهو "ذو" بمعنى صاحب.
(3)
هو اسم جمع "عالم" على رأي الأكثرين؛ لأن "عالم" اسم لما سوى الله، ويطلق على كل مجموع متجانس من المخلوقات؛ كعالم الحيوان، والجماد، والنبات، والطيور
…
إلخ.
و"عالمون" لا يدل إلا على المذكر العاقل؛ فهو خاص، والخاص لا يكون جمعًا للعام. ويرى آخرون أن "عالمون" جمع عالم من باب التغليب، ولكنه ليس جمع مذكر سالما حقيقة؛ لأنه ليس علما ولا صفة، فو ملحق أيضا.
(4)
عشرون اسم جمع لا واحد له من لفظه ولا من معناه، والمراد ببابه: نظائره، وهي كل العقود إلى التسعين.
(5)
لها مفرد من لفظها، ولكنه لا يسلم من التغيير عند جمعه، فألحقت بجمع المذكر في إعرابها بالحروف.
(6)
"بنون" مفرده "ابن" حذفت منه الهمزة عند الجمع. و"حرو، " مفردها "حرة" وهي أرض مليئة بحجارة نخرة سود؛ جمعوها بالواو حملًا على "أرضون"؛ لأنها مؤنثة مثلها. ويقال: "إحرون" بزيادة الهمزة في الجمع. و"أرضون" ليس لها مفرد إلا "أرض" فتغيرت حركة الراء عند الجمع، على أن المفرد مؤنث وغير عاقل.
(7)
مفرد سنون: سنة -بفتح السين- وهي في الجمع مكسورة. والمراد ببابه -كما ذكره المصنف: كل اسم ثلاثي حذفت لامه وعوض عنها تاء التأنيث المربوطة، ولم يسمع له جمع تكسير يعرب معه بالحركات.
نحو: عضبه. وعضين
(1)
وعزة وعزين
(2)
، وثبة وثبين
(3)
. قال الله تعالى: {كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ}
(4)
{الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ}
(5)
، {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ}
(6)
.
ولا يجوز ذلك في نحو: "تمرة" لعدم الحذف، ولا في نحو:"عدة" و"زنة"؛ لأن المحذوف الفاء، ولا في نحو:"يد" و"دم"
(7)
. وشذ: "أبون"، و"أخون"
(8)
، ولا في "اسم" و"أخت" و"بنت"؛ لأن العوض غير التاء
(9)
. وشذ "بنون" ولا في نحو: "شاة" و"شفة"؛ لأنهما كسرا على شياه وشفاه.
(1)
أصل عضة عضه بالهاء، من العضة، وهو الكذب والافتراء؛ يقال: فلان كلامه عضه، أي: كذب وبهتان، وقيل: أصله عضو؛ من التعضية، وهي التفريق، يقال عمل فلان عضو بين زملائه؛ أي: تفريق وتشتيت بينهم؛ فلام الكلمة هاء، أو واو.
(2)
العزة: الفرقة من الناس، وأصلها عزى، يقال: هذه عزة تجاهد بإخلاص، والعزين: الفرق.
(3)
الثبة: الجماعة، وأصلها ثبو، أو ثبي؛ يقال: القوم مختلفون؛ ثبة راضية، وثبة غير راضية. ويجوز في الجمع ضم الثاء وكسرها وهو الأفصح.
(4)
"كم" اسم استفهام معمول للبثتم مبني على السكون في محل نصب. "عدد" تمييز لكم. "سنين" مضاف إليه مجور بالياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر.
(5)
"عضين" مفعول ثان لجعلوا وعلامة نصبه الياء.
(6)
"عزين" صفة لمهطعين الواقع حالا من "الذين كفروا" منصوب بالياء.
(7)
لأن لامهما حذفت ولم يعوض عنها شيء، وأصلهما "يدي" و"دمي".
(8)
وكذلك "هنون" لأن مفردها واوي اللام، وقد حذفت الواو ولم يعوض عنها شيء، أما الواو الموجودة فهي الواو التي ترفع بها الأسماء الستة في لغة من يرفعها بالواو، مع حذف لامها، وهي لغة النقص.
(9)
ذلك لأن الأصل: "سمو" و "أخو" و"بنو" على المشهور، حذفت اللام في الثلاثة، وعوض عنها الهمزة في اسم وسكنت السين، وعوضت التاء المفتوحة في الأخيرتين.
الثالث: جموع تصحيح
لم تستوف الشروط؛ كأهلون ووابلون
(1)
؛ لأن أهلًا ووابلًا ليسا علمين ولا صفتين، ولأن وابلًا لغير عاقل.
الرابع: ما سمي به من هذا الجمع وما ألحق به
كـ"عليون، وزيدون"
(2)
مسمى به. ويجوز في هذا النوع أن يجري مجرى "غسلين"
(3)
في لزوم الياء والإعراب بالحركات على النون منونة
(4)
.
ودون هذا: أن يجري مجرى "عربون"
(5)
في لزوم الواو والإعراب بالحركات على النون منونة
(6)
؛ كقوله:
واعترتني الهموم بالماطرون
(7)
(1)
جمعا: أهل؛ وهم العشيرة، ووابل؛ وهو المطر الغزير.
(2)
عليون: اسم لأعالي الجنة، ومفرده "علي" بمعنى المكان العالي، أو "علية" بمعنى الفرقة العالية، وهو ملحق بجمع المذكر. أما "زيدون" فجمع مسمى به. وهذان يعربان بالحروف إجراء لهما على ما كانا عليه قبل التسمية، وإن كانا مفردين الآن.
(3)
هو ما يسيل من أجساد أهل جهنم؛ من صديد وغيره.
(4)
هذا إذا لم يوجد ما يمنع التنوين؛ ككونه أعجميا؛ مثل: "قنسرين" اسم بلد بالشام، أو وجود "أل" في أوله، أو الإضافة في آخره، وإلا فإنه يعرب على النون من غير تنوين.
(5)
العربون بضم العين وسكون الراء، أو بفتحهما على أفصح اللغات فيه، ما يقدمه المشتري من الثمن لضمان وتمام عقد المبايعة، وقول العامة "عربون" لحن.
(6)
أي: إن لم يوجد مانع كما تقدم.
(7)
هذا عجز بيت من الخفيف لأبي دهبل الجمحي، من قصيدة يشبب فيها بعاتكة بنت معاوية. وصدره:
طال ليلي وبت كالمجنون*
اللغة والإعراب: اعترنني: غشيتني ونزلت بي. الهموم: الأحزان؛ جمع هم الماطرون: موضع بالشام، وهو في الأصل جمع ماطر، ثم سمي به. "ليلى" فاعل طال "كالمجنون" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر "بت" لأنها ناقصة، وجملة "وبت" حالية قرنت بالواو.
المعنى: يقول: إن ليله قد طال وصار في حيرة واضطراب، بسبب بعده عن أحبابه، وتذكره لهم في نومه، ونزلت به الهموم والأحزان في هذا المكان.
الشاهد: في "الماطرون" فإنه جمع مذكر مسمى به، فلزمته الواو وأعرب على النون بكسرة ظاهرة كالاسم المفرد، ولم ينون لوجود أل.
ودون هذه: أن تلزمه الواو وفتح النون
(1)
. وبعضهم يجري "بنين" وباب "سنين" مجرى غسلين
(2)
؛ قال:
وكان لنا أبو حسن علي
…
أبا برا ونحن له بنين
(3)
(1)
ويعرب بحركات مقدرة على الواو للثقل في الأحوال الثلاثة، كما تقدر على الألف في المثنى، وتكسر نونه عند من يلزمه الألف. ويلزم على هذه اللغة تقدير الإعراب في وسط الكلمة، ووجود أسماء آخرها واو قبلها ضمة، وتقدر عليها حركات الإعراب، وهذا ما لا نظير له في اللغة العربية.
(2)
أي: في لزوم الياء، والإعراب بحركات ظاهرة على النون، منونة غالبًا، وغير منونة على لغة البعض، ولا تسقط هذه النون عند الإضافة.
(3)
بيت من الوافر، ينسب لأحد شيعة سيدنا علي، وقيل هو لسعيد بن قيس يخاطب معاوية بن أبي سفيان.
اللغة والإعراب: أبو حسن: كنية سيدنا علي، كني بابنه الحسن من السيدة فاطمة بنت الرسول. برا: محسنًا عطوفًا. "لنا" نعت لأبا، وقد تقدم عليه فيعرب حالًا منه. "أبو" اسم كان مرفوع بالواو؛ لأنه من الأسماء الستة. "حسن" مضاف إليه. "علي" بدل أو عطف بيان لأبو حسن. "أبا" خبر كان. "ونحن" الواو للحال. "نحن" ضمير منفصل مبتدأ. "له" جار ومجرور حال من بنين. "بنين" خبر المبتدأ مرفوع بالضمة.
المعنى: يقول: إن عليا -كرم الله وجهه- كان يرا بنا، محسنًا إلينا، يعاملنا كما يعامل الآباء البررة الرحماء أبناءهم، وكنا نقوم له بواجب البنوة، من البر والطاعة. وفي هذا تنديد بمعاوية، وإنهم لا يزالون على ولائهم لعلي.
الشاهد: في "بنين" فقد جاءت بالياء مع أنها في موضع رفع، وجعل الرفع بحركات ظاهرة على النون على لغة بعض العرب. وإن كم تكن علما، كما يقال في "غسلين" و"يقطين" ونحوهما؛ من كل اسم مفرد آخره نون قبلها ياء.
وقال:
دعاني من نجد فإن سنينه
(1)
وبعضهم يطرد هذه اللغة في جمع المذكر السالم، وكل ما حمل عليه
(2)
.
ويخرج عليها قوله:
لا يزالون ضاربين القباب
(3)
(1)
هذا صدر بيت من الطويل للصمة بن عبد الله الطفيل، من شعراء الدولة الأموية. وتمامه:
لعبن بنا شيبا وشيبننا مردا
اللغة والإعراب: دعاني اتركاني، وهو من خطاب الواحد بلفظ الاثنين؛ تعظيما على عادة العرب، أو خطاب لاثنين حقيقة. نجد: أحد أقسام بلاد العرب من جهة العراق. سنينه: جمع سنة وهي العام. والمراد هنا: العام المجدب. شيبا: جمع أشيب، وهو من ابيض شعر رأسه. مردا: جمع أمرد، وهو الذي لم ينبت الشعر في وجهه. "دعاني" فعل أمر مبني على حذف النون والألف فاعل، والنون للوقاية والياء مفعول "سنينه" اسم إن منصوب بالفتحة الظاهرة، والهاء مضاف إليه. "لعين" الجملة خبر إن "شيبا" حال من نا في "بنا". "مردا" حال من نا في "شيبننا".
المعنى: اتركا يا صاحبي ذكرى نجد، فإن أعوام الجدب والقحط التي مرت بنا فيها، وما لقيناه من الجهد والعنت، هزنا وأزعجنا، وجعلنا أضحوكة ونحن شيوخ وشيبتنا أهوالها ونحن في زمن الشباب.
الشاهد: في "سنينه" حيث نصب بالفتحة الظاهرة على النون، وجعلت كأنها من أصل الكلمة مثل "حين" و"غسلين"؛ ولهذا لم تحذف للإضافة، وفي الحديث:"اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف" في رواية تنوين "سنينا" والإتيان بالنون من غير تنوين في "سنين" للإضافة.
(2)
وهذا ما يشير إليه ابن مالك بقوله: وهو عند قوم يطرد.
(3)
عجز بيت من الخفيف لم يعلم قائله. وصدره: =
وقوله:
وقد جاوزت حد الأربعين
(1)
= رب حي عرندس ذي طلال
اللغة والإعراب: عرندس قوي ذو منعة وعزة. طلال: حسن ورواء وجمال هيئة، وهو اسم جنس جمعي لطلالة. القباب: الخيام؛ جمع قبة؛ وهي البيت من الأديم، أو الخشب، أو اللبن، أو نحو ذلك، وقد تطلق على ما يتخذ من البناء. "حي" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها حرف الجر الشبيه بالزائد. "عرندس" صفة لحي باعتبار اللفظ، وكذلك "ذي طلال". "لا" نافية. "يزالون" مضارع ناقص مرفوع بثبوت النون والواو اسمها. "ضاربين" خبر يزال منصوب بالفتحة الظاهرة. "القباب" مضاف إليه، وجملة "لا يزالون" خبر المبتدأ.
المعنى: كثير من الأقوياء أصحاب العز والجاه والمنعة، لا يزالون يقيمون في ديارهم الأولى، ويسكنون الخيام على عادتهم، ولم يغرهم ما صاروا إليه من الحضارة على ترك مساكنهم.
الشاهد: في "ضاربين" حيث أعرب بالحركات ونصب بالفتحة الظاهرة على النون، ويدل على ذلك عدم حذفها للإضافة، أو نصب القباب على أنه مفعول به لضاربين.
(1)
هذا عجز بيت من الوافر، ينسبونه لسحيم بن وثيل الرباحي، وصدره:
وماذا تبتغي الشعراء مني
وهو في ديوان جرير من مقطوعة له لفضالة العرني، وقد توعده بالقتل، ومطلعها:
عرين من عرينة ليس منا
…
برئت إلى عرين ةمن عرين
اللغة والإعراب: تبتغي: تطلب. "ماذا" اسم استفهام مفعول لتبتغي. أو "ما" اسم استفهام مبتدأ، و"ذا" اسم موصول خبر، وجملة تبتغي صلة. "الشعراء" فاعل تبتغي "حد" مفعول جاوزت. "الأربعين" مضاف إليه مجرور بكسرة ظاهرة على النون.
المعنى: ما الذي تريده مني الشعراء وقد تجاوزت سن الأربعين، وعركت الدهر وجربته، فلا أخدع، ولا يستطاع النيل مني؟
الشاهد: في "الأربعين" حيث أعرب وجر بالكسرة على النون مع لزوم الياء فيه وفي بقية العقود. وقيل إنه معرب بالحروف وهو مجرور بالياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه ملحق =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= بجمع المذكر، وكسر النون فيه لغة كما سيأتي قريبا.
وإلى ما تقدم من أنواع الملحق يشير ابن مالك بقوله:
وشبه ذين وبه "عشرونا"
…
وبابه ألحق و"الأهلونا"
أولو وعالمون عليونا
…
و"أرضون شذ، والسنونا"
وبابه ومثل "حين" قد يرد
…
ذا الباب وهو عند قوم بطرد*
يريد بشبه ذين: ما أشبه "عامر"؛ من كل علم مستوف للشروط، وما أشبه كلمة "مذنب"؛ من كل صفة كذلك. ثم ألحق بالجمع "عشرون" وبابه الذي شرحناه، وكذلك أهلونا، وأولو، وعالمون، وعليون، ثم قال: وشذ: أرضون، والسنون وبابه، وخصهما بالشذوذ، مع أن جميع الملحقات شاذة؛ لأن الشذوذ فيهما أشد؛ لفقدهما أكثر الشروط؛ فكل منهما: جمع تكسير، ومفرده مؤنث، وغير علم أو صفة، وغير عاقل. ثم بين أن "سنين وبابه" قد يعرب إعراب "حين" وهو الذي سماه المصنف:"إعراب غسلين"؛ فتلازمه الياء والنون، وتظهر الحركات على النون منونة. ومن العرب من يجعل هذا الإعراب عاما لكل جمع مذكر سمي به، ولا يقتصر على سنين وبابه. ويتلخص: مما تقدم: أن في جمع المذكر وما ألحق به خمس لغات:
أ- إعرابه بالحروف: بالواو رفعًا، وبالياء جرا ونصبا، مع فتح النون. وهذه أفصح اللغات وأشهرها.
ب- لزوم الواو وإعرابه بحركات مقدرة في الأحوال الثلاثة، مع فتح النون.
جـ- لزوم الواو وإعرابه بحركات ظاهرة على النون، مع التنوين.
د- لزوم الواو وإعرابه بحركات ظاهرة على النون، مع عدم التنوين.
هـ- الإتيان بالباء في الأحوال الثلاثة، وتحريك النون منونة بحركات الإعراب، كأنه اسم مفرد مختوم بياء ونون؛ نحو: مسكين وغسلين.
* "وشبه" معطوف على عامر ومذنب. "ذين" اسم إشارة مثنى مضاف إليه مبني على الياء في محل جر. "وبه" متعلق بألحق. "عشرونا" مبتدأ. "وبابه" معطوف عليه. "ألحق" الجملة خبر المتبدأ. و"الأهلونا" هو وما بعده معطوف على عشرون بإسقاط العاطف في بعضها على أنها مبتدآت حذف خبرها؛ أي: كذلك ألحقت. "وأرضون" مبتدأ. "شذ" الجملة خبر. "والسنون" مبتدأ حذف خبره لدلالة شذ عليه. "وبابه" معطوف على السنون. "ومثل" حال من فاعل يرد. "حين" مضاف إليه. "ذا" اسم إشارة فاعل يرد. "الباب" بدل من ذا، أو عطف بيان. "وهو" الواو عاطفة وهو مبتدأ. "عند قوم" ظرف ومضاف إليه متعلق بيطرد، والجملة "يطرد" خبر المبتدأ. =
فصل: نون المثنى وما حمل عليه
(1)
مكسورة، وفتحها بعد الياء لغة
(2)
؛ كقوله:
على أحوذيين استقلت عشية
(3)
.
(1)
يدخل في ذلك: ما سمي به، وما ثني على سبيل التغليب، واثننان واثنتان، وغيرهما
…
إلخ.
(2)
وفي لغة ضمها بعد الألف، ومنه قول الشاعر:
يا أبتا أرقني القذان
…
والنوم لا تألفه العينان
والقذان: بكسر القاف وتشديد الذال: جمع قذة، وهي البرغوث. وقيل: هو بالدال المهملة.
(3)
صدر بيت من الطويل لحميد بن ثور الهلالي أبو المثنى، من كلمة يصف فيها قطاة.
وعجزه:
فما هي إلا لمحة وتغيب
اللغة والإعراب: أحوذيين: مثنى أحوذي، وهو الخفيف السريع في السير، والمراد هنا جناحا القطاة. استقلت: ارتفعت وعلت في الجو. عشية: هي ما بين الزوال إلى غروب الشمس. لمحة: نظرة سريعة. "على أحوذيين" جار ومجرور متعلق باستقلت. "عشية" ظرف زمان. "فما" الفاء عاطفة، وما نافية. "هي" مبتدأ. "إلا" أداة استثناء ملغاة. "لمحة" خبر.
المعنى: يصف القطاة بالخفة وسرعة الطيران فيقول: إنها ارتفعت في الجو على جناحين خفيفين سريعين في الحركة، في وقت العشية، فما يشاهدها الرائي عند الطيران، إلا مقدرا لمحة وتغيب عنه.
الشاهد: في "أحوذيين" حيث روي بفتح النون على لغة، وهو معرب بالياء؛ لأنه مثنى، لا بالحركات؛ لأنه مجرور.
وقيل: لا يختص بالياء
(1)
؛ كقوله:
أعرب منها الجيد والعينانا
(2)
وقيل: البيت مصنوع
(3)
. ونون الجمع مفتوحة، وكسرها جائز في الشعر بعد الياء، كقوله:
وأنكرنا زعانف آخرين
(4)
(1)
أي: بل يكون مع الألف أيضًا.
(2)
صدر بيت من الرجز، ينسبه بعض النحاة إلى رؤبة، وقيل لغيره وعجزه:
ومنخرين أشبها ظبيانا
اللغة والإعراب: الجيد: العنق، وجمعه أجياد. ظبيان -بفتح الظاء- اسم رجل.
"الجيد" مفعول أعرف. "والعينانا" معطوف عليه منصوب بفتحة مقدرة على الألف على لغة من يلزم المثنى الألف، أو مبتدأ مرفوع بالألف وخبره محذوف؛ أي: كذلك.
"ومنخرين" معطوف على الجيد منصوب بالياء. "ظبيانا" مفعول أشبه والألف فاعله.
المعنى: أعرف من هذه الفتاة جيدها وعينيها ومنخرين يشبهان منخري ظبيان، ويقال: إنه كان معروفًا بكبر الأنف.
الشاهد: في قوله "والعينانا"؛ حيث فتح نون المثنى بعد الألف، كما فتحت بعد الياء. وفيه شاهد آخر وهو: مجيء المثنى بالألف في حالة النصب كما تقدم. وعليها ورد قوله عليه السلام: "لا وتران في ليلة".
(3)
أي: غير عربي؛ فلا يصلح شاهدًا. قيل: وهو بعيد؛ لأن أبا زيد رواه، وهو من الرواة الثقات.
(4)
هذا عجز بيت من الوافر لجرير، من مقطوعته التي أشرنا إليها قريبا، يخاطب فضالة العرني. وصدره:
عرفنا جعفرا وبني أبيه
اللغة والإعراب: جعفر: هو جعفر بن ثعلبة، أخو عرين بن ثعلبة، وعرين: أحد آباء فضالة. زعانف: جمع زعنفة، وهي طرف الأديم، أو هدب الثوب، والمراد هنا: الأتباع والأدعياء. "جعفرا" مفعول عرفنا. "وبني" معطوف على جعفرا منصوب بالياء مضاف إلى أبيه. "آخرين" صفة لزعانف منصوب بالياء أيضا.
المعنى: عرفنا جعفرا وإخوانه؛ لأنهم مشهورون بكريم نسبهم ورفعة منزلهم، وأنكرنا غيرهم؛ لأنهم أدعياء وليس لهم أصل معروف، ولا مكانة مرموقة.
الشاهد: في "آخرين" حيث أعرب بالياء إعراب جمع المذكر السالم، وكسرت نونه بعدها. قيل: وذلك جائز في الشعر، والراجح أنه لغة.
وقوله:
وقد جاوزت حد الأربعين
(1)
(1)
تقدم هذا البيت قريبا، وأعيد هنا للاستشهاد به على كسر النون في جمع المذكر للضرورة أو على لغة كما بينا. وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:
ونون مجموع وما به التحق
…
فافتح وقل من بكسره نطق
ونون ما ثني والملحق به
…
بعكس ذاك استعملوه فانتبه*
* "ونون" مفعول مقدم لافتح. "مجموع" مضاف إليه. "وما" اسم موصول معطوف على مجموع. "به" متعلق بالتحق، وجملة "التحق" صلة الموصول وفاعله يعود على ما. "فافتح" الفاء زائدة لتزيين اللفظ، و"افتح" في أمر. "من" اسم موصول فاعل قل. "بكسره" متعلق بنطق والضمير العائد على النون مضاف إليه، وجملة "نطق" صلة الموصول. "نون" مبتدأ. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "ثني" ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل يعود على ما، والجملة صلة ما، "والملحق" معطوف على ما. "به" متعلق بالملحق. "بعكس" متعلق باستعملوه. "ذاك" مضاف إليه والكاف حرف خطاب، وجملة" استعملوه" خبر المبتدأ الذي هو "نون". "فانتبه" فعل أمر.
الباب الرابع: الجمع بالألف والتاء المزيدتين
(1)
وما حمل عليه
كهندات ومسلمات؛ فإن نصبه بالكسرة
(2)
؛ نحو: {خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ} وربما نصب بالفتحة إن كان محذوف اللام
(3)
؛ كسمعت لغاتهم، فإن كانت التاء أصلية؛
(1)
عبر بذلك؛ للإشارة إلى أنه لا فرق بين أن يكون مسمى هذا الجمع مؤنثًا بالمعنى فقط؛ كهندات، أو بالتاء كذلك؛ كطلحات، أوبهما معا كفاطمات، أو بالألف المقصورة أو الممدودة؛ كحبليات وصحراوات، أو يكون مسماه مذكرا؛ كاصطبلات.
(2)
أي: نيابة عن الفتحة.
(3)
أي: في المفرد، ولم ترد إليه في الجمع كما مثل المصنف، فإن ردت اللام في الجمع مثل سنوات وسنهات، في جمع سنة، وأخت وأخوات، وجب نصبه بالكسرة اتفاقا.
كأبيات وأموات، أو الألف أصلية؛ كقضاة وغزاة
(1)
، نصب بالفتحة.
وحمل على هذا الجمع شيئان: أولات
(2)
؛ نحو: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ} .
وما سمي به من ذلك
(3)
؛ نحو: رأيت عرفات، وسكنت أذرعات -وهي قرية بالشام- فبعضهم يعربه على ما كان عليه قبل التسمية
(4)
، وبعضهم يترك تنوين ذلك
(5)
، وبعضهم يعربه إعراب ما لا ينصرف
(6)
.
ورووا بالأوجه الثلاثة قوله:
تنورتها من أذرعات وأهلها
…
بيثرب أدنى دارها نظر عال
(7)
(1)
الألف في قضاة منقلبة عن ياء، وأصلها: قضية، وفي غزاة منقلبة عن واو، وأصلها: غزوة، تحركت الياء والواو فيهما، وانفتح ما قبلهما، فقلبت ألفًا.
(2)
هي اسم جمع بمعنى "ذوات" لا واحد لها من لفظها، ومفردها من معناها:"ذات" بمعنى صاحبة. و"أولات" في الآية خبر "كن" منصوبة بالكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنها ملحقة بجمع المؤنث السالم، واسمها ضمير النسوة المدغم فيها نونها. و"أولات" مضافة دائما، ولهذا ترفع بالضمة، وتنصب وتجر بالكسرة، من غير تنوين وإضافتها لا تكون إلا لاسم جنس طاهر؛ مثل: فضل، أدب، حلم.
(3)
أي: الثاني مما حمل على هذا الجمع: ما سمي به منه ومما ألحق به، وصار علما لمذكر أو لمؤنث.
(4)
أي: بالضمة رفعا، وبالكسرة نصبا وجرا، إعراب جمع المؤنث السالم، ولا يحذف التنوين في جميع الحالات؛ لأنه تنوين المقابلة، لا تنوين الصرف.
(5)
أي: مراعاة العلمية والتأنيث، ويعربه كما كان قبل التسمية؛ مراعاة للجمعية.
(6)
فيترك التنوين ويجره بالفتحة؛ مراعات للتسمية. وهذا خير الآراء؛ لأنه يمنع اللبس ويزيل الإبهام.
(7)
هذا بيت من الطويل لامرئ القيس الكندي، الشاعر الجاهلي، في محبوبته، من قصيدته المشهورة التي مطلعها:
ألا عم صباحا أيها الطلل البالي
…
وهل يعمن من كان في العصر الخالي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= اللغة والإعراب: تنورتها: نظرت إلى نارها بقلبي لشدة تعلقي بها. أذراعات: بلد بالشام، والنسبة إليها أذرعي. يثرب: اسم المدينة المنورة. أدنى دارها: أقرب مكان من دارها. نظر عالي، أي: يحتاج إلى نظر بعيد. "من أذرعات" جار ومجرور متعلق بمحذوف، حال من التاء في تنورتها. "وأهلها" الواو للحال، وأهلها مبتدأ مضاف إلى ها. "يثرب" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر وهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. "أدنى دارها" مبتدأ ومضاف إليه. "نظر" خبر. "عالي" صفة لنظر.
المعنى: نظرت إلى نار المحبوبة التي يشعلها أهلها للقرى ونحوه، وأنا بأذرعات وهي بيثرب، مع أن أقرب مكان من دارها يحتاج الناظر منه -إذا أراد رؤية دارها- إلى نظر عال بعيد، فكيف وبيننا هذا البون الشاسع؟ إنه الوجد والشوق يحمل الشاعر إلى هذه المبالغة الشديدة.
الشاهد: في "أذرعات" روي بالجر بكسر التاء منونة عند أكثر النحاة؛ مراعاة للجمعية قبل التسمية والتنوين للمقابلة، والجر بالفتحة بلا تنوين؛ مراعاة للحالة الراهنة، وهي العلمية والتأنيث، فيكون ممنوعا من الصرف لذلك، والجر بالكسرة بدون تنوين؛ مراعاة للحالين: الأصلية وهي الجمعية، والحالية وهي كونه علما لمؤنث. فيما سبق يقول ابن مالك:
وما بتا وألف قد جمعا
…
يكسر في الجر وفي النصب
كذا "أولات" والذي اسما قد جعل
…
كـ"أذرعات" فيه ذا أيضا قبل*
يريد أن ما جمع بتاء وألف، بكسر في حالتي الجر والنصب. ويلحق به نوعان: اسم الجمع؛ نحو "أولات"، وما جعل منه علما؛ كأذرعات.
هذا: وينقاس هذا الجمع في ستة أشياء. =
* "وما" الواو للاستئناف، "ما" اسم موصول مبتدأ. "بتا" متعلق بجمع مقصود لفظه. "وألف" معطوف على تا. "قد جمعا" الجملة من الفعل ونائب الفاعل صلة ما، والألف للإطلاق. "يكسر" الجملة خبر المبتدأ. "في الجر" متعلق بيكسر. "والنصب" معطوف على الجر. "معا" ظرف متعلق بمحذوف حال من الجر والنصب. "كذا" متعلق بمحذوف خبر مقدم. "أولات" مبتدأ مؤخر مقصود لفظه. "والذي" اسم موصول مبتدأ أول، والواو =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أ- كل ما ختم بالتاء غير الأصلية، سواء كان علما؛ كفاطمة، أو غير علم؛ كصناعة؛ مؤنثا لفظا ومعنى؛ كعائشة، أو معنى فقط؛ كحمزة، من أعلام الرجال. وسواء كانت التاء للتأنيث كهذه الأمثلة، أو للمبالغة كعلامة. ويستثنى مما فيه التاء: امرأة، و أمة، وشاة، وشفة، وقلة "اسم لعبة للأطفال"، وأمة، وملة؛ لأنه لم يسمع عن العرب، ويرى بعض الباحثين جواز جمعها حيث لا مانع.
ب- ما في آخره ألف التأنيث المقصورة أو الممدودة، سواء أكان علما لمؤنث؛ نحو: سعدى وعصماء، أم غير علم؛ نحو: فضلى وحسناء، أم علما لمذكر؛ كدنيا وزكريا، علمين. لمذكر. ويستثنى من المقصورة "فعلى" مؤنث فعلان؛ كسكرى وعطشى، ومن الممدودة "فعلا" مؤنث أفعل؛ كحمراء وزرقاء.
جـ- كل علم لمؤنث حقيقي وليست فيه علامة تأنيث؛ مثل: زينب، إحسان، بدر.
د، هـ- مصفر المذكر غير العاقل؛ نحو: نهير، جبيل. وكذلك وصفه، تقول نهيرات جميلات، وجبيلات شامخات، وأيام معدودات.
و- كل خماسي لم يسمع له عن العرب جمع تكسير، مثل: سرادقات، حمامات، اصطبلات، وما عدا هذه الأنواع يقتصر فيه على السماع، مثل: شمالات، سموات، سجلات، وقد أشار بعضهم إلى هذه الأنواع -ما عدا السادس- بقوله:
وقسه في ذي التاء ونحو ذكرى
…
ودرهم مصغر وصحرا
وَزَيْنبَسٌ ووصف غير العاقل
…
وغير ذا مسلم للناقل
= للاستئناف. "اسما" مفعول ثان مقدم لجعل. "قد" حرف تحقيق. "جعل" ماض للمجهول ونائب الفاعل يعود على الذي وهو المفعول الأول، والجملة صلة الموصول. "كأذرعات" متعلق بمحذوف خبرا لمبتدأ محذوف وتقدم مثله. "فيه" متعلق بقبل. "ذا" اسم إشارة مبتدأ ثان "أيضا" مفعول مطلق. "قبل" الجملة من الفعل ونائب الفاعل خبر المبتدأ الثاني وهو ذا، وجملة الثاني وخبره خبر الأول وهو الذي، وجملة كأذرعات معترضة بين المبتدأ الأول وخبره.
الباب الخامس: الاسم الذي لا ينصرف
(1)
وهو ما فيه علتان من تسع
(2)
؛ كأحسن
(3)
، أو واحدة منها تقوم مقامهما؛ كـ"مساجد، وصحراء"
(4)
؛ فإن جره بالفتحة
(5)
؛ نحو: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} ، إلا إن أضيف
(6)
؛ نحو: {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم} ، أو دخلته أل: معرفة؛ نحو: في المساجد، أو موصولة، {كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ}
(7)
، أو زائدة؛ كقوله:
رأيت الوليد بن اليزيد مباركا
(8)
(1)
أي: الاسم الذي لا ينصرف؛ أي: لا ينون؛ بل يرفع بالضمة، وينصب ويجر بالفتحة بلا تنوين.
(2)
هذه العلل التي تسبب منع الاسم من التنوين، سيأتي شرحها في باب خاص، وقد جمعها ابن النحاس في قوله:
اجمع وزن عادلًا أنت بمعرفة
…
ركب وزد عجمة فالوصف قد كملا
والذي يعنينا هنا ما يناسب الإعراب، وهو ما تنوب فيه حركة عن حركة.
(3)
العلتان فيه هما: الصفة ووزن الفعل.
(4)
العلة في مساجد: صيغة منتهى الجموع، وفي صحراء: ألف التأنيث الممدودة.
(5)
نيابة عن الكسرة.
(6)
فإنه يجر بالكسرة لا بالفتحة.
(7)
من الآية 24 من سورة هود. والصحيح كما ذكر صاحب المغني أن "أل" الداخلة على الصفة المشبهة؛ كالأعمى، والأصم، واليقظان، حرف تعريف لا موصلة.
(8)
هذا صدر بيت من الطويل للرماح بن أبرد، المعروف بابن ميادة، من قصيدة يمدح فيها الوليد بن اليزيد بن عبد الملك بن مروان، وعجزه:
شديدا بأعباء الخلافة كاهله
اللغة والإعراب: أعباء: جمع عب؛ وهو ما يثقل حمله، والمراد بأعباء الخلافة: مصاعبها وأمورها الشاقة. كاهله، الكاهل: ما بين الكتفين، وهو الذي يحمل عليه عادة "الوليد" مفعول رأى. "ابن" صفة للوليد. "اليزيد" مضاف إليه مجرور بالكسرة. "مباركًا" =
الباب السادس: الأمثلة الخمسة
(1)
وهي: كل فعل مضارع اتصل به ألف اثنين؛ نحو: تفعلان ويفعلان، أو واو جمع؛ نحو: تفعلون ويفعلون، أو ياء مخاطبة؛ نحو: تفعلين؛ فإن رفعها بثبوت النون، وجزمها ونصبها بحذفها؛ نحو:{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا}
(2)
(3)
= حال من الوليد؛ لأن رأى بصرية، وكذلك "شديدا". "كاهله" فاعل شديد والهاء مضاف إليه.
المعنى: أبصرت الوليد رجلا ميمون الطلعة قائما بأمور الخلافة خير قيام، متحملًا مشاكلها ومصاعبها، وقادرا على حلها والتخلص منها.
الشاهد: في "اليزيد" حيث دخلت عليه "أل" الزائدة، فجر بالكسرة؛ مع أنه علم على وزن الفعل، وفيه العلتان اللتان تقتضيان منعه من الصرف، وجره بالفتحة نيابة عن الكسرة. وإلى هذا الباب أشار الناظم بقوله:
وجر بالفتحة ما لا ينصرف
…
ما لم يضف أو يك بعد "أل" ردف*
ومعنى ردف: تبع "أل" وجاء بعدها مباشرة من غير فاصل. ومعنى البيت: اجرر بالفتحة الاسم الذي لا ينصرف مدة عدم إضافته، وكونه غير واقع بعد "أل". ويعلل النحاة ذلك بأن الإضافة وأل من خواص الأسماء، وهو إنما منع الصرف لشبهه بالفعل، فإذا وجد معه ما هو من خصائص الأسماء، فقد بعد هذا الشبه الذي اقتضى منع صرفه. والعلة الحقيقية هي السماع عن العرب.
(1)
قيل: إن هذا أولى من تسميتها بالأفعال الخمسة؛ لأنها ليست أفعالًا معينة، وإنما هي أمثلة يكنى بها عن كل فعل بمنزلتها، ويعبرون عنها أحيانا بالأمثلة الستة، ويعدون المسند إلى ألفا الاثنين نوعين؛ للمذكر، والمؤنث.
(2)
من الآية 14 من سورة البقرة.
(3)
من الآية 237 من سورة البقرة أيضا.
* "وجر" فعل أمر مثلث الآخر، والواو عاطفة أو استئنافية. "بالفتحة" متعلق بجر. "ما" اسم موصول مفعول جر. "لا ينصرف" لا نافية والجملة صلة الموصول "ما" مصدرية ظرفية. "لم يضف" الجملة صلة ما المصدرية. "أو يك" معطوف على يصف، مجزوم على النون المحذوفة للتخفيف واسمها يعود إلى ما الموصولة. "بعد" ظرف متعلق بمحذوف خبر يكن. "أل" مضاف إليه مبني على السكون في محل جر مقصود لفظه. "ردف" ماض والجملة في محل نصب حال من ما الموصولة.
فالواو لام الكلمة
(1)
، والنون ضمير النسوة. والفعل مبني؛ مثل يتربصن، ووزنه "يفعلن"، بخلاف قولك: الرجال يعفون، فالواو ضمير المذكرين
(2)
، والنون علامة رفع، فتحذف نحو:{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} ، ووزنه "تفعلوا"، وأصله "تعفووا".
(1)
أي: لام الفعل؛ لأن أصله: عفا يعفو؛ فإذا قلت: النساء يعفون، فـ"يعفون" مضارع مبني على سكون الواو لاتصاله بنون النسوة، ونون النسوة ضمير فاعل، وتقول: النساء لن يعفون، ولم يعفون؛ فيكون الفعل مبني على السكون في محل نصب، أو جزم؛ لاتصاله بنون النسوة وهي فاعل.
(2)
أي: ضمير الجمع وهي الفاعل، أما لام الفعل فمحذوفة، وأصله: يعفوون، استثقلت الضمة على الواو الأولى التي هي لام الفعل فحذفت الضمة، والتقى ساكنان، فحذفت الأولى؛ لأنها حرف علة، ولم تحذف الثانية؛ لأنها ضمير فاعل، فصار: يعفون على وزن "يفعون" فإذا دخل ناصب أو جازم، حذفت النون؛ تقول: الرجال لن، ولم يعفوا.
وخلاصة الفرق بين النساء يعفون، والرجال يعفون، مع اتحاد الصورة اللفظية:
أ- أن لام الفعل غير محذوفة في العبارة الأولى، ومحذوفة في الثانية، لعلة تصريفية؛ وهي: التقاء الساكنين.
ب- أن النون ضمير جمع الإناث، وهي فاعل، ولا تحذف لناصب أو جازم في العبارة الأولى، وهي علامة رفع كالضمة في العبارة الثانية، ولهذا تحذف عند دخول ناصب أو جازم.
جـ- أن الواو جزء من الكلمة، وهي لامها في العبارة الأولى، ووزنه:"يفعلن". أما في الثانية فالواو كلمة مستقلة ضمير جمع الذكور، وليست جزءا من الكلمة، ووزنه:"يفعون" وقد أشار الناظم إلى هذا الباب بقوله:
واجعل لنحو "يفعلان" النونا
…
رفعا و"تدعين" و"تسألونا"
وحذفها للجزم والنصب سمه
…
كلم تكوني لترومي مظلمه*
أي: اجعل ثبوت النون علامة للرفع في: يفعلان، وتدعين، وتسألونا، وهي الأفعال الخمسة المشتملة على الضمائر السابقة. واجعل حذف النون سمة؛ أي: علامة لنصبها وجزمها.
* "واجعل" فعل، والواو عاطفة أو استثنائية. "لنحو" متعلق باجعل. "يفعلان" مضاف إليه مقصود لفظه. "النونا" مفعول أول لاجعل. "رفعا" مفعول ثان، أو منصوب على نزع الخافض. "وتدعينا" معطوف على "
يفعلان" قصد لفظه. "وتسألونا" معطوف على يفعلان، أو مبتدأ حذف خبره، أي: كذلك. "وحذفها" مبتدأ مضاف إلى الهاء.
"للجزم" متعلق بسمة. "والنصب" معطوف على الجزم. "سمة"؛ أي: علامة، خبر المبتدأ مرفوع، ووقف عليه للنظم. "كلم تكوني" خبر لمبتدأ محذوف، وياء المخاطبة اسم تكون الناقصة. "لترومي" اللام للجحود وترومي منصوب أن مضمرة وجوبا بعدها بحذف النون والياء فاعل. "مظلمة" مفعول ترومي، وسكن للروي، وأن المصدرية المضمرة مع مدخولها في تأويل مصدر مجرور بلام الجحود، واللام ومجرورها متعلقان بمحذوف خبر تكوني؛ أي: لم تكوني قابلة لروم ظلم.
الباب السابع: الفعل المضارع المعتل الآخر
وهو ما آخره ألف كيخشى، أو ياء كيرمي، أو واو كيدعو؛ فإن جزمهن بحذف الآخر
(1)
.
فأما قوله:
ألم يأتيك والأنباء تنمي
…
بما لاقت لبون بن زياد
(2)
(1)
أي: وهو حرف العلة، مع بقاء الحركة التي تناسبه لتدل عليه، وهي: الفتحة قبل الألف، والضمة قبل الواو، والكسرة قبل الياء. وفي حالة النصب تقدر الفتحة على الألف وتظهر على الواو والياء. وجميعها ترفع بضمة مقدرة.
(2)
هذا مطلع قصيدة لقيس بن زهير العبسي، يعرض فيها بالربيع بن زياد؛ لخصومة بينهما.
اللغة والإعراب: الأنباء: الأخبار، جمع نبأ وهو الخبر. وقيل: النبأ خاص بما كان ذا شأن من الأخبار، والخبر أعم. تنمي: تزيد وتكثر. لبون: الناقة ذات اللبن. بني زياد: هم الربيع وإخوته: عمارة وقيس وأنس، المعروفون بالكملة من الرجال، الذين سئلت أمهم فاطمة الأنمارية: أي بنيك أفضل؟ فقالت: هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها. "يأتيك" مضارع مجزوم بحذف الضمة المقدرة، أو بحذف حرف العلة، والياء المذكورة للإشباع. "بما" الباء زائدة، و"ما" اسم موصول فاعل يأتيك. "والأنباء تنمي" الجملة من المبتدأ والخبر الجملة، معترضة بين الفعل والفاعل.
المعنى: ألم يبلغك، والأخبار سرعان ما تشيع وتنتشر بين الناس، ما جرى لنياق بني زياد، وقد أسرت واستولي عليها قهرا عنهم، وهم الأبطال الذين يجلهم الناس، ويخشون بأسهم وبطشهم؟
الشاهد: في" يأتيك"؛ حيث ثبت حرف العلة مع الجازم، وقد اكتفى الجازم بحذف الحركة المقدرة التي كان عليها الفعل قبل دخوله. وقيل: إن الياء المذكورة ليست لام الفعل التي تحذف للجازم؛ لأن هذه حذفت للجازم، أما الياء المذكورة فأتت من إشباع كسرة التاء لضرورة الشعر.
فضرورة. وأما قوله -تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} في قراءة قنبل
(1)
، فقيل:"من" موصولة
(2)
، وتسكين "يصبر": إما لتوالي حركات الباء والراء والفاء والهمزة
(3)
، أو على أنه وصل بنية الوقف، وإما على العطف على المعنى؛ لأن "من" الموصولة بمعنى الشرطية؛ لعمومها وإبهامها
(4)
.
تنبيه: إذا كان حرف العلة بدلًا من همزة؛ كيقرأ ويقرئ، ويوضؤ: فإن كان الإبدال بعد دخول الجازم، فهو إبدال قياسي
(5)
، ويمتنع حينئذ الحذف لاستيفاء الجازم مقتضاه؛
(1)
أي: بإثبات الياء في "يتقي"، وتسكين الراء في "يصبر" وقنبل: هو أبو عمرو محمد بن عبد الرحمن المخومي المكي الملقب بقنبل. كان إماما في القراءات، ضابطًا متقنًا، انتهت إليه مشيخة الإقراء بالحجاز، ورحل إليه الناس من سائر الأقطار، وهو من أصحاب ابن كثير، وقد أخذ عنه، وتوفي بمكة سنة 291 هـ.
(2)
أي: ليست شرطية جازمة، ويتقي مرفوع لا مجزوم.
(3)
أي: من قوله -تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} . والعلماء يكرهون توالي أربع حركات فيما هو كالكلمة الواحدة. وهنا: نزل "ويصبر فإن" منزلة الكلمة الواحدة.
(4)
وأيضا فمدخولها مستقبل، وتدخل الفاء في خبرها كما تدخل في جواب الشرطية. ولهذا صح العطف بالجزم على الصلة كما يعطف على الشرط. وقيل: إن "من" شرطية، والياء في "يتقي" للإشباع، ولام الفعل حذفت للجازم. وهنالك لغة تجيز إبقاء حرف العلة في آخر المضارع المجزوم، ويكون الجزم بالسكون المقدر على حرف العلة. وكل ما تقدم إذا كان حرف العلة أصليا في مكانه، لا بدلا من همزة كما سيذكره المصنف.
(5)
لأن الهمزة ساكنة بالجازم؛ فتقلب حرف علة من جنس حركة ما قبلها. ويكون المضارع مجزوما بسكون مقدر على الهمزة المنقلبة ألفا أو واوا أو ياء.
وإن كان قبله، فهو إبدال شاذ
(6)
، ويجوز مع الجازم الإثبات والحذف؛ بناء على الاعتداد بالعارض وعدمه، وهو الأكثر
(7)
.
(6)
لأن الهمزة المتحركة ما قبلها لا تبدل.
(7)
الاعتداد بالعارض علة للحذف، وعدمه علة للإثبات، ففي كلام المصنف لف ونشر غير مرتب. ويقول المصنف: إن عدم الحذف هو الأكثر. وما المانع من أن يكون الحكم هو عدم الحذف دائما؛ لأنه لا أثر لهذا الخلاف؟ تدبر.
فصل: وتقدر الحركات الثلاث في الاسم المعرب
(1)
، الذي آخره ألف لازمة.
نحو: الفتى، والمصطفى، ويسمى معتلا مقصورًا.
والضمة والكسرة في الاسم المعرب الذي آخره ياء لازمة مكسور ما قبلها؛ نحو: المرتقى، القاضي، ويسمى معتلا منقوصًا.
وخرج بذكر الاسم نحو: يخشى، ويرمي، وبذكر اللزوم نحو: رأيت أخاك، ومررت بأخيك، وباشتراط الكسرة نحو: ظبي، وكرسي
(2)
.
وتقدر الضمة والفتحة في الفعل المعتل بالألف، نحو: هو يخشاها، ولن يخشاها. والضمة فقط في الفعل المعتل بالواو أو الياء
(3)
؛ نحو: هو يدعو، هو يرمي.
(1)
أما المبني؛ نحو: ذا، وتا، والذي، والتي، فلا دخل له في هذا الموضوع الخاص بالإعراب وعلاماته.
(2)
الياء في "ظبي" قبلها ساكن صحيح، وفي "كرسي" قبلها ساكن معتل.
(3)
وقد تظهر الضمة على الواو والياء في الفعل المعتل، كما تظهر عليهما في الاسم، لضرورة الشعر؛ كما في قول الأعرابي:
إذا قلت على القلب يسلو قيضت
…
هواجس لا تنفك تغريه بالوجد
وقول آخر:
فعوضني منها غناي ولم تكن
…
تساوي عندي غير خمس دراهم
وقد أشار الناظم إلى الاسم المعرب المعتل الآخر بقوله: =
وتظهر الفتحة في الواو والياء؛ نحو: إن القاضي لن يرمي، ولن يغزو
(1)
.
وسم معتلًا من الأسماء ما
…
كالمصطفى والمرتقي مكارما
فالأول الإعراب فيه قدِّرا
…
جميعه وهو الذي قد قصرا
والثان منقوص ونصبه ظهر
…
ورفعه ينوي كذا أيضا يجر*
أي: إن المعتل من الأسماء: هو الاسم المعرب الذي في آخره ألف لازمة مفتوح ما قبلها؛ كالمصطفى، أو ياء لازمة مكسور ما قبلها؛ كالمرتضي. والأول يعرب بحركات مقدرة على الألف في جميع الأحوال، ويسمى مقصورا. والثاني يسمى منقوصا، وينصب بفتحة ظاهرة على الياء، ويرفع بضمة مقدرة عليها، وكذلك يجر بكسرة مقدرة. وإذا وقع المنقوص صدر مركب مَزجي؛ نحو: معديكرب، لا تظهر الفتحة على الياء على المشهور، إذا جرى الإعراب على الصدر مضافا إلى العجز، ومن العرب من يجيز فتح الياء في هذه الحالة، وهو رأي ضعيف.
(1)
وقد ورد حذف الفتحة من الفعل المعتل بالياء لضرورة الشعر؛ كقول الشاعر:
ما أقدر الله أن يدني على شحط
…
من داره الحزن ممن داره صول
وأشار إلى إعراب الفعل المضارع المعتل الآخر وأحواله بقوله:
وأي فعل آخر منه ألف
…
أو واو أو ياء فمعتلا عرف
فالألف انو فيه غير الجزم
…
وأبد نصب ما كـ"يدعو يرمي"
والرفع فيهما انو واحذف جازما
…
ثلاثهن تقض حكمًا لازما*
=
* "وسم" فعل أمر. "معتلا" مفعول ثان مقدم. "من الأسماء" متعلق بمحذوف حال من ما الموصولة الواقعة مفعولا أول لسم. "كالمصطفى" متعلق بمحذوف صلة الموصول. "والمرتقي" معطوف عليه. "مكارمًا" مفعول المرتقي أو تمييز. "فالأول" مبتدأ أول. "الإعراب" مبتدأ ثان. "فيه" متعلق بقدر الواقع خبرا للمبتدأ الثاني، وجملة الثاني وخبره خبر الأول. "جميعه" توكيد لنائب فاعل قدر المستتر. "وهو" مبتدأ. "الذي" خبر. "قد قصرا" الجملة من الفعل ونائب الفاعل صلة الذي والألف للإطلاق. "والثان منقوص" مبتدأ وخبر. "ونصبه" مبتدأ ومضاف إليه. "ظهر" الجملة خبر نصبه. "ورفعه ينوي" إعرابه كسابقه. "كذا" متعلق بيجر. "أيضًا" مفعول مطلق لمحذوف، أو صلة لمحذوف. "يجر" مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل يعود إلى المنقوص.
* وأي اسم شرط مبتدأ "فعل" مضاف إليه. "آخر" مبتدأ "منه" متعلق بمحذوف صفة لآخر. "ألف" خبر "أو واو، أو ياء" معطوفان على ألف. "فمعتلا" الفاء واقعة في جواب الشرط، ومعتلا مفعول ثان لعرف، أو حال من ضميره مقدم عليه. "عرف" فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود على فعل، وهو المفعول الأول =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أي: يعرف الفعل المعتل؛ بأن يكون آخره: ألفا أو واوا أو ياء، وتقدر الحركات كلها على الألف غير الجزم، وأظهر النصب فيما آخره واو؛ كيدعو، أو ياء؛ كيرمي، وقدر الرفع فيهما، واحذف الحروف الثلاثة في حالة دخول الجازم على الأفعال.
تتمة: نذكر هنا في إجمال: حكم الفعل الناقص؛ وهو ما كانت لامه حرف علة؛ واوا، أو ياء، أو ألفا منقلبة عنهما. وننقل هنا ما أوجزناه في كتابنا:"التوضيح والتكميل لشرح ابن عقيل" فنقول: الفعل الناقص: إما ماض، أو مضارع، أو أمر.
حكم الماضي:
أ- إذا كان آخره واوا أو ياء وأسند إلى تاء الفاعل، أو الضمير "نا" أو نون النسوة؛ لا يحدث فيه تغيير ويسكن آخره؛ تقول: سروت، رضيت، سرونا، رضينا، سرون، رضين، وإذا أسند لتاء التأنيث، أو الألف الاثنين فكذلك. ويفتح ما قبل التاء والألف؛ تقول: سروَت، رضيَت، سروَا، رضيَا. أما إذا أسند لواو الجماعة، فيحذف الآخر ويضم ما قبل الواو؛ تقول: سروا، رضوا.
ب- وإذا كان آخر الماضي ألفا وأسند إلى تاء الفاعل، أو الضمير "نا" أو نون النسوة، أو ألف الاثنين؛ فإن كانا ثلاثيا ردت الألف إلى أصلها؛ تقول: دعَوت، سعَين، دعونا، سعينا، دعون، سعين، دعوا، سعيا. وتحذف الألف إذا أسند لتاء التأنيث؛ تقول دعت، سعت، وإن كان غير ثلاثي قلبت ياء؛ تقول: ارتضَيت، اهتدَيت، ارتضَينا، اهتدينا، ارتضين، اهتدين، ارتضيا، اهتديا. وإذا أسند لواو الجماعة، حذفت الألف "لام الفعل" وفتح ما قبل الواو للدلالة على الألف المحذوفة، تقول: دعوا، سعوا، ارتضوا، اهتدوا. =
= والجملة جواب الشرط، وجملة الشرط، وجوابه خبر المبتدأ، وهو أي. "فالألف" مفعول لفعل محذوف يفسره انو؛ أي: اقصد مثلا "غير" مفعول انو. "الجزم" مضاف إليه. "وابد" معطوف على انو. "نصب" مفعول به. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "كيدعو" متعلق بمحذوف صلة. "يرمي" معطوف على يدعو بإسقاط العاطف. "والرفع" مفعول مقدم بانو. "فيهما" متعلق بانو. "جازما" حال من فاعل احذف. "ثلاثهن" مفعول احذف بتقدير مضاف، ومفعول جازما محذوف، والتقدير: احذف أواخر ثلاثهن حال كونك جازما الأفعال. "تقض" مضارع مجزوم في جواب الأمر وهو احذف. "حكما" مفعول تقض لتضمنه معنى تؤدي. "لازما" نعت لحكما.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= حكم المضارع:
أ- إذا كان آخره واو أو ياء، وأسند إلى نون النسوة، سلم الآخر وسكن؛ تقول: النسوة يدعون؛ يقضين. وإذا أسند إلى ألف الاثنين؛ سلم الآخر كذلك ويفتح ما قبل الألف؛ تقول: المحمدان يدعوان، يقضيان، ويحذف الآخر مع واو الجماعة وياء المخاطبة مع ضم ما قبل الواو وكسر ما قبل الياء؛ للمناسبة، تقول: يدعون، يقضين، أنت يا فاطمة تدعين، تقضين. ويلاحظ أن الواو هنا ضمير جماعة الذكور، وليست لام الكلمة، والنون علامة الرفع.
ب- وإذا كان آخره ألفا وأسند إلى نون النسوة، أو ألف الاثنين، تقلب الألف ياء، ويسكن ما قبل نون النسوة، ويفتح ما قبل ألف الاثنين؛ تقول: أنتن ترضين، تسعين، أنتما ترضيان، تسعيان، وإذا أسند إلى واو الجماعة أو ياء المخاطبة، حذفت الألف وفتح ما قبل الواو والياء؛ لدلالة على المحذوف؛ تقول: أنتم ترضون، تسعين، أنتن ترضين، تسعين.
حكم الأمر:
الأمر كالمضارع المجزوم في جميع ما تقدم؛ لأن لام الناقص تحذف في الأمر لبنائه على حذف العلة، وعند إسناده إلى الضمائر تعود إليه اللام؛ فإذا كانت لامه واوا أو ياء، وأسند لنون النسوة أو ألف الاثنين، سلمت لامه؛ تقول: يا نسوة ادعون، ارمين، ادعيا، ارميا، وإن كانت ألفا قلبت ياء؛ تقول: ارضين، ارضيا، اخشين، اخشيا. وإذا أسند لواو الجماعة أو ياء المخاطبة، حذفت لامه مطلقًا؛ واوا كانت، أو ياء، أو ألفا. وبقي ما قبل الألف في الموضعين مفتوحا، وكسر ما عداه قبل ياء المخاطبة، وضم قبل واو الجماعة، تقول: ارضوا، اخشو، تزكوا، اغزوا، ارموا، استدعوا، ارضي، اخشي، اسري، أعطي، استدعي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأسئلة والتمرينات:
1 -
لم يبن الاسم؟ وضح ما قيل في أسباب ذلك، ومثل بأمثلة من إنشائك.
2 -
اشرح قول ابن مالك:
وفعل أمر ومُضىٍّ بنيا
…
وأعربوا مضارعا إن عريا
من نون توكيد مباشر ومن
…
نون إناث كيرعن من فتن
وبين الحالات التي يبنى عليها كل من الفعل الماضي وفعل الأمر، مع التمثيل.
3 -
اذكر اللغات الواردة في إعراب الأسماء الستة، وبين شرط إعراب "ذو" و"فم" بالحروف.
4 -
اذكر الأنواع الملحقة بجمع المذكر السالم، وحكمها في الإعراب، ومثل.
5 -
كيف تعرب ما سمي به من جمع المؤنث السالم؟ اشرح ذلك بالمثال.
6 -
ما الذي يشترط في الاسم الذي يثنى؟ وما حكم "كلا وكلتا"، و"اثنان واثنتان"؟
7 -
يستشهد النحويون في هذا الباب بما يأتي: بين موضع الاستشهاد، وأعرب ما تحته خط.
قال -تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} ، {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} ، {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ} ، {كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ} .
فلنعم حشو الدرع أنت إذا
…
دعيت نزال ولج في الذعر
كلاهما حين جد الجري بينهما
…
قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي
فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى
…
مساغا لناباه الشجاع لصمما
وما أنت باليقظان ناظره إذا
…
نسيت بمن تهواه ذكر العواقب
فما سودتني عامر عن وراثة
…
أبى الله أن أسمو بأم و لا أب
8 -
بين الأفعال المبنية والمعربة فيما يأتي، ونوع البناء والإعراب، مع بيان السبب: امض فيما أمرت به ولا تخش في الحق لومة لائم {وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} قاوموا العدوان بكل ما تستطيعون من قوة، ولا يدخلن اليأس في قلوبكم، وليبذل كل ما يستطيع، ولا تفرطوا في تقوى الله؛ فمن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= 9 - ثن واجمع ما يمكن تثنيته وجمعه من الكلمات الآتية، وبين سبب ما لا يمكن.
فتح الله، نعمان، عصا، أحمر، بنت، ابن، صحراء، ذو القعدة، محمدين، مرضع. أهل، نعمى، مهتد، الله، نهرو، مكة.
10 -
فيا رب إن لم تجعل الحب بيننا
…
سواءين فاجعلني على حبها جلدا
في هذا البيت شذوذ كما يقول النحويون، بين موضع الشذوذ وسببه.
11 -
ضع مضارع وأمر الأفعال الآتية في جمل مفيدة من إنشائك، بحيث يكون مبنيا على ما يمكن من أنواع البناء.
استعان، قرب، نأى، عسى، ولى، فر، سرى، انتهى.
هذا
باب النكرة والمعرفة
الاسم: "نكرة" وهي الأصل
(1)
، وهي عبارة عن نوعين:
أحدهما: ما يقبل "أل" المؤثرة للتعريف
(2)
؛ كرجل وفرس ودار وكتاب.
والثاني: ما يقع موقع ما يقبل "أل" المؤثرة للتعريف؛ نحو: ذي، ومن، وما؛ في قولك: مررت برجل ذي مال، وبمن معجب لك، وبما معجب لك؛ فإنها واقعة موقع "صاحب" و"إنسان"، و"شيء"
(3)
، وكذلك نحو:"صه" منونا؛ فإنه واقع موقع قولك: "سكوتا"
(4)
.
هذا باب النكرة والمعرفة:
(1)
قيل: لأنها لا تحتاج في دلالتها على المعنى المراد منها، إلى قرينة، بخلاف المعرفة، وما يحتاج فرع عما لا يحتاج. وأيضا فالنكرة أساس المعرفة، إذ لا توجد معرفة إلا لها اسم نكرة. وتوجد نكرات لا معارف لها؛ كأحد وديار، ويعرفها النحويون بأنها: اسم يفهم معناه ومدلوله بمجرد سماعه وهذا المعنى الذهني غير معين، ولا محدود في الواقع والمشاهد، أو هي ما شاعت في جنس موجود أو مقدر؛ فالأول كرجل، والثاني كشمس وقمر.
(2)
احترز بذلك من؛ نحو: الحسن والعباس؛ فإن "أل" لا تؤثر فيهما التعريف؛ لأنهما معرفتان بالعلمية قبل دخول أل.
(3)
"صاحب" راجع لذي، وهو يقبل "أل" المؤثرة للتعريف؛ لأنه صار بالاستعمال صفة مشبهة، فأشبه الأسماء الجامدة، بخلاف "صاحب" اسم فاعل بمعنى مصاحب، فإن "أل" الداخلة عليه موصلة لا تؤثر فيه تعريفا. و"إنسان" راجع لـ"من" النكرة الموصوفة للعاقل، وهو يقبل "أل"؛ فتقول: الإنسان. و"شيء" راجع لـ"ما" التي لغير العاقل، وهو يقبل "أل"؛ تقول: الشيء. ومثل "ما" و"من" الموصوفتين الشرطيتان والاستفهاميتان، وكذلك "أين" و"كيف".
(4)
أي: وسكوتا يقبل "أل"؛ لأنه مصدر؛ تقول: السكوت. ومذهب الجمهور أن أسماء الأفعال واقعة موقع الأفعال.
و"معرفة" وهي الفرع
(1)
، وهي عبارة عن نوعين: أحدهما: ما لا يقبل "أل" البتة
(2)
، ولا يقع موقع ما يقبلها؛ نحو: زيد، وعمرو.
والثاني: ما يقبل "أل" ولكنها غير مؤثرة للتعريف؛ نحو: حارث، وعباس، وضحاك؛ فإن "أل" الداخلة عليها للمح الأصل بها
(3)
.
و
أقسام المعارف
سبعة:
المضمر؛ كأنا وهم، والعلم؛ كزيد وهند، والإشارة؛ كذا وذي، والموصول
(4)
؛ كالذي والتي، وذو الأداة
(5)
؛ كالغلام والمرأة، والمضاف لواحد منها؛ كابني وغلامي، والمنادى
(6)
؛ نحو: يا رجل، لمعين.
(1)
ويعرفها النحاة بأنها: اسم يدل على شيء واحد معين.
(2)
أي: قطعا. قال سيبويه: ولا يستعمل "البتة" إلا بالألف واللام، وأجاز الفراء تنكيره؛ فيقال لا أفعله ألبتة -وبتة- لكل أمر لا رجعة فيه، وهو منصوب على المصدر المؤكد، وهمزته للقطع سماعا، والتاء فيه للواحدة.
(3)
أي: وهو التنكير، وليست للتعريف؛ لأنها معارف بالعلمية، وإنما لوحظ معناها الأصلي قبل أن تكون أعلاما، وقد كانت نكرات تقبل "أل" ثم عرفت بالعلمية. وسيأتي إيضاح لهذا باب العلم.
(4)
قيل: إن تعريف الموصول بالعهد الذي في الصلة، وقيل بأل؛ ملفوظة في نحو: الذي والتي، أو غير ملفوظة، بل يكون الموصول في معنى ما فيه "أل"؛ كـ"من" و"ما".
(5)
أي: الذي تدخل عليه أداة التعريف، وهي "أل" المعرفة، سواء كان مذكرا أو مؤنثًا.
(6)
المراد به النكرة المقصودة؛ على القول بأن تعريفها بالقصد. وإلى ما تقدم يشير ابن مالك بقوله:
نكرة قابل "أل" مؤثرا
…
أو واقع موقع ما قد ذكرا
وغيره معرفة كهم وذي
…
وهند وابني والغلام والذي*
أي: إن النكرة: اسم قابل لفظ "أل" الذي يؤثر فيها التعريف، أو واقع موقع اللفظ الذي يقبلها، وغير المذكور معرفة، وقد ذكر الناظم ستة أنواع ولم يذكر السابع؛ وهو المنادى؛ لأن المشهور أنه نكرة موصوفة.
* "نكرة" مبتدأ. قابل" خبر. "أل" مضاف إليه مقصود لفظه. "مؤثرا" حال من أل. "أو واقع" معطوف على قابل.
"موقع" ظرف مكان. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "قد ذكرا" الجملة من الفعل ونائب الفاعل صلة الموصول والألف للإطلاق. "وغيره" مبتدأ مضاف إلى الضمير العائد على النكرة، وأفرد الضمير للإرادة المذكور "معرفة" خبر المبتدأ. "كهم" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: وذلك كهم "وذي، وهند، وابني، والغلام، والذي" معطوفات على هم.
فصل في المضمر:
المضمر والضمير: اسمان لما وضع لمتكلم؛ كأنا، أو لمخاطب؛ كأنت، أو لغائب؛ كهو، أو لمخاطب تارة ولغائب أخرى، وهو: الألف، والواو، والنون؛ كقوما وقاما، وقوموا وقاموا، وقمن
(1)
وينقسم إلى:
بارز:
وهو ما له صورة في اللفظ؛ كتاء "قمت"،
(1)
تقول للمخاطب: قمن يا فتيات، وللغائب: الفتيات قمن. وفي هذا يقول الناظم:
فما لذي غيبة أو حضور
…
"كأنت وهو" سم بالضمير
وألف والواو والنون لما
…
غاب وغيره "كقاما واعلما"*
أي: إن الضمير هو الاسم الجامد الذي يدل على غائب؛ كهو، أو حاضر كأنت، ويشمل المتكلم، والألف والواو والنون للغائب، وغيره، وهو المخاطب لا غير؛ لأن هذه الثلاثة لا تكون للمتكلم أصلًا.
* "فما" اسم موصول مفعول أول لسم، "لذي" متعلق بمحذوف صلة ما "غيبة" مضاف إليه. "أو حضور" معطوف على غيبة. "كأنت" متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أو حال من ما. "وهو" معطوف على أنت. "سم" فعل أمر وفاعله أنت. "بالضمير" متعلق بسم، وهو المفعول الثاني لها، "وألف" مبتدأ والواو، والنون، معطوفان على ألف "لما" متعلق بمحذوف خبر المبتدأ "غاب"الجملة صلة ما. "وغيره" معطوف على "ما" مضاف إلى الضمير "كقاما" الكاف جارة لقول محذوف خبر لمبتدأ محذوف على نحو ما تقدم. "قاما" فعل ماض وألف الاثنين فاعل. "واعلما" فعل أمر مبني على حذف النون، والألف فاعل، والجملة معطوفة على جملة "قاما".
وإلى مستتر:
وهو بخلافه
(1)
؛ كالمقدر في "قم". وينقسم البارز إلى:
متصل:
وهو ما لا يفتتح به النطق، ولا يقع بعد إلا، كياء ابني، وكاف أكرمك، وهاء سلنيه ويائه
(2)
.
وأما قوله:
ألا يجاورنا إلاك ديار
(3)
فضرورة.
وإلى منفصل:
وهو ما يبتدأ به، ويقع بعد "إلا"؛ نحو "أنا"؛ تقول:"أنا" مؤمن، وما قام إلا "أنا".
(1)
أي: ما ليست له صورة في اللفظ، بل يكون خفيا مقدرا غير ظاهر في اللفظ والكتابة، والتعبير عنه بالضمير المنفصل، إنما هو لتقريب الفهم على المبتدئين.
(2)
في هذه الأمثلة إشارة إلى أنواع الضمير الثلاثة؛ وهي التكلم، والخطاب، والغيبة، ومحالها، من الرفع والنصب والجر. وترتيبها يشير إلى الأعرفية؛ لأن ضمير المتكلم في "ابني" أعرف من ضمير المخاطب في "أكرمك" وهذا أعرف من هذا الغائب في "سلنيه" وفيما تقدم يقول الناظم:
وذو اتصال منه ما لا يبتدا
…
ولا يلي "إلا" اختيارا أبدا
كالياء والكاف من "ابني أكرمك"
…
والياء والهاء من "سليه ما ملك"*
أي: إن الضمير المتصل؛ هو الذي لا يبتدأ به، ولا يقع بعد "إلا" في الاختيار على الصحيح. وقد مثل لضمير المتكلم المجرور، بالياء في "ابني" ولضمير المخاطب المنصوب، بالكاف في "أكرمك" وللمرفوع، بيا المخاطبة في "سلي". ومثل للغائب المنصوب، بالهاء في "سليه".
(3)
عجز بيت من البسيط؛ أنشده الفراء، ولم ينسب لقائل. وصدره:
وما نبالي إذا ما كنت جارتنا
=
* "وذو" مبتدأ. "اتصال" مضاف إليه. "منه" متعلق بمحذوف نعت لذي اتصال. "ما" اسم موصول خبر المبتدأ، ويجوز العكس. "لا" نافية "يبتدأ" الجملة من الفعل ونائب الفاعل المستتر لا محل لها صلة الموصول. "ولا" نافية. "يلي" مضارع وفاعله يعود إلى ما، والجملة معطوفة على جملة الصلة. "إلا" مفعول "يلي" قصد لفظه. =
وينقسم المتصل بحسب مواقع الإعراب إلى ثلاثة أقسام:
ما يختص بمحل الرفع:
وهو خمسة: التاء
(1)
؛ كقمت والألف كقاما، والواو كقاموا، والنون كقمن، وياء المخاطبة كقومي
(2)
= اللغة والإعراب: ما نبالي: لا نكترث ولا نهتم. من المبالاة. وهي الاكتراث بالأمر والاهتمام به، وأكثر ما يستعمل هذا الفعل بعد النفي؛ تقول: ما أباليه، ولا أبالي به، أي: ما أكترث به. ديار: أحد، وكلاهما لا يستعمل إلا بعد نفي، أو شبهه. "وما" نافية.
"نبالي" مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء، والفاعل نحن، ومفعوله محذوف؛ أي: لا نبالي شيئا. ويجوز أن تكون "ما" استفهامية مبتدأ والجملة بعدها خبر؛ أي: أي شيء الذي نباليه "إذا" ظرف فيه معنى الشرط، و"ما" بعدها زائدة. "كنت" فعل الشرط والتاء اسمها "جارتنا" خبر كان ومضاف إليه، وجواب الشرط محذوف للعلم به، أي: لا نبالي ولا شيء علينا "ألا" أن مصدرية و"لا" نافية. "يجاور" مضارع منصوب بأن و"نا" مفعوله مقدم. "إلا" أداة استثناء من: "ديار" الواقع فاعلا مؤخرا، والكاف في محل نصب على الاستثناء؛ لتقدمه على المستثنى منه. ويجوز جعل المصدر المنسبك من أن وما بعدها، منصوبا على نزع الخافض؛ أي: لا نبالي في عدم مجاورة غيرك.
المعنى: لا يهمنا ولا يعنينا عدم مجاورة أحد غيرك لنا، إذا كنت لنا جارة.
والشاهد: في "إلاك" حيث وقع الضمير المتصل بعد "إلا"؛ لضرورة الشعر، وهو غير سائغ في الاختيار.
(1)
وتبنى على الضم إذا كانت للمتكلم، وعلى الفتح إذا كانت للمخاطب المذكر، وعلى الكسر إذا كانت للمخاطبة، وتتصل بها الميم والألف؛ للدلالة على خطاب الاثنين، والميم الساكنة؛ للدلالة على خطاب جمع الذكور، والنون المشددة لخطاب جمع الإناث.
(2)
مثال للحوقها للأمر، وتكون للمضارع؛ مثل "تقومين".
= "اختيارا" منصوب على نزع الخافض. "أبدا" ظرف زمان متعلق بيلى. "كالياء" خبر لمبتدأ محذوف من الفعل. "والكاف" معطوف على الياء. "من ابني" متعلق بمحذوف حال من الياء. "أكرمك" الجملة من الفعل والفاعل والمفعول، معطوف على بني بحذف حرف العطف؛ وهي حال من الكاف. "والياء والهاء" معطوفان على الياء. "من سليه" من جارة والمجرور مقصود لفظه، متعلق بمحذوف حال. "سليه" فعل أمر، وياء المخاطبة فاعل، والهاء مفعول أول. "ما" اسم موصول مفعول ثان. "ملك" الجملة صلة الموصول.
وما هو مشترك بين محل النصب والجر فقط:
وهو ثلاثة: ياء المتكلم؛ نحو: ربي أكرمني
(1)
، وكاف المخاطب؛ نحو:{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ}
(2)
، وهاء الغائب؛ نحو:{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ}
(3)
.
وما هو مشترك بين الثلاثة: وهو "نا" خاصة؛ نحو: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا}
(4)
. وقال بعضهم: لا يختص ذلك بكلمة "نا" بل "الياء" وكلمة "هم" كذلك؛ لأنك تقول: قومي، وأكرمني، وغلامي، وهم فعلوا، وإنهم، ولهم مال. وهذا غير سديد؛ لأن ياء المخاطبة غير ياء المتكلم، والمنفصل غير المتصل.
وألفاظ الضمائر كلها مبنية
(5)
.
(1)
الياء الأولى في "ربي" في محل جر بالإضافة، والثانية في محل نصب؛ لأنها مفعول.
(2)
الأولى في محل نصب على المفعولية، والثانية في محل جر بالإضافة.
(3)
الهاء الأولى في محل جر بالإضافة، والثانية في محل نصب على المفعولية. هذا وقد تقع هذه الضمائر الثلاثة بعد "لولا" الامتناعية التي لا يقع بعدها إلا مبتدأ؛ فتكون في محل رفع على الابتدائية؛ نحو: لولاي ما نجحت، ولولاك ما تعبت، ولولاه لحدث ما نكره. ولا يجوز اعتبارها ضمير رفع إلا في هذه الحالة.
(4)
"نا" الأولى في محل جر بالإضافة لرب، والثانية في محل نصب اسم "إن"، والثالثة محلها رفع على الفاعلية. قال ابن مالك في هذا:
للرفع والنصب وجر "نا" صلح
…
كاعرف بنا فإننا نلنا المنح*
أي: صلح الضمير "نا" للأمور الثلاثة، فيكون في محل جر؛ مثل: اعرف بنا؛ أي: اعترف بقدرنا، وفي محل نصب؛ مثل: إننا، وفي محل رفع؛ نحو: نلنا المنح؛ أي: العطايا.
(5)
تقدم أن سبب بنائها مشابهتها الحرف في الوضع والجمود. قال الناظم مشيرا إلى ذلك:
وكل مضمر له البنا يجب
…
ولفظ ما جر كلفظ ما نصب*
أي: إن كل ضمير لا بد أن يكون مبنيا، والمجرور كالمنصوب في الصورة؛ ولو مع اختلاف الحركة، وكذلك المرفوع، وقد تركه الناظم لضيق النظم.
* "للرفع" جار ومجرور متعلق بصلح. "والنصب وجر" معطوفان على للرفع. "نا" مقصود لفظه مبتدأ. "صلح" الجملة خبر المبتدأ. "كاعرف" خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: وذلك كقولك. "اعرف" فعل أمر وفاعله مستتر. "بنا" متعلق باعرف. "فإننا" الفاء للتعليل وإن اسمها. "نلنا" الجملة من الفعل والفاعل خبر إن. "المنح" مفعول لنال، وسكن للوقف.
ويختص الاستتار بضمير الرفع
(1)
.
وينقسم المستتر إلى:
مستتر وجوبًا: وهو ما لا يخلفه ظاهر ولا ضمير منفصل
(2)
، وهو: المرفوع بأمر الواحد
(3)
كقم، أو بمضارع مبدوء بتاء خطاب الواحد
(4)
كتقوم، أو بمضارع مبدوء بالهمزة كأقوم، أو بالنون كنقوم، أو بفعل استثناء؛ كخلا، وعدا، ولا يكون في ذلك قولك:
(1)
اعلم أن هنالك فرقا بين المستتر والمحذوف؛ فالمستتر في حكم الحاضر الملفوظ وإن كان لا ينطق به. وهو نوع من المتصل، ولا يمكن الاستغناء عنه في الجملة، وهذا خاص بضمير الرفع. أما المحذوف فيكون في موضع رفع، أو نصب، أو جر، وليس في حكم الحاضر، ويمكن النطق به، كما يمكن الاستغناء عنه أحيانا.
(2)
أي: لا يقع محله اسم ظاهر ولا ضمير منفصل يرتفع بعامله الذي في الجملة، فالضمير المنفصل في "يقوم" مثلا، لا يصح أن يحل محله اسم ظاهر كمحمد، ولا ضمير منفصل. ولفظ "نحن" الذي ننطق به تعبيرا عن المستتر، ليس معمولا للفعل، وإنما هو توكيد له.
(3)
أي: بفعل الأمر المخاطب به الواحد المذكر. أما المخاطب به الواحدة نحو: قومي، أو المثنى نحو: قوما، أو الجمع نحو: قوموا وقمن، فيبرز ضميره، ويعرب فاعلا في الأمثلة.
(4)
أما المبدوء بتاء خطاب الواحدة؛ مثل: تقومين، أو المثنى أو الجمع بنوعيه، فيبرز، والمبدوء بتاء الغائبة مستتر جوازا؛ نحو: هند تقرأ.
* "وكل" مبتدأ أول. "مضمر" مضاف إليه. "له" متعلق بيجب. "البنا يجب" مبتدأ ثان وخبر، والجملة خبر الأول "ولفظ" مبتدأ. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "جر" الجملة من الفعل ونائب الفاعل صلة ما. "كلفظ" الجار والمجرور خبر المبتدأ "ما" اسم موصول مضاف إليه. "نصب" الجملة من الفعل ونائب الفاعل لا محل لها من الإعراب، صلة الموصول.
قاموا ما خلا زيدًا، وما عدا عمرًا، ولا يكون زيدًا
(1)
، أو بأفعل في التعجب
(2)
، أو بأفعل التفضيل
(3)
؛ كما أحسن الزيدين، وهم أحسن أثاثًا، أو باسم فعل غير ماض؛ كـ"أَوَّه، ونزال"
(4)
.
وإلى مستتر جوازًا: وهو ما يخلفه ذلك
(5)
، وهو: المرفوع بفعل الغائب أو الغائبة، أو الصفات المحضة
(6)
، أو اسم الفعل الماضي؛ نحو: زيد قام، وهند قامت، وزيد قائم
(1)
الضمير في أفعال الاستثناء مستتر وجوبًا، تقديره "هو" وسيأتي شرح موضعه في باب "الاستثناء".
(2)
فاعل فعل التعجب مستتر وجوبًا يعود على "ما".
(3)
أي: في غير مسألة "الكحل" المشهورة؛ فإنه يرفع فيها الظاهر باطراد، وكذلك يرفع البارز على لغة في نحو: مررت برجل أفضل منه أنت، إذا لم يعرب أنت مبتدأ.
(4)
بمعنى: أتوجع، وانزل. ومن المواضع التي يستتر فيها الضمير وجوبًا: أن يكون فاعلًا للمصدر النائب عن فعله الأمر؛ نحو: قياما للضيف؛ فقياما مصدر وفاعله مستتر جوبًا، تقديره أنت؛ لأنه بمعنى "قم" وقد اقتصر الناظم على هذا القسم، وذكر أربعة من المواضع بالأمثلة في قوله:
ومن ضمير الرفع ما يستتر
…
كافعل أوافق نغتبط إذ تشكر*
وهذه الأربعة هي: فعل الأمر للمذكر المخاطب؛ كـ"افعل"، والمضارع الذي في أوله همزة المتكلم؛ مثل:"أوافق، والذي في أوله النون؛ نحو: "نغتبط"، والمبدوء بتاء الخطاب للواحد؛ نحو: "تشكر".
(5)
أي: الظاهر، أو الضمير المنفصل؛ لأن عامله يرفع المستتر وغيره.
(6)
أي: الخالصة من شائبة الاسمية؛ كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة. وقد مثل لذلك المصنف. وبقيت أمثلة المبالغة؛ نحو: محمد ضراب، أو مضراب
…
إلخ، أما الصفات غير المحضة؛ وهي التي غلبت عليها الاسمية، فلا تتحمل ضميرًا؛ مثل: الأبطح، والأجرع، والأبيض، والأرحب.
* "ومن ضمير" جار ومجرور خبر مقدم "الرفع" مضاف إليه. "ما" اسم موصول مبتدأ مؤخر؛ "يستتر" الجملة صلة الموصول. "كافعل" تقدم إعراب مثله. "أوافق" مضارع مجزوم في جواب الأمر. "نغتبط" بدل من أوافق. "إذ" ظرف للزمان الماضي متعلق بنغتبط في محل نصب. "تشكر" الجملة من الفعل والفاعل في محل جر بإضافة إذ إليها.
أو مضروب أو حسن، وهيهات؛ ألا ترى أنه يجوز: زيد قام أبوه، أو ما قام إلا هو؟ وكذا الباقي.
تنبيه: هذا التقسيم تقسيم ابن مالك وابن يعيش
(1)
وغيرهما، وفيه نظر؛ إذ الاستتار في نحو: زيد قام، واجب؛ فإنه لا يقال: قام "هو" على الفاعلية
(2)
.
وأما زيد قام أبوه، أو ما قام إلا هو، فتركيب آخر
(3)
، والتحقيق أن يقال: ينقسم العامل إلى ما لا يرفع إلا الضمير المستتر كأقوم، وإلى ما يرفعه وغيره كقام.
وينقسم المنفصل بحسب مواقع الإعراب إلى قسمين:
ما يختص بمحل الرفع وهو: أنا، وأنت، وهو، وفروعهن.
ففرع "أنا" نحن، وفرع "أنت": أنت، وأنتما، وأنتم، وأنتن، وفرع "هو" هي، وهما، وهم، وهن
(4)
.
(1)
هو أبو البقاء، يعيش بن علي بن يعيش الحلبي النحوي. ولد بحلب سنة 553 هـ، وأخذ عن علمائها، ورحل إلى بغداد ودمشق، وكان من كبار أئمة العربية ولا سيما النحو والصرف. وقد غالب فضلاء حلب، وتصدر للإقراء بها زمانًا وشاع صيته، مع حسن الفهم وظرف الشمائل. ومن تأليفه:"شرح المفصل" وهو معروف متداول، و"شرح تصريف ابن جني". ومات بحلب سنة 643 هـ.
(2)
بل "هو" توكيد للفاعل المستتر كما قدمنا.
(3)
أسند فيه القيام إلى سببي زيد، أو إلى ضميره المحصور بإلا. وإنما يتجه هذا الاعتراض إذا كان قصد ابن مالك وابن يعيش من تعريف المستتر جوازا بأنه ما يخلفه الظاهر أو الضمير المستتر؛ أن أحدهما يخلفه في تأدية معناه، وهما لم يقصدا ذلك؛ وإنما مرادهما: أن أحدهما يخلفه في رفع العامل إياه وإن لم يكن المعنى واحدا، وبهذا يندفع الاعتراض.
(4)
الجملة اثنا عشر ضميرا: اثنان للمتكلم، وخمسة للمخاطب، ومثلها للغائب. وفيها يقول الناظم:
وذو ارتفاع وانفصال أنا هو
…
وأنت والفروع لا تشتبه*
أي: إن الضمير المرفوع المنفصل هو: "أنا" للمتكلم، و"هو" للغائب، و"أنت" للمخاطب، وفروعها معروفة، وقد بينها المصنف.
وما يختص بمحل النصب: وهو "إيَّا" مردفًا بما يدل على المعنى المراد
(1)
؛ نحو: إياي للمتكلم، وإياك للمخاطب، وإياه للغائب، وفروعها: إيَّانا، وإيَّاكَ، وإيَّاكِ وإيَّاكما، وإيَّاكم، وإيَّاكن، وإيَّاها، وإيَّاهما، وإيَّاهم، وإيَّاهن.
تنبيه: المختار أن الضمير نفس "إيَّا"، وأن اللواحق لها حروف تكلم، وخطاب، وغيبة
(2)
.
(1)
أي: من تكلم أو خطاب أو غيبة، وتذكير أو تأنيث، وإفراد أو تثنية أو جمع، والجملة اثنا عشر ضميرا. وأقسامها كالسابقة، وفيها يقول الناظم:
وذو انتصاب وانفصال جعلا
…
"إياي" والتفريع ليس مشكلا*
أي: إن الضمير المنصوب المنفصل هو "إياي" للمتكلم، وفروعه معروفة، وقد أوضحها المصنف أيضًا، وليس هنالك ضمير منفصل بارز في محل جر، كما أنه ليس هناك ضمير متصل بارز في محل نصب فقط، أو جر فقط.
(2)
هذا مذهب سيبويه، وذهب الخليل إلى أن اللواحق ضمائر، و"إيا" ضمير مضاف إليها، واختار هذا ابن مالك، وهو رأي ضعيف؛ لأنه لم تعهد إضافة الضمائر. وأما قولهم:"وإذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب"، فشاذ. وذهب بعض البصريين وجمع من الكوفيين إلى أن اللواحق هي الضمائر، وكلمة "إيا" عماد؛ أي: زيادة تعتمد عليها اللواحق؛ ليتميز المنفصل من المتصل.
أما "أنا" و"أنت" وفروعه من ضمائر الرفع؛ فقيل: إن الضمير هو الهمزة والنون. أما الألف فزائدة، والتاء حرف خطاب، واللواحق الأخر لبيان المراد من إفراد وتثنية وجمع. وقيل -وهو الصحيح- أن الضمير مجموع "أنا" و"أنت". وأما "هو" وفروعه، فالمجموع هو الضمير.
* "وذو" مبتدأ. "ارتفاع" مضاف إليه. "وانفصال" معطوف على ارتفاع. "أنا" خبر المبتدأ. هو وأنت معطوفان على أنا. "والفروع" مبتدأ. "لا تشتبه" لا نافية والجملة خبر المبتدأ وهو الفروع، ويجوز أن يكون. "ذو" خبرا مقدما، و"أنا" مبتدأ مؤخر، و"هو" مبتدأ، و"أنت" معطوف عليه، والخبر محذوف؛ كي كذلك.
* "وذو انتصاب" مبتدأ ومضاف إليه. "في انفصال" في موضع الحال من مرفوع جعلا العائد إلى ذو. "جعلا" فعل ماض مبني للمجهول، والألف للإطلاق ونائب فاعله هو المفعول الأول. "إياي" مفعوله الثاني، والجملة خبر المبتدأ. "والتفريع" مبتدأ. "ليس مشكلا" الجملة من ليس واسمها وخبرها خبر المبتدأ.
فصل: القاعدة أنه متى تأتى اتصال الضمير لم يعدل إلى انفصاله
(1)
.
فنحو: قمت، وأكرمتك، لا يقال فيهما: قام أنا، ولا أكرمت إياك.
فأما قوله:
إلا يزيدهم حبا إلي هم
(2)
(1)
ذلك لأن الضمير وضع للاختصار والمتصل أكثر اختصارًا في تكوينه، وفي هذا يقول الناظم:
وفي اختيار لا يجيء المنفصل
…
إذا تأتى أن يجيء المتصل*
أما إذا أمكن أن يؤتى بالضمير المتصل في أي موضع، فلا يعدل عنه إلى المنفصل اختيارا، إلا فيما سيذكر بعد.
(2)
هذا عجز بيت من البسيط، ينسب إلى زياد بن منقذ العدوي التميمي، من قصيدة في الحنين إلى وطنه. وفي الأغاني: أنه لبدر بن سعيد، وصدره:
وما أصاحب من قوم فأذكرهم
اللغة والإعراب:
"ما" نافية. "من قوم" مفعول أصاحب على زيادة "من""فأذكرهم" الفاء للسبية، وأذكر فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد فاء السببية الواقعة جوابا للنفي، ويجوز الرفع عطفا على أصاحب والفاعل أنا، و"هم" مفعول. "إلا" أداة استثناء ملغاة. "هم" مفعول أول ليزيد. "حبا" مفعوله الثاني. "إلى" متعلق بيزيد "هم" الثانية فاعل يزيد.
المعنى: لا أصاحب قوما غير قومي وأذكر قومي أمامهم، إلا يزيد هؤلاء الآخرون حب قومي إلي؛ لما يسبغونه عليهم من الإطراء والثناء.
الشاهد: في "هم" آخر البيت، فقد أتى به منفصلًا للضرورة، والقياس أن يجيء به متصلًا بالفعل؛ فيقول: إلا يزيدونهم.
* "في اختيار" جار ومجرور في محل نصب حال من فاعل يجيء. "لا" نافية. "يجيء المنفصل" فعل وفاعل. "إذا" ظرف للمستقبل مضمن معنى الشرط. "تأتي" فعل ماض "أن يجيء المتصل" أن والفعل والفاعل في تأويل مصدر فاعل تأتى؛ أي: مجيء المتصل، وجملة تأتى فعل الشرط، وجوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه.
وقوله:
إياهم الأرض في دهر الدهارير
(1)
فضرورة.
ومثال ما لم يتأت فيه الاتصال: أن يتقدم الضمير على عامله؛ نحو: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، أو يلى "إلا"؛ نحو:{أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} .
(1)
هذا عجز بيت من البسيط للفرزدق، من قصيدة يمدح بها يزيد بن عبد الملك بن مروان. وصدره:
بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت
اللغة والإعراب:
الباعث: الذي يبعث الأموات بعد فنائها ويحييها. الوارث: الذي ترجع إليه الأملاك بعد فناء أصحابها. ضمنت: تضمنت واشتملت عليهم. الدهارير: الشدائد؛ يقال: دهر دهارير؛ أي: شديد، كما يقال: ليلة ليلاء، ونهار أنهر، ويوم أيوم. وقيل واحده دهر على غير قياس وقيل: لا واحد له. "بالباعث" متعلق بحلفت في قوله قبل:
إني حلفت ولم أحلف على فند
…
فناء بيت من الساعين معمور
"الوارث" صفة للباعث "الأموات" مضاف إليه أو منصوب على التنازع للباعث والوارث، وأعمل الثاني، وحذف الضمير من الأول؛ لكونه فضلة "إياهم" مفعول ضمنت. "الأرض" فاعل، والجملة في محل نصب حال من الأموات.
المعنى: أقسمت بالذي يبعث الأموات من قبورهم، ويرثهم بعد موتهم، وقد اشتملت عليهم الأرض، وضمتهم في أزمان الشدائد والمحن، والمقسم عليه في البيت بعده.
الشاهد: في "ضمنت إياهم" حيث أتى بالضمير منفصلًا لضرورة الوزن، والقياس أن يقول: ضمنتهم.
ومنه قوله:
وإنما
…
يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
(1)
لأن المعنى: ما يدفع عن أحسابهم إلا أنا.
ويستثنى من هذه القاعدة مسألتان:
إحداهما: أن يكون عامل الضمير عاملًا في ضمير آخر أعرف منه
(2)
، مقدم عليه،
(1)
هذا عجز بيت من الطويل للفرزدق، من قصيدة يعارض فيها جريرا ويهجوه ويفخر عليه. وصدره:
أنا الذائد الحامي الذمار
…
اللغة والإعراب:
الذائد: المدافع، وهو اسم فاعل، من ذاد الشيء يذوده، دفعه ومنعه. الحامي: هو بمعنى الذائد؛ من الحماية، فهو تفسير له. الذمار: كل ما يلزم الإنسان حفظه وحمايته والدفاع عنه. أحسابهن: جمع حسب، وهو ما يعده الإنسان من مفاخر أصوله. "أنا الذائد" مبتدأ وخبر. "الحامي" صفة للذائد. "الذمار" مفعول الحامي أو مضاف إليه. "إنما" أداة حصر. "أنا" فاعل يدافع. "أو مثلي" معطوف عليه.
والمعنى: أنا الذي أدافع عن قومي وأحمي كل ما تجب حمايته لهم، من أموال وأعراض وغيرهما، ولا يدافع عن أحسابهم ومفاخرهم إلا أنا، أو من كان مثلي في الشجاعة والغيرة وصفات الكمال.
الشاهد: في "أنا" حيث جاء ضميرا منفصلا بعد "إلا" في المعنى والتأويل كما ذكر المصنف. هذا: ومن المواضع التي لا يتأتى فيها الاتصال أن يكون عامل الضمير محذوفا، وذلك في باب "التحذير والإغراء"؛ كما سيأتي؛ نحو: إياك والشر، أو يكون حرف نفي؛ نحو:{مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} ، {إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ} . أو يقع بعد إما المكسورة الهمزة، نحو: إما أنا، وإما أنت. أو يكون منادى عند من يجيز نداء الضمير؛ نحو: يا أنت. أو يكون الضمير تابعا لكلمة تفصل بينه وبين عامله؛ نحو: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} . أو يقع الضمير بعد واو المعية؛ نحو: حضر زملائي وسأسافر وإياهم. أو يكون مبتدأ؛ نحو: أنت أخ وفي. أو يكون فاعلا لمصدر مضاف إلى مفعوله؛ نحو: بمساعدتكم نحن انتصرتم. أو مفعولًا لمصدر مضاف إلى فاعله، نحو: سررت من إكرام الزملاء إياك.
(2)
بينا سابقا أن ضمير المتكلم أعرف من ضمير المخاطب، وهذا أعرف من ضمير الغيبة.
وليس مرفوعًا
(1)
؛ فيجوز حينئذ في الضمير الثاني الوجهان
(2)
، إن كان العامل فعلا غير ناسخ فالوصل أرجح
(3)
؛ كالهاء من سلنيه
(4)
؛ قال الله -تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ}
(5)
، {أَنُلْزِمُكُمُوهَا}
(6)
، {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا}
(7)
.
ومن الفصل: "إن الله ملككم إياهم"
(8)
.
وإن كان اسما فالفصل أرجح
(9)
؛ نحو: عجبت من حبي إياه.
ومن الوصل قوله:
لقد كان حبيك حقا يقينا
(10)
(1)
أي: ليس الضمير المقدم مرفوعا، وهذا يستلزم أن يكون العامل من الأفعال التي تنصب مفعولين.
(2)
الاتصال على الأصل، والانفصال فرارا من توالي اتصالين في فضلتين؛ تقول: الكتاب أعطيتنيه؛ وأعطيتني إياه، وأعطيتكه، وأعطيتك إياه.
(3)
لأنه الأصل ولا مرجح لغيره كما مثلنا.
(4)
أي: في مثل قولك: الخير سلنيه، ومثله: الكتاب ملكنيه، ويجوز سلني إياه، وملكني إياه.
(5)
يكفي فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء، و"الكاف" مفعول أول، و"هم" مفعول ثان، وفيه الشاهد.
(6)
الهمزة للاستفهام. "نلزم" مضارع، والفاعل نحن، والكاف مفعول أول، والميم علامة الجميع، والواو للإشباع، و"ها" ضمير منفصل مفعول ثان، وهو الشاهد.
(7)
يسأل: فعل مضارع مجزوم بإن الشرطية وهو فعل الشرط، والفاعل هو.
(8)
هذا جزء من حديث نبوي، وتمامه. "ولو شاء لملكهم إياكم"، والمراد الأرقاء. والفصل في الجزء الأخير واجب لا جائز؛ لأن الضمير الأول فيه للغائب، وهو غير أعرف من الثاني وهو ضمير المخاطب.
(9)
لأن الاسم إنما يعمل لمشابهته الفعل، فهو أقل اتصالا بالمفعول من الفعل. ويشترط أن يكون أول الضميرين مجرورا كما مثل، سواء كان فاعلًا كالمثال، أو مفعولا؛ نحو: الدرهم إعطاؤك إياه تفضل عليك، ومنعك إياه عقاب لك، والاسم يشمل المصدر واسم الفاعل.
(10)
عجز بيت من المتقارب، من مختارات أبي تمام في الحماسة، ولم ينسبه. وصدره: =
وإن كان فعلًا ناسخًا؛ نحو: "خلتنيه"، فالأرجح عند الجمهور الفصل
(1)
.
كقوله:
أخي حسبتك إياه
…
(2)
=
لئن كان حبك لي كاذبا
اللغة والإعراب:
"لئن" اللام موطئة للقسم، و"إن" شرطية جازمة. "كان" فعل الشرط "حبك" اسمها مضاف إلى الكاف، من إضافة المصدر لفاعله. "كاذبا" خبر كان "لقد" اللام واقعة في جواب القسم. "حبيك" اسم كان مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، والياء مضاف إليه، وهي فاعل المصدر، والكاف مفعوله. "حقا" خبر كان "يقينا" صفة مؤكدة لـ"حقا"، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه.
المعنى: يقول لمحبوبته: لئن كنت كاذبة في حبك لي، فإن محبتي لك صادقة لا شك فيها.
الشاهد: في "حبيك"؛ حيث أتى بالضمير الثاني وهو ضمير المخاطبة متصلا، وذلك أمر سائغ، ولو أتى به منفصلا لقال: حبي إياك، وهو الأرجح.
(1)
لأن الضمير خبر في الأصل، وحق الخبر الانفصال.
(2)
هذا جزء من صدر بيت من البسيط، ولم ينسب لقائل. وتمامه:
وقد ملئت
…
أرجاء صدرك بالأضغان والإحن
اللغة والإعراب: حسبتك إياه: ظننت أنك أخي، أرجاء: نواحي؛ جمع رجا كعصا، وهو الناحية. الأضعان الأحقاد: جمع ضغن؛ وهو الحقد. الإحن: جمع إحنة؛ وهي الحقد أيضا، فالعطف للتفسير والترادف. "أخي" مبتدأ. "حسبتك" فعل وفاعل، والكاف مفعول أول. "إياه" مفعوله الثاني، والجملة خبر المبتدأ، ويجوز أن يكون "أخي" منادى" أو مفعولا بفعل محذوف يفسره. "حسبتك" ويكون من باب الاشتغال كما سيأتي. "وقد ملئت" الواو للحال وقد للتحقيق، ملئت فعل ماض للمجهول، و"أرجاء" نائب فاعل. "صدرك" مضاف إليه والجملة حال.
المعنى: لقد كنت أظنك أخي الحق؛ الذي يشد أزري عند الشدائد، ويدفع عني عوادي الزمن، ولكني وجدت منك صدرا مليئا بالأحقاد والضغائن علي.
الشاهد: في "حسبتك إياه"؛ حيث أتى بالضمير الثاني منفصلا، وهو مفعول لفعل ناسخ وهو حسب، وذلك أرجح عند الجمهور. ويجوز الوصل، ولو وصل لقال: حسبتكه.
وعند الناظم، والرماني
(1)
، وابن الطراوة
(2)
؛ الوصل.
كقوله:
بلغت صنع امرئ بر إخالكه
(3)
(1)
هو أبو الحسن علي بن عيسى المعروف بالرماني. ولد سنة 276 هـ، واشتغل بالعربية، وأخذ عن ابن السراج والزجاج وابن دريد، إلى أن صار إماما في العربية ولا سيما النحو؛ حتى قيل: لم ير مثله قط علما بالنحو، واستخراجا للعويص، وإيضاحا للمشكل، مع فصاحة ودين وعفاف ونظافة، وكان يمزج النحو بالمنطق. وله مؤلفات كثيرة؛ منها: شرح كتاب سيبويه، والمقتضب، وشرح الألف واللام للمازني، ومات رحمه الله سنة 384 هـ في خلافة القادر بالله العباسي.
(2)
هو أبو الحسن سليمان بن محمد المالقي، المشهور بابن الطراوة. كان نحويا ماهرا، وأديبا بارعا يقرض الشعر، وينشئ الرسائل، وسمع على الأعلم كتاب سيبويه، وروى عنه القاضي عياض، وله آراء في النحو تفرد بها، وخالف فيها جمهور النحاة؛ فأثنى عليه بعضهم ونقده آخرون، كابن خروف ونسبه إلى الإعجاب بنفسه، وقد تجول كثيرا في بلاد الأندلس، وألف كتاب "الترشيح" في النحو، والمقدمات على كتاب سيبويه. ومات رحمه الله سنة 528 هـ عن سن عالية. ومن شعره في فقهاء مالقة:
إذا رأوا جملا يأتي على بعد
…
مدوا إليه جميعا كف مقتنص
أو جئتهم فارغا لزوك في قرن
…
وإن رأوا رشوة أتوك بالرحض
(3)
صدر بيت من البسيط، لم نقف على قائله. وعجزه:
إذ لم تزل لاكتساب الحمد مبتدرا
اللغة والإعراب:
بر: صادق، أو محسن كريم. إخالكه: أظنكه. مبتدرا: مسرعا؛ يقال: ابتدر الشيء، بادر إليه وأسرع إلى عمله. "بلغت" ماض للمجهول والتاء نائب فاعل، وهو مفعوله الأول. "صنع امرئ" مفعول ثان ومضاف إليه. "بر" صفة لامرئ "إخالكه" إخال فعل مضارع والفاعل أنا والكاف مفعول أول والهاء مفعول ثان. "إذ" حرف تعليل، أو ظرف في محل نصب متعلق بإخال. "لاكتساب" جار ومجرور متعلق بمبتدرا، الواقع خبر لـ"نزل".
المعنى: علمت بما صنعه امرؤ محسن صادق؛ من الكرم والبر، فظننتك إياه؛ لأني أعلم أنك لا تزال تسرع وتبادر إلى عمل الخير، واكتساب الثناء والحمد.
الشاهد: في "إخالكه" حيث أتى بالضمير الثاني -وهو الهاء- متصلا، وهو مفعول ثان لفعل ناسخ؛ وهو "إخال"، وهذا جائز، ويرجحه ابن مالك ومن معه. ويجوز الفصل، فتقول: إخالك إياه.
الثانية: أن يكون منصوبا بكان أو إحدى أخواتها
(1)
؛ نحو: الصديق كنته، أو كانه زيد، وفي الأرجح من الوجهين الخلاف المذكور
(2)
.
ومن ورود الوصل الحديث: "إن يكنه فلن تسلط عليه"
(3)
.
ومن ورود الفصل قوله:
لئن كان إياه لقد حال بعدنا
(4)
(1)
أي: إن المسألة الثانية المستثناة من القاعدة السابقة: أن يكون الضمير الثاني منصوبا، بكان أو إحدى أخواتها، سواء أكان السابق ضميرا؛ نحو: الصديق كنته، أو كنت إياه، أم غير ضمير؛ نحو: الصديق كانه محمد. وبذلك افترقت هذه المسألة عن الأولى. ومحل جواز الوجهين في كان وأخواتها في غير الاستثناء. أما فيه فيجب الفصل؛ نحو: محمد قام القوم ليس إياه، أو لا يكون إياه؛ لأنهما ناسخان أيضا.
(2)
أي: بين الجمهور والناظم ومن معه في "خلتنيه" ونحوه.
(3)
هذا جزء من حديث؛ قاله الرسول لعمر حين أراد أن يقتل ابن صياد لما أخبر أنه الدجال، وتمامه:"وإلا يكنه فلا خير لك في قتله".
الشاهد: في "يكنه". فقد وصل الضمير وهو الهاء، وهو خبر يكن، وعائد على الدجال. واسم يكن يعود على ابن صياد.
(4)
صدر بيت من الطويل، لعمر بن أبي ربيعة المخزومي. وعجزه:
عن العهد والإنسان قد يتغير
وهو من قصيدته المشهورة التي مطلعها: =
ولو كان الضمير السابق في المسألة الأولى مرفوعا، وجب الوصل
(1)
؛ نحو: ضربته.
=
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر
…
غداة غد أم رائح فمهجر
اللغة والإعراب:
حال: تغير وتحولت حالته. عن العهد: عما عهدناه فيه من الشباب والنضرة. "لئن" اللام موطئة للقسم، وإن شرطية. "كان" فعل الشرط واسمها يعود على عمر المعبر عنه بالمغيري في الأبيات قبله. "إياه" خبر كان. "لقد حال" اللام واقعة في جواب القسم المحذوف، وقد سد مسد جواب الشرط.
المعنى: لئن كان هذا الذي نراه هو عمر، فلقد تغيرت هيئته، وتحولت حاله عما كنا نعهده فيه، من القوة والشباب والحسن. ثم قال مسليا لها: والإنسان قد يتغير حاله بمرور الزمان وتقلبات الدهر.
الشاهد: في "كان إياه"؛ حيث أني بخبر كان الناسخة منفصلا، وذلك جائز، ولو وصل لقال: كانه. وقد أشار الناظم إلى المسألتين المذكورتين، وما فيهما من خلاف بقوله:
وصل أو افصل هاء "سلنيه" وما
…
أشبهه في "كنته" الخلف انتمى
كذاك "خلتنيه" واتصالا
…
أختار غيري اختار الانفصالا*
أي: إنه يجوز الوصل والفصل في هاء "سلنيه" وما أشبهه؛ من كل فعل غير ناسخ أو شبهه، ينصب ضميرين، أولهما أعرف من الثاني. ولم يبين ابن مالك الخلاف في هذه المسألة، وبين الخلاف في غيرها؛ فقال: إن الخلف انتمى -أي: اشتهر- في "كنته" وفي "خلتنيه"؛ من كل فعل ناسخ ينصب مفعولين. وهو يختار الاتصال، وغيره يختار الانفصال.
(1)
هذا إذا كان العامل فعلا؛ ليكون متصلا بعامله، ولا يجوز في المثال ضربت إياه؛ تمشيا مع القاعدة؛ فإن كان العامل اسما جاز الأمران؛ تقول: سررت بإكراميك، أو بإكرامي إياك.
* وصل فعل أمر. "أو افصل" الجملة معطوفة على جملة "صل"، و"أو" للتخيير. "هاء" مفعول تنازعه الفعلان، وأعمل الثاني "سلنيه" مضاف إليه مقصود لفظه. "وما" اسم موصول معطوف على سلنيه، واقعة على ضمير "أشبهه" الجملة من الفعل، والفاعل المستتر، والمفعول صلة ما، والهاء في أشبهه عائدة على هاء سلنيه. "في كنته" متعلق بانتمى "الخلف" مبتدأ. "انتمى" الجملة خبر. "كذلك" جار ومجرور خبر مقدم. "خلتنيه" مبتدأ مؤخر مقصود لفظه. "واتصالا" مفعول مقدم لأختار. "غيري" مبتدأ ومضاف إليه. "اختار الانفصالا" الجملة من الفعل والفاعل المستتر، والمفعول خبر المبتدأ، والألف للإطلاق.
ولو كان غير أعرف وجب الفصل؛ نحو: أعطاه إياك أو إياي، أو أعطاك إياي
(1)
، ومن ثم
(2)
وجب الفصل إذا اتحدت الرتبة
(3)
؛ نحو: ملكتني إياي وملكتك إياك، وملكته إياه.
وقد يباح الوصل إن كان الاتحاد في الغيبة، واختلف لفظ الضميرين
(4)
؛
(1)
وفي هذا يقول الناظم:
وقدم الأخص في اتصال
…
وقدمن ما شئت في انفصال*
أي: إذا اجتمع ضميران منصوبان، أحدهما أخص من الآخر، وجب تقديم الأخص، إن كانا متصلين، ويجوز تقديم غير الأخص، إذا كانا منفصلين؛ وذلك بشرط أمن اللبس؛ فإن خيف اللبس؛ وذلك إذا صلح كل من المفعولين؛ لأن يكون فاعلًا؛ لم يجز؛ نحو: محمد أعطيتك إياه؛ فلا تقول. محمد أعطيته إياك؛ لأنه لا يعلم حينئذ هل محمد مأخوذ أو أخذ؟ وإن كان المعهود أن المتقدم هو الفاعل.
وأجاز المبرد، وكثير من القدماء الاتصال، مع تقديم غير الأعرف؛ تقول: الدرهم أعطيتهوك، ومنه قول عثمان رضي الله عنه: أراهمني الباطل شيطانا، والأصل: أراهم الباطل إياي شيطانا؛ أي: إن الباطل أرى القوم أني شيطان؛ فالباطل فاعل أرى، والهاء مفعول أول، والباء مفعول ثان، وشيطانا ثالث.
(2)
أي: من أجل وجوب الفصل، إذا تقدم غير الأعرف.
(3)
أي: تساويا في درجة التعريف؛ بأن كانا لمتكلم، أو مخاطب، أو غائب؛ لأنه يصدق عليه أن المتقدم غير أعرف.
(4)
أي: في التذكير والتأنيث، والإفراد وغيره. وفي هذا يقول الناظم:
وفي اتحاد الرتبة الزم فصلا
…
وقد يبيح الغيب فيه وصلا*
أي: إذا اتحد الضميران المذكوران في باب "سلنيه" و"خلتنيه" في الرتبة؛ بأن كان لمتكلمين أو مخاطبين أو غائبين، وجب الفصل في أحدهما، وقد يجوز الوصل إذا كانا لغائبين؛ واختلف لفظهما؛ تذكيرا أو تأنيثا، وإفرادا وتثنية وجمعا.
* "وقدم" فعل أمر مبني على السكون، وحُرِّك بالكسر للتخلص من الساكنين. "الأخص" مفعول. "في اتصال" جار ومجرور متعلق بقدم. "وقدمن" فعل أمر مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة. "ما" اسم موصول مفعوله. "شئت" الجملة لا محل لها صلة الموصول في "انفصال" متعلق بقدمن.
* "وفي اتحاد" جار ومجرور متعلق بالزم. "الرتبة" مضاف إليه. "فصلا" مفعول الزم. "وقد" حرف تقليل "يبيح الغيب" فعل وفاعل "فيه" متعلق بيبيح، والضمير في فيه عائد على اتحاد الرتبة "وصلا" مفعول يبيح.
كقوله:
أنا لهماه قفو أكرم والد
(1)
فصل: قد مضى أن ياء المتكلم من الضمائر المشتركة بين محلي النصب والخفض؛ فإن نصبها فعل، أو اسم فعل، أو ليت، وجب قبلها نون الوقاية
(2)
.
(1)
عجز بيت من الطويل، لم ينسب لقائل، وصدره:
لوجهك في الإحسان بسط وبهجة
اللغة والإعراب:
بسط: بشاشة وطلاقة. بهجة: جمال وسرور. قفو: اتباع واقتداء. "لوجهك" جار ومجرور خبر مقدم. "بسط" مبتدأ مؤخر. "في الإحسان" متعلق به. "وبهجة" معطوفة على بسط. "أنالهماه" أنال فعل ماض متعد لاثنين؛ هما: ضمير تثنية مفعول ثان مقدم، عائد إلى البسط والبهجة، والهاء مفعول أول، يرجع إلى وجه. "قفو" فاعل مضاف إلى ما بعده، من إضافة المصدر لمفعوله.
المعنى: يقول: إن وجهك تظهر عليه البشاشة والحسن، عند الإحسان والعطاء، وهاتان الصفتان أورثهما لك اقتداؤك بوالدك، وهو أكرم والد.
الشاهد: في "أنالهماه"؛ حيث أتى بالضمير الثاني -وهو ضمير المفرد الغائب- متصلا، والأول ضمير غائب للمثنى. والأكثر في هذه الحالة الانفصال؛ وإنما خص جواز الاتصال والانفصال عند اتحاد الرتبة بضميري الغيبة؛ لصحة اختلاف لفظهما، واختلاف مدلولهما كما في البيت، فنزل ذلك اختلاف الضميرين.
(2)
هي نون مكسورة؛ سميت بذلك لأنها في الغالب تقي الفعل وتصونه من وجود كسرة في آخره، عند إسناده لياء المتكلم، وتمنع اللبس، في مثل: أكرمني في الأمر؛ فلولاها لالتبست ياء المتكلم بياء المخاطبة، وأمر المذكور بأمر المؤنثة؛ كما تقي غير الفعل من تغيير آخر يلحق به؛ وتسمى كذلك "ياء النفس". وقد تحذف ياء المتكلم، وتبقى النون مكسورة للدلالة عليها نحو قوله -تعالى:{أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} ؛ أي: فبم تبشرونني؟
فأما "الفعل" نحو: دعاني، ويكرمني، وأعطني، وتقول: قام القوم ما خلاني وما عداني وحاشاني، إن قدرتهن أفعالا
(1)
، قال:
تمل الندامى ما عداني فإنني
(2)
وقوله: ما أفقرني إلى عفو الله، وما أحسنني إن اتقيت الله، وقال بعضهم: عليه رجلا ليسني
(3)
، أي: ليلزم رجلا غيري، وأما تجويز الكوفي ما أحسني، فمبني على أن قوله:"أحسن" ونحوه اسم.
(1)
أما إذا قدرتهن أحرف جر، و"ما" زائدة، فإن النون تسقط، وهذا قليل.
(2)
صدر بيت من الطويل، لم ينسب لقائل، وعجزه:
بكل الذي يهوى نديمي مولع
اللغة والإعراب:
تمل؛ من الملل وهو السأم؛ يقال: مل الشيء: سئمه. الندامى: جمع ندمان؛ وهو النديم: المسامر على الشراب. مولع: مغرم، من أولع بالشيء، أغرى به وأحبه. "الندامى" نائب فاعل. ما" مصدرية. "عداني" فعل ماض، والنون للوقاية، والياء مفعول، والفاعل عائد على البعض المفهوم من الفعل السابق، أو على اسم فاعل، كما سيأتي في بابه. "فإنني" الفاء للتعليل، وإن واسمها. "بكل الذي" متعلق بمولع، ومضاف إليه. "يهوى نديمي" الجملة من الفعل والفاعل صلة الذي، والعائد محذوف؛ أي: يهواه. "مولع" خبر إن.
المعنى: يمل الناس نداماهم وسمارهم إلا أنا، فلا أمل ولا يستغنى عني؛ لأني مغرم بقضاء كل ما يحبه مني نديمي.
الشاهد: في "ما عداني"؛ حيث دخلته نون الوقاية، وهو فعل ماض؛ بدليل تقدم "ما" المصدرية عليه.
(3)
قول لبعض العرب، حكاه سيبويه، وقد بلغه أن رجلا يهدده. "عليه" اسم فعل بمعنى المضارع المقترن بلام الأمر؛ أي: ليلزم. "رجلا" مفعول به. "ليسني" فعل ماض، واسمها يعود إلى رجل، والنون للوقاية، وياء المتكلم خبر، وقد لحقت النون "ليس"؛ بناء على الصحيح من أنها فعل لا حرف.
وأما قوله:
إذ ذهب القوم الكرام ليسي
(1)
، فضرورة.
وأما نحو: {تَأْمُرُونِي}
(2)
، فالصحيح أن المحذوف نون الرفع.
وأما "اسم الفعل" فنحو: دراكني، وتراكني، وعليكني؛ بمعنى أدركني، وبمعنى اتركني، وبمعنى الزمني.
(1)
هذا رجز، لرؤبة على ما جاء في لسان العرب. وأوله:
عددت قومي كعديد الطيس
اللغة والإعراب:
عديد؛ عدد، يقال: هم عديد الثرى، أي: عدد التراب. الطيس: الكثير من الرمل ونحوه؛ وقد يسمى طيسلا. ليسي: المراد غيري. "قومي" مفعول عددت. "كعديد" متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف، أي: عدا كعديد "إذ" للمفاجأة، أو ظرف متعلق بعددت. "ليسي" ليس فعل ناقص، واسمها يعود على البعض المفهوم مما قبله؛ كما تقدم، وياء المتكلم خبرها.
المعنى: عددت قومي وأحصيتهم، فوجدتهم كثيري العدد؛ كذرات الرمل، ولكن لا خير فيهم؛ فقد ذهب القوم الكرام منهم سواي.
الشاهد: في "ليسي"؛ حيث حذفت نون الوقاية، التي تلحق الفعل عند اتصاله بياء المتكلم، وذلك شاذ؛ وقد سهله أن "ليس" فعل جامد لا يتصرف؛ فأشبه الاسم. وفيه شذوذ آخر؛ وهو: مجيء خبر ليس ضميرا متصلا. وقد أشار الناظم إلى ما تقدم مقتصرا على الفعل بقوله:
وقبل يا النفس مع الفعل التزم
…
نون وقاية و"ليسي" قد قد نظم*
أي: إذا اتصل بالفعل ياء المتكلم؛ لحقته لزومًا نون الوقاية، وورد حذفها مع ليس في النظم.
(2)
أي: بنون واحدة مخففة في قراءة نافع، وهو من الآية 64 من سورة الزمر.
* "وقيل" ظرف زمان متعلق بالتزم. "يا" مضاف إليه قصر للضرورة. "النفس" مضاف إليه. "مع الفعل" ظرف ومضاف إليه، متعلق بمحذوف حال من "يا النفس"، "التزم" ماض مبني للمفعول. "نون" نائب فاعل "وقاية" مضاف إليه. "وليسي" مبتدأ مقصود لفظه. "قد نظم" الجملة من الفعل؛ ونائب الفاعل خبر المبتدأ، وسكن نظم للوقف.
وأما "ليت"
(1)
فنحو: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} . وأما قوله:
فيا ليتني إذا ما كان ذاكم
(2)
فضرورة عند سيبويه
(3)
.
(1)
إنما وجبت معها النون؛ على الراجح؛ لقوة شبهها بالفعل في المعنى والعمل.
(2)
صدر بيت من الوافر، وعجزه:
ولجت وكنت أولهم ولوجا
وهو لورقة بن نوقل؛ ابن عم السيدة خديجة؛ قاله لها حين أخبرته بما حدثها به ميسرة غلامها؛ من كلام بحيرا الراهب له، وما شاهده من تظليل الغمام للرسول صلى الله عليه وسلم، أثناء سفره معه في تجارة لخديجة.
اللغة والإعراب:
كان ذاكم: كان تامة بمعنى حدث، واسم الإشارة يعود إلى ما حدث به ميسرة من كلام بحيرا؛ وأنه سيبعث رسولا وهاديا. ولجت: دخلت، يريد دخوله في الإسلام. "فيا ليتي" الفاء عاطفة، و"ياء" للنداء، والمنادى محذوف؛ أي: يا هؤلاء، و"ليت" حرف تمن ونصب، والياء اسمها. "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط. "ما" زائدة. "ذا" فاعل كان التامة "ولجت" الجملة خبر ليت، أو جواب الشرط، وجملة الشرط وجوابه خبر. "ولوجا" تمييز.
المعنى: أتمنى إذا حدث ذلك الأمر أن أكون حيا وقتئذ، فأدخل في هذا الدين، وأكون أول الداخلين فيه، والمصدقين به.
الشاهد: في "ليتي"؛ حيث حذفت منها نون الوقاية؛ للضرورة، عند اتصالها بياء المتكلم، والأصل اقترانها بها.
(3)
هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، مولى بني الحارث بن كعب، إمام البصريين وسيبويه لقبه؛ ومعناه بالفارسية:"رائحة التفاح". قيل لقب بذلك للطافته ونظافته، وكانت وجنتاه كأنهما تفاحتان. أصله من فارس، ونشأ بالبصرة، وأخذ النحو والأدب عن الخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب، والأخفش، وعيسى بن عمر، وغيرهم. وبرع فيهما حتى أصبح إماما لا يجارى في العربية. وكانت في لسانه حبسة، وقلمه من لسانه. وكان إذا أقبل على الخليل بن أحمد يجله ويقول:"مرحبا بزائر لا يمل". وما يقول هذا لغيره. وكتابه يعتبر خير الكتب التي ألفت في النحو، وأجمعها لمسائله، ولا يزال مرجع العلماء إلى اليوم. وقد اشتراه الجاحظ من ميراث الفراء، وأهداه إلى محمد بن عبد الملك الزيات؛ فسر به وقال:"والله ما أهدي إلي شيء أحب إلي منه". وقد قدم سيبويه إلى العراق في عهد الرشيد، وناظر الكسائي -إمام الكوفيين ببغداد- في حضرة يحيى بن خالد البرمكي، وكان مع الكسائي نحاة الكوفة، فناصروه على سيبويه؛ فخرج من المجلس مغموما، واتجه إلى فارس فأقام بها، ولم يعد إلى البصرة حتى مات سنة 180 هـ، وقد نيف على الأربعين، ودفن بشيراز.
وقال الفراء: يجوز ليتني وليتي
(1)
.
وإن نصبها "لعل" فالحذف نحو: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ} أكثر من الإثبات
(2)
؛ كقوله:
أريني جوادًا مات هزلا لعلني
(3)
(1)
أي: في سعة الكلام من غير ضرورة ولا شذوذ؛ مستدلا بورود الاستعمالين في الكلام العربي الفصيح. والفراء: هو أبو زكريا يحيى بن زياد بن مروان الديلمي الكوفي، المعروف بالفراء. قيل: لقب بذلك؛ لأنه كان يفري الكلام. كان الفراء إماما في العربية، وأعلم الكوفيين بالنحو بعد الكسائي. وقد أخذ عنه وعن يونس؛ فجمع إلى علم الكوفيين علم البصريين، وكان يتردد بين الكوفة وبغداد، وكان متدينا ورعا على تيه وعجب. واتصل بالمأمون؛ فاتخذه مربي أولاده، وكان يقال: الفراء أمير المؤمنين في النحو، ولولاه ما كانت عربية؛ لأنه حصنها وضبطها. قال أبو بكر الأنباري:"لو لم يكن لأهل بغداد والكوفة من علماء العربية إلا الكسائي والفراء، لكان لهم بهما الافتخار على جميع الناس". وله مؤلفات كثيرة يستعمل فيها ألفاظ الفلاسفة، منها:"كتاب الحدود في النحو" ويراد بالحدود: التعاريف؛ كحد المعرفة، والنكرة، والنداء
…
إلخ، وكتاب "معاني القرآن"، و"البهاء فيما تلحن فيه العامة"، و"المقصور والممدود" و"الجمع والتثنية في القرآن"
…
إلخ. وتوفي سنة 207 هـ في طريق مكة، عن سبع وستين سنة.
(2)
ذلك لأن "لعل" شبيهة بالحرف، بل إنها تستعمل أحيانا جارة.
(3)
صدر بيت من الطويل؛ وهو لحاتم الطائي، يخاطب امرأته، وقد عذلته على كثرة الإنفاق ونسبه في الحماسة إلى غيره. وعجزه:
أرى ما ترين أو بخيلًا مخلدا
=
وهو أكثر من ليتي. وغلط ابن الناظم فجعل "ليتي" نادرًا، "ولعلني" ضرورة
(1)
.
وإن نصبها بقية أخوات ليت ولعل
(2)
، وهي: إن، وأن، ولكن، وكأن، فالوجهان؛ كقوله:
وإني على ليلى لزار وإنني
(3)
= اللغة والإعراب: جوادا: رجلا كريما يجود بماله. هزلا -بضم فسكون- هزالا وضعفا. بخيلا: ضنينا بماله لا ينفقه. مخلدا: دائم الحياة باقيا. "ذريني" فعل أمر مبني على حذف النون، وياء المخاطبة فاعل، والنون للوقاية، وياء المتكلم مفعول أول. "جوادا" مفعول ثان لأرى "هزلا" منصوب على نزع الخافض" لعلني" لعل: حرف ترج ونصب، والنون للوقاية، والياء اسمها. "أرى" الجملة خبر لعل. "ما" اسم موصول مفعول أرى "ترين" مضارع مرفوع بثبوت النون، وياء المخاطبة فاعل، والجملة صلة ما. "أو بخيلا" معطوف على جوادا. "مخلدا" صفة.
المعنى: أريني أيتها العاذلة رجلا كريما، مات من الضعف والهزال، بسبب ضيق ذات يده من الكرم، أو بخيلا، خلده ماله الذي يضن به عن الإنفاق، لعلي أرى ما ترين من الإمساك والتقتير، وعدم البذل والجود.
الشاهد: لحوق نون الوقاية في لعل على قلة، والكثير في العربية حذفها. وبالحذف وحده جاء القرآن الكريم في أكثر من آية.
(1)
أي: مع أن "ليتي" ضرورة عند سيبويه، و"لعلني" نادر، بل كثير كما تقدم. وهل مجرد المخالفة من إمام عظيم: كابن الناظم يعتبر غلطا؟ إن رأيه ينبغي أن يحترم، وابن الناظم هو: الإمام بدر الدين محمد بن محمد بن مالك بن جمال الدين الطائي الدمشقي، النحوي ابن النحوي. كان إماما ذكيا حاد الخاطر، بارعا في النحو، وعلوم البلاغة، والعروض، على الرغم من أنه لم ينظم شيئا من الشعر. أخذ عن والده، ووقع بينهما خلاف؛ فسكن بعلبك؛ فلما مات والده طلب إلى دمشق وولي وظيفة والده. وتصدى للاشتغال والتصنيف؛ فشرح ألفية والده، وكافيته ولاميته، وشرح التسهيل ولم يتمه، وصنف كثيرا غير ذلك. ومات بالقولنج في دمشق سنة 686 هـ.
(2)
أي: من الحروف الناسخة الناصبة.
(3)
صدر بيت من الطولي، لقيس بن الملوح، المعروف بمجنون ليلى، وعجزه: =
وإن خفضها حرف؛ فإن كان "من" أو "عن"، وجبت النون
(1)
إلا في الضرورة؛ كقوله:
أيها السائل عنهم وعني
…
لست من قيس ولا قيس مني
(2)
=
على ذاك فيما بيننا مستديمها
اللغة والإعراب: زار عاتب؛ وهو اسم فاعل من زرى عليه -من باب ضرب- عتب عليه. مستديمها: طالب دوام مودتها وحبها. "إني" إن واسمها. "على ليلى" متعلق بزار الواقع خبرا لإن، واللام فيه للتوكيد. "على ذاك" متعلق بمنسد، الواقع خبرا لإن الثانية، والإشارة إلى الزرى وهو العتاب "فيما بيننا" متعلق بمستديمها، و"ما" اسم موصول، وما بعدها صلة لها.
المعنى: إني لعاتب على ليلى؛ لهجرها وصدودها، وعلى الرغم من ذلك، فإني مستبق مودتها، طالب دوام حبها؛ لأن ذلك يسعدني، فلعلها ترضيني، وتبادلني الحب والمودة.
الشاهد: حذف نون الوقاية من "إن" الأولى عند اتصالها بياء المتكلم، وإثباتها مع الثانية، والوجهان جائزان في سعة الكلام، وليس أحدهما أولى من الآخر؛ ومثل إن: أخواتها التي ذكرها المصنف.
(1)
قيل: إن سبب ذلك المحافظة على بقاء السكون في الحروف؛ لأنه الأصل في البناء.
(2)
شاهد من بحر الرمل، لم ينسب لقائل، ولم يؤيد بمثله؛ لندرته، حتى قال فيه ابن هشام:"في النفس من هذا البيت شيء"، وقيل: إنه مصنوع.
اللغة والإعراب: قيس: هو ابن عيلان بن مضر بن نزار بن معد؛ أخو إلياس بن مضر. "السائل" نعت لأي. "عنهم" متعلق بالسائل "من قيس" خبر لست. "ولا" نافية مهملة. "قيس" مبتدأ ممنوع من الصرف، على إرادة القبيلة، للعلمية والتأنيث. "مني" متعلق بمحذوف خبر.
المعنى: يا من تسأل عن هؤلاء القوم وعني! لتعلم أني لست من هذه القبيلة ولا صلة بيننا، وليست لها أية صلة بي، ولعه يريد التنصل من أي علاقة بينه وبين هذه القبيلة؛ لعدم انسجامه معها.
الشاهد: في "عني، ومني" بالتخفيف؛ حيث حذفت نون الوقاية منهما عند إضافتهما لياء المتكلم؛ للضرورة النادرة. وفي حكم نون الوقاية مع الحروف، يقول ابن مالك مقتصرا على بعض الحروف الناسخة.
و"ليتني" فشا و"ليتي" ندرا
…
ومع "لعل" اعكس وكن مخيرا
في الباقيات واضطرارا خففا
…
"مني وعني" بعض من قد سلفا*
أي:: ن ثبوت نون الوقاية مع "ليت" كثير، ويندر حذفها، ومع "لعل" بالعكس، وأنت مخير في الباقيات من أخوات "ليت"، "لعل". وتلزم النون "من" و"عن"، وبعض المتقدمين يحذفها منهما؛ للتخفيف في الضرورة.
وإن كان غيرهما امتنعت، نحو:"لي" و"بي" و"فيَّ" و"خلاي"، و"عداي" و"حاشاي"
(1)
.
قال:
في فتية جعلوا الصليب إلههم
…
"حاشاي" إني مسلم معذور
(2)
(1)
قيل: إن السبب في امتناع النون في "لي" و"بي" أنهما مبنيان على الكسر، وفي "فيَّ" أن سكونها أصلي، لا يزول عند اتصالها بياء المتكلم، بل تدغم الياءان، وأما "خلا" و"عدا" و"حاشا"، فإن الألف لا تقبل الحركة، وقد سبق أنها إذا قدرت أفعالا، لحقتها النون؛ ليجري الفعل مجرى واحدا.
(2)
بيت من الكامل للمغيرة بن عبد الله الأسدي الملقب بالأقيشر؛ لأنه كان أحمر الوجه أقشر، وهو شاعر إسلامي.
اللغة والإعراب:
معذور: مقطوع العذرة؛ وهي قلفة الذكر يقطعها الخاتن، ويقال له: مختون؛ من الختان. "في فتية" متعلق بما قبله. "الصليب" مفعول أول لجعل. "إلههم" مفعول ثان ومضاف إليه. "حاشاي" حرف جر، والياء مجرورة بها.
المعنى: ليست من القوم الذين يعبدون الصلبان، ويتخذونها آلهة لهم، وإني أنزه نفسي عن ذلك؛ أنما أنا مسلم مختون كالمسلمين؛ ذلك لأن النصارى لا يختتنون.
الشاهد: في "حاشاي" حيث حذفت منه النون عند اتصاله بياء المتكلم؛ لأنه حرف جر، آخره ألف لا تقبل الحركة، فلا يخشى كسر آخره، لمناسبة الياء.
* "وليتني" مبتدأ قصد لفظه. "فشا" الجملة خبر المبتدأ؛ ومثله "ليتي ندرا" ومع "ظرف متعلق باعكس". "لعل" مضاف إليه مقصود لفظه. "اعكس" فعل أمر، والفاعل أنت، ومفعوله محذوف؛ أي: اعكس الحكم. "وكن مخيرا" كان واسمها وخبرها. "في الباقيات" متعلق بمخيرا. "واضطرارا" مفعول لأجله. "خففا" فعل ماض والألف للإطلاق. "مني وعني" مفعول خفف مقصود لفظهما. "بعض" فاعل خفف. "من" اسم موصول مضاف إليه. "قد سلفا" قد للتحقيق، وسلفا فعل ماض، والفاعل يعود على "من"، والألف للإطلاق، والجملة صلة الموصول، لا محل لها من الإعراب.
وإن خفضها مضاف، فإن كان "لدن"، أو "قط"، أو "قد"، فالغالب الإثبات
(1)
، ويجوز الحذف فيه قليلا
(2)
، ولا يختص بالضرورة، خلافا لسيبويه.
وغلط ابن الناظم
(3)
فجعل الحذف في "قد" و"قط" أعرف من الإثبات، ومثالهما
(4)
:
{قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} قرئ مشددًا ومخففًا.
وفي حديث النار
(5)
: "قطني قطني، وقطي قطي".
(1)
" لدن" ظرف بمعنى عند، و"قد" و"قط" اسمان مبنيان على السكون بمعنى حسب؛ أي: كاف، ومحلهما على حسب موقعهما في الجملة. وإذا كانت "قد" و"قط" اسما فعل مضارع بمعنى يكفي؛ وجب الإتيان بنون الوقاية؛ لتفصلهما عن ياء المتكلم. أما "قد" الحرفية؛ في مثل: قد اعتدل الجو، و"قط" الظرفية؛ في مثل: ما فعلته قط؛ فلا تتصل بهما ياء المتكلم. وتختص "قد" الحرفية بالدخول على الفعل المتصرف المثبت المجرد من ناصب وجازم. ومن الخطأ قولهم: "قد لا أفعل كذا"، وتفيد التحقيق والتوكيد غالبا، وقد تدل على التقليل والتكثير. أما "قط" الظرفية؛ فظرف زمان لاستغراق الماضي، وتختص بالنفي غلبا؛ فتقول: ما فعلته قط، ومن الخطأ قولهم:"لا أفعله قط".
(2)
لأن "عند" و"حسب" اللتين بمعناهما لا تلحقهما النون، فكذلك ما كان بمعناهما.
(3)
يقال فيه ما قيل في سابقه قريبا.
(4)
أي: مثال الحذف والإثبات في الثلاثة.
(5)
لفظه؛ كما في اللسان: "إن النار تقول لربها: إنك وعدتني ملئي، فيضع فيها قدمه فتقول: قط، قط ويزوي -أي: يضم- بعضها إلى بعض، روي بسكون الطاء، وبكسرها مع الياء، وبدونها، وبنون الوقاية، وقط بالتنوين. والمراد بوضع قدمه فيها: التجلي عليها بقهره وكبريائه.
وقال:
قدني من نصر الخبيبين قدي
(1)
وإن كان غيرهن امتنعت؛ خو: أبي وأخي.
(1)
شاهد من الرجز لحميد بن مالك الأرقط. وعجزه:
ليس الإمام بالشحيح الملحد
قاله لعبد الملك بن مروان، يصف تقاعده عن عبد الله بن الزبير وأصحابه، ويمدح عبد الملك، ويعرض بابن الزبير.
اللغة والإعراب:
قدني اسم بمعنى حسبي، أو اسم فعل بمعنى يكفيني. الخبيبين: المراد بهما: عبد الله بن الزبير؛ الذي يكنى أبا خبيب باسم ابنه خبيب، وأخوه مصعب بن الزبير على سبيل التغليب. الشحيح: البخيل. الملحد: الذي يستحل حرمات الله. "قدني" قد: مبتدأ مبني على السكون في محل رفع، والنون للوقاية، والياء مضاف إليه. "من نصر" متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، أو قدني: اسم فعل مضارع بمعنى يكفيني، والياء مفعوله "من نصر" فاعله على زيادة من. "الخبيبين" مضاف إليه. "قدي" توكيد لقدني مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم. "بالشحيح" خبر ليس على زيادة الباء.
المعنى: يكفي ما أحرزه هذان الرجلان من نصر؛ فإمامنا سخي كريم منزه عن الشح والإلحاد، اللذين يتصف بهما ابن الزبير، وقد كان مبخلا لا تبض يده بشيء.
الشاهد: في "قدني، وقدي"؛ حيث أثبت النون في الأولى، وحذفها من الثانية، على قلة. والوجهان جائزان عند ابن مالك قياسا. ويرى سيبويه لزوم النون مع "قد" و"قط"؛ لأنهما اسمان بمعنى "حسب"، وسقوطهما ضرورة. ويرى الكوفيون أنهما إذا كانتا بمعنى. "حسب" لم تقترن بهما النون، وإن اعتبرنا اسم فعل وجبت النون. وفي حكم "لدن" و"قد" و"قط" بالنسبة للاقتران بالنون وعدمه يقول ابن مالك:
وفي لدني "لدني" قَلَّ وفي
…
"قَدني وقَطْني" الحذف أيضا قد يفي*
=
"في لدني" متعلق بقل "لدني" مبتدأ قصد لفظه. "قل" الجملة خبر المبتدأ. "وفي قدني" متعلق بيفي. "وقطني" معطوف على قدني. "الحذف" مبتدأ. "أيضًا" مفعول مطلق لفعل محذوف. "قد يفي" الجملة خبر المبتدأ، وهي معطوفة على الجملة الأولى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أي: قل حذف النون من "لدني" فيقال: "لدني" بالتخفيف، وكذلك يقل الحذف في "قد" و"قط" والكثير إثبات النون، فيقال:"قدني" و"قطني".
فائدة: إذا اجتمعت نون الوقاية مع نون الرفع، وذلك في الأفعال الخمسة؛ نحو: أنتم تعرفوني، أنتما تساعدانني، أنت تشاركينني؛ جاز بقاء النونين على حالهما كما ذكرنا، وجاز إدماغهما؛ تقول: تعرفني، تساعداني، تشاركني، وتحذف واو الجماعة وياء المخاطبة؛ لالتقاء الساكنين. ويجوز حذف إحدى النونين تخفيفًا؛ تقول: تعرفوني، تساعداني، تشاركيني، والمختار أن المحذوف هو نون الوقاية إذا كان المضارع مرفوعا؛ فيقال في إعرابه: مرفوع بثبوت النون. ونون الأفعال الخمسة إذا كان منصوبًا أو مجزوما؛ فيقال في إعرابه: منصوب أو مجزوم بحذف النون، والنون الموجودة للوقاية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأسئلة والتمرينات:
1 عرف كلا من المعرفة والنكرة، واذكر أقسام المعرفة، ومثل لها.
2 عرف كلا من الضمير المتصل والمنفصل، وأيهما الأصل؟ ولماذ؟
3 أذكر الضمائر المتصلة المختصة بالرفع، والمشتركة بين النصب والجر، وضع كلا في عبارة مفيدة من إنشائك.
4 ما الفرق بين المستتر والمحذوف؟ اشرح ذلك، ومثل لما تقول.
5 اذكر المواضع التي يجب فيها استتار الضمير، ومثل لما تقول.
6 متى يجب انفصال الضمير؟ ومتى يجب اتصاله؟ ومتى يجوز الأمران؟ وضح ما تقول بالأمثلة:
7 وضح حكم الضميرين، اتصالا وانفصالا؛ إذا كان العامل فعلا ناسخا، أو اسما.
8 اشرح قول ابن مالك:
وصل أو افصل هاء سلنيه وما
…
أشبهه في كنته الخلف انتمى
9 متى تجب نون الوقاية في الكلمة؟ ومتى تمتنع؟ ومتى تجوز؟ على قلة أو كثرة؟
10 يستشهد النحويون بما يأتي في باب النكرة والمعرفة. بين موضع الاستشهاد، وأعرب ما تحته خط:
قال -تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} ، {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ} ، {إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ} ، {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ}. وقال عليه السلام:"غير الدجال أخوفني عليكم".
أعوذ برب العرش من فئة بغت
…
علي فما لي عوض إلاه ناصر
فآليت لا أنفك أحذو قصيدة
…
تكون وإياها بها مثلا بعدي
كأني غداة البين يوم تحملوا
…
لدى سمرات الحي ناقف حنظل
فقلت أعيراني القدوم لعلني
…
أخط بها قبرا لأبيض ماجد
إن هو مستوليًا على أحد
…
إلا على أضعف المجانين
=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب
…
لعلك تهديك القرون الأوائل
وليس الموافيني ليرقد خائبا
…
فإن له أضعاف ما كان أملا
11 أعرب ما تحته خط في البيتين الآتيين، وبين الشاهد فيهما، وهما لأبي الأسود الدؤلي. ينهى غلامه عن شرب الخمر:
دع الخمر يشربها الغواة فإنني
…
رأيت أخاها مجزئًا بمكانها
فإن لا تكنها أو تكنه فإنه
…
أخوها غذته أمه بلبانها
12 بين فيما يأتي:
أ- الضمائر المتصلة والمنفصلة، ومحل كل من الإعراب.
ب- المستتر جوازا ووجوبا.
جـ- نون الوقاية.
د- إعراب ما تحته خط:
أخي، هذه نصيحة مخلصة أسديها إليك، ودرة غالية أهديكها، فهي قبس من هديه عليه الصلاة والسلام:"اعلم أن الناس لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك".
كأني بك وقد علقتها، تسألني عن الطريق التي تسلكها، فهأنذاك أعرفكها: لا تخش في الحق لومة لائم، ولا تبخل بما منحك مولاك، فما أنت إلا وكيل فيما أعطاك من نعم زادك الله إياها، واجعل شعارك قول الله تعالى:{إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ} .
هذا
باب العلم:
وهو نوعان:
جنسي وسيأتي:
وشخصي وهو: اسم يعيَّن مسماه تعيينًا مطلقًا
(1)
.
فخرج بذكر التعيين النكرات
(2)
، وبذكر الإطلاق ما عدا العلم من المعارف؛ فإن تعيينها لمسمياتها تعيين مقيد؛ ألا ترى أن ذا الألف واللام مثلًا، إنما يعين مسماه ما دامت فيه "أل"؟ فإذا فارقته فارقه التَّعْين، ونحو "هذا" إنما يعين مسماه ما دام حاضرًا، وكذا الباقي
(3)
.
فصل: ومسماه نوعان:
أولو العلم: من المذكرين كجعفر
(4)
، والمؤنثات كخِرِنقَ
(5)
.
وما يؤلف:
(6)
كالقبائل كقرن
(7)
، والبلاد كعدن والخيل كلاحق
(8)
، والإبل
هذا باب العلم:
(1)
أي: غير مقيد بقرينة تكلم، أو إشارة حسية أو معنوية، أو زيادة لفظية؛ كالصلة، أو غير ذلك من القرائن التي توضح مدلوله، وتحدد المراد منه، بل بمجرد الوضع أو الغلبة.
(2)
فإنها تدل على شيء غير معين، كما أسلفنا في أول النكرة والمعرفة.
(3)
فالموصول يعين مسماه بالصلة، والضمير عين مسماه بالتكلم أو الخطاب أو الغيبة، والمضاف يعين مسماه بالمضاف إليه.
(4)
أصل الجعفر: النهر عامة، أو الصغير فوق الجدول، أو الملآن، ثم سمي به رجل معين.
(5)
الخرنق: ولد الأرنب للذكر والأنثى، أو الفتي من الأرنب، ثم سميت به امرأة شاعرة، هي أخت طرفة بن العبد لأمه.
(6)
أي: النوع الثاني من قسم العلم: الأشياء الأليفة من غير أولي العلم، التي يكون للواحد منها علم خاص به.
(7)
اسم قبيلة من مراد؛ ينسب إليها أويس القرني رضي الله عنه.
(8)
علم فرس، كان لمعاوية بن أبي سفيان.
كشذقم
(1)
، والبقر كعرار
(2)
، والغنم كهيلة
(3)
، والكلاب كواشق.
فصل:
وينقسم إلى:
مرتجل
(4)
؛ وهو: ما استعمل من أول الأمر علمًا؛ كـ"أُدَدْ" لرجل
(5)
، و"سعاد" لامرأة.
ومنقول، وهو الغالب؛ وهو: ما استعمل قبل العلمية لغيرها.
(1)
اسم فحل من الإبل، كان للنعمان بن المنذر.
(2)
عرار -كقطام- اسم بقرة كانت في سبط من بني إسرائيل.
(3)
علم لعنز كانت لإحدى نساء العرب. ومن هذا النوع كل ما يتصل بحياة الناس وأعمالهم، وله اسم خاص به؛ كأسماء المصانع، والطائرات، والعلوم، والكتب. وقد أشار الناظم إلى ما تقدم بقوله:
اسم يُعيِّن المسمى مطلقا
…
علمه كجعفر وخرنقا
وقرن وعدن ولاحق
…
وشذقم وهيلة وواشق*
أي: إن العلم هو: الاسم الذي يدل على تعيين مسماه مطلقًا؛ بلا قيد تكلم أو خطاب أو غيبة، ويشمل ذلك مسميات الأعلام العقلاء: من الأناسي، وغيرهم من المألوفات، كما مثل الناظم.
(4)
من الارتجال، وهو الابتكار والبدء بالشيء من غير سابقة. وهذا التقسيم للعلم من حيث وضعه، وأصالته في العلمية أو عدم أصالته.
(5)
هو أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن حمير، أو قبيلة باليمن.
* اسم خبر مقدم. "يعين المسمى" الجملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل رفع صفة لاسم. "مطلقًا" حال من ضمير يعين، أو نائب عن المفعول المطلق؛ أي: تعيينًا مطلقًا. "علمه" مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، ويجوز العكس. "كجعفر" متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك؛ كجعفر. "وخرنقا، وقرن
…
إلخ" معطوفات على جعفر.
ونقله: إما من اسم: إما لحدث
(1)
؛ كزيد وفضل، أو لعين
(2)
؛ كأسد وثور.
وإما من وصف: إما لفاعل؛ كحارث وحسن، أو لمفعول؛ كمنصور ومحمد.
وإما من فعل
(3)
: إما ماض كشمر
(4)
، أو مضارع كيشكر
(5)
.
وإما من جملة: إما فعلية؛ كشاب قرناها
(6)
، أو اسمية؛ كزيد منطلق، وليس بمسموع
(7)
، ولكنهم قاسوه
(8)
.
(1)
أي: مصدر يبين معنى من المعاني العقلية؛ فإن أصل زيد: مصدر زاد يزيد، وفضل: مصدر فضل يفضل.
(2)
أي: ذات مجسمة محسوسة.
(3)
أي: من الفعل وحده، من غير أن يكون معه فاعل ظاهر، أو ضمير مستتر، أو بارز، وإلا كان جملة؛ كما سيأتي.
(4)
علم لفرس، أو لرجل.
(5)
علم على رجل، وهو نوح عليه السلام.
(6)
علم على امرأة؛ ومثله فتح الله، علم لرجل. والقرنان: ذؤابتا الشعر. قال الأسدي:
كذبتم وبيت الله لا تنكحونها
…
بني شاب قرناها تصر وتحلب
(7)
كثر النقل من الجمل الاسمية الآن؛ مثل: "ما شاء الله" علم امرأة، وكذلك "ست الدار"، و"ست البلد".
(8)
أي: على ما سمع من الجمل الفعلية، وجعلوه قسيما له على تقدير التسمية به. وفي قسمي العلم المذكورين يقول الناظم:
ومنه منقول كفضل وأسد
…
وذو ارتجال كسعاد وأدد*
=
* "ومنه" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. "منقول" مبتدأ مؤخر. "كفضل" خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: وذلك كفضل. "وأسد" معطوف على فضل. "وذو" معطوف على منقول. "ارتجال" مضاف إليه. "كسعاد" خبر لمبتدأ محذوف. "وأدد" معطوف على سعاد، ويجوز جعل. "ذو" مبتدأ حذف خبره لدلالة ما تقدم عليه.
وعن سيبويه: الأعلام كلها منقولة
(1)
، وعن الزجاج
(2)
: كلها مرتجلة
(3)
.
فصل: وينقسم أيضًا إلى:
مفرد؛ كزيد وهند، وإلى مركب
(4)
؛ وهو ثلاثة أنواع:
مركب إسنادي
(5)
: كـ"برق نحره"، و"شاب قرناها". وهذا حكمه الحكاية
(6)
.
قال:
نبئت أخوالي بني يزيد
(7)
(1)
لأن الأصل في الأسماء التنكير، ولا يضر جهل المعنى الأصلي لما يظن أنه مرتجل منها.
(2)
هو أبو إسحاق: إبراهيم بن السري بن سهل، المشهور بالزجاج النحوي: كان من أهل الفضل والدين، جميل المذهب، حسن الاعتقاد، وكانت صناعته خرط الزجاج، فنسب إلى ذلك. ثم مال إلى النحو، فلزم المبرد لتعلمه، وكان يعلم بالأجر، وشرط أن يعطيه من كسبه كل يوم درهما حتى يفرق الموت بينهما؛ وذلك ليبالغ في تعليمه. وما زال يلازمه حتى نبغ في النحو، ووفى بشرطه. وكان نديما للمكتفي بالله، وله تصانيف كثيرة منها مختصر في النحو، وشرح أبيات سيبويه، والنوادر، "والاشتقاق"، وكتاب "ما ينصرف وما لا ينصرف" ومات في جمادى الآخرة سنة 311 هـ، ودفن ببغداد، وآخر ما سمع منه: اللهم احشرني على مذهب أحمد بن حنبل رضي الله عنهما.
(3)
لأن المرتجل عنده هو: ما لم يتحقق عند وضعه قصد نقله من معنى سابق، وهذا القصد غير متحقق. وموافقة بعض الأعلام -وصفا أو غيره- مجرد اتفاق غير مقصود.
(4)
هذا التقسيم باعتبار لفظه. والمفرد: ما تكون من كلمة واحدة، أما المركب فهو ما تكون من كلمتين أو أكثر.
(5)
هو كل تركيب أسندت وانضمت فيه كلمة إلى أخرى، على وجه يفيد حصول شيء أو عدم حصوله، ولا يكون ذلك إلا بجملة فعلية أو اسمية.
(6)
أي إنه يبقى على ما كان عليه قبل التسمية، ويعرب بحركات مقدرة على آخره، منع من ظهورها الحكاية، فيكون من المعربات التقديرية، لا من المبنيات.
(7)
صدر بيت من الرجز لرؤبة بن العجاج، وعجزه: =
ومركب مزجي
(1)
: وهو كل كلمتين نزلت ثانيتهما منزلة تاء التأنيث مما قبلها
(2)
.
فحكم الأول: أن يفتح آخره؛ "كبعلبك" و"حضرموت"، إلا إن كان باء فيسكن كـ"معديكرب"، و"قالي قلا"
(3)
.
وحكم الثاني أن يعرب بالضمة والفتحة
(4)
، إلا إن كان كلمة "ويه" فيبنى على الكسر؛ كـ"سيبويه" و"عمرويه".
ومركب إضافي
(5)
: وهو الغالب؛ وهو كل اسمين نزل ثانيهما منزلة التنوين مما
=
ظلما علينا لهم فديد
اللغة والإعراب: نبئت: أخبرت وأعلمت. فديد: صياح وجلبة. "نبئت" فعل ونائب فاعل هو المفعول الأول. "أخوالي" مفعول ثان. "بني" بدل أو عطف بيان لأخوالي. "يزيد" مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة منع من ظهورها حركة الحكاية. "ظلما" مفعول لأجله وناصبه محذوف؛ أي: يصيحون. "علينا" متعلق بذلك المحذوف. "لهم فديد" الجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب مفعول ثالث لنبئت.
المعنى: أخبرت أن أخوالي بني يزيد يرفعون أصواتهم في جلبة وصياح بظلمنا، والنيل منا بغير حق.
الشاهد: في "يزيد"؛ فإنه مسمى به، مرفوع على الحكاية؛ لأن القوافي كلها مرفوعة، وهو منقول من جملة، وفيه ضمير هو الفاعل، لا من الفعل وحده، وإلا لأعرب إعراب ما لا ينصرف للعلمية ووزن الفعل، وجر بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه مضاف إليه.
(1)
مزج الشيء: خلطه، سمي بذلك؛ لأن الكلمتين امتزجتا واختلطتا حتى صارتا كالكلمة الواحدة، ويجري الإعراب والبناء على آخر الثانية.
(2)
أي: في لزوم ما قبلها حالة واحدة في أحوال الإعراب الثلاثة، وجريان حركات الإعراب.
(3)
معديكرب رجل، وقال قلا: اسم بلد بالشام.
(4)
أي: يعرب بالضمة في حالة الرفع، وبالفتحة في حالتي النصب والجر، وإعراب ما لا ينصرف للعلمية والتركيب.
(5)
سمي بذلك؛ لأن الأكثر فيه أن يكون بالكنى، وهي مضافة.
قبله
(1)
؛ كـ"عبد الله" و"أبي قحافة".
وحكمه أن يجري الأول بحسب العوامل الثلاثة: رفعًا ونصبًا وجرا، ويجر الثاني بالإضافة.
(1)
أي: في أن الجزء الأول: تجري عليه وجوه الإعراب المختلفة على حسب العوامل، والثاني: يلتزم حالة واحدة؛ كالتنوين الملازم للسكون. وقد أشار الناظم إلى الأنواع الثلاثة للعلم المركب بقوله:
وجملة وما بمزج ركبا
…
ذا إن بغير "ويه" تم أعربا
وشاع في الأعلام ذو الإضافه
…
كعبد شمس وأبي قحافه*
أي: إن المركب الإسنادي -وهو المراد بقوله "وجملة"، والمركب المزجي غير المختوم بويه -يعربان على حسب الجملة. وذكر في البيت الثاني المركب الإضافي، ولم يذكر حكمه؛ وقد بيناه. وعبد شمس: علم على جد معاوية بن أبي سفيان، وأبي قحافة علم على والد أبي بكر الصديق.
* "وجملة" مبتدأ خبره محذوف؛ أي: ومنه جملة. "وما" اسم موصول معطوف على جملة: "بمزج" متعلق بقوله ركب. "ركبا" الجملة من الفعل ونائب الفاعل العائد على. "ما" لا محل لها صلة الموصول، والألف للإطلاق "ذا" اسم إشارة مبتدأ. "إن" حرف شرط جازم. "بغير" متعلق بتم. "ويه" مضاف إليه قصد لفظه. "ثم" فعل ماض فعل الشرط. "أعربا" الجملة من الفعل، ونائب الفاعل العائد على. "ذا" خبر المبتدأ، والألف للإطلاق، وجواب الشرط محذوف يدل عليه خبر المبتدأ. "ذو" فاعل شاع "الإضافة" مضاف إليه. "كعبد" خبر لمبتدأ محذوف. "شمس" مضاف إليه. "وأبي" معطوف على "عبد" مجرور بالياء؛ لأنه من الأسماء الخمسة. "قحافة" مضاف إليه ممنوع من الصرف وسكن للروي.
فصل: وينقسم العلم إلى اسم، وكنية، ولقب
(1)
فالكنية: كل مركب إضافي، في صدره أب أو أم
(2)
؛ كأبي بكر، وأم كلثوم.
(1)
هذا التقسيم باعتبار دلالته أو عدمها، على معنى زائد على العلمية.
(2)
وكذلك: ابن وبنت، وأخ وأخت، وعم وعمة، وخال وخالة. وليس منه مثل: أب لعلي، وأم لزينب، وأخ لمحمد، ونحو ذلك من كل تركيب لا إضافة فيه.
واللقب: كل ما أشعر برفعة المسمى أو ضعته
(1)
؛ كزين العابدين، وأنف الناقة
(2)
.
والاسم: ما عداهما
(3)
، وهو الغالب؛ كزيد وعمرو. ويؤخر اللقب عن الاسم
(4)
؛ كزيد زين العابدين، وربما يقدم كقوله:
أنا ابن مُزَيْقِيا عَمْرٍ وجدي
(5)
ولا ترتيب بين الكنية وغيرها
(1)
أي: فوق دلالته على ذات معينة.
(2)
لقب جعفر بن قريع، وهو أبو بطن من سعد بن زيد بن مناة. قيل: لقب بذلك؛ لأن أباه ذبح ناقة وقسمها بين نسائه؛ فلما بعثته أمه إلى أبيه لم يجد إلا رأس الناقة، فأخذه وجعل يجره واضعا يده في الأنف؛ فلقب به. وكانوا يغضبون من هذا اللقب حتى مدحهم الحطيئة بقوله:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم
…
ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا
(3)
الاسم هنا: هو العلم الذي يدل على ذات معينة، دون غرض آخر من مدح أو ذم.
(4)
أي: وجوبا، إن لم يكن اللقب أشهر، وإلا جاز الأمران. ويعلل النحويون وجوب التأخير: بأن اللقب يشبه النعت في الإشعار بالمدح أو الذم، والنعت لا يتقدم. وبأن الغالب في اللقب أن يكون منقولًا عن اسم غير إنسان، وتقدمه قد يوهم السامع أن الغرض هو المسمى الذي نقل عنه.
(5)
صدر بيت من الوافر، لأوس بن الصامت الصحابي، أخو عبادة بن الصامت وعجزه:
أبوه منذر ماء السماء
اللغة والإعراب:
مزيقيا: لقب عمرو بن مالك، أحد ملوك اليمن، ومن أجداد أوس وجد الأنصار. قيل: لقب بذلك؛ لأنه كان يلبس كل يوم ثوبا، فإذا أمسى مزقه ووهبه لأصحابه. منذر ماء السماء: هو منذر بن امرئ القيس بن النعمان ملك الحيرة، أحد أجداد أوس لأمه، ولقب بماء السماء لحسنه، أو هو لقب لأمه فاشتهر به. "أنا ابن مزيقيا" مبتدأ وخبر ومضاف إليه. "عمرو" بالجر عطف بيان لمزيقيا. "وجدي" مبتدأ أول. "أبوه منذر". مبتدأ وخبر، والجملة خبر الأول. "ما السماء" عطف بيان ومضاف إليه.
المعنى: يريد أوس أن يبين أنه كريم الطرفين، نسيب الجهتين، لأبيه، وأمه.
الشاهد: في "مزيقيا" حيث تقدم -وهو لقب- على الاسم "عمرو". وهذا جائز، إذا كان اللقب مشهورا؛ كما بينا.
وإلى أقسام العلم، وتأخر اللقب، يشير الناظم بقوله:
واسما أتى وكنية ولقبا
…
وأخرن ذا إن سواه صحبا*
أي: إن العلم ثلاثة أنواع: اسم، وكنية، ولقب، وأن ذا -أي: اللقب- يتأخر إن صحب سواه من القسمين الآخرين، والمشهور أنه لا يتأخر إلا مع الاسم فقط، بالشرط الذي ذكرناه، ولهذا يقولون إنه كان الأولى أن يقول:"وأخرن ذا إن سواها صحبا".
* "واسما" حال من ضمير أتى. "أتى" فعل ماض، وفاعله يعود على العلم. "وكنية ولقبا" معطوفان على اسما. "وأخرن" فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة. "ذا" اسم إشارة مفعول أخرن. "إن" حرف شرط. "سواه" سوى مفعول مقدم لصحب، والضمير مضاف إليه عائد على اللقب. "صحبا" فعل ماض فعل الشرط، وفاعله يعود على اللقب، وجواب الشرط محذوف؛ أي: إن صحب اللقب سواه فأخره.
قال:
أقسم بالله أبو حفص عمر
(1)
(1)
رجز قاله بعض الأعراب لعمر بن الخطاب، وقد شكا إليه ضعف ناقته، وطلب أن يحمله من بيت المال؛ فأبى عمر وكذبه. وبعده:
ما مسها من نقب ولا دبر
…
فاغفر له اللهم إن كان فجر
اللغة والإعراب:
أبو حفص: كنية عمر بن الخطاب؛ والحفص: الأسد؛ وكني بذلك لجرأته وشجاعته. نقب: هو رقة أخفاف البعير؛ يقال: نقب البعير: رقت أخفافه، وبعير أنقب وناقة نقباء. دبر: هو القرح في ظهر البعير. فجر: كذب وحاد عن الصدق. "أبو حفص" فاعل أقسم، ومضاف إليه. "عمر" بدل من أبو حفص. "ما" نافية. "من نقب" فاعل مسها على زيادة من.
المعنى: حلف عمر بالله أن ناقتي لم يصبها حفي، ولا حدثت بها قروح في ظهرها، ثم طلب من الله أن يغفر له؛ إن كان قد حنث في يمينه.
الشاهد: تقديم الكنية -وهي: "أبو حفص"- على الاسم، وذلك جائز باتفاق وكذلك عكسه.
وقال حسان:
وما اهتز عرش الله من أجل هالك
…
سمعنا به إلا لسعد أبي عمرو
(1)
وفي نسخة من الخلاصة
(2)
ما يقتضي أن اللقب يجب تأخيره عن الكنية؛ كأبي عبد الله أنف الناقة، وليس كذلك.
ثم إن كان اللقب وما قبله مضافين؛ كعبد الله زين العابدين، أو كان الأول مفردا والثاني مضافًا، كزيد زين العابدين، أو كانا العكس؛ كعبد الله كرز
(3)
، أتبعت الثاني للأول
(4)
: إما بدلًا
(5)
، أو عطف بيان، أو قطعته عن التبعية؛ إما برفعه خبر لمبتدأ محذوف، أو بنصبه مفعولًا لفعل محذوف
(6)
.
(1)
بيت من الطويل؛ ينسب إلى سيدنا حسان بن ثابت، شاعر الرسول؛ في رثاء سعد بن معاذ؛ سيد الأوس، وقيل هو لرجل من الأنصار.
اللغة والإعراب:
اهتز: تحرك. عرش الله: أخذه الشاعر من قوله عليه السلام حين مات سعد بن معاذ، من إثر جرح، من سهم أصابه يوم الخندق، فمات منه بعد ذلك بشهر:"اهتز العرش لموت سعد بن معاذ". هالك: ميت. "ما" نافية. "عرش الله" فاعل اهتز، ومضاف إليه. "سمعنا به" الجملة صفة لهالك. "إلا" أداة استثناء ملغاة "لسعد" متعلق باهتز. "أبي" بدل من سعد. "عمرو" مضاف إليه.
الشاهد: في "لسعد أبي عمر"؛ حيث قدم الاسم على الكنية، بعكس الشاهد السابق.
(2)
فقد روت هذه النسخة بيت ابن مالك؛ كما قدمناه: "وأخرن ذا إن سواه صحبا"؛ والمراد بـ"إذا" اللقب، والضمير في سواه يعود إلى اللقب أيضًا؛ ويراد بما سواه: الاسم والكنية، وهذا ما يعترض عليه المصنف. أما النسخة الأخرى؛ ففيها:"وأخرن ذا سواها صحبا"، وهذا يتمشى مع رأي المصنف؛ وهو المشهور الذي عليه الجمهور.
(3)
الكرز في الأصل: خرج الراعي، ثم لقب به.
(4)
ويعرب الأول على حسب حاجة العامل.
(5)
أي: بدل كل من كل.
(6)
أما المركب المزجي، والمركب الإسنادي، فلا يعتد بتركيبهما، ويعتبر كل منهما بمنزلة المفرد عند اجتماعه بغيره، وتجري عليه أحكام المفرد.
وإن كانا مفردين
(1)
؛ كسعيد كرز، جاز ذلك، ووجه آخر؛ وهو إضافة الأول إلى الثاني
(2)
.
وجمهور البصريون يوجب هذا الوجه. ويرده النظر
(3)
، وقولهم: هذا يحيى عينان
(4)
.
(1)
ولا بد أن يكون أحدهما اسما، والآخر لقبا؛ لأن الكنية لا تكون إلا مركبة؛ تركيبا إضافيا كما أسلفنا مثل "سعيد كرز":"قيس قفة"، و"زيد بطة".
(2)
بشرط ألا يمنع من الإضافة مانع؛ كوجود "أل" في العلم الأول منهما؛ نحو: الحارث كرز، أو يكون اللقب في الأصل وصفا مقرونا بأل؛ نحو: هارون الرشيد.
(3)
لأن فيه إضافة الشيء إلى نفسه، وذلك ممنوع، ويجاب على هذا بأنهما مختلفان تأويلا؛ فأحدهما -وهو المضاف إليه- يراد به الاسم المجرد، والآخر -وهو المضاف- يراد به المسمى.
(4)
قيل: هذا الرجل اسمه "يحيى" ولقبه "عينان"؛ لضخم عينيه. فـ"يحيى" خبر المبتدأ وهو "هذا" و"عينان" بدل، ولو أضيف لقيل:"عينيه". ويجيب البصريون على هذا: بأنه جاء على لغة من يلزم المثنى الألف. ومن عجب أن يرد المصنف هذا الوجه؛ مع إجازته له.
وقد اختاره الناظم؛ فقال في ذلك -مبينا الإعراب في المركب الإضافي:
وإن يكونا مفردين فأضف
…
حتما وإلا أتبع الذي ردف*
أي: إذا كان اللقب، وما قبله مفردين، وجب إعرابهما إعراب المتضايفين؛ فيكون الأول بحسب العوامل، والثاني مضاف إليه. وإن يكونا غير مفردين؛ بأن كانا مركبين تركيب إضافة، أو كان الأول مركبا، والثاني مفردا، أو بالعكس؛ أعرب الأول على حسب الجملة، أما الثاني الذي ردف الأول -أي: جاء بعده- فيتبعه في حركة إعرابه؛ فيكون بدلا أو عطف بيان .. إلخ، كما أوضح المصنف.
* "إن" حرف شرط جازم. "يكونا مفردين" الجملة من يكون، واسمها، وخبرها فعل الشرط. "فأضف" الفاء واقعة في جواب الشرط. "حتما" مفعول مطلق. "وإلا" إن حرف شرط. و"لا" نافية أدغمت مع النون، وفعل الشرط محذوف؛ أي: وإن لم يكونا مفردين. "أتبع" فعل أمر جواب الشرط، حذفت فاؤه، لضرورة النظم؛ لأن جملة الجواب إذا كانت طلبية، وجب اقترانها بالفاء. "الذي" اسم موصول مفعول لأتبع. "ردف" فعل ماض فاعله يعود على الذي، والجملة صلة الموصول لا محل لها.
فصل: والعلم الجنسي
(1)
:
اسم يعين مسماه بغير قيد، تعيين ذي الأداة الجنسية أو الحضورية؛ تقول: أسامة أجرأ من ثعالة؛ فيكون بمنزلة قولك: الأسد أجرأ من الثعلب
(2)
، و"أل" في هذين للجنس
(3)
، وتقول: هذا أسامة مقبلا؛ فيكون بمنزلة قولك: هذا الأسد مقبلا، و"أل" في هذا لتعريف الحضور
(4)
.
وهذا العلم: يشبه علم الشخص من جهة الأحكام اللفظية؛ فإنه يمتنع من أل، ومن الإضافة، ومن الصرف، إن كان ذا سبب آخر؛ كالتأنيث في "أسامة، وثعالة"، وكوزن الفعل في "بنات أوبر
(5)
، وابن آوى"، ويبتدأ به.
(1)
هذا هو النوع الثاني للعلم، الذي وعد المصنف به في أول الباب، وهو: اسم موضوع للصورة، والحقيقة الخيالية التي في ذهن الإنسان وعقله، ممثلة في فرد شائع من أفراد هذا الحقيقة الذهنية. فالعقل لا يمكن أن يدرك هذه الحقيقة من غير أن يتخيل صورة أي فرد من ذلك الجنس، فكلمة "أسامة" لا يدرك العقل معناها إلا مصحوبة بصورة "أسد"، وكلمة "ثعالة" لا يفهم معناها من غير أن يتصور "الثعلب". وهذا بخلاف كلمتي:"أسد" و"ثعلب".
(2)
ظاهر هذا: أن علم الجنس بمنزلة اسم الجنس، وقد أوضحنا لك علم الجنس. أما اسم الجنس فهو اسم موضوع للصورة الذهنية المجردة، من غير حاجة إلى استحضار لصورة فرد من أفرادها الخارجية، ومن غير ربط بين اللفظ ومدلوله الخارجي؛ فإذا سمع الإنسان الكلمات: شجر، عنب، نخل، انطبع في العقل بمجرد سماعه لها صورة مجردة، أو حقيقة ذهنية لشيء، له صفات مشتركة بين أفراد الخارجية، والنكرة هي نفس الفرد الشائع بين نظائره، وهي المدلول الحقيقي الخارجي لاسم الجنس هذا، ومن النحاة من لا يرى فرقا بين النكرة واسم الجنس.
(3)
أي: وليست للعهد؛ لأن كلا منهما اسم جنس.
(4)
وقد استفيد هذا من الإشارة إلى الجنس، وإن كان المعهود في الحضور: الإشارة إلى فرد حاضر.
(5)
علم على نوع من الكمأة صغير، له زغب رديء الطعم، على لون التراب.
ويأتي الحال منه؛ كما تقدم في المثالين
(1)
.
ويشبه النكرة من جهة المعنى؛ لأنه شائع في أمته لا يختص به واحد دون آخر.
(1)
المثالان هما: أسامة أجرؤ من ثعالة، وقد وقع علم الجنس مبتدأ، والثاني: هذا أسامة مقبلا، وقد جاء فيه الحال من علم الجنس.
وفيما تقدم يقول ابن مالك:
ووضعوا لبعض الأجناس علم
…
كعلم الأشخاص لفظا وهو عم*
أي: وضع العرب علما لبعض الأجناس؛ مثل علم الأشخاص في أحكامه اللفظية؛ من حيث منعه من الصرف، ومجيء الحال منه، وعدم دخول الألف واللام عليه
…
إلخ. وهذا العلم أعم من علم الشخص في معناه؛ لأنه مثل النكرة كما بينا.
* "وضعوا" فعل ماض، وواو الجماعة فاعل. "لبعض" متعلق بوضعوا. "لأجناس" مضاف إليه. "علم" مفعول به لوضعوا، منصوب بفتحة مقدرة؛ منع منها سكون الروي، أو منصوب ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة. "كعلم" متعلق بمحذوف، صفة لعلم. "الأشخاص" مضاف إليه. "لفظا" تمييز لمعنى الكاف؛ أي: مثله من جهة اللفظ، أو منصوب على نزع الخافض. "وهو عم" مبتدأ وخبر، والضمير يرجع إلى علم الأجناس، و"عم" يجوز أن يكون فعلا ماضيا، وأن يكون أفعل تفضيل، وأصله أعم؛ فسقطت الهمزة لكثرة الاستعمال.
فصل: ومسمى علم الجنس ثلاثة أنواع:
أحدها: وهو الغالب؛ أعيان لا تؤلف؛ كالسباع والحشرات؛ كأسامة، وثعالة، وأبي جعدة للذئب، وأم عريط للعقرب.
والثاني: أعيان تؤلف؛ كـ"هيان بن بيان" للمجهول العين والنسب، و"أبي المضاء" للفرس، و"أبي الدغفاء" للأحمق
(1)
.
(1)
أي: من غير تعيين لشخص بذاته؛ قال الشاعر:
أبا الدغفاء ولدها فقارا
أي: شيئا لا رأس له، ولا ذنب. يريد: كلفها ما لا تطيق، وما لا يكون، يقال هذا للأحمق؛ والدغف كالمنع: الأخذ الكثير.
والثالث: أمور معنوية: كـ"سبحان" للتسبيح
(1)
، و"كيسان" للغدر
(2)
، و"يسار" للميسرة، و"فجار" للفجرة، و"وبرة" للمبرة
(3)
.
(1)
أي: علم للتسبيح، ومعناه التنزيه؛ أي: براءة الله من السوء، وهو منصوب على المصدرية.
(2)
قال الشاعر:
إذا ما دعوا كيسان كانت كهولهم
…
إلى الغدر أسعى من شبابهم المرد
(3)
الفجرة -بسكون الجيم- الفجور. والمبرة: البر.
وإلى النوعين الأول، والثالث يشير الناظم بقوله:
من ذاك "أم عريط" للعقرب
…
وهكذا "ثعالة" للثعلب
ومثله "برة" للمبره
…
كذا "فجار" علم للفجره*
في هذين البيتين أمثلة لنوعين من علم الجنس؛ فأم عريط وثعالة، لما لا يؤلف من الأعيان، وبرة وفجار، للأمور المعنوية، ولم يمثل الناظم لما يؤلف من الأعيان؛ وقد مثل لها المصنف.
* "من" جارة. "ذاك" ذا: اسم إشارة في محل جر بمن، والكاف حرف خطاب، والجار والمجرور خبر مقدم. "أم عريط" مبتدأ مؤخر، ومضاف إليه. "للعقرب" جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر في الخبر. "وهكذا" ها حرف تنبيه، والكاف جارة، وذا اسم إشارة في محل جر، والجار والمجرور خبر مقدم. "ثعالة" مبتدأ مؤخر. "للثعلب" حال من ضمير الخبر. "ومثله" خبر مقدم، والهاء عائدة على المذكور قبل من الأمثلة. "برة" مبتدأ مؤخر. "للمبرة" متعلق بمحذوف حال من ضمير الخبر. "كذا" جار ومجرور خبر مقدم "فجار" مبتدأ مؤخر مبني على الكسر في محل رفع. "علم" مبتدأ خبره محذوف. "للفجرة" متعلق بذلك الخبر المحذوف؛ والتقدير: فجار كذا علم موضوع للفجرة، ويجوز أن يكون "فجار" مبتدأ أول. و"علم" مبتدأ ثان و"كذا" خبر المبتدأ الثاني، وهو خبره خبر الأول.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأسئلة والتمرينات:
1 عرف العلم، واذكر أقسامه؛ من حيث اللفظ والاستعمال، ومثل لما تقول.
2 عرف كلا من الكنية واللقب، وإذا اجتمعا، أو اجتمع أحدهما مع الاسم، فما الذي يتقدم؟ مثل بأمثلة من عندك.
3 ما الفرق بين العلم المنقول والمرتجل؟ وعن أي شيء يكون النقل؟ وضح بأمثلة.
4 عرف كلا من: علم الشخص، وعلم الجنس، وبين الفرق بين اسم الجنس، والنكرة مع التمثيل.
5 كيف يعرب العلم المركب؛ تركيبا إضافيا، أو مزجيا؟ وضح بالمثال.
6 فيما يأتي شواهد لبعض المسائل في باب العلم؛ بين موضع الشاهد، وإعراب ما تحته خط: قال -تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} ، {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} ، {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} .
أبلغ هذيلًا وأبلغ من يبلغها
…
عني وبعض القول تكذيب
بأن ذا الكلب عمرا خيرهم حسبا
…
ببطن شريان يعوي حوله الذيب
أبوك جبان سارق الضيف برده
…
وجدي يا حجاج فارس شمرا
إنا اقتسمنا خطتينا بيننا
…
فحملت برة واحتملت فجار
أنا ابن التارك البكري بشرا
…
عليه الطير ترقبه وقوعا
إذا ما قيل أي الناس شر
…
فشرهم بنو يتلمظان
7 بين فيما يأتي: الاسم واللقب والكنية، وحكم كل؛ من حيث التقديم، والإعراب:
أول خلفاء بني العباس: أبو العباس؛ عبد الله بن محمد بن علي المتصف بالسفاح؛ لقوله: "استعدوا فأنا السفاح المبيح، والثائر المنيح". وقد بويع بالخلافة يوم الخميس؛ الثالث عشر من ربيع الأول؛ سنة 132 هـ، ولما توفي سنة 136 هـ عقد البيعة لأخيه؛ أبي جعفر المنصور. وكان من أعظم القواد في زمنه: أبو مسلم الخراساني؛ ثم أعقبه بعد وفاته سنة =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= 158 - ابنه محمد المهدي، وكان يعاصره في بلاد الأندلس؛ عبد الرحمن الأول، وخلف المهدي بعد وفاته -سنة 169 - ابنه موسى الهادي، ثم تولى الخلافة بعده أخوه هارون الرشيد في ربيع الأول سنة 170 هـ، وكان يعاصره في الأندلس: صقر قريش؛ عبد الرحمن الداخل. وقد وصلت في عهده الدولة إلى أسمى الدرجات؛ صولة وسلطانا وثروة وعلما وأدبا.
هذا
باب أسماء الإشارة
(1)
:
والمشار إليه: إما واحد أو اثنان أو جماعة، وكل واحد منها: إما مذكر وإما مؤنث.
فللمفرد المذكر: "ذا"، وللمفرد المؤنث عشر
(2)
؛ وهي: ذي، وتي، "وذه، وته، وذه، وته، وذه، وته"
(3)
، وذات، وتا.
وللمثنى: "ذان، وتان" رفعًا، و"ذين، وتين" جرا ونصبًا، ونحو:{إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} مؤول
(4)
.
هذا باب أسماء الإشارة:
(1)
اسم الإشارة هو: اسم يعين مدلوله بواسطة إشارة حسية إليه، أو معنوية.
(2)
منها خمسة مبدوءة بالذال، وخمسة مبدوءة بالتاء.
(3)
الأوليان بإشباع الكسرة، والثانيتان باختلاس الكسرة؛ أي: اختطافها من الهاء بلا إشباع، والثالثتان بإسكان الهاء، وفي ذلك يقول ابن مالك:
بذا لمفرد مذكر أشر
…
بذي وذه تي تا على الأنثى اقتصر*
أي: أشر للمفرد المذكر بكلمة "ذا"، واقتصر عند الإشارة إلى الأنثى بذي، وذه، وتي، وتا، ولم يذكر الباقي.
(4)
وتأويله: إما على أن اسم "إن" ضمير الشأن، واللام داخلة على مبتدأ محذوف، خبره ساحران؛ أي: إنه هذان لهما ساحران. أو على أن "إن" حرف بمعنى نعم؛ فلا عمل لها. و"هذان" مبتدأ، واللام داخلة على مبتدأ محذوف، و"ساحران" خبر المبتدأ المحذوف. والجملة خبر "هذان"، وقيل إنه جاء على لغة من يلزم المثنى الألف.
وفي إشارة المثنى يقول الناظم:
و"ذان""تان" للمثنى المرتفع
…
وفي سواه "ذين تين" اذكر تطع*
أي: إن للمثنى في حالة الرفع: "ذان" للمذكر، و"تان" للمؤنث، وفي غير الرفع:"ذين" للمذكر، و"تين" للمؤنث.
* "بذا لمفرد" كل منهما متعلق بأشر. "مذكر" صفة لمفرد. "أشر" فعل أمر وفاعله أنت. "بذي" متعلق باقتصر. "وذه، تي، تا" معطوفات على ذه بإسقاط العاطف من الآخرين. "على الأنثى" متعلق باقتصر؛ وجملة "اقتصر" معطوفة على جملة "أشر"؛ بإسقاط العاطف.
* "وذان" مبتدأ. "ثان" معطوف عليه بإسقاط العاطف. "للمثنى" خبر المبتدأ. "المرتفع" نعت للمثنى. "وفي سواه" متعلق باذكر، والهاء مجرورة؛ بإضافة سوى إليها. "ذين" مفعول مقدم لاذكر. "تين" معطوف عليه بإسقاط العاطف. "اذكر" فعل أمر، والفاعل أنت. "تطع" مضارع مجزوم في جواب الأمر، وجملة اذكر معطوفة على ما قبلها.
ولجمعها: "أولاء" ممدودًا عند الحجازيين، ومقصورا عند تميم
(1)
.
ويقل مجيئه لغير العقلاء؛ كقوله:
والعيش بعد أولئك الأيام
(2)
(1)
تميم: قبيلة من أشهر قبائل مضر العدنانية. وفي إشارة الجمع يقول ابن مالك:
وبأولى أشر لجمع مطلقا
…
والمد أولى. . . . . . . . . . . *
أي: أشر إلى الجمع مطلقا: مذكرا كان أو مؤنثا، عاقلا أو غير عاقل بأولى مقصورة، والمد أولى من القصر.
(2)
عجز بيت من الكامل لجرير، من قصيدة يهجو فيها الفرزدق. وصدره:
ذم المنازل بعد منزلة اللوى
اللغة والإعراب:
المنازل: جمع منزل أو منزلة، وهي مكان النزول. اللوى: مكان في بني سليم، كان معدا للحكومة، وكانت فيه موقعة. "ذم" فعل أمر؛ بفتح الميم تخفيفًا، وبكسرها للتخلص من الساكنين، وبضمهما لاتباع الذال "بعد" ظرف متعلق بمحذوف حال من المنازل وهو مضاف لما بعده، "والعيش" معطوف على المنازل "الأيام" بدل، أو عطف بيان من أولئك.
المعنى: ذم جميع الأماكن بعد مفارقة هذا المكان، وذم كذلك الحياة بعد تلك الأيام التي، قضيناها في ذلك الموضع.
الشاهد: في "أولئك" حيث أشير به إلى الأيام، وهي جمع لغير العقلاء، وذلك قليل.
* وبأولى "متعلق بأشر مجرور المحل. "لجمع" متعلق كذلك بأشر. "مطلقًا" حال من جمع على قلة؛ لأنه نكرة "والمد أولى" مبتدأ وخبر.
فصل: وإذا كان المشار إليه بعيدا لحقته كان حرفية؛
(1)
تتصرف تصرف الكاف الاسمية غالبا
(2)
، ومن غير الغالب:{ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ}
(3)
.
ولك أن تزيد قبلها لامًا
(4)
؛ إلا في التثنية مطلقًا، وفي الجمع في لغة من مده
(5)
، وفيما سبقته "ها"
(6)
. وبنو تميم لا يأتون باللام مطلقًا
(7)
.
(1)
أي: ليست ضميرا؛ لأن اسم الإشارة لا يضاف.
(2)
فتبنى على الفتح للمخاطب، وعلى الكسر للمخاطبة، وتلحقها علامة التثنية، وميم جمع المذكر، ونون النسوة؛ تقول: ذاك، ذاك، ذاكما، ذاكم، ذاكن. وهذه أشهر اللغات فيها.
(3)
فتبنى على الفتح لكل أنواع المخاطب، وعلى الكسر لكل أنواع المخاطبة، ولا تلحقها علامة تثنية ولا جمع؛ فإن الكاف في "ذلك" خطاب للمؤمنين، مبني على الفتح، ولم تضم إليها ميم الجمع، و"ذا" إشارة إلى تقديم الصدقة، في قوله -تعالى:{فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} .
(4)
تسمى هذه اللام: "لام البعد"، وتكسر إن كان قبلها ساكن؛ نحو: ذلك؛ تكسر، وقد تسكن فيحذف ما قبلها من ساكن آخر؛ نحو: تلك، وتالك، في تي، وتا. ولا توجد بغير كاف الخطاب؛ ولذلك لا تدخل أسماء الإشارة التي لا تدخلها الكاف.
(5)
احترز بذلك عن لغة القصر؛ فإن منهم من يأتي باللام؛ كقيس وربيعة؛ قال شاعرهم:
أولى لك قومي لم يكونوا أشابة
…
وهل يعظ الضليل إلا أولى لكا
والأشابة: الأخلاط من الناس؛ يريد أن قومه من أب واحد.
(6)
وتسمى هذه الهاء: هاء التنبيه؛ لأنه يقصد بها تنبيه المخاطب، أو الغافل إلى ما بعدها؛ وهي حرف. ويصح دخول هذه الهاء على اسم الإشارة الخالي من كاف الخطاب؛ نحو: هذا، هذه، هذان، هؤلاء. وقد تجتمع مع الكاف؛ نحو: هذاك، هاتان. وإذا اجتمعا لا يصح مجيء اللام معهما؛ فلا تقول: هذا لك. وتمتنع الكاف إن فصل بين "ها" واسم الإشارة؛ فاصل؛ نحو: هأنذا. وكذلك تمتنع في أسماء الإشارة السبعة التي للمؤنث.
(7)
أي: لا في مفرد، ولا في مثنى أو جمع. وقد أشار ابن مالك إلى الكاف واللام في البعد وعدمه، فقال: =
فصل: ويشار إلى المكان القريب بهنا، أو ههنا
(1)
؛ نحو: {إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} . وللبعيد بهناك، أو ههناك، أو هنالك، أو هَنَّا، أو هِنَّا، أو هَنَّت، أو ثَمَّ
(2)
؛ نحو: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ}
(3)
.
=
ولدى البعد انطقا
بالكاف حرفا دون لام أو معه
…
واللام إن قدمت "ها" ممتنعه*
أي: عند الإشارة بعيد يؤتى بالكاف وحدها؛ تقول: ذاك، أو بالكاف مع اللام؛ نحو: ذلك؛ وهذه الكاف حرف خطاب، ولا تدخل في إشارات المؤنث، ما عدا: تي، وتا، وذي. وإذا تقدم حرف التنبيه الذي هو "ها" على اسم الإشارة، يؤتى بالكاف وحدها وتمتنع اللام. وقد ساير ابن مالك المصنف في جعل اسم الإشارة مرتبتين قربى، وبعدى. والجمهور على أن المشار إليه: قريب، وبعيد، ومتوسط؛ فللقريب: أسماء الإشارة التي ذكرت من غير زيادة عليها؛ وهي للمتوسط مع زيادة كاف الخطاب. أما البعيد فتزاد له كاف الخطاب ولام البعد؛ وقد أوضحنا قريبا المواضع التي تمتنع فيها كاف الخطاب. أما مجمل المواضع التي تمتنع فيها لام البعد فهي: أسماء الإشارة السبعة التي للمؤنث، وأولاء ممدودة، واسم الإشارة للمثنى مطلقا، واسم الإشارة المبدوء بها التنبيه، والمختوم بكاف الخطاب، واسم الإشارة الذي ليس في آخره كاف خطاب.
(1)
وتفيد مع الإشارة الظرفية، وإذا وقعت خبرا يجب تقديمه على المبتدأ.
(2)
ظرف لا يتصرف؛ فهي اسم إشارة وظرف معا، ولا تدخلها كاف الخطاب، ولا "ها" التنبيه، وقد تلحقها تاء التأنيث المفتوحة غالبا؛ فتقول: ثمة. وإذا وقعت خبرا يجب تقديمها على المبتدأ.
(3)
"ثم" اسم إشارة، ظرف مكان لأزلفنا، مبني على الفتح في محل نصب. "الآخرين" مفعول أزلفنا. وفي الإشارة إلى المكان يقول ابن مالك: =
* "ولدى" ظرف بمعنى عند متعلق بانطقا. "البعد" مضاف إليه. "انطلقا" فعل أمر وفاعله مستتر والألف للإطلاق، أو مبدلة من نون التوكيد الخفيفة للوقف. "بالكاف" متعلق بانطقا. "حرفا" حال من الكاف. "دون لام أو معه" حالان من الكاف أيضا. "واللام" مبتدأ. "إن شرطية". "قدمت ها" ها مفعول قدمت، والجملة في محل جزم فعل الشرط. "ممتنعة" خبر المبتدأ، وجواب الشرط محذوف دل عليه المبتدأ والخبر، وجملة الشرط وجوابه لا محل لها، وهي معترضة بين المبتدأ والخبر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
وبهنا أو ههنا أشر إلى
…
داني المكان وبه الكاف صلا
في البعد أو بثم فه أو هَنَّا
…
أو بهنالك انطقن أو هِنَّا*
يقول: أشر إلى المكان القريب بهنا، أو ههنا، وصل الكاف بهما عند الإشارة للبعيد، أو جيء باسم إشارة آخر وهو: ثم، أو هنا، أو هنالك.
وقد تبع ابن مالك المصنف أيضا في جعل المشار إليه مرتبتين، والجمهور على أن المراتب ثلاثة. وأسماء الإشارة التي للمكان، ملازمة للنصب على الظرفية، ولا تفارقها إلا إلى الجر بمن أو بإلى. هذا: وقد تقع هناك، هنالك، هنا؛ أسماء إشارة للزمان. والجدول الآتي يبين أسماء الإشارة، ومدلولاتها، ومراتب المشار إليه: =
|
* "وبهنا" متعلق بأشر. "أو ههنا" معطوفة على هنا. "أشر إلى داني المكان" ظاهر الإعراب. "وبه" متعلق بقوله: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ملحوظة: الكاف مع أسماء الإشارة ما عدا -هناك- حرف، تتصرف تصرف الكاف الاسمية على حسب المخاطب؛ فيقال ذاك، ذاك، ذاكما، ذاكم، ذاكن.
= صلاة "الكاف" مفعول لصلا. "صلا" فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا للوقف. "في البعد" متعلق بصلا. "أو بثم" متعلق بفه. "فه" فعل أمر والفاعل أنت. "أو هنا" معطوف على ثم. "أو بهنالك" متعلق بانطلق. "انطقن" فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة. "أو هنا" معطوف على هنالك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأسئلة والتمرينات:
1 ما اسم الإشارة؟ وبماذا يشار للمثنى المؤنث وجمع المذكرين؟ مثل لذلك.
2 تلحق الكاف واللام اسم الإشارة. وضح حكمهما، وما تدل عليه كل منهما، واذكر المواضع التي تمتنع فيها كل من اللام والكاف، ومثل.
3 كم مرتبة للمشار إليه؟ وبماذا يشار إلى المكان القريب؟ وضح بالأمثلة.
4 ما الذي تفيده "ثم وما إعرابها؟ ولماذا تدخل "ها" التنبيه على اسم الإشارة
5 وضح على ماذا يستشهد النحويون بما يأتي في هذا الباب؟ ثم أعرب ما تحته خط: قال -تعالى: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ} ، {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} .
رأيت بني غبراء لا ينكرونني
…
ولا أهل هذاك الطراف الممدد
حنت نوارا ولات هَنَّا حنت
…
وبدا الذي كانت نوار أجنت
وإذا الأمور تشابهت وتعاظمت
…
فهناك يعترفون أين المفزع
نبئت نعمى على الهجران عاتبة
…
سقيا ورعيا لذاك العاتب الرازي
تعلم أن بعد الغي رشدا
…
وأن لتالك الغمر انقشاعا
6 "ذلك هو الفدائي الباسل، الذي أطار صواب العدو، والذي لا يجبن أمام هجماته، فكن مثله، تنل تقدير الوطن".
أشر بهذه العبارة إلى اثنين، وخاطب جماعة الذكور، والعكس.
7 ضع أسماء الإشارة الآتية، في جمل تدور حول المجاهدين والمكافحين ضد العدو. واشرح مدلولها: ذانك، هنا، أولاء، ثم، تا.
8 حول الإشارة في الجملة الآتية، إلى المفرد المذكر، مخاطبًا المثنى، ثم إلى الجمع، مخاطبا المفردة المؤنثة:"تلك المجاهدة السمراء يجملها خلقها الرفيع، وهذه الفتاة الحسنة المظهر يقبحها ملبسها الذي يكشف عن عورتها".
هذا
باب الموصول
وهو ضربان: حرفي واسمي
فالحرفي:
كل حرف أول مع صلته بمصدر
(1)
.
وهو ستة أنَّ
(2)
، وأنْ
(3)
، وما
(4)
،
هذا باب الموصول:
(1)
كل من الموصولات الاسمية والحرفية، لا بد له من صلة، ويسبك الموصول الحرفي مع صلته سبكا ينشأ عنه مصدر يسمى: المصدر المسبوك، أو "المؤول"، ويعرب على حسب الجملة، ولا تحتاج صلته إلى عائد، بخلاف الاسمي كما سيأتي. وهذا النوع لا دخل له بالمعارف، وذكره هنا للمناسبة بينه وبين الاسمي.
(2)
مشددة النون، وهي التي تنصب الاسم وترفع الخبر، وتوصل بجملة اسمية، وتتكون صلتها من اسمها وخبرها، ومن الثلاثة يصاغ المصدر؛ فإن كان الخبر مشتقا، جاء المصدر من إضافة خبرها إلى اسمها؛ نحو:{إِنَّا أَنزَلْنَا} ؛ أي: إنزالنا، وإن كان الخبر جامدا؛ أول المصدر من لفظ "كون" مضافا إلى اسمها؛ نحو: أيقنت أن هذا المتهم بريء؛ أي: كونه بريئا. وإن كان الخبر ظرفا أو جارا ومجرورا، أول المصدر بالاستقرار، أو ما في معناه مضافا إلى الاسم؛ نحو: بلغني أنك في المسجد؛ أي: وجودك فيه، ومثلها "أن" المخففة الناسخة، ولكن اسمها يكون في الغالب ضمير الشأن محذوفا، وخبرها جملة؛ نحو: أيقنت أن محمد لمريض.
(3)
هي الناصبة للمضارع، ولا تكون صلتها إلا جملة فعلية فعلها كامل التصرف، ماضيا كان أو مضارعا، أو أمرا على الصحيح؛ نحو: سررت من أن قال الحق، من الشهامة أن يقول الحق، أنصح لك أن قل الحق "الصلة في هذا المثال جملة طلبية، وهذا جائز في "أن وحدها".
(4)
أي: المصدرية، وتكون ظرفية؛ نحو: أصادقك ما دمت تقول الحق. وغير ظرفية؛ نحو: أسفت مما يعمل محمد؛ أي: من عمله. وتوصل بفعل متصرف غير أمركما مثلنا، وبجملة اسمية؛ بشرط ألا تبدأ بحرف مصدري آخر؛ نحو: أزورك ما الوقت مناسب؛ أي: مدة مناسبة الوقت.
وكي
(1)
، ولو
(2)
، والذي
(3)
؛ نحو: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا}
(4)
، {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} ، {بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} ، {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} ، {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّر} ، {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} .
والاسمي
(5)
ضربان:
نص ومشترك
(6)
.
فالنص ثمانية: منها للمفرد المذكر: "الذي" للعالم وغيره؛ نحو: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَه} ، {هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُون} .
وللمفرد المؤنث: "التي"
(7)
للعاقلة وغيرها؛ نحو: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي
(1)
أي: الناصبة للمضارع؛ ولا بد أن تسبقها لام التعليل، لفظا أو تقديرا، ولا تكون صلتها إلا جملة مضارعية؛ نحو أخلصت العمل لكي أرضي ضميري.
(2)
أي: المصدرية؛ وتوصل بالماضي والمضارع المتصرفين، لا بالأمر؛ والأكثر أن تقع بعد ما يفيد معنى التمني؛ كود، ويود، وأحب، ورغب، واختار. ولا تحتاج لجواب؛ نحو: وددت لو سافرت، أو تسافر معنا. ويندر أن تقع بعد غير ذلك؛ كقول الشاعر:
ما كان ضرك لو مننت وربما
…
من الفتى وهو المغيظ المحنق
(3)
هذا رأي ليونس بن حبيب؛ كما ذكره الفارسي في الشيرازيات. والصحيح أن "الذي" موصول اسمي؛ لدخول أل عليه. والمثال الذي ذكره المصنف بعد: مؤول على حذف الموصول والعائد؛ أي: كالخوض الذي خاضوه، أو على أن الأصل؛ كالذين، حذفت النون على لغة.
(4)
"أولم" الهمزة للاستفهام والواو عاطفة على محذوف. "يكف" مضارع مجزوم بلم بحذف الياء. "هم" مفعوله، وفاعله المصدر المؤول من أن ومعموليها؛ أي: إنزالنا.
(5)
الموصول الاسمي: هو الاسم المبهم الذي يحتاج في توضيحه وتعيين المراد منه، إلى شيء يتصل به؛ يسمى الصلة، مشتملة على ضمير، أوشبهه يربطها به، يسمى العائد.
(6)
النص: هو ما كان نصا في الدلالة على بعض الأنواع، ومقصورا عليها لا يتعداها. والمشترك: هو الذي لا يقتصر على بعض الأنواع؛ بل يصلح لها جميعها.
(7)
هي، والذي، يكتبان بلام واحدة. وهما مبنيان على السكون ومحلهما رفع أو نصب أو جر على حسب موقعهما من الجملة.
تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}، {مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} .
ولتثنيتهما: "اللذان، واللتان" رفعا، و"اللذين، واللتين" جرا ونصبا
(1)
، وكان القياس في تثنيتهما
(2)
وتثنية "ذا وتا"؛ أن يقال: اللذيان واللتيان، وذيان وتيان؛ كما يقال: القاضيان بإثبات الياء، وفتيان بقلب الألف ياء، ولكنهم فرقوا بين تثنية المبني والمعرب؛ فحذفوا الآخر
(3)
؛ كما فرقوا في التصغير؛ إذ قالوا: اللذيا واللتيا، وذيا وتيا: فأبقوا الأول على فتحه، وزادوا ألفا في الآخر عوضا عن ضمة التصغير. وتميم وقيس تشدد النون فيهما تعويضا من المحذوف، أو تأكيدًا للفرق
(4)
، ولا يختص ذلك بحالة الرفع، خلافًا للبصريين؛ لأنه قد قرئ في السبع:{رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنَّ} ، {إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنَّ} بالتشديد؛ كما قرئ:{وَاللَّذَانَّ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} ، {فَذَانِّكَ بُرْهَانَانِ} .
(1)
الأحسن فيهما أن يعربا إعراب المثنى، ويكتبان بلامين.
(2)
هذا التعبير يفهم منه أنهما مثنيان حقيقة، وقد تبع الموضح رأي الناظم في ذلك. والصحيح أنهما صيغتان وضعتا ابتداء للمثنى، وليسا بمثنيين، واختلافهما مع العامل إنما هو بالنظر لصورة التسمية؛ وكذا يقال في "ذان" و"تان"، و"اللذون".
(3)
أي: من المبني، وهو الياء من "الذي"، "التي"، والألف من "ذا" و"تا"، وأثبتوه في المعرب.
(4)
أي: بين تثنية المبني والمعرب.
وفيما تقدم يقول ابن مالك:
موصول الأسماء الذي الأنثى التي
…
اليا إذا ما ثُنِّيا لا تثبت
بل ما تليه أوله العلامه
…
والنون إن تشدد فلا ملامه
والنون من "ذين" و"تين" شددا
…
أيضا وتعويض بذاك قصدا*
أي: إن ألفاظ الموصول الاسمي هي: الذي؛ للمفرد المذكر، والتي؛ للأنثى. والياء في كليهما لا تثبت ولا تبقى عند تثنيتهما؛ بل تحذف، وتجيء بعد الحرف الذي تليه؛ أي: تأتي بعده؛ علامتا التثنية، وتشديد النون في التثنية لا لوم فيه، وكذلك تشديد النون في "ذين" و"تين" اسمي إشارة جائز أيضا. وهذا التشديد قصد به التعويض عن الياء التي حذفت من غير مبرر؛ لأجل التثنية.
* "موصول الأسماء" مبتدأ أول ومضاف إليه. "الذي" مبتدأ ثان خبره محذوف، والجملة من الثاني وخبر الأول "الأنثى التي" مبتدأ وخبر؛ أي: ومؤنثة التي، العاطف محذوف، ويجوز أن يكون "التي" مبتدأ ثانيا حذف خبره، والجملة خبر الأنثى؛ أي: الأنثى لها التي. "واليا" مفعول مقدم لقوله لا تثبت. "إذا" ظرف مضمن معن الشرط "ما" زائدة "ثنيا" الجملة من الفعل ونائب الفاعل في محل جر بإضافة إذا إليها، وهي جملة الشرط "لا" ناهية. "تثبت" مجزوم بلا، وحرك بالكسر للروي والوزن، وجواب الشرط محذوف؛ أي: إذا ثنيت، الذي والتي، فلا =
وبلحارث
(1)
بن كعب، وبعض ربيعة، يحذفون نون اللذان واللتان؛
قال:
أبني كليب إن عمي اللَّذا
(2)
(1)
أصله بنو الحارث؛ فرخم في غير النداء، بحذف النون والواو.
(2)
صدر بيت من الكامل، للأخطل التغلبي غياث بن غوث يهجو جريرا. وعجزه:
قتلا الملوك وفككا الأغلالا
اللغة والإعراب:
بني كليب: يراد بهم قوم جرير؛ وكليب أبو القبيلة، وهو كليب بن يربوع. عمي، مثنى، والمراد بهما: أبو حنش بن النعمان، قاتل شرحبيل بن الحارث بن عمرو، المعروف بآكل المرار. "والمرار" شجر مر إذا أكلته الإبل قلصت عنه مشافرها، وعمرو بن كلثوم التغلبي، قاتل عمرو بن هند. الأغلال: جمع غل؛ وهو حديدة تجعل في عنق الأسير. "أبني" الهمزة للنداء، وبني منادى منصوب بالياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر "كليب" مضاف إليه. "عمي" اسم إن منصوب بالياء؛ لأنه مثنى، وحذفت النون للإضافة إلى ياء المتكلم. "اللذا" خبر إن مبني على الألف، والنون محذوفة للتخفيف. "قتلا الملوك" الجملة صلة.
المعنى: يفخر على جرير بقومه، ويقول: إن قومه ذوو بأس وشجاعة، وأن عميه قتلا ملكين عظيمين، وخلصا الأسرى من أغلالهم.
الشاهد: حذف النون من "اللذان" على لغة بعض بني ربيعة، وذلك خاص بحالة الرفع.
= تثبت الياء. "بل" حرف عطف للانتقال. "ما" اسم موصول مفعول لمحذوف يفسره المذكور بعده، من باب الاشتغال. "تليه" مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل يعود على الياء، والهاء مفعوله عائدة على ما، والجملة لا محل لها صلة الموصول. "أوله" فعل أمر، والهاء مفعول أول. "العلامة" مفعوله الثاني. "والنون" مبتدأ. "إن" شرطية. "تشدد" مضارع مبني للمجهول فعل الشرط، ونائب الفاعل يعود على النون. "فلا" الفاء لربط الشرط بالجواب، و"لا" نافية للجنس. "ملامة" اسم "لا" مبني على الفتح، وسكن للروي، والخبر محذوف؛ أي: فلا ملامة عليك، وجملة "لا" واسمها وخبرها جواب الشرط، وجملة الشرط وجوابه خبر المبتدأ. "والنون" مبتدأ "من ذين" في موضع الحال من مرفوع شددا الآتي. "وتين" معطوف على ذين. "شددا" ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى النون، والألف للإطلاق، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ. "أيضا" مفعول مطلق. "وتعويض" مبتدأ سوغه ما فيه من معنى الحصر. "بذاك" متعلق بقصدا. "قصدا" ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل يعود إلى تعويض، والألف للإطلاق، والجملة خبر المبتدأ.
وقال:
هما اللتا لو ولدت تميم
(1)
ولا يجوز ذلك في "ذان" و"تان"؛ للإلباس
(2)
.
وتلخص أن في نون الموصول ثلاث لغات
(3)
،، في نون الإشارة لغتان
(4)
.
ولجمع المذكر العاقل كثيرا ولغيره قليلًا: "الأُلى
(5)
مقصورًا، وقد يمد.
(1)
صدر بيت من الرجز، ينسب أيضا للأخطل، وعجزه:
لقيل فخر لهم صميم
اللغة والإعراب:
تميم: قبيلة، أبوها تميم بن مر. فخر: شرف ومنزلة عظيمة.
صميم: خالص لا شائبة فيه. "هما" مبتدأ. "اللتا" خبر مبني على الألف. "لو" شرطية. "تميم" فاعل ولدت الواقع فعلا للشرط. "لقيل" اللام واقعة في جواب الشرط. "فخر" خبر لمبتدأ محذوف، أو مبتدأ خبره الجار والمجرور بعده، والجملة نائب فاعل قيل. "صميم" صفة لفخر.
المعنى: هما المرأتان اللتان لو ولدتهما تميم؛ لكان لهم بذلك الشرف الخالص الذي لا شك فيه.
الشاهد: حذف النون من "اللتان" على لغة، وذلك خاص بحالة الرفع أيضا، وورد حذف النون "الذين" و"اللذون".
(2)
أي: إلباس المثنى بالمفرد؛ ولعدم طول الصلة. والحق أن العلة في ذلك كله الورود عن العرب.
(3)
الإثبات بدون تشديد، وهو الأكثر. وبالتشديد، وهو كثير. وبالحذف، وهو لغة لبعض العرب. وهذا خاص باللذان واللتان.
(4)
هما: الإثبات بدون تشديد وهو الكثير، وبالتشديد.
(5)
هو اسم جمع كما تقدم، ويكتب بغير واو بعد الهمزة، بخلاف: أولي "اسم إشارة" فإن الواو تلزمها بعد الهمزة، كما أسلفنا. والألى للعقلاء من جمعي المذكر والمؤنث، وهو مبني على السكون.
و"اللذين" بالياء مطلقا
(1)
قد يقال بالواو رفعا؛ وهي لغة هذيل أو عقيل.
قال:
نحن اللذون صبحوا الصباحا
(2)
ولجمع المؤنث: "اللاتي، واللائي" وقد تحذف ياؤها، وقد يتقارض
(3)
الألى، واللائي. قال:
محا حبها الألى كن قبلها
(4)
؛ أي: حب اللاتي.
(1)
أي: في الأحوال الثلاثة: رفعا ونصبا وجرا، وهي مبنية على الفتح دائما.
(2)
صدر رجز ينسب لرؤبة في الفخر، وقيل لغيره. وعجزه:
يوم النخيل غارة ملحاحا
اللغة والإعراب:
صبحوا الصباحا: باغتوا العدو في الصباح. النخيل: موضع بالشام غارة: اسم مصدر من أغار على العدو. ملحاحا: شديدة متتابعة، من ألح السحاب؛ دام مطره. وسحاب ملحاح، دائم. "اللذون" خبر نحن مبني على الواو. "صبحوا الصباحا" الجملة صلة. "يوم النخيل" ظرف زمان متعلق بصبحوا ومضاف إليه. "غارة" مفعول لأجله، أو حال من ضمير صبحوا. "ملحاحا"صفة لغارة.
المعنى: نحن الفرسان الذين باغتوا أعدائهم، وأغاروا عليهم يوم النخيل، غارات متتابعة للإيقاع بهم وهزيمتهم.
الشاهد: في "اللذون" حيث جاء معربا بالواو رفعا، كما لو كان جمع مذكر، والصحيح أنه مبني جيء به على صورة المعرب.
هذا: وقد جرى المصنف هنا على أن "اللذان" و"اللذين"، و"اللتان" و"اللتين" و"الذين" و"اللذون" مبنيات. وسبق أن قرر في باب: المعرب والمبني: أن "اللذان" و"اللتان" معربان؛ لأن التثنية التي هي من خواص الأسماء، عارضت شبههما بالحرف؛ فتنبه.
(3)
أي: يقع كل منهما مكان الآخر، ويستعمل استعماله.
(4)
صدر بيت من الطويل، لقيس بن الملوح، المعروف بمجنون ليلى. وعجزه:
وحلت مكانا لم يكن حل من قبل
اللغة والإعراب:
محا: أزال. الألى كن قبلها: النساء اللاتي أحبهن قبل ليلى. "حبها" فاعل محا ومضاف إليه. "حب" مفعوله. "الألى" مضاف إليه. "كن" كان واسمها ضمير النسوة. "قبلها" ظرف متعلق بمحذوف خبر، ومضاف إليه، والجملة لا محل لها صلة "مكانا" مفعول حلت. "يكن" مجزوم بلم، واسمها يعود إلى "مكان". "حل" الجملة من الفعل، ونائب الفاعل خبر يكن. "من قبل" متعلق بحل.
المعنى: أن حب ليلى قد ملك قلبه، وأزال منه حب كل امرأة قبلها، وحل حبها من القلب مكانا خاليا، لم يحله أحد من قبل.
الشاهد: في "الألى"، حيث استعمل لجماعة الإناث بدلا من "اللاتي"؛ بدليل عود الضمير من "كن" عليه بصيغة المؤنث، وأيضا فالمعنى المراد يؤيد ذلك.
قال:
فما آباؤنا بأمنَّ منه
…
علينا اللاء قد مهدوا الحجورا
(1)
أي الذين.
والمشترك سنة: من، وما، وأي، وأل، وذو، وذا.
فأما "من": فإنها تكون للعالم؛ نحو: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} .
ولغيره في ثلاث مسائل:
(1)
بيت من الوافر لشاعر من بني سليم، لم يعين العلماء اسمه.
اللغة والإعراب:
أمَنَّ: أفعل تفضيل؛ أي: أكثر مِنَّة وإنعاما. مهدوا: بسطوا وهيئوا؛ ومنه المهد؛ وهو الفراش المهيأ للصبي، وتمهيد الأمور: تسويتها. الحجور: جمع حجر؛ وهو ما بين يدي المرء من ثوبه وحضنه. "بأمن" خبر ما على زيادة الباء، ممنوع من الصرف؛ للوصفية، ووزن أفعل. "منه -علينا" متعلقان بأمن. "اللاء" صفة لآباؤنا، مبني على الكسر، في محل رفع .. "قد مهدوا الحجورا" الجملة صلة اللائي.
المعنى: ليس آباؤنا الذين قاموا بتربيتنا، ورعايتنا، وإصلاح أمرنا، وبسطوا حجورهم فراشا لنا كالمهد؛ بأكثر إنعاما وتفضلًا علينا من هذا الممدوح.
الشاهد: في "اللائي"؛ حيث أريد به جماعة الذكور؛ لأنه وصف للآباء، وحل محل "الألى"؛ بمعنى "الذين"، وهو قليل. وفيما تقدم يقول الناظم:
جمع الذي "الألى""الذين" مطلقا
…
وبعضهم بالواو رفعا نطقا
باللات واللاء "التي" قد جمعا
…
اللاء كالذين نزرا وقعا*
أي: إن كلمة "الذي" تجمع جمعا؛ أي: لغويا يدل على مطلق التعدد، لا جمعا نحويا؛ على ألى، أو على الذين. وأن "الذين" للجمع مطلقا؛ أي: رفعا ونصبا وجرا. وبعض العرب يأتي فيه بالواو رفعا؛ ويعربه في هذه الحالة؛ وكذلك في حالتي النصب والجر، وعلامتهما موجودة. وأن كلمة "التي" تجمع على "اللات" و"اللاء"، جمعا لغويا كما تقدم، وكلمة "اللاء"، قد تستعمل قليلًا مكان "الذين"، وتحل محلها لجمع المذكر.
* "جمع" مبتدأ. "الذي" مضاف إليه "الألى" خبر. "الذين" معطوف على الألى بتقدير حرف العطف. "مطلقا" حال من الذين. "وبعضهم" مبتدأ، والضمير عائد إلى العرب. "بالواو" متعلق بنطقا. "رفعا" حال، أو منصوب بنزع الخافض، أو مفعول لأجله "نطقا" الجملة خبر المبتدأ. "باللات" جار ومجرور متعلق بجمع. "واللاء" معطوف على اللات. "التي" مبتدأ. "قد جمعا". الجملة خبر المبتدأ، ونائب الفاعل يعود على التي، والألف للإطلاق، "واللاء" مبتدأ. "كالذين" متعلق بمحذوف حال من ضمير وقع. "نزرا" حال ثانية منع أيضا "وقعا" الجملة خبر المبتدأ، والفاعل يعود على اللاء، والألف للإطلاق.
إحداها: أن ينزل منزلته
(1)
؛ نحو: {مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ} ، وقوله:
أسرب القطا هل من يعير جناحه
(2)
(1)
معناه: أن ينسب إلى المسمى شيء؛ من شأنه ألا يكون إلا من العقلاء؛ فيشبه بهم، وينزل منزلهم في استعمال "من"؛ سواء كان هذا التنزيل من المتكلم، أو من غيره.
(2)
صدر بيت من الطويل؛ للعباس بن الأحنف؛ من المولدين، وقد ذكره المصنف؛ تمثيلا لا استشهادا، وعجزه:
لعلي إلى من قد هويت أطير
اللغة والإعراب:
سرب: هو القطيع من الظباء والقطا ونحوهما. القطا: جمع قطاة؛ وهي طائر معروف هويت: أحببت. "أسرب" الهمزة للنداء، وسرب: منادى منصوب بالفتحة مضاف إلى القطا. "هل" حرف استفهام. "من" اسم موصول مبتدأ. "يعير جناحه" الجملة صلة، وخبر المبتدأ محذوف؛ أي: موجود. "لعلي" لعل واسمها. "أطير" الجملة خبر لعل "إلى" متعلق بأطير. "من" اسم موصول في محل جر بإلى. "قد هويت" الجملة صلة من الثانية.
المعنى: ينادي جماعة القطا؛ ويقول لها: هل منكم من يعيرني، ويعطيني جناحه؛ لعلي أطير به إلى من هويت وأحببت؟
الشاهد: في "من يعير"؛ حيث استعمل "من" في غير العاقل؛ وهو القطا، وجاز ذلك؛ لأنه نزلها منزلة العاقل؛ فناداها وطلب منها الجناح، ولا يتصور النداء والإقبال، إلا من العاقل الذي يفهم الطلب.
وقوله:
ألا عم صباحا أيها الطلل البالي
…
وهل يعمن من كان في العصر الخالي
(1)
فدعاء الأصنام، ونداء القطا والطلل، سوغ ذلك.
الثانية: أن يجتمع مع العاقل فيما وقعت عليه "من"
(2)
؛ نحو: {كَمَنْ لا يَخْلُق} ؛ لشموله الآدميين والملائكة والأصنام، ونحو:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ} ، ونحو:{مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ} فإنه يشمل الآدمي والطائر.
الثالثة: أن يقترن به في عموم فُصِّل بـ"من"
(3)
؛ نحو: {مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِه
(1)
بيت من الطويل؛ هو مطلع قصيدة؛ لامرئ القيس بن حجر الكندي.
اللغة والإعراب:
عم صباحا: إحدى تحيات العرب الجاهليين في الصباح؛ وفي المساء: عم مساء، وعم ظلامًا؛ وعم: فعل أمر، أصله أنعم؛ حذفت الهمزة والنون تخفيفًا الطلل؛ كل ما بقي شاخصًا من آثار الديار. البالي: المشرف على الزوال والفناء. العصر: لغة في العصر؛ بمعنى الدهر والزمان. الخالي: السالف. "ألا" للتنبيه. "صباحا" ظرف زمان. "أي" منادى، و"ها" للتنبيه. "الطلل" نعت لأي. "البالي" نعت للطلل. "يعمن" مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد. "من" اسم موصول فاعل.
المعنى: أنعم الله صباحك أيها الأثر؛ الذي أشرف على الزوال؛ وبقي من آثار الأحبة. ثم ثاب إلى رشده، وأنكر أن يجيبه أحد؛ لهلاك من كان بهذه الديار؛ فقال: وهل ينعمن بشيء من هلك في الزمان الماضي؟
الشاهد: في "يعمن من"؛ حيث استعمل "من" الموصولة للمفرد غير العاقل، وهو الطلل البالي؛ وجوز ذلك نداؤه وتنزيله منزلة من يجيب الداعي؛ لأنه لا ينادي إلا العاقل.
(2)
أي: أن يكون مضمون الكلام متجها إلى شيء يشمل العاقل وغيره، ولكنك تراعي العاقل؛ فتغلبه على غيره.
(3)
أي: أن يكون عن شيء عام، يشمل أنواعا متعددة؛ فيها العاقل وغيره، وقد فصل بكلمة "من". هذا: ويجوز عود الضمير على "من" مفردا مذكرا؛ مراعاة للفظها، وهو الأكثر؛ نحو:{وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} ، ومراعاة للمعنى؛ نحو:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ}؛ لاقترانهما بالعاقل في عموم {كُلِّ دَابَّةٍ} .
وأما "ما": فإنها لما لا يعقل وحده؛ نحو: {مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ} ، وله مع العاقل
(1)
؛ نحو: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} ، ولأنواع من يعقل
(2)
؛ نحو: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} ، وللمبهم أمره
(3)
؛ كقولك، وقد رأيت شبحًا:"انظر إلى ما ظهر".
والأربعة الباقية للعاقل وغيره.
فأما "أي": فخالف في موصوليتها ثعلب
(4)
،
(1)
وذلك إذا قصد تغليب غير العاقل؛ لكثرته مثلًا.
(2)
المراد: أفراده وصفاته معا، وإلا استغنى عنه بالقسم الأول.
(3)
أي: الذي لا يدري، أهو إنسان أم غير إنسان، وكذلك إذا علمت إنسانيته، ولكنك لا تدري؛ أمؤنث هو أم مذكر؟ نحو قوله تعالى على لسان مريم:{إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} .
(4)
هو أبو العباس؛ أحمد بن يحيى الشيباني، المعروف بثعلب. كان إمام الكوفيين والبصريين في النحو والفقه في زمانه، وهو ابن ست عشرة سنة، وحفظ كتب الفراء والكسائي، وعني بالنحو كثيرا، ولازم ابن الأعرابي، وله كتاب يسمى "مجالس ثعلب" في المكتبة العامة بالقاهرة نسخة منه. وعنه أخذ الأخفش الأصغر ونفطويه، وابن الأنباري، وله مؤلفات كثيرة؛ منها:"المصون في النحو"، و"اختلاف النحويين"، و"الفصيح" و"غريب القرآن". وقيل: إنه ترك كتبا تقدر بآلاف الدنانير. وتوفي سنة 291 هـ، في خلافة المكتفي بالله، ودفن ببغداد. وقد رثاه بعضهم بقوله:
مات ابن يحيى فماتت دولة الأدب
…
ومات أحمد أنحى العجم والعرب
فإن تولى أبو العباس مفتقدا
…
فلم يمت ذكره في الناس والكتب
ويرده قوله:
فسلم على أيهم أفضل
(1)
ولا تضاف لنكرة، خلافا لابن عصفور
(2)
، ولا يعمل فيها إلا مستقبل متقدم
(3)
؛ نحو: {لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} . خلافًا للبصريين
(4)
.
(1)
عجز بيت من المتقارب؛ لغسان بن وعلة، أحد الشعراء المخضرمين وصدره:
إذا ما لقيت بني مالك
اللغة والإعراب:
"ما" زائدة. "بنى مالك" مفعول لقيت، ومضاف إليه. "أيهم"؛ أي اسم موصول مبني على الضم، في محل جر بعلى؛ على رواية الرفع، وعلى رواية الجر معرب؛ مجرور بالكسرة الظاهرة، و"هم" مضاف إليه. "أفضل" خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: هو أفضل والجملة لا محل لها، صلة الموصول.
المعنى: واضح.
الشاهد: في "أيهم" حيث بنيت على الضم في الرواية المشهورة؛ لأنها مضافة، حذف صدر صلتها. وهذا يدل على أنها موصولة؛ لأن غير الموصولة لا تبنى، ولا تصلح هنا.
(2)
قيل في سبب ذلك: إن الموصول مراد تعيينه، وإضافته إلى النكرة تقتضي إبهامه؛ فهنالك تدافع ظاهر. والحق جواز إضافتها للنكرة، ولكن إضافتها إلى المعرفة أقوى. وابن عصفور هو: أبو الحسن؛ على بن مؤمن بن عصفور، النحوي الحضرمي الأشبيلي، حامل لواء العربية في زمانه بالأندلس. أخذ عن الدباح، وعن الشلوبين ولازمه مدة، ثم كانت بينهما منافرة ومقاطعة، وقد جال بالأندلس معلمًا، وأقبل عليه الطلاب، وكان أصبر الناس على المطالعة؛ لا يمل من ذلك، ولم يعد نفسه لغير النحو، ولم ينبغ في غيره. وله مؤلفات كثيرة؛ منها:"الممتع في التصريف". وكان أبو حيان لا يفارقه. وله شروح على "الجمل"، و"المقرب في النحو". وتوفي سنة 669 هـ، وقد رثاه القاضي ناصر الدين بن المنير بقوله:
بدأ النحو علي وكذا
…
قل بحق ختم النحو علي
(3)
أما شرط الاستقبال؛ فلأن أي موضوعة لدلالة على الإبهام، وذلك يناسبه المضارع المستقبل الزمان؛ الذي لا يدري ما فيه. أما الماضي والحال فمعلومان. وأما تقديم العامل؛ فللفرق بينهما وبين "أي" الشرطية والاستفهامية؛ لأنه لا يعمل فيهما إلا متأخر؛ لصدارتهما.
(4)
فإنهم قالوا: لا يلزم استقبال عاملها ولا تقديمه.
وسئل الكسائي: لم لا يجوز: أعجبني أيهم قام؟ فقال: "أي كذا خلقت"
(1)
.
وقد تؤنث، وتثنى، وتجمع
(2)
، وهي معربة: فقيل مطلقًا
(3)
، وقال سيبويه: تبنى على
(1)
الكسائي كوفي؛ والكوفيون يقولون بلزوم استقبال عامل "أي"، فلما سئل في حلقة يونس بن حبيب عن السبب في عدم جواز: أعجبني أيهم قام، توقف. ولما لم يجد وجها للمنع؛ قال هذه القولة التي ذهبت مثلا؛ والكسائي: هو أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله الكسائي. إمام الكوفيين في النحو واللغة، وأحد القراء السبعة المشهورين. قيل: لقب بالكسائي؛ لأنه أحرم في كساء، وقيل: كان يصنعها، وهو من أهل الكوفة. وقد استوطن بغداد، وتعلم النحو على كبر، وأخذ عن "معاذ الهراء" ولزمه حتى بلغ الغاية، ثم خرج إلى البصرة فلقي الخليل بن أحمد وجلس في حلقته. ولما علم أنه جاب البوادي ولقي الأعراب قلده في ذلك، وكتب كثيرا عن العرب غير ما حفظ. وجرت بينه وبين يونس بن حبيب مناقشات شهد له فيها يونس. وكذلك جرت بينه وبين الإمام أبي يوسف صاحب أبي حنيفة مجالس، وبينه وبين الفراء. قال ابن الأعرابي: كان الكسائي أعلم الناس، ضابطًا عالما بالعربية، قارئا صدوقًا، وأدب ولدي الرشيد. وكان يسمع الشاذ فيجعله أصلا ويقيس عليه، وهذا يدل على تصرفه وسعة أفقه. وله مؤلفات كثيرة منها: معاني القرآن، ومختصر في النحو، والقراءات النوادر، والمصادر. وتوفي بالري يوم توفي الإمام محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة سنة 189 هـ، ودفنهما الرشيد وقال: اليوم دفنت الفقه والنحو. ومن شعره في وصف النحو:
إنما النحو قياس يتبع
…
وبه في كل علم ينتفع
كم وضيع رفع النحو وكم
…
من شريف قد رأيناه وضع
(2)
فتقول عند بعضهم: أية، أيان، أيتان، أيون، أيات.
(3)
أي: سواء أضيفت أم لم تضف، ذكر صدر صلتها أم حذف، وهذا مذهب الخليل ويونس والكوفيين. وإليه أشار الناظم بقوله:
وبعضهم أعرب مطلقا وفي
…
ذا الحذف "أيا" غير أي يقتفي*
أي: إن بعض النحاة أعرب "أيا" الموصولة، في كل الحالات. وغير "أي" يقتفي "أيا"، ويتبعها في جواز حذف صدر الصلة إن طالت الصلة.
* "وبعضهم" مبتدأ مضاف إليه "أعرب" الجملة خبر "مطلقا" حال من مفعول به لأعرب محذوف، أي: وبعضهم أعرب أيا مطلقا "في ذا" جار ومجرور متعلق بيقتفي "الحذف" بدل من اسم الإشارة "أيا" مفعول يقتفي "غير أي" مبتدأ ومضاف إليه "يقتفي" الجملة خبر.
الضم إذا أضيفت لفظًا، وكان صدر صلتها ضميرا محذوفا؛ نحو:{أَيُّهُمْ أَشَدّ}
(1)
وقوله: على أيهم أفضل. وقد تعرب حينئذ؛ كما رويت الآية بالنصب، والبيت بالجر.
وأما "أل"
(2)
: فنحو: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ}
(3)
، ونحو: {وَالسَّقْفِ
(1)
أي: ببناء "أي" على الضم؛ تشبيها لها بالغايات؛ إذ كان بناؤها بسبب حذف شيء قبل. ويشترط حينئذ ألا توصل بفعل؛ نحو: أيهم قام، أو بظرف؛ نحو: أيهم عندك. وإلا أعربت اتفاقا. وقد وافق الناظم سيبويه في هذا الرأي فقال:
"أي" كـ"ما" وأعربت ما لم تضف
…
وصدر وصلها ضمير الحذف*
أي إن "أي" تشبه "ما" الموصولة؛ في أن كلا منهما يكون بلفظ واحد؛ للمفرد وغيره؛ مذكرًا ومؤنثًا، وتعرب إلا إذا أضيفت، وكانت صلتها جملة اسمي؛ صدرها ضمير محذوف. وبهذا تخالف "أي" باقي أخواتها المشتركة؛ فأخواتها جميعًا مبنية، وهي معربة إلا في حالة واحدة؛ كما ذكرنا، وليس بين الأسماء الموصولة عامة ما يجوز إضافته إلا "أي"؛ في بعض حالاتها.
(2)
تكون للعاقل وغيره؛ مفردًا وغير مفرد. ويراعى في الضمير العائد إليها المعنى فقط؛ خوفًا من اللبس. ولا تكون موصولة؛ إلا إذا دخلت على صفة صريحة؛ وهي: اسما الفاعل والمفعول اتفاقًا، وإعرابها يظهر على الصفة الصريحة، المتصلة بها.
(3)
مثال لما فيه الصلة اسم فاعل، وما بعده لاسم المفعول. أما "أل" الداخلة على الصفة المشبهة فحرف تعريف.
* "أي" مبتدأ. "كما" جار ومجرور خبر. و"أعربت" ماض مبني للمجهول، والتاء علامة التأنيث، والواو للعطف، ونائب الفاعل يعود علي أي. "ما" مصدرية ظرفية. "لم تضف" فعل مضارع مجزوم بلم، ونائب الفاعل يعود على أي. "وصدر" الواو للحال، وصدر: مبتدأ "وصلها" مضاف إليه "ضمير" خبر المبتدأ؛ والجملة من المبتدأ والخبر حال من ضمير تضف. "انحذف" فعل ماض، وفاعله يعود على ضمير؛ والتقدير:"أي" مثل "ما"؛ في كونها موصولًا صالحًا للمفرد والمثنى والجمع؛ مذكرًا ومؤنثًا، وأعربت مدة عدم إضافتها في حال كون صدر صلتها ضميرًا محذوفًا.
الْمَرْفُوعِ، وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} وليست موصولًا حرفيا خلافًا للمازني
(1)
ومن وافقه، ولا حرف تعريف، خلافًا لأبي الحسن
(2)
.
(1)
ويرده: أنها لا تؤول بمصدر، وإن الضمير يعود عليها؛ في نحو قولهم: قد أفلح المتقي ربه، والضمير لا يعود إلا على الأسماء. والمازني هو: أبو عثمان؛ بكر بن محمد بن بقية المازني؛ من بني مازن بن شيبان. كان إماما في العربية، ثقة، واسع الرواية، لا يناظره أحد إلا قطعه؛ لقدرته على الكلام. وهو بصري، روى عن أبي عبيدة، والأصمعي وأبي زيد. وروى عنه المبرد، وكان يقول فيه:"لم يكن بعد سيبويه أعلم بالنحو من أبي عثمان". وحكي عنه: أن يهوديا بذل مائة دينار؛ ليقرئه كتاب سيبويه، فامتنع، فقيل له: لم امتنعت مع حاجتك؟ فقال: إن في كتاب سيبويه كذا وكذا آية من القرآن؛ فكرهت أن أقرأ القرآن للذمة، فلم يمض على ذلك وقت حتى طلبه الواثق بالله؛ الخليفة العباسي، وأخلف الله عليه أضعاف ما تركه لله، وذلك أن جارية غنت بحضرته:
أظلوم إن مصابكم رجلًا
…
أهدى السلام تحية ظلم
فرد بعض الحاضرين عليها نصبها لرجل؛ ظانا أنه خبر إن، فلم تقبل وقالت: هكذا قرأت على أعلم الناس بالبصرة؛ أبي عثمان المازني، فحضر إلى الخليفة، فناقشه، ثم سأله عن البيت؛ فقال: صوابه: رجلًا؛ لأن مصابكم مصدر؛ بمعنى إصابتكم، فاستحسن الواثق قوله، وأجازه بثلاثين ألف درهم. وله من التصانيف:"تفسير كتاب سيبويه"، و"علل النحو والتصريف". ومات سنة 249 هـ، بالبصرة.
(2)
وحجته: أن العامل يتخطاها؛ نحو: جاء الكاتب؛ كما يتخطاها مع الجامد؛ نحو: جاء الرجل؛ وهي مع الجامد معرفة اتفاقا؛ فتكون كذلك مع المشتق؛ ورد بأن سبب ذلك: أنها على صورة الحرف. وأبو الحسن: هو سعيد بن مسعدة؛ المعروف بالأخفش البصري؛ وهو الأخفش الأوسط، أحد أئمة النحاة البصريين، قرأ النحو على سيبويه، وإن كان أكبر منه، وصحب الخليل، ولم يأخذ عنه، وقرأ على الكسائي كتاب سيبويه، وعلم ولد الكسائي، بعد أن رحل سيبويه إلى الأهواز؛ عقب المناظرة التي جرت بينه وبين الكسائي؛ بحضرة يحيى البرمكي، وكان ثعلب يقول فيه:"هو أوسع الناس علمًا". وقال المبرد: "أحفظ من أخذ عن سيبويه: الأخفش، ثم الناشئ، ثم قطرب". وكان الأخفش أعلم الناس بالكلام، =
وأما "ذو"
(1)
: فخاصة بطيء والمشهور بناؤها، وقد تعرب؛ كقوله:
فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا
(2)
فيمن رواه بالبياء. والمشهور أيضا إفرادها
(3)
وتذكيرها؛ كقوله:
وبئري ذو حفرت وذو طويت
(4)
(1)
تكون للعاقل وغيره؛ مفردا وغير مفرد.
(2)
تقدم الكلام عليه في باب "المعرب والمبني"؛ ص 53.
الشاهد: فيه هنا: إعراب "ذي" الموصولة، وجرها بمن؛ مثل "ذي" بمعنى صاحب.
(3)
أي: في جميع الحالات، لكن معناها قد يكون غير ذلك؛ فيراعى في الضمير العائد عليها؛ لفظها أو معناها.
(4)
عجز بيت من الوافر؛ لسنان بن الفحل الطائي. وصدره:
فإن الماء ماء أبي وجدي
اللغة والإعراب:
ذو حفرت، أي: التي حفرتها. وذو طويت، أي: التي طويتها. وطي البئر: بناؤها بالحجارة. "فإن" الفاء للتعليل، و"بئري" مبتدأ. "ذو" اسم موصول خبر، مبني على سكون الواو في محل رفع؛ وكل من جملتي "حفرت"، و"طويت"، صلة الموصول قبله، والعائد محذوف، أي: حفرتها وطويتها.
المعنى: أن هذا لماء من عهد أبي وجدي، وأنا الذي حفرت هذه البئر وبنيتها بالحجارة.
الشاهد: في "ذو"؛ حيث استعملت في الجملتين اسم موصول لمؤنث؛ بمعنى "التي"؛ لأنها واقعة على البئر؛ وهي مؤنثة، مع أن لفظها مفرد مذكر.
وقد تؤنث، وتثنى، وتجمع
(1)
، حكاه ابن السراج
(2)
، ونازع في ثبوت ذلك ابن مالك
(3)
. وكلهم حكى: "ذات للمفردة، وذوات لجمعها" مضمومتين؛ كقوله: "بالفضل ذو فضلكم الله به، والكرامة ذات أكرمكم الله به"
(4)
.
وقوله:
ذوات ينهضن بغير سائق
(5)
(1)
تقول: في المؤنث: ذات تعلمت. وفي المثنى: ذوا تعلما، وذواتا تعلمتا. وفي الجمع: ذوو فهموا، وذوات فهمن؛ وهي لغة بعض الطائيين.
(2)
هو أبو بكر؛ محمد بن السري البغدادي النحوي، صاحب الكتب الممتعة في النحو. كان أحدث أصحاب المبرد سنا؛ مع ذكاء وفطنة. وكان المبرد يقربه إليه؛ فقرأ عليه كتاب سيبويه. وقد اشتغل بالموسيقى؛ حتى نبغ فيها، كما اشتغل بالأدب والشعر، وكان يعول في النحو على مذهب الكوفيين، وخالف أصول البصريين في مسائل كثيرة. ويقال: ما زال النحو مجنونا حتى عقله ابن السراج بأصوله، وقد أخذ عنه: أبو القاسم الزجاجي، والسيرافي، والفارسي، والرماني. وله مصنفات كثيرة؛ منها: كتاب "الأصول"؛ الذي جمع فيه أصول العربية، و"شرح كتاب سيبويه"، و"مختصر في النحو". ومات رحمه الله شابًا، سنة 316 هـ.
(3)
الذي نازع فيه هو: أن ذلك لغة لجميع طيئ. أما كونه لغة عند بعضهم؛ فثابت.
(4)
قول منثور؛ لأعرابي من طيئ، يطلب عطاء. "بالفضل" متعلق بمحذوف؛ أي: أسألكم مثلًا. "ذو" اسم موصول بمعنى الذي؛ صفة للفضل، مبني على السكون، في محل جر. "فضلكم الله" الجملة صلة. "والكرامة" معطوفة على الفضل. "ذات" اسم موصول صفة للكرامة مبني على الضم في محل جر. "به" بفتح الباء متعلق بأكرم، وأصلها "بها"؛ نقلت حركة الهاء إلى الباء بعد سلب حركتها، وحذفت الألف، لالتقاء الساكنين، ووقف عليه بالسكون.
المعنى: أسألكم بالفضل الذي فضلكم الله به، والكرامة التي أكرمكم الله بها.
(5)
عجز بيت من الرجز؛ لرؤبة، وصدره:
جمعتها من أينق موارق
اللغة والإعراب:
جمعتها: الضمير للنوق المختارة في الأبيات قبله. أينق: جمع ناقة، وأصله أنؤق؛ قدمت الواو على النون؛ لتسلم من الضمة، ثم قلبت ياء للتخفيف فوزنه "أعفل". موارق: سريعات في السير، جمع مارقة. من مرق السهم من الرمية؛ إذ نفذ سريعا. "ذوات" اسم موصول؛ بدل من أينق، مبني على الضم في محل جر؛ وجملة "ينهضن" صلة.
المعنى: اخترت هذه النوق، وجمعتها من نياق سريعة، ينهض ويسرعن في السير؛ بغير سائق ينبهها، ويستحثها على ذلك؛ كالسهام التي تمرق من الرمايا.
الشاهد: في "ذوات"؛ حيث جاءت اسم موصول بمعنى اللواتي، وبنيت على الضم.
وحكي إعرابها إعراب "ذَات، وذَوَات" بمعنى صاحبة وصاحبات
(1)
.
وأما "ذا"
(2)
: فشرط موصوليتها ثلاثة أمور:
(1)
فتعرب "ذات" بالحركات منونة؛ لعدم الإضافة، وتعرب "ذوات" كذلك إعراب جمع المؤنث السالم. وفي "ذات" و"ذوات"، وفيما تقدم -من الأسماء المشتركة- يقول ابن مالك:
و"من وما وَأَلْ" تساوي ما ذكر
…
وهكذا "ذو" عند طيئ شهر
وكالتي أيضا لديهم "ذات"
…
وموضع اللائي أتى "ذوات"*
يقول: إن كل واحد من هذه الأسماء "من -وما- وأل" يساوي الثمانية الماضية في الاستعمال؛ أي: إنه يصلح لكل ما صلحت له، وكذلك "ذو" عند بعض قبائل طيئ. وتستعمل "ذات" موصولة مرادفة للتي، و"ذوات" كذلك للات؛ وكلتاهما تدل بصيغتها على المؤنث.
(2)
تكون للعاقل وغيره؛ مفرد وغير مفرد، بلفظ المفرد المذكر، ويجوز عود الضمير عليها؛ مراعاة للفظها ولمعناها.
* "ومن" مبتدأ. "وما، وأل" معطوفان على من "تساوي" الجملة خبر المبتدأ، وفاعل تساوي عائد على الثلاثة "ما" اسم موصول مفعول تساوي. "ذكر" نائب الفاعل يعود على. "ما" والجملة صلة. "وهكذا" ها: حرف تنبيه، وكذا: في موضع نصب حال من ضمير شهر. "ذو" مبتدأ. "عند طيئ" ظرف، ومضاف إليه؛ متعلقان بشهر "شهر" الجملة خبر المبتدأ، ونائب الفاعل يعود على ذو. "كالتي" متعلق بمحذوف؛ خبر مقدم، والواو عاطفة. "أيضًا" مفعول مطلق، فعله محذوف. "لديهم" ظرف، ومضاف إليه، متعلق بما تعلق به الجار السابق. "ذات" مبتدأ مؤخر؛ أي: ذات مستعملة عندهم؛ كالتي. "موضع" منصوب على الظرفية بأتى. "اللاتي" مضاف إليه. "أتى ذوات" فعل وفاعل.
أحدهما: ألا تكون للإشارة؛ نحو: من ذا الذاهب؟ وما ذا التَّواني؟
(1)
والثاني: ألا تكون ملغاة، وذلك بتقديرها مركبة مع "ما" في نحو: ماذا صنعت؟
(2)
كما قدرها كذلك من قال: عماذا تسأل؟ فأثبت الألف لتوسطها
(3)
.
ويجوز الإلغاء عند الكوفيين وابن مالك على وجه آخر؛ وهو تقديرها زائدة
(4)
.
والثالث: أن يتقدمها استفهام بـ"ما" باتفاق، أو بـ"من" على الأصح؛ كقول لبيد:
ألا تسألان المرء ماذا يحاول
(5)
(1)
" من" و"ما" اسم استفهام مبتدأ. "ذا" اسم إشارة خبر. "الذهب، والتواني" بدلان من اسم الإشارة، ولا يصح جعل "ذا" موصولة؛ لأن ما بعدها مفرد، وهو لا يصلح أن يكون صلة لغير "أل".
(2)
فقد جعلت "ماذا" كلمة واحدة، وأعربت اسم استفهام في محل نصب مفعولا مقدما لصنعت، أي: أي شيء صنعت؟ وحينئذ يجوز تقديم العامل عليها ولا تلزم الصدارة؛ فقد ورد أن عمرو بن العاص قال للنبي عند إسلامه: أريد أن أشترط. فقال الرسول: "تشترط ماذا؟ " وقد مثل المصنف بـ"ما" وترك التمثيل بـ"من"؛ لأن بعض النحويين؛ كثعلب يمنع أن تكون "من" و"ذا" مركبتين، والصحيح جوازه كما يشير إليه الناظم.
(3)
أي: لأنها بعد التركيب مع "ذا" أصبحت متوسطة في اسم الاستفهام، ولو جعلا اسمين لحذفت الألف من "ما"؛ لتطرفها، على قاعدة "ما" الاستفهامية، إذا دخل عليها حرف الجر، كما يقول ابن مالك في موضعه:
و"ما" في الاستفهام إن جرت حذف
…
ألفها وأولها "الها" إن تقف
(4)
أي: بين "ما" ومدخولها؛ فكأنك قلت: ما صنعت. والبصريون يمنعون ذلك.
(5)
صدر بيت من الطويل، للبيد بن ربيعة العامري. وعجزه:
أنحب فيقضى أم ضلال وباطل
اللغة والإعراب:
يحاول: المراد: يريد ويطلب من المحاولة، وهي استعمال الحيلة والحذق، وإعمال الفكر للوصول إلى المقصود. نحب: يطلق النحب على المدة والوقت، والنذر، والأقرب أن المراد هنا هو النذر. "ألا" للتنبيه. "ما" اسم استفهام مبتدأ. "ذا" اسم =
وقوله:
فمن ذا يعزي الحزينا
(1)
= موصول خبر، وجملة "يحاول" صلة، والعائد محذوف؛ أي: يحاوله، وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب مفعول ثان لتسألان، و"المرء" مفعول أول. "أنحب" الهمزة للاستفهام، ونحب: خبر لمبتدأ محذوف، أو بدل من ما. "أم ضلال" مثله.
المعنى: ألا تسألان يا صاحبي هذا الحريص على الدنيا: ما الذي يبغيه من تهالكه عليها، ومحاولته الوصول إلى أقصى غاياته؟ أهو نذر أوجبه على نفسه؛ فهو يدأب لإنفاذه ويسعى لقضائه؟ أم ضلال وباطل من أمره؟
الشاهد: في "ماذا"؛ حيث استعملت "ذا" موصولة بمعنى الذي، وأتى بعدها بجملة صلة، وتقدمها. "ما" الاستفهامية. ولا يصح أن تجعل. "ذا" ملغاة مركبة مع. "ما" مفعولا مقدما ليحاول؛ لأنه جاء بالبدل مرفوعًا، مما يدل على أن المبدل منه كذلك. ويضعف أن تكون. "ماذا" مبتدأ، وجملة. "يحاول" خبر؛ لعدم وجود رابط بين جملة الخبر والمبتدأ، وحذف الرابط في مثل هذا قليل، حتى منعه سيبويه.
(1)
عجز بيت -إلا كلمة- من المتقارب، لأمية بن أبي عائذ الهذلي، يمدح عبد العزيز بن مروان. وتمامه:
ألا إن قلبي لدى الظاعنينا
…
حزين. . . . . . . . . . .
اللغة والإعراب:
الظاعنين: جمع ظاعن بمعنى الراحل، وهو اسم فاعل من ظعن بمعنى سار. حزين: منقبض مكتئب. يعزي: يسلي ويعين على البصر. "ألا" أداة استفتاح. "حزين" خبر إن. "فمن" اسم استفهام مبتدأ. "ذا" اسم موصول خبر. "يعزي الحزينا" الجملة صلة.
المعنى: يقول: إن قلبي منقبض ومكتئب ومتألم لفراق الأحبة ورحيلهم؛ فهل هناك من يسليني، ويسري عني، ويبعث الصبر إلى نفسي؛ لتخف آلامي.
الشاهد: في "من ذا" حيث جاءت "ذا" اسم موصول، وتقدمتها "من" الاستفهامية. وقد قدمنا رأي البعض في ذلك، وفي حكم "ذا" يقول ابن مالك:
ومثل "ما""ذا" بعد ما استفهام
…
أو "من" إذا لم تلغ في الكلام*
=
* "ومثل" خبر مقدم. "ما" مضاف إليه. "ذا" مبتدأ مؤخر. "بعد" ظرف متعلق بمحذوف حال من ذا. "ما" مضاف إليه قصد لفظه. "استفهام" مضاف إليه. "أو" عاطفة. "من" معطوف على ما. "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط. "لم تلغ" مضارع مجزوم بحذف الألف، ونائب الفاعل يعود إلى ذا، وهو فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف؛ أي: إذا تلغ في الكلام فهي كذلك.
والكوفي لا يشترط "ما"، ولا "من".
واحتج بقوله:
أمنت وهذا تحملين طليق
(1)
= أي: إن "ذا" تشبه "ما" في إنها عامة صالحة لجميع الأنواع مع عدم تغيرها؛ وذلك بشرط أن تقع بعد "ما" أو "من" الاستفهاميتين، وترك الناظم بقية الشروط، وقد ذكرها المصنف.
تنبيه: إلغاء "ذا" قد يكون بتركيبها مع "من" أو "ما" واعتبارهما كلمة واحدة كما بينا، ويسمى هذا إلغاء حكميا، وقد يكون باعتبارها كلمة زائدة، مستقلة بنفسها، يجوز حذفها وإبقائها، ويسمى هذا إلغاء حقيقيا. وهي في هذا ليس لها محل من الإعراب؛ لأنها لا تقع فاعلا ولا مفعولا ولا مبتدأ
…
إلخ. ويجب تقديم "من" و"ما" الاستفهاميتين في أول جملتها؛ لأن الاستفهام الأصيل له الصدارة. وتحذف ألف "ما" الاستفهامية في حالة الجر، بخلاف الإلغاء الحكمي في جميع ما تقدم.
(1)
عجز بيت من الطويل، ليزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري، قاله يخاطب بغلته، وقد قدمت إليه حين خروجه من سجنه فنفرت، وكان قد هجا عبادا هذا، وملأ البلاد من هجوه؛ فسجنه وعذبه، ثم خرج بأمر معاوية، وصدره:
عدس ما لعباد عليك إمارة
اللغة والإعراب:
عدس: اسم صوت لزجر البغل، واسم للبغل أيضا. عباد: هو ابن زياد بن أبي سفيان والي سجستان. إمارة: حكم وتسلط. طليق: اسم مفعول ومعناه: مطلق السراح من السجن لا سلطان لأحد عليه. "عدس" اسم صوت مبني على السكون لا محل له. "ما" نافية مهملة. "لعباد" خبر مقدم. "إمارة" مبتدأ مؤخر. "وهذا" الواو للحال، وها: حرف تنبيه، وذا: اسم موصول مبتدأ. "تحملين" الجملة صلة والعائد محذوف؛ أي: تحملينه "طليق" خبر.
المعنى: قفي أيتها البغلة، ولا تخافي؛ فليس لعباد علي حكم ولا سلطان، وأنت الآن في أمان منه، والذي تحملينه قد أخرج من سجنه، فهو حر طليق. =
أي: والذي تحملينه طليق. وعندنا أن "هذا طليق" جملة اسمية
(1)
، و"تحملين" حال؛ أي: وهذا طليق محمولًا.
= الشاهد: استعمال "ذا" اسم موصول بدون تقدم استفهام "بما" أو "من" على رأي الكوفيين. ولم يمنعهم اتصال حرف التنبيه به من موصوليته؛ ذلك لأنهم يرون أن جميع ما يكون اسم إشارة قد يكون اسم موصول؛ ففي قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ} مقدرون: ثم أنتم الذين تقتلون أنفسكم وفي قوله -سبحانه: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ؛ يقدرون: هأنتم الذين جادلتم عنهم. ويرد البصريون هذا ويقولون: إن "هؤلاء" منادى بحذف حرف النداء.
(1)
فتكون "هذا" اسم إشارة على أصله، لا موصولة؛ لأن "ها" التنبيه لا تدخل على الموصولات.
فصل: وتفتقر كل الموصولات إلى صلة
(1)
متأخرة عنها
(2)
، مشتملة على ضمير مطابق لها
(3)
يسمى العائد
(4)
.
(1)
لأنها مبهمة المعنى، غامضة المدلول، لا تدل على شيء معين؛ فلا بد لها من شيء يعرفها، ويزيل إبهامها وغموضها.
(2)
لأنها مكملة للموصول؛ فهي منه بمنزلة جزئه المتأخر؛ ولهذا لا يجوز تقديمها، ولا شيء منها عليه.
(3)
أي: ليربطها بالموصول، وهذه المطابقة تكون في اللفظ والمعنى، إذا كان الموصول مختصا؛ فيطابق في الإفراد والتأنيث وفروعهما؛ فإذا كان الموصول عاما -أي: مشتركًا؛ كـ"من" و"ما" وأخواتهما- فيجوز مراعاة اللفظ وهو الأكثر؛ إذا أمن اللبس، وفي غير "أل"، وإلا وجبت مراعاة المعنى. ويجوز مراعاة المعنى، وهو كثير على النحو الذي بيناه عند الكلام عليها. وهذا في الموصولات الاسمية؛ أما الموصول الحرفي فصلته لا تحتاج إلى رابط كما أسلفنا.
(4)
سمي بذلك؛ لعوده على الموصول، وقد يغني عن الضمير في الربط -لسبب بلاغي أو نحوه- اسم ظاهر بمعنى الموصول؛ نحو قولهم في خطاب الله:"أنت الذي في رحمة الله أطمع"؛ أي: في رحمته. قيل: وقد تستغني جملة الصلة عن الرابط إذا عطفت عليها، بالفاء، أو الواو، أو ثم، جملة أخرى مشتملة عليه؛ نحو: البطل الذي يشتد الهجوم فيثبت. وفيما تقدم يقول ابن مالك:
وكلها يلزم بعده صله
…
على ضمير لائق مشتمله*
أي: كل الموصولات تحتاج بعدها إلى صلة؛ وهذه الصلة لا بد أن تشتمل على
ضمير لائق؛ أي: مطابق للموصول، قد عرفنا أن هذا الرابط خاص بصلة الموصول الأسمي؛ دون الحرفي.
* "وكلها" مبتدأ ومضاف إليه، والضمير عائد على الموصولات الاسمية لا غير. "يلزم بعده صلة" الجملة من الفعل والفاعل خبر المبتدأ، والضمير في بعده عائد على كل. "على ضمير" متعلق بمشتملة. "لائق" صفة لضمير. "مشتملة" نعت لصلة.
والصلة: إما جملة؛ وشرطها: أن تكون خبرية
(1)
، معهودة
(2)
، إلا في مقام التهويل والتفخيم؛ فيحسن إبهامها
(3)
.
فالمعهودة؛ كجاء الذي قام أبوه، والمبهمة؛ نحو:{فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} ولا يجوز أن تكون إنشائية
(4)
؛ كبعتكه، ولا طلبية كاضربه، ولا تضربه.
وإما شبهها؛ وهو ثلاثة: الظرف المكاني
(5)
،
(1)
أي: لفظا ومعنى؛ بأن يكون معناها صالحا للحكم عليه في نفسه، من غير نظر إلى قائلها.
(2)
أي: أن يكون معناها معهودا معروفًا، معرفة تفصيلية للمخاطب؛ ليستطيع تعرف معنى الموصول المبهم.
(3)
لئلا يفوت الغرض المقصود والتهويل: التخويف، والتفخيم: التعظيم المجرد عن التخويف.
(4)
الإنشائية هي: ما فارق لفظها معناها؛ وهي قسمان: طلبية، أي: يراد بها طلب حصول شيء أو عدم حصوله؛ تشمل: الأمر والنهي، والدعاء والاستفهام والتمني. وغير طلبية؛ كجملة التعجب؛ والمدح أو الذم، ورب وكم، وأفعال الرجاء؛ مثل لعل، وعسى. ومن هذا تعلم أن الطلب نوع من الإنشاء، وإنما امتنع وقوع الإنشائية والطلبية صلة؛ لأن مضمونهما لا يعلم إلا بعد ذكرهما؛ فلا تكونان معهودتين للمخاطب.
(5)
قيد به؛ لأنه هو الذي يكون متعلقه في الصلة كونا عاما واجب الحذف، أو كونا خاصا واجب الذكر، إلا عند وجود قرينة؛ فيجوز حذفه وذكره؛ أما ظرف الزمان فلا يكون متعلقة إلا خاصا، ولا يحذف إلا بقرينة؛ ويشترط لوقوعه صلة: أن يكون الزمن قريبًا من الكلام؛ نحو: نزلنا المنزل الذي البارحة، أو أمس، أو آنفًا، تريد: الذي نزلناه البارحة
…
إلخ، فإن كان الزمن بعيدا من زمن الإخبار؛ لم يحذف العامل.
والجار والمجرور التامان
(1)
.
نحو: الذي عندك، والذي في الدار، وتعلقهما باستقر محذوفًا
(2)
. والصفة الصريحة؛ أي: الخالصة للوصفية
(3)
، وتختص بالألف واللام؛ كضارب، ومضروب، وحسن
(4)
، بخلاف ما غلبت عليها الاسمية؛ كـ"أبطح، وأجرع، وصاحب، وراكب"
(5)
.
وقد توصل بمضارع؛ كقوله:
ما أنت بالحكم الترضى حكومته
(6)
(1)
التام: هو الذي يفهم متعلقه المحذوف بمجرد ذكره؛ وذلك إذا كان كونًا عاما كالاستقرار، أو كان أمرا خاصا محذوفًا؛ لوجود ما يدل عليه.
(2)
قدر المتعلق فعلًا؛ لأن الصلة لا تكون إلا جملة.
(3)
المراد بها: الاسم المشتق الذي يشبه الفعل، في التجدد والحدوث شبهًا صريحًا؛ أي: خالصًا. وينطبق هذا على اسم الفاعل، وصيغ المبالغة، واسم المفعول.
(4)
التمثيل بـ"حسن؛ على رأي ابن مالك، وهو ضعيف. والصحيح أن "أل" الداخلة على الصفة المشبهة للتعريف؛ كما تقدم، وكذلك الداخلة على أفعل التفضيل.
(5)
فإن "أل" الداخلة عليها حرف تعريف لا موصولة، وقد انسلخت عن الوصفية؛ بدليل أنها لا تجري على موصوف، ولا تتحمل ضميرا كالصفات. والأبطح في الأصل: وصف لكل مكان منبطح من الوادي، ثم غلب على الأرض المتسعة. والأجرع: وصف لكل مكان متسع، ثم غلب اسما للأرض المستوية من الرمل التي لا تنبت شيئا. والصاحب: وصف للفاعل ثم غلب على صاحب الملك. والراكب: وصف لكل فاعل الركوب، ثم غلب على راكب الإبل.
(6)
تقدم الكلام عليه في باب "شرح الكلام" ص 34، والشاهد فيه هنا: دخول "أل" الموصولة على ترضى، وهو فعل مضارع مبني للمجهول، و"حكومته" نائب فاعل ومضاف إليه. =
ولا يختص ذلك عند ابن مالك بالضرورة.
= وفي أنواع الصلة، وشروطها يقول ابن مالك:
وجملة أو شبهها الذي وصل
…
به كمن عندي الذي ابنه كفل
وصفة صريحة صلة "أل"
…
وكونها بمعرب الأفعال قل*
يقول: إن الذي يوصل به -أي: يكون صلة- هو الجملة أو شبهها؛ مثل: الذي عندي، هو الذي ابنه موضع الرعاية؛ فكلمة "من" اسم موصول مبتدأ، و"عندي" ظرف متعلق بمحذوف صلته وهو شبه جملة، و"الذي" اسم موصول وصلته. "ابنه كفل" وهو جملة. ثم قال: إن صلة "أل" لا تكون إلا صفة صريحة، وإن دخولها على الفعل المعرب -وهو المضارع- قليل.
هذا: وينبغي أن تقع الصلة بعد الموصول مباشرة؛ وألا يفصل بينهما أجنبي ليس من جملة الصلة نفسها. ويجوز الفصل بجملة القسم؛ نحو: ظفر الذي والله يتقي مولاه. وبالنداء إذا تقدم ضمير المخاطب؛ نحو: أنت الذي -يا علي- تستحق المكافأة. وبالجملة المعترضة؛ نحو: والدي -الذي حفظه المولى- يرعى شئوني.
ويجوز حذف الصلة؛ إن دلت عليها قرينة لفظية؛ كأن تقول: من رأيته في الحديقة؟ فتجيب: محمد الذي
…
أو معنوية يدل عليها المقام؛ كالفخر والتهويل والتعظيم؛ نحو:
نحن الألى فاجمع جمو
…
عك ثم وجههم إلينا
أي: نحن الألى عرفوا بالشجاعة كما يفهم مما بعده. وهنالك أساليب مسموعة حذفت فيها الصلة. منها قولهم عند استعظام شيء وتهويله "بعد اللتيا والتي" بضم اللام المشددة،
* "وجملة" خبر مقدم "أو شبهها" معطوف على جملة والضمير مضاف إليه. "الذي" مبتدأ مؤخر "وصل" ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل يعود على كلها في البيت السابق. "به" متعلق بوصل، والتقدير: والذي وصل به كل من الموصولات السابق ذكرها جملة أو شبه جملة. "كمن" الكاف جارة لمحذوف تقديره، كقولك "من" اسم موصول مبتدأ. "عندي" ظرف مضاف إلى ياء المتكلم متعلق بمحذوف صلة من. "الذي" خبر المبتدأ "ابنه" مبتدأ مضاف إلى الضمير. "كفل" الجملة من الفعل ونائب الفاعل خبر، وجملة المبتدأ والخبر صلة الذي. "وصفة" خبر مقدم؛ صريحة. صفة "صلة أل" مبتدأ مؤخر ومضاف إليه. "وكونها" مبتدأ والضمير المتصل اسم كان. "معرب" جار ومجرور خبر كون "الأفعال" مضاف إليه. "قل" الجملة خبر الكون باعتباره مبتدأ، والضمير الفاعل عائد على السكون.
فصل: ويجوز حذف العائد المرفوع شروطه:
إذا كان مبتدأ مخبرا عنه بمفرد
(1)
، فلا يحذف في نحو: جاء اللذان قاما، أو ضربا؛ لأنه غير مبتدأ
(2)
.
ولا في نحو جاء الذي هو يقوم، أو هو في الدار؛ لأن الخبر غير مفرد؛ فإذا حذف الضمير لم يدل دليل على حذفه؛ إذ الباقي بعد الحذف صالح لأن يكون صلة كاملة
(3)
، بخلاف الخبر المفرد
(4)
؛ نحو: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ} ونحو: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ} أي: معبود فيها
(5)
. ولا يكثر الحذف في صلة غير "أي"؛ إلا إن طالت الصلاة
(6)
،
= أو فتحها، تصغير التي كما سيأتي. وكذلك يجوز حذف الموصول الاسمي دون صلته؛ كقول سيدنا حسان بن ثابت في أعداء الرسول عليه السلام:
فمن يهجو رسول الله منكم
…
ويمدحه وينصره سواء
فإن التقدير: ومن يمدحه ومن ينصره. ومنه قوله -تعالى- على لسان المسلمين، يخاطبون أهل الكتاب:{وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} أي: والذي أنزل إليكم؛ لأن المنزل إلى المسلمين ليس هو المنزل إلى غيرهم من أهل الكتاب، أما الموصول الحرفي فلا يجوز حذفه، ما عدا "أن" نحو:{يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} . ويختص البصريون الحذف بالضرورة.
(1)
لأن الخبر المفرد، لا يصلح أن يكون، صلة بعد حذف المبتدأ؛ ولأنه يدل على المحذوف، ويرشد إليه.
(2)
بل هو في الأول فاعل، وفي الثاني نائب فاعل، وكلاهما لا يحذف.
(3)
لأنه مشتمل على ضمير مستتر في الفعل، وفي الجار والمجرور.
(4)
فإنه لا يصلح للوصل، كما تقدم.
(5)
يشير بهذا إلى أن "في السماء" متعلق بإله؛ لتأويله بالمشتق و"إله" خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: هو إله، وذلك المبتدأ هو العائد؛ ويشترط كذلك لحذف العائد المرفوع: ألا يكون معطوفًا؛ نحو: قابلت الذي محمد وهو زميلان، ولا واقعا بعد "لولا"؛ نحو: أقبل الذي لولا هو لبقيت، ولا بعد حرف نفي، ولا محصورا بإلا أو إنما.
(6)
طولها يكون إما بمعمول الخبر، أو بغيره، سواء تقدم هذا المعمول على الخبر؛ نحو:{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ} ، أو تأخر؛ نحو: ما أنا بالذي قائل لك سوءا. واستثنيت "أي" من طول الصلة؛ لأنها ملازمة للإضافة، لفظًا أو تقديرًا؛ وكذا يستثنى من اشتراط الطول:"لا سيما محمد"؛ فإنهم أجازوا في رفع محمد، أن تكون "ما" موصولة، مضافا إليها، ومحمد خبر لمبتدأ محذوف وجوبا؛ أي: لا مثل الذي هو محمد؛ فحذف العائد ولم تطل الصلة، والحذف مقيس.
وشذت قراءة بعضهم: {تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ}
(1)
وقوله:
من يعن بالحمد لم ينطق بما سفه
(2)
والكوفيون يقيسون على ذلك
(3)
.
(1)
برفع "أحسن" على أنه خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: هو أحسن، وهي قراءة يحيى بن يعمر. ويجوز أن يكون "الذي" موصولا حرفيا فلا يحتاج إلى عائد، أي: على إحسانه، وأن يكون نكرة موصوفة فلا تحتاج إلى صلة.
(2)
صدر بيت من البسيط، لا يعرف قائله. وعجزه:
ولا يحد عن سبيل المجد والكرم
اللغة والإعراب:
يعن؛ بالبناء للمجهول لزوما على المشهور: يعتني ويهتم. الحمد: الثناء. سفه: السفه رقة العقل وضعفه، والمراد لازمه؛ وهو قول السوء والفحش. لا يحد: لا يمل ولا ينحرف. "من" اسم شرط جازم مبتدأ. "يعن" فعل الشرط مجزوم بحذف الألف. "لم ينطق" الجملة جواب الشرط، وجملة الشرط، وجوابه خبر المبتدأ. "بما" ما: اسم موصول في محل جر بالباء. "سفه خبر لمبتدأ محذوف، أي: بما هو سفه، والجملة صلة.
المعنى: إن المرء الذي يهتم بأن يكون محمود السيرة -يحمده الناس ويثنون عليه- لا ينطق بالسوء من القول، ولا ينحرف عن الطريق السوي؛ طريق الحلم والكرم وفضائل الأخلاق.
الشاهد: في "بما سفه"؛ حيث حذف العائد إلى الاسم الموصول من جملة الصلة، وهو مرفوع، ولم تطل الصلة. وهذا شاذ عند البصريين.
(3)
أي: على الشاذ من القراءة والبيت، وتبعهم ابن مالك في ذلك، إلا أنه جعل الحذف قليلًا، إذ يقول:
إن يستطل وصل وإن لم يستطل
…
فالحذف نزر وأبوا أن يختزل
إن صلح الباقي لوصل مكمل .... . . . . . . . . . . *
=
* "إن شرطية". يستطل "فعل الشرط". "وصل" نائب فاعل وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام. "وإن لم يستطل "شرط وفعله. فالحذف نزر" الفاء واقعة في جواب الشرط والجملة من المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط "وأبوا" فعل وفاعل. "أن يختزل" نائب الفاعل يعود على وصل، وأن وما بعدها في تأويل مصدر مفعول أبوا. "إن" شرطية. "صلح الباقي" فعل الشرط وفاعله، والجواب محذوف. "لوصل" متعلق بصلح. "مكمل" نعت لوصل.
ويجوز حذف المنصوب: إن كان متصلًا، وناصبه فعل
(1)
، أو وصف، غير صلة الألف واللام
(2)
؛ نحو: {يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} ؛ وقوله:
ما الله موليك فضل فاحمدنه به
(3)
= سبق أن ذكر الناظم في عجز البيت السابق: أن غير "أي" من الموصولات، يتبع "أيا" ويكون مثلها في حذف صدر صلتها الضمير؛ وهنا يقول: إن هذا الحذف كثير إن استطالت الصلة، ونزر -أي: قليل- إن لم تستطل. وكل ذلك؛ بشرط ألا يصلح الباقي لأن يكون صلة.
وخلاصة ما تقدم: أن الكوفيين يجيزون حذف العائد المرفوع بالابتداء مطلقًا؛ طالت الصلة أم قصرت، سواء كان الموصول "أيا" أم غيرها. ويوافقهم البصريون في "أي" أما غيرها فيشترطون طول الصلة؛ فالخلاف بينهما فيما إذا لم تطل الصلة، وكان الموصول غير "أي". وحجة الكوفيين السماع، وعند البصريين شاذ.
(1)
أي: تام، فلا حذف في نحو: جاء الذي كانه محمد على الأصح.
(2)
أما منصوب صلة الألف واللام؛ فلا يجوز حذفه إذا عاد إليها؛ لأنه دليل على اسميتها الخفية، فلو حذف ضاع هذا الغرض، أما إذا عاد على غيرها فيجوز حذفه؛ نحو: جاء الذي أنا المكرم.
(3)
صدر بيت من البسيط، لم يذكر النحاة قائله. وعجزه:
فما لدى غيره نفع ولا ضرر
اللغة والإعراب:
موليك: مانحك ومعطيك. وهو اسم فاعل من أولى يولي؛ أي: أعطى. فضل: منه وعطاء تفضلًا منه. "ما" اسم موصول مبتدأ. "الله" مبتدأ ثان. "موليك" خبره مضاف إلى الكاف من إضافة اسم الفاعل لمفعوله الأول، والجملة صلة الموصول والعائد محذوف؛ أي: موليكه. "فضل" خبر ما. "فاحمدنه" الفاء واقعة في جواب شرط مقدر؛ أي: إذا كان كذلك فاحمدنه، واحمدنه: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون =
بخلاف: جاء الذي إياه أكرمت
(1)
، وجاء الذي إنه فاضل، أو كأنه أسد
(2)
.
أو أنا الضاربه
(3)
.
وشذ قوله:
ما المستفز الهوى محمود عاقبة
(4)
= التوكيد الخفيفة، والهاء مفعوله. "فما" الفاء للتعليل، و"ما" نافية مهملة. "لدى غيره" ظرف خبر مقدم ومضاف إيه. "نفع" مبتدأ مؤخر. ويجوز أن تكون "ما" عاملة عمل ليس، و"لدى" خبرها مقدم، و"نفع" اسمها مؤخر.
المعنى: إن الذي يهبه الله لك من النعم، تفضل مبتدأ منه عليك، وليس جزاء تقدم من عمل، فاحمد الله واشكره على ذلك؛ فهو وحده النافع الضار، وغيره لا يملك من أمر المخلوقات شيئا.
الشاهد: حذف الضمير العائد على الموصول المنصوب بوصف غير صلة لأل؛ وهو "مولى". وقدرناه متصلا تمشيا مع قول المصنف، وإلا فالأرجح هنا: موليك إياه. وتقييد المصنف بالمتصل؛ احترازا من المنفصل، المقصود به الحصر لا غير كما هنا.
(1)
لأن الضمير منفصل، فإذا حذف التبس بالمتصل، وفات الغرض من تقديمه، وهو إفادة الحصر؛ فإن كان لغير الحصر، جاز حذفه: نحو: {فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ} ؛ أي: آتاهم إياه. ولا يقدر متصلًا؛ لأن اتحاد رتبة الضميرين في الغيبة يضعف الوصل.
(2)
لأن الناصب غير فعل ولا وصف.
(3)
لأن الوصل صلة لأل.
(4)
صدر بيت من البسيط، لم يعرف قائله. وعجزه:
ولو أتيح له صفو بلا كدر
اللغة والإعراب:
المستفز: اسم فاعل من استفزه؛ أزعجه واستخفه. الهوى: ميل النفس إلى ما تشتهي. أتيح: هيئ وقدر. "ما" نافية مهملة، أو عاملة عمل ليس. "المستفز" مبتدأ أو اسمها. "الهوى" فاعل المستفز، ومفعوله محذوف عائد إلى أل؛ أي: المستفزه "محمود" بالرفع خبر المبتدأ، وبالنصب خبر ما. "ولو" الواو عاطفة على محذوف، و"لو" حرف شرط غير جازم. "بلا" الباء جارة، و"لا" اسم بمعنى. "غير" ظهر إعرابها على ما بعدها. "كدر" مضاف إليه.
وحذف منصوب الفعل كثير
(1)
، ومنصوب الوصف قليل.
ويجوز حذف المجرور: بالإضافة، إن كان المضاف وصفًا غير ماض
(2)
؛ نحو:
(3)
، بخلاف: جاء الذي قام أبوه، وأنا أمس ضاربه
(4)
.
= المعنى: ليس المرء الذي يستخف به الهوى ويستهويه، ويتبع شهوات نفسه، وينقاد لها، محمود العواقب، يعيش دائما في أمن واطمئنان، ولو قدر له عيش هنيء خالص من المنغصات؛ فهو عيش غير مأمون الدوام.
الشاهد: حذف العائد من صلة أل؛ وهو منصوب بالوصف، وذلك شاذ، وقيل قليل. وفي حذف العائد المنصوب يقول ابن مالك:
والحذف عندهم كثير منجلي
في عائد متصل إن انتصب
…
بفعل أو وصف كمن نرجو يهب *
أي: إن الحذف كثير إذا كان العائد ضميرا متصلا منصوبا بفعل تام، أو بوصف غير صلة لأل؛ مثل: من نرجو يهب؛ أي: من نرجوه يهب.
(1)
لأن الأصل في العمل للفعل؛ فتصرفه في معموله على نطاق واسع. أما الوصف ففرع في العمل، فهو أضعف.
(2)
بأن يكون اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال، أو اسم مفعول كذلك بشرط أن يكون فعله متعديا لاثنين؛ ليكون أحدهما نائب فاعل، والثاني هو المضاف إليه لفظه.
(3)
أي: الذي أنت قاضيه. وهذا مثال لاسم الفاعل، ومثال اسم المفعول: يكفيني ما أنا معطي الآن أو غدا؛ أي: معطاه.
(4)
لأن المضاف في الأول ليس بوصف، وفي الثاني وصف ماض، وهو لا يعمل.
* "والحذف" مبتدأ. "عندهم" ظرف متعلق بالحذف أو بكثير الواقع خبر للمبتدأ. "منجلي" خبر ثان أو نعت للخبر. "في عائد" متعلق بمنجلي أو بكثير. "متصل" نعت لعائد. "انتصب" فعل الشرط وفاعله يعود على عائد وسكن للوقف. "بفعل" متعلق بانتصب. "أو وصف" معطوف على فعل. "كمن" الكاف جار لمحذوف، و"من" اسم موصول مبتدأ وجملة "نرجو" صلة والعائد محذوف؛ أي: نرجوه. "يهب" الجملة خبر المبتدأ، وسكن يهب للضرورة.
والمجرور بالحرف إن كان الموصول أو الموصوف بالموصول، مجرورًا بمثل ذلك الحرف معنى متعلقًا
(1)
؛ نحو: {وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ}
(2)
، أي: منه.
(1)
أما السبب في أن يكون الموصول مجرورا بحرف، مثل الحرف الذي جر به العائد المحذوف لفظا ومعنى، فهو: أن اسم الموصول هو نفس ضميره في المعنى، فإذا حذف الضمير ومعه حرف الجر، كان في الكلام ما يدل عليهما. وينبغي أن يكون المتعلق -أي: العامل- في كل منهما، مشابها للآخر في لفظه ومعناه، أو في معناه فقط؛ نحو: فرحت بالذي سررت؛ أي: به، ولا مانع من أن يكون أحد المتعلقين ماضيا، والآخر مضارعا من مادته، أو أمرا كذلك. أو يكون أحدهما فعلا، والآخر مشتقا من المادة نفسها بمعناه.
(2)
"مما" ما الموصولة مجرورة بمن التبعيضية وهي متعلق بيشرب، والعائد محذوف مجرور كذلك بمن التبعيضية، وهي متعلقة بيشربون، والتقدير: ويشرب من الذي تشربون منه؛ فاتفق الحرفان لفظا ومعنى ومتعلقا. وفي حذف العائد المجرور يقول ابن مالك:
كذاك حذف ما بوصف خفضا
…
كأنت قاض بعد أمر من قضى
كذا الذي جر بما الموصول جر
…
كمر بالذي مررت فهو بر*
أي: كذلك يجوز حذف الرابط المجرور بالإضافة إذا كان عامله وصفا؛ مثل كلمة "قاض" الواقعة بعد فعل أمر من قضى؛ يشير إلى قوله تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} ؛ أي: ما أنت قاضيه. وكذلك العائد المجرور بحرف جر مثل الذي جر الموصول لفظًا ومعنى ومتعلقا نحو: مررت بالذي مررت؛ أي: به.
* "كذاك" خبر مقدم. والإشارة إلى حذف الضمير المنصوب. "حذف" مبتدأ مؤخر. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "بوصف" متعلق بخفضا الواقع صلة الموصول. "كأنت قاض" مبتدأ وخبر والكاف جارة لقول محذوف؛ أي: كقولك. "بعد" ظرف متعلق بمحذوف نعت للقول المحذوف، أو حال من أنت قاض قصد لفظه. "أمر" مضاف إليه. "من قضى" جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت، أي: بعد أمر مشتق من مادة قضى. "كذا" خبر مقدم. "الذي" مبتدأ مؤخر. "جر" ماض للمجهول ونائب فاعله يعود على الذي، والجملة صلة لها. "بما" متعلق بجر. "الموصول" مفعول جر مقدم. "جر" فعل ماض وفاعله يعود على ما والجملة صلتها. "كمر" جار ومجرور خبر لمبتدأ محذوف. "بالذي متعلق به. "مررت" الجملة صلة والعائد محذوف؛ أي: به. "فهو بر" مبتدأ وخبر، والفاء واقعة في جواب شرط محذوف، وجملة المبتدأ والخبر في محل جزم جواب ذلك الشرط المحذوف؛ أي: إن مررت به فهو بر.
وقوله:
لا تركنن إلا الأمر الذي ركنت
…
أبناء يعصر حين اضطرها القدر
(1)
وشذ قوله:
وأي الدهر ذو لم يحسدوني
(2)
أي: فيه.
(1)
شاهد من البسيط، لكعب بن زهير بن أبي سلمى.
اللغة والإعراب:
لا تركنن: لا تميلن، من ركن إليه؛ مال وسكن. الأمر المراد به هنا: الفرار من القتال. يعصر: أبو قبيلة من باهلة. "لا" ناهية. "تركنن" مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة في محل جزم. "الذي" صفة للأمر. "أبناء" فاعل ركن. "يعصر" مضاف إليه ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل، والجملة صلة. "حين" ظرف منصوب بركنت. "اضطرها القدر" الجملة في محل جر بإضافة حين.
المعنى: لا تجنح إلى الهزيمة، والفرار من القتال، وعدم الصمود أمام الأعداء؛ كما فعلت أبناء يعصر حين اضطرت إلى ذلك.
الشاهد: جر الموصوف بالموصول -وهو "الأمر"- بإلى، وهي متعلقة بتركنن، وجر العائد المحذوف لفظا ومعنى ومتعلقا، ولهذا ساغ الحذف، ولا يضر اختلاف الصيغتين.
هذا: ويمنع حذف العائد المجرور فيما يأتي:
أ- إذا كان الضمير محصورا؛ نحو: مررت بالذي ما مررت إلا به، أو إنما مررت به.
ب- إذا وقع المجرور مع الجار موقع النائب عن الفاعل؛ نحو: مررت بالذي مر به.
جـ- إذا أوقع حذفه في لبس؛ نحو: رغبت في الذي رغبت فيه؛ فإن حذف "فيه" يوقع في لبس أن يكون المراد: رغبت عنه.
د- إذا كان في الكلام ضميران لا يتعين أحدهما للربط؛ نحو: مررت بالذي مررت به في داره؛ فإن حذف "به" قد يغير المعنى المراد.
(2)
عجز بيت من الوافر، ينسب لحاتم الطائي، الجواد المشهور، وصدره:
ومن حسد يجور على قومي
=
وقوله:
وهو على من صبه الله علقم
(1)
أي: عليه؛ فحذف العائد المجرور مع انتفاء خفض الموصول في الأول، ومع اختلاف المتعلق في الثاني، وهما: صب، وعلقم.
= اللغة والإعراب:
من حسد: من للتعليل، والحسد: تمني زوال نعمة الغير. يجور على قومي: يظلمونني. "من حسد" متعلق بيجور. "علي" متعلق به. "قومي" فاعل يجور.
"وأي" استفهامية مبتدأ. "الدهر" مضاف إليه. "ذو" اسم موصول بمعنى الذي خبر. "أي" مبني على الواو في لغة طيئ. "لم يحسدوني" الجملة صلة، والعائد محذوف؛ أي: فيه.
المعنى: إن قومي يظلمونني، ويجاوزون حد الاعتدال معي؛ حسدا منهم علي وبغضا، وحسدهم هذا دائم متواصل، فأي وقت من الأوقات الذي لم يحسدوني فيه؟.
الشاهد: في ذو "لم يحسدوني"؛ حيث حذف العائد إلى الموصول من جملة الصلة؛ وهي "لم يحسدوني" والعائد مجرور بحرف جر محذوف أيضا، وهو مخالف لما جر به الموصول، وذلك شاذ. والذي سهل الحذف كون الموصوف بالموصول اسما مرادا به زمان، ولهذا قال بعضهم: إن الحذف في مثل ذلك قياسي.
(1)
- عجز بيت من الطويل، لرجل من همدان لم يعين اسمه، وصدره:
وإن لساني شهدة يشتفى بها
اللغة والإعراب:
شهدة هي العسل ما دام في شمعه. عقلم: هو الحنظل، وكل شيء مر. "وهو" بتشديد الواو -للوزن- على لغة همدان، مبتدأ. "علقم" خبر "على من" جار ومجرور متعلق بعلقم؛ لأنه بمعنى مر، و"من" اسم موصول بمعنى الذي، وجملة "صبه الله" صلة والعائد محذوف مجرور بعلى متعلق بصب؛ أي: صبه الله عليه.
المعنى: إن لساني مثل الشهد والعسل، فيه شفاء للناس الذين أحبهم، وأثني عليهم، وهو مثل الحنظل في المرارة، على من سلطه الله عيه ممن أكره.
الشاهد: في "علي من صبه الله"؛ حيث حذف العائد المجرور بحرف جر محذوف، مع اختلاف المتعلقين؛ وهما: صب وعلقم. وهذا شاذ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأسئلة والتمرينات:
1 عرف الموصول، وبين الفرق بين الحرفي والاسمي، ووضح ما تقول بالأمثلة.
2 اذكر ثلاثة من الموصولات الخاصة، ومثلها من المشتركة، ومثل لما تذكر.
3 متى تبنى "أي" الموصولة؟ ومتى تعرب؟ وما الذي يشترط في صلة أل؟ اذكر أمثلة موضحة من إنشائك.
4 اشرح "ذو" و"ذا" الموصولتين، وبين حكمهما في الإعراب وما يشترط في صلتهما.
5 بين الفرق بين "ما" و"من" الموصولتين، وما حكم الضمير العائد إليهما من حيث المطابقة؟ وضح ذلك بالأمثلة.
6 اشرح قول ابن مالك:
وكلها يلزم بعده صله
…
على ضمير لائق مشتمله
7 اذكر الشروط اللازمة في جملة الصلة، وما الذي يشترط في حذف العائد، مرفوعا، ومنصوبا، ومجرورا؟ مع التمثيل.
8 فيما يأتي شواهد في باب الموصول، بين الشاهد، ووضح موضعه من الإعراب:
قال تعالى: {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} ، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} ، {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} ، {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} ، {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} .
من القوم الرسول الله منهم
…
لهم دانت رقاب بني معد
لا تنو إلا الذي خير فما شقيت
…
إلا نفوس الألى للشر ناوونا
أظنك دون المال ذو جئت طالبا
…
ستلقاك بيض للنفوس قوابض
أبى الله للشم الألاء كأنهم
…
سيوف أجاد القين يوما صقالها
وقد كنت تخفي حب سمراء حقبة
…
فبح لان منها بالذي أنت بائح
9 في البيتين الآتيين شذوذ كما يقول النحاة. بين السبب، وأعرب ما تحته خط:
من لا يزال شاكرا على المعه
…
فهو حر بعيشة ذات سعه
أخ مخلص واف صبور محافظ
…
على الود والعهد الذي كان مالك
10 اشرح البيت الآتي وأعربه:
لما نافع يسعى اللبيب فلا تكن
…
لشيء بعيد نفعه الدهر ساعيا
هذا
باب المعرف بالأداء
(1)
وهي "أل"، لا اللام وحدها، وفاقا للخليل وسيبويه
(2)
، وليست الهمزة زائدة، خلافًا لسيبويه
(3)
، وهي:
هذا باب المعرَّف بالأداة
(1)
هو اسم نكرة دخلت عليه "أل" المعرفة فأكسبته التعريف والتعيين.
(2)
فهما متفقان على أن المعرف "أل" والخلاف بينهما في الهمزة؛ أزائدة هي أم أصلية؟ فالخليل يرى أنها أصلية، وهي قطع وتوصل في الدرج. والخليل هو: ابن أحمد عبد الرحمن الفراهيدي، نسبة إلى فراهيد بن مالك الأزدي البصري. أستاذ سيبويه والأصمعي. أخذ عن أبي عمرو بن العلاء، وكان سيد الأدباء في عصره؛ في علمه وزهده وورعه، آية في الذكاء؛ يقال: إنه لم يكن في العربية بعد الصحابة أذكى منه، ولا أجمع لعلم العربية. وهو أول من استخرج العروض، وضبط اللغة، وحصر أشعار العرب. وكان مع هذا عفيف النفس، غاية في الزهد والورع. قيل: إنه كان يحج سنة ويغزو سنة، ولا يحب صحبة الأمراء والولاة. وجه إليه سليمان بن علي والي الأهواز لتأديب ولده، فأخرج الخليل لرسول سليمان خبزا يابسا، وقال له: كل، فما عندي غيره، وما دمت أجده فلا حاجة لي إلى سليمان، فقال له الرسول: وما أبلغه؟ فقال:
أبلغ سليمان أني عنه في سعة
…
وفي غنى غير أني لست ذا مال
سخى بنفس أني لا أرى أحدا
…
يموت هزلا ولا يبقى على حال
والفقر في النفس لا في المال نعرفه
…
ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال
قال سفيان الثوري: من أحب أن ينظر إلى رجل خلق من الذهب والمسك فلينظر إلى الخليل بن أحمد. وقال النضر بن شميل: أكلت الدنيا بعلم الخليل وهو في خصي من أخصاص البصرة لا يشعر به أحد: وهو القائل:
اعمل بعلمي ولا تنظر إلى عملي
…
ينفعك علمي ولا يضررك تقصيري
وله مؤلفات كثيرة منها: كتاب العين في اللغة، وكتاب الجمل، والشواهد، والعروض، وتوفي رحمه الله سنة 175 هـ، وقد نيف على السبعين.
(3)
فقد قال: إن الألف زائدة، ونقل عنه: أن المعرف هو اللام وحدها. وإليه أشار الناظم بقوله:
"أل" حرف تعريف أو "اللام" فقط
…
فنمط عرفت قل فيه "النمط"*
أي: إن "أل" مركبة من الهمزة واللام، حرف تعريف، أو التعريف باللام وحدها والهمزة للوصل؛ فإذا أردت تعريف كلمة "نمط" فقل "النمط" بإدخال أل عليها. والنمط: نوع من البسط، وهو الذي يسمى في العرف "الكليم"، ويطلق أيضًا على الجماعة من الناس تتشابه في الأمر، وثوب يطرح على الهودج، والجمع أنماط.
إما جنسية
(1)
: فإن لم تخلفها "كل" فهي لبيان الحقيقة
(2)
؛ نحو: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} وإن خلفتها "كل" حقيقة، فهي لشمول أفراد الجنس؛ نحو:{وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا}
(3)
. وإن خلفتها مجازا فلشمول خصائص الجنس مبالغة
(4)
؛ نحو: أنت الرجل علما.
= بقوله:
"أل" حرف تعريف أو "اللام" فقط
…
فنمط عرفت قل فيه "النمط"*
أي: إن "أل" مركبة من الهمزة واللام، حرف تعريف، أو التعريف باللام وحدها والهمزة للوصل؛ فإذا أردت تعريف كلمة "نمط" فقل "النمط" بإدخال أل عليها. والنمط: نوع من البسط، وهو الذي يسمى في العرف "الكليم"، ويطلق أيضًا على الجماعة من الناس تتشابه في الأمر، وثوب يطرح على الهودج، والجمع أنماط.
(1)
هي الداخلة على نكرة تفيد معنى الجنس المحض.
(2)
أي: الحقيقة الذهنية التي تتكون في العقل من غير نظر إلى ما تنطبق عليه من أفراد. والفرق بين المعرف بأل هذه، وبين النكرة: أن هذا المعرف يدل على الحقيقة بقيد حضورها في الذهن، أما النكرة فتدل عليها بدون قيد.
(3)
فإنه يصح أن يقال على الحقيقة كل فرد من أفراد الإنسان ضعيف. وعلامة "أل" هذه: أن يصح الاستثناء مما دخلت عليه؛ نحو: {إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا} ويصح نعته بالجمع؛ نحو: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} ومدخول "أل" هذه من حيث التعريف، في درجة علم الجنس لفظًا ومعنى.
(4)
"أل" هذه تدخل على واحد من الجنس، فتفيد الإحاطة والشمول للأفراد، ولكن لصفة من الصفات الشائعة بينها على سبيل المبالغة؛ فإنه لو قيل: أنت كل رجل علما، لصح على سبيل المجاز، ومعناه: قد اجتمع فيك ما تفرق في كل الرجال من العلم؛ فأنت محيط بهذه الصفة إحاطة شاملة. وما تدخل عليه "أل" من هذين النوعين، في درجة علم الشخص؛ لفظه معرفة تجري عليه أحكام المعرفة، فيكون مبتدأ. ونعتا للمعرفة، وصاحب حال .. إلخ. ومعناه معنى النكرة المسبوقة بكلمة "كل" فيشمل كل فرد من أفراد مدلولها.
* "أل" مبتدأ. "حرف تعريف" خبر ومضاف إليه. "أو" عاطفة "اللام" مبتدأ خبره محذوف لدلالة ما قبله عليه، أي: أو اللام حرف تعريف. "فقط" الفاء زائدة لتزيين اللفظ، و"قط" اسم بمعنى حسب؛ أي: كاف، مبني على السكون في محل نصب حال من اللام؛ أي: حال كونها حسبك؛ أي: كافيتك عن غيرها. وقيل الفاء واقعة في جواب شرط مقدر، وقط في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف، أو اسم فعل أمر بمعنى انته؛ أي: إذا عرفت ذلك فهو كافيك، أو فانته عن طلب غيره. "فنمط" مبتدأ. "عرفت" الجملة صفة لنمط. "فيه" متعلق يقل "النمط" مفعول قل مقصود لفظه، والجملة من الفعل والفاعل خبر المبتدأ.
وإما عهدية
(1)
، والعهد إما ذِكرِى
(2)
؛ نحو: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} .
أو علمي
(3)
؛ نحو: {بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ} ، {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} .
أو حضوري
(4)
؛ نحو {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} .
فصل: وقد ترد "أل" زائدة
أي: غير معرفة
(5)
؛ وهي:
إما لازمة: كالتي في علم قارنت وضعه؛ كالسموأل، واليسع، و {اللاَّتَ وَالْعُزَّى}
(6)
أو في إشارة وهو "الآن"
(7)
، وفاقا للزجاج والناظم، أو في موصول وهو "الذي، والتي" وفروعهما؛ لأنه لا يجتمع تعريفان، وهذه معارف بالعلمية والإشارة،
(1)
أي: للعهد، وهي التي تدخل على النكرة فتفيدها نوعا من التعريف يجعل مدلولها معينا، بعد أن كان مبهما، لما يأتي من أسباب.
(2)
هو ما تقدم فيه ذكر لمصحوب "أل" في الكلام؛ كـ"رسولا" في الآية.
(3)
وهو أن يكون ما فيه "أل" معلوما عند المخاطب، ومعروفا له معرفة ذهنية، لا بسبب ذكره في الكلام.
(4)
أي: أن يكون ما فيه "أل" حاضرا وقت الكلام؛ فالمراد باليوم في الآية اليوم الحاضر، وهو يوم عرفة.
(5)
أي: ولا موصولة وإن كانت غير صالحة للسقوط.
(6)
السموأل: اسم شاعر جاهلي مشهور بالوفاء. واليسع: اسم نبي من الأنبياء، واللات: علم مؤنث لصنم كان لثقيف بالطائف على شكل رجل يلت السويق. والعزى: كانت سمرة تعبدها غطفان. وقد بعث الرسول عليه السلام خالد بن الوليد فقطعها.
(7)
هذا بناء على أنه ظرف زمان معناه الزمان الحاضر، وتعريفه بما تعرفت به أسماء الإشارة.
والجمهور على أنه علم جنس للزمان الحاضر، وتعريفه بالعلمية، وهو مبني على الفتح دائما. وقيل: إنه معرب منصوب، وقد يجر بمن قليلا، و"أل" فيه معرفة للعهد الحضوري، وليست زائدة.
والصلة.
وإما عارضة
(1)
: إما خاصة بالضرورة؛ كقوله:
ولقد نهيتك عن بنات الأوبر
(2)
وقوله:
صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو
(3)
والجمهور على أنه علم جنس للزمان الحاضر، وتعريفه بالعلمية، وهو مبني على الفتح دائما. وقيل: إنه معرب منصوب، وقد يجر بمن قليلا، و"أل" فيه معرفة للعهد الحضوري، وليست زائدة.
(1)
أي: زائدة غير لازمة.
(2)
عجز بيت من الكامل، أنشده ابن جني، واستشهد به أبو زيد في النوادر، ولم يذكر قائله وصدره:
ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا
اللغة والإعراب:
جنيتك: جنيت لك، حذف الجار توسعا فاتصل الضمير. أكمؤا: جمع كمء، ويجمع الكمء على كمأة، وهو نبات في البادية معروف، له ثمر كالقلقاس، يقال له: شحم الأرض. عساقلا: جمع عسقول، وهو الكبير الأبيض من الكمأة. بنات أوبر: علم على نوع من الكمأة، صغير رديء الطعم، له زعب لونه كالتراب. والإعراب واضح.
المعنى: لقد جنيت لك النوع الجيد من الكمأة، ونهيتك عن جني الرديء الخبيث منه.
الشاهد: في "بنات أوبر" حيث زيدت فيه "أل" للضرورة، وهو كما ذكر علم على نوع من الكمأة، والعلم لا تدخله أل.
(3)
عجز بيت من الطويل، لرشيد بن شهاب اليشكري، يخاطب قيس بن مسعود اليشكري وصدره:
رأيتك لما أن عرفت وجوهنا
اللغة والإعراب:
وجوهنا: ذواتنا، أو عطماءنا وزعماءنا. صددت: أعرضت وابتعدت. طبت النفس: طابت نفسك ورضيت. "لما" ظرف بمعنى حين متعلق برأي. "أن" زائدة. "صددت" الجملة مفعول ثان لأرى. "النفس" تمييز. "عن عمرو" متعلق بطبت.
المعنى: يخاطب قيسا ويندد به، فيقول: لما رأيتنا ورأيت أكابرنا وعظماءنا، رضيت نفسك، وامتنعت عن الأخذ بثأر صديقك عمرو الذي قتلناه. وكان قوم الشاعر قد قتلوا عمرا، وهو صديق لقيس.
الشاهد: زيادة "أل" على النفس للضرورة، وهو تمييز واجب التنكير عند البصريين. أما الكوفيون فلا يوجبون تنكير التمييز، وعليه لا تكون "أل" زائدة؛ بل معرفة.
لأن "بنات أوبر" علم و"النفس" تمييز؛ فلا يقبلان التعريف. ويلتحق بذلك ما زيد شذوذًا؛ نحو: "ادخلوا الأول فالأول"
(1)
.
(1)
" الأول" حال من الواو في ادخلوا. "فالأول" عطف عليه. و"أل" فيهما زائدة؛ لأن الحال واجب التنكير، ومعناه: ادخلوا مترتبين الأسبق فالأسبق. والحق أن الحال مجموع للفظين "الأول فالأول" وإن كان ثانيهما معطوفا في اللفظ. وفيما سبق من زيادة "أل"، لازمة وغير لازمة، يقول ابن مالك:
وقد تزاد لازما كاللات
…
والآن والذين ثم اللاتي
ولاضطرار كبنات الأوبر
…
كذا و"طبت النفس يا قيس" السري*
أي: إن الألف واللام تأتي زائدة أي: غير معرفة. وهي في هذه الزيادة لازمة كاللات؛ وما بعده، وغير لازمة وهي التي تدخل على العلم اضطرارًا كما مثل.
وفي البيت الثاني إشارة إلى بيت ابن شهاب اليشكري. والسري: الشريف، وأصله السري بتشديد الياء.
* "قد" حرف تقليل. "تزاد" مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل يعود على "أل" من حيث هي، لا بقيد كونها للتعريف. "لازما" حال من مصدر الفعل السابق؛ أي: حال كون المزيد لازما، أو صفة لمصدر محذوف؛ أي: زيد لازما. "كاللات" جار ومجرور خبر لمبتدأ محذوف متعلق بتزاد. "كبنات" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، وتقدم مثله. "الأوبر" مضاف إليه. "كذا" جار ومجرور خبر لمبتدأ محذوف من مادة القول. "النفس" تمييز. "يا" حرف نداء. "قيس" منادى مبني على الضم. "السري" نعت له، وجملة وطبت النفس مقول القول المحذوف. وتقدير الكلام: وقولك: طبت النفس يا قيس كذلك.
وإما مجوزة للمح الأصل
(1)
: وذلك أن العلم المنقول مما يقبل "أل"، قد يلمح أصله فتدخل عليه "أل".
وأكثر وقوع ذلك في المنقول عن صفة؛ كحارث وقاسم، وحسن وحسين، وعباس وضحاك.
وقد يقع في المنقول عن مصدر كفضل، أو اسم عين كنعمان؛ فإنه في الأصل اسم للدم.
وقد يقع في المنقول عن مصدر كفضل، أو اسم عين كنعمان؛ فإنه في الأصل اسم للدم.
والباب كله سماعي
(2)
؛ فلا يجوز في نحو: محمد، وصالح، ومعروف. ولم تقع في نحو:"يزيد" و"يشكر"؛ لأن أصله الفعل، وهو لا يقبل أل.
وأما قوله:
رأيت الوليد بن اليزيد مباركًا
(3)
…
فضرورة، سهلها تقدم ذكر الوليد
(1)
قوله: "وإما" معطوف على قوله: إما خاصة بالضرورة، فهو ضرب اختياري يلجأ إليه لغرض. ومعنى لمح الأصل: أن ينظر ويلمح أصله المنقول عنه قبل أن يكون علما؛ لتكون هنالك صلة معنوية بين المعنى القديم والجديد، فإن كان يقبل "أل" بأن لم يكن فعلا، دخلت "أل" عليه.
(2)
يرى بعض المحدثين: أن من الخير أن يقاس على ذلك؛ لأن الغرض الذي من أجله زيدت اللام متجدد في كل العصور، فلا يصح قصره على ما سمع قديما.
هذا: وأكثر وقوعها على المنقول من صفة، ويليه دخولها على المنقول من مصدر، ثم على المنقول من اسم عين؛ كما رتب المصنف.
(3)
تقدم هذا البيت في باب "المعرب والمبني" صفحة 74.
الشاهد فيه هنا: دخول "أل" على اليزيد، وهو في الأصل فعل لا تدخل عليه أل. وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:
وبعض الأعلام عليه دخلا
…
للمح ما قد كان عنه نقلا
كالفضل والحارث والنعمان
…
فذكر ذا وحذفه سيان*
* "وبعض الأعلام" مبتدأ ومضاف إليه. "عليه" متعلق بدخلا الواقع خبر للمبتدأ، وفاعله يعود على "أل" والألف للإطلاق. "للمح" متعلق بدخل. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "قد" حرف تحقيق. "كان" فعل ماض ناقص واسمه يعود على بعض. "عنه" متعلق بنقل، وجملة "نقل" في محل نصب خبر كان، ونائب الفاعل يعود على بعض الأعلام، وجملة كان ومعموليها صلة الموصول. "كالفضل" خبر لمبتدأ محذوف. "والحارث والنعمان" معطوفان على الفضل. "فذكر" مبتدأ. "ذا" اسم إشارة مضاف إليه. "وحذفه" معطوف على ذكره، وهو مضاف إلى الضمير. "سيان" خبر المبتدأ وما عطف عليه. مرفوع بالألف؛ لأنه مثنى.
فصل: من المعرف بالإضافة، أو الأداة، ما غلب على بعض من يستحقه
(1)
حتى التحق بالأعلام.
فالأول: كـ "ابن عباس، وابن عمر بن الخطاب، وابن عمرو بن العاص، وابن مسعود"
(2)
؛ غلبت على العبادلة
(3)
دون من عداهم من إخوتهم.
والثاني: "كالنجم للثريا، والعقبة، والبيت، والمدينة، والأعشى"
(4)
.
(1)
أي: على فرد من مدلولاته دون باقي الأفراد؛ بسبب شهرة أو نحوها.
(2)
كانت كلمة "ابن" في هذه الأمثلة وأشباهها -معرفة؛ لأنها مضافة إلى معرفة، ولكن العلم بالغلبة "أي: الشهرة"- هو مجموع الكلمتين، فصار التعريف بها وألغيت درجة التعريف السابقة. وعلى ذلك فالعلم قسمان: علم بالوضع ويشمل: علم الشخص وعلم الجنس. وعلم بالغلبة وهو هذا، وهو في درجة علم الشخص.
(3)
العبادلة: جمع عبدل وهو اسم منحوت من عبد الله، كما قالوا: بسملة -في بسم الله. وحمدلة- في الحمد لله .. إلخ.
(4)
كلمة النجم في الأصل: تشمل كل نجم، ثم صارت علما للثريا. والعقبة في الأصل: اسم لكل طريق صاعد في الجبل، ثم صارت علما على عقبة منى، أو التي على حدود مصر. ولفظ البيت: يطلق على كل بيت، ثم أصبح علما على البيت الحرام. واختصت المدينة بالمدينة المنورة بقبر الرسول. والأعشى: كل من لا يبصر ليلا، ثم صار علما على أعشى همدان، ونحوه.
و"أل" هذه زائدة لازمة، إلا في نداء أو إضافة، فيجب حذفها
(1)
، نحو: يا أعشى باهلة، وأعشى تغلب. وقد تحذف في غير ذلك؛ سمع: هذا عيوق
(2)
طالعًا، وهذا يوم اثنين مباركًا فيه.
(1)
لأن حرف النداء والإضافة لا يجامعان "أل"، شأنها في ذلك شأن "أل" المعرفة.
(2)
قال في اللسان: عيوق: نجم أحمر مضيء بحيال الثريا في ناحية الشمال، يطلع قبل الجوزاء، سمي بذلك؛ لأنه يعوق الدبران عن لقاء الثريا. وهذا الحذف شاذ وعيوق على وزن فيعول. وفي العلم بالغلبة يقول ابن مالك:
وقد يصير علما بالغلبه
…
مضاف أو مصحوب "أل" كالعقبه
وحذف "أل" ذي إن تناد أو تضف
…
أوجب وفي غيرهما قد تنحذف*
أي: قد يصير "المضاف" أو "المعرف بأل" علما بالغلبة، لا بكونه علم شخص ولا علم جنس. وحذف "أل" هذه واجب إذا نودي الاسم المبدوء بها، أو أضيف. وقد تحذف في غير هاتين الحالتين كما ذكر المصنف.
تتمة: إذا أريد تعريف العدد بـ"أل": فإن كان مفردا دخلت عليه مباشرة، تقول: في منزلنا العشرون كرسيا، والثلاثون شجرة، وإن كان مضافا فالأحسن إدخالها في المضاف إليه وحده، وقد تدخل على المضاف أيضًا، تقول: عندي ثلاثة الكتب، والثلاثة الكتب، ومائة القرش، والمائة القرش، وألف الصحيفة، والألف الصحيفة. وإن كان العدد مركبا فالأحسن إدخالها على صدره، ويجوز دخولها على العدد كله، تقول: قرأت الأحد عشر كتابًا- والخمس عشرة قصيدة، وقبضت الأحد عشر ألف جنيه- والأحد العشر الألف=
* "وقد" الواو استئنافية، وقد حرف تقليل. "يصير" مضارع ناقص. "علما" خبرها مقدم. "بالغلبة" متعلق بيصير. "مضاف" اسم يصير مؤخر. "أو مصحوب" معطوف على مضاف "أل" مضاف إليه قصد لفظه. "كالعقبة" خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: وذلك كالعقبة. "وحذف أل" مفعول أوجب مقدم مضاف إلى أل. "ذي" اسم إشارة نعت لأل. "إن" شرطية. "تناد" فعل الشرط مجزوم بحذف الياء. "أو تضف" معطوف على تناد. "أوجب" فعل أمر والجملة جواب الشرط، وحذف الفاء منها مع أنها جملة طلبية؛ لضرورة الشعر. "وفي غيرهما" جار ومجرور متعلق بتنحذف، والضمير في غيرهما يعود على النداء والإضافة. "قد" حرف تقليل. "تنحذف" مضارع مرفوع وفاعله يعود على "أل"، وسكن للروي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= جنيه. وإن كان معطوفا ومعطوفا عليه فالأحسن دخولها على الجزأين، تقول: أنفقت الواحد والعشرين درهما. وكتبت الخمسة والعشرين سطرا. وإذا كان المضاف إليه معرفا بأل؛ فإن المضاف يكتسب منه التعريف في الإضافة المحضة كما سبق. وسيأتي تفصيل لذلك في بابي العدد والإضافة، إن شاء الله.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأسئلة والتمرينات:
1 عرف كلا من "أل" الجنسية والعهدية، واذكر أقسام كل، ووضح بالأمثلة.
2 اشرح "أل" التي للمح الأصل، وما معنى لمح الأصل؟ واذكر أمثلة لذلك.
3 وضح العلم بالغلبة، وبين من أي نوع هو؟ ومثل.
4 بم يستشهد النحويون بالآتي في باب المعرف بأداة التعريف؟
قال تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} ، {إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} ، {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ} ، {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} .
وقال عليه الصلاة والسلام: "كل الصيد في جوف الفرا".
يا عز كفرانك لا سبحانك
…
إني رأيت الله قد أهانك
باعد أم العمر من أسيرها
…
حراس أبواب لدى قصورها
علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم
…
بأبيض ماضي الشفرتين يماني
5 بين فيما يأتي: أنواع ما فيه "أل" ووضح سبب ما تقول:
هل تذكر يا أخي الاعتداء الثلاثي سنة 1956؟ إن الاعتدا سنة 1967 كان مدبرا من الصهيونية والاستعمار كسابقه. وقد فطن العرب أخيرا إلى ذلك؛ فأجمعوا الأمر، ووحدوا الجبهة، واتخذوا من البترول سلاحا يرهبون به المعتدي، كما اتخذت القناة كذلك. وعلى الرغم من أن المعتدي -اعتمادا على مساندة المستعمر- قد عبث بقرار الجمعية العامة ومجلس الأمن فإن العرب يحترمون الميثاق، ولا سيما ما يتعلق بحقو الإنسان. وعلى الباغي تدور الدوائر. ومن الخير للدول العربية أن تتعاون، فتستعيد المجد الزائل والعز البائد. وليعلموا أن الجبن أخس الطباع، وأن العز في الاتحاد والإقدام.
6 ما سبب تعريف الكلمات الآتية؟ وضح ذلك.
النابغة، ذو القرنين، الكتاب، الحديث، الراضي بالله، بنت الصحراء.
7 عبر عن الأعداد الآتية بكلمات عربية، ثم عرفها بأل.
11، 12، 15، 21، 30، 101، 111، 145، 202، 1336.
8 بين سبب تعريف المضاف في العبارة الآتية:
حضر عندي بالأمس رسول أخي، وكنت أقرأ كتاب سيبويه مع نفر من أصدقائي، فأسر إلي بأن نسخ هذا الكتاب عزيزة؛ فازداد حرصي عليه، وشغف ذلك النفر به.
هذا
باب المبتدأ والخبر
(1)
:
المبتدأ: اسم أو بمنزلته، مجرد عن العوامل اللفظية أو بمنزلته، مخبر عنه، أو وصف رافع لمكتفًى به
(2)
.
فالاسم نحو: الله ربنا، ومحمد نبينا، والذي بمنزلته نحو:{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}
(3)
، و {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ}
(4)
، و"تسمع بالمعيدي خير من أن تراه"
(5)
.
هذا باب المبتدأ الخبر:
(1)
ما سبق من الأحكام والبحوث كان خاصا بالكلمة المفردة، أما الآن فسنبدأ بالجمل المركبة. والجمل المفيدة قسمان: جمل اسمية؛ كالمبتدأ والخبر، ومنها: اسم الفعل ومرفوعه، والوصف كذلك. وجمل فعلية؛ كجملة الفعل والفاعل، ومنها: جملة النداء كما سيأتي بيانه.
(2)
أي: مستغنى به عن الخبر، سواء أكان اسما ظاهرا؛ نحو: أمسافر المحمدان؟ أم ضميرا بارزا؛ نحو: أمسافر هما؟ والمراد الوصف ولو تأويلا؛ ليدخل قولهم: "لا نولك أن تفعل كذا" على قول؛ فإن "نول" مصدر بمعنى اسم المفعول، أي: ليس متناولك هذا الفعل، بمعنى لا ينبغي لك تناوله. فنولك: مبتدأ، وأن تفعل: نائب فاعله. وقيل: نولك مبتدأ، وأن تفعل خبره.
(3)
المصدر المنسبك من "أن" والفعل مبتدأ، و"خير" خبر أي: صومكم خير لكم.
(4)
"سواء" خبر مقدم أأنذرتهم المصدر المتصيد من همزة التسوية بعد سواء والفعل مبتدأ مؤخر "أم لم تنذرهم" معطوف عليه أي: إنذارك وعدمه سواء، وإنما صح الإخبار بسواء عن المثنى؛ لأنه في الأصل مصدر بمعنى الاستواء، والمصدر يقع على القليل والكثير. وقيل: إن "سواء" خبر إن في صدر الآية، والمصدر المتصيد من "أأنذرتهم" فاعل أي: إن الذين كفروا مستو عليهم إنذارك وعدمه.
(5)
مثل عربي؛ يضرب لمن يكون خبره والحديث عنه أفضل من مرآه ومنظره. قيل: إن أول من قاله: المنذر بن ماء السماء. "تسمع" بالنصب مضارع بأن محذوفة شذوذًا، وبالرفع =
والمجرد كما مثلنا. والذي بمنزلة المجرد نحو: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}
(1)
، وبحسبك درهم
(2)
؛ لأن وجود الزائد كلا وجود، ومنه -عند سيبويه:{بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ}
(3)
، وعند بعضهم:"ومن لم يستطع فعليه بالصوم"
(4)
.
= كذلك بعد حذف أن وزوال عملها، ولا شذوذ فيه، والمصدر المنسبك من الفعل وأن المقدرة مبتدأ أي: سماعك. "خير" خبر. "من أن تراه" من: جارة، والمصدر المنسبك من أن والفعل مجرور بمن متعلق بخبر أي: خير من روؤيته، ويتبين من تكرار الأمثلة: أنه لا فرق بين أن يكون الاسم المؤول مكونا من أن المصدرية المذكورة والفعل. أو متصيدا من همزة التسوية بعد "سواء" والفعل، أو من أن المحذوفة والفعل؛ سواء بقي عملها، أم حذفت وقدرت وزال عملها.
(1)
"خالق" مبتدأ على زيادة "من" مرفوع بضمة مقدرة منع منها حركة حرف الجر الزائد "غير الله" صفة لخالق ومضاف إليه والخبر محذوف أي: لكم، أو هو خبر المبتدأ.
(2)
الباء حرف جر زائد، وحسب: مبتدأ في محل رفع، بمعنى كافيك، ودرهم: خبر.
(3)
الباء زائدة، و"أيكم" اسم استفهام مبتدأ ومضاف إليه "المفتون" خبر، وعند الأخفش:"بأيكم" خبر مقدم، والباء بمعنى في لا زائدة و"المفتون" بمعنى الفتنة مبتدأ مؤخر، وهو مصدر جاء على وزن اسم المفعول. ومنع ذلك سيبويه؛ لأن صيغة مفعول لم تثبت عنده بمعنى المصدر؛ لأن سياق الآية يقتضي أن الاستفهام عن تعيين الشخص الذي وقعت عليه الفتنة من بين المخاطبين لا عن مكان المفتون.
(4)
هذا جزء من حديث نبوي. وتمامه: "يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أحصن للفرج وأغض للبصر، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء". والباءة: النكاح. وجاء: مصدر وجأ من باب نفع، وهو رض عروق البيضتين حتى تنفضخ "أي: تنفتح وتنعصر" من غير إخراج، فيكون شبيها بالخصاء لأنه يكسر الشهوة. "فعليه" الفاء واقعة في جواب الشرط، وعليه: جار ومجرور خبر مقدم. "بالصوم" الباء زائدة، والصوم: مبتدأ مؤخر. أي: الصوم واجب عليه. وهذا قول ابن عصفور. وقيل: إن "عليه" اسم فعل أمر ومعناه ليلزم، وفاعله مستتر فيه وجوبا. "بالصوم" مفعوله على زيادة الباء.
والوصف نحو: أقائم هذان
(1)
. وخرج نحو: "نزال"؛ فإنه لا مخبر عنه، ولا وصف، ونحو: أقائم أبواه زيد؛ فإن المرفوع بالوصف غير مكتفى به
(2)
، فزيد مبتدأ، والوصف خبر.
ولا بد للوصف المذكور من تقدم نفي أو استفهام
(3)
؛ نحو:
خليلي ما واف بعهدي أنتما
(4)
(1)
المراد الوصف المشتق الجاري مجرى الفعل في حركاته وعمله؛ كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، وكذلك اسم التفضيل، والمنسوب؛ نحو: أعربي الشاعران؟
(2)
وذلك لاحتياج الضمير إلى مفسر يسبقه.
(3)
هذا شرط لاكتفاء الوصف بالفاعل عن الخبر على الأرجح لا يشترط في العمل. والنفي يشمل: النفي بالحرف، وبالفعل، والاسم. والاستفهام يشمل كذلك: الاستفهام بالحرف، وبالاسم.
(4)
صدر بيت من الطويل، لم ينسبه النحاة لقائل. وعجزه:
إذا لم تكونا لي على من أقاطع
اللغة والإعراب:
واف: اسم فاعل، من وفى بالعهد: أنجزه ولم يخلفه عهدي: هو ما بين الرجلين من صداقة وأخوة. أقاطع: أخاصم وأهجر. "خليلي" منادى بحذف حرف النداء، منصوب بالياء؛ لأنه مثنى، وهو مضاف لياء المتكلم. "ما" نافية "واف" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة، أو اسم لما على أنها عاملة. "أنتما" فاعل لواف سد مسد الخبر. "إذا" ظرف للمستقبل من الزمان. "من" اسم موصول في محل جر بعلى، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر "تكونا" الناقص. "أقاطع" الجملة صلة، والعائد محذوف أي: أقاطعه.
المعنى: يا خليلي! لن تقوما بالوفاء بواجب الأخوة والصداقة التي بيننا، إذا لم تكونا عونا لي على من أخاصم وأعادي من الناس.
الشاهد: اعتماد الوصف وهو "واف" على النفي وهو اسم فاعل، فرفع فاعلا سد مسد الخبر. وفيه شاهد آخر وهو: أن الفاعل ضمير بارز، مما يدل على أن الضمير البارز كالاسم الظاهر، في أن كلا منهما يكون فاعلًا مغنيا عن خبر الوصف الواقع مبتدأ.
ونحو:
أقاطن قوم سلمى أم نووا ظعنا
(1)
خلافًا للأخفش والكوفيين
(2)
.
(1)
صدر بيت من البسيط، لم يعرف قائله. وعجزه:
إن يظعنوا فعجيب عيش من قطنا
اللغة والإعراب:
قاطن اسم فاعل من قطن بالمكان أقام فيه. ظعنا: اسم من ظعن؛ أي: ارتحل وسار. "أقاطن" الهمزة للاستفهام، وقاطن: مبتدأ. "قوم سلمى" فاعل سد مسد الخبر ومضاف إليه. "أم" عاطفة. "ظعنا" مفعول نووا. "فعجيب" الفاء واقعة في جواب الشرط، وعجيب: خبر مقدم. "عيش" مبتدأ مؤخر. "من" اسم موصول مضاف إليه. "قطنا" الجملة صلة من، الألف للإطلاق.
المعنى: أمقيم وباق قوم سلمى في مكانهم الذي أعهده؟ أم عزموا على السفر والرحيل؟ ثم قال: إن يسافروا ويتركوا ديارهم ومنازلهم؛ فستكون حياة من يبقى ويتخلف عنهم عجيبة غريبة.
الشاهد: اعتماد الوصف وهو "قاطن" على الاستفهام بالهمزة، وهو اسم فاعل مبتدأ، فاستغنى بمرفوعه عن الخبر.
(2)
فقد أجازوا أن يرفع الوصف فاعلا أو نائب فاعل مكتفى به، وإن لم يعتمد هذا الوصف على نفي أو استفهام. ووافقهم الناظم حيث يقول في هذا، وفيما تقدم:
مبتدأ زيد وعاذر خبر
…
إن قلت "زيد عاذر من اعتذر"
وأول مبتدأ والثاني
…
فاعل أغنى في "أسار ذان"
وقس وكاستفهام النفي وقد
…
يجوز نحو "فائز أولو الرشد"*
أي: إن قلت: زيد عاذر من اعتذر، فزيد مبتدأ، وعاذر خبر، وفي قولك: أسار ذان؟ الاسم الأول وهو "أسار" مبتدأ، و"ذان" وهو الاسم الثاني فاعل أغني عن الخبر. وقس على هذا المثال: كل وصف معتمد على استفهام، ومثل الاستفهام النفي. ويجوز ألا يعتمد الوصف على شيء منهما؛ نحو: فائز أولو الرشد، ولا يتغير الإعراب.
* "مبتدأ" خبر مقدم. "زيد" مبتدأ مؤخ. "وعاذر" مبتدأ. "خبر" خبر المبتدأ. "إن" شرطية. "قلت" فعل الشرط. "زيد عاذر" مبتدأ وخبر، والجملة مقول القول. "من" اسم موصول مفعول لعاذر؛ لأنه اسم فاعل، وفاعله مستتر فيه. "اعتذر" الجملة صلة الموصول وفاعل اعتذر يعود على من، وجواب الشرط محذوف والتقدير: إن قلت زيد عاذر من اعتذر، فزيد مبتدأ وعاذر خبر. "وأول مبتدأ" مبتدأ وخبر. "والثاني فاعل" مبتدأ وخبر كذلك. "أغنى" الجملة صفة لفاعل. "في" حرف جر لقول محذوف؛ أي: في قولك. "أسار ذان" الهمزة للاستفهام، و"سار" مبتدأ، و"ذان" فاعل سد مسد الخبر، والجملة من المبتدأ وفاعله مقول القول المحذوف. "وقس" فعل أمر فاعله أنت، ومفعول ومتعلقه محذوفان؛ أي: وقس على ذلك ما أشبهه. "وكاستفهام" جار ومجرور خبر مقدم. "النفي" مبتدأ مؤخر. "وقد" حرف تقليل. "يجوز" فعل مضارع. "نحو" فاعله. "فائز" مبتدأ. "أولو" فاعل سد مسد الخبر. "الرشد" مضاف إليه. والجملة من المبتدأ وفاعله مقول محذوف؛ أي نحو قولك فائز
…
إلخ.
ولا حجة لهم في نحو:
خبير بنو لهب فلا تك ملغيا
(1)
خلافًا للناظم وابنه؛ لجواز كون الوصف خبرًا مقدمًا. وإنما صح الإخبار به عن الجمع؛ لأنه على فعيل، فهو على حد:{وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} .
(1)
عجز بيت من الطويل، ينسب لأحد الشعراء الطائيين، ولم يعين. وصدره:
مقالة لهبي إذا الطير مرت
اللغة والإعراب:
خبير: من الخبرة، وهي العلم بالشيء. بنو لهب: قوم من الأزد مشهورون بزجر الطيور وعيافتها أي: التكهن بأسمائها وحركاتها وأصواتها تفاؤلا وتشاؤما. ملغيًا: من الإلغاء، يقال: ألغيت كلامه؛ إذا عددته ساقطًا. "خبير" مبتدأ "بنو لهب" فاعل سد مسد الخبر ومضاف إليه "تك" مضارع مجزوم بلا الناهية على النون المحذوفة للتخفيف، واسمها أنت "ملغيا" خبرها "مقالة" مفعول ملغيا "لهبي" مضاف إليه "إذا" ظرف "الطير" فاعل لمحذوف يفسره "مرت".
المعنى: إن بني لهب يعلمون زجر الطير، ويعرفون مهابطه، وما تدل عليه أصواته وحركاته حين يمر؛ فإذا أخبرك لهبي بشيء من ذلك فصدقه ولا تلغ قوله.
الشاهد: في قوله "خبير" فقد استغنى بالفاعل الخبر، مع عدم تقدم نفي أو استفهام، وقد سوغ الابتداء به -وهو نكرة- عمله فيما بعده. وهذا توجيه الكوفيين والأخفش. وقد رده المصنف، وهو الراجح عند النحاة.
وإذا لم يطابق الوصف ما بعده، تعينت ابتدائيته
(1)
؛ نحو: أقائم أخواك
(2)
، وإن طابقه في غير الإفراد تعينت خبريته
(3)
؛ نحو: "أقائمان أخواك، وأقائمون إخوتك"
(4)
، وإن طابقه في الإفراد احتملهما؛ نحو: أقائم أخوك
(5)
.
(1)
أي: إذا كان الوصف مفردا، ومرفوعه مثنى أو جمعا.
(2)
فـ"أخواك" فاعل سد مسد الخبر لقائم، ولا يصح أن يكون "قائم" خبرا مقدما و"أخواك" مبتدأ مؤخرا، لئلا يترتب عليه أن يكون المبتدأ مثنى والخبر مفردا.
(3)
أي: في رأي الجمهور؛ لأن الوصف إذا رفع ظاهرا كان حكمه حكم الفعل في لزوم الإفراد.
(4)
الوصف في المثالين خبر مقدم، والمرفوع بعده مبتدأ مؤخر، ولا يسوغ العكس.
(5)
فيجوز أن يعرب "قائم" مبتدأ وما بعده فاعل سد مسد الخبر، وأن يعرب خبرا مقدما، و"أخوك" مبتدأ مؤخر. وإذا كان الوصف اسم مفعول يعرب مرفوعه نائب فاعل؛ نحو: ما مهزوم علي. وهذه المطابقة تقتضي المطابقة في التذكير والتأنيث؛ فإن اختلفت؛ نحو: أجالس في المكتبة فتاة؟ وجب إعراب الوصف مبتدأ، والاسم المرفوع بعده فاعلا له. ولا يجوز الوجه الثاني لعدم المطابقة في التأنيث.
وخلاصة ما تقدم:
أن المبتدأ الوصف، يجب إعرابه مبتدأ؛ إذا كان مفردا ومرفوعه مثنى أو جمعا. ويجب إعرابه خبرا مقدما وما بعده مبتدأ مؤخرا؛ إذا تطابقا في التثنية أو الجمع. وأجاز بعضهم العكس في هذه الصورة. ويجوز الأمران إذا تطابقا في الإفراد، وفيما تقدم يقول ابن مالك:
والثان مبتدأ وذا الوصف خبر
…
إن في سوى الإفراد طبقا استقر*
أي: إن الاسم الثاني المرفوع بعد الوصف، يعرب مبتدأ مؤخرا، ويعرب الوصف خبرا مقدما؛ إذا كان ذلك الاسم مطابقا للوصف في غير الإفراد.
* "والثان مبتدأ" مبتدأ وخبر. "وذا" الواو عاطفة و"ذا" اسم إشارة مبتدأ. "الوصف" بدل من اسم الإشارة، أو عطف بيان. "خبر" خبر ذا. "إن" شرطية. "في سوى" متعلق باستقر. "الإفراد" مضاف إليه. "طبقا" حال من ضمير استقر، وجملة استقر فعل الشرط، والجواب محذوف؛ أي: إن استقر الوصف في غير الإفراد مطابقا لمرفوعه؛ فالثان مبتدأ، وليس استقر المذكور هو العامل، بل هو مفسر للمحذوف.
وارتفاع المبتدأ بالابتداء؛ وهو التجرد للإسناد، وارتفاع الخبر بالمبتدأ: لا بالابتداء، ولا بهما. وعن الكوفيين أنهما ترافعا
(1)
.
الخبر الجز المتم الفائدة مع مبتدأ غير الوصف
والخبر: الجزء الذي حصلت به الفائدة مع مبتدأ غير الوصف المذكور؛ فخرج فاعل الفعل فإنه ليس مع المبتدأ، وفاعل الوصف
(2)
.
وهو: إما مفرد
(3)
، وإما جملة.
والمفرد: إما جامد
(4)
؛ فلا يتحمل ضمير المبتدأ
(5)
؛ نحو: هذا زيد، إلا إن
(1)
هذا خلاف لا طائل تحته، وقد اختار ابن مالك رأي سيبويه، وهو: أن المبتدأ مرفوع بعامل معنوي هو الابتداء أي: وقوعه في بدء الجملة وأولها، والخبر مرفوع بالمبتدأ قال في ذلك:
ورفعوا مبتدأ بالابتدا
…
كذاك رفع خبر بالمبتدا*
(2)
أي: فلا يسمى خبرا وإن حصلت به فائدة مع المبتدأ؛ لأن هذا المبتدأ هو الوصف المذكور، وإنما يسمى فاعلا سد مسد الخبر. وفي الخبر يقول ابن مالك:
والخير الجزء المتم الفائده
…
كالله بر والأيادي شاهده*
أي: إن الخبر هو الجزء المكمل للفائدة، ولكن بشرط أن يكون مع المبتدأ.
(3)
المراد بالمفرد: ما ليس جملة ولا شبه جملة، فيشمل المثنى والجمع، والمركب بأنواعه المعروفة.
(4)
أي: غير مشتق، وهو ما لم يصغ من مصدر للدلالة على متصف به، ولا يشعر بمعنى الفعل الموافق له في مادته، فيشمل: أسماء الزمان والمكان، والآلة.
(5)
ولا يرفع كذلك ضميرا بارزا، ولا اسما ظاهرا بعده.
* "مبتدأ" مفعول به لرفعوا. "بالابتدا" متعلق برفعوا. "كذاك" خبر مقدم. "رفع" مبتدأ مؤخر. "خبر" مضاف إليه. "بالمبتدا" متعلق برفع.
* "والخبر" مبتدأ. "الجزء" خبر. "المتم" نعت له. "الفائدة" مضاف إليه. "كالله" الكاف جارة لقول محذوف ولفظ الجلالة مبتدأ. "بر" خبر. "والأيادي شاهده" مبتدأ وخبر والجملة معطوفة على الجملة السابقة، والأيادي: النعم؛ جمع أيد، وأيد: جمع يد.
أول بالمشتق؛ نحو: زيد أسد، إذا أريد به شجاع
(1)
.
وإما مشتق؛ فيتحمل ضميره؛ نحو: زيد قائم؛ إلا إن رفع الظاهر؛ نحو: زيد قائم أبواه
(2)
، ويبرز الضمير المتحمل إذا جرى الوصف على غير من هو له
(3)
، سواء ألبس؛ نحو: غلام زيد ضاربه هو، إذا كانت الهاء للغلام
(4)
، أم لم يلبس؛ نحو: غلام هند ضاربته هي
(5)
. والكوفي إنما يلتزم الإبراز عند الإلباس تمسكًا
(1)
وتقول: قلب السفاح حجر، أي: قاس لا رحمة فيه، وهكذا.
(2)
أو رفع كذلك ضميرا بارزا؛ نحو: الخير أنت مقدم عليه. وفي الخبر المفرد يقول ابن مالك:
والمفرد الجامد فارغ وإن
…
يشتق فهو ذو ضمير مستكن*
أي: إن الخبر المفرد نوعان: جامد فارغ من الضمير، ومشتق فيه ضمير مستكن، أي: مستتر.
(3)
أي: إذا كان الوصف الواقع خبرا، صفة لغير مبتدئه.
(4)
"ضاربه" وصف في المعنى لزيد؛ لأنه هو الضارب للغلام، وقد جرى على الغلام؛ لأنه خبر عنه، فلو لم يبرز الضمير المستتر في "ضاربه" لتوهم أن الغلام هو الضارب لزيد، فينقلب المعنى. وفي هذه الحالة يتعين أن يكون الضمير البارز فاعلا أو نائب فاعل، وعلى حسب نوع الوصف؛ لأن جريانه على غير صاحبه يمنع استتاره، فترجع إليه حالته الأولى، ولا يعرب توكيدا للضمير المستتر.
(5)
فقد جرى الوصف وهو "ضربته"، على غير ما هو له وهو الغلام، ولكن تاء التأنيث تدل على أن الوصف في المعنى لهند. وفي ذلك يقول الناظم:
وأبرزنه مطلقا حيث تلا
…
ما ليس معناه له محصلا*
=
* "والمفرد" مبتدأ. "الجامد" نعت له. "فارغ" خبر. "وإن شرطية. "يشتق" مضارع مبني للمجهول مجزوم بإن، فعل الشرط ونائب الفاعل يعود على المفرد دون صفته. "فهو" الفاء واقعة في جواب الشرط، وهو مبتدأ. "ذو" خبر. وجملة المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط. ويجوز أن يكون الجامد مبتدأ ثانيا، وفارغ خبره، والجملة خبر الأول، وقد حذف رابطها؛ أي: منه.
* "وأبرزنه" فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، والضمير البارز مفعوله. "مطلقًا" حال من الضمير "حيث" ظرف مكان متعلق بأبرزنه. "تلا" فعل ماض وفاعله يعود إلى الخبر المشتق، والجملة في محل جر بإضافة حيث إليها. "ما" اسم موصول مفعول تلا واقع على مبتدأ. "ليس معناه" ليس فعل ناقص، واسمها ومضاف إليه، والضمير يعود إلى الخبر. "له" متعلق بمحصلا الواقع خبرا لليس، والجملة من ليس ومعموليها صلة "ما" الموصولة.
نحو قوله:
قومي ذرا المجد بانوها ....
(1)
والجملة: إما نفس المبتدأ في المعنى؛ فلا تحتاج إلى رابط؛ نحو: {هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} إذا قدر "هو" ضمير شأن
(2)
= أي: أبرز الضمير الرابط مطلقا -سواء أمن اللبس أم لم يؤمن- إذا وقع الخبر بعد مبتدأ، لا يكون معنى هذا الخبر محصلا- أي: حاويا- لمعناه؛ وذلك إذا كان الخبر جاريا على غير ما هو له. ويستوي في توقع الإلباس عند عدم القرينة: الوصف، والفعل ماضيا أو مضارعا؛ نحو: محمد علي أكرمه، أو يكرمه. ففي كل من الفعلين ضمير مستتر، وآخر بارز، يصح عودهما إلى الاسمين. ومن القرائن هنا: حروف المضارعة، وضمائر الرفع البارزة.
(1)
جزء بيت من البسيط، لم يذكر قائله. وتمامه:
وقد علمت
…
بكنه ذلك عدنان وقحطان
اللغة والإعراب:
ذرا: جمع ذروة، وهي من كل شيء أعلاه. المجد: الكرم والشرف. كنه: حقيقة وغاية. عدنان وقحطان: أبوا قبيلتين من قبائل العرب. "قومي" مبتدأ أول "ذرا المجد" مبتدأ ثان ومضاف إليه. "بانوها" خبر المبتدأ الثاني، والجملة خبر الأول، و"ها" عائدة على ذرا، وعائد المبتدأ الأول محذوف؛ أي: هم.
المعنى: إن قومي هم الذين أسسوا أعالي المجد والشرف، وقد علمت بحقيقة ذلك قبيلتا عدنان وقحطان. يريد العرب جميعا.
الشاهد: في "بانوها" فقد جرى على "ذرا" لأنه خبر عنه، وهو في المعنى راجع لقومي؛ لأنهم البانون، ولم يبرز الضمير لأمن اللبس؛ لأن الذرا مبنية لا بانية، ولو برز لقال على اللغة الفصحى: بانيها هم؛ لأن الوصف كالفعل يفرد إذا أسند للجمع. وعلى غير الفصحى: بانوها هم. ويرى البصريون أن مثل هذا شاذ.
(2)
فيكون "هو" مبتدأ وجملة "الله أحد" خبر، وهي عين المبتدأ في المعنى؛ لأنها مفسرة له، بخلاف ما إذا قدر "هو" ضمير المسئول عنه. وقد سئل الرسول عليه السلام: صف لنا ربك، فنزلت، فيكون "هو" مبتدأ، و"الله" خبر، و"أحد" خبر بعد خبر.
ونحو: {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا}
(1)
، ومنه:"نطقي الله حسبي"
(2)
؛ لأن المراد بالنطق المنطوق به.
وإما غيره، فلا بد من احتوائها على معنى المبتدأ الذي هي مسوقة له، وذلك بأن تشتمل على اسم بمعناه، وهو: إما ضميره مذكورًا؛ نحو: زيد قائم أبوه، أو مقدرًا؛ نحو: السمن منوان بدرهم؛ أي: منه، وقراءة ابن عامر:{وَكُلٌّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى} أي: وعده
(3)
. أو إشارة إليه؛ نحو: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} ؛ إذا قدر "ذلك" مبتدأ ثانيا لا تابعًا للباس.
(1)
هذا إذا قدرت "هي" ضمير القصة فتكون مبتدأ، " وشاخصة" هي خبر مقدم لأبصار، والجملة خبرهما وهي عين المبتدأ في المعنى، أي: فإذا القصة أبصار الذين كفروا شاخصة. أما إذا قدرت "هي" ضمير الإبصار، وقد تقدم مع الخبر -وهي شاخصة- على المبتدأ يكون الخبر مفردا.
(2)
قيل: إن مثل هذا ليس من الإخبار بالجملة، بل بالمفرد على إرادة اللفظ، أي: نطقي هذا اللفظ. وفيما تقدم يقول ابن مالك:
وإن تكن إياه معنى اكتفى
…
بها كنطقي الله حسبي وكفى*
أي: إن تكن الجملة هي المبتدأ في المعنى اكتفى بها عن الرابط، مثل:"نطقي الله حسبي" فالخبر الجملة، متحد في المعنى مع المبتدأ.
(3)
فـ"كل" مبتدأ، وجملة {وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى} ؛ خبر، والرابط الضمير المقدر المنصوب وعد على أنه مفعوله الأول، ويشترط في الضمير: أن يكون مطابقا للمبتدأ سابق في التذكير، والإفراد، وفروعهما.
* "وإن" شرطية. "تكن" فعل الشرط واسمها يعود على جملة. "إياه" خبر تكن. "معنى" تمييز أو منصوب بنزع الخافض. "اكتفى" فعل ماض في محل جزم جواب الشرط، وفاعله يعود على الخبر. "كنطقي" الكاف جارة لقول محذوف، ونطقي مبتدأ أول "الله حسبي" مبتدأ ثان وخبر، والجملة خبر الأول. "وكفى" فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو. وأصله: وكفى به، فحذف الجار، فاتصل الضمير واستتر.
قال الأخفش: أو غيرهما
(1)
؛ نحو: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} ، أو على اسم بلفظه، ومعناه
(2)
؛ نحو: {الْحَاقَّةُ، مَا الْحَاقَّةُ} أو على اسم أعم منه نحو: زيد نعم الرجل
(3)
، وقوله:
فأما الصبر عنها فلا صبرا
(4)
(1)
أي: غير الضمير والإشارة؛ كإعادة المبتدأ بمعناه كما في الآية؛ فإن "الذين" مبتدأ، وجملة "يمسكون بالكتاب" صلة، "وأقاموا الصلاة؛ معطوفة على الصلاة، والخبر جملة: إنا لا نضيع أجر المصلحين. والمصلحون -في المعنى- هم الذين يمسكون بالكتاب ويقيمون الصلاة، فقد أعاد المبتدأ بمعناه، وهذا هو الرابط، وقيل: إن الرابط ضمير محذوف، والتقدير: إنا لا نضيع أجر المصلحين منهم، وحذف الرابط المجرور جائز بلا نزاع. أو العموم؛ لأن المصلحين أعم من الذين يمسكون بالكتاب. وقيل: إن "الذين يمسكون" في موضع جر بالعطف على "الذين يتقون".
(2)
ويكون الغرض من ذلك: التفخيم أو التهويل أو نحوهما، و"الحاقة" الأولى مبتدأ أول، "ما" اسم استفهام مبتدأ ثان، و"الحاقة" الثانية خبر "ما"، والجملة خبر المبتدأ الأول، والرابط إعادة المبتدأ بلفظه ومعناه.
(3)
ففي "الرجل" عموم يشمل زيدا وغيره.
(4)
جزء من بيت من الطويل للرماح بن أبرد، المعروف بابن ميادة، وهو من شواهد سيبويه.
وتمامه:
ألا ليت شعري هل إلى أم معمر
سبيل. . . . . . . . . . .
اللغة والإعراب:
ليت شعري: الشعر مصدر شعر، بمعنى علم وفطن، والشعر: العلم. والمعنى: ليتني أشعر؛ أي: أعلم. أم معمر: كنية محبوبته "ألا" للتنبيه "شعري" اسم ليت منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، والخبر في هذا التعبير محذوف وجوبا للتعريض عنه بالاستفهام الدائم بعده؛ أي: ليت علمي حاصل. "إلى أم معمر" الجار والمجرور خبر مقدم. "سبيل" مبتدأ مؤخر. "فأما" حرف شرط وتفصيل. "الصبر" مبتدأ "عنها" متعلق به. "فلا صبرا" الفاء واقعة في جواب أما، و"لا" نافية "صبرا" اسمها مبني على الفتح والألف للإطلاق، والخبر محذوف؛ أي: عندي، والجملة خبر المبتدأ. =
فصل: ويقع الخبر ظرفًا؛ نحو: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} ، ومجرورا؛ نحو: الحمد لله
(1)
، والصحيح أن الخبر في الحقيقة متعلقهما المحذوف، وأن تقديره كائن أو مستقر
(2)
، لا كان أو استقر
(3)
، وأن الضمير الذي كان فيه انتقل إلى الظرف والمجرور؛
= المعنى: أتمنى أن أعرف جواب هذا السؤال: هل هنالك سبيل للوصول إلى أم معمر ولقائها؛ لأن الشوق إليها شديد؟ أما أن أصبر على بعدها فلا سبيل إلى ذلك، ولا قدرة لي على احتماله.
الشاهد: في "لا صبرا" فإنه خبر عن الصبر، والرابط بينهما العموم؛ لأن النكرة الواقعة بعد النفي تفيد العموم، فقد نفى بجملة لا صبرا، الصبر بجميع أنواعه، ومنه الصبر عنها الواقع مبتدأ، وفي البيت شاهد آخر وهو: أن المبتدأ الواقع بعد "أما" يجب أن يقترن خبره بالفاء الزائدة. ويشترط في جملة خبر المبتدأ علاوة على اشتمالها على رابط يربطها بالمبتدأ: ألا تكون ندائية، وألا تكون مصدرة بالحروف: لكن، وبل، وحتى وفي تقسيم الخبر إلى مفرد وجملة يقول ابن مالك:
ومفردا يأتي ويأتي جمله
…
حاوية معنى الذي سيقت له*
أي: إن الخبر قد يكون مفردا، وقد يكون جملة. ويشترط في الجملة: أن تكون حاوية معنى المبتدأ الذي سيقت لإتمام الفائدة معه، أي: بأن تكون مشتملة على معناه؛ فإن لم تكن كذلك وجب أن تشتمل على رابط يربط بينهما، سواء كان ضميرا أو غيره.
(1)
يشترط في الظرف والجار والمجرور: أن يكونا تامين؛ أي: يحصل بالإخبار بهما فائدة بمجرد ذكرهما؛ فلا يصح: محمد مكانا، ولا محمد بك لعدم الفائدة.
(2)
يشير بهذا إلى أن الخبر يقدر مفردا؛ لأن الأصل في الخبر: أن يكون اسما مفردا، وهذا رأي جمهور البصريين.
(3)
أي: كما هو رأي الأخفش والفارسي والزمخشري، محتجين بأن المحذوف عمل النصب في لفظ الظرف ومحل المجرور، والأصل في العامل: أن يكون فعلا. وقد جرى الموضح=
* "ومفردا" حال من ضمير يأتي الأولى. "يأتي" فعل مضارع وفاعله يعود على الخبر. "ويأتي" معطوف على يأتي الأولى. "جملة" حال من فاعل يأتي الثانية، وسكن للوقف. "حاوية" نعت لجملة. "معنى" مفعول حاوية. "الذي" مضاف إليه. "سيقت" ماض للمجهور ونائب الفاعل يعود على جملة، والجملة صلة الموصول.
كقوله:
فإن فؤادي عندك الدهر أجمع
(1)
ويخبر بالزمان عن أسماء المعاني؛ نحو: الصوم اليوم، والسفر غدا، لا عن أسماء
= هنا على رأي الجمهور. وقال في المغني: والحق عندي أنه لا يترجح تقديره اسمًا ولا فعلًا، بل يقدر بحسب المعنى. وإلى هذا يشير قول الناظم:
وأخبروا بظروف أو بحرف جر
…
ناوين معنى "كائن" أو استقر*
أي: إن الظرف والجار مع مجروره قد يقع كل منهما خبرا؛ لا بنفسه، ولكن بمتعلقه المحذوف الذي قد يكون اسما مشتقا مثل كائن أو مستقر، أو فعلا كاستقر، ومثله: ثبت، أو كان، أو وجد. واستحسن بعض المحدثين أن يكون نفس الظرف منصوبا في محل رفع خبر، والجار والمجرور كذلك في محل رفع؛ لأن هذين قاما مقام الخبر، وانتقلت إليهما آثاره اللفظية والمعنوية. والأصل في الخبر: أن يكون مفردا مرفوعا. وقد أشار إلى هذا الرأي صاحب المفصل، وفي الأخذ به تيسير.
(1)
عجز بيت من الطويل، لجميل بن عبد الله بن معمر العذري، وكان يهوى بثينة بنت حبأ بن ثعلبة. وصدره:
فإن يك جثماني بأرض سواكم
اللغة والإعراب:
جثماني: هو الجسم، يقال: ما أحسن جثمان الرجل، وجسمانه وجسمه. "فإن" الفاء عاطفة وإن حرف شرط جازم. "يك" فعل الشرط مجزوم على النون المحذوفة "جثماني" اسم يك. "بأرض" متعلق بمحذوف خبر. "سواكم" مضاف إليه على عدم تنوين أرض، وصلة على التنوين؛ فؤادي "اسم إن". "عندك" متعلق بمحذوف خبرها. "الدهر" ظرف زمان متعلق بالخبر المحذوف.
المعنى: إذا افترقنا وتباعدت أجسامنا، وكان جسمي وكانت إقامتي بأرض غير أرضكم، فإن قلبي معكم دائما؛ لا يفارقكم، ولا يستطيع البعد عنكم
* "وأخبروا" فعل وفاعل. "بظرف" متعلق به. "أو" عاطفة. "بحرف" جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور السابق. "جر" مضاف إليه. "ناوين" حال من الواو في أخبروا، منصوب بالياء نيابة عن الفتحة. "معنى" مفعول ناوين. "كائن" مضاف إليه. "أو" عاطفة. "استقر" معطوف على كائن مقصود لفظه.
الذوات
(1)
؛ نحو: زيد اليوم.
فإن حصلت فائدة جاز؛ كأن يكون المبتدأ عاما والزمان خاصا
(2)
؛ نحو: نحن في شهر كذا. وأما نحو: الورد في أيار
(3)
، واليوم خمر، والليلة الهلال، فالأصل: خروج
الشاهد: في "أجمع" فإنه توكيد مرفوع للضمير المنتقل إلى الظرف وهو "عندك". ولا يصح أن يكون توكيد لفؤادي ولا لعند ولا للدهر؛ لأن كل واحد منها منصوب، والمرفوع لا يكون توكيدا للمنصوب. وكذلك لا يصح أن يكون توكيدا لمحذوف؛ لأن التوكيد ينافي الحذف، فلام يبق إلا أن يكون توكيدا للضمير المستكن في الظرف الواقع متعلقه خبرا؛ لأن هذا الضمير مرفوع على الفاعلية.
وهذا: وكما يقع كل من الظرف والجار والمجرور التامين خبرا عن المبتدأ، يقع صلة للموصول كما تقدم في باب "الموصول"، وصفة للنكرة، نحو: رأيت سائلا في أثواب رثة وغلمانا معه. وحالان من المعرفة؛ نحو: بهرني الجندي بين الأعداء، والمحلق على هذا الارتفاع. ويجب حذف المتعلق؛ لأنه كون عام.
(1)
لأنه لا فائدة في الإخبار عنها بالزمان؛ إذ نسبتها إلى جميع الأزمان واحدة، بخلاف الأحداث فلا بد لها من زمن، أما المكان فيخبر به مطلقا عن أسماء الذوات والمعاني. والصحيح أن العبرة في الإخبار بالمكان والزمان عن الجثة والمعنى، في الإفادة فإن كانت هنالك فائدة جاز مطلقا. وإن لم تحدث فائدة بالزمان عن المعنى، أو بالمكان عن الجثة أو المعنى، امتنع الإخبار.
(2)
التخصص يكون بنعت؛ نحو: نحن في يوم حار، أو بإضافة؛ نحو: نحن في شهر الصوم، أو بعملية؛ نحو: نحن في رمضان. وتحصل الفائدة إذا كان المبتدأ بالذات صالحا لتقدير مضاف هو اسم معنى؛ نحو قول امرئ القيس: اليوم خمر؛ أي: شرب خمر.
(3)
اسم شهر رومي يكون في الربيع، وهو ممنوع من الصرف للعلمية والعجمية.
وفي الخبر باسم الزمان عن الجثة يقول ابن مالك في إيجاز:
ولا يكون اسم زمان خبرا
…
عن جثة وإن يفد فأخبرا*
أي: إن ظرف الزمان لا يقع خبرا عن اسم الذات إلا إذا أفاد؛ نحو: الليلة الهلال، فإن لم يفد لم يخبر به عن الجثة، فلا يقال: محمد اليوم. وقد أوضح المصنف ذلك.
* "ولا" الواو استئنافية ولا نافية. "يكون" مضارع ناقص. "اسم زمان خبرا" اسم يكون ومضاف إليه. "عن جثة" متعلق بخبرا، الواقع خبر يكون:"إن" شرطية. "يفد" فعل الشرط وفاعله يعود إلى كون الخبر اسم زمان فأخبرا "الفاء واقعة في جواب الشرط، وأخبرا فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المنقلبة ألفا للوقف، والجملة جواب الشرط.
الورد، وشرب خمر، ورؤية الهلال.
ولا يبتدأ بنكرة
(1)
، إلا إذا حصلت به فائدة:
كأن يخبر عنها بمختص مقدم؛ ظرف، أو مجرور؛ نحو:{وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} ، {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} .
(2)
.
ولا يجوز: رجل في الدار
(3)
، ولا عند رجل مال
(4)
.
أو تتلو نفيا؛ نحو: ما رجل قائم. أو استفهامًا؛ نحو: {أإله مَعَ اللَّهِ} .
أو تكون موصوفة؛ سواء ذكرا؛ نحو: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ} ، أو حذفت الصفة؛ نحو: السمن منوان بدرهم
(5)
، ونحو:{وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} ، أي: منوان منه،
(1)
لأن المبتدأ محكوم عليه، والمحكوم عليه لا بد أن يكون معلومًا ولو إلى حد ما، وإلا كان الحكم عليه لغوا فلا فائدة فيه. وإنما يكون ذلك؛ إذا كان للمبتدأ خبر، فإن كان وصفا له فاعل أو نائب فاعل يغني عن الخبر، كان نكرة ولا يحتاج إلى مسوغ؛ لأن المبتدأ في هذه الحالة يكون محكوما به بمنزلة الفعل، والفعل في مرتبة التنكير كما يقال.
(2)
الذي سوغ الابتداء بـ"مزيد" و"غشاوة" إضافة الخبر وهو الظرف والمجرور المختصان إلى ما يصلح للابتداء وهو الضمير، وتقدمهما أيضا. والمراد بالاختصاص: أن يكون كل من المجرور والمضاف إليه في الظرف الواقعين خبرا صالحا بنفسه لأن يكون مبتدأ.
(3)
لعدم الاختصاص والتقدم معا.
(4)
لعدم الاختصاص، وتقدم الظرف غير مبرر؛ لأنه لم يوصف بما يصلح للابتداء.
(5)
الصفة التي سوغت الابتداء بمنوان محذوفة؛ أي: منه. ومنوان: تثنية منا -بالقصر- وهو الكيل أو الميزان الذي يوزن به السمن ونحوه. والجمع: أمناء.
وطائفة من غيركم، أو الموصوف
(1)
؛ كالحديث: "سوداء ولود خير من حسناء عقيم"؛ أي: امرأة سوداء.
أو عاملة عمل الفعل؛ كالحديث: "أمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة"
(2)
. ومن العاملة المضافة؛ كالحديث: "خمس صلوات كتبهن الله"
(3)
.
ويقاس على هذه المواضع ما أشبهها؛ نحو: قصدك غلامه رجل
(4)
، وكم رجلًا في الدار، وقوله:
لولا اصطبار لأودى كل ذي مقة
(5)
(1)
أي: أو حذف الموصوف وحده، وبقيت الصفة كما مثل المصنف.
(2)
الذي سوغ الابتداء بأمر ونهي، وهما نكرتان، عملهما في محل المجرور بعدهما؛ لأنهما مصدران، و"صدقة" خبر.
(3)
فالذي سوغ الابتداء بخمس، وهو نكرة عمله الجر في المضاف إليه وهو "صلوات"، والخبر جملة "كتبهن الله".
(4)
جملة "قصدك غلامه" من الفعل والفاعل والمفعول خبر مقدم، و"رجل" مبتدأ مؤخر، وسوغ جعله مبتدأ -وهو نكرة- تأخره. وتقدم الخبر وهو جملة مختصة؛ كالظرف والجار والمجرور والمختصين.
(5)
صدر بيت من البسيط، لم ينسب لقائل. وعجزه:
لما استقلت مطاياهن للظعن
اللغة والإعراب:
أودى فعل ماض لازم بمعنى هلك. مقة: محبة، وفعله: ومق يمق، بالكسر فيهما، والياء فيه عوض عن فاء الكلمة وهي الواو. استقلت: نهضت وهمت للسفر. مطاياهن: جمع مطية، والمراد بها هنا الإبل، وسميت بذلك؛ لأنه يركب مطاها؛ أي: ظهرها. والظعن: الارتحال. "لولا" حرف امتناع فيها معنى الشرط "اصطبار" مبتدأ، والخبر محذوف وجوبا بعدها؛ أي: موجود "لأودى" اللام واقعة في جواب الشرط. "كل ذي مقة" فاعل أودى ومضاف إليه "لما" ظرف بمعنى حين. وإعراب الباقي واضح.
المعنى: لولا الصبر، وحمل النفس على عدم الجزع؛ لهلك كل محب عند تهيؤ أحبابه للسفر والرحيل، ومفارقتهم له.
الشاهد: وقوع "اصطبار" -وهو نكرة- وسوغ ذلك وقوعه بعد "لولا"، وهي تشبه "ما" النافية في الجملة؛ لأنها تقتضي انتفاء جوابها لانتفاء شرطها.
وقولك: رجيل في الدار؛ لشبه الجملة بالظرف والمجرور، واسم الاستفهام بالاسم المقرون بحرفه، وتالي "لولا" بتالي النفي، والمصغر بالموصوف
(1)
.
(1)
هذا التعليل راجع لما ذكر من الأمثلة المقيسة على طريق اللف والنشر المرتب، فتأمل. واعلم أن مواضع النكرة المفيدة كثيرة جدا. وقد أوصلها بعض النحاة إلى أربعين موضعا. والأصل الذي تقدم عليه هو الإفادة، فليكن هذا الأصل هو المرجع الوحيد في صحة الابتداء بالنكرة.
وقد أشار ابن مالك إلى بعض هذه المسوغات بقوله:
ولا يجوز الابتداء بالنكره
…
ما لم تفد كعند زيد نمره
وهل فتى فيكم فما خل لنا
…
ورجل من الكرام عندنا
ورغبة في الخير خير وعمل
…
بر يزين وليقس ما لم يقل*
يقول: إنه لا يجوز الابتداء بالنكرة إلا إذا أفادت. وأشار بقوله: "عند زيد نمره" إلى مسوغ تقديم الظرف المختص. و"النمرة": الشال من الصوف. وأشار إلى مسوغ الاستفهام بقوله: "هل فتى فيكم؟ " وإلى النفي بقوله: "ما خل لنا". وإلى النعت بقوله: "رجل من الكرام". وإلى النكرة العاملة بقوله: "رغبة في الخير" و"عمل البر" الأول مصدر والثاني مضاف، ثم قال بقياس ما لم يذكر على ما ذكره.
* "لا" نافية. "يجوز الابتدا" فعل وفاعل. "بالنكرة" متعلق بالابتداء. "ما" مصدرية ظرفية. "تفد" مجزوم بلم، والفاعل يعود على النكرة. "كعند" الكاف جارة لقول محذوف. "عند" ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم "زيد" مضاف إليه. "نمرة" مبتدأ مؤخر، وسكن للشعر، وجملة المبتدأ والخبر مقول المحذوف. "وهل" حرف استفهام. "فتى" مبتدأ. "فيكم" متعلق بمحذوف خبر. "فما" نافية. "خل لنا" مبتدأ وخبر. "ورجل" مبتدأ. "من الكرام" صفة لرجل. "عندنا" خبر المبتدأ. "ورغبة" مبتدأ. "في الخير" متعلق برغبة. "خير" خبر المبتدأ "وعمل بر" مبتدأ ومضاف إليه. "يزين" مضارع فاعله يعود على عمل، والجملة خبر المبتدأ. "وليقس" الواو عاطفة واللام للأمر، و"يقس" مضارع مجزوم بها. "ما" اسم موصول نائب فاعل يقس. "لم يقل" يقل مجزوم بلم، ونائب فاعله يعود على ما، والجملة لا محل لها صلة.
فصل: وللخبر ثلاث حالات
إحداها التأخر، وهو الأصل
(1)
؛ كزيد قائم. ويجب في أربع مسائل:
إحداها: أن يخاف التباسه بالمبتدأ، وذلك إذا كانا معرفتين، أو متساويين
(2)
، ولا قرينة؛ نحو: زيد أخوك، وأفضل منك أفضل مني
(3)
، بخلاف: "رجل صالح حاضر، وأبو يوسف أبو حنيفة
(4)
، وقوله:
بنونا بنو أبنائنا. . . . . . . . . . .
(5)
أي: بنو أبنائنا مثل بنينا.
(1)
ذلك لأنه محكوم به مجهول غالبا، فيجب أن يسبقه المحكوم عليه المعلوم وهو المبتدأ، والخبر يشبه الصفة، وهي تتأخر عن الموصوف. وفي ذلك يقول الناظم:
والأصل في الأخبار أن تؤخرا
…
وجوزوا التقديم إذ لا ضررا *
أي: إن الأصل تقديم المبتدأ وتأخير الخبر للأسباب التي ذكرت. ويجوز تقديم الخبر إذا لم يحدث ضرر من ذلك؛ كحصول لبس أو نحوه.
(2)
أي: نكرتين متساويتين في درجة تنكيرهما، بحيث تصلح كل منهما أن تكون مبتدأ.
(3)
فكل من جزأي المثالين صالح لأن يخبر عنه الآخر، لكن المعنى يختلف باختلاف الغرض المقصود.
(4)
فإن هنالك قرينة لفظية في المثال الأول تجعل "رجل" هو المبتدأ، وهي الصفة، وفي المثال الثاني قرينة معنوية، وهي التشبيه الحقيقي الذي يقتضي أن يكون "أبو يوسف" هو المبتدأ؛ لأنه المشبه، سواء تقدم أو تأخر.
(5)
جزء من صدر بيت من الطويل، ينسب للفرزدق الشاعر الأموي المشهور. وتمامه:
وبناتنا
…
بنوهن أبناء الرجال الأباعد
=
* "والأصل" مبتدأ. "في الأخبار. "متعلق به. "أن تؤخرا" أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر المبتدأ، ونائب فاعل. "تؤخرا" يعود على الأخبار، والألف للإطلاق. "وجوزوا التقديم". فعل وفاعل ومفعول. "إذ" ظرف زمان متعلق بجوزوا. "لا" نافية للجنس. "ضررا" اسمها مبني على الفتح، والألف للإطلاق وخبرها محذوف؛ أي: موجود، والجملة من لا ومعموليها في محل جر بإضافة إذ إليها.
الثانية: أن يخاف التباس المبتدأ بالفاعل
(1)
؛ نحو: زيد قام، بخلاف:"زيد قائم، أو قام أبوه، وأخواك قاما"
(2)
.
الثالثة: أن يتقرن بإلا معنى؛ نحو: {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ} أو لفظًا
(3)
؛ نحو: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} فأما قوله:
وهل إلا عليك المعول
(4)
فضرورة
= اللغة والإعراب:
"بنونا" خبر مقدم. "بنو أبنائنا" مبتدأ مؤخر ومضاف إليه. "وبناتنا" مبتدأ أول مضاف إلى "نا""بنوهن" مبتدأ ثان. "أبناء الرجال" خبر المبتدأ الثاني ومضاف إليه، والجملة خبر الأول. "الأباعد" صفة للرجال وهو جمع أبعد.
المعنى: أن أولاد أبنائنا ينتسبون إلينا؛ لأنهم كأولادنا. أما أولاد بناتنا فينتسبون إلى آبائهم الأجانب عنا.
الشاهد: تقديم الخبر وهو "بنونا" على المبتدأ وهو "بنو أبنائنا" مع تساويهما في التعريف؛ لأن كلا منهما مضاف إلى ضمير المتكلم. وسوغ ذلك القرينة المعنوية التي تعين المبتدأ، وهي التشبيه الذي يقضي بأن بني الأبناء مشبهون بالأبناء. وقيل: هو من التشبيه المقلوب للمبالغة. ولا شاهد فيه. وفي هذه الحالة يقول الناظم:
فامنعه حين يستوي الجزءان
…
عرفا ونكرًا عادمي بيان
أي: امنع التقديم إذا استوى المبتدأ والخبر في التعريف والتنكير، وعدما القرينة والبيان الذي يوضح المبتدأ منهما من الخبر.
(1)
وذلك إذا كان الخبر جملة فعلية فاعلها ضمير مستتر يعود على المبتدأ.
(2)
فإن الخبر في المثال الأول وصف، والفعل في المثال الثاني رفع اسما ظاهرا، وفي الثالث رفع ضميرا، فلا لبس في ذلك. وعلى ذلك فلا يجب تأخير الخبر فيها.
(3)
المراد: أن يكون الخبر محصورا فيه المبتدأ بإلا أو بإنما.
(4)
بعض عجز بيت من الطويل، للكميت بن زيد الأسدي، من شعراء مضر، من قصيدة من=
* "فامنعه" فعل أمر، والهاء العائدة على تقديم الخبر مفعوله. "حين" ظرف متعلق بامنع. "يستوي الجزءان" الجملة من الفعل والفاعل في محل جر بإضافة حين إليها. "عرفا" تمييز. "ونكرا" معطوف عليه. "عادمي" حال من الجزآن. "بيان" مضاف إليه.
الرابعة: أن يكون المبتدأ مستحقا للتصدير: إما بنفسه
(1)
؛ نحو: ما أحسن زيدًا، ومن في الدار؟ ومن يقم أقم معه، وكم عبيد لذيذ
(2)
أو بغيره
(3)
: إما متقدما عليه؛ نحو: "لزيد قائم"
(4)
، وأما قوله:
أم الحليس لعجوز شهربه
(5)
= قصائده المعروفة بالهاشميات، يمدح بها زيد بن علي. وتمامه:
فيا رب هل إلا بك النصر يرتجى
…
عليهم. . . . . . . . . . .
اللغة والإعراب:
يرتجى: يؤمل ويطلب. المعول: مصدر بمعنى التعويل والالتجاء. "رب" منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة للتخفيف. "هل" حرف استفهام إنكاري. "إلا" أداة حصر. "بك" متعلق بيرتجى. "النصر" مبتدأ. "يرتجى" الجملة خبر، و"هل" حرف استفهام بمعنى النفي. "عليك" خبر مقدم. "المعول" مبتدأ مؤخر.
المعنى: هل يطلب النصر على الأعداء ويرتجى إلا منك وبعونك؟ وهل هنالك من سند يلجأ إليه الإنسان ويعول عليه إلا أنت؟ والاستفهام إنكاري.
الشاهد: تقديم الخبر المحصور بإلا في الشطر الثاني للضرورة. ويجوز أن يكون في الشطر الأول شاهد كذلك؛ إذا أعرب "بك" خبرا مقدما، و"النصر" مبتدأ مؤخرا. أما على ما أعربنا فلا شاهد فيه، ولهذا تركه المصنف.
(1)
أي: بأن يكون له مباشرة صدر الكلام؛ كأسماء الاستفهام، وأسماء الشرط، و"ما" التعجبية، و"كم" الخبرية.
(2)
"كم" مبتدأ مبني على السكون في محل رفع "عبيد" مضاف إليه "لزيد" خبر.
(3)
أي: يكون مستحقا للتصدير لا بنفسه بل بغيره مما يستحق التصدير، كما مثل المصنف.
(4)
فإن "زيد" لا يستحق التقديم بنفسه، وإنما استوجب ذلك بسبب ملاصقته للام الابتداء التي لها الصدارة في جملتها.
(5)
صدر بيت من الرجز، ينسب لرؤبة بن العجاج، وقيل لغيره. وعجزه:
ترى من اللحم بعظم الرقبه
اللغة والإعراب:
أم الحليس: كنية الأتان، وهي أنثى الحمار. والحليس: تصغير حلس، وهو كساء رقيق يكون تحت البرذعة، وكنيت به هذه المرأة تشبيها لها بالأتان. =
فالتقدير: لهي عجوز، أو اللام زائدة لا لام الابتداء، أو متأخرًا عنه
(1)
؛ نحو: غلام من في الدار؟ وغلام من يقم أقم معه، ومال كم رجل عندك
(2)
.
أو مشبها به
(3)
؛ نحو: الذي يأتيني فله درهم؛ فإن المبتدأ هنا مشبه باسم الشرط لعمومه، واستقبال الفعل الذي بعده، وكون سببًا
(4)
= شهرية: كبيرة طاعنة في السن. من اللحم: بدل اللحم، فـ"من" بمعنى البدل. "أم الحليس" مبتدأ ومضاف إليه "لعجوز" اللام للابتداء مؤكدة و"عجوز" خبر لمبتدأ محذوف، أي: لهي عجوز، والجملة خبر عن أم الحليس، أو اللام زائدة، وعجوز خبر عن أم الحليس، و"شهربه" وجملة "ترضى" صفتان لعجوز.
المعنى: أن هذه المرأة عجوز كبيرة، لا تستطيع أكل اللحم وهضمه، فترضى بدله بلحم عظم الرقبة لسهولة مضغه، فالمضاف هنا محذوف.
الشاهد: في "لعجوز" حيث يدل ظاهره على تأخير الخبر المقترن بلام الابتداء، وقد وجهه المصنف.
(1)
أي: أو يكون ذلك الغير المستحق للصدارة متأخرا عن المبتدأ.
(2)
فـ"غلام" و"مال" مبتدآن مضافان إلى ما يستحق التصدير، وهو "من" الاستفهامية، والشرطية، و"كم" الخبرية.
(3)
أي: بما يستحق التصدير.
(4)
أي: كون الفعل سببًا لما بعده، وهو جملة "فله درهم" الواقعة خبرًا، وفي المسائل الثلاثة الأخيرة من وجوب تأخير الخبر، يقول ابن مالك:
كذا إذا ما الفعل كان الخبرا
…
أو قصد استعماله منحصرا
أو كان مسندا لذي لام ابتدا
…
أو لازم الصدر؛ كمن لن منجدا؟ *
=
* "كذا" متعلق بامنع. "إذا" ظرف للمستقبل مضمن معنى الشرط. "ما" زائدة. "الفعل" اسم لكان المحذوفة تفسرها المذكورة، وخبرها محذوف أيضا. "كان الخبرا" الجملة من كان ومعموليها مفسرة، والألف للإطلاق. "أو" عاطفة. "قصد" فعل ماض مبني للمجهول. "استعماله" نائب فاعل مضاف إلى الهاء. "منحصرا" حال من المضاف إليه؛ لأن المضاف عامل فيه. "أو" عاطفة. "كان" فعل ناقص واسمها يعود إلى الخبر. "مسندا" خبرها. "لذي" متعلق بمسند. "لام ابتدا" مضاف إليه. "أو لازم" معطوف على ذي. "الصدر" مضاف إليه. "كمن الكاف جارة لقول محذوف، و"من" اسم استفهام مبتدأ. "لي" متعلق بمحذوف خبر. "منجدا" حال من ضمير الخبر، وهذا الضمير عائد على المبتدأ الذي هو اسم الاستفهام.
ولهذا دخلت الفاء في الخبر كما تدخل في الجواب.
مواضع وجوب تقدمه:
الحالة الثانية: التقدم: ويجب في أربع مسائل:
إحداها: أن يوقع تأخيره في لبس ظاهر؛ نحو:
"في الدار رجل، وعندك مال، وقصدك غلامه رجل
(1)
، وعندي أنك فاضل؛ فإن تأخير الخبر في هذا المثال يوقع في إلباس "أن" المفتوحة بالمكسورة، و"أن" المؤكدة بالتي بمعنى لعل
(2)
، ولهذا يجوز تأخيره بعد "أما"؛
= أي: كذلك يمتنع تقديم الخبر؛ إذا كان جملة فعلية على النحو الذي سبق، أو كان محصورا فيه كما بينا، أو كان المبتدأ لازم الصدارة؛ أي: لا يقع إلا في صدر جملته، كقولك:"من لي منجدا؟ "؛ فمن اسم استفهام مبتدأ واجب الصدارة.
ومن المواضع التي يجب فيها تأخير الخبر: أن يكون الخبر مقترنا بالباء الزائدة؛ نحو: ما محمد بمسافر، أو بالفاء؛ نحو: الذي يرائي فمنافق، أو يكون طلبا؛
نحو: السائل لا ترده، أو يكون خبرا عن ضمير الشأن؛ نحو:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، أو يكون مفصولا عن المبتدأ بضمير الفصل؛ نحو: المؤمن هو المطيع لربه، أو يكون المبتدأ دعاء؛ نحو: سلام عليكم، وويل لكم. وكذلك في المسموع؛ نحو:"راكب الناقة طليحان" أي: متعبان، والأصل: راكب الناقة والناقة طليحان.
(1)
فكل من: في الدار، وعندك، وقصدك غلامه، خبر مقدم وجوبا؛ لأنه لو تأخر لتوهم أنه لرجل ومال؛ لأن الجملة وشبهها بعد النكرات صفات.
(2)
ذلك لأنه إذا تقدم المبتدأ يصير التركيب: أنك فاضل عندي؛ فيحتمل فتح "أن" وتكون حرف توكيد ونصب، وهي واسمها وخبرها مبتدأ والظرف خبر، وأن تكون بمعنى لعل -لأنها أحد لغاتها- وعندي متعلق بخبرها، ويحتمل أن تكون مكسورة؛ لأنها في بدء الجملة، وعندي متعلق بخبرها. وهذا اللبس يمتنع عند تقدم الخبر؛ لأن"إن" المكسورة، و"أن" -بمعنى لعل- لا يتقدم معمول خبرهما عليهما.
كقوله:
وأما أنني جزع
…
يوم النوى فلوجد كاد يبريني
(1)
لأن "إن" المكسورة، و"أن" التي بمعنى لعل، لا يدخلان هنا.
وتأخره في الأمثلة الأول يوقع في إلباس الخبر بالصفة.
وإنما لم يجب تقديم الخبر في نحو: {وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} ؛ لأن النكرة قد وصفت بمسمى
(2)
، فكان الظاهر في الظرف أنه خبر لا صفة.
(1)
هذا جزء من بيت من البسيط، لم ينسب لقائل. وتمامه:
عندي اصطبار. . . . . . . . . . . .... . . . . . . . . . .
اللغة والإعراب:
اصطبار: تصبر وتجلد: جزع: شديد الخوف فاقد الصبر، وهو صفة مشبهة من جزع يجزع، من باب علم. النوى: البعد والفراق. الوجد: شدة الحب. يبريني: ينحلني، من بريت القلم إذا نحته. "عندي" خبر مقدم. "اصطبار" مبتدأ مؤخر. "وأما" حرف شرط وتفصيل. "أنني جزع" المصدر المنسبك من أن ومعموليها مبتدأ؛ أي: وأما جزعي "يوم النوى" ظرف متعلق بجزع ومضاف إليه. "فلوجد" الفاء واقعة في جواب الشرط واللام للتعليل والجار والمجرور خبر المبتدأ.
المعنى: إن في طبعي التجلد والتحمل لكل ما ينزل بي من مكروه، وأما جزعي يوم فراق الأحباب؛ فلشدة شوق كاد ينحلني ويقضي علي.
الشاهد: تأخير الخبر عن المبتدأ بعد "أما"، وساغ ذلك من أن المبتدأ مصدر مؤول؛ لأمن اللبس بـ"أن" بمعنى لعل، و"إن" المكسورة؛ لأنهما لا يقعان بعدها: فإن كلا منهما مع معموليها جملة، و"أما" لا يفصل بينها وبين الفاء إلا بمفرد. وأما "أن" المفتوحة المؤكدة فتكون مع معموليها في تأويل مصدر، وذلك مفرد بالتأويل، فتقع بعد "أما".
(2)
فضعف بذلك طلبها للظرف. وقد أشار الناظم إلى هذه المسألة الأولى بقوله:
ونحو عندي درهم ولي وطر
…
ملتزم فيه تقدم الخبر*
أي: يجب تقدم الخبر إذا كان المبتدأ نكرة ليس لها مسوغ؛ إلا تقدم الخبر، وهو ظرف أو جار ومجرور؛ كما مثل الناظم.
* "ونحو" مبتدأ. "عندي درهم" خبر مقدم ومبتدأ مؤخر. "ولي وطر" مثله. "ملتزم" اسم مفعول خبر نحو. "فيه" متعلق بملتزم. "تقدم" نائب فاعل ملتزم. "الخبر" مضاف إليه والوطر: الغرض والحاجة.
الثانية: أن يقترن المبتدأ بإلا لفظًا؛ نحو:
وما لنا إلا اتباع أحمدا
(1)
أو معنى؛ نحو: إنما عندك زيد
(2)
.
الثالثة: أن يكون لازم الصدرية؛ نحو: أين زيد؟ أو مضافا إلى ملازمها؛ نحو: صبيحة أي يوم سفرك؟
(3)
الرابعة: أن يعود ضمير متصل بالمبتدأ على بعض الخبر؛ كقوله تعالى: {أَمْ
(1)
هذا مثال من كلام ابن مالك كما سيأتي.
(2)
المبتدأ في المثالين محصور فيه، فلا يسوغ تقديمه، لئلا يضيع المقصود من الحصر ويختلف المعنى المراد. وفي هذه المسألة الثانية يقول الناظم:
وخبر المحصور قدم أبدا
…
كما لنا إلا اتباع أحمدا*
(3)
"صبيحة" مبتدأ. "أي" مضاف إليه، وهو اسم استفهام. "سفرك" مبتدأ مؤخر. ومثل أسماء الاستفهام مما له الصدارة: أسماء الشرط؛ نحو: أينما تعمل ترزق. وقد أشار ابن مالك إلى هذه المسألة الثالثة بقوله:
كذا إذا يستوجب التصديرا
…
كأين من علمته نصيرا*
أي: كذلك يجب تقديم الخبر؛ إذا كان من الألفاظ التي تستحق التصدير وجوبًا، كأسماء الاستفهام نحو: أين من علمته نصيرا؟ وإعرابها موضح في الهامش.
* "وخبر" مفعول مقدم لقدم. "المحصور" مضاف إليه. "قدم" فعل أمر. "أبدا" ظرف لقدم. "كما" الكاف جارة لقول محذوف، و"ما" نافية. "لنا" جار ومجرور خبر مقدم. "إلا" أداة استثناء ملغاة. "اتباع" مبتدأ مؤخر. "أحمدا" مضاف إليه مجرور بالفتحة عن الكسرة للعلمية ووزن الفعل، والألف للإطلاق.
* "كذا" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف يدل عليه ما قبله؛ أي: يلتزم تقدم الخبر التزاما كذا الالتزام. "إذا" ظرف. "يستوجب" مضارع فاعله يعود إلى الخبر. "التصديرا" مفعول يستوجب، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها. "كأين" الكاف جارة لقول محذوف، و"أين" اسم استفهام خبر مقدم. "من" اسم موصول مبتدأ مؤخر. "علمته نصيرا" فعل وفاعل ومفعول أول وثان لعلم، والجملة صلة من.
عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}
(1)
، وقول الشاعر: .... ولكن ملء عين حبيبها
(2)
الحالة الثالثة: جواز التقديم والتأخير
وذلك فيما فقد فيه موجبهما؛ كقولك: زيد قائم؛ فيترجح تأخيره على الأصل،
(1)
" أم" متصلة، وقيل منقطعة بمعنى بل "على قلوب" خبر مقدم. "أقفالها" مضاف إليه مبتدأ مؤخر. ولا يصح تقديمه؛ لئلا تعود الهاء فيه على قلوب، وهي متأخرة رتبة، فيعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، وذلك ممنوع.
(2)
جزء من عجز بيت من الطويل، لنصيب بن رباح الشاعر الأموي. في امرأته، فقد قيل إنه لم يشبب بأجنبية، وقد كان عبدا أسود لبني مروان. وتمامه:
أهابك إجلالا وما بك قدرة
…
علي. . . . . . . . . . .
اللغة والإعراب:
أهابك: أخافك وأجلك؛ من الهيبة وهي المخافة. إجلالا: إعظاما لك، وهي مفعول لأجله. "وما بك" الواو للحال و"ما" نافية. "بك" خبر مقدم. "قدرة" مبتدأ مؤخر. "ولكن" حرف استدراك. "ملء عين" خبر مقدم ومضاف إليه. "حبيبها" مبتدأ مؤخر، والهاء عائدة على "عين".
المعنى: إني لأهابك وأخافك، إعظاما لقدرك، لا خوفا من بطشك، فليس لك سلطان علي، ولكن العين تمتلئ ممن تحبه فتحصل له المهابة والخوف.
الشاهد: تقديم الخبر وهو "ملء عين" لاتصال المبتدأ وهو "حبيبها" بضمير يعود على ملابس الخبر وهو المضاف إليه، فلو قدم المبتدأ لزم عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة؛ لأن رتبة الخبر التأخير، وذلك غير جائز. وفي هذه المسألة الرابعة يقول ابن مالك:
كذا إذا عاد عليه مضمر
…
مما به عنه مبينا يخبر*
أي: كذلك يجب تقديم الخبر؛ إذا عاد عليه الضمير من المبتدأ الذي يخبر عنه بخبر يبين ويفسر الضمير العائد إليه. وفي عبارة الناظم مضاف محذوف أي: "عاد على ملابسه".
ومن المواضع التي يجب فيها تقديم الخبر: أن يكون قد ورد متقدما في أمثال العرب؛ نحو قولهم: "في كل واد ثعلبة"؛ لأن الأمثال لا تغير. أو يكون المبتدأ مقرونا بفاء الجزاء بعد أما، نحو: أمامك فالباب مفتوح، أو يكون الخبر اسم إشارة ظرفا للمكان؛ نحو: هنا الأمل وثم الفشل، أو يكون لفظ "كم" الخبرية؛ نحو: كم خطأ ارتكبت، أو مضافا إليها؛ نحو: صاحب كم مؤلف أنت!.
* "كذا" إعرابه كسابقه. "إذا" ظرف فيه معنى الشرط. "عاد" ماض فعل الشرط. "عليه" متعلق بعاد. "مضمر" فاعله، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام السابق. "مما" متعلق بعاد و"ما" اسم موصول عائدة على المبتدأ. "به عنه" متعلقان بيخبر، والضمير في "به" عائد على الخبر، وفي "عنه" على المبتدأ. "مبينا" حال من ضمير به. "يخبر" الجملة صلة ما.
ويجوز تقديمه لعدم المانع
(1)
.
فصل: وما علم من مبتدأ أو خبر، جاز حذفه
(2)
، وقد يجب.
فأما حذف المبتدأ جوازًا.
فنحو: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} ، ويقال: كيف زيد؟ فتقول: دنف. التقدير: فعمله لنفسه وإساءته عليها. وهو دنف
(3)
.
وأما حذفه وجوبًا:
فإذا أخبر عنه بنعت مقطوع لمجرد مدح؛ نحو: الحمد لله الحميد، أو ذم؛ نحو: أعوذ بالله من إبليس عدو المؤمنين، أو ترحم
(4)
؛ نحو: مررت بعبدك المسكين
(5)
.............
(1)
وقد أشار الناظم إلى ذاك بقوله: وجوزوا التقديم إذ لا ضررا.
(2)
وذلك إذا دل عليه دليل؛ أي: قرينة حسية أو عقلية، بشرط ألا يتأثر المعنى بحذفه.
(3)
يكثر الحذف جوازا؛ في جواب الاستفهام، وبعد الفاء الداخلة على جواب الشرط، وقد مثل لهما المصنف، وكذلك بعد القول؛ نحو {قَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}؛ أي: هو، وقد يكون الحذف للمحافظة على وزن الشعر أو السجع أو ضيق الوقت.
(4)
أي: إظهار الرحمة والشفقة.
(5)
فكل من: الحميد، وعدو، والمسكين، خبر لمبتدأ محذوف وجوبًا؛ أي: هو، وإنما وجب الحذف لغرض بلاغي؛ وهو أهمية هذه الكلمات وتوجيه النظر إليها، وذلك بتحويلها عن سياقها المألوف وإعرابها الطبيعي، وجعلها جملة جديدة أكثر دلالة على تحقيق الغرض المطلوب؛ وهو إنشاء المدح، أو الذم، أو الترحم. وكما يجوز القطع إلى الرفع؛ يكون إلى النصب، على أنها مفعول لفعل محذوف وجوبا مع فاعله، تقديره: أمدح، أو أذم، أو أترحم.
أو بمصدر جيء به بدلًا من اللفظ بفعله
(1)
نحو: سمع وطاعة، وقوله:
فقالت حنان ما أتى بك ههنا
(2)
التقدير: أمري حنان، وأمري سمع وطاعة.
أو بمخصوص بمعنى نعم أو بئس، مؤخر عنهما؛ نحو: نعم الرجل زيد، وبئس الرجل عمرو، إذا قدرا خبرين
(3)
.
(1)
أي: إن الخبر يكون مصدرا يؤدي معنى الفعل، ويغني عن التلفظ به، ويرفع بعد أن كان منصوبا.
(2)
صدر بيت من الطويل، ينسب لمنذر بن درهم الكلبي، وقد استشهد به سيبويه. وعجزه:
أذو نسب أم أنت بالحي عارف
اللغة والإعراب:
حنان: عطف ورحمة وشفقة. نسب: قرابة. "حنان" خبر لمبتدأ محذوف وجوبا، أي: أمري حنان. "ما" اسم استفهام مبتدأ "أتى بك" الجملة خبر "ها" للتنبيه، و"هنا" ظرف مكان. "أذو نسب" الهمزة للاستفهام، و"ذو" خبر لمبتدأ محذوف، و"نسب" مضاف إليه؛ أي أأنت ذو نسب؟ "أم" عاطفة. "أنت" مبتدأ. "بالحي" متعلق بـ"عارف" الواقع خبرا للمبتدأ.
المعنى: أي شيء حملك هذه المشاق وأتى بك إلى هنا؟ فإني أشفق عليك، وأخاف أن يراك قومي فيؤذوك. ثم أوحت إليه بحجة يحتج بها إذا رآه أحد، فقالت: ألك قرابة هنا؟ أم بينك وبين أحد في الحي معرفة وصحبة؟
الشاهد: رفع "حنان"، وهو مصدر نائب عن فعله، على أنه خبر لمبتدأ محذوف وجوبا، وقد حملت حالة الرفع على حالة النصب.
هذا: ويلاحظ أن وجوب حذف المبتدأ في هذا الموضع، مشروط بقصد قيام المصدر مقام فعله للغرض الذي ذكرناه؛ فإن لم يقصد ذلك؛ نحو: صبر جميل، وعيد سعيد؛ جاز أن يكون المحذوف هو المبتدأ؛ أي: صبري صبر جميل، وأن يكون هو الخبر؛ أي: صبر جميل خير من غيره.
(3)
أي: إذا جعل كل من زيد وعمرو خبرا المبتدأ محذوف؛ أي: الممدوح زيد، والمذموم عمرو. أما إذا أعرب كل منهما مبتدأ والجملة قبله خبر، فلا تكون المسألة من هذا الباب.
فإن كان مقدما؛ نحو: زيد نعم الرجل، فمبتدأ لا غير. ومن ذلك قولهم: من أنت زيد؟
(1)
أي: مذكورك زيد، وهذا أولى من تقدير سيبويه: كلامك زيد
(2)
.
وقولهم: في ذمتي لأفعلن، أي: في ذمتي ميثاق أو عهد
(3)
.
حذف الخبر جوازا:
وأما حذف الخبر جوازًا فنحو: خرجت فإذا الأسد؛ أي: حاضر، ونحو:{أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} ؛ أي: كذلك. ويقال: من عندك؟ فتقول زيد؛ أي: عندي
(4)
.
(1)
هذا أسلوب مسموع عن العرب، يقال: حين يتحدث شخص حقير بالسوء عن شخص عظيم. وقد ورد بغير مبتدأ، فوجب أن يحافظ عليه كما هو بغير زيادة؛ لأنه بمنزلة المثل، ويقدر له مبتدأ مناسب أي: مذمومك. أو مذكورك، زيد.
(2)
لأن المعاني لا يخبر عنها بالذوات، ولأن زيدا ليس بكلام لعدم تركيبه.
(3)
هذا هو الموضع الرابع الذي يحذف فيه المبتدأ وجوبا؛ وهو أن يكون الخبر صريحا في القسم. وتتحقق الصراحة بكونه معلوما في العرف أنه يمين كما مثل المصنف؛ فإنه مبدوء بما يشعر بالقسم بدليل دخول لام القسم على المضارع، وقد حذف المبتدأ وجوبا؛ لسد جواب القسم مسده ودلالته عليه. وهذه المواضع لم يذكرها ابن مالك في النظم. ويزاد عليها: الاسم المرفوع بعد لا سيما؛ نحو: أحب الشعراء ولا سيما حسان، إذا أعرب "حسان" خبرا لمبتدأ محذوف وجوبا، تقديره هو. وبعد المصدر النائب عن فعل الأمر وبعده ضمير مجرور لمخاطب؛ نحو:"سقيا لك ورعيا" أي: الدعاء لك يا هذا، وأرع يا رب.
(4)
إيضاح ذلك: لأنه لا يجوز حذف الخبر إذا وقع المبتدأ بعد إذا الفجائية وكان الخبر كونا عاما كالمثال الأول، أو كانت جملة المبتدأ معطوفة على جملة اسمية قبلها، والمبتدآن مشتركان في الخبر؛ كالمثال الثاني. أو كانت جملة الخبر جوابا عن استفهام فيه ما يدل على الخبر؛ كالمثال الثالث. وقد أشار الناظم إلى حذف الخبر جوازا هنا، وإلى ما سبق من حذف المبتدأ جوازا بقوله:
وحذف ما يعلم جائز كما
…
تقول زيد بعد من عندكما
وفي جواب كيف زيد قل دنف
…
فزيد استغني عنه إذ عرف*
أي: إن الحذف جائز في كل ما يعلم ويدل عليه دليل؛ سواء كان المحذوف المبتدأ وحده، أو الخبر وحده، أو هما معا. ومثل الناظم لحذف الخبر؛ بأن يسأل سائل: من عندكما؟ فيقال: زيد؛ أي: زيد عندنا. ولحذف المبتدأ بقول السائل: كيف زيد؟ فيجاب: دنف؛ أي: مريض؛ والتقدير: زيد دنف. ولم يمثل لحذفهما معا؛ ومثاله: من يؤد الواجب فهو مخلص، ومن يقل الحق. . . . . . . . . . .؛ أي: فهو مخلص.
* "وحذف" مبتدأ. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "يعلم" الجملة من الفعل ونائب الفاعل صلة ما "جائز" خبر المبتدأ. "كما" الكاف جارة، و"ما" مصدرية، وهي وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بالكاف؛ أي: كقولك، =
وأما حذفه وجوبا:
ففي مسائل:
إحداها: أن يكون كونا مطلقا
(1)
، والمبتدأ بعد "لولا"
(2)
؛ نحو: لولا زيد لأكرمتك؛ أي: لولا زيد موجود.
فإن كان كونا مقيدا: وجب ذكره إن فقد دليه؛ كقوله: لولا زيد سالمنا ما سلم.
وفي الحديث: "لولا قومك حديثوا عهد بكفر لبنيت الكعبة على قواعد إبراهيم"
(3)
.
وجاز الوجهان إن وجد الدليل؛
(1)
أي: عاما يدل على مجرد الوجود، من غير زيادة ما.
(2)
المراد "لولا" الامتناعية؛ التي هي حرف امتناع لوجود؛ ومثلها "لوما"؛ التي تفيد الامتناع أيضا. أما "لولا" التحضيضية؛ فلا يليها المبتدأ.
(3)
هذا حديث للرسول عليه السلام يخاطب به السيدة عائشة رضي الله عنها "لولا" حرف امتناع لوجود. "قومك" مبتدأ، ومضاف إليه. "حديثو عهد" خبر، ومضاف إليه؛ وهو مرفوع بالواو؛ لأنه جمع مذكر سالم. "لبنيت" اللام واقعة في جواب لولا، ولم يحذف الخبر؛ لأنه كون مقيد بالحداثة.
= والجار والمجرور، خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: وذلك كائن؛ كقولك "زيد" مبتدأ وخبره محذوف؛ أي: عندنا. "بعد" ظرف متعلق بتقول. "من" اسم استفهام مبتدأ "عندكما" ظرف متعلق بمحذوف؛ خبر المبتدأ، وضمير المخاطب مضاف إليه، والميم حرف عماد، والألف للتثنية. "وفي جواب" متعلق بقل. "كيف" اسم استفهام، مبني على الفتح، في محل رفع خبر مقدم. "زيد" مبتدأ مؤخر؛ والجملة في محل جر؛ بإضافة جواب إليها؛ لأنه مقصود لفظها. "دنف" خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: زيد دنف. "فزيد الفاء للتعليل، "زيد" مبتدأ. "عنه" نائب فاعل استغنى، والجملة خبر المبتدأ. "إذ" ظرف متعلق باستغنى أو حرف للتعليل. "عرف" ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود على زيد، والجملة في محل جر بإضافة إذ إليها.
نحو: لولا أنصار زيد حموه
(1)
ما سلم. ومنه قول أبي العلاء المعري:
فلولا الغمد يمسكه لسالا
(2)
وقال الجمهور: لا يذكر الخبر بعد "لولا"
(3)
، وأوجبوا جعل الكون الخاص مبتدأ؛ فيقال: لولا مسالمة زيد إيانا؛ أي: موجودة. ولحنوا المعري
(4)
، وقالوا: الحديث مروي بالمعنى
(5)
.
(1)
" حموه" خبر أنصار؛ وهو كون مقيد بالحماية؛ والدليل لفظ أنصار؛ لأن من شأن الناصر أن يحمي من ينصره.
(2)
عجز بيت من الوافر؛ لأبي العلاء أحمد بن عبد الله التنوخي المعري، الشاعر اللغوي، نادرة زمانه حفظا وذكاء، المتوفى سنة 449 هـ، يصف سيفا. وصدره:
يذيب الرعب منه كل عضب
اللغة والإعراب:
يذيب: يسيل؛ من الإذابة؛ وهي إسالة الحديد ونحوه. الرعب: الخوف والفزع. عضب: هو السيف القاطع. الغمد: قراب السيف. "الرعب" فاعل يذيب. "كل عضب". مفعوله، ومضاف إليه. "فلولا" حرف امتناع وشرط "العمد" مبتدأ "يمسكه" الجملة خبر. "لسالا" اللام واقعة في جواب لولا، وفاعل سال يعود إلى العضب، والألف للإطلاق، والجملة جواب لولا.
المعنى: أن كل سيف قاطع يذوب في غمده؛ فزعا وخوفا من هذا السيف، ولولا أن الغمد يمسكه ويمنعه من السيلان؛ لسال وجرى على الأرض من شدة الخوف.
الشاهد: ذكر الخبر؛ وهو "يمسكه" بعد لولا؛ لأنه كون خاص؛ مقيد بالإمساك، وقد دل عليه دليل؛ لأن من شأن غمد السيف إمساكه.
(3)
بل يكون محذوفا وجوبا؛ لأنه لا يكون إلا كونا عاما عندهم.
(4)
والمعري لا يحتج بشعره، وقد جاء به المصنف؛ للتمثيل لا للاحتجاج.
(5)
قيل: كان خيرا للجمهور بدلا من تلحين المعري؛ لأن مثله ورد في شعر آخر موثوق بعربيته، والتشكيك في الحديث: أن يجعلوا "يمسكه" في تأويل مصدر؛ بدل اشتمال من الغمد، وأصله: أن يمسكه؛ فلما حذفت "أن" ارتفع الفعل، كما مر في قولهم "تسمع بالمعيدي".
الثانية: أن يكون المبتدأ صريحا في القسم
(1)
؛ نحو: لعمرك لأفعلن
(2)
، وايمن الله
(3)
لأفعلن؛ أي: لعمرك قسمي، وايمن الله يميني. فإن قلت: عهد الله لأفعلن؛ جاز إثبات الخبر؛ لعدم الصراحة في القسم
(4)
.
وزعم ابن عصفور أنه يجوز في نحو: لعمرك لأفعلن، أن يقدر: لقسمي عمرك، فيكون من حذف المبتدأ
(5)
.
الثالثة: أن يكون المبتدأ معطوفًا عليه اسم بواو؛ هي نص في المعية
(6)
؛ نحو: كل رجل وضيعته
(7)
، وكل صانع وما صنع.
(1)
أي: إنه لا يستعمل إلا فيه غالبًا؛ بحيث يدرك السامع أنه قسم قبل أن يسمع المقسم عليه.
(2)
معناه: أقسم بحياتك؛ من عمر الرجل، عاش طويلا. "لعمرك" اللام للابتداء، "عمرك" مبتدأ ومضاف إليه، والخبر محذوف وجوبا؛ أي: قسمي "لأفعلن" اللام للقسم، وأفعلن مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد؛ والفاعل أنا.
(3)
أي: بركته؛ من اليمن؛ وهو البركة.
(4)
لأن العهد قد يستعمل في غير القسم؛ نحو: عهد الله يجب الوفاء به، ولا يفهم منه القسم؛ إلا بذكر المقسم عليه.
(5)
قول ابن عصفور هذا ضعيف؛ لأن صراحة القسم تحتم أن يكون المحذوف الخبر؛ وهو "قسمي"، وأيضا: وجود لام الابتداء في أول الاسم يدل على أن مدخولها هو المبتدأ لا الخبر.
(6)
المراد بالمعية هناك: مشاركة ما بعد الواو لما قبلها في أمر؛ بحيث يجتمعان فيه ولا يفترقان؛ وعلامة الواو التي تفيد هذين الأمرين معا؛ وهما العطف والمعية وتكون نصا في المعية؛ أي يصح حذفها، ووضع كلمة "مع" مكانها، ولا يتغير المعنى؛ بل يتضح، وهي غير التي ينصب بعدها الاسم على أنه مفعول معه؛ كما تقدم.
(7)
إنما وجب حذف الخبر في هذا ونحوه؛ للعلم به وسد الواو مسده؛ لأنها وما بعدها يدلان على المصاحبة والاقتران؛ فهي قائمة مقام "مع"، ولو جيء بـ"مع" مكانها كان الكلام تاما. ويقال في الإعراب "كل رجل"، مبتدأ ومضاف إليه. "وضيعته" معطوف على كل، والخبر محذوف وجوبًا؛ أي: متلازمان، أو مقترنان. والضيعة: الحرفة؛ سميت بذلك؛ لأن صاحبها يضيع بتركها.
ولو قلت: زيد وعمرو، وأردت الإخبار باقترانهما، جاز حذفه وذكره
(1)
؛ قال:
وكل امرئ والموت يلتقيان
(2)
وزعم الكوفيون والأخفش أن نحو: كل رجل وضيعته، مستغن عن تقدير الخبر؛ لأن معناه: مع ضيعته.
الرابعة: أن يكون المبتدأ: إما مصدرا عاملًا في اسم مفسر لضمير ذي حال لا يصح كونها خبرا عن المبتدأ المذكور؛ نحو: ضربي زيدًا قائمًا
(3)
، أو مضافًا للمصدر المذكور؛
(1)
أما جواز الحذف؛ فلأن السامع يفهم من اقتصارك على ذكر المتعاطفين، المصاحبة والاقتران، وأما الذكر، فلعدم التنصيص على المعية.
(2)
عجز بيت من الطويل؛ للفرزدق وصدره:
تمنوا لي الموت الذي يشعب الفتى
اللغة والإعراب:
يشعب: يفرق؛ ويسمى الموت: شعوب؛ لأنه يفرق بين الناس. "كل" مبتدأ. "امرئ" مضاف إليه. "والموت" معطوف على كل. "يلتقيان" مضارع مرفوع بثبوت النون، والأف فاعل، والجملة خبر المبتدأ.
المعنى: تمنى خصومي لي الموت؛ الذي يفرق بين المرء وإخوانه، وما دروا أن هذا أمر لا مفر منه، وأن كل إنسان سيلتقي مع الموت.
الشاهد: ذكر الخبر وهو "يلتقيان" بعد الواو؛ لأنها للعطف وليست نصا في المصاحبة، ألا ترى أنك لو قلت: كل امرئ مع الموت؛ لم يكن صحيحًا.
(3)
"ضربى" مبتدأ، وياء المتكلم مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله. "زيدا" مفعوله "قائما" حال من ضمير محذوف، يفسره زيد، والخبر محذوف وجوبا، ولا يصح أن تكون الحال المذكورة خبرا عن "ضربى"؛ لأن الخبر وصف للمبتدأ في المعنى؛ والضرب لا يوصف بالقيام.
نحو: أكثر شربي السويق ملتوتًا
(1)
، أو إلى مؤول بالمصدر المذكور؛ نحو: أخطب ما يكون الأمير قائمًا
(2)
. وخبر ذلك مقدر بـ"إذا كان"، أو "إذا كان"
(3)
، عند جمهور البصريين.
وبمصدر مضاف إلى صاحب الحال عند الأخفش، واختاره الناظم
(4)
؛ فيقدر في ضربى زيدا قائما، ضربه قائمًا
(5)
.
ولا يجوز ضربي زيدا شديدًا؛ لصلاحية الحال للخبرية، فالرفع واجب. وشذ قولهم: حكمك مسمطًا
(6)
، أي: حكمك لك مثبتًا.
(1)
إعرابه؛ كالمثال السابق، و"أكثر" اسم تفضيل، مبتدأ مضاف إلى المصدر المذكور. ولا يصح أن يكون "ملتوتا" خبرا عن "أكثر؛ لأن أكثر الشرب لا يوصف بكونه ملتوتًا. ولت السويق: بسه بالماء حتى يختلط، أو تحريكه بالمحدج -وهو خشبة طرفها ذو جوانب- حتى يختلط.
(2)
"أخطب" اسم تفضيل مبتدأ. "ما" مصدرية؛ وهي وما بعدها في تأويل مصدر مضاف إليه؛ أي: أخطب كون الأمير.
(3)
يقدر الأول: إذا أريد الزمن الماضي، والثاني: عند إرادة المستقبل. والخبر هو الظرف متعلقا بمحذوف؛ أي: حاصل إذ كان، أو إذا كان؛ و"كان" هنا تامة، وفاعلها عائد على مفعول المصدر، و"قائمًا" و"ملتوتًا" حالان من الضمير المستتر في كان.
(4)
وذلك لقلة الحذف مع صحة المعنى.
(5)
وعلى هذا يكون المصدر الثاني هو الخبر، وفاعله محذوف، والهاء المضاف إليها مفعوله؛ وهي صاحبة الحال. وفي هذا حذف المصدر، وإبقاء معموله، وهو غير جائز عند سيبويه والبصريين.
(6)
هذا مثل عربي؛ قيل لرجل حكموه عليهم، وأجازوا حكمه. "حكمك" مبتدأ ومضاف إليه، والخبر محذوف وجوبا، أي: لك. "مسمطا" أي: نافذا لا يرد؛ حال من ضمير المصدر المستتر في الخبر. ووجه الشذوذ: نصب الحال مع صلاحيته لأن يكون خبرا، والقياس الرفع. وفي مواضع حذف الخبر -وجوبًا- يقول الناظم: =
فصل: والأصح جواز تعدد الخبر
(1)
؛ نحو: زيد شاعر كاتب، والمانع يدعي تقدير "هو" للثاني، أو أنه جامع للصفتين، لا الإخبار بكل منهما.
=
وبعد لولا غالبا حذف الخبر
…
حتم وفي نص يمين ذا استقر
وبعد واو عينت مفهوم "مع"
…
كمثل "كل صانع وما صنع"
وقبل حال لا يكون خبرا
…
عن الذي خبره قد أضمرا
كضربي العبد مسيئًا، وأتم
…
تبيني الحق منوطا بالحكم*
أي: إنه يجب حذف الخبر وجوبا -في أغلب الآراء- بعد لولا، وبعد مبتدأ يكون نصا في اليمين على ما ذكرنا، وبعد واو بمعنى "مع" للعطف والمصاحبة، وقبل حال لا تصلح أن تكون خبر للمبتدأ، الذي قد أضمر -أي: حذف وقدر- خبره. ثم مثل بمثالين لهذه الحال: أحدهما فيه المبتدأ مصدرا، والآخر أفعل تفضيل مضاف للمصدر.
(1)
ذلك لأن الخبر حكم على المبتدأ، وقد يحكم على الشيء الواحد بأكثر من حكم. وحكم التعدد باختصار هو: =
* "وبعد" ظرف متعلق بحتم. "لولا" مضاف إليه مقصود لفظه. "غالبا" منصوب على نزع الخافض. "حذف الخبر" مبتدأ ومضاف إليه. "حتم" خبر المبتدأ. "وفي نص" متعلق باستقر. "يمين" مضاف إليه من إضافة الصفة للموصوف. "ذا" اسم إشارة مبتدأ. "استقر" فاعله مستتر يعود إلى ذا، والجملة خبر. "وبعد" ظرف متعلق باستقر المتقدم. "واو" مضاف إليه. "مفهوم" مفعول عينت. "مع" مضاف إليه مقصود لفظه، والجملة صفة لواو. "كمثل" الكاف زائدة، و"مثل" خبر لمحذوف؛ أي: وذلك مثل. "كل صانع" مبتدأ ومضاف إليه. "وما" الواو عاطفة، و"ما" اسم موصول معطوف على كل. "صنع" الجملة صلة الموصول، ويجوز أن تكون "ما" حرفًا مصدريا؛ وهي ومدخولها في تأويل مصدر معطوف على كل، وخبر المبتدأ محذوف وجوبا. "وقبل" ظرف متعلق باستقر أيضا. "حال" مضاف إليه. "لا يكون خبرا" الجملة من يكون ومعموليها صفة الحال. "عن الذي" متعلق بخبرا. "خبره" مبتدأ ومضاف إليه. "قد أضمرا" الجملة من الفعل، ونائب الفاعل خبر المبتدأ؛ وجملة المبتدأ والخبر صلة الذي. "كضربي" الكاف جارة لقول محذوف، و"ضربي" مبتدأ مضاف إلى ياء المتكلم؛ وهي فاعل المصدر. "العبد" مفعوله. "مسيئا" حال من فاعل كان المحذوفة؛ العائد على العبد، وخبر المبتدأ محذوف. "وأتم" اسم تفضيل مبتدأ. "تبيني" مضاف إليه، وياء المتكلم مضاف إليه؛ وهي فاعل المصدر. "الحق" مفعوله. "منوطا" أي: مرتبطا ومتعلقا، حال من فاعل كان المحذوفة، العائد على الحق. "بالحكم" متعلق بمنوطا، وخبر المبتدأ محذوف؛ كما سلف.
وليس من تعدد الخبر ما ذكره ابن الناظم من قوله:
يداك يد خيرها يرتجى
…
وأخرى لأعدائها غائظه
(1)
لأن "يداك" في قوة مبتدأين لكل منهما خبر. ومن نحو قولهم: الرمان حلو حامض؛
= أ إذا كان المبتدأ واحدا وتعدد الخبر لفظا ومعنى؛ بأن كان كل واحد مخالفا للآخر في لفظه ومعناه. ويصح الاقتصار عليه في الخبرية، جاز عطف الثاني وما بعده على الأول؛ بواو العطف أو بغيرها، تقول: المعري شاعر وحكيم ولغوي، ويسمى كل معطوفًا وإن كان في المعنى خبرا، ويجوز حذف الواو، ويسمى كل خبرا. وإذا تعدد الخبر في اللفظ فقط؛ بأن كانت الألفاظ المتعددة مشتركة في تأدية معنى واحد، هو المقصود والمراد، ولا يصح الإخبار بالبعض عن المبتدأ؛ نحو: هذا الرجل طويل قصير؛ تريد أنه "متوسط"؛ ومثل قولهم الرمان حلو حامض؛ أي: مر، فلا يجوز العطف في هذه الحالة؛ لأن الخبرين في معنى خبر واحد من جهة المعنى؛ والعطف يقتضي المغايرة في الغالب؛ لأن المعطوف غير المعطوف عليه، ويعرب كل منهما خبرا. ولا يصح أن يفصل بينهما بأجنبي، ولا أن يتأخر.
المبتدأ، أو يتوسط.
ب وإذا كان المبتدأ متعددا حقيقة؛ بأن كان مثنى أو مجموعا، وتعدد الخبر لفظا ومعنى؛ نحو: المحمدان مهند وطبيب، والمشتركون في الاتحاد تلميذ وعامل، وتاجر؛ وجب عطف الخبر الثاني وما بعده على الأول بواو العطف لا غير، ويسمى كل معطوفا وإن كان خبرا في المعنى. ومن هذا النوع ما إذا كان المبتدأ متعددا حكما؛ نحو: جسم الإنسان رأس وجذع وأطراف والبيت، غرفة للنوم وغرفة للأكل وصالة، وحديقة .... إلخ. وكلام المصنف يقصر تعدد الخبر على النوع الأول.
هذا: وكما يكون التعدد في الخبر المفرد، يكون في الجملة؛ تقول: محمد شاعر، يتصدق كثيرا، والطائر يغرد، يتنقل بين الأشجار. وزعم بعض العلماء أن الخبر لا يتعدد إلا إذا كان من جنس واحد؛ إفرادا أو جملة.
(1)
بيت من المتقارب؛ أنشده الخليل، ونسبه بعضهم لطرفة بن العبد، وليس في ديوانه.
اللغة والإعراب:
"يداك" مثنى يد، مبتدأ مضاف إلى كاف المخاطب. "يد" خبر. "خيرها يرتجى" الجملة صفة ليد. "وأخرى" معطوفة على يد. "لأعدائها" متعلق بغائظة؛ الواقعة صفة لأخرى.
المعنى: يمدح رجلا بالكرم والجود؛ ذاكرا أن إحدى يديه يرتجى منها الخبر والبر، ويصفه بالشجاعة؛ فيذكر أن يده الأخرى غيظ للأعداء؛ لأنها قوية عليهم.
لأنهما بمعنى خبر واحد، أي: مز؛ ولهذا يمتنع العطف على الأصح
(1)
، وأن يتوسط المبتدأ بينهما. ومن نحو:{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ} ؛ لأن الثاني تابع له
(2)
.
(1)
لأن العطف كما قدمنا يستلزم المغايرة غالبا؛ والمزازة في الرمان: حالة متوسطة بين الحلاوة والحموضة؛ فهو من تعدد الخبر لفظا لا معنى.
(2)
بينا أن كونه تابعا لا ينافي أنه خبر في المعنى؛ لأن المعطوف على الخبر خبر. وفي تعدد الخبر يقول ابن مالك:
وأخبروا باثنين أو بأكثرا
…
عن واحد كهم سراة شعرا*
أي: إن العرب أخبروا بخبرين أو أكثر عن مبتدأ واحد؛ كما في المثال الذي ذكره؛ فإن "هم" مبتدأ، و"سراة" خبر أول، "شعرا" خبر ثان؛ وأصله شعراء؛ وقصر للضرورة، وسراة: جمع سري؛ وهو الشريف.
تنبيه: أجاز بعض النحاة تعدد المبتدأ؛ قياسا على تعدد الخبر؛ فيقال: محمد علي زينب غاضبة عليه بسببه؛ "بتعدد المبتدآت بدون ضمائر وجعل الروابط بعد خبر الأول"؛ فترتب الضمائر ترتيبا عكسيا، ويكون الضمير في "عليه" راجع للثاني؛ وهو "علي"، وفي "بسببه" راجع للأول وهو "محمد".
ويقال: محمد عمه خاله خادمه مسافر؛ "بتعدد المبتدآت، وخلو الأول من الضمير، وإضافة ما بعده كل إلى ضمير ما قبله"، والمعنى: خادم خال عم محمد مسافر. وفي هذا تعسف واضح، ومن الخير والصواب عدم استعمال مثل هذه التراكيب.
* "وأخبروا" فعل ماض، والواو فاعل. "باثنين" متعلق بأخبروا. "أو بأكثر" معطوف على باثنين. "عن واحد" متعلق بأخبروا. "كهم" الكاف جارة لقول محذوف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأسئلة والتمرينات:
1 عرف كلا من المبتدأ والخبر، وبين متى يستغني المبتدأ عن الخبر؟ وضح ما تقول بأمثلة من عندك.
2 ما أنواع الخبر؟ وما الذي يشترط في الجملة الواقعة خبرا؟ مثل.
3 متى يتعين أن يكون الوصف مبتدأ، ومتى تتعين خبريته، ومتى يحتملهما؟
4 اشرح قول ابن مالك:
ولا يجوز الابتدا بالنكره
…
ما لم تفد كعند زيد نمره
واذكر أهم المسوغات لذلك، ومثل بأمثلة من إنشائك.
5 فيما يأتي شواهد في باب المبتدأ الخبر. بين موضع الشاهد، واشرحه.
قال -تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} ، {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ} ، {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ، {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} ، {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} ، {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} ، {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ} ، {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} ، {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} .
وقال عليه السلام: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد".
وفي الأمثال: "مقتل الرجل بين فكيه". "اليوم خمر وغدا أمر".
سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا
…
محياك أخفى ضوؤه كل شارق
قبيلة ألأم الأحياء أكرمها
…
وأغدر الناس بالجيران وافيها
كلام النبيين الهداة كلامنا
…
وأفعال أهل الجاهلية نفعل
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي
…
بأخرى الأعادي فهو يقظان نائم
لعمرك ما أدري وإني لأوجل
…
على أينا تعد المنية أول
=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= 6 اشرح قول ابن مالك الآتي، ووضح ما تقول بالأمثلة.
ولا يكون اسم زمان خبرا
…
عن جثة وإن بعد فأخبرا
7 أعرب البيت الآتي، وبين ما فيه من شاهد:
خالي لأنت ومن جرير خاله
…
ينل العلاء ويكرم الأخوالا
8 بين ما في قول أمير الشعراء أحمد شوقي الآتي من شاهد في باب المبتدأ والخبر، وأعرب ما تحته خط.
ظفر في فم الأماني حلو
…
ليت منه لنا قلامة ظفر
موقف يعجب العلا كنت فيه
…
بنت مصر وكنت ملكة مصر
9 بين في العبارة الآتية: المبتدأ والخبر، وما حذف منهما، وحكم الحذف:
لعمري لا يهنأ العالم بالسلام ما دامت الدول الكبرى تتسابق في التسلح؛ فكل دولة وإنتاجها من المدمرات، وكل جيش وجهده في ذلك، وأكثر ما تهاب الدولة متفوقة في هذه الناحية، والغرب يعرف ذلك والشرق، ولولا الوعي الإنساني، ولطف الله بالبشرية؛ لاندلعت نيران الحروب، وقد نمسي ونصبح فإذا الأمور قد تحرجت، ويقال: ماذا جرى؟ فيقال: الحرب الحرب، الدمار الدمار.
10 بين مواضع إعراب ما تحته خط مما يأتي، ونوعه،
قال -تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} . وقال رجل لسيدنا عمر: من السيد؟ فقال: الحواد حين يسأل، الحليم حين يستجهل. والكريم المجالسة لمن جالسه، الحسن الخلق لمن جاوره.
وقال الشريف الرضي:
ولولا نفوس في الأقل عزيزة
…
لغطى جميع العالمين خمول
وقال آخر:
وما حسن أن يعذر المرء نفسه
…
وليس له من سائر الناس عاذر
خرست لعمر الله ألسننا
…
لما تكلم فوقنا القدر
هذا
باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر
(1)
:
فترفع المبتدأ تشبيهًا بالفاعل، ويسمى اسمها، وتنصب خبره تشبيهًا بالمفعول، ويسمى خبرها
(2)
.
وهي ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يعمل هذا العمل مطلقًا
(3)
، وهو ثمانية:"كان"، وهي أم الباب
(4)
، وأمسى، وأصبح، وأضحى، وظل، وبات، وصار، وليس"
(5)
؛ نحو: {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} .
هذا باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر:
(1)
لا تدخل هذه النواسخ على المبتدأ الذي له الصدارة؛ كأسماء الشرط، وأسماء الاستفهام، وكم الخبرية، والمبتدأ المقرون بلام الابتداء، ما عدا ضمير الشأن؛ فإنه يجوز دخولها عليه وإن كان مما يلزم الصدارة؛ كقول الشاعر:
إذا مت كان الناس صنفان شامت
…
وآخر مثن بالذي كنت أصنع
وكذلك لا تدخل على المبتدأ؛ في الأساليب التي التزمت صيغة واحدة، لا يجوز تغييرها حتى صارت كالأمثال؛ نحو: لله در محمد، طوبى للمؤمنين، ويل للمكذبين، أقل رجل يقول ذلك، وما التعجبية، ولا على ما يلزم الصدارة بسبب غيره؛ كالاسم الواقع بعد لولا، وإذا الفجائية؛ فإنهما لا يدخلان إلا على المبتدأ؛ كما تقدم.
(2)
يشترط في عملها هذا: أن يتأخر اسمها عنها، وألا يكون طلبا، ولا إنشاء؛ فلا يصح: كان الفقير عاونه، ولا: كان محمد يحفظه الله، ولا جملة فعلية ماضوية، ما عدا "كان" فإنها تمتاز بصحة الإخبار عنها بالجملة الماضوية.
(3)
أي: سواء أكانت مثبتة أم منفية؛ صلة لما الظرفية أو لا؛ كما سيأتي.
(4)
إنما اعتبرت كذلك، لاختصاصها بأمور لا تكون لنظائرها؛ كما سيأتي قريبا.
(5)
معنى "أمسى" اتصاف اسمها بمعنى خبرها وقت المساء؛ وأصبح كذلك وقت الصباح؛ وأضحى وقت الضحاء؛ وظل طول النهار. وكل منها يستعمل كثيرا بمعنى صار، ويعمل عملها بشروطها؛ تقول: أمسى اقتحام الفضاء معلوما، وأصبح النفط دعامة الصناعة، وأضحى الجهاد مطلوبا، وظل الجو مسودا من الغبار. ومعنى بات: =
الثاني: ما يعمله بشرط أن يتقدمه نفي
(1)
، أو نهي، أو دعاء
(2)
؛ وهو أربعة: "زال" ماضي يزال، "وبرح، وفتئ، وانفك"
(3)
.
= اتصاف اسمها بخبرها طول الليل، وليس تفيد نفي اتصاف اسمها بمعنى خبرها في زمن التكلم، وقد تكون لنفي الماضي أو المستقبل بقرينة. أما صار: فتفيد تحول اسمها من حالة إلى أخرى ينطبق عليها معنى الخبر؛ نحو: صار الماء بخارا. ومثلها في العمل ما كان بمعناها. وأشهرها عشرة أفعال تستعمل مثلها قياسيا؛ وهي: آض، رجع، عاد، استحال، قعد، حار، ارتد، تحول، غدا، راح، ويشترط في صار وأمثالها: ألا يكون خبرها جملة فعلية فعلها ماض؛ لأن معنى خبرها ممتد إلى وقت التكلم.
(1)
سواء كان بالحرف كما مثل المصنف، أو بفعل يدل على النفي؛ كـ"ليس"، أو باسم؛ كقول الشاعر:
غير منفك أسير هوى
…
كل وانٍ ليس يعتبر
(2)
يكون الدعاء بـ"لا" في الماضي، وبـ"لن" في المستقبل.
(3)
إنما اشترط في هذه الأربعة ذلك؛ لأن معناها النفي واستمرار ملازمة الخبر للمخبر عنه على حسب ما يقتضيه المقام؛ فإذا دخل عليها النفي انقلبت إثباتا، والنهي والدعاء يتضمنان في المعنى نفيا. ويشترط ألا يكون خبرها جملة فعلية ماضوية فلا يقال: ما زال المسافر غاب
…
إلخ. وألا يقع بعد إلا، فلا يصح: ما فتئ الطيار إلا بعيدا. وإلى القسمين المتقدمين أشار الناظم بقوله:
ترفع "كان" المبتدا اسما والخبر
…
تنصبه ككان سيدا عمر
ككان ظل بات أضحى أصبحا
…
أمسى وصار ليس زال برحا
فتئ وانفك وهذي الأربعه
…
لشبه نفي أو لنفي متبعه*
أي: أن "كان" ترفع المبتدأ على أنه اسمها، وتنصب الخبر على أنه خبرها؛ مثل: كان عمر سيدا، ومثلها: ظل
…
إلخ، والأربعة الأخيرة في الترتيب تتبع نفيا أو شبهه؛ وهو النهي والدعاء؛ أي: تليه وتجيء بعده.
* "كان" فاعل ترفع مقصود لفظها. "المبتدأ" مفعول ترفع. "اسما" حال منه. "والخبر" مفعول لفعل محذوف يفسره ما بعده. "تنصبه" مضارع، فاعله يعود على كان، والضمير البارز مفعوله، والجملة تفسيرية لا محل لها. "ككان" الكاف جارة لقول محذوف خبر لمبتدأ محذوف، وقد سلف مثله. "سيدا عمر" خبر كان مقدم =
مثالها بعد النفي: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} ، {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ}
(1)
، ومنه:{تَاللَّهِ تَفْتَأ} ، وقوله:
فقلت يمين الله أبرح قاعدا
(2)
…
إذ الأصل: لا تفتأ ولا أبرح
ومثالها بعد النهي قوله:
…
صاح شمر ولا تزل ذاكر الموت
(3)
(1)
" لن" حرف نفي ونصب. "نبرح" مضارع منصوب بلن واسمها مستتر تقديره نحن. "عليه" جار ومجرور متعلق بعاكفين الواقع خبرا لنبرح.
(2)
صدر بيت من الطويل لامرئ القيس الكندي. وعجزه:
ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
اللغة والإعراب:
الأوصال: المفاصل؛ جمع وصل، وهو العضو يفصل من الآخر. "يمين الله" مبتدأ ومضاف إليه، وخبره محذوف؛ أي: قسمي، ويجوز العكس. "أبرح" مضارع واسمها أنا. "قاعدا" خبرها. "ولو" شرطية غير جازمة. "قطعوا" فعل الشرط وفاعل، والجواب محذوف لدلالة ما قبله عليه.
المعنى: أقسم بالله لأبقين معك هنا، ولا أفارق رحابك خوفا من أحد، ولو قطعوا رأسي ومزقوني إربا إربا.
الشاهد: عمل "أبرح" عمل كان، وقد تقدمه النفي تقديرا؛ لأن معناه: لا أبرح.
(3)
صدر بيت من الخفيف، لم ينسب لقائل. وعجزه: =
= واسمها مؤخر، والجملة مقول القول المحذوف. "ككان" جار ومجرور متعلق بمحذوف، خبر مقدم مقصود لفظه. "ظل" مبتدأ مؤخر مقصود لفظه أيضا. "بات أضحى .. إلخ" معطوفات على ظل بإسقاط العاطف، فيما عدا صار، وانفك. "وهذي" ها حرف تنبيه، و"ذي" اسم إشارة مبتدأ. "الأربعة" بدل من اسم الإشارة، أو عطف بيان. "لشبه" متعلق بمتبعه. "نفي" مضاف إليه. "أو لنفي" معطوف على ما قبله. "متبعه" خبر المبتدأ وسكن للشعر.
ومثالها بعد الدعاء قوله:
ولا زال منهلًا بجرعائك القطر
(1)
وقيدت "زال" بماضي يزال احترازًا من زال ماضي يزيل؛ فإنه فعل تام متعد
=
فنسيانه ضلال مبين
اللغة والإعراب: شمر: استعد واجتهد. "صاح" منادى مرخ صاحبي، منصوب يفتحه مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة، أو مرخم صاحب على غير قياس كما سيأتي. "لا" ناهية. "تزل" مضارع مجزوم بلا واسمها أنت. "ذاكر الموت" خبرها ومضاف إليه. "فنسيانه" الفاء للتعليل، و"نسيانه" مبتدأ ومضاف إليه. "ضلال" خبر. "مبين" صفة لضلال.
المعنى: اجتهد يا صاحبي واعمل بكل ما أوتيت من قوة، وتذكر أن الموت لا بد منه، فاستعد لما بعده، وكن دائم التذكر له؛ فإن نسيانه يوقعك في الإثم والضلال.
الشاهد: تقدم النهي؛ وهو "لا"، على مضارع زال.
(1)
عجز بيت من الطويل، لذي الرمة، غيلان بن عقبة، من قصيدته في محبوبته "مي". وصدره:
ألا يا اسلمي يا دار مي على البِلَى
اللغة والإعراب:
اسلمي: دعاء بالسلامة من الآفات والعيوب. البلي: الفناء؛ من بلي الثوب إذا خلق ورث. منهلا: منسكبا منصبا. بجرعائك: الجرعاء: تأنيث الأجرع؛ وهي أرض رملية مستوية لا تنبت شيئا. القطر: المطر. "ألا" أداة استفتاح. "يا" للنداء والمنادى محذوف؛ أي: ياء هذه، أو حرف تنبيه مؤكد لألا؛ لما فيها من معنى التنبيه. "اسلمي" فعل أمر مبني على حذف النون والياء فاعل. "مي" مضاف إليه لدار، مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. "على البلى" متعلق باسلمي. "لا" دعائية. "منهلا" خبر زال مقدم. "القطر" اسمها مؤخر.
المعنى: حفظك الله وسلمك يا دار مي -على ما فيك من قدم- من الفناء والزوال، ولا زال المطر ينزل بساحتك، حتى يبقى رحابك عامرا، يذكرنا بالأحبة.
الشاهد: تقدم "لا" الدعائية على "زال".
إلى مفعول، ومعناه ماز
(1)
، تقول: زل ضأنك عن معزك، ومصدره الزيل، ومن ماضي يزول؛ فإنه فعل تام قاصر، ومعناه الانتقال
(2)
؛ ومنه: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا
(3)
وَلَئِنْ زَالَتَا}، ومصدره الزوال.
الثالث: ما يعمل بشرط تقدم "ما" المصدرية الظرفية
(4)
وهو "دام"؛ نحو: {مَا دُمْتُ حَيًّا} ؛ أي: مدة دوامي حيا. وسميت "ما" هذه مصدرية؛ لأنها تقدر
(1)
أي: ميز وفصل.
(2)
وقد يكون معناه الفناء والانتهاء، تقول: زال حكم الطغاة؛ أي: انتهى.
(3)
أي: تنقلا. و"تزولا" مضارع منصوب بأن، وعلامة نصبه حذف النون والألف فاعل، وأن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف، وإنما كانت "زال" بمعنى استمر ناقصة وغيرها تاما؛ لأنه قصد في الأولى انتقال النسبة التي هي مضمون الجملة، فلا بد بعدها من ذكر الجملة. والثانية قصد بها الانتقال من المفرد.
(4)
هي التي تؤول مع ما بعدها بمصدر يكون معمولا للمضارع قبلها، مع نيابتها عن ظرف زمان بمعنى "مدة"؛ فلو كانت "ما" مصدرية غير ظرفية، كانت "دام" تامة، بمعنى بقي واستمر، وإن جاء بعد المرفوع منصوب، أعرب حالا؛ نحو: يسرني ما دمت مواظبا على الحضور؛ أي: مواظبتك، وكذلك إذا لم تذكر معها "ما"؛ ويشترط ألا يكون خبرها جملة ماضوية، وألا يتقدم الخبر عليها ولا على "ما"؛ لأن ما المصدرية الظرفية لا يسبقها شيء من صلتها التي تسبك معها بمصدر. وفي "دام" يقول الناظم:
ومثل كان دام مسبوقا بـ"ما"
…
كأعط ما دمت مصيبا درهما*
أي: إن "دام" مثل "كان" في العمل، بشرط أن تسبقها "ما" المصدرية الظرفية كما يقيده المثال؛ أي: أعط مدة دوامك مصيبا الدرهم، ومصيبا المحتاج.
* "ومثل" خبر مقدم. "كان" مضاف إليه مقصود لفظه. "دام" مبتدأ مؤخر. "مسبوقًا" حال من دام. "بما" جار ومجرور متعلق بمسبوقا. "كأعط" الكاف جارة لقول محذوف كما سبق مرات. "أعط" فعل أمر فاعله أنت، ومفعوله الأول محذوف؛ أي: المحتاج مثلا. "ما" مصدرية ظرفية. "دمت مصيبا" دام واسمها وخبرها. "درهما" مفعول ثان لأعط.
بالمصدر، وهو الدوام، وسميت ظرفية؛ لنيابتها عن الظرف وهو المدة.
أقسامها من حيث التصرف وعدمه:
وهذه الأفعال في التصرف ثلاثة أقسام:
ما لا يتصرف بحال؛ وهو: "ليس" باتفاق و"دام" عند الفراء وكثير من المتأخرين
(1)
.
وما يتصرف تصرفًا ناقصًا؛ وهو "زال" وأخواتها؛ فإنها لا يستعمل منها أمر ولا مصدر
(2)
، و"دام" عند الأقدمين؛ فإنهم أثبتوا لها مضارعًا.
وما يتصرف تصرفًا تاما، وهو الباقي
(3)
.
وللتصاريف في هذين القسمين ما للماضي من العمل
(4)
.
(1)
أما دم ويدوم ودائم ودوام، فمن تصرفات دام التامة. ويرى بعض النحاة أنه قد يجيء المضارع من دام الناسخة ناسخًا مثل الماضي، ولكنه قليل الاستعمال. ورجح الصبان: أن لـ"دام" الناسخة مصدرا، بدليل تقديرهم في "ما دمت حيا"، مدة دوامي حيا.
(2)
ذلك لأن من شرط عملها النفي، وهو لا يدخل على الأمر، كما أنها لا تدل على الحدث على الراجح، ويأتي منها الماضي والمضارع واسم الفاعل.
(3)
المراد التمام النسبي؛ لأنه ورد منها الماضي والمضارع والأمر والمصدر، على قلة، واسم الفاعل دون اسم المفعول، وباقي المشتقات؛ فإنها لم ترد والباقي هو: كان أصبح، أضحى، أمسى، بات، ظل، صار.
(4)
وفي هذا يقول ابن مالك:
وغير ماض مثله قد عملا
…
إن كان غير الماض منه استعملا *
أي: إن الفعل غير الماضي -إن وجد واستعمل- فإنه يعمل مثل الماضي.
* "وغير" مبتدأ. "ماض" مضاف إليه. "مثله" حال مقدم من فاعل عمل ومضاف إليه. "قد" حرف تحقيق. "عملًا" ماض فاعله يعود على غير الماضي، والألف للإطلاق، والجملة خبر المبتدأ. "إن" شرطية. "كان غير الماضي" كان واسمها ومضاف إليه. "منه" متعلق باستعمل. "استعملا" فعل ماض، ونائب الفاعل يعود إلى غير الماضي، والألف للإطلاق، والجملة خبر كان، وجواب الشرط محذوف؛ أي: إن كان غير الماضي مستعملا فإنه يعمل مشابها للماضي.
فالمضارع نحو: {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا}
(1)
.
والأمر نحو: {كُونُوا حِجَارَةً} .
والمصدر كقوله:
وكونك إياه عليك يسير
(2)
واسم الفاعل كقوله:
وما كل من يبدي البشاشة كائنا
…
أخاك. . . . . . . . . . .
(3)
(1)
" أك" مضارع مجزوم بلم على النون المحذوفة للتخفيف واسمها "أنا". "بغيا" خبرها؛ وأصله: أكون، حذفت الضمة للجازم والواو لالتقاء الساكنين والنون للتخفيف.
(2)
عجز بيت من الطويل، لم يعرف قائله. وصدره:
ببذل وحلم ساد في قومه الفتى
اللغة والإعراب:
يبذل: البذل: العطاء مع الجود والسماحة. ساد: اتصف بالسيادة، وهي الرفعة وعظم الشأن. "ببذل" متعلق بساد. "الفتى" فاعل ساد. "وكونك الواو عاطفة، و"كون" مبتدأ، وهو مصدر كان الناقصة مضاف إلى اسمه وهو الكاف؛ فهي في محل جر بالإضافة، وفي محل رفع اسم كان "إياه" خبر الكون من جهة النقصان. "عليك" متعلق بيسير، الواقع خبرا لكون من جهة ابتدائيته.
المعنى: إن الإنسان يسود في قومه ويرتفع ذكره بينهم؛ بالجود بالمال، والحلم في الخلق، وسعيك في الاتصاف بهاتين الخلتين أمر هين عليك؛ إذا أردت أن تكون مثل هذا الإنسان في المنزلة وعلو الشأن.
الشاهد: إجراء مصدر "كان" الناقصة مثلها في رفع الاسم ونصب الخبر.
(3)
جزء من بيت من الطويل، لم ينسب لقائل. وتمامه:
إذا لم تلفه لك منجدا
اللغة والإعراب:
يبدي: يظهر. البشاشة: طلاقة الوجه. تلفه: تجده. منجدا: مغيثا ومساعدا. "ما" نافية حجازية بمعنى ليس. "كل" اسمها. "من" اسم موصول مضاف إليه. "يبدي البشاشة" الجملة صلة من. "كائنا" خبر ما واسمه مستتر يعود على من. "أخاك" خبره. "إذا" ظرف فيه معنى الشرط. "تلفه" مضارع مجزوم بلم بحذف الياء والهاء مفعول أول. "منجدا" مفعول ثان. =
وقوله:
قضى الله يا أسماء أن لست زائلا
…
أحبك. . . . . . . . . . .
(1)
في حكم توسط أخبارهن:
وتوسط أخبارهن جائز
(2)
،
= المعنى: ليس كل من يظهر لك البشر وطلاقة الوجه أخا مخلصا لك؛ ما لم تجده معينا في الشدائد، مساعدا في الملمات.
الشاهد: في "كائنا"؛ فإنه اسم فاعل من مصدر كان الناقصة، وقد عمل عملها. هذا: ومن الأساليب الشائعة قولهم: "سأفعله كائنا ما كان، أو كائنا من كان"، وفي أعاريب كثيرة، أيسرها: أن "كائنا" حال منصوب من الهاء وهو اسم فاعل من كان الناقصة، واسمه ضمير مستتر تقديره "هو" يعود على الشيء السابق، و"أما" أو "من"، نكرة موصوفة في محل نصب خبر كائنا، و"كان" فعل ماض تام وفاعله يعود على "ما" أو "من"، والجملة في محل نصب صفة لهما، والتقدير: سأفعل ذلك كائنا أي شيء وجد، أو أي إنسان وجد.
(1)
جزء من بيت من الطويل، مطلع قصيدة للحسين بن مطير الأسدي، من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. وتمامه:
حتى يغمض العين مغمض
اللغة والإعراب:
قضى الله: حكم وقدر. أسماء: اسم محبوبته. يغمض العين: يطبق جفونها، وهو كناية عن الموت. "أن" مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن. "لست زائلا" الجملة من ليس واسمها وخبرها خبر أن، و"زائلا" اسم فاعل يعمل عمل الفعل واسمها الضمير المستتر فيها تقديره أنا. "أحبك" الجملة خبرها. "حتى" حرف غاية وجر.
المعنى: قدر الله علي يا أسماء أن أتعلق بك وأحبك -على الرغم من صدودك وهجرك لي- حتى أفارق هذه الحياة.
الشاهد: إعمال اسم الفاعل من زال عملها؛ فرفع الاسم وهو الضمير المستتر فيه، ونصب الخبر وهو جملة "أحبك".
(2)
أي: بينهن وبين أسمائهن، وذلك إن لم يجب تقديمهن على الاسم، أو تأخيرهن عنه كما سيأتي. والأحسن في الخبر الجملة تأخيره عن الناسخ واسمه، أما الخبر المفرد وشبه الجملة، فله حالات سنذكرها بعد.
خلافا لابن درستويه
(1)
في ليس، ولابن معط
(2)
في دام.
قال الله -تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}
(3)
.
وقرأ "حمزة، وحفص"
(4)
:
{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} بنصب البر
(5)
.
وقال الشاعر:
(1)
هو أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي، المشهور بعلمه وتصانيفه. صحب المبرد وقرأ عليه الكتاب وبرع فيه، ولقي ابن قتيبة، وأخذ عن الدارقطني وغيره، وكان شديد الانتصار لآراء البصريين في النحو واللغة، وله تصانيف غاية في الجودة والإتقان؛ منها: شرح الفصيح، والإرشاد في النحو، والمقصور والممدود، وأخبار النحاة. وقد سكن بغداد إلى أن توفي سنة 347 هـ وقد قارب التسعين من العمر.
(2)
هو أبو الحسن زين الدين يحيى بن معط المغربي الحنفي. كان إماما مبرزا في العربية، شاعرا محسنا. قرأ على الجزولي، وأقرأ النحو بدمشق مدة ثم بمصر، وتصدر للتدريس بالجامع العتيق، وأخذ عنه كثير من الناس، وكان يحفظ كثيرا، وله تصانيف كثيرة وهامة؛ منها: الألفية في النحو، وشرح الجمل في النحو أيضا، وشرح أبيات سيبويه نظم. كما نظم كتاب الجمهرة لابن دريد في اللغة. وتوفي رحمه الله سنة 628 هـ.
(3)
"حقا" خبر كان مقدم. "نصر المؤمنين" اسمها مؤخر ومضاف إليه.
(4)
حمزة: هو أبو عمارة حمزة بن حبيب الكوفي الزيات، أحد أصحاب القراءات السبع، كان إمام القراء بالكوفة بعد عاصم، وكان ثقة عارفا بالعربية، حافظا للحديث، ورعا زاهدا. ولقب بالزيات؛ لأنه كان يجلب الزيت من العراق إلى حلوان، والجبن والجوز منها إلى الكوفة. وتوفي رحمه الله سنة 156 هـ، أما حفص فهو: أبو عمرو حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي الكوفي، من أصحاب عاصم، إمام الكوفيين وأعلمهم بقراءته، وكان ربيبه وابن زوجته من غيره. كان ثقة في القراءة، معروفا بضبط الحروف، وقد أقرأ الناس مدة حتى توفي سنة 180 هـ.
(5)
فيكون "البر" خبر ليس مقدما، والمصدر المنسبك من أن والفعل في "أن تولوا" اسمها مؤخر.
لا طيب للعيش ما دمت منغصة
…
لذاته. . . . . . . . . . .
(1)
إلا أن يمنع مانع
(2)
؛ نحو: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً}
(3)
.
حكم تقديم أخبارهن:
جائز
(4)
؛ بدليل: {أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا
(1)
بعض بيت من البسيط، لم ينسب لقائل. وتمامه:
بادكار الموت والهرم
اللغة والإعراب:
منغصة: اسم مفعول؛ من التنغيص؛ وهو التكدير. بادكار: بتذكر وأصله: اذتكار، قلبت تاء الافتعال دالا، ثم قلبت الذال دالا وأدغمتا. الهرم: الكبر والضعف. "لا" نافية للجنس. "طيب" اسمها مبني على الفتح. "للعيش" متعلق بمحذوف خبرها. "ما" مصدرية ظرفية. "منغصة" خبر دام مقدم. "لذاته" اسمها مؤخر ومضاف إليه. "بادكار" متعلق منغصة.
المعنى: لا لذة ولا راحة في هذه الحياة ما دامت لذاتها ونعيمها ومسراتها. تتكدر بتذكر الإنسان للموت، وبالضعف بالكبر.
الشاهد: تقدم خبر دام على اسمها. وفيه على هذا الرأي: الفصل بين العامل؛ وهو "منغصة"، ومتعلقه، وهو "بادكار"، بأجنبي عنهما وهو "لذاته". وقيل: إن "لذاته" نائب فاعل لمنغصة، واسم "دام" مستتر فيها، ومنغصة خبرها.
(2)
أي: من جواز التوسط. وهذا يصدق بوجوب التوسط، وذلك إذا كان الاسم مضافا لضمير يعود على شيء متصل بالخبر؛ مثل: يسرني أن يكون للعمل أهله، أو كان الخبر محصورا في الاسم بإلا المسبوقة بالنفي؛ نحو: ليس ناجحا إلا المجد. كما يصدق بمنع التوسط ووجوب التأخير؛ وذلك إذا ترتب على التوسط لبس لا يمكن معه تمييز الاسم من الخبر لخفاء إعرابهما؛ نحو: أصبح شريكي أخي، بات صاحبي عدوي. أو حصر الاسم في الخبر؛ بأن يكون مقرونا بإلا المسبوقة بالنفي، أو بإنما؛ نحو: ما كان علي إلا صادقا، إنما كان محمد مخلصًا.
(3)
أي: صفيرا، وفعله مكا؛ من باب عدا. والمانع هنا من توسط الخبر القصر بإلا.
(4)
أي: عليهن، وذلك إذا لم يكن هنالك ما يوجب التقديم؛ كما إذا كان الخبر اسما واجب الصدارة؛ كأسماء الاستفهام، وكم الخبرية؛ نحو: أين كان الحارس؟ وكم كان مالك الموروث؟
يَعْبُدُونَ}، {وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ}
(1)
، إلا خبر دام اتفاقًا
(2)
، و"ليس" عند جمهور البصريين
(3)
، قاسوها على عسى
(4)
، واحتج المجيز بنحو قوله -تعالى:{أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ}
(5)
، وأجيب بأن المعمول ظرف فيتسع فيه.
وإذا نفي الفعل بـ"ما"، جاز توسط الخبر بين النافي والمنفي مطلقًا
(6)
؛ نحو: ما قائما كان زيد. ويمتنع التقديم على "ما" البصريين والفراء
(7)
.
(1)
" إياكم" و"أنفسهم" معمولان لخبر كان وقد تقدما عليها، وتقدم المعمول يؤذن بجواز تقدم العامل عند كثير من النحاة.
(2)
فلا يجوز تقديمه عليها وعلى "ما"؛ لأن معمول صلة الحرف المصدري لا يتقدم عليه. ويجوز أن يتقدم الخبر على "دام" وحدها. فيتوسط بينها وبين "ما"؛ تقول: سأبقى في البيت ما مستمرة دامت الغارة.
(3)
حجتهم عدم الورود عن العرب، أو ضعفها بعدم التصرف. وقد اختار هذا ابن مالك.
(4)
فإن خبرها لا يتقدم عليها اتفاقًا، وهي مثلها في الجمود.
(5)
فإن "يوم" ظرف معمول لمصروفا الواقع خبرا لليس، وقد تقدم على ليس واسمها ضمير يعود على العذاب، ومصروفًا خبرها، وقد تقدم المعمول وهو يشعر غالبا بجواز تقدم العامل وهو الخبر. وقد أجاب المصنف على هذا. ويمكن أن يجاب بأن "يوم" معمول لمحذوف تقديره: يعرفون يوم يأتيهم، وجملة "ليس مصروفا" حال مؤكدة، أو أن "يوم" في محل رفع مبتدأ. وبني لإضافته إلى جملة، وجملة "ليس مصروفًا" خبر.
(6)
أي: سواء كان النفي شرطا؛ كزال وأخواتها، أم لا.
(7)
أي: لأنها عندهم مما يستحق التصدير، ومثل "ما": همزة الاستفهام، و"إن" النافية عند الرضي وغيره. وإلى بعض ما سبق يشير ابن مالك بقوله:
وفي جميعها توسط الخبر
…
أجز وكل سبقه "دام" حظر
=
وأجازه بقية الكوفيين. وخص ابن كيسان المنع بغير "زال" وأخواتها؛ لأن نفيها إيجاب
(1)
، وعمم الفراء المنع في حروف النفي، ويرده قوله:
على السن خيرا لا يزال يزيد
(2)
=
كذاك سبق خبر "ما" النافيه
…
فجئ بها متلوة لا تاليه*
أي: إن جميع النواسخ السابقة، يجوز فيها توسط الخبر بين العامل واسمه. وكل النحاة حظر -أي: منع- سبق خبر دام عليها. وقد بينا أن الممنوع تقديمه على ما دام، لا على دام وحدها. كذلك منع كل النحاة سبق الخير على "ما" النافية، ويجب أن تكون متلوة -أي: سابقة- يتلوها غيرها، لا تالية غيرها؛ فلا تجيء بعده.
(1)
أي: لأنها للنفي، ونفي النفي إيجاب؛ فكأنه لم تكن هنالك "ما" النافية المستحقة للتصدير. وابن كيسان هو: أبو الحسن محمد بن إبراهيم بن كيسان النحوي. كان يحفظ المذهبين البصري والكوفي في النحو؛ لأنه أخذ عن المبرد وثعلب، لكنه كان إلى المذهب البصري أميل. قال فيه أبو حيان التوحيدي: ما رأيت مجلسا أكثر فائدة، وأجمع لأصناف العلوم والتحف والنتف، من مجلسه، وكان يجتمع على بابه عشرات الدواب للرؤساء والأشراف الذين يقصدونه. وكان إقباله على صاحب المرقعة والخلق، كإقباله على صاحب الديباج والدابة والغلام. ومن تصانيفه: المهذب في النحو، وعلل النحو، وما اختلف فيه البصريون والكوفيون، وغلط أدب الكاتب. وتوفي سنة 320 هـ.
(2)
عجز بيت من الطويل للمعلوط القريعي، وصدره:
ورج الفتى للخير ما إن رأيته
اللغة والإعراب: رج: أمر من الترجية بمعنى الرجاء؛ وهو الأمل وتوقع الخير. الفتى: الشاب. على السن: أي على زيادة العمر. "الفتى" مفعول أول لرج. "للخير" مفعول ثان. =
* "وفي جميعها" متعلق بتوسط، وهو مضاف إلى هنا. "توسط" مفعول أجز. "الخبر" مضاف إليه. "وكل" مبتدأ. "سبقه" مفعول حظر، والهاء مضاف إليه عائدة على الخبر، من إضافة المصدر لفاعله. "دام" مفعوله قصد لفظه. "حظر" فاعله يعود إلى "كل"، والجملة خبر المبتدأ. "كذاك" خبر مقدم. "سبق" مبتدأ مؤخر. "خبر" مضاف إليه وهو فاعل لسبق، من إضافة المصدر لفاعله. "ما" مفعول سبق. "النافية" صفة لها. "بها" متعلق بجئ. "متلوة" حال من الهاء في بها. "لا" حرف عطف. "تاليه" معطوفة على متلوة.
فصل: ويجوز باتفاق، أن يلي هذه الأفعال معمول خبرها؛ إن كان ظرفًا أو مجرورًا
(1)
؛ نحو: "كان عندك، أو في المسجد، زيد معتكفًا"
(2)
.
فإن لم يكن أحدهما؛ فجمهور البصريين يمنعون مطلقًا
(3)
، والكوفيون يجيزون مطلقًا.
= مصدرية ظرفية. "إن" زائدة بعدها؛ لشبهها بما النافية في اللفظ، أو "ما"، و"إن" شرطية. "رأيته" فعل الشرط، وجوابها محذوف يدل عليه ما قبله. "على السن" متعلق بيزيد. "خيرا" مفعول مقدم ليزيد. "لا" نافية. "يزال" فعل مضارع ناقص، واسمها يعود على الفتى، وجملة "يزيد" خبر.
المعنى: انتظر الخير والنيل. وتوقعه من الشاب؛ إذا رأيته كلما زادت سنه، وتقدم في العمر، يزداد خيرا، ويتلمس المزيد من الخلال الحميدة.
الشاهد: تقديم معمول خبر لا يزال؛ وهو "خيرا" على لا النافية، وتقدم المعمول يتبعه جواز تقدم العامل، كما عليه جمهور العلماء.
(1)
سواء تقدم المعمول وحده بدون الخبر، أو تقدم ومعه الخبر متقدما عليه، أو متأخرا عنه.
(2)
فعندك وفي المسجد معمولان لمعتكفًا؛ الواقع خبرا لكان، وقد تقدما على اسمها. وفي هذا يقول الناظم:
ولا يلي العامل معمول الخبر
…
إلا إذا ظرفا أتى أو حرف جر*
أي: إن معمول الخبر لا يتقدم وحده، أو مع الخبر، إلا في حالة واحدة؛ وهي: أن يكون المعمول ظرفا، أو حرف جر مع مجروره.
(3)
لأنه يلزم عليه الفصل بينها وبين اسمها بأجنبي منها؛ بناءً على أن معمول المعمول ليس في معنى المعمول.
* "لا" نافية. "يلي العامل معمول الخبر". فعل ومفعوله وفاعله ومضاف إليه. "إلا" أداة استثناء. "إذا" ظرف زمان مضمن معنى الشرط. "ظرفًا" حال من ضمير أتى. "أتى" فعل ماض، وفاعله يعود على معمول الخبر. "أو حرف جر" معطوف على ظرفًا، ومضاف إليه؛ وجملة أتى وفاعله في محل جر بإضافة إذا؛ وهي فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف؛ أي: فإنه يليه، وهذه الجملة كلها في موضع الاستثناء من مستثنى منه محذوف؛ والتقدير: ولا يلي معمول الخبر العامل في حال ما؛ إلا في حالة مجيئه ظرفًا، أو حرف جر؛ للتوسع فيهما.
وفصل ابن السراج والفارسي
(1)
، وابن عصفور؛ فأجازوه إن تقدم الخبر معه
(2)
؛ نحو: "كان طعامك آكلًا زيد"، ومنعوه إن تقدم وحده
(3)
؛ نحو: "كان طعامك زيد آكلًا". واحتج الكوفيون بنحو قوله:
بما كان إياهم عطية عودا
(4)
(1)
هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار؛ الإمام أبو علي الفارسي، النحوي المشهور. كان واحد زمانه في علم العربية، أخذ عن الزجاج وابن السراج، وطاف ببلاد الشام، وقيل: إنه كان أعلم من المبرد، وبرع من تلاميذه كثير؛ كابن جني وعلي بن عيسى الشيرازي. وكان متصلا بعضد الطولة ابن بويه، متقدما عنده، وصنف له كتاب "الإيضاح في النحو"، والتكملة في التصريف". وكان عضد الدولة يقول:"أنا غلام أبي علي في النحو". وقد حدثت بينه وبين ابن خالويه خصومة شديدة، وكان سيف الدولة ضالعا مع خصمه، ينصره عليه؛ ففارق الشام إلى العراق، وفي نفسه شيء من الشام وأهله. وله مؤلفات عظيمة؛ منها: غير ما ذكرنا، "كتاب الحجة في التعليل لقراءات القرآن"، "وتعليقات على كتاب سيبويه"، والمسائل: الحلبية، والبغدادية، والبصرية، والشيرازية
…
إلخ. وتوفي ببغداد سنة 377 هـ.
(2)
ذلك لأن المعمول مكمل للخبر؛ فهو كالجزء منه.
(3)
لأنه يكون حينئذ أجنبيا، ولا يفصل بين الفعل، ومرفوعه بأجنبي.
(4)
عجز بيت من الطويل؛ للفرزدق؛ يهجو به جريرا وقومه، ويتهمهم بالخيانة والفجور. وصدره:
قنافذ هداجون حول بيوتهم
اللغة والإعراب:
قنافذ؛ جمع قنفذ؛ وهو حيوان شائك معروف، يضرب به المثل في السري؛ فيقال: هو أسرى من قنفذ؛ ذلك لأنه ينام نهارا، ويصحو ليلا؛ ليبحث عما يقتات به، وهو بالذال، والدال. هداجون: جمع هداج؛ وهو صيغة مبالغة من الهدج أو الهدجان؛ وهو مشية الشيخ الضعيف، أو مشية فيها ارتعاش. عطية: أبو جرير. "قنافذ" خبر لمبتدأ محذوف. "هداجون" صفة لقنافد. "حول بيوتهم" ظرف مكان، ومضاف إليه، متعلق بهداجون. بما" الباء للسببية، و"ما" اسم موصول في محل جر بالباء. "كان" فعل ناقص. إياهم" مفعول أول لعودا، ومفعوله الثاني محذوف، وهو عائد الصلة. "عطية" اسم كان، وجملة "عودا" خبر كان.
المعنى: هؤلاء الناس؛ أي: رهط جرير، في الخسة والفجور كالقنافذ؛ يمشون ليلا حول البيوت؛ للدعارة والسرقة، مشية الشيخ الهرم؛ لئلا يشعر بهم أحد. وقد ورثوا هذه الصفة الذميمة عن عطية -أبي جرير- الذي عودهم ذلك.
الشاهد: تقديم معمول خبر كان، وهو "إياهم" على اسمها، وهو "عطية"، وليس بظرف ولا جار ومجرور، على رأي الكوفيين. وقد خرجه المصنف.
وخرج على زيادة "كان"
(1)
، أو إضمار الاسم مرادًا به الشأن، أو راجعا إلى "ما"
(2)
؛ وعليهن فعطية مبتدأ، وقيل ضرورة. وهذا متعين في قوله:
باتت فؤادي ذات الخال سالبة
(3)
(1)
أي: بين "ما" الموصولة وصلتها، فلا تحتاج إلى اسم وخبر.
(2)
وعلى القولين، فجملة "عطية عودا" من المبتدأ والخبر، في محل نصب خبر كان، ويكون "إياهم"؛ وهو معمول الخبر، مقدما على المبتدأ، وذلك جائز عند البصريين. وقد اختار الناظم إضمار الاسم للشأن؛ فقال:
ومضمر الشأن اسما انو إن وقع
…
موهم ما استبان أنه امتنع*
يريد: انو، وقدر ضمير الشأن بعد الناسخ؛ إن ورد من الأمثلة ما يوهم أنها التي استبان -أي: ظهر- منعها؛ وهو إيلاء كان وأخواتها معمول خبرها.
(3)
صدر بيت من البسيط، لم يعرف قائله، وعجزه:
فالعيش إن حم لي عيش من العجب
اللغة والإعراب:
الخال: شامة سوداء في الجسم، تكون غالبًا في الخد، والجمع خيلان سالبة: اسم فاعل من سلب الشيء: أخذه خلسة. حم: قدر. "باتت" فعل ناقص، والتاء علامة التأنيث. "فؤادي" مفعول مقدم لسالبة، وفاعلها يعود على ذات الخال. "ذات الخال" اسم بات ومضاف إليه. "سالبة" خبرها. "فالعيش" الفاء للتفريغ، =
* "مضمر" مفعول مقدم لانو. "الشأن". مضاف إليه. "اسما" حال من فاعل انو. "إن" شرطية. "وقع" فعل الشرط، وسكن للوقف. "موهم" فاعله. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "استبان" فعل ماض. "أنه" أن حرف توكيد ونصب، والهاء اسمها. "امتنع" الجملة خبر أن؛ وأن معمولاها في تأويل مصدر فاعل استبان؛ أي: استبان امتناعه، والجملة صلة الموصول.
لظهور نصب الخبر.
استعمال هذه الأفعال تامة:
قدتستعمل هذه الأفعال تامة، أي: مستغنية بمرفوعها
(1)
؛ نحو: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} ؛ أي: وإن حصل ذو عسرة، {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}؛ أي: حين تدخلون في المساء، وحين تدخلون في الصباح، {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ}؛ أي: ما بقيت؛ وقوله:
وبات وباتت له ليلة
(2)
= و"العيش" مبتدأ، وخبره "من العجب".
المعنى: باتت صاحبة الخال طول الليل مستولية على قلبي وحواسي؛ بجمالها وحسنها؛ فعيشتي -إن قدر لي أن أعيش بعد ذلك- عجيبة غريبة.
الشاهد: تقدم معمول خبر بات -وهو "فؤادي"- على الخبر، وهو "سالبة" وبهذا ونحوه استدل الكوفيون على جواز وقوع معمول خبر الفعل الناسخ بعده. وقد خرجه المصنف على أنه ضرورة. ولا يجوز زيادة "بات"، ولا جعل اسمها ضمير الشأن؛ لأنه لا يخبر عنه بمفرد. وهنالك تخريج آخر يفسد استدلال الكوفيين برغم ما فيه من تكلف، وهو أن يكون "فؤادي" منادى بحذف حرفي النداء، لا مفعولًا لسالبة، ومفعول الخبر؛ وهو "سالبة" محذوف أيضًا؛ أي: سالبة إياك.
(1)
هذا هو الصحيح؛ من أن التام هو ما يكتفي بمرفوعه في إتمام المعنى الأساسي للجملة. ويرى سيبويه، وكثير من البصريين: أن معنى كونها تامة: دلالتها على الحدث المقيد والزمان معا.
(2)
صدر بيت من المتقارب، لامرئ القيس بن عانس؛ وهو صحابي، لا الكندي، خلافًا لمن زعمه. وعجزه:
كليلة ذي العائر الأرمد
اللغة والإعراب:
العائر: القذى في العين، أو بشر في الجفن الأسفل تدمع له العين. الأرمد: المصاب بالرمد. "بات" الأولى تامة، بمعنى نزل ليلا، والفاعل هو. "وباتت" فعل ناقص بمعنى صار، والتاء للتأنيث. "له" خبر مقدم. "ليلة" اسمها مؤخر.
المعنى: أن هذا الشخص قضى ليلة سيئة طويلة؛ كليلة المريض بعينيه، المصاب بالرمد، ولا يذوق النوم إلا غرارًا؛ بسبب ما يعتريه من الألم.
الشاهد: استعمال "بات" الأولى تامة، بمعنى دخل في المبيت. وقيل:"بات" الثانية تامة أيضًا، و"ليلة" فاعله.
وقالوا: بات بالقوم؛ أي: نزل بهم ليلًا، وظل اليوم؛ أي: دام ظله، وأضحينا؛ أي: دخلنا في الضحى. إلا ثلاثة أفعال؛ فإنها ألزمت النقص
(1)
؛ وهي: فتئ، وزال، وليس.
تختص "كان"بأمور:
منها: جواز زيادتها
(2)
بشرطين:
(1)
أي: فلا تستعمل تامة أصلًا. وفي ذلك، وفي منع تقديم خبر "ليس"، وفي تعريف الفعل التام يقول ابن مالك:
ومنع سبق خبر "ليس" اصطفى
…
وذو تمام ما برفع يكتفى
وما سواه ناقص والنقص في
…
"فتئ ليس زال" دائما قفي*
أي: أنه اصطفي؛ أي: اختير، منع تقديم خبر "ليس" عليها. والفعل التام: هو الذي يكتفي بمرفوعه، والناقص هو ما لا يكتفي بالمرفوع. وجميع أفعال هذا الباب تستعمل تامة وناقصة؛ إلا ثلاثة: فتئ، وليس، وزال؛ فإن النقص فيها لازم. ومعنى قفي تبعها ولازمها.
(2)
معنى زيادتها: أنها لا تعمل شيئا؛ فلا تحتاج إلى فاعل أو مفعول، أو اسم وخبر ونحوهما. ولا تقع معمولة لغيرها. وقيل معناه: استغناء الكلام عنها؛ فلا ينقص معناه بحذفها، وتكون لمجرد التقوية والتوكيد، مع دلالتها على الزمان الماضي على الراجح، ولا سيما إذا توسطت بين "ما" التعجبية وفعل التعجب؛ لأن فعل التعجب لا يكون إلا بصيغة الماضي، وإن كان لا أثر للزمن فيه؛ لأنه لمجرد الإنشاء.
* "ومنع" مبتدأ. "سبق" مضاف إليه. "خبر" مضاف إليه، من إضافة المصدر لفاعله. "ليس" مقصود لفظه، مفعول سبق. "اصطفي" ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود على منع، والجملة خبر المبتدأ. "وذو" مبتدأ؛ تمام مضاف إليه. "ما" اسم موصول خبر المبتدأ "برفع" متعلق بيكتفي؛ وجملة يكتفي وفاعله العائد على "ما" صلة الموصول. "ما" اسم موصول مبتدأ. "سوى" ظرف متعلق بمحذوف صلة ما، وهو مضاف إلى الضمير. "ناقص" خبر المبتدأ. "والنقص" مبتدأ. "في فتئ" متعلق بقفى. "ليس، زال" معطوفان على فتئ بإسقاط العاطف. "دائمًا" حال من ضمير: "قفي" وهو مبني للمجهول ونائب الفاعل يعود على النقص والجملة خبر المبتدأ.
أحدهما: كونها بلفظ الماضي
(1)
. وشذ قول أم عقيل:
أنت تكون ماجد نبيل
(2)
والثاني: كونها بين شيئين
(3)
؛ ليسا جارا ومجرورا؛ نحو: ما كان أحسن زيدا، وقول بعضهم: لم يوجد كان مثلهم". وشذ قوله:
على كان المسُوَّمَةِ العراب
(4)
(1)
وذلك لخفته، ولتعين الزمان فيه، وقد أشبه الحروف الزائدة ببنائه.
(2)
صدر بيت من الرجز؛ لفاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، زوج أبي طالب، قالته وهي تلاعب ابنها عقيلا وترقصه، وعجزه:
إذا تهب شمال بليل
اللغة والإعراب:
ماجد: كريم شريف. نبيل: ذكي نجيب. شمأل: ريح تهب من جهة الشمال. بليل: رطبة ندية. "أنت" ضمير منفصل مبتدأ. "تكون" زائدة. "ماجد" خبر. "نبيل" صفة لماجد. "إذا" ظرف للمستقبل فيه معنى الشرط. "تهب شمأل" فعل الشرط وفاعله، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام.
المعنى: أنت -يا عقيل- كريم جواد، ذكي الفؤاد، إذا هبت ريح الشمال، وكثر الضيفان. والتقييد بذلك على عادة العرب، وإلا فهي تريد أنه موصوف بذلك دائما.
الشاهد: زيادة "تكون" بلفظ المضارع بين المبتدأ والخبر. وهذا قليل؛ إذ الثابت زيادتها بلفظ الماضي. وقيل: إنها عاملة، واسمها مستتر تقديره أنت، وخبرها محذوف، والجملة معترضة بين المبتدأ والخبر لا محل لها؛ أي: أنت ماجد نبيل تكونه ....
(3)
أي: متلازمين؛ بحيث لا يوجد أحدهما بدون الآخر، ولا يستقل بنفسه واحد منهما. وهذا يقتضي أن تكون حشوا بينهما، وذلك. كـ"ما" التعجبية، وفعل التعجب، والمبتدأ والخبر، والفعل والفاعل .... إلخ.
(4)
عجز بيت من الوافر، أنشده الفراء، ولم ينسبه لقائل. وصدره:
سراة بني أبي بكر تسامى
اللغة والإعراب:
سراة: جمع سري؛ وهو السيد الشريف. تسامى: من السمو؛ وهو العلو والرفعة، وأصله تتسامى. المسومة: الخيل التي جعلت لها سومة؛ أي: علامة؛ لتعرف =
وليس من زيادتها قوله:
وجيران لنا كانوا كرام
(1)
= حين تترك في المرعى فيعرفها أصحابها. العراب: العربية؛ وهي خلاف البراذين والبخاتي. "سراة" مبتدأ. "بني أبي بكر" مضاف إليه. "تسامى" الجملة خبر المبتدأ. "على" جارة. "كان" زائدة. "المسومة" مجرورة بعلى. "العراب" صفة للمسومة.
المعنى: سادات قبيلة بني بكر وعظماؤها، تتسابق وتختال على تلك الخيول العربية، التي جعلت لها علامة تميزها عن غيرها من الخيول.
الشاهد: زيادة "كان" بين "على" ومجرورها. وهذا شاذ؛ لأن الجار والمجرور كالشيء الواحد. وفي زيادة "كان" يقول الناظم:
وقد تزاد "كان" في حشو كـ"ما
…
كان أصح علم من تقدما"*
يريد بالحشو: التوسط بين شيئين متلازمين؛ كما بينا. وتنقاس زيادتها بين "ما" وفعل التعجب؛ كما مثل الناظم.
(1)
عجز بيت من الوافر؛ للفرزدق، من قصيدة يمدح فيها هشام -أو سليمان- بن عبد الملك، وصدره:
فكيف إذا مررت بدار قوم
اللغة والإعراب:
كلمات البيت واضحة المعنى، لا تحتاج إلى شرح. "كيف" اسم استفهام -أشرب معنى التعجب- خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: كيف حالك؟ "إذا" ظرف زمان مضمن معنى الشرط. "مررت" فعل الشرط وفاعله. "بدار قوم" متعلق بمررت، ومضاف إليه "وجيران" معطوف على قوم. "لنا" جار ومجرور خبر كان مقدم. "كانوا" كان فعل ماض ناقص والواو اسمها، والجملة صفة لجيران. "كرام" صفة ثانية.
المعنى: كيف يكون حالك وشعورك إذا مررت بديار قومنا وجيراننا؛ المعروفين بالجود والكرم والسخاء؟.
الشاهد فيه: عدم زيادة "كان" على رأي المصنف، وتبعه المبرد وأكثر النحويين؛ لأنها رفعت الضمير، والزائد لا يعمل شيئًا عند الجمهور.
* "كان" نائب فاعل تزاد مقصود لفظها. "في حشو" متعلق بتزاد. "كما" الكاف جارة لقول محذوف. و"ما" تعجبية مبتدأ. "كان" زائدة. "أصح" فعل ماض للتعجب، وفاعله يعود إلى ما. "علم" مفعول أصح، والجملة خبر ما. "من" اسم موصول مضاف إليه. "تقدما" فعل ماض، والفاعل يعود إلى من، والجملة صلة، والألف للإطلاق.
لرفعها الضمير، خلافًا لسيبويه
(1)
.
ومنها أنها تحذف. ويقع ذلك على أربعة أوجه:
أحدها: وهو الأكثر، أن تحذف مع اسمها ويبقى الخبر. وكثر ذلك بعد "إن"، و"لو"، الشرطيتين
(2)
.
مثال "إن" قولك: سر مسرعًا إن راكبًا وإن ماشيًا. وقوله:
إن ظالمًا أبدًا وإن مظلومًا
(3)
(1)
فإنه يقول بزيادتها بين الصفة والموصوف، ووافقه الخليل على ذلك، ولا يمنع من زيادتها إسنادها للضمير، كما لم يمنع إلغاء "ظن" إسنادها للفاعل؛ في نحو: زيد ظننت قائم. ويكون هذا الضمير فاعلها على أنها تامة، أو تكون الواو مؤكدة للضمير في "لنا"، وهي ملغاة، و"لنا" في موضع جر نعت لجيران.
(2)
علة الكثرة بعد "إن" و"لو"؛ أنهما من الأدوات التي تطلب فعلين؛ فبالحذف يخف طول الكلام. وخصنا بذلك من بين أدوات الشرط؛ لأن "إن" أم أدوات الشرط الجازمة، و"لو" أم الأدوات غير الجازمة. والنحاة يتوسعون في الأمهات. وفي هذا يقول ابن مالك:
ويحذفونها ويبقون الخبر
…
وبعد "إن" و"لو" كثيرًا ذا اشتهر*
أي: يحذفون "كان" مع اسمها، ويبقون الخبر؛ وهذا الحذف قد اشتهر بعد "إن" و"لو" الشرطيتين على ما بينا.
(3)
عجز بيت من الكامل؛ لليلى الأخيلية؛ تصف منعة قومها، وقد استشهد به سيبويه، وصدره:
لا تقربن الدهر آل مطرف
=
* "ويحذفونها" مضارع وفاعله ومفعوله. "ويبقون الخبر" كذلك. "وبعد" ظرف متعلق باشتهر. "إن" مضاف إليه مقصود لفظه. "ولو" معطوف على إن. "كثيرا" حال من الضمير في اشتهر. "ذا" اسم إشارة مبتدأ. "اشتهر" فعل ماض، وفاعله يعود على ذا، والجملة خبر المبتدأ.
وقولهم: "الناس مجزيون بأعمالهم؛ إن خيرًا فخير، وإن شرا فشر؛ أي: إن كان عملهم خيرًا فجزاؤهم خير. ويجوز "إن خير فخيرًا" بتقدير: إن كان في عملهم خير فيجزون خيرا. ويجوز نصبهما
(1)
ورفعهما
(2)
والأول أرجحها
(3)
، والثاني أضعفها
(4)
، والأخيران متوسطان.
ومثال "لو": التمس ولو خاتمًا من حديد"
(5)
. وقوله:
لا يأمن الدهر ذو بغي ولو ملكًا
(6)
= اللغة والإعراب:
مطرف: اسم عظيم قومها. "لا" ناهية. "تقربن" مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد. "الدهر" منصوب على الظرفية. "آل مطرف" مفعول تقربن، ومضاف إليه. "إن" شرطية. "ظالما" خبر لكان المحذوفة مع اسمها؛ أي: إن كنت ظالمًا. "وإن مظلوما" مثل ما قبله.
المعنى: ابتعد عن هؤلاء القوم ولا تتعرض لهم؛ سواء أكنت ظالمًا أم مظلومًا؛ لأن بأسهم شديد.
الشاهد: حذف "كان" مع اسمها في الموضعين.
(1)
ويكون التقدير حينئذ: إن كان عملهم خيرا؛ فيجزون خيرا.
(2)
والتقدير: إن كان في عملهم خير؛ فجزاؤهم خير.
(3)
أي: الأول من الأوجه الأربعة، وهو الذي سبق أن قال: إنه الأكثر؛ لأن فيه إضمار كان واسمها بعد إن، وإضمار المبتدأ بعد فاء الجزاء، وكلاهما كثير مطرد.
(4)
لأن فيه حذف كان وخبرها بعد "إن"، وحذف فعل ناصب بعد الفاء، وكلاهما قليل.
(5)
هذا جزء من حديث؛ قاله عليه السلام لرجل طلب منه أن يزوجه امرأة عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له:"اذهب فالتمس ولو خاتما من حديد"؛ أي: ولو كان ما تلتمسه.
(6)
صدر بيت من البسيط، لم ينسب لقائل. وعجزه:
جنوده ضاق عنها السهل والجبل
اللغة والإعراب:
بغي: ظلم. "لا" ناهية. "يأمن" مضارع مجزوم بها، وحرك بالكسر؛ للتخلص من الساكنين. "الدهر" مفعول به. "ذو بغي" فاعل ومضاف إليه مرفوع بالواو؛ لأنه من الأسماء الستة. "ولو" شرطية. "ملكًا" خبر لكان المحذوفة عن اسمها؛ أي: ولو كان الباغي. "جنوده" مبتدأ ومضاف إليه، والجملة بعده خبر، وجملة المبتدأ والخبر صفة لملك.
المعنى: لا يأمن صروف الدهر وتقلباته صاحب ظلم؛ ولو كان ملكًا جنوده كثيرون، وأعوانه فوق الحصر والعد؛ فلكل باغ مصرع، والظلم مرتعه وخيم.
الشاهد: حذف "كان" مع اسمها، وإبقاء خبرها بعد "لو" الشرطية.
وتقول: ألا طعام ولو تمرًا؟ وجوز سيبويه الرفع بتقدير: ولو يكون عندنا تمر
(1)
. وقل الحذف المذكور بدون "إن" و"لو"؛ كقوله: من لد شولًا فإلى إتلائها
(2)
، قدره سيبويه: من لد أن كانت شولًا
(3)
.
(1)
فيكون قد حذف "يكون" وخبرها، وأبقى اسمها.
(2)
كلام عربي يجري مجرى المثل، وهو من شواهد سيبويه. "شولا" قيل هو مصدر بمعنى اسم الفاعل؛ من شالت الناقة بذنبها؛ رفعته عند اللقاح. وقيل: هو اسم جمع لشائلة، على غير قياس؛ والشائلة: الناقة التي خف لبنها، وارتفع ضرعها. ومضى عليها من ولادتها سبعة أشهر أو ثمانية.
"إتلائها" مصدر أتلت الناقة؛ إذا تلاها ولدها؛ أي: تبعها "من" جارة. "لد" ظرف زمان مبني على الضم في محل جر، والجار والمجرور متعلق بمحذوف، أي: علمت مثلًا. "شولا" خبر لكان المحذوفة مع اسمها "فإلى" الفاء عاطفة، وإلا إتلائها متعلق بما تعلق به الجار قبله.
المعنى: عملت كذا وكذا، من وقت أن كانت النياق شوائل، إلى أن تبعها أولادها.
الشاهد: فيه حذف "كان" مع اسمها بعد "لد"، وذلك قليل. ويجوز أن يكون "شولا" مفعولأ مطلقًا لمحذوف؛ أي: من لدن شالت الناقة شمولا، أو منصوبا على التمييز، أو التشبيه بالمفعول به، كما ينصب لفظ "غدوة" بعد "لدن" وخص بعضهم هذا الحكم بغدوة، ولا شاهد فيه حينئذ.
(3)
إنما قدر سيبويه "أن" بعد "لد" لأنه لا يرى إضافتها إلى الجمل.
الثاني: أن تحذف مع خبرها ويبقى الاسم
(1)
، وهو ضعيف؛ ولهذا ضعف "ولو تمر، وإن خير" في الوجهين.
الثالث: أن تحذف وحدها. وكثر ذلك بعد "أن" المصدرية في مثل
(2)
:
أما أنت منطلقًا انطلقت؛ أصله: انطلقت لأن كنت منطلقًا، ثم قدمت اللام وما بعدها على انطلقت للاختصاص
(3)
، ثم حذفت اللام للاختصار
(4)
، ثم حذفت "كان".
لذلك فانفصل الضمير، ثم زيدت "ما" للتعويض
(5)
، ثم أدغمت النون في الميم للتقارب. وعليه قوله:
أبا خراشة أما أنت ذا نفر
(6)
(1)
وذلك بعد "إن"، و"لو" الشرطيتين كذلك. أما حذف الخبر وحده فلا يجوز؛ لأنه عوض أو كالعوض من مصدرها.
(2)
وذلك حيث تقع "أن" موقع المفعول لأجله؛ في كل موضع أريد فيه تعليل شيء بآخر.
(3)
وكذلك للاهتمام بالفعل.
(4)
أي: للتخفيف، وهذا جائز وقياسي قبل أنَّ، وأنْ.
(5)
أي: من "كان" فصار التركيب: أن ما أنت. والحذف في هذه الحالة واجب؛ لوجود العوض عن كان.
(6)
هذا من شواهد سيبويه؛ وهو صدر بيت من البسيط؛ للعباس بن مرداس السلمي، يفتخر يقومه. وعجزه:
فإن قومي لم تأكلهم الضبع
اللغة والإعراب:
أبو خراشة: كنية شاعر صحابي اسمه خفاف بن ندبة، أحد فرسان =
أي: لأن كنت ذا نفر فخرت، ثم حذف متعلق الجار. وقل بدونها؛ كقوله:
أزمان قومي والجماعة كالذي
(1)
= قيس، وندبه: اسم أمه. نفر: أي جماعة يعتز بهم. والنفر: الرجال من ثلاثة إلى تسعة.
الضبع: أصله الحيوان المعروف، والمراد هنا: السنوات المجدبة. "أبا" منادى بحذف الياء، منصوب بالألف؛ لأنه من الأسماء الستة. "خراشة" مضاف إليه. ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث اللفظي. "أن" مصدرية. "ما" زائدة عوض عن كان. "أنت" اسم كان المحذوفة. "ذا نفر" خبر كان ومضاف إليه، وأن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بلام تعليل محذوفة؛ أي لكونك صاحب نفر. "فإن" الفاء للتعليل أو زائدة. "إن" حرف توكيد ونصب. "قومي" اسمها. "لم تأكلهم الضبع" الجملة خبر.
المعنى: لا تفخر علي يا أبا خراشة لكونك ذا جماعة كثيرين، تعتز بهم وبشجاعتهم؛ فإن قومي أصحاب منعة وقوة، لم تأكلهم السنوات المجدبة، ولم تؤثر فيهم الحوادث والأزمات.
الشاهد: حذف "كان" العاملة وحدها بعد "أن" المصدرية، وتعويض "ما" الزائدة عنها. وفي هذا يقول الناظم:
وبعد "أن" تعويض "ما" عنها ارتكب
…
كمثل "أما أنت برًّا فاقترب"*
أي: قد ارتكب -أي: وقع- تعويض "ما" من "كان" المحذوفة الواقعة بعد "أن" المصدرية؛ نحو: أما أنت برا فاقترب؛ أي: اقترب منا لأن كنت برا؛ أي: صاحب خير ومعروف. وقد أوضح المصنف ما جرى في مثله من حذف وتغيير.
(1)
صدر بيت من الكامل، من قصيدة لعبيد بن حصين المعروف بالراعي، يخاطب عبد الملك بن مروان، وعجزه: =
* "وبعد" ظرف متعلق بارتكب. "أن" مضاف إليه قصد لفظه. "تعويض".
مبتدأ. "ما" مضاف إليه. "عنها" متعلق بتعويض. "ارتكب" ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى تعويض، والجملة خبر المبتدأ. "كمثل" الكاف زائدة، و"مثل" خبر لمبتدأ محذوف، أو الكاف جارة، و"مثل" مجرور بها، والجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: وذلك كمثل. "أما" أن مصدرية مدغمة في "ما" الزائدة النائبة عن كان المحذوفة. "أنت" اسم كان المحذوفة. "برا" خبرها. "فاقترب" فعل أمر، وجملة أما أنت برا فاقترب، مضاف إليه لمثل، ومقصود لفظها؛ أي: كمثل هذا المثال.
قال سيبويه: أراد: أزمان كان قومي.
الرابع: أن تحذف مع معموليها، وذلك بعد "إن" في قولهم: افعل هذا إما لا
(1)
؛ أي: إن كنت لا تفعل غيره؛ فـ"ما" عوض، و"لا" النافية للخبر.
=
لزم الرحالة أن تميل مميلا*
اللغة والإعراب:
أزمان: جمع زمن وزمان، وهما اسمان لقليل الوقت وكثيره. الرحالة: سرج من جلد ليس فيه خشب، يتخذ للركض الشديد، والجمع: رحائل. مميلا: مصدر ميمي، بمعنى الميلان؛ أي: الانحراف. "أزمان" ظرف مفعول فيه لفعل سابق. "قومي" فاعل، أو اسم لكان المحذوفة. "والجماعة" مفعول معه، وعامله كان. "كالذي" جار ومجرور خبر كان إن جعلت ناقصة، وحال من قومي إن جعلت تامة. "مميلا" مفعول مطلق.
المعنى: يصف الشاعر ما كان من استقامة الأحوال واجتماع الكلمة، قبل عثمان رضي الله عنه وبعده؛ فشبه حال قومه في تماسكهم وارتباطهم بالجماعة، وعدم تنافرهم، والتزامهم الطاعة، بحالة راكب لزم الرحل، خوفا من أن يميل ميلا.
الشاهد: حذف "كان" وحدها بدون تقدم "أن" المصدرية ولم يعوض عنها "ما". وفيه شاهد آخر، وهو: نصب الاسم الواقع بعد واو المعية من غير تقدم فعل يعمل فيه. ومن أجل هذا قدر سيبويه "كان"؛ لأنها تقع في مثل ذلك الموضع كثيرا.
(1)
هذا أسلوب معين، يحسن أن تلتزم بمجمل صيغته؛ وهي: أن تقع كان واسمها بعد "إن" الشرطية فعلًا للشرط، وخبرها جملة فعلية منفية بلا؛ فتحذف كان مع معموليها بدون حرف النفي، ويؤتى بـ"ما" عوضا عن "كان" وحدها، وتدغم فيها النون من "إن" الشرطية، فتصير "إما لا". ويقال في إعرابه:"إن" شرطية مدغمة في ما، و"ما" عوض عن كان واسمها، "لا" نافية والخبر محذوف؛ أي: إن كنت لا تفعل غيره. وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه. وحذف "كان" واجب في مثل هذا المثال؛ لوجود عوض عنها. وعلى هذا يكون حذف "كان" واجبًا في موضعين: هذا، وبعد "أن" المصدرية السابقة.
ويرى بعض النحاة: أن "إما" مركبة من "إن" الشرطية، و"ما" الزائدة المؤكدة لإن من غير تقدير "كان"، و"لا" نافية لفعل الشرط، والجواب محذوف، والأصل: افعل هذا، إلا تفعل غيره، وإذا لا شاهد فيه.
ومنها أن لام مضارعها يجوز حذفها، وذلك بشرط كونه مجزومًا بالسكون
(1)
، غير متصل بضمير نصب، ولا بساكن؛ نحو:{وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا}
(2)
، بخلاف:{مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} ، {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ} ؛ لانتفاء الجزم، {وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} ؛ لأن جزمه بحذف النون، ونحو:"إن يكنه فلن تسلط عليه"؛ لاتصاله بالضمير
(3)
، ونحو:{لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} ؛ لاتصاله بالساكن
(4)
. وخالف في هذا يونس
(5)
، فأجاز الحذف تمسكًا بنحو قوله:
(1)
إذا دخل الجازم على مضارع "كان" حذفت الضمة للجازم، والواو التي قبل النون وجوبا، لالتقاء الساكنين؛ نحو: لم أكن، وأصله: أكون. ويجوز بعد ذلك حذف النون تخفيفًا في حالة الوصل، لا في حالة الوقف. ولا فرق في ذلك بين مضارع "كان" التامة أو الناقصة.
(2)
"أك" مضارع مجزوم بالسكون على النون المحذوفة للتخفيف.
(3)
هذا جزء من حديث قاله الرسول عليه السلام لعمر رضي الله عنه في شأن ابن صياد، وكان قد حبسه. وقد سبق الكلام عليه في باب النكرة والمعرفة صفحة 108.
(4)
أي: وهو لام التعريف، وكسرت النون لذلك، ولم تحذف لقوتها بالحركة. وفيما تقدم يقول الناظم:
ومن مضارع لـ"كان" منجزم
…
تحذف نون وهو حذف ما التزم*
أي: إن المضارع من "كان" مطلقا -تامة أو ناقصة- تحذف منه النون عند جزمه، وهو حذف جائز غير لازم.
(5)
هو أبو عبد الرحمن يونس بن حبيب المصري، من أصحاب أبي عمرو بن العلاء. كان بارعا في النحو؛ سمع من العرب، وروى عنه سيبويه كثيرا؛ فهو شيخه، وسمع منه الكسائي والفراء، وله قياس في النحو ومذاهب ينفرد بها. وكان له بالبصرة حلقة يؤمها أهل العلم وطلاب العربية، وفصحاء الأعراب والبادية. ومات في خلافة الرشيد سنة 182 هـ، وقد قارب التسعين، ولم يتزوج.
* "ومن مضارع" جار ومجرور متعلق بتحذف. "لكان" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لمضارع. "منجزم" نعت ثان لمضارع. "تحذف نون" فعل ونائب فاعل. "وهو حذف" مبتدأ وخبر. "ما" نافية. "التزم" ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود على حذف، والجملة في محل رفع صفة لحذف.
فإن لم تك المرآة أبدت وسامة
(1)
وحمله الجماعة على الضرورة؛ كقوله:
ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل
(2)
(1)
صدر بيت من الطويل للخنجر بن صخر الأسدي. وعجزه:
فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم
اللغة والإعراب: المرآة: معروفة، وسميت بذلك لأنها آلة الرؤية. أبدت: أظهرت وسامة: حسنا وجمالا وبهاء منظر. ضيغم: أسد. "إن" شرطية جازمة. "تك" مضارع مجزوم بلم على النون المحذوفة، وهو فعل الشرط. "المرآة" اسم تكن، وجملة "أبدت" خبرها "وسامة" مفعول أبدت. "فقد" الفاء واقعة في جواب الشرط. "جبهة" مفعول أبدت الثانية.
المعنى: نظر الشاعر في المرآة فلم يرقه منظره فقال مسليا نفسه: إن لم تظهر المرآة جمالا وحسن منظر، فقد أظهرت وجه أسد في الإقدام والشجاعة.
الشاهد: حذف نون المضارع من "كان" المجزوم بالسكون، مع أنه قد وليها ساكن على مذهب يونس.
(2)
عجز بيت من الطويل للنجاشي الحارثي، قيس بن عمرو بن مالك. وصدره:
فلست بآتيه ولا أستطيعه
اللغة والإعراب:
"بآتيه" جار ومجرور خبر ليس، أو الباء زائدة و"آتي" خبر، والهاء مفعوله؛ لأنه اسم فاعل. "ولاك" حرف استدراك مبني على سكون النون المحذوفة للضرورة "إن كان" شرط وفعله. "ماؤك" اسم كان ومضاف إليه "ذا فضل" خبر كان ومضاف إليه.
المعنى: يقال إنه عرض للشاعر ذئب في سفره، فدعاه إلى طعامه ومؤاخاته، غير ممتن عليه بذلك، فقال له الذئب: لقد دعوتني إلى شيء لم تفعله السباع قبلي، ولست بآت طعامك، ولا أستطيع إتيانه، ولكن إن كان فيما معك من الماء زيادة فاسقني منه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الشاهد: حذف النون من "لكن"، ولو ذكرت لكسرت للتخلص من الساكنين، ولكن الشاعر حذفها للضرورة، كما حذفت النون من "يكن" في البيت السابق. وجوهر الخلاف بين الجمهور ويونس: أنه لا يتعد بالتحرك العارض بسبب التقاء الساكنين، في تحصين الحرف من الحذف، بل ذلك يكون للحركة الأصلية. أما الجمهور فيرون التحصن بالحركة العارضة من الحذف.
فائدتان:
أ- إذا دخلت أداة النفي على فعل من النواسخ المتقدمة -غير زال وأخواتها- فالمنفي هو الخبر؛ فإن قلت: ما كان العدو إلا خائفًا، وقع النفي على الخوف؛ فإذا أريد نفي الاسم وإيجاب الخبر لغرض بلاغي؛ كالحصر مثلًا، أتى بكلمة "إلا"؛ فتقول: ما كان العدو إلا خائفًا.
ب- إذا كان خبر الناسخ منفيا، جاز دخول حرف الجر الزائد عليه؛ تقول: ما كان محمد بمتهم؛ فمتهم خبر كان، مجرور لفظًا بالباء الزائدة، وفي محل نصب؛ لأنه خبر. وهذا عام في جميع أخبار النواسخ المنفية، إلا زال وأخواتها؛ لأن أخبارها موجبة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأسئلة والتمرينات:
1 ما الأفعال التي تعمل عمل "كان" بلا شرط مطلقًا؟ وما شرط عمل دام؟ مثل.
2 ما الذي يشترط في زال وأخواتها؟ ومتى تكون زال تامة؟ مثل لما تقول.
3 يسمي النحاة "كان" أم الباب، فلماذا؟ وما الذي اختصت به عن غيرها حتى استحقت هذا اللقب؟
4 اشرح قول ابن مالك الآتي شرحا وافيا موضحا بالأمثلة، والشروط:
ومن مضارع لـ"كان" منجزم
…
تحذف نون وهو حذف ما التزم*
5 ما حكم خبر هذه الأفعال؟ من حيث التقدم عليها، أو على اسمها. اشرح ذلك بأمثلة من عندك.
6 بين موضع الاستشهاد بما يأتي في هذا الباب، وعلله، وأعرب ما تحته خط:
قال -تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} ، {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} ، {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} ، {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ} ، {أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} ، {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} ، {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ} ، {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} ، {أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} ، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}. وفي الحديث:"لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما ترزق الطير؛ تغدو خماصًا وتعود بطانًا". وقال عليه السلام: "إن هذا القرآن كائن لكم أجرًا، وكائن عليكم وزرا".
فقلت يمين الله أبرح قاعدًا
…
ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه
…
يحور رمادًا بعد إذ هو ساطع
سلبي إن جهلت الناس عنا وعنهمو
…
فليس سواء عالم وجهول
إذا كان الشتاء فأدفئوني
…
فإن الشيخ يهدمه الشتاء
ومن بك ذا فم مر مريض
…
يجد مرا به الماء الزلالا
لئن كان سلمى الشيب بالضد مغريا
…
لقد هون السلوان عنها التحلم
=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
7 أعرب البيت الأول، وما تحته خط من الثاني، وبين ما فيهما من شاهد:
مه عاذلي فهائمًا لن أبرحا
…
بمثل أو أحسن من شمس الضحى
إن الزمان الذي ما زال يضحكنا
…
أنسا بقربكم قد عاد يبكينا
8 بين في العبارات الآتية الأدوات الناقصة، والتامة، ومعمول كل:
قال عليه السلام: "لا يتمن أحدكم الموت؛ إما محسنًا فلعله يزداد، وإما مسيئا فلعله يستعتب". كن في عملك مراقبا ربك؛ فليس مولاك بغافل عنك وكل محاسب على عمله؛ إن مخلصًا وإن مرائيًا. لقد زال زمن الاستعباد، وأضحى كل حرا في وطنه، وسيظل الحال كذلك حتى يمسي كل فرد قرير العين؛ فلا عليك إذا جاهرت برأيك، ما دمت في حدود القانون، ولقد أصبح العمل دعامة الوطن، وصار العامل عنوان التقدم، فكنه تفز بالخير، وتقدير الوطن ولو قليلا.
علمتك منانًا فلست بآمل
…
نداك ولو غرثان ظمآن عاريا
فصل في: ما، ولا، ولات، وإن المعملات عمل ليس تشبيهًا بها:
أما "ما": فأعملها الحجازيون، وبلغتهم جاء التنزيل؛ قال الله -تعالى:{مَا هَذَا بَشَرًا} ، {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ}
(1)
. ولإعمالهم إياها أربعة شروط:
أحدها: ألا يقترن اسمها بـ"إن" الزائدة
(2)
؛ كقوله:
بني غدانة ما إن أنتم ذهب
(3)
وأما رواية يعقوب
(4)
"ذهبًا" بالنصب، فتخرج على أن "إن" نافية مؤكدة لما، لا زائدة.
فصل في: ما، ولا، ولات، وإن، المعملات عمل ليس تشبيهًا بها:
(1)
"ما" نافية حجازية. "هن" اسمها مبني على الفتح في محل رفع. "أمهاتهم" خبرها منصوب بالكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث، والهاء مضاف إليه، والميم علامة الجمع.
(2)
فإن اقترن الاسم بها بطل عملها؛ لأنها عملت بالحمل على ليس، و"ليس" لا يقترن اسمها بإن. وقيد بالزائدة؛ لأنها إذا جاءت نافية لتأكيد النفي، لم يبطل عملها، بشرط أن يكون في الكلام ما يدل على ذلك.
(3)
صدر بيت من البسيط، أنشده ثعلب في أماليه، ولم ينسبه، وعجزه:
ولا صريف ولكن أنتم الخزف
اللغة والإعراب:
غدانة: حي من يربوع. صريف: فضة خالصة. خزف. هو الفخار، وبائعه خزاف. "بني" منادى بحذف الياء. "غدانة" مضاف إليه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. "ما" نافية مهملة. "إن" زائدة. "أنتم ذهب" مبتدأ وخبر. "ولا صريف" معطوف على ذهب. "ولكن" حرف استدراك. "أنتم الخزف" مبتدأ وخبر.
المعنى: يهجو بني غدانة ويقول: لستم يا بني غدانة من كرام الناس، ولا من أوساطهم، ولكنكم من الطبقة الدنيا ومن الأسقاط، فلم هذا التفاخر والتعاظم؟ وجعل الذهب مثلًا للأشراف، والفضة مثلًا لمن دونهم، وأراد بالخزف حثالة الناس.
الشاهد: إهمال "ما" لوقوع "إن" الزائدة بعدها.
(4)
هو أبو يوسف، يعقوب بن إسحاق، المعروف بابن السكيت النحوي، وهو لقب أبيه أخذ النحو عن البصريين والكوفيين؛ كالفراء، وأبي عمرو الشيباني، وابن الأعرابي. =
الثاني: ألا ينتقض نفي خبرها بإلا
(1)
؛ فلذلك وجب الرفع في: {وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ} ، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} ، فأما قوله:
وما الدهر إلا منجنونًا بأهله
…
وما صاحب الحاجات إلا معذبا
(2)
وروي عن الأصمعي وأبي عبيدة. وكان عالمًا بنحو الكوفيين، ومن أعلم الناس بالقرآن واللغة والشعر. رواية ثقة. وقد أقام ببغداد مدة لتعليم الصبيان، وأدب أولاد المتوكل. قيل: إنه بينما كان مع المتوكل يومًا مر بهما ولداه المعتز والمؤيد، فسأله: من أحب إليك؟ ابناي هذان أم الحسن والحسين؟ فغض يعقوب من ابنيه، وأثنى على الحسن والحسين، وقال: قنبر خير منهما، وقنبر هذا خادم علي، فأمر الأتراك فداسوا بطنه، فعاش يوما، ومات سنة 244 هـ، ولما مات وجه المتوكل إلى أهله عشرة آلاف درهم دية له. وله رحمه الله تصانيف كثيرة في النحو، ومعاني القرآن، وتفسير دواوين العرب. قيل: لم يأت بعده مثله.
(1)
ومثل "إلا" لكن، وبل، بخلاف "غير"، فإن النقض بها لا يبطل عملها؛ تقول: ما الظلم غير مرد لصاحبه، بنصب "غير".
(2)
بيت من الطويل، أنشده ابن جني، ونسبه لبعض الأعراب، ولم يعينه.
اللغة والإعراب: الدهر: الزمان والأبد، والمراد هنا: الفلك الدائر. منجنونا: هي الدولاب التي يستقي عليها، والأكثر فيها التأنيث. "ما" نافية مهملة. "الدهر" مبتدأ. "إلا" أداة حصر. "منجنونا" مفعول مطلق عامله محذوف كما ذكر المصنف، أو مفعول لفعل محذوف؛ أي: يشبه منجنونا، والجملة خبر المبتدأ. والشطر الثاني كذلك.
المعنى: أن الزمان ليس له صاحب، ولا يدوم على حالة واحدة؛ فهو يخفض اليوم من رفعه بالأمس، كالدولاب يرتفع وينخفض، وصاحب الحاجات يعاني في قضائها العذاب، ويتحمل المشاق والمصاعب.
الشاهد: استشهد بظاهر هذا البيت يونس وغيره كالشلوبين، فجعلوا "ما" عاملة في صدر البيت وعجزه، و"الدهر" اسمها، و"منجنونا" و"معذبا" خبرها؛ زعما أن انتقاض نفي الخبر بإلا، لا يمنع إعمال "ما"، وقد أوله الجمهور على ما ذكره المصنف.
فمن باب: ما زيد إلا سيرًا
(1)
؛ أي: إلا يسير سيرًا. والتقدير: إلا يدور دوران منجنون، وإلا يعذب معذبًا؛ أي: تعذيبًا
(2)
. ولأجل هذا الشرط أيضًا وجب الرفع بعد "بل"، و"لكن" في نحو: ما زيد قائما بل قاعد، أو: لكن قاعد، على أنه خبر لمبتدأ محذوف. ولم يجز نصب بالعطف؛ لأنه موجب
(3)
.
الثالث: ألا يتقدم الخبر؛ كقولهم: "ما مسيء من أعتب"
(4)
، وقوله:
وما خذل قومي فأخضع للعدا
(5)
(1)
أي: إن كلا من منجنونا ومعذبا مفعول مطلق عامله المحذوف هو الخبر عن اسم ذات مبتدأ، وقيل معذب مصدر ميمي بمعنى التعذيب.
(2)
إنما قدر لفظ "دوران" قبل منجنون؛ لأن الذي ينصب مفعولًا مطلقًا يجب أن يكون مصدرًا، أو اسم مصدر، أو آلة للفعل أو عدد، كما سيأتي في موضعه، ومنجنونا ليس واحد منها؛ لأنه اسم ذات للدولاب. وقدر تعذيبًا؛ لأن معذبًا اسم مفعول، وهو لا يقع مفعولًا مطلقًا.
(3)
أي: مثبت، وقد ذكرنا سابقا أن "بل" و"لكن"، مثل "إلا". وفي هذا يقول الناظم:
ورفع معطوف بلكن أو ببل
…
من بعد منصوب بما الزم حيث حل*
أي: الزم رفع معطوف بلكن أو ببل من بعد منصوب بـ"ما" حيث حل -أي: وجد- ذلك المنصوب. وهو الخبر.
(4)
"ما" نافية مهملة. "مسيء" خبر مقدم. "من" مبتدأ مؤخر، ويجوز أن يعرب "مسيء" مبتدأ، و"من" فاعل أغنى عن الخبر، وجملة "أعتب" صلة "من" أو صفتها. والمعتب: الذي يعود إلى مسرتك بعد ما أساءك.
(5)
صدر بيت من الطويل، لم ينسب لقائل، وعجزه: =
* "ورفع" مفعول مقدم لقوله الزم. "معطوف" مضاف إليه. "بلكن" متعلق بمعطوف. "أو ببل" معطوف على "بلكن". "من بعد" جار ومجرور متعلق برفع. "منصوب" مضاف إليه. "بما" متعلق بمنصوب. "حيث" ظرف مكان متعلق بالزم في محل نصب. "حل" فعل ماض، والفاعل هو، والجملة في محل جر بإضافة حيث إليها.
فأما قوله:
إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر
(1)
=
ولكن إذا أدعوهم فهم هم
اللغة والإعراب:
خذل: جمع خاذل، اسم فاعل من خذلك، إذا ترك نصرتك ومعونتك. أخضع: أذل وأستكين. فهم هم، أي: إنهم هم المعروفون بالشهامة والشجاعة. "ما" نافية مهملة. "خذل" خبر مقدم. "قومي" مبتدأ مؤخر. "فأخضع" مضارع منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية. "للعدا" متعلق به مجرور بكسرة مقدرة على الألف. "لكن" حرف استدراك. "إذا أدعوهم" شرط وفعله وفاعله ومفعوله. "فهم" الفاء واقعة في جواب الشرط، و"هم" مبتدأ، و"هم" الثانية خبر.
المعنى: ما عودني قومي أن يخذلوني، ويقعدوا عن نصرتي ومعاونتي، والوقوف بجانبي، حتى أخضع وأستكين للأعداء، ولكن إذا دعوتهم هبوا لنصرتي، ووجدت منهم ما أعرفه فيهم؛ من كمال الرجولة والمعاونة الصادقة.
الشاهد: إهمال "ما" لتقدم خبرها على اسمها على رأي الجمهور قال الناظم:
إعمال "ليس" أعملت "ما" دون "إن"
…
مع بقا النفي وترتيب زكن*
يعني أن "ما" تعمل عمل "ليس" بشرط ألا توجد بعدها "إن" الزائدة، وألا ينتقض نفيها، وأن يبقى الترتيب المعلوم بين اسمها وخبرها. ومعنى زكن: علم.
(1)
عجز بيت من البسيط للفرزدق، من قصيدة يمدح فيها عمر بن عبد العزيز وصدره:
فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم
اللغة والإعراب:
أصبحوا: معناها هنا: صاروا. أعاد: رد. نعمتهم: المراد البسط في السلطان. قريش: قبيلة منها الرسول، وبنو أمية قوم عمر. "أصبحوا" فعل ماض ناقص والواو اسمها، والجملة بعده خبر. "إذ" حرف تعليل. "هم قريش" مبتدأ وخبر. "ما" نافية عاملة "مثلهم" خبر مقدم منصوب ومضاف إليه. "بشر" اسمها مؤخر.
المعنى: أصبحت بنو أمية -وهم من قريش- وقد رد الله عليهم نعمة الخلافة وبسطة الملك وعزه؛ بتولي عمر بن عبد العزيز زمام الأمور؛ فهم قريش المقدمون على سائر قبائل العرب، والذين لا يماثلهم أحد من البشر؛ لأن منهم خير الخلق.
الشاهد: إعمال "ما" مع تقدم خبرها على اسمها. وذكر المصنف ما فيه من خلاف؛ فالجمهور يأبون ذلك ولا يقرون هذا الشاهد، ويؤولونه على النحو المبسوط، والفراء ومن تبعه لا يشترط هذا الشرط.
* "إعمال" مفعول مطلق منصوب بأعملت. "ليس" مضاف إليه مقصود لفظه. "أعملت" فعل ماض للمجهول والتاء للتأنيث. "ما" نائب فاعل أعملت مقصود لفظه. "دون" ظرف في موضع الحال من ما "إن" مضاف إليه. "مع" ظرف حال من ما. "بقا" مضاف إليه، وقصر للضرورة. "النفي" مضاف إليه. "وترتيب" معطوف على بقا. "زكن" -أي: علم- ماض مبني للمجهول والجملة صفة لترتيب.
فقال سيبويه: شاذ. وقيل: غلط، وإن الفرزدق لم يعرف شرطها عند الحجازيين
(1)
.
وقيل "مثلهم" مبتدأ، ولكنه بني لإبهامه مع إضافته للمبني. ونظيره
(2)
: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} ، {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} ، فيمن فتحهما
(3)
.
وقيل: "مثلهم" حال والخبر محذوف
(4)
؛ أي: ما في الوجود بشر مثلهم.
الرابع: ألا يتقدم معمول خبرها على اسمها
(5)
؛ كقوله:
وما كل من وافى مني أنا عارف
(6)
(1)
فيه نظر؛ لأن العربي لا يطاوعه لسانه على النطق بغير لغته.
(2)
أي: نظير "مثل" في البناء على الفتح، واكتسابها البناء من المضاف إليه.
(3)
أي: مع أن "مثل" تستحق الرفع على التبعية لحق، "بين" كذلك؛ لأنه فاعل تقطع.
(4)
وإضافته لا تفيده تعريفا، وهو في الأصل نعت لبشر، ونعت النكرة إذا تقدم عليها أعرب حالا؛ وعلى ذلك تكون "ما" مهملة، و"بشر" مبتدأ، وخبره محذوف مقدم على الحال كما قدر المصنف.
(5)
فإن تقدم بطل عملها.
(6)
عجز بيت من الطويل، لمزاحم بن الحارث العقيلي، وهو من شواهد سيبويه. وصدره:
وقالوا تعرفها المنازل من منى
اللغة والإعراب:
تعرفها: تطلب معرفتها، واسأل عنها. "مني" هو المكان المعروف القريب من مكة، وفيه نسك من مناسك الحج، وفيه تنحر الهدايا. "المنازل" مفعول فيه لتعرفها. "من منى" جار ومجرور حال من المنازل. "وما" نافية مهملة. "كل" منصوب على المفعولية لعارف "من" اسم موصول مضاف إليه. "وافى منى" الجملة صلة من "أنا عارف" مبتدأ وخبر.
المعنى: افتقد مزاحم محبوبته في الحج، فسأل عنها، فقالوا له: سل عنها منازل الحج من منى، فقال: ذلك غير مجد؛ لأني لا أعرف جميع من وفد إلى منى حتى أسأله عنها.
الشاهد: إهمال "ما" لتقدم معمول الخبر -وهو: كل- وليس ظرفا ولا جارا ومجرورا. ويجوز رفع "كل" وتكون "ما" مهملة أيضا، أو عاملة، و"كل" اسمها، وجملة "أنا عارف" في محل نصب خبرها، والعائد محذوف؛ أي: عارفه، ولا شاهد فيه حينئذ.
إلا إن كان المعمول ظرفًا، أو مجرورًا؛ فيجوز كقوله:
فما كل حين من توالي مواليا
(1)
(1)
عجز بيت من الطويل، لم ينسب لقائل، وصدره:
بأهبة حزم لذ وإن كنت آمنا
اللغة والإعراب:
أهبة: هي التهيؤ للشيء والاستعداد له. حزم: هو التدبر والفحص عن الأمور. لذ: التجئ. توالي: تصافي وتعاون "بأهبة" جار ومجرور متعلق بلذ "حزم" مضاف إليه. "وإن" الواو عاطفة على محذوف، وإن شرطية. "كنت آمنا" كان واسمها وخبرها، فعل الشرط، والجواب محذوف يدل عليه ما قبله. "فما" الفاء للتعليل، و"ما" نافية مهملة. "كل حين" ظرف منصوب بمواليا ومضاف إليه. "من" اسم موصول في محل رفع اسم "ما"، وجملة "توالي" صلتها. "مواليا" خبرها.
المعنى: عليك بالحزم وتمسك به دائما، وإن كنت واثقا من نفسك ومن أصدقائك، آمنا كيد غيرك؛ فليس كل صديق مأمون الجانب في كل وقت.
الشاهد: إعمال "ما" مع تقدم معمول الخبر؛ وهو "كل حين"، وسوغ ذلك كون المعمول ظرفا، والظروف يتوسع فيها. وفي ذلك يقول الناظم:
وسبق حرف جر أو ظرف كـ"ما
…
بي أنت معنيَّا" أجاز العلما*
أي: أجاز العلماء تقديم معمول الخبر على الاسم: إذا كان المعمول حرف جر مع مجروره، مثل: ما بي أنت معنيا وكان ظرفًا نحو: ما عندك مال.
هذا: وبقي من شروط عمل "ما": ألا تتكرر لا بقصد تأكيد النفي، بل لنفي ما قبلها، نحو: ما ما العربي مقيم على الضيم؛ لأن نفي النفي إثبات، فتصبح "ما" بعيدة عن النفي. فإن قصد بالتكرار تأكيد النفي في الأولى -لا إزالته- صح الإعمال.
* "وسبق حرف" مفعول به مقدم لأجاز مضاف لفاعله. "جر" مضاف إليه. "أو ظرف" معطول على حرف جر. "كما" الكاف جارة لقول محذوف، وما نافية حجازية. "بي" متعلق بمعنيا "أنت". "اسم نا. "معنيا" خبرها. "العلما" فاعل أجازه، وقصر للضرورة.
وأما لا: فإعمالها عمل "ليس" قليل
(1)
، ويشترط له الشروط السابقة، ما عدا الشرط الأول
(2)
، وأن يكون المعمولان نكرتين
(3)
. والغالب أن يكون خبرها محذوفًا، حتى قيل بلزوم ذلك؛ كقوله:
فأنا ابن قيس لا براح
(4)
(1)
هذا مذهب سيبويه وبعض الحجازيين، وتسمى "لا النافية" للوحدة؛ لأنها تدل على نفي الخبر عن فرد واحد، إن كان اسمها مفردا؛ نحو: لا رجل غائبًا، ولا تدل على الجنس كله.
(2)
وهو ألا يقترن الاسم بإن الزائدة؛ لأنها لا تقع بعد "لا".
(3)
فإن كان أحدهما معرفة، أو كلاهما، لم تعمل، وأما قول المتنبي:
فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا
وقول النابغة الجعدي:
وحلت سواد القلب لا أنا باغيا
…
سواها ولا عن حبها متراخيا
فنادر ويجوز أن يكون خبرها جملة فعلية، أو شبه جملة؛ لأنهما في حكم النكرة.
(4)
عجز بيت من الكامل؛ لسعد بن مالك القيسي، جد طرفة بن العبد في الفخر، وهو يعرض بالحارث بن عباد، حين اعتزل حرب البسوس المعروفة، بين بكر وتغلب؛ ابني وائل. وصدره:
من صد عن نيرانها
اللغة والإعراب:
صد: أعرض وامتنع. نيرانها: الضمير للحرب في أبيات سابقة. قيس: جده الأعلى. لا براح: لا زوال ولا فرار. "من" اسم شرط جازم مبتدأ. "عن نيرانها" متعلق بصد الواقع فعلًا للشرط. "فأنا ابن قيس" مبتدأ وخبر، وهو علة للجواب المحذوف؛ أي: فأنا لا أصد؛ لأني ابن قيس. "لا" نافية للوحدة. "براح" اسمها مرفوع بالضمة والخبر محذوف؛ أي: لا براح لي، وهو "الشاهد".
وقبل هذا البيت:
يا بؤس للحرب التي
…
وضعت أراهط فاستراحوا
المعنى: من امتنع عن اقتحام الحرب، وتحمل ويلاتها، فأنا لا أمتنع؛ لأني ابن قيس المعروف بالشجاعة، والنجدة والإقدام؛ لا براح لي، ولا نكوص عن خوضها.
والصحيح جواز ذكره؛ كقوله:
تعز فلا شيء على الأرض باقيا
…
ولا وزر مما قضى الله واقيا
(1)
وإنما لم يشترط الشرط الأول؛ لأن "إن" لا تزاد بعد "لا" أصلًا.
حكم لات:
وأما لات: فإن أصلها "لا"، ثم زيدت التاء
(2)
، وعملها إجماع من العرب وله شرطان
(3)
: كون معموليها اسمي زمان، وحذف أحدهما، والغالب كونه المرفوع؛ نحو:{وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ}
(4)
؛ أي: ليس الحين حين فرار. ومن القليل قراءة
(1)
بيت من الطويل، لم ينسب لقائل مع شهرته.
اللغة والإعراب:
تعز. تسل وتصبر، من العزاء؛ وهو التصبر على المصائب. وزر: ملجأ. واقيا: حافظا؛ وهو اسم فاعل من الوقاية. "تعز" فعل أمر والفاعل أنت. "فلا" الفاء للتعليل، و"لا" نافية للوحدة. "شيء" اسمها مرفوع. "على الأرض" متعلق بواقيا الواقع خبرا للا، و"ما" اسم موصول. "قضى الله" الجملة صلة ما، والعائد محذوف؛ أي: قضاء.
المعنى: تسل وتصبر على ما يصيبك من الكوارث والمصائب، فكل شيء إلى زوال، ولا يبقى على وجه الأرض شي، وليس هنالك ملجأ يقي الإنسان ويحفظه مما قضاه الله وقدره.
الشاهد: عمل "لا" عمل "ليس" في صدر البيت وعجزه، وذكر معموليها، وهما نكرتان.
(2)
أي: لتأنيث اللفظ؛ كالتاء في "ربت" و"ثمت"، وتفيد مع ذلك توكيد النفي وتقويته. ولعل من الخير أن يقال: إنها كلمة واحدة؛ معناها نفي الزمن الحالي عند الإطلاق؛ كما رأى بعض النحاة.
(3)
أي: مع الشروط الخاصة بعمل ما؛ ما عدا وقوع "إن" الزائدة؛ لأنها لا تقع بعد "لات".
(4)
"لا" نافية تعمل عمل ليس، والتاء للتأنيث اللفظي، أو "لات" كلها حرف نفي واسمها محوذف؛ أي: ليس الحين أو الوقت. "حين مناص" خبر منصوب ومضاف إليه.
بعضهم برفع الحين
(1)
.
وأما قوله:
يبغي جوارك حين لات مجير
(2)
فارتفاع "مجير" على الابتداء أو على الفاعلية، والتقدير: حين لات له مجير، أو يحصل له مجير، و"لات" مهملة؛ لعدم دخولها على الزمان. ومثله قوله:
(1)
أي: على أنه اسمها والخبر محذوف؛ أي: ليس حين فرارا حينا لهم. وهذه القراءة لعيسى بن عمر في الشواذ.
(2)
عجز بيت من الكامل: للشمردل الليثي؛ يرثي منصور بن زياد، وفي الحماسة: أنه لعبد الله بن أبي أيوب التيمي. وصدره:
لهفي عليك للهفة من خائف
اللغة والإعراب:
لهفي: أسفي، من اللهف؛ وهو الحزن والأسى على فائت. للهفة: أي: لأجل لهفة؛ أي: استغاثة. مجيز: ناصر يمنع الأذى ويدفعه. "لهفي" مبتدأ. "عليك" جار ومجرور خبر، أو متعلق به، و"للفهة" هو الخبر؛ أي: حزني عليك حزن شديد. "يبغي جوارك" الجملة صفة لخائف. "حين" ظرف ليبغي. "لات" نافية مهملة. "مجير" مبتدأ، وخبره الجار والمجرور المقدر قبله. أو فاعل لمحذوف كما قدر المصنف.
المعنى: لي عليك حسرة شديدة وحزن عميق، من أجل رجل نابه ريب الزمان، وعضه الدهر، وطلب الغوث فلم يجدك، وقد كنت نصيرا لمن لا ملجأ له ولا نصير.
الشاهد: إهمال "لات"؛ لعدم دخولها على الزمان. وفي ذلك يقول الناظم:
وما لـ"لات" في سوى حين عمل
…
وحذف ذي الرفع فشا والعكس قل*
أي: إن "لات" لا تعمل في غير الحين؛ أي: الزمن، ولا بد من حذف أحد معموليها، وحذف الاسم صاحب الرفع هو الفاشي؛ أي: الشائع، والعكس قليل، وهو حذف الخبر.
* "وما" نافية. "للات" خبر مقدم. "في سوى" جار ومجرور متعلق بعمل الآتي. "حين" مضاف إليه. "عمل" مبتدأ مؤخر، وسكن للضرورة. "وحذف" مبتدأ. "ذي الرفع" مضافان إليه. "فشا" ماض فاعله يعود إلى حذف ذي الرفع، والجملة خبر المبتدأ. "والعكس قل" العكس مبتدأ، وجملة "قل" خبر.
لات هنا ذكرى جبيرة
…
(1)
إذ المبتدأ "ذكرى" وليس بزمان.
حكم إن:
وأما إن: فإعمالها نادر
(2)
، وهو لغة أهل العالية
(3)
؛ كقول بعضهم: "إن أحد خيرا من
(1)
قطعة من صدر بيت؛ من الخفيف، للأعشى ميمون بن قيس. وتمامه:
أو من
…
جاء منها بطائف الأهوال
اللغة والإعراب:
هنا: اسم إشارة للمكان، واستعير هنا للزمان. ذكرى: تذكر جبيرة: اسم امرأة؛ وهي بنت عمرو بن حزم، وقيل هي امرأة الأعشى. بطائف، الطائف: الذي يطرق ليلا، وأراد هنا خيالها الذي يطرقه عند النوم. الأهوال: جمع هوال، وهو الخوف. "لات" حرف نفي مهملة. "هنا" ظرف زمان متعلق بمحذوف خبر مقدم. "ذكرى جبيرة" مبتدأ مؤخر، ومضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله. ويجوز أن يكون "هنا" متعلق بذكرى، والخبر محذوف؛ أي: ليت ذكرى جبيرة مقبولة.
المعنى: ليس هذا الوقت. وقت تذكر جبيرة، أو تذكر ذلك الطائف الذي أزعجك؛ لما رأيته من ضبها.
الشاهد: إعمال "لات"؛ لأن اسمها ليس بزمان كما أشار المصنف. وذهب سيبويه وآخرون إلى أن "هنا" التي تقع بعد "لات" في مثل هذا البيت، ظرف زمان متعلق بمحذوف خبر لها، وقد أضيفت إلى ذكرى جبيرة، واسم "لات" محذوف؛ أي: ليس الوقت وقت ذكرى جبيرة.
هذا: وقد تهمل "لات" وتكون للنفي المحض؛ كقول الشاعر:
ترك الناس لنا أكنافهم
…
وتولوا لات لم يغن الفرار
وذلك مقصور على السماع.
(2)
وهي لنفي الزمن الحالي عند الإطلاق، ويشترط فيها عند الإعمال، ما يشترط في "ما" إلا أن "إن" لا تقع بعدها.
(3)
هي ما فوق نجد إلى تهامة، وإلى مكة وما والاهما. وبها أخذ الكوفيون، ما عدا الفراء، وبعض البصريين؛ كالمبرد وابن السراج والفارسي، وتبعهما ابن مالك حيث يقول:
في النكرات أعملت كليس "لا"
…
وقد تلي "لات" و"إن" ذا العملا *
أي: أعملت "لا" في النكرات عمل ليس، وقد تتولى "لات""وإن" هذا العمل فترفع كل منهما الاسم وتنصب الخبر.
* "في النكرات" متعلق بأعملت. "أعملت" ماض للمجهول، والتاء للتأنيث. "كليس" متعلق بمحذوف حال من "لا" أو صفة لموصوف محذوف؛ أي: إعمالا مماثلًا إعمال ليس. "لا" نائب فاعل أعملت مقصود لفظه. "وقد" حرف تقليل. "لات" فاعل تلي. "وإن" معطوف على لات. "ذا" اسم إشارة مفعول تلي. "العملا" بدل، أو نعت لاسم الإشارة.
أحد إلا بالعافية
(1)
، وكقراءة سعيد
(2)
: {إِنْ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادًا أَمْثَالُكُمْ}
(3)
.
وقول الشاعر:
إن هو مستوليا على أحد
(4)
(1)
" إن" نافية بمعنى ليس. "أحد" اسمها مرفوع. "خيرا" خبرها.
(2)
هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الكوفي، تابعي من قراء الكوفة، وقد قتله الحجاج بواسط شهيدا فمات سنة 95 هـ.
(3)
القراءة بسكون نون "إن" ونصب "عبادا؛ فتكون "إن" نافية بمعنى ليس، و"الذين" اسمها مبني على الياء في محل رفع "تدعون" الجملة صلة. "عبادا" خبر إن.
المعنى: ليس الأصنام الذين تعبدونهم من دون الله عقلاء مثلكم؛ بل هي دونكم؛ لعدم الحياة والإدراك، فكيف تعبدونهم؟
(4)
صدر بيت من المنسرح، أنشده الكسائي، شاهدا على عمل "إن" عمل ليس.
وعجزه:
إلا على أضعف المجانين
اللغة والإعراب:
مستوليا: اسم فاعل من استولى على الشيء؛ أي: تولاه وملك زمام التصرف فيه. المجانين: جمع مجنون؛ وهو الذي ذهب عقله. "إن" نافية عاملة عمل ليس. "هو" اسمها مبني على الفتح في محل رفع. "مستوليا" خبرها. "على أحد" جار ومجرور متعلق به. "إلا" أداة استثناء مفرغ. "على أضعف" بدل من "على أحد" يدل بعض من كل. "المجانين" مضاف إليه.
المعنى: ليس لهذا الرجل سلطان وولاية على أحد من الناس، إلا على أشد المجانين ضعفًا.
الشاهد: إعمال "إن" عمل ليس على رأي الكوفيين، ومن تبعهم. ويخرجه المانعون: على أن "إن" مخففة ناصبة للجزأين معا. ويؤخذ من البيت: "أن انتقاض النفي بإلا -بالنسبة إلى معمول خبرها- لا يبطل عملها.
فصل وتزاد الباء بكثرة في خبر "ليس"
(1)
، و"ما"
(2)
؛ نحو: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} ، {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ} . وبقلة في خبر "لا"
(3)
، وكل ناسخ منفي؛ كقوله:
فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة
…
بمغن فتيلًا عن سواد بن قارب
(4)
(1)
بشرط ألا تكون أداة استثناء، وألا ينتقض النفي. ويكون الخبر مجرورا لفظا، منصوبا تقديرا. وقد تزاد الباء في الاسم إذا تأخر إلى موضع الخبر؛ كقول الشاعر:
أليس عجيبًا بأن الفتى
…
يصاب ببعض الذي في يديه
وهذه الزيادة تقوي الحكم المستفاد من الجملة وتؤكده.
(2)
سواء كانت عاملة أو مهملة، ويكون ما بعد الباء في محل نصب خبرها، إن كانت عاملة، وفي محل رفع خبر المبتدأ إن كانت مهملة.
(3)
سواء كانت عاملة عمل "ليس" أو عمل "إن".
(4)
بيت من الطويل، لسواد بن قارب الأزدي، من قصيدة يخاطب بها النبي عليه السلام.
اللغة والإعراب:
لا ذو شفاعة: لا صاحب شفاعة. فتيلا: هو الخيط الذي يكون في شق النواة. "لي" متعلق بشفيعا الواقع خبر لـ"كن". "يوم" ظرف مضاف إليه. "بمغن" خبر لا على زيادة الباء، منصوب بفتحة مقدرة على الياء المحذوفة للساكنين، منع منها حركة حرف الجر الزائد؛ ومغن: اسم فاعل، فاعله يعود على ذو شفاعة. "فتيلا" منصوب على النيابة عن المفعول المطلق؛ أي: غناء ما. "عن سواد" متعلق بمغن. "ابن قارب" مضاف إليه.
المعنى: كن شفيعي يا رسول الله في اليوم الذي لا ينفعني فيه صاحب شفاعة نفعا ما، وذلك يوم القيامة.
الشاهد: إدخال الباء الزائدة على خبر "لا" النافية؛ وهو "مغن"، وذلك قليل.
وقوله:
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن
…
بأعجلهم. . . . . . . . . . .
(1)
وقوله:
فلما دعاني لم يجدني بقعدد
(2)
(1)
جزء من عجز بيت من الطويل، لثابت بن أوس الأزدي، المعروف بالشنفري. وتمامه:
إذ أجشع القوم أعجل
وهذا البيت من قصيدته المعروفة بلامية العرب، والتي مطلعها:
أقيموا بني أمي صدور مطيكم
…
فإني إلى قوم سواكم لأميل
اللغة والإعراب:
بأعجلهم، أي: بعجلهم؛ فهو صفة مشبهة، لا أفعل تفضيل. أجشع، الجشع: شدة الحرص على الطعام. "إن مدت" شرط وفعله. "الأيدي" نائب فاعل مدت. "أكن" مضارع مجزوم بلم واسمها أنا. "بأعجلهم" خبرها على زيادة الباء، منصوب بفتحة مقدرة منع منها حركة حرف الجر الزائد، والهاء مضاف إليه، والميم علامة الجمع، والجملة في محل جزم جواب الشرط. "إذ" حرف تعليل. "أجشع القوم أعجل" مبتدأ ومضاف إليه وخبر.
المعنى: إذا تقدم القوم للطعام أو لاقتسام الغنائم، لم أتعجل ذلك، ولا أسبق غيري؛ لأن المتعجل شديد الحرص على ما يقدم عليه، ولست بحريص على السبق في هذه الميدان. وأعجل وأشجع ليسا على بابهما؛ فهما بمعنى: عجل وجشع.
الشاهد: زيادة الباء في خبر مضارع "كان" المنفي بلم؛ وهو قليل. ولا تزاد الباء في خبر. "لا يكون" الاستثنائية.
(2)
عجز بيت من الطويل، لدريد بن الصمة القشيري، من قصيدة يرثي بها أخاه. وصدره:
دعاني أخي والخيل بيني وبينه
اللغة والإعراب:
دعاني: استعان بي وطلب مني أن أغيثه. بقعدد؛ القعدد: الجبان الدنيء القاعد عن المكارم. "دعاني" فعل ماض، والنون للوقاية والياء مفعول. "أخي" فاعل. "والخيل" مبتدأ، والواو للحال. "بيني" ظرف متعلق بمحذوف خبر، وهو مضاف للياء. "وبينه" معطوف على بيني، والجملة حال. "فلما" ظرف بمعنى حين معمول ليجدني. "بقعدد" مفعول ثان ليجد على زيادة الباء. =
وبندور في غير ذلك؛ كخبر إن، ولكن، وليت في قوله:
فإنك مما أحدثت بالمجرب
(1)
= المعنى: استصرخني أخي وطلب معونتي في الحرب، وقد حالت خيل الأعداء بفرسانها بيننا، فأجبته، ولم أجبن، ولم أتوان.
الشاهد: زيادة الباء في المفعول الثاني ليجد المنفي بلم، وهو من أخوات ظن وأصله الخبر. وفي زيادة الباء في خبر "ما"، و"ليس"، و"لا" و"كان" النافية؛ يقول ابن مالك:
وبعد "ما" و"ليس" جر البا الخبر
…
وبعد "لا" ونفي "كان" قد يجر*
أي: جرت الباء الخبر بعد "ما" و"ليس". وقد يجر الخبر بعد "لا" التي هي من أخوات "ليس"، وبعد "كان" المنفية.
(1)
عجز بيت من الطويل، لامرئ القيس الكندي. وصدره:
فإن تنأ عنها حقبة لا تلاقها
اللغة والإعراب:
تنأ عنها: تبتعد. والنأي: البعد، والضمير إلى أم جندب، وهو اسم امرأة ذكرها قبل. حقبة: مدة، والجمع حقب؛ والحقب: السنون بالمجرب: اسم فاعل من التجربة؛ وهي الاختبار بواسطة التكرار. "فإن تنأ" شرط وفعله مجزوم بحذف حرف العلة. "حقبة" منصوب على الظرفية. "لا" نافية. "تلاقها" مضارع مجزوم بحذف الياء بدل من تنأ. "فإنك" الفاء واقعة في جواب الشرط وإن واسمها. "مما جار ومجرور، و"ما" اسم موصول. "أحدثت" الجملة صلة. "بالمجراب" خبر إن على زيادة الباء.
المعنى: إذا ابتعدت مدة عن أم جندب لا تراها فيها، وغابت هي عنك؛ فلا تظن ذلك منها هجرا وقطيعة، وإنما هي تريد أن تعرف مبلغ حبك لها وصدقه، وتلك عادتها، وقد جربت ذلك من قبل.
الشاهد: زيادة الباء في خبر إن؛ وهو "المجرب"، وهذا نادر. وقيل: إن الباء حرف جر أصلي على التشبيه؛ وكأنه قال: إنك مثل الشخص المجرب لأفعالها.
* "وبعد" متعلق بجر. "ما" مضاف إليه. "وليس" معطوف على "ما" قصد لفظهما. "جر البا الخبر" البا -بالقصر- فاعل جر، والخبر مفعوله. "وبعد" متعلق بيجر. "لا" مضاف إليه. "ونفي" معطوف على لا. "كان" مضاف إليه "قد" حرف تقليل. "يجر" مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى الخبر.
وقوله:
ولكن أجرا لو فعلت بهين
(1)
وقوله:
ألا ليت ذا العيش اللذيذ بدائم
(2)
وإنما دخلت في خبر "أن" في: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ} ؛ لما كان {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ} في
(1)
صدر بيت من الطويل، أنشده أبو علي الفارسي، ولم ينسبه لأحد. وعجزه:
وهل ينكر المعروف في الناس والأجر
اللغة والإعراب:
هين: سهل خفيف. المعروف: الخير والعمل الطيب. "لكن" حرف توكيد ونصب. "أجرا" اسمها. "لو فعلت" شرط وفعله، والجواب محذوف. "بهين". "وهل" حرف استفهام للإنكار؛ أي: لا ينكر "المعروف" نائب فاعل ينكر. "في الناس" متعلق بينكر، "والأجر" معطوف على المعروف.
المعنى: أن عمل المعروف والجزاء عليه، هين وسهل لمن أراده، والناس لا ينكرون على صانع المعروف عمله والجزاء عليه، ولن يضيع أجره عند الله.
الشاهد: زيادة الباء في خبر لكن وهو "بهين"، وذلك نادر.
(2)
عجز بيت من الطويل، للفرزدق، يهجو جريرا وكليبا رهطه، ويرميهم بإتيان الأتن. وصدره:
يقول إذا اقلولى عليها وأقردت
اللغة والإعراب:
اقلولى عليها: انكمش على الأتان بعد انقضاء شهوته، وقيل معناه: ارتفع. أقردت: سكنت. "ليت" حرف تمن ونصب. "ذا" اسمها. "العيش" عطف بيان لاسم الإشارة. "اللذيذ" صفة للعيش. "بدائم" خبر ليت على زيادة الباء.
المعنى: يقول الكلبي إذا قضى مأربه من الأتان، وسكنت له: أتمنى دوام هذا العيش اللذيذ.
الشاهد: زيادة الباء في خبر "ليت"، وهو نادر.
معنى: أَوَلَيس الله
(1)
.
(1)
فقوله: "بقادر" خبر "أن الله" على زيادة الباء، وأن ومعمولاها سدا مسد مفعولي "يروا" العلمية. وليس هذا نادرا؛ لأن القرآن منزه عن وقوع النادر، فإن المعنى كما ذكر المصنف أوليس الله بقادر. فخبر "أن" في حكم خبر "ليس" في المعنى، وزيادة الباء في خبر "ليس" كثيرة. وقوله:"أولم" الهمزة للاستفهام، والواو عاطفة على محذوف، و"لم" حرف نفي وجزم. "يروا" مضارع مجزوم بلم بحذف النون، والواو فاعل.
تنبيهان:
أ- قد يجر المعطوف على الخبر الصالح للباء مع سقوطها؛ تقول: ليس المجاهد بمتأخر وقاعد عن الفتك بالأعداء. ويسمى هذا عند النحويين بالعطف على التوهم؛ أي: المتكلم توهم وجود الباء الزائدة فعطف بالجر. ويندر هذا في غير خبر "ليس" و"ما". وينبغي أن يقتصر في ذلك على السماع. ويجوز كذلك النصب عطفا على محل المعطوف عليه.
ب- خير ما قيل في إعراب "حنت نوار ولات هنا حنت" أن "لات" حرف نفي مهمل، و"هنا" اسم إشارة للمكان، منصوب على الظرفية خبر مقدم. "حنت" فعل ماض والتاء للتأنيث، والفاعل هي، وقبلها "أن" مقدرة، والمصدر المؤول من الجملة، وأن المقدرة في محل رفع مبتدأ مؤخر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأسئلة والتمرينات:
1 ما الفرق بين "ما" الحجازية والتميمية؟ وما شرط إعمالها عمل ليس؟ مثل.
2 ما حكم المعطوف على خبر "ما"؟ اشرح ذلك مستعينًا بقول ابن مالك:
ورفع معطوف بلكن أو ببل
…
من بعد منصوب بما الزم حيث حل
3 ما الذي تنفيه "لا" العاملة عمل ليس؟ وما شرط عملها هذا العمل؟ وضح ذلك.
4 ما معنى "لات"؟ وما الشروط المطلوبة فيها لتعمل عمل "ما"، وكذلك في "إن"؟
5 كون جملة اسمية في التشجيع على النضال؛ المبتدأ فيها مصدر مؤول، ثم أدخل عليها "ما" ثم انقض النفي بإلا، وأعرب الخبر في الحالين.
6 بما يستشهد بالآتي في هذا الفصل؟
قال -تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} .
{أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ} ، {وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ} .
إن أحد خيرا من أحد إلا بالعافية.
ما مسيء من أعتب.
ندم البغاة ولات ساعة مندم
…
والبغي مرتع مبتغيه وخيم
وما المرء إلا بيت شعر عروضه
…
مصائب لكن ضربه حفرة القبر
أنكرتها بعد أعوام مضين لها
…
ما الدار دارًا ولا الجيران جيرانا
ليس الطموح إلى المجهول من سفه
…
ولا السمو إلى حق بمكروه
إن المرء ميتا بانقضاء حياته
…
ولكن بأن يقضى عليه فيخذلا
7 في البيت الآتي وجوه في الإعراب، واستشهاد في هذا الباب. بين ما فيه:
حنت نوار ولات هنا حنت
…
وبدا الذي كانت نوار أجنت
8 قال المرحوم علي الجارم المتوفى سنة 1948 من قصيدة له في وحدة العروبة:
لقد كان حلما أن نرى الشرق وحدة
…
ولكن من الأحلام ما يتوقع
إذا لم يكن حلم الحليم بنافع
…
فإن صدام الجهل بالجهل أنفع
اشرح البيتين شرحا أدبيا، وأعرب ما تحته خط، مبينا ما فيهما من شاهد.
هذا
باب أفعال المقاربة
(1)
:
وهذا من باب تسمية الكل باسم الجزء
(2)
؛ كتسميتهم الكلام كلمة. وحقيقة الأمر: أن أفعال الباب ثلاثة أنواع:
ما وضع للدلالة على قرب الخبر
(3)
؛ وهو ثلاثة: كاد، وأوشك، وكرب.
وما وضع للدلالة على رجائه
(4)
؛ وهو ثلاثة: عسى، واخلولق، وحرى.
وما وضع للدلالة على الشروع فيه، وهو كثير؛ ومنه أنشأ، وطفق، وجعل، وعلق، وأخذ
(5)
. وتعمل عمل "كان"، إلا أن خبرهن يجب كونه جملة
(6)
، وشذ مجيئة مفردا بعد "كاد" و"عسى"؛ كقوله:
هذا باب أفعال المقاربة:
(1)
هي أفعال ناقصة، تعمل عمل "كان"، وتدل على قرب زمن وقوع الخبر من الاسم قربا كبيرا.
(2)
الأولى أن يقول: من باب التغليب؛ لأن تسمية الكل باسم الجزء؛ إنما تكون بإطلاق اسم الجزء على ما تركب منه ومن غيره؛ كتسمية المركب كلمة. أما تسمية الأشياء المجتمعة من غير تركيب باسم بعض، فيسمى تغليبًا؛ كما هنا.
(3)
أي: قرب معناه من مسمى الاسم وإن لم يقع، بل قد يستحيل وقوعه؛ نحو قوله -تعالى:{يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} ، ولهذا تسمى: أفعال المقاربة.
(4)
أي: رجاء المتكلم، وأمله وطمعه في وقوعه، وترقب حصوله، إذا كان شيئا محبوبا مرغوبًا فيه. والإشفاق؛ أي: الخوف منه، وإذا كان أمرا مكروها؛ وتسمى أفعال الرجاء.
(5)
ومنه كذلك: شرع، وأقبل، وجعل، وهب، وقام. وتسمى هذه الأفعال: أفعال الشروع، أي: البدء في دخول الاسم في الخبر.
(6)
إنما وجب ذلك؛ لأن الحكم يتوجه إلى مضمون الجملة.
فأبت إلى فهم وما كدت آبيا
(1)
وقولهم: عسى الغوير أبؤسًا
(2)
. وأما {فَطَفِقَ مَسْحًا} ، فالخبر محذوف؛ أي: يمسح مسحًا
(3)
.
(1)
صدر بيت من الطويل؛ لثابت بن جابر، المعروف بتأبط شرا، وعجزه:
وكم مثلها فارقتها وهي تصفر
اللغة والإعراب:
أبت: رجعت. فهم: اسم قبيلة، وأبوها فهم بن عمرو بن قيس عيلان. تصفر: تخلو؛ والمراد هنا: تتأسف وتحزن. "وما" الواو للحال، و"ما" نافية. "كدت" كاد: فعل ناقص والتاء اسمها. "آيبا" خبرها. "وكم" الواو للعطف، و"كم" خبرية مبتدأ.
"مثلها" تمييز مضاف إليه، أو مجرور بمن محذوفة. "فارقتها" الجملة خبر كم. "وهي تصفر" مبتدأ وخبر، والواو للحال من هاء فارقتها.
المعنى: رجعت إلى قبيلتي فهم، وما كدت أعود إليها بعد مفارقتي لها، وكثير من القبائل مثلها؛ تركتها وهي تتحسر وتتأسف على تركي لها.
الشاهد: عمل "كاد" عمل "كان"، وممجئ خبرها اسما مفردا، شذوذًا، والمطرد أن يكون خبرها جملة فعلية، فعلها مضارع؛ كما سيأتي.
(2)
مثل تمثلت به الزباء -ملكة الجزيرة- لقومها؛ حين رجع قصير إليها، ومعه الرجال. والغوير: تصغير غار؛ وهو ماء لبني كلب. "أبؤسًا" جمع بؤس، وهو الشدة أو العذاب؛ وأصله أن أناسًا كانوا في غار، فانهار عليهم فماتوا؛ وهو يضرب لكل ما يخاف أن يأتي منه الشر؛ أي: لعل الشر يأتيكم من قبل الغوير. و"عسى" فعل ماض ناقص. "الغوير" اسمها. "أبؤسا" خبرها؛ وقد جاء مفردا شذوذا، وقيل:"أبؤسًا" خبر ليكون محذوفة؛ أي: إن يكون أبؤسا، أو ليصير؛ أي: يصير أبؤسا، أو مفعول مطلق لمحذوف، يبأس أبؤسا.
(3)
وقد دل على المحذوف مصدره؛ وهو "مسحا" الواقع مفعولًا مطلقًا، واسم "طفق" يعود إلى سيدنا سليمان عليه السلام وفيما تقدم يقول ابن مالك:
ككان "كاد""وعسى" لكن ندر
…
غير مضارع لهذين خبر*
أي: إن "كاد" و"عسى" مثل "كان" في العمل. وندر -أي: قل- أن يكون خبرهما غير جملة مضارعية.
* "ككان" جار ومجرور خبر مقدم. "كاد" مبتدأ مؤخر مقصود لفظه. "وعسى" معطوف على كاد. "لكن" حرف استدراك. "غير" فاعل ندر. "مضارع" مضاف إليه. "لهذين" متعلق بخبر. "خبر" من فاعل ندر؛ وقد وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة.
وشرط الجملة أن تكون فعلية. وشذ مجيء الاسمية بعد "جعل" في قوله:
وقد جعلت قلوص بني سهيل
…
من الأكوار مرتعها قريب
(1)
وشرط الفعل ثلاثة أمور:
أحدها: أن يكون رافعا لضمير الاسم
(2)
، فأما قوله:
وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني
…
ثوبي. . . . . . . . . . .
(3)
(1)
بيت من الوافر، ذكره أبو تمام في الحماسة، ولم ينسبه.
اللغة والإعراب:
قلوص: هي الناقة الشابة الفتية. الأكوار: جمع كور؛ وهو الرجل بأدواته، والكور كذلك: الجماعة من الإبل. مرتعها: المكان الذي ترعى فيه. "جعلت" فعل ناقص، والتاء للتأنيث. "قلوص بني سهيل" اسم جعل، ومضاف إليه. "من الأكوار" متعلق بقريب. "مرتعها قريب" مبتدأ وخبر، والجملة خبر جعل.
المعنى: أخذت هذه النوق الفتية ترعى بالقرب من رحالها، أو من جماعة الإبل التي تجاورها؛ وذلك لما بها من الإعياء والتعب، فلم تستطع البعد عن الرحال.
الشاهد: وقوع الجملة الاسمية خبرا لجعل، وذلك شاذ. وقيل: إن "جعل" في البيت فعل قاصر، يحتاج إلى فاعل لا غير، و"قلوص" فاعله، وجملة "مرتعها قريب" في محل نصب حال من الفاعل. وقيل أيضا: إن "جعل" بمعنى صار، وليست من أفعال الشروع، و"قلوص" اسمها، وجملة "مرتعها قريب" خبر. ولا شاهد فيه على التوجيهين؛ لأن الكلام في "جعل"؛ التي معناها الشروع في العمل.
(2)
أي: اسم هذه الأفعال؛ وسبب ذلك أن أفعال هذا الباب تدل على ارتباط الفعل بالمرفوع، وهذا يقتضي أن يكون في الفعل ضمير يعود على المرفوع؛ ليتحقق ذلك.
(3)
جزء من بيت من البسيط؛ لأبي عمرو بن أحمر الباهلي، وقيل: لأبي حية النميري، شاعر إسلامي، أدرك الدولة العباسية، وقيل لغيرهما. وتمامه: =
وقوله:
وأسقيه حتى كاد مما أبثه
…
تكلمني أحجاره وملاعبه
(1)
=
فأنهض نهض الشارب الثمل
اللغة والإعراب:
يثقلني: يجهدني ويتعبني. أنهض: أقوم. الثمل: السكران الذي أضعف الشراب قواه. "جعلت" فعل ناقص. والتاء اسمها. "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط. "ما" زائدة. "قمت" فعل الشرط. "يثقلني" فعل مضارع، والنون للوقاية، والباء مفعول، والفاعل ضمير مستتر يعود على ثوبي، وهو متقدم رتبة، وإن تأخر في اللفظ "ثوبي" بدل اشتمال من التاء في جعلت، وأغنى عود الضمير إليه في يثقلني، عن عوده إلى المبدل منه؛ لأن البدل هو المقصود بالحكم، وجملة "يثقلني" في محل نصب خبر جعل المقدرة؛ لأن البدل على نية تكرار العامل؛ وهي جواب الشرط أيضا، وقد أغنى ذلك عن خبر "جعل" المذكورة؛ والتقدير: جعل ثوبي يثقلني.
المعنى: جعلت إذا قمت يجهدني. ويتعيني ثوبي الذي ألبسه؛ لما بي من ضعف، فأقوم بمشقة؛ كما يقوم السكران؛ الذي أخذ منه الشراب، وأضعف قواه.
الشاهد: في "جعلت يثقلني ثوبي"؛ حيث يدل ظاهره على أن المضارع الواقع خبرا لجعل؛ وهو "يثقلني" قد رفع اسما ظاهرا وهو "ثوبي"، مضافا إلى ضمير يعود إلى اسم جعل، وذلك غير مرضي عند النحاة، وقد علمت ما فيه، وذكره المصنف.
(1)
بيت من الطويل، لذي الرمة، غيلان بن عقبة.
اللغة والإعراب:
أبثه: أظهر له بثي؛ والبث: شدة الحزن. ملاعبه: جمع ملعب؛ وهو مكان اللعب، والضمير عائد على ربع مية في قوله قبل:
وقفت على ربع لمية ناقتي
…
فما زلت أبكي حوله وأخاطبه
"أسقيه": مضارع فاعله أنا، والهاء مفعوله، عائدة على الربع. "حتى" حرف غاية. "كاد" فعل ناقص، واسمها يعود على الأحجار والملاعب. "مما" متعلق بتكلمني، و"ما" اسم موصول. "أبثه" الجملة صلة. "تكلمني" مضارع مرفوع، والنون للوقاية، والياء مفعول، وفاعله يعود إلى أحجاره؛ الواقع بدلا من الضمير المستتر في "كاد". العائد إلى الربع؛ كما أوضحنا في سالفه، والأصل: كاد هو، أحجاره وملاعبه تكلمني.
المعنى: وقفت أسقي ربع مية بدموعي، أو أدعو له بالسقيا، وأظهر ما عندي من أسى وألم وحزن؛ حتى كادت أحجاره، وأماكن اللعب فيه تجيبني؛ إشفاقًا علي، ورحمة بي.
والشاهد: وقوع ما ظاهره أن خبر كاد -وهو "تكلمني"- قد رفع اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير الاسم؛ وهو "أحجاره"، وقد علمت ما فيه، وهو كسابقه.
فثوبي وأحجاره بدلان من اسمي جعل وكاد. ويجوز في "عسى" خاصة أن ترفع السببي
(1)
؛ كقوله:
وماذا عسى الحجاج يبلغ جهده
(2)
يروى بنصب "جهدَه" ورفعه.
(1)
المقصود بالسببي: الاسم الظاهر المتصل بضمير يعود إلى اسمها.
(2)
صدر بيت من الطويل؛ للبرج التميمي، وليس للفرزدق، كما قيل، وعجزه:
إذا نحن جاوزنا حفير زياد
اللغة والإعراب:
جهده؛ الجهد: الطاقة والوسع. حفير زياد: موضع بين الشام والعراق، على خمس ليال من البصرة. وزياد: هو ابن أبي سفيان أخو معاوية، وكان واليا على العراق. "ماذا" اسم استفهام مبتدأ، أو "ما" مبتدأ، و"ذا" اسم موصول خبر، وجملة "عسى" صلة؛ على معنى: ما الذي يقال فيه عسى؟ لأن الإنشاء لا يقع صلة، كما تقدم في موضعه "عسى" فعل ناقص. "الحجاج" اسمها. "يبلغ جهده" فعل وفاعل، والجملة خبر عسى. "إذا" ظرف للمستقبل، متعلق بيبلغ.
المعنى: كان الحجاج قد طلب إلى الشاعر الانضمام إلى جيش المهلب بن أبي صفرة؛ لقتال الأزارقة؛ فأبى وهرب، وقال قصيدة منها هذا البيت؛ ومعناه: ما الذي يرجو الحجاج أن يناله منا، إذا نحن جاوزنا هذا الموضع، وأصبحنا في أمن من اللحاق بنا؟ والاستفهام إنكاري؛ أي: إنه لا يرجى له شيء مما يريد.
الشاهد: رفع المضارع الواقع خبرا لعسى -وهو "يبلغ"- اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير عائد على اسم عسى؛ وهو "جهده"، وهذا سائغ في "عسى" دون أخواتها على رأي الجمهور، وإن خالف في ذلك بعضهم، وسوى بين "عسى" وغيرها. وروى "جهده" بالنصب على أنه مفعول "يبلغ" والفاعل يعود على الحجاج؛ ولا شاهد فيه حينئذ.
الثاني: أن يكون مضارعا
(1)
. وشذ في "جعل" قول ابن عباس رضي الله عنهما: "فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا"
(2)
.
الثالث: أن يكون مقرونًا بأن
(3)
إن كان الفعل حرى، أو اخلولق؛ نحو: حرى زيد أن يأتي، واخلولقت السماء أن تمطر.
وأن يكون مجردا منها إن كان الفعل دالًا على الشروع
(4)
؛ نحو: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ}
(5)
(1)
أي: في اللفظ والإعراب، ولكن معناه ماض قريب من الحال في الزمن، مثل كاد وأخواتها.
(2)
قال ذلك مبينا حال الناس، عند إعلان الرسول عليه السلام الدعوة. و"جعل" فعل ناقص. "الرجل" اسمها. "إذا" ظرف لأرسل، وجملة "أرسل رسولا" خبر. وفيه الشاهد؛ حيث وقع خبرا لجعل، وهو ماض، وذلك شاذ.
(3)
أي: المصدرية الناصبة وجوبًا؛ وذلك للإشعار بأنها للرجاء في المستقبل، ويكون المصدر المنسبك منها ومما بعدها خبر للناسخ، وفيه الإخبار بالمعنى عن الجثة، وهو ممنوع كما تقدم في موضعه؛ فإما أن يقصد المبالغة، أو يقدر مضاف قبل أو بعد الناسخ؛ ففي مثل عسى محمد أن يقوم؛ يقدر: عسى محمد صاحب قيام، أو عسى حال محمد قيامه، أو يقال: إنه يغتفر في هذا الباب الإخبار بالمعنى عن الجثة.
(4)
لأن الشروع في الفعل والأخذ فيه، ينافيان الاستقبال الذي تفيده "أن".
(5)
"طفق" فعل ناقص والألف اسمها. "يخصفان" مضارع مرفوع بثبوت النون، والألف فاعل، والجملة خبر طفق. ومعنى يخصفان: يلصقان ويطبقان.
والغالب في خبر عسى وأوشك الاقتران بها
(1)
؛ نحو: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} . وقوله:
ولو سئل الناس التراب لأوشكوا
…
إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا
(2)
والتجرد قليل؛ كقوله:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه
…
يكون وراءه فرج قريب
(3)
(1)
كان القياس في "عسى" وجوب اقتران خبرها بأن؛ لأنها من أفعال الرجاء، غير أنه اغتفر فيها ذلك لشهرتها. والجمهور على أن التجريد فيها خاص بالشعر.
(2)
بيت من الطويل، أنشده ثعلب في أماليه عن ابن الأعرابي، ولم ينسبه.
اللغة والإعراب:
لأوشكوا: لقربوا. يملوا: يسأموا ويضجروا. "لو" حرف شرط غير جازم "الناس" نائب فاعل "سئل" الواقع فعلا للشرط. "التراب" مفعول ثان. له "لأوشكوا" اللام واقعة في جواب الشرط، "أوشك" فعل ماض ناقص والواو اسمها. "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط. "قيل" ماض للمجهول فعل الشرط، ونائب الفاعل محذوف؛ أي: لهم. "هاتوا" فعل أمر وفاعله، والجملة مقول القول. "أن" مصدرية. "يملوا" مضارع منصوب بحذف النون، والجملة خبر أوشك.
المعنى: لو سئل الناس إعطاء التراب -وهو شيء تافه لا قيمة له- لكرهوا الطلب، وقاربوا أن يمنعوه إذا قيل لهم هاتوا؛ وذلك لما طبعوا عليه من الحرض، أو لكراهة الطلب.
الشاهد: مجيء خبر أوشك -وهو "يملوا"- جملة فعلية مقرونة بأن؛ كعسى، وذلك كثير. وقد ورد أوشك بصيغة الماضي، وفيه رد على من أنكر استعمال الماضي من يوشك.
(3)
بيت من الواو لهدبة بن خشرم العذري، قاله وهو سجين من أجل قتيل قتله.
اللغة والإعراب:
الكرب: الهم والحزن. أمسيت: المراد صرت، يروى بضم التاء. وبفتحها، على أنه يخاطب ابن عمه، وكان سجينا معه. فرج، أي: كشف للكرب والغم. "الكرب" اسم عسى. "الذي" صفة للكرب. "أمسيت فيه" الجملة من أمسى ومعموليها صلة الموصول. "يكون" مضارع ناقص، واسمها يعود على الكرب. "وراءه" ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر مقدم ومضاف إليه. "فرج" مبتدأ مؤخر. "قريب" صفة لفرج، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب خبر يكون، وجملة يكون خبر "عسى". المعنى: واضح. الشاهد: وقوع خبر عسى مضارعا مجردا من "أن" وذلك قليل.
وقوله:
يوشك من فر من منيته
…
في بعض غراته يوافقها
(1)
وكاد وكرب بالعكس
(2)
فمن الغالب قوله -تعالى: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} وقول الشاعر:
كرب القلب من جواه يذوب
(3)
(1)
بيت من المنسرح، وهو من شواهد سيبويه، لأمية بن أبي الصلت، الشاعر الجاهلي المتنسك، الذي كان يرجو أن يكون النبي المنتظر، ولما بعث النبي عليه السلام حقد عليه ولم يؤمن به، وهو الذي نزل فيه قوله تعالى:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا} .... إلخ.
اللغة والإعراب:
فر: هرب. منيته: المنية الموت. غراته: جمع غرة؛ وهي الغفلة. يوافقها: يصادفها ويقع عليها. "يوشك" مضارع ناقص. "من" اسم موصول اسمها. "فر" الجملة صلة من. "من منيته" جار ومجرور متعلق بفر. "في بعض غراته" متعلق بيوافقها ومضاف إليه. "يوافقها" الجملة خبر يوشك.
المعنى: أن من فر وهرب من الموت جبنا وخوفا، في حرب أو نحوه، يقرب أن يدركه الموت، وينزل به في بعض غفلاته.
الشاهد: ورود خبر "يوشك" جملة فعلية مجردة من "أن" وهذا قليل.
(2)
أي: يغلب في خبرهما التجرد من "أن"؛ وذلك لأنهما يدلان على شدة مقاربة الفعل، فأشبها أفعال الشروع، واقترانها بأن في النادر بالنظر لأصلهما.
(3)
صدر بيت من الخفيف لكلحبة اليربوعي، أحد شعراء تميم، واسمه: هبيرة بن عبد الله. والكلحبة: لقبه، وهي: صوت النار ولهيبها، وقيل لغيره، وعجزه:
حين قال الوشاة هند غضوب
اللغة والإعراب:
جواه، الجوى: شدة الحزن والوجد. الوشاة: جمع واش، وهو النمام الذي يسعى بالفساد بين الناس. هند: اسم محبوبته. غضوب: صفة من الغضب، يستوي فيها المذكر والمؤنث. "كرب" فعل ماض ناقص. "القلب" اسمها. "من جواه" متعلق بيذوب الواقع خبرا لكرب. "حين" ظرف متعلق بيذوب أيضا. "هند غضوب" الجملة من المبتدأ والخبر مقول القول.
المعنى: قرب من شدة وجده وحزنه وحرقته يسيل؛ حين قال الساعون المفسدون بين الأحبة: هند غاضبة عليك.
الشاهد: مجيء خبر "كرب" وهو "يذوب" مجردا من أن، وذلك كثير.
ومن القليل قوله:
كادت النفس أن تفيض عليه
(1)
وقوله:
وقد كربت أعناقها أن تقطعا
(2)
ولم يذكر سيبويه في خبر كرب، إلا التجرد من "أن".
وهذه الأفعال ملازمة للماضي، إلا أربعة:
استعمل لها مضارع وهي:
(1)
صدر بيت من الخفيف، لمحمد بن مناذر، أحد شعراء البصرة من قصيدة يرثي بها ميتا عزيزا عليه. وعجزه:
إذ غدا حشو ريطة وبرود
اللغة والإعراب:
تفيض: تخرج من الجسد. غدا: صار. ريطة: هي الملاءة إذا كانت قطعة واحدة، والجمع رياط. برود: جمع برد، وهو نوع من الثياب، وأراد بها الكفن الذي يلف فيه الميت. "النفس" اسم كانت. "أن تفيض" أن وما بعدها في تأويل مصدر خبرها. "إذ" ظرف متعلق بتفيض. "غدا" فعل ناقص، واسمها يعود على الميت. "حشو ريطة" خبرها ومضاف إليه. "وبرود" معطوف على ريطة.
المعنى: قاربت النفس أن تخرج من جسدها؛ حزنا على هذا الميت، حين صار مدرجا في أكفانه.
الشاهد: اقتران خبر "كاد" بأن، وذلك نادر.
(2)
عجز بيت من الطويل، لأبي هشام بن زيد الأسلمي، يهجو قوم إبراهيم بن المغيرة، والي المدينة من قبل هشام بن عبد الملك، ويمدح هشاما. وصدره:
سقاها ذوو الأحلام سجلًا على الظما
اللغة والإعراب:
ذوو الأحلام: أصحاب العقول. سجلا: السجل: الدلو ما دام فيه ماء، وجمعه سجال، فإن لم يكن فيه ماء فهو دلو. الظما: العطش. "سقاها" فعل، و"ها" =
"كاد" نحو: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} .
و"أوشك" كقوله:
يوشك من فر من منيته
= مفعول أول. "ذوو الأحلام" فاعل ومضاف إليه. "سجلا" مفعول ثان. "على الظما" متعلق بسقا، وسكن للشعر. "أعناقها" اسم كرب ومضاف إليه. "أن تقطعا" المصدر المؤول من أن والفعل خبر، والألف للإطلاق.
المعنى: كان الشاعر قد مدح قوم إبراهيم فلم يعطوه شيئا؛ إذ يقول:
مدحت عروقا للندى مصت الثرى
…
حديثا فلم تهمم بأن تتزعزعا
والمراد بالعروق: قوم إبراهيم، فهو يقول: سقى أصحاب العقول -يريد هشاما وصحبه- هذه العروق التي مدحتها ولم تجزني سجال الكرم، وأجزلوا العطاء، وقد كانوا في شدة الفاقة والبؤس، تكاد أعناقهم أن تتقطع من الحاجة؛ يريد أنهم حديثو عهد باليسار والنعمة.
الشاهد: اقتران خبر "كرب" بأن، وهذا نادر، حتى إن سيبويه لم يحك فيه غير التجرد. وهذا البيت حجة عليه.
وفيما تقدم يقول ابن مالك:
وكونه بدون "أن" بعد عسى
…
نزر و"كاد" الأمر فيه عكسا
وكعسى "حرى" ولكن جعلا
…
خبرها حتما بـ"أن" متصلا
وألزموا اخلولق "أن" مثل حرى
…
وبعد "أوشك" انتقا "أن" نزرا
ومثل "كاد" في الأصح "كربا"
…
وترك "أن" مع ذي الشروع وجبا
كأنشأ السائق يحدو وطفق
…
كذا جعلت وأخذت وعلق*
=
* "وكونه" مبتدأ، وهو مصدر كان الناقصة، والهاء مضاف إليه اسمها، وهي عائدة إلى الخبر، وخبرها محذوف، أي: واردا. "بدون" جار ومجرور متعلق بذلك الخبر المحذوف. "أن" مضاف إليه مقصود لفظه.
"بعد" ظرف متعلق بالخبر المحذوف. "عسى" مضاف إليه. "نزر" خبر المبتدأ وهو كونه. "وكاد" الواو عاطفة. "كاد" مقصود لفظه مبتدأ أول. "الأمر" مبتدأ ثان. "فيه" متعلق بعكسا. "عكسا" فعل ماض للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى الأمر، والألف للإطلاق، والجملة خبر المبتدأ الثاني، وجملة الثاني وخبره خبر الأول. =
وهو أكثر استعمالًا من ماضيها و"طفق". حكى الأخفش: طفق يطفق، كضرب يضرب، وطفق يطفق، كعلم يعلم، و"جعل".
= أي: كون خبر "عسى" خاليا من "أن" قليل، وخبر "كاد" بالعكس، ثم ذكر أن حرى كعسى معنى وعملا، غير أن "حرى" يتحتم أن يتصل خبرها بأن، وكذلك الشأن في "اخلولق". أما "أوشك" فيلزمها "أن"، وقد تحذف نادرا، و"كرب" مثل "كاد" في معناها وعملها؛ وفي عدم اقتران خبرها بأن غالبا. ثم ذكر أن ترك "أن" مع أفعال الشروع واجب، وعد من هذه الأفعال: أنشأ، وطفق، وجعل، وأخذ، وعلق. ومثل للأول بقوله: أنشأ السائق يحدو؛ أي: يغني للإبل لتسرع في السير. ويتلخص من هذا كله: أن خبر "حرى" و"اخلولق" يجب اقترانه بأن، وأفعال الشروع يجب تجردها من "أن"، وخبر "عسى" و"أوشك" يغلب اقترانه بها، و"كاد" و"كرب" يغلب تجرده منها.
هذا: وإذا كان الخبر مقترنا بأن، لا يجوز في الأفصح أن يتوسط بينها وبين اسمها، أما غير المقترن بها. و"كاد" و"كرب" يغلب تجرده منها.
هذا: وإن كان الخبر مقترنا بأن، لا يجوز في الأفصح أن يتوسط بينها وبين اسمها، أما غير المقترن فيجوز كما في خبر كان. ولا يقع فعل من أفعال المقاربة زائدًا.
= "وكعسى" جار ومجرور خبر مقدم. "حرى" مبتدأ مؤخر قصد لفظه. "ولكن" حرف استدراك. "جعلا" ماض للمجهول. والألف للإطلاق. "خبرها" نائب فاعل وهو المفعول الأول لجعلا، و"ها" مضاف إليه. "حتما" صفة لمصدر محذوف؛ أي: اتصالا حتما، "بأن" متعلق بمتصلا الواقع مفعول "جعل" الثاني. "اخلولق" مفعول أول لألزموا مقصود لفظه. "أن" مفعول ثان قصد لفظه. "مثل" حال من اخلولق. "حرى" مضاف إليه. "وبعد" ظرف متعلق بنزرا. "أوشك" مضاف إليه مقصود لفظه. "انتفا" مبتدأ وقصر للضرورة. "أن" مضاف إليه. "نزرا" فعل، وفاعله يعود إلى انتفاء، والألف للإطلاق، والجملة خبر انتفا. "ومثل" خبر مقدم. "كاد" مضاف إليه مقصود لفظه في الأصح، متعلق بمثل لتضمنه معنى المشتق وهو المماثلة. "قرب" مبتدأ مؤخر مقصود لفظه. "وترك" مبتدأ "أن" مضاف إليه. "مع" ظرف متعلق بترك. "ذي" مضاف إليه، وهو مضاف إلى الشروع. "وجبا" فعل ماض والفاعل يعود إلى ترك، والألف للإطلاق، والجملة خبر المبتدأ. "كأنشأ" الكاف جارة لقول محذوف، خبر لمبتدأ محذوف. "أنشأ" فعل ماض ناقص " السائق" اسمها. "يحدو" ألجملة خبرها في محل نصب "وطفق" معطوف على أنشأ. "كذا" جار ومجرور خبر مقدم. "جعلت" مبتدأ مؤخر قصد لفظه. "وأخذت وعلق" معطوفان على جعلت.
حكى الكسائي: إن البعير ليهرم حتى يجعل إذا شرب الماء مجَّه
(1)
.
واستعمل اسم فاعل لثلاثة؛ وهي: "كاد" قاله، الناظم،
(2)
وأنشد عليه:
وإنني
…
يقينًا لرهن بالذي أنا كائد
(3)
و"كرب" قاله جماعة، وأنشدوا عليه:
أَبُنَيَّ إن أباك كارِب يومه
(4)
(1)
" حتى" ابتدائية. "يجعل" مضارع ناقص مرفوع بالضمة، واسمها ضمير تقديره: هو. "إذا شرب" شرط وفعله والفاعل هو. "الماء" مفعوله. "مجه" جواب الشرط، وجملة جواب الشروط وجوابه خبر يجعل.
(2)
أي: في شرك الكافية.
(3)
جزء من بيت من الطويل، لكثير عزة، في رثاء عبد العزيز بن مروان أبي الخلفية عمر بن عبد العزيز. وأوله:
أموت أسى يوم الرجام
اللغة والإعراب:
أسى: حزنا وشدة وألم. الرجام: اسم موضع حدثت فيه موقعة. رهن: مرهون. "أسى" مفعول لأجله أو تمييز. "وإنني" الواو للحال، و"إن" حرف توكيد ونصب، والنون للوقاية والياء اسمها. "يقينا" مفعول مطلق لمحذوف. "لرهن" اللام للابتداء، وتسمى اللام المزحلقة، و"رهن" خبر إن. "بالذي" متعلق به. "أنا كائد" مبتدأ وخبر، والجملة صلة، واسم كائد مستتر تقديره أنا، والخبر محذوف؛ أي: ألقاه.
المعنى: كدت أموت من الحزن واللوعة في هذا اليوم الذي غاب فيه عبد العزيز، وإنني لمرهون ومحبوس؛ بسبب الذي أنا قريب ألقاه وألحق به، فالموت أمر لا مفر منه.
الشاهد: استعمال اسم الفاعل من "كاد" على هذه الرواية. وقد صوب المصنف أنه بالباء. وإذًا لا شاهد فيه.
(4)
صدر بيت من الكامل، لعبد قيس بن خفاف البرمجي، يعظ ابنه، وعجزه:
فإذا دعيت إلى المكارم فاعجل
اللغة والإعراب:
كارب يومه: قريب يوم وفاته. المكارم: جمع مكرمة، وهي الخصلة من خصال البر. "أبني" منادى تصغير ابن منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء =
و"أوشك"؛ كقوله:
فإنك موشك ألا تراها
(1)
والصواب: أن الذي في البيت الأول "كابد" بالباء الموحدة؛ من المكابدة والعمل، وهو اسم غير جار على الفعل
(2)
، وبهذا جزم يعقوب
(3)
في شرح ديوان كثير. وأن "كارب" في البيت الثاني اسم فاعل كرب التامة
(4)
في نحو قولهم: "كرب
= المتكلم في ياء التصغير. "أباك" اسم إن منصوب بالألف؛ لأنه من الأسماء الستة. "كارب يومه" خبر إن ومضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى ظرفه، واسمها مستتر تقديره هو، والخبر محذوف؛ أي: كارب هو في يومه يموت.
المعنى: يقول لابنه: اعلم يا بني أن أباك قريب يوم وفاته وانتهاء أجله؛ فإذا دعيت إلى فعل المكرمات وعمل البر، فأسرع بذلك ولا تتأخر.
الشاهد: استعمال اسم فاعل من كرب الناقصة على قول. ورده المصنف بأنه من كرب التامة.
(1)
صدر بيت من الوافر، لكثير عزة، يشبب بغاضرة جارية. "أم البنين" أخت عمر بن عبد العزيز وعجزه:
وتعدو دون غاضرة العوادي
اللغة والإعراب:
تعدو تعوق وتمنع. العوادي: عوائق الدهر وغوائله؛ جمع عادية. "موشك" خبر إن وهو اسم فاعل من أوشك، واسمها تقديره أنت. "ألا" أن مصدرية ولا نافية. "تراها" فعل ومفعول والفاعل أنت، والجملة خبر موشك. "العوادي" فاعل تعدو.
المعنى: إن القريب إلى العقل والغالب أنك لا ترى غاضرة، وأن تحول دون رؤيتها موانع وعوائق، لا تستطيع التغلب عليها.
الشاهد: مجيء اسم الفاعل من "أوشك" الناقصة وعمله عملها، وقد اقترن الخبر بأن المصدرية كذلك.
(2)
أي: هو اسم فاعل غير جار على فعله؛ لأن فعله "كابد"، فقياس اسم فاعله "مكابد".
(3)
هو أبو يوسف يعقوب بن السكيت، انظر صفحة 240.
(4)
وعليه فلا يحتاج إلى اسم وخبر، بل إلى فاعل فحسب، وفاعله هو "يومه"، ويكون من إضافة اسم الفاعل لفاعله، والأصل: كارب يومه، برفع يوم.
الشتاء" إذ قرب، وبهذا جزم الجوهري
(1)
.
واستعمل مصدر لاثنين وهما: "طفق، وكاد"؛ حكى الأخفش طفوقًا عمن قال طفق بالفتح، وطفقا عمن قال طفق بالكسر. وقالوا: كاد كودًا ومكادًا ومكادة.
فيما وتختص عسى، واخلولق، وأوشك:
بجواز إسنادهن إلى "أن يفعل" مستغنى به عن الخبر
(2)
. نحو: {وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا} .
(1)
هو الإمام اللغوي: إسماعيل بن حماد الجوهري، صاحب كتاب الصحاح في اللغة. كان من أعاجيب الزمان ذكاء وفطنة وعلما، وكان يضرب به المثل في حسن الخط؛ كابن مقلة، مع أنه كان إمامًا في اللغة والأدب، ومن فرسان الكلام. وقد طاف الآفاق؛ فدخل العراق، وقرأ على أبي علي الفارسي والسيرافي، وسافر إلى الحجاز، وشافه العرب العاربة، وطوف بلاد ربيعة ومضر، ثم عاد إلى خراسان، وأقام بنيسابور، ولازم التدريس، بها والتأليف وتعليم الخط، وكتابة المصاحف. وصنف الصحاح في اللغة؛ وهو الكتاب الذي لا يزال مرجع الدارسين إلى اليوم، وعليه اعتمادهم. وكتابا في العروض، ومقدمة في النحو. وتوفي سنة 393 هـ. وقد أشار الناظم إلى بعض أفعال هذا الباب بقوله:
واستعملوا مضارعًا لأوشكا
…
و"كاد" لا غير وزادوا "موشكا"*
أي: إن أفعال هذا الباب كلها جامدة، إلا "أوشك"؛ فلها مضارع، وكذلك "كاد" لها مضارع. وقد ورد اسم فاعل لأوشك؛ فقد سمع "موشك".
(2)
أي: فتكون تامة لا تحتاج إلى خبر، والمصدر المؤول من "أن والفعل" فاعلها. ويشترط أن يكون مرفوع المضارع ضميرا يعود على اسم سابق. ويرى الناظم وبعض النحاة: أنها في هذه الحالة ناقصة. والمصدر المؤول من "أن والفعل" سد مسد المعمولين. وفي هذا يقول:
بعد عسى اخلولق أوشك قد يرد
…
غِنى بـ"أن يفعل" عن ثان فُقد*
يريد: أن هذه الأفعال الثلاثة، قد يستغني بالجملة المضارعية المسبوقة بأن المصدرية، عن الثاني اللازم لها؛ وهو الخبر؛ فهي تكتفي بالمصدر المؤول من "أن والفعل" مرفوعًا لها على الفاعلية، وتكون تامة لا ناقصة؛ فالمراد بـ"أن والفعل": ما هو على الصفة؛ من كل جملة مضارعية مسبوقة بأن المصدرية.
* "واستعملوا" فعل وفاعل. "مضارعًا" مفعول لاستعمل "لأوشكا" جار ومجرور متعلق باستعملوا. "وكاد" معطوف على أوشك. "لا غير" لا عاطفة، "غير" معطوف على أوشك مبني على الضم، في محل جر. "وزادوا موشكا" فعل وفاعل ومفعول.
* "بعد" ظرف متعلق بيرد. "عسى" مضاف إليه منصوب لفظه. "اخلولق، أوشك" معطوفان عليه بحذف العاطف. "قد" حرف تحقيق. "غنى" فاعل يرد. "بأن يفعل" جار ومجرور متعلق بغنى. "عن ثان" متعلق كذلك بغني "فقد" فعل ماض للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى ثان، والجملة في محل جر صفة لثان.
وينبني على هذا
(1)
فرعان:
أحدهما: أنه إذا تقدم على إحداهن اسم هو المسند إليه في المعنى، وتأخر عنها "أن والفعل"؛ نحو: زيد عسى أن يقوم، جاز: تقديرها خالية من ضمير ذلك الاسم؛ فتكون مسندة إلى" أن والفعل" مستغنى بهما عن الخبر
(2)
.
وجاز تقديرها مسندة إلى الضمير
(3)
، وتكون "أن والفعل" في موضع نصب على الخبر.
ويظهر أثر التقديرين: في التأنيث، والتثنية، والجمع؛ فتقول على تقدير الإضمار: هند عست أن تفلح، والزيدان عسيا أن يقوما، والزيدون عسوا أن يقوموا، والهندات عسين
(1)
أي على هذا الأصل، وهو مجيئها ناقصة تارة، وتامة تارة أخرى.
(2)
فتكون تامة، والمصدر المؤول من "أن" والفعل "مع مرفوعه المستتر فاعلها، والجملة من "عسى" وفاعلها في محل خبر المبتدأ الذي قبلها؛ وهو "زيد" في المثال.
(3)
فتكون ناقصة، والضمير العائد على المبتدأ السابق اسمها، والجملة من "عسى" ومعموليها خبر لمبتدأ. وفيما تقدم يقول ابن مالك:
وجردن عسى أو ارفع مضمرا
…
بها إذا اسم قبلها قد ذكرا*
هذا: وما سوى "عسى"، و"اخلولق" و"أوشك" من أفعال هذا الباب، يجب فيه الإضمار؛ تقول: المحمدان أخذا يكتبان وطفقا يخصفان. ولا يجوز: أخذ يكتبان، وطفق يخصفان
…
إلخ.
* "وجردن" فعل أمر مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة. "عسى" مفعوله قصد لفظه. "مضمرا" مفعول ارفع. "بها" متعلق بارفع. "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط. "اسم" نائب فاعل لمحذوف؛ يفسره ذكرا "قبلها" ظرف ومضاف إليه؛ متعلق بذكرا. "قد" للتحقيق. "ذكرا" ماض للمجهول، والألف للإطلاق، ونائب الفاعل يعود على اسم، والجملة تفسيرية.
أن يقمن
(1)
.
وتقول على تقدير الخلو من الضمير: عسى في الجميع
(2)
، وهو الأفصح. قال الله -تعالى:{لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} .
والثاني: أنه إذا ولي إحداهن "أن والفعل" وتأخر عنها اسم؛ هو المسند إليه في المعنى؛ نحو: عسى أن يقوم زيد. جاز في ذلك الفعل: أن يقدر خاليا من الضمير؛ فيكون مسندا إلى ذلك الاسم، وعسى مسندة إلى "أن والفعل" مستغنى بهما عن الخبر
(3)
.
وأن يقدر متحملًا لضمير ذلك الاسم؛ فيكون الاسم مرفوعا بعسى، وتكون "أن والفعل" في موضع نصب على الخبرية
(4)
، ومنع الشلوبين
(5)
هذا الوجه لضعف هذه
(1)
أي: إن الضمير الواقع اسما لعسى؛ بما أنه عائد على المبتدأ، يجب أن يطابقه في الإفراد والتذكير وفروعهما، وكذلك مرفوع المضارع بعد "أن".
(2)
لأن "عسى" تامة، وفاعلها هو المصدر المكون من "أن والفعل" بعدها، وليس فيها ضمير يعود على ما قبلها، والفعل يلزم الإفراد، وإن كان مرفوعه غير ذلك.
(3)
فـ"عسى" فعل تام، وفاعله هو المصدر المؤول من "أن والفعل"، ومرفوعه المستتر، والجملة خبر مقدم، و"زيد" مبتدأ مؤخر. أو "عسى" فعل تام، وفاعلها "أن والفعل" مع مرفوعه الظاهر؛ وهو زيد.
(4)
فتكون "عسى" فعل ماض ناقص، واسمها ضمير مستتر، يعود على "زيد"؛ الواقع مبتدأ؛ وهو وإن تأخر لفظًا، إلا أنه متقدم رتبة. والمصدر المؤول من "أن والفعل" مع المرفوع المستتر، خبر "عسى"، والجملة من "عسى" ومعموليها خبر المبتدأ المتأخر. أو "عسى" فعل ناقص، والمصدر المؤول من "أن والفعل"، وفاعله المستتر، خبر مقدم، و"زيد" اسمها مؤخر.
(5)
هو الأستاذ: أبو علي؛ عمر بن محمد الإشبيلي الأزدي، المعروف بالشلوبين؛ ومعناه بلغة الأندلس: الأبيض الأشقر. كان إمام عصره في العربية، وآخر أئمة هذا النوع بالمشرق والمغرب، عارفا بنقد الشعر، بارعا في التعليم. أخذ عن ابن ملكون وغيره، وأقرأ نحو ستين سنة؛ حتى علا صيته، واشتهر ذكره، وانتفع به أكثر أهل الأندلس. وله تعليق في كتاب سيبويه، وكتاب آخر في النحو؛ سماه "التوطئة". وتوفي في صفر، سنة 645 هـ.
الأفعال عن توسط الخبر. وأجازه المبرد
(1)
والسيرافي
(2)
والفارسي.
(1)
هو أبو العباس المبرد؛ محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي البصري، إمام العربية ببغداد في زمنه، أخذ عن المازني والجرمي، وقرأ عليهما كتاب سيبويه. وروى عنه: إسماعيل الصفار، ونفطويه، والصولي. وكان فصيحا بليغا مفوها، غزير العلم، حسن المحاضرة، صاحب نوادر وطرافة، مع كرم عشيرة، وجودة خط. وقيل في سبب تلقيبه بالمبرد؛ أن المازني حين صنف كتابه "الألف والام" سأل المبرد عن دقيقه وعويصه؛ فأجابه بأحسن جواب، فقال له: قم فأنت المبرد؛ أي: المثبت للحق. فحرفه الكوفيون "بفتح الراء، وقال فيه نفطويه: "ما رأيت أحفظ للأخبار -بغير أسانيد- من المبرد. وكانت بينه وبين ثعلب منافرة شديدة، وأكثر أهل العلم يفضلونه على ثعلب. وقيل فيهما:
أيا طالب العلم لا تجهلن
…
وعذ بالمبرد أو ثعلب
تجد عند هذين علم الورى
…
فلا تك كالجمل الأجرب
علوم الخلائق مقرونة
…
بهذين في الشرق والمغرب
وللمبرد مؤلفات كثيرة؛ منها: "الكامل" في الأدب؛ وهو أشهر كتهب. "والمقتضب" في النحو، من ستة أجزاء مخطوطة بدار الكتب. وشرح شواهد هذا الكتاب، ومات سنة 286 هـ، في خلافة المعتضد بالله، ودفن بالكوفة.
(2)
هو أبو سعيد؛ الحسن بن عبد الله بن المرزبان القاضي، المعروف بالسيرافي النحوي، نسبة إلى "سيراف"؛ مدينة بفارس. كان أبوه مجوسيا؛ اسمه "بهزاد" فسماه أبو سعيد "عبد الله" وكان إماما في النحو والفقه واللغة والشعر، وكثير من العلوم. وقد أخذ النحو عن ابن السراج، وأصبح من أعلم الناس بنحو البصريين. وكان دينا ورعا زاهدًا؛ صام أكثر من أربعين سنة، حسن الخط، لا يأكل إلا من كسب يده، شرح كتاب سيبويه، شرحا لم يسبق إلى مثله، وحسده عليه أبو علي الفارسي، وغيره من معاصريه.
وهجاه أبو الفرج الأصفهاني -صاحب الأغاني- لمناقشة حدثت بينهما. وتوفي السيرافي في رجب سنة 368 هـ، ودفن ببغداد في خلافة الطائع بالله.
ويتبين مما تقدم: أن في "عسى" و"اخلولق" و"أوشك" ثلاث حالات: وجوب النقص، ووجوب الإتمام، وجواز الأمرين.
ويظهر أثر الاحتمالين أيضًا في التأنيث والتثنية والجمع؛ فتقول على وجه الإضمار: عسى أن يقوما أخواك
(1)
، وعسى أن يقوموا إخوتك، وعسى أن يقمن نسوتك، وعسى أن تطلع الشمس بالتأنيث لا غير
(2)
، وعلى الوجه الآخر
(3)
: تُوَحِّد "يقوم"
(4)
وتؤنث "تطلع" أو تذكره
(5)
.
مسألة في كسر السين وفتحها في "عسى":
يجوز كسر سين "عسى" خلافًا لأبي عبيدة
(6)
(1)
" أخواك" اسم عسى مؤخر، و"أن يقوما" في موضع نصب خبرها مقدم، وكذا يقال فيما بعده.
(2)
فـ"الشمس" اسم عسى، و"أن تطلع" خبرها، وإنما وجب التأنيث؛ لأن الفعل إذا أسند لضمير المؤنث -ولو كان مجازي التأنيث- وجب تأنيثه.
(3)
وهو عدم الإضمار في الفعل.
(4)
لأنه مسند إلى الظاهر، والأفصح فيه الإفراد مطلقًا؛ كما سيأتي في بابه.
(5)
لأنه مسند إلى ظاهر مجازي التأنيث، وسيأتي أنه يجوز فيه التذكير والتأنيث.
(6)
فإنه يمنع الكسر. وأبو عبيدة: هو معمر بن المثنى، اللغوي البصري، مولى بني تيم "تيم قريش"؛ رهط أبي بكر الصديق. كان جده يهوديا من فارس، وكان خارجيا، قال فيه الجاحظ:"لم يكن في الأرض خارجي، ولا جماعي أبصر بجميع العلوم منه". أول من صنف في غريب الحديث. أخذ عن يونس وأبي عمرو بن العلاء، وعنه أخذ أبو حاتم والمازني. وكان أجمع الناس للعلم، وأكثرهم رواية؛ قيل: كان أعلم من الأنصاري، وأبي زيد بأنساب العرب وأيامها. وكان أبو نواس يمدحه، ويذم الأصمعي. سئل عن الأصمعي فقال:"بلبل في قفص" وعن أبي عبيدة؛ فقال: "أديم طوى على علم"؛ ذلك لأن الأصمعي كان حسن الإنشاد، وزخرفة الكلام، وأبو عبيدة بضد ذلك. وكان مع علمه، ربما يكسر البيت إذا أنشده، ويخطئ إذا قرأ القرآن. وله تصانيف كثيرة تقارب المائتين؛ منها:
"النقائض بين جرير والفرزدق"، في ثلاثة مجلدات، و"أيام العرب، والمجاز في غريب القرآن"، و"الأمثال في غريب الحديث"
…
إلخ. وتوفي سنة 213 هـ، وقد قارب المائة.
وليس ذلك مطلقًا
(1)
خلافًا للفارسي؛ بل يتقيد بأن تسند إلى التاء، أو النون، أو "نا"؛ نحو:{هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ} ، {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ} . قرأهما نافع
(2)
بالكسر، وغيره بالفتح، وهو المختار.
(1)
أي: إن جواز الفتح والكسر ليس مطلقا؛ سواء أسندت إلى ظاهر أو مضمر؛ بل ذلك مقيد بما إذا أسندت لضمير رفع لمتكلم أو مخاطب، والفتح أشهر. وفي هذا يقول الناظم:
والفتح والكسر أجز في السين من
…
نحو "عسيت" وانتقا الفتح زكن*
أي: إن الفتح والكسر جائزان في مثل: "عسيت"، كما بينا. وعلم عن العرب اختيار الفتح، وأنه أفضل من الكسر.
(2)
هو أبو الحسن؛ نافع بن عبد الرحمن المدني، أحد أصحاب القراءات السبع، وأصله من أصبهان. كان إمام الناس في القراءة بالمدينة، وانتهت إليه رياسة الإقراء بها. قيل: إنه قرأ على سبعين من التابعين، وأجمع الناس عليه بعدهم. وتوفي سنة 169 هـ.
تنبيه: يجوز حذف خبر هذه الأفعال؛ إن علم، وهو كثير في خبر. "كاد" قليل في خبر "كان"؛ نحو: من تأنى أصاب أو كاد، ومن عجل أخطأ أو كاد.
فائدتان:
أ- يتعين في مثل: عسى أن يكرم محمد الضيف، أن تكون "عسى" تامة، و"محمد" فاعلًا لها. ولا يجوز أن يعرب محمد مبتدأ مؤخرًا، ولا اسمًا لعسى على أنها ناقصة، و"أن يكرم" خبرها مقدمًا؛ لئلا يلزم الفصل بين أجزاء صلة "أن" بأجنبي؛ وهو "محمد". ومثل هذا يقال في إعراب كلمة "ربك" في قوله تعالى:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} و"مقاما" ظرف.
ب- اختلف فيما يتصل بعسى من الضمائر: الكاف، والهاء، والياء؛ فذهب سيبويه إلى =
* "والفتح" مفعول مقدم لأجز. "والكسر" معطوف عليه. "في السين" متعلق بأجز. "من نحو" متعلق بمحذوف حال من السين "عسيت" مضاف إليه مقصود لفظه. "وانتفا" مبتدأ. "الفتح" مضاف إليه "ركن" -أي: اعلم- ماض
مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود على انتفا، والجملة خبر المبتدأ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أنها في محل نصب اسم لعسى؛ وهي حينئذ حرف ترج؛ مثل لعل، وما بعدها خبر لها. وفي هذه الحالة لا تقع بعدها. "ما" الزائدة. وذهب المبرد والفارسي إلى أن "عسى" على ما هي عليه؛ من رفع الاسم ونصب الخبر، وهذه الضمائر أخبارها مقدمة في محل نصب، وما بعدها الاسم، وقد عكس الإسناد. ويلزم على هذه: جعل خبر "عسى" اسم صريحا. وهذا نادر؛ كما تقدم. وذهب الأخفش إلى أن "عسى" على ما كانت عليه أيضا، وهذه الضمائر أسماؤها، وقد ناب ضمير النصب عن ضمير الرفع؛ ونيابة بعض الضمائر عن بعض جائز، واختار الناظم قول الأخفش.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأسئلة والتمرينات:
1 اذكر أنواع أفعال المقاربة، وما يدل عليه كل نوع، وهات أمثلة لما تقول.
2 ما حكم خبر هذه الأفعال؛ من حيث الاقتران بأن المصدرية وعدمه؟ مثل.
3 تختص "عسى" و"اخلولق" و"أوشك" من بين أفعال هذا الباب بأشياء. اذكرها، ووضح ذلك بأمثلة من عندك.
4 اشرح قول ابن مالك:
وجردن عسى أو ارفع مضمرا
…
بها إذا اسم قبلها قد ذكرا
5 بم يستشهد بالآتي في هذا الباب؟ وضح ذلك، وأعرب ما تحته خط:
قال -تعالى: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} ، {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} ، {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} ، {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ} ، {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} .
فموشكة أرضنا أن تعود
…
خلاف الأنيس وحوشا ببابا
عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر
…
بمنهمر جون الرباب سكوب
أراك علقت تظلم من أجرنا
…
وظلم الجار إذلال المجير
أبيتم قبول السلم منا فكدتمو
…
لدى الحرب أن تغنوا السيوف عن السل
أوشك ألا يدوم وصل أخ
…
في كل زلاته تنافره
6 قال -شاعر مصر- المرحوم محمود سامي البارودي، المتوفى سنة 1322 هـ:
وماذا عسى الأعداء أن يتقولوا
…
علي وعرضي ناصع الجيب وافر
اشرح هذا البيت شرحا أدبيا، وأعرب الشطر الأول منه. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
7 الموقعة الفاصلة بيننا، وبين الأعداء أوشكت أن تبدأ، عسى أن يفوز قائدنا. حدث عن الموقعة والقائد، ومثناهما وجمعهما، في هاتين الجملتين؛ على تقدير: خلو "أوشك" و"عسى" من الضمير، وتحملهما له.
8 بين فيما يأتي: الفعل الناقص ومعموليه؛ ما يجب اقترانه بأن، وما يجب تجرده منها، وما يجوز فيه الأمران.
الحرب أوشكت أن تندلع، وقد أخذ العرب يستعدون للموقعة الفاصلة، وهب الشباب يندفع للعمل الجاد، بعد أن طفقوا يقرعون حجج الخصوم بحجج دامغة، وما برحوا يحاولون إقناعهم، حتى ملوا من عنادهم؛ فعسى الله أن يهبنا النصر على المعتدين، وعسى مهاجروا فلسطين أن يعودوا لأوطانهم آمنين؛ فقد كادت النفس أن تفيض على هؤلاء المشردين، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} .
9 أعرب هذا البيت، واشرحه شرحا أدبيا، وهو لذي الرمة:
إذا غير النأي المحبين لم يكد
…
رسيس الهوى من حب مية يبرح
10 هات أربعة أمثلة من إنشائك؛ في كل منها فعل ناقص من أفعال المقاربة؛ مراعيا أن يكون الخبر واجب الاقتران بأن في اثنين منها، ومجردا في الآخرين.
هذا
باب الأحرف الثمانية
(1)
الداخلة على المبتدأ والخبر:
فتنصب المبتدأ ويسمى اسمها، وترفع خبره ويسمى خبرها
(2)
.
فالأول والثاني "إنَّ" و"أنَّ": وهما لتوكيد النسبة
(3)
، ونفي الشك عنها، والإنكار لها
(4)
.
والثالث "لكن": وهو للاستدراك والتوكيد
(5)
؛ فالأول نحو: زيد شجاع لكنه بخيل. والثاني نحو: لو جاءني أكرمته لكنه لم يجئ
(6)
.
هذا باب الأحرف الثمانية الداخلة على المبتدأ والخبر:
(1)
اعتبر المصنف منها "عسى" إذا كانت للرجاء بمعنى لعل، في لغة كما سيأتي.
(2)
فعملها عكس عمل "ك
ان" وأخواتها،
وهذا أحد الفروق بينهما. وثانيها: أن هذه حروف، وتلك أفعال وحروف. وثالثها: أن هذه الحروف يجب أن تكون في صدر الجملة، ما عدا أن المفتوحة كما سيأتي، بخلاف كان وأخواتها.
هذا: ومن العرب من ينصب بها الجزأين معا، كقول عمر بن أبي ربيعة:
إذا اسود جُنح الليل فلتأت ولتكن
…
خطاك خفافا إن حراسنا أسدا
والجمهور يمنعون ذلك، ويؤولون ما ورد منه على أن الجزء الثاني حال، والخبر محذوف؛ أي: إن حراسنا تلقاهم أسدا.
(3)
أي: توكيد نسبة الخبر للاسم.
(4)
فكلا الحرفين بمنزلة تكرار الجملة. ويكونان لمجرد التأكيد إن كان المخاطب عالما بالنسبة، ولنفي الشك فيها إن كان مترددا فيها. وإن كان منكرا لها، فهما لنفي الإنكار. والتوكيد لنفي الشك مستحسن، ولنفي الإنكار لازم، ولغيرهما لا ولا. ولا يستعملان إلا في تأكيد الإثبات.
(5)
الاستدراك هو: تعقيب الكلام بنفي ما يتوهم ثبوته أو إثبات ما يتوهم نفيه. وهذا يستلزم أن يسبقها كلام له صلة بمعموليها. وأن يكون ما بعدها مخالفا لما قبلها في المعنى ومغايرا له. وتقع بعد النفي والإثبات. واستعمال "لكن" في الاستدراك هو الغالب فيها. وقد تستعمل لتأكيد النسبة وتقويتها في ذهن السامع، إيجابية كانت أو سلبية.
(6)
فهي هنا لتأكيد عدم المجيء، وهو مفهوم بدونها من كلمة "لو" الامتناعية التي تفيد نفي معنى ما بعدها.
والرابع "كأن": هو للتشبيه المؤكد
(1)
؛ لأنه مركب من الكاف وأن.
والخامس "ليت": وهو للتمني، وهو: طلب ما لا طمع فيه، أو ما فيه عسر
(2)
؛ نحو: ليت الشباب عائد، وقول منقطع الرجاء: ليت لي مالًا فأحج منه.
(1)
أي: تشبيه اسمها بخبرها فيما يشتهر به الخبر، تشبيها أقوى من التشبيه بالكاف. ولا يليها في الغالب إلا المشبه، أما الكاف ومثل ونحوهما، فيليها المشبه به في الأكثر. واستعمالها في التوكيد مطرد عند جمهور النحاة. وبعضهم يقول: إنها لا تكون للتشبيه إلا حيث يكون خبرها اسما أرفع من اسمها شأنا، أو أحط منه قدرا؛ نحو: كأن محمدا أمير، وكأن القادم لص. أما إذا كان خبرها فعلا، أو ظرفا، أو جارا أو مجرورا، أو صفة من صفات اسمها؛ فإنها تكون للظن، وتأتي للتحقيق، وجعل منه قول الشاعر:
فأصبح بطن مكة مقشعرا
…
كأن الأرض ليس بها هشام
هذا: ومن الأساليب الفصيحة المسموعة قولهم: "كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل"، وهذا القول منسوب إلى سيدنا علي -كرم الله وجهه- وهو خطاب موجه إلى المحتضر. وخير ما قيل في إعرابه:"كأن" حرف تشبيه والكاف اسمها. "بالدنيا" متعلق بالفعل. "لم" حرف نفي وجزم. "تكن" تامة بمعنى توجد مجزومة بلم والفاعل أنت، والجملة في محل رفع خبر كأن، أي: كأنك عند الاحتضار لم توجد بالدنيا، وذلك لسرعة زوالها. وقيل:"بالدنيا" متعلق بمحذوف خبر، وجملة "لم تكن" في محل نصب حال؛ أي: كأنك تبصر بالدنيا وتشاهدها. أما قولهم: كأنك بالشتاء مقبل، فإن "مقبل" هو الخبر، و"بالشتاء" متعلق به.
(2)
يكون التمني في الممتنع والممكن المرغوب في تحقيقه، ولا يكون في الواجب وقوعه؛ فلا يجوز أن يقال: ليت غدا يأتي، إلا إذا أريد إتيانه الآن -كقوله تعالى:{فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ} ؛ أي: تمنوه قبل وقته؛ لأنه واجب. وتختص "ليت" بأسلوب يلتزم فيه حذف خبرها وهو: "ليت شعري
…
" وينبغي أن يكون الاسم -كلمة "شعر"- مضافة إلى ياء المتكلم، وبعدها جملة مصدرة بالاستفهام؛ تقول: ليت شعري؛ أمقيم أنت أم مسافر؟ أي: ليت شعري عالم بجواب هذا السؤال. وكذلك تختص "ليت" بدخولها على "أن" المشددة ومعموليها، فتستغني بالمصدر المؤول من ذلك عن اسمها؛ وخبرها، تقول: ليت أن السلام دائم. وقيل: إن الخبر محذوف؛ أي: ليت دوام السلام حاصل.
والسادس "لعل": وهو للتوقع، وعبر عنه قوم بالترجي في المحبوب
(1)
؛ نحو: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} ، والإشفاق في المكروه
(2)
؛ نحو: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ}
(3)
. قال الأخفش: وللتعليل، نحو: أفرغ عملك لعلنا نتغذى، ومنه:{لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} . قال الكوفيون: وللاستفهام، نحو:{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى}
(4)
وعقيل تجيز جر اسمها وكسر لامها الأخيرة
(5)
.
(1)
أي: انتظار حصول شيء مرغوب فيه.
(2)
معنى الإشفاق: الخوف أو شدته.
(3)
أي: قاتلها غما. والمعنى: أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة على ما فاتك من إسلام قومك. ولا يكون التوقع إلا في الممكن. أما قوله -تعالى- على لسان فرعون: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ} ، فهو ممكن في زعمه الباطل.
(4)
أي: أيزكى؟ والمعنى: ما يدريك جواب هذا الاستفهام؟ ومعنى "لعل" و"عسى" في كلام الله: للتحقيق أحيانا، أو الرجاء والإشفاق بالنسبة للذي يدور الكلام بشأنه، لا بالنسبة له سبحانه؛ لأن ذلك مستحيل عليه. وينفرد خبر "لعل" بجواز تصديره بأن المصدرية؛ نحو: لعل الجندي أن يسارع إلى مكانه فيدافع عنه.
وفيما تقدم يقول الناظم:
"لإن أن ليت لكن لعل
…
كأن عكس ما لكان من عمل
كإن زيدًا عالم بأني
…
كفء ولكن ابنه ذو ضغن*
أي: لإن وما بعدها من الحروف عكس ما ثبت من العمل لكان وأخواتها. ثم مثل لحروف ثلاثة؛ هي: إن، وأن، ولكن. ومعنى ذو ضغن: صاحب حقد.
(5)
أي: مع حذف لامها الأولى وإثباتها، وحينئذ لا تعمل عمل "إن" على الصحيح. بل تنزل منزلة حرف الجر الزائد في عدم تعلقها بشيء. ومجرورها في موضع رفع بالابتداء، وما بعده خبر، وعليه جاء قول شاعرهم:
لعل أبي المغوار منك قريب
فـ"أبي المغوار" مبتدأ ومضاف إليه، و"قريب" خبر.
* "لإن" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. "أن"، ليت، لكن، لعل، كأن" معطوفات على إن بحذف العاطف. "عكس" مبتدأ مؤخر. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "لكان" متعلق بمحذوف صلة ما. "من عمل" جار ومجرور بيان لما. "كإن" الكاف جارة لقول محذوف، و"زيد" اسم إن، و"عالم" خبرها. "بأني" الباء جارة. "أن" حرف توكيد ونصب، والياء اسمها. "كفء" خبرها، وأن ومعمولاها في تأويل مصدر مجرور بالباء، متعلق بعالم. "ولكن" حرف استدراك ونصب. "ابنه" اسمها ومضاف إليه. "ذو ضغن" خبر ومضاف إليه.
والسابع "عسى": في لُغيَّة. وهي بمعنى لعل
(1)
. وشرط اسمه أن يكون ضميرًا؛ كقوله:
فقلت عساها نار كأس وعلها
(2)
وقوله:
أقول لها لعلي أو عساني
(3)
(1)
أي: في الترجي والإشفاق، وأجريت مجراها في نصب الاسم ورفع الخبر، كما أجريت "لعل" مجراها في اقتران خبرها بأن.
(2)
صدر بيت من الطويل، لصخر بن العود الحضرمي، من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، وعجزه:
تشكِّى فآتي نحوها فأعودها
اللغة والإعراب:
كأس: اسم محبوبته علها: لغة في لعلها. تشكي: تشتكي وتتألم.
أعودها: أزورها والعيادة: زيارة المريض خاصة. "عساها" عسى حرف ترج ونصب، و"ها" اسمها. "نار كأس" خبرها ومضاف إليه. "وعلها" مثل عساها، وجملة "تشكى" خبرها.
المعنى: أرجو أن تكون هذه النار التي أبصرها نار محبوبتي "كأس"، كما أتمنى أن تمرض وتشكو آلامه، فأذهب لزيارتها ورؤيتها، وهي أمنية سخيفة تدل على الأنانية.
الشاهد: نصب الضمير محلا بعسى، ورفع ما بعده على الخبرية؛ مما يدل على عملها عمل "إن".
(3)
عجز بيت من الوافر لعمران بن حطان الخارجي. وصدره:
ولي نفس تنازعني إذا ما
=
وهو حينئذ حرف وفاقًا للسيرافي، ونقله عن سيبويه؛ خلافًا للجمهور في إطلاق القول بفعليته
(1)
، ولابن السراج في إطلاق القول بحرفيته.
والثامن "لا" النافية للجنس: وستأتي. ولا يتقدم خبرهن مطلقًا
(2)
، ولا يتوسط إلا إذا كان الحرف غير "عسى"، و"لا"،
(3)
والخبر ظرفًا، أو مجرورًا
(4)
؛ نحو: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا} ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} .
= اللغة والإعراب:
تنازعني: لا تطاوعني. "لي" متعلق بمحذوف خبر مقدم. "نفس" مبتدأ مؤخر. "تنازعني" الجملة صفة لنفس. "إذا" ظرفية. "ما" زائدة. "لعلي" لعل حرف ترج ونصب، وياء المتكلم اسمها، والخبر محذوف؛ أي: أنازعها. والجملة مقول القول، ومثلها عساني.
المعنى: كان عمران هذا سنيا، وقد تزوج امرأة من الخوارج؛ أملًا في أن يردها عن مذهبها، فغلبت عليه، وأضلته عن مذهبه، فهو يقول: إن نفسي لا تطاوعني إذا أردت مغاضبة زوجي ومخاصمتها، وأقول لها: لعلي أنال ما أريد وأبغي.
الشاهد: استعمال "عسى" حرف بمعنى "لعل"، واسمه حينئذ ضمير، وخبره محذوف كما ذكرنا. والتقدير: عساني: عساني أن أنال منها ما أريد، مثلا.
(1)
أي: سواء أكان بمعنى "لعل" أم لا.
ويتبين مما تقدم: أن في "عسى" أقوالًا ثلاثة: فعل مطلقًا. وحرف مطلقًا، التفصيل: إن عملت عمل "لعل" كانت حرفًا، وإلا فهي فعل. وهذا كله في "عسى" الجامدة، أما "عسى" المتصرفة ففعل باتفاق، ومعناها: اشتد؛ كقول الشاعر:
"لولا الحياء وأن رأسي قد عسى
…
فيه المشيب لزرت أم القاسم
(2)
أي: لا يتقدم خبر هذه الأحرف الثمانية عليها مطلقًا، ولو كان ظرفًا أو جارًا ومجرورًا، وذلك لعدم تصرفها. وهي ملازمة للصدارة، وحملت "أن" المفتوحة على المكسورة.
(3)
لأن شرط عملهما اتصال اسميهما بهما، فلو قدم خبر إحداهما على الاسم، لفصل بينها وبين الاسم، ففات شرط إعمالها.
(4)
فيجوز حينئذ توسطه؛ لأنه يتوسع فيهما لكثرتهما. قال الناظم: =
فصل: تتعين "إن" المكسورة حيث لا يجوز أن يسد المصدر مسدها ومسد معموليها. و"أن" المفتوحة حيث يجب ذلك
(1)
. ويجوزان إن صح الاعتباران.
فالأول في عشرة وهي: أن تقع في الابتداء
(2)
؛ نحو: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} ، ومنه:{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} .
=
وراع ذا الترتيب إلا في الذي
…
كليت فيها أو هنا غير البذي*
أي: راع الترتيب الوارد في الأمثلة؛ فيتقدم الاسم، ويتأخر الخبر وجوبا، إلا في مثل: ليت فيها، أو ليت هنا، غير البذي، أي: الوقح، وذلك كل ترتيب يقع فيه خبر "إن" وأخواتها ظرفا، أو جارا ومجرورا. وحكم معمول الخبر حكم الخبر في عدم جواز تقديمه. ويجب تقديم الخبر إذا كان في الاسم ضمير يعود على شيء في الخبر الجار والمجرور؛ نحو: إن في الفصل تلاميذه؛ فإن تأخر الخبر -وهو في الفصل- يستلزم عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، وذلك ممنوع هنا.
(1)
بأن تقع "أن" مع معموليها في جملة تحتاج إلى اسم مرفوع أو منصوب أو مجرور، ولا سبيل لذلك إلا من طريق مصدر منسبك من أن مع معموليها.
وفي هذا يقول الناظم:
وهمز "إن" افتح لسد مصدر
…
مسدها وفي سوى ذاك اكسر*
أي: افتح همزة "إن" لسد المصدر مسدها مع معموليها، واكسرها فيما عدا ذلك.
(2)
أي: في ابتداء جملتها المقصودة: حقيقة بأن لم يسبقها شيء له تعلق بتلك الجملة، نحو:
{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} ، أو حكما كالواقعة بعد أداة استفتاح مثل:"ألا" و"أما"، وبعد "كلا" التي تفيد الاستفتاح على قول؛ نحو:{كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى} ، وبعد "حتى" الابتدائية.
* "وراع" فعل أمر. "ذا" اسم إشارة مفعوله. "الترتيب" بدل أو نعت لاسم الإشارة. "إلا" أداة استثناء من مقدر. "في الذي" جار ومجرور مستثنى من محذوف؛ أي: راع هذا الترتيب كما في كل تركيب إلا في التركيب الذي. "كليت" الكاف جارة لقول محذوف وهما متعلقان بمحذوف صلة الذي. "ليت" حرف تمن ونصب. "فيها" خبرها مقدم. "أو" عاطفة للتخيير. "هنا" ظرف معطوف على فيها. "غير" اسم ليت مؤخر. "البذي" مضاف إليه.
* "وهمز" مفعول مقدم لافتح. "إن" مضاف إليه مقصود لفظه. "لسد" متعلق بافتح. "مصدر" مضاف إليه، من إضافة المصدر لفاعله. "مسدها" مفعول مطلق مضاف إلى الهاء. "وفي سوى" جار ومجرور متعلق بقوله اكسر. "ذاك". "ذا" اسم إشارة مضاف إليه، والكاف حرف خطاب. "اكسر" فعل أمر وفاعله أنت، وحرك بالكسر للشعر.
أو تالية "لحيث"؛ نحو: جلست حيث إن زيدًا جالس.
أو "لإذ" كجئتك إذ إن زيدًا أمير.
(1)
أو لموصول
(2)
؛ نحو: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ}
(3)
، بخلاف الواقعة في حشو الصلة؛ نحو: جاء الذي عندي أنه فاضل، وقولهم: لا أفعله ما أن حراء مكانه
(4)
؛ إذ التقدير ما ثبت ذلك، فليست في التقدير تالية للموصول.
أو جوابًا لقسم
(5)
؛ نحو: {حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} .
(1)
إنما كسر "إن" بعد "حيث" و"إذ"؛ لأنهما لا يضافان إلى الجمل، وفتح "إن" يؤدي إلى إضافتهما إلى المفرد، والصحيح جواز الفتح عقبهما؛ لأن "حيث" قد تضاف إلى المفرد. وعند إضافتهما إلى الجملة يقدر تمامها من خبر أو فعل. وهذا إذا كانت "إن" واقعة عقب "حيث" فإن لم تقع عقبها نحو: جلست حيث اعتقاد محمد أنه مكان خال، وجب فتحها كما مر.
(2)
أي: أو تقع تالية لموصول؛ بأن تكون في بدء جملة الصلة؛ لأن صلة غير "أل" لا تكون إلا جملة.
(3)
"ما" اسم موصول، وجملة "إن مفاتحه" صلة، ومعنى تنوء: تثقل. ويجوز أن تعرب "ما" نكرة موصوفة ويبقى الحكم كما هو؛ فإن "إن" الواقعة في صدر جملة الصفة التي موصوفها اسم ذات، أو في أول جملة الحال، يجب كسر همزتها كما سيأتي.
(4)
"ما" موصول حرفي "إن" حرف توكيد ونصب. "حراء" اسمها. "مكانه" ظرف خبرها، وأن وما بعدها فاعل بفعل محذوف كما قدر المصنف، والجملة الفعلية صلة "ما". وحراء: جبل قرب مكة على يسار الذاهب إلى منى.
والمعنى: لا أفعله ما ثبت كون هذا الجبل في مكانه، وفتحت "إن" لوقوعها في حشو الصلة.
(5)
أي: في صدر جملة جواب القسم، بشرط أن يكون في خبرها اللام، سواء كانت جملة القسم اسمية؛ نحو: لعمرك إن الحذر لمطلوب. أو فعلية فعلها مذكور أو مقدر، نحو:
أقسم إن الظلم لظلمات يوم القيامة، والله إن الظلم لظلمات. فإن لم تقع في خبرها اللام لم يجب الكسر؛ إلا إذا كانت جملة القسم فعلية فعلها محذوف؛ نحو: والله إن الصلح خير.
أو محكية بالقول
(1)
؛ نحو: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} .
أو حالًا
(2)
أو صفة
(3)
نحو: مررت برجل إنه فاضل. أو بعد عامل علق باللام
(4)
؛ نحو: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} .
أو خبرًا عن اسم ذات؛ نحو: زيد إنه فاضل
(5)
.
(1)
أي: في صدر جملة محكية بالقول، بشرط ألا يكون القول بمعنى الظن؛ لأن المحكي بالقول لا يكون إلا جملة أو ما يؤدي معناها؛ فإن وقعت بعد القول غير محكية به، بل معمولة لغيره، فتحت؛ نحو: أخصك القول إنك مهذب؛ أي: لأنك، فالمصدر المؤول معمول للام الجر، لا للقول. وكذلك إذا كان القول بمعنى الظن؛ نحو: أتقول إن الجو سيكون معتدلًا غدا؟ أي: أتظن.
(2)
سواء قرنت بالواو كما مثل المصنف -فإن جملة إن ومعموليها في موضع نصب على الحال- أم لم تقترن؛ نحو: {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} . ويجب أن تكون في بدء الحال وإلا فتحت؛ نحو: خطب محمد وعندي أنه أجاد.
(3)
أي: لاسم عين، وبشرط أن تكون في بدء الصفة؛ لأنه يلزم على الفتح وقوع المصدر المؤول صفة لاسم ذات، وذلك غير جائز إلا بتأويل لا داعي له.
(4)
أي: بعد فعل من أفعال القلوب المتصرفة التي تنصب مفعولين؛ علق عن العمل بسبب وجود لام الابتداء في خبرها. وإنما وجب الكسر؛ لأن فتحها يستلزم تسليط العامل عليها، وما قبل اللام لا يعمل فيما بعدها؛ لأن لها الصدارة. ولا يقال أن "يشهد" في الآية التي مثل بها المصنف، ليست من أفعال القلوب؛ لأنها هنا بمعنى يعلم.
(5)
لو فتحت "إن" لكان المصدر المؤول خبرا عن "جثة"؛ أي: اسم ذات، فيحتاج إلى تأويل لا داعي له كما أسلفنا.
ومنه: {إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ}
(1)
.
والثاني في ثمانية؛ وهي: أن تقع فاعلة؛ نحو: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا}
(2)
.
(1)
جملة: {إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ} من إن ومعموليها في محل رفع خبر "إن" السابقة في قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا}
…
إلخ، و"الذين" وما عطف عليها اسمها، وهي أسماء ذوات.
وفي مواضع كسر همزة "إن" يقول الناظم:
فاكسر في الابتدا وفي بدء صله
…
وحيث "إن" ليمين مكمله
أو حكيت بالقول أو حلت محل
…
حال كزرته وإني ذو أمل
وكسروا من بعد فعل علقا
…
باللام كاعلم إنه لذو تقى*
أي: اكسر همزة "إن": إذا وقعت في ابتداء جملتها، أو في صدر جملة الصلة، أو في صدر جواب اليمين؛ أي: القسم، أو في جملة محكية بالقول، أو في جملة هي في موضع الحال؛ نحو: زرته، وإني لذو أمل. وكذلك تكسر إذا وقعت بعد فعل من أفعال القلوب علق عنها باللام. وقد اقتصر الناظم على هذه المواضع الستة، وقد علمت الباقي، والشروط الواجبة في كل.
(2)
المصدر المكون من "أنا أنزلنا" فاعل يكف؛ أي: إنزالنا. وقد يكون الفاعل مقدرا؛ نحو:
{وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا} ؛ أي: ولو ثبت صبرهم.
* "في الابتدا" جار ومجرور متعلق باكسر. "وفي بدء" معطوف على الجار والمجرور. "صله" مضاف إليه. "وحيث" الواو عاطفة، "وحيث" ظرف معطوف على ما قبله. "إن" قصد لفظه مبتدأ. "ليمين" متعلق بمكملة الواقع خبرا للمبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر في محل جر بإضافة حيث إليها. "أو" عاطفة. "حكيت" فعل ماض للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى "إن" والتاء للتأنيث. "بالقول" متعلق بها. "أو حلت" معطوف على حكيت. "محل" ظرف مفعول فيه لحلت. "حال" مضاف إليه. "كزرته" الكاف جارة لقول محذوف. "وإني" الواو للحال، وإن حرف توكيد ونصب وياء المتكلم اسمها. "ذو" خبرها. "أمل" مضاف إليه، والجملة في محل نصب حال من زرته. "علقا" ماض للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى فعل، والألف للإطلاق، والجملة صفة لفعل. "باللام" متعلق بعلق. "كاعلم" الكاف جارة لقول محذوف، و"اعلم" فعل أمر. "إنه" إن حرف توكيد ونصب والهاء اسمها. "لذو" اللام للابتداء وتسمى المعلقة، و"ذو" خبر مرفوع بالواو؛ لأنه من الأسماء الخمسة. "تقي" مضاف إليه.
أو مفعولة غير محكية؛ نحو: {وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ}
(1)
.
أو نائبة عن الفاعل؛ نحو: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ}
(2)
.
أو مبتدأ؛ نحو: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ}
(3)
، {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ}
(4)
.
أو خبرا عن اسم معنى: غير قول، ولا صادق عليه خبرها
(5)
؛ نحو: اعتقادي أنه فاضل
(6)
بخلاف: قولي إنه فاضل
(7)
،
(1)
التقدير: لا تخافون إشراككم .. وقد تقع أن ومعمولاها مفعول لأجله؛ نحو: أكرمتك أني أقدرك. ومفعولا معه؛ نحو: يسرني اجتهادك وأنك مستقيم. ولا تقع مفعولا فيه، ولا مطلقا، ولا حالا، ولا تمييزا.
(2)
أي: أوحي إلي استماع نفر من الجن.
(3)
فقوله: {أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً} في موضع مبتدأ مؤخر؛ أي: رؤيتك. وعند سيبويه فاعل بالجار والمجرور قبله. وقد يكون مبتدأ في الأصل؛ نحو: كان عندي أنك صاحب حق.
(4)
"أن" ومعمولاها مبتدأ، والخبر محذوف؛ أي: لولا كونه من المسبحين موجود. وقيل: فاعل لفعل محذوف؛ أي: فلولا ثبت كونه من المسبحين.
(5)
أي: يشترط في المبتدأ الذي تقع "أن" المؤولة خبرا عنه: أن يكون اسم معنى، وغير قول، وألا يكون معنى الخبر صادقا على المبتدأ.
(6)
إنما وجب الفتح؛ لأنها مع معموليها مصدر واقع خبرا عن اعتقادي، وهو اسم معنى، غير قول، ولا يصدق خبرها عليه؛ لأن "فاضل" لا يصدق على الاعتقاد. والتقدير: اعتقادي فضله؛ أي: معتقدي. ولا يجوز الكسر على أن تكون "أن" مع معموليها خبرا عن المبتدأ؛ لعدم الرابط.
(7)
فيجب كسرها فيه؛ لأنها وقعت خبرا عن اسم معنى قول، ولا تحتاج لرابط؛ لأن الجملة المحكية نفس المبتدأ في المعنى؛ أي: قولي هذا اللفظ.
واعتقاد زيد إنه حق
(1)
.
أو مجرورة بالحرف
(2)
؛ نحو: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} .
أو مجرورة بالإضافة
(3)
؛ نحو: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}
(4)
.
أو معطوفة على شيء من ذلك؛ نحو: {اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ}
(5)
.
أو مبدلة من شيء من ذلك؛ نحو: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ}
(6)
.
(1)
فيجب الكسر أيضا؛ لأن خبرها، وهو "حق"، صادق على المبتدأ وهو "اعتقاد"، والرابط اسمها. ولا يسوغ الفتح؛ لأن المعنى يصير: اعتقاد زيد كون اعتقاده حقا، وهو كلام لغو؛ لأن فيه حمل صفة الشيء عليه. هذا: وبقي من الصور: أن تقع "إن" خبرا عن قول، وخبرها صادق عليه؛ نحو: قولي إنه حق. والكسر فيه واضح؛ لأنها إذا كانت تكسر مع أحدهما فمعهما أولى.
(2)
لأن المجرور بالحرف لا يكون إلا مفردا.
(3)
لأن المجرور بالإضافة أيضا حقه الإفراد، إلا إذا كان المضاف ظرفا يقتضي غالبا، الإضافة إلى جملة كـ"إذ" و"حيث"، على قول، فتكسر حينئذ.
(4)
"مثل" صفة لحق مبني. "ما" زائدة. "أنكم تنطقون" أن ومعمولاها في تأويل مصدر مضاف إليه لمثل؛ أي: مثل نطقكم.
(5)
فالمصدر المؤول -وهو تفضيلي -معطوف على المفعول به وهو نعمتي؛ أي: اذكروا نعمتي وتفضيلي.
(6)
فالمصدر المؤول من "أنها لكم"، بدل اشتمال من "إحدى الطائفتين"؛ أي: كونها واستقرارها لكم.
فائدة: من الأساليب الفصيحة قولهم: أحقا أنك ذاهب، يقصدون:"أفي حق أنك ذاهب". وقد اختلف في إعرابه فقيل: "حقا" ظرف مكان مجازًا خبر مقدم، والمصدر المنسبك من أن ومعموليها مبتدأ مؤخر؛ ولهذا وجب فتح همزة "إن" أي: أفي حق ذهابك؟
وقيل: "حقا" مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره: أحق؛ أي: ثبت، والمصدر المنسبك فاعله؛ أي: أثبت ثبوتًا ذهابك؟
والثالث في تسعة:
أحدها: أن تقع بعد فاء الجزاء
(1)
؛ نحو: {مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ؛ فالكسر على معنى: فهو غفور رحيم
(2)
، والفتح على معنى: فالغفران والرحمة؛ أي: حاصلان، أو فالحاصل الغفران والرحمة
(3)
، كما قال الله -تعالى:{وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ} ؛ أي: فهو يئوس.
الثاني: أن تقع بعد "إذا" الفجائية
(4)
كقوله:
إذا أنه عبد القفا واللهازم
(5)
(1)
هي الفاء الواقعة في صدر جواب الشرط وجزائه.
(2)
أي: على اعتبار "إن" مع معموليها بعد الفاء، جملة مستقلة في محل جزم جواب الشرط، وهذا حسن لعدم احتياجه إلى تقدير شيء.
(3)
أي: على اعتبار المصدر المؤول من أن ومعموليها، في محل رفع مبتدأ خبر محذوف، أو خبر لمبتدأ محذوف، وهذا أولى؛ لأنه المعهود في جملة الجزاء؛ ومثل فاء الجزاء: الفاء الداخلة على ما يشبه الجزاء؛ لأداة تشبه الشرط في العموم والإبهام؛ كاسم الموصول، والنكرة العامة الموصوفة بجملة فعلية أو شبهها، ومن ذلك قوله -تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} ؛ فيجوز في "أن" الثانية الكسر والفتح، و"ما" هنا موصولة وعائدها محذوف، أي: غنمتموه؛ فعلى الكسر تكون الجملة هي الخبر، وعلى الفتح يكون المصدر المؤول مبتدأ خبره محذوف؛ أي: فكون خمسه لله ثابت، أو خبرا لمبتدأ محذوف؛ أي: فالواجب كون خمسه لله، والجملة خبر "أن" الأولى.
(4)
أي: الدالة على المفاجأة؛ وهي الهجوم والمباغتة؛ لأن ما بعدها يحدث بعد وجود ما قبلها بغتة وفجأة.
(5)
عجز بيت من الطويل، أنشده سيبويه ولم ينسبه لقائل. وصدره:
وكنت أرى زيدا كما قيل سيدا
=
فالكسر على معنى: فإذا هو عبد القفا والفتح على معنى: فإذا العبودية أي: حاصلة؛ كما تقول: خرجت فإذا الأسد
(1)
.
الثالث: أن تقع في موضع التعليل؛ نحو: {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} ، قرأ نافع والكسائي بالفتح على تقدير لام العلة
(2)
.
والباقون بالكسر على أنه تعليل مستأنف
(3)
؛ مثل: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ
= اللغة والإعراب:
أرى -بضم الهمزة غالبًا- معناها أظن يتعدى إلى مفعولين. القفا: مؤخر العنق. اللهازم: جمع لهزمة، وهي طرف الحلقوم الأعلى، وقيل: عظم ناتئ تحت الأذن. "أرى" فعل مضارع على صورة المبني للمجهول والفاعل أنا، والجملة خبر كنت. "زيدا" مفعول أول لأرى. "كما" الكاف جارة، و"ما" مصدرية أو موصولة في محل جر، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لمفعول مطلق لأرى. "قيل" ماض للمجهول ونائب الفاعل يعود على ما، والجملة صلة. "سيدا" مفعول ثان لأرى، وما بين المفعولين اعتراض؛ أي: وكنت أظن زيدا سيدا ظنا موافقا للذي قيل. "إذا" حرف للمفاجأة. إنه عبد القفا إن واسمها وخبرها ومضاف إليه. "واللهازم" معطوف على القفا.
المعنى: كنت أظن زيدا سيدا محترما كقول الناس فيه، فتبين أنه عبد ذليل حقير، يصفع على قفاه ويلكز على لهازمه كالعبيد.
الشاهد: في قوله: "إذا أنه" حيث يجوز فتح الهمزة وكسرها. وقد بين المصنف توجيه ذلك؛ فالفتح على تقديرها مع معموليها بالمفرد، والكسر على تقديرها جملة وهي في ابتدائها. وقيل: إن "إذا" ظرف مكان أو خبر مقدم، وأن ومعمولاها في تأويل مصدر مبتدأ مؤخر، والتقدير: ففي الحضرة، أو ففي الوقت الحاضر، عبوديته.
(1)
أي: حاضر.
(2)
أي: لأنه هو البر الرحيم؛ وذلك لأن حرف الجر إذا دخل على "إن" لفظا أو تقديرا، فتحت همزتها.
(3)
أي: قرأ الباقون من السبعة بالكسر على أنه تعليل مستأنف، فهو في المعنى جواب لسؤال مقدر، يؤخذ من الكلام السابق؛ كأنه قيل لهم: لم تدعونه؟ فقالوا: إنه هو البر الرحيم.
سَكَنٌ لَهُمْ}؛ ومثله
(1)
: "لبيك إن الحمد والنعمة لك"
(2)
.
الرابع: أن تقع بعد فعل قسم،
(3)
ولا لام بعده؛ كقوله:
أو تحلفي بربك العلي
…
أني أبو ذيالك الصبي
(4)
فالكسر على الجواب، والبصريون يوجبونه، والفتح بتقدير"على"
(1)
أي ومثل: إنه هو البر الرحيم في جواز الأمرين، لا مثل:{إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} ؛ لأنه بالكسر على أنه تعليل مستأنف.
(2)
يروى بكسر "إن" وفتحها؛ فالفتح على تقدير لام العلة، والكسر على أنه تعليل مستأنف. قيل: وهو أرجح؛ لأن الكلام يصير حينئذ جملتين لا جملة واحدة، وتكثير الجمل في مقام التعظيم مطلوب.
(3)
سواء كان مذكورا حقيقة، أو حكما بأن كان مقدرا جائز الذكر؛ وذلك إذا كان حرف القسم الباء، دون الواو والتاء.
(4)
بيت من الرجز، ينسب لرؤبة بن العجاج. وقبله:
لتقعدن مقعد القصي
…
مني ذي القاذورة المقلي
اللغة والإعراب:
القصي: البعيد النائي. القاذورة: القذر والوسخ، ويطلق على الفاحشة، والمراد بذي القاذورة: الذي لا يصاحب لسوء خلقه. المقلي: المبغض المكروه؛ من قلاه يقليه، أبغضه. ذيالك: تصغير ذلك على غير قياس؛ لأن المبني لا يصغر. "أو" حرف عطف بمعنى "إلا". "تحلفي" مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد "أو" وعلامة نصبه حذف النون والياء فاعل. "العلي" صفة لرب. "أني" أن واسمها. "أبو" خبرها مرفوع بالواو. "ذيالك" اسم إشارة مضاف إليه في محل جر، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب. "الصبي" بدل من اسم الإشارة.
المعنى: قيل: إنه قدم من سفر، فوجد امرأته قد ولدت غلاما، فأنكره، وقال هذين البيتين. وقيل: هما لأعرابي قدم من سفر فوجد امرأته قد وضعت ولدا فأنكره؛ أي: والله لتجلسن أيتها المرأة بعيدة مني، في المكان الذي يجلس فيه، الشخص المطرود المبغض، الذي يتحاشاه الناس، لقذره ودنيء أخلاقه؛ إلى أن تحلفي بربك المنزه عن كل نقص أني أبو هذا المولود.
الشاهد: في "أني" رويت بكسر الهمزة وفتحها؛ فمن كسرها اعتبر "إن" ومعموليها جملة لا محل لها جواب القسم، ومن فتحها جعلها مع معموليها في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف متعلق بتحلفي؛ وقد سدت مسد الجواب؛ أي: أو تحلفي على أبوتي لهذا الصبي. ولا يصح أن تكون جوابًا: لأن جواب القسم لا يكون إلا جملة.
ولو أضمر الفعل
(1)
أو ذكرت اللام
(2)
تعين الكسر إجماعًا؛ نحو: والله إن زيدا قائم، وحلفت إن زيدًا لقائم.
الخامس: أن تقع خبرا عن قول
(3)
، ومخبرًا عنها بقول
(4)
، والقائل واحد؛ نحو: قولي إني أحمد الله
(5)
. ولو انتفى القول الأول فتحت؛ نحو: عملي أني أحمد الله
(6)
.
ولو انتفى القول الثاني، أو اختلف القائل، كسرت؛ نحو: قولي إني مؤمن
(7)
،
(1)
أي: فعل القسم ولم يظهر، سواء ذكرت اللام؛ نحو:{وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} ، أم لم تذكر؛ نحو:{حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} .
(2)
بشرط أن يذكر فعل الشرط كما ذكر المصن؛ نحو: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ} .
(3)
أي: أو ما هو في معنى القول؛ مثل: كلام، وحديث، ونطق
…
إلخ.
(4)
أو ما في معناه أيضًا.
(5)
فـ"قولي" مساو في مدلوله لخبر إن، وهو "أحمد الله" وخبر إن مساويه كذلك في المدلول، والقائل واحد وهو المتكلم؛ فالفتح على جعل المصدر المؤول من أن ومعموليها خبر للمبتدأ، أي: قولي حمدا لله، ويكون القول باقيا على مصدريته، والكسر، على جعل إن ومعموليها جملة محكية في محل رفع خبر المبتدأ، ويكون القول بمعنى المقول؛ أي: مقولي هذا اللفظ، ولا تحتاج لرابط؛ لأنها نفس المبتدأ في المعنى.
(6)
التقدير: عملي حمد الله، ولا يجوز الكسر لعدم العائد على المبتدأ، وأيضا فإنه يلزم أن يكون العمل، جملة أني أحمد الله، وهذا غير صحيح؛ لأنه ليس بعمل.
(7)
"قولي" مبتدأ بمعنى مقولي، وجملة "إني مؤمن" خبر، ولا تحتاج لرابط؛ لأنها نفس المبتدأ في المعنى، ولا يسوغ الفتح؛ لأن الإيمان لا يخبر به عن القول؛ إذ هو من الجنان، والقول من اللسان.
وقولي إن زيدًا يحمد الله
(1)
.
السادس: أن تقع بعد واو مسبوقة بمفرد صالح للعطف عليه؛ نحو: {إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} قرأ نافع وأبو بكر
(2)
بالكسر
(3)
؛ إما على الاستئناف، أو بالعطف على جملة "إن" الأولى، والباقون بالفتح، بالعطف على {أَلاَّ تَجُوعَ}
(4)
.
السابع: أن تقع بعد "حتى"، ويختص الكسر بالابتدائية
(5)
؛ نحو: مرض زيد حتى إنهم لا يرجونه. والفتح بالجارة والعاطفة؛ نحو: عرفت أمورك حتى أنك فاضل
(6)
.
الثامن: أن تقع بعد "أما"
(7)
؛ نحو: أما إنك فاضل؛ فالكسر على أنها حرف استفتاح بمنزلة "ألا"، والفتح على أنها بمعنى "أحقا"
(8)
، وهو قليل.
(1)
فلا يصح الفتح أيضًا؛ لأن المعنى يصير: قولي حمد زيد الله، وهذا معنى فاسد؛ لأن حمد زيد قائم به؛ فلا يصح إسناده للمتكلم.
(2)
هو أبو بكر؛ شعبة بن عياش الأسدي الكوفي، من أصحاب عاصم. كان إماما كبيرا من كبار أئمة السنة. قيل: إنه ختم القرآن ثماني عشرة ألف ختمة. وتوفي رحمه الله سنة 193 هـ، في الشهر الذي توفي فيه هارون الرشيد.
(3)
أي في: {وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ} على أنها جملة مستأنفة عما قبلها، أو معطوفة على جملة "إن" الأولى من عطف الجمل. وعلى الوجهين فلا محل لها من الإعراب.
(4)
ويكون من عطف المفرد على مثله، والتقدير: إن لك عدم الجوع وعدم الظمأ. واحترز بقوله: مسبوقة بمفرد صالح للعطف عليه، من المفرد الواقع قبل الواو، ولا يصلح للعطف عليه، إن لي مالا وإن عليا فقير، فيجب الكسر؛ لأنه لا يصلح أن يقال: إن لي مالًا وفقر علي.
(5)
لأنها في المصدر؛ فهي التي تبدأ بها الجملة مثل "ألا" الاستفتاحية.
(6)
إن جعلت "حتى" حرف جر: فأن ومعمولاها في موضع جر بها؛ أي: عرفت أمورك إلى فضلك، وهذا هو الظاهر.
(7)
أي: المفتوحة الهمزة المخففة الميم.
(8)
فتكون الهمزة للاستفهام و"ما" في موضع نصب على الظرفية متعلقة بمحذوف خبر مقدم؛ أي: أفي حق، والمصدر المكون من أن ومعمولاها مبتدأ مؤخر. أو "ما" ظرف، وأن وما بعدها فاعل به.
التاسع: أن تقع بعد "لا جرم". والغالب الفتح؛ نحو: {لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ} ؛ فالفتح عند سيبويه على أن "جرم" فعل ماض، وأن وصلتها فاعل؛ أي: وجب أن الله يعلم، و"لا" صلة. وعند الفراء على أن "لا جرم" بمنزلة لا رجل، ومعناهما لا بد، و"من" بعدهما مقدرة
(1)
والكسر على ما حكاه الفراء؛ من أن بعضهم ينزلها منزلة اليمين؛ فيقول: "لا جرم لآتينك"
(2)
.
(1)
أو تقدر "في" ويقال في إعرابها: "لا" نافية للجنس، و"جرم" اسمها مبني على الفتح في محل نصب، والمصدر المنسبك من أن ومعموليها مجرور بحرف جر محذوف، والخبر محذوف أيضا، والتقدير: لا بد من علم الله، أو لا محالة في علمه.
(2)
الدليل على أنها منزلة منزلة اليمين، وجود اللام في المثال. ويقال في الإعراب:"لا" نافية للجنس، و"جرم" اسمها ومعناها القسم، وجملة "لآتينك" جواب القسم. وقد أغنت عن الخبر. ومثل ذلك قوله -تعالى:{لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ} ، فأن وما بعدها جواب أغنى عن خبر "لا".
وقد ذكر الناظم من مواضع جواز الأمرين ما في قوله:
بعد "إذا" فجاءة أو قسم
…
لا لام بعده بوجهين نمي
مع تلو "فا" الجزا وذا يطرد
…
في نحو "خير القول إني أحمد"*
أي: نسب همزة "إن" لوجهين: الفتح والكسر، بعد "إذا" الفجائية، وبعد قسم لا لام في جوابه، ومع تلو فاء الجزاء، وهذا الحكم بجواز الأمرين مطرد في نحو:"خير القول إني أحمد"، وقد شرحنا ذلك. ويلاحظ أن كلمة "خير" في المثال ليس قولا، ولكنها مضافة للقول، فهي بمنزلته.
* "بعد" ظرف متعلق بنمي. "إذا" مضاف إليه. "فجاءة" مضاف إليه كذلك، من إضافة الدال للمدلول، "أو قسم" معطوف على إذا. "لا" نافية للجنس. "لام" اسمها. "بعده" ظرف خبرها، والجملة نعت لقسم. "بوجهين" متعلق نمي، ونائب فاعل نمي يعود إلى همز إن. "مع" معطوف على "بعد" السابق بإسقاط العاطف. "تلو" مضاف إليه. "فالجزا" مضاف إليهما وقصرا للضرورة. "وذا" اسم إشارة مبتدأ. "يطرد" الجملة خبر. "في نحو" متعلق بيطرد. "خير القول" مبتدأ ومضاف إليه. "إني" إن واسمها. "أحمد" الجملة خبرها، وجملة أن ومعموليها خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره في محل جر بإضافة. "نحو" إليها.
فصل: وتدخل لام الابتدا
(1)
بعد إن المكسورة على أربعة أشياء:
أحدها: الخبر، وذلك بثلاثة شروط
(2)
: كونه مؤخرًا، ومثبتا، وغير ماض؛ نحو:{إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} ، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ} ، {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ، {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِ وَنُمِيتُ} ، بخلاف {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا}
(3)
؛ ونحو: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا}
(4)
وشذ قوله:
وأعلم إن تسليما وتركًا
…
للا متشابهان ولا سواء
(5)
(1)
سميت كذلك؛ لأنها تدخل على المبتدأ كثيرا، وتدخل على غيره؛ كخبر "إن" المكسورة. وهذه اللام مفتوحة؛ وفائدتها: توكيد مضمون الجملة المثبتة، وإزالة الشك عن معناها أو إنكارها، وتسمى "اللام المزحلقة"؛ ويقول النحاة في سبب تسميتها بذلك: إن مكانها الأصلي الصدارة في الجملة الاسمية، لكن لما كانت للتوكيد، و"إن" تفيد التوكيد، كرهوا الجمع بين حرفين لمعنى واحد، فقدمت "إن" لأنها عاملة، وزحلقت اللام إلى الخبر؛ والواقع أن السبب هو استعمال العرب.
(2)
يزاد على هذه الشروط: ألا يكون الخبر جملة شرطية؛ فلا يقال: إن محمدًا لئن تكرمه يجلك؛ لأن هذه اللام لا تدخل على أداة الشرط، ولا على فعله أو جوابه، وما اجتمعت فيه الشروط قد يكون مفردا، أو مضارعا، أو ظرفا، أو جارا ومجرورا، أو جملة اسمية، وقد مثل لها المصنف.
(3)
وذلك لتقدم الخبر، وقد عرفنا أن الخبر في هذا الباب، لا يتقدم إلا إذا كان شبه جملة.
(4)
لأن الخبر منفي؛ فيجب حذفها قبل أدوات النفي.
(5)
بيت من الوافر، لأبي حزام، غالب بن الحارث العكلي.
اللغة والإعراب: تسليما، أي: على الناس، أو للأمور. تركًا: كذلك. متشابهان: متقاربان. سواء متساويان. "تسليما" اسم إن. "وتركا" عطف عليه. "للا" اللام للابتداء، و"لا" نافية. "متشابهان" خبر إن مثنى مرفوع بالألف. "ولا سواء" معطوف على متشابهان.
المعنى: أعلم وأعتقد أن التسليم على الناس وتركه، أو تسليم الأمور لذويها وتركه، ليسا متساويين، ولا قريبين من السواء. وكان ينبغي أن يقول: للا سواء ولا متشابهان؛ لأن نفي التشابه ينفي الاستواء بالأولى، بخلاف العكس، ولكنه عكس لضرورة الشعر.
الشاهد: دخول لام الابتداء في خبر "إن" المنفي بلا، وذلك شاذ. وذهب ابن عصفور والفراء إلى أن الهمزة مفتوحة، واللام زائدة، وليست للابتداء.
وبخلاف نحو: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى}
(1)
. وأجاز الأخفش والفراء وتبعهما ابن مالك: "إن زيدًا لنعم الرجل، ولعسى أن يقوم"
(2)
؛ لأن الفعل الجامد كالاسم. وأجاز الجمهور: إن زيدا لقد قام
(3)
، لشبه الماضي المقرون بقد بالمضارع؛ لقرب زمانه من الحال. وليس جواز ذلك
(4)
مخصوصًا بتقدير اللام للقسم لا للابتداء؛ خلافًا لصاحب الترشيح
(5)
. وأما نحو: إن زيدا لقام؛ ففي الغرة
(6)
أن البصري والكوفي على منعها إن قُدِّرت للابتداء
(7)
.
(1)
لأن الخبر ماض.
(2)
أي: من كل جملة فعلية، فعلها ماض غير متصرف، ما عدا ليس؛ فإنه يمتنع دخول اللام عليها.
(3)
ومثله كل فعل ماض متصرف، اقترن بكلمة "قد" فتصحبها اللام.
(4)
أي: جواز دخول اللام على "قد".
(5)
حيث ذهب إلى منع دخول لام الابتداء، على الماضي المقترن بقد، وإذا ورد دخولها عليه، قدرت لام جواب لقسم محذوف، والتقدير في المثال: إن زيدا والله لقد قام. وصاحب الترشيح: هو أبو بكر خطاب بن يوسف المارودي، كان من كبار النحاة ومحققيهم، والمتقدمين في علوم اللسان عامة، تصدر لإقراء العربية طويلا وصنف فيها، واختصر الزاهر لابن الأنباري، وكان يقرض الشعر بإجادة، وينقل عنه أبو حيان وابن هشام كثيرا، وتوفي بعد سنة 450 هـ.
(6)
كتاب الغرة هو: شرح اللمع لابن جني، ومؤلفه: سعيد بن المبارك، المعروف بابن الدهان، كان من أعيان النحاة وأفاضل اللغويين، حتى قيل: كان سيبويه عصره، أخذ عنه الرماني، وعنه أخذ التبريزي، وصنف كثيرا من الكتب؛ في النحو والعروض والتفسير والرياضة، وشرح الإيضاح في أربعين مجلدا. وتوفي بالموصل ليلة عيد الفطر سنة 569 هـ، ويوجد من كتاب الغرة نسخة بدار الكتب المصرية.
(7)
لأن الفعل ماض غير جامد، وغير مقرون بقد، فيمتنع دخول لام الابتداء عليه، فإن قدرت اللام للقسم جاز، ويكون التقدير إن زيدا -والله- لقام.
والذي نحفظه أن الأخفش وهشاما
(1)
أجازاها على إضمار قد.
الثاني: معمول الخبر: وذلك بثلاثة شروط أيضًا
(2)
:
(1)
هو أبو عبد الله؛ هشام بن معاوية الضرير النحوي الكوفي، أحد أعيان أصحاب الكسائي، صنف كتاب مختصر النحو، والحدود، والقياس. وتوفي سنة 209 هـ. وفي جواز دخول اللام على خبر إن، وشروط ذلك يقول الناظم:
وبعد ذات الكسر تصحب الخبر
…
لام ابتداء نحو إني لوزر
ولا يلي ذي اللام ما قد نفيا
…
ولا من الأفعال ما كرضيا
وقد يليها مع "قد" كـ"إن ذا
…
لقد سما على العدا مستحوذا"*
أي: بعد صاحبة الكسر -وهي "إن" المكسورة الهمزة- تصحب خبرها لام الابتداء، ولا يقع بعد هذه اللام الخبر المنفي، سواء كان جملة فعلية إلا المضارعية، أم اسمية، وكذلك لا يليها الخبر إذا كان جملة فعلية فعلها ماض مثل "رضي"؛ في أنه ماض مثبت متصرف غير مقرون بقد، فإن قرر بقد جاز أن يليها؛ مثل: إن ذا لقد سما على العدا مستحوذا؛ أي: مستوليا على ما يريد.
(2)
يزاد عليها: ألا يكون الخبر مشتملًا عليها، فلا يجوز: إن محمدا لمذلة ليأبى، على الصحيح.
* "بعد" ظرف متعلق بتصحب. "ذات الكسر" مضاف إليه. "الخبر" مفعول تصحب. "لام" فاعل به" ابتداء" مضاف إليه. "نحو" خبر لمبتدأ محذوف. "إني" إن واسمها. "لوزر" اللام للابتداء مؤكدة لإن. "وزر" أي: ملجأ، خبر إن. "ولا" نافية. "يلي" فعل مضارع. "ذي" اسم إشارة مفعوله مقدم. "اللام" بدل أو عطف بيان من ذي. "ما" اسم موصول فاعله مؤخر. "قد" للتحقيق. "نفيا" فعل ماض للمجهول، والألف للإطلاق، ونائب الفاعل يعود إلى ما، والجملة صلة ما لا محل لها. "ولا" الواو عاطفة، ولا نافية. "من الأفعال" متعلق بمحذوف حال من "ما" بعده، "ما" اسم موصول معطوف على ما الأولى. "كرضيا" جار ومجرور مقصود لفظه، متعلق بمحذوف صلة ما. "وقد" حرف تقليل. "يلي" فعل مضارع، والفاعل يعود إلى الفعل الذي كرضي، و"ها" مفعوله عائدة إلى اللام. "مع" ظرف متعلق بمحذوف حال من فاعل يلي. "قد" مضاف إليه مقصود لفظه. "كإن" الكاف جارة لقول محذوف. "إن" حرف توكيد ونصب. "ذا" اسم إشارة إن. "لقد" اللام للتأكيد "قد" للتحقيق. "سما" فعل ماض والفاعل هو، والجملة خبر إن. "على العدا" متعلق بسما. "مستحوذا" أي: مستوليا، حال من فاعل سما.
تقدمه على الخبر، وكونه غير حال
(1)
، وكون الخبر صالحا للام؛ نحو: إن زيدا لعمرًا ضارب
(2)
؛ بخلاف: "إن زيدًا جالسا في الدار"
(3)
، و"إن زيدًا راكبًا منطلق"
(4)
، و"إن زيدًا عمرًا ضرب"
(5)
، خلافًا للأخفش في هذه
(6)
.
الثالث الاسم: بشرط واحد؛ هو أن يتأخر عن الخبر؛ نحو: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} ، أو عن معموله
(7)
؛ نحو: "إن في الدار لزيدًا جالس".
الرابع الفصل
(8)
: وذلك بلا شرط؛ نحو: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} ، إذا لم يعرب "هو" مبتدأ.
(1)
أي: وغير تمييز أيضا؛ فلا يصح أن تقول: إن محمدا لعرقا يتصبب.
(2)
إذا كان الخبر صالحا لدخول اللام، وله معمول مستوف شروط دخول اللام عليه، جاز دخول اللام على معمول الخبر كمثال المصنف، وجاز دخولها على الخبر؛ نحو:{إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} ، وجاز دخولها على الخبر ومعموله؛ نحو: إني لبحمد الله لصالح. ومنع الزجاج هذه الحالة.
(3)
لأن المعمول متأخر، ولام الابتداء تطلب الصدر، ومثله ما إذا تقدم على الاسم؛ فلا يصح: إن لعندك محمدا مقيم.
(4)
لأن المعمول حال، ولم يسمع دخول اللام عليه.
(5)
لأن الخبر جملة فعلية فعلها ماض متصرف غير مقرون بقد؛ فلا تصلح لدخول اللام كما سلف.
(6)
أي: في المسألة الأخيرة؛ وحجته: أن المانع قام في الخبر؛ لأنه فعل ماض، أما المعمول فاسم؛ فما ذنبه؟ ورجحه الموضح.
(7)
أي: معمول الخبر؛ إذا كان المعمول ظرفا، أو جارا ومجرورا.
(8)
أي: ضمير الفصل، وهو الضمير الذي يفصل به بين الخبر والنعت، ويرفع الشك، ويزيل اللبس، ويدل على أن ما بعده خبر لما قبله، وليس صفة، ولا بدلا، ولا غيرهما من المكملات، ويفيد مع هذا قصر المسند على المسند إليه، وقد يكون الغرض منه مجرد تقوية الاسم السابق وتأكيد معناه بالحصر؛ إذا كان ضميرا؛ نحو:{وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} . =
فصل: وتتصل "ما" الزائدة
(1)
بهذه الأحرف إلا "عسى"، و"لا" فتكفها عن العمل، وتهيؤها للدخول على الجمل
(2)
؛ نحو: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} ، {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ} ، بخلاف قوله:
ولكنما يقضى فسوف يكون
(3)
= ويسميه الكوفيون "عمادًا"؛ لأنه يعتمد عليه في الاهتداء إلى المعنى. وقد اختلف في الفصل؛ فقيل: هو اسم لا محل له من الإعراب، ومحله محل ما بعده أو ما قبله. وقيل: هو حرف لا يعمل شيئا على الرغم من دلالته على التكلم أو الخطاب أو الغيبة.
وخلاصة ما تقدم:
أن لام الابتداء تدخل بعد "إن" المكسورة على أربعة أشياء: اثنين متأخرين؛ وهما: الاسم والخبر، إذا لم يكن منفيا ولا ماضيا متصرفا مجردا من "قد"، واثنين متوسطين؛ وهما: معمول الخبر، وضمير الفصل. وقد سبق قول الناظم في الخبر، ويقول في الثلاثة الباقية:
وتصحب الواسط معمول الخبر
…
والفصل واسما حل قبله الخبر*
أي: إن لام الابتداء تدخل على معمول الخبر، إذا كان المعمول متوسطا بين اسم إن وخبرها، أو بين غيرهما مما يقع بعدها، وكذلك تدخل على ضمير الفصل، وعلى اسم إن بشرط أن يحل الخبر قبله؛ أي: يتقدم عليه.
(1)
أي: غير الموصولة والموصوفة والمصدرية؛ نحو: إن ما عندك جميل، وإن ما فعلت حسن، وهذه تكتب مفصولة من "إن" في الكتابة بخلاف الزائدة؛ فلا بد من وصلها.
(2)
أي: الفعلية، وتصبح غير مختصة بالجمل الاسمية، فيبطل عملها، و"ما" الزائدة هذه تسمى "ما" الكافة؛ لأنها كفت -أي: منعت- تلك الحروف من العمل. وتزاد بعد "إن" وأخواتها، فتكفها عن عمل النصب والرفع، وكذلك تزاد بعد "قل" و"كثر" و"طال"، فتكفها عن عمل الرفع ولا تطلب فاعلًا، وتزاد بعد "رب" والكاف، فتكفهما عن عمل الجر كما سيأتي في موضعه، ويجب وصل "رب" بـ"ما" في الكتابة.
(3)
عجز بيت من الطويل، ينسب للأفوه الأزدي، وروي: الأودي، وقيل: لأبي المطواع بن حمدان، من أربعة أبيات يقولها في دمشق، وصدره: =
* "وتصحب" مضارع فاعله يعود على اللام. "الواسط" مفعوله. "معمول الخبر" بدل منه أو حال، ومضاف إليه. "والفصل واسما" معطوفان على الواسط. "الخبر" فاعل حل.
إلا ليت فتبقى على اختصاصها
(1)
. ويجوز إعمالها وإهمالها، وقد روي بهما قوله:
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا
(2)
=
فوالله ما فارقتكم قاليا لكم
اللغة والإعراب:
قاليا: اسم فاعل من قلاه يقليه؛ كرهه وأبغضه، وهو حال من التاء في فارقت. "ولكن" حرف توكيد ونصب. "ما" اسم موصول اسمها. "يقضي" الجملة صلة ما. "فسوف" الفاء زائدة، و"سوف" حرف للتسويف. "يكون" مضارع كان التامة بمعنى يوجد، والفاعل يعود على الذي يقضي، والجملة خبر لكن.
المعنى: يقسم ويقول: إني ما فارقتكم عن بغض وكراهية لكم، أو ملال لعشرتكم وصحبتكم، ولكنه قدر الله وقضاؤه، وما تجري به المقادير لا مفر من وقوعه، ولا يمكن التحرز منه.
الشاهد: إعمال "لكن" مع اتصالها بما؛ لأن "ما" هذه موصولة لا زائدة، بدليل عود الضمير في "يقضى" عليها. وفيه شاهد آخر وهو: زيادة الفاء في خبر لكن، ويمنعه الأخفش، وهو محجوج بهذا الشاهد.
(1)
أي: بالجمل الاسمية، سواء أهملت أو أعملت، وإنما جاز إهمالها قليلا حملا على أخواتها.
(2)
صدر بيت من البسيط للنابغة الذبياني في زرقاء اليمامة، وعجزه:
إلى حمامتنا أو نصفه فقد
وقيل هذا البيت:
واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت
…
إلى حمام شراع وارد الثمد
وبعده:
فحسبوه فألفوه كما ذكرت
…
تسعا وتسعين لم ينقص ولم يزد
اللغة والإعراب:
شراع: داخل في الماء؛ من شرعت الدواب في الماء إذا دخلت فيه. الثمد: الماء القليل. حسبوه: من الحساب وهو العد. فألفوه: فوجدوه. "قالت" ماض فاعله يعود إلى زرقاء اليمامة، وكانت مشهورة بحدة النظر؛ قيل: إنها كانت تبصر من مسيرة ثلاثة أيام. "ليتما" ليت: حرف تمن و"ما" زائدة. "هذا" ها: للتنبيه و"ذا" اسم إشارة مبتدأ =
وندر الإعمال في "إنما"، وهل يمتنع قياس ذلك في البواقي مطلقا
(1)
؟ أو يسوغ مطلقًا
(2)
؟ أو في لعل فقط
(3)
؟ أو فيها، وفي كأن؟ أقوال.
فصل: يعطف على أسماء هذه الحروف بالنصب؛ قبل مجيء الخبر، وبعده؛
= على إهمال ليت، وفي محل نصب اسمها على إعمالها. "الحمام" بدل من اسم الإشارة، وهو بالرفع على الإهمال، وبالنصب على الإعمال. "لنا" خبر المبتدأ، أو خبر ليت على الوجهين. "إلى حمامتنا" متعلق بمحذوف حال. "أو نصفه" معطوف على الحمام بالرفع أو النصب أيضا. "أو" بمعنى الواو. "فقد" الفاء فاء الفصيحة، و"قد" اسم بمعنى كاف خبر لمبتدأ محذوف، وجملة المبتدأ والخبر جواب شرط محذوف؛ أي: إن تم ذلك فهو كاف.
المعنى: قالت زرقاء -وقد مر بها سرب من الحمام: ليت هذا الحمام لنا مضموما إلى حمامتنا ونصف هذا العدد فيكم لنا مائة. ولفظ مقولها:
ليت الحمام ليه
…
إلى حمامتيه
أو نصفه قديه
…
تم الحمام ميه
ثم وقع الحمام في شبكة صائد، فعد فإذا هو 66، فإذا أضيف نصفه على حمامتها كان مائة كما قالت.
الشاهد: في "الحمام" فقد روي بالنصب على إعمال ليت، وبالرفع على إهمالها.
(1)
أي: يمتنع قياس المسموع في بقية أخوات "إن" الأربعة؛ وهي: "أن، وكأن، ولعل، ولكن. وهذا مذهب سيبويه والأخفش. ويجب الوقوف عند المسموع.
(2)
هذا رأي الزجاج والزمخشري وابن مالك؛ لأنه لا فرق بين الأخوات.
(3)
أي: يجوز القياس فيها لا غير؛ لأنها أقرب إلى ليت، وكذلك "كأن" قريبة من ليت". وقد أشار الناظم إلى هذا الفصل بقوله:
ووصل "ما" بذي الحروف مبطل
…
إعمالها وقد يبقى العمل*
أي: إن اتصال "ما" الزائدة بهذه الحروف الناسخة يبطل عملها فقط دون معناها، وقد يبقى العمل في "ليت" وحدها، مع بقاء اختصاصها بالجمل الاسمية كما بينا.
* "ووصل" مبتدأ. "ما" مضاف إليه قصد لفظه. "بذي" متعلق بوصل. "الحروف" بدل أو عطف بيان من ذي. "مبطل" خبر المبتدأ، وهو اسم فاعل وفاعله مستتر فيه. "إعمالها" مفعول ومضاف إليه. "وقد" حرف تقليل. "يبقى" مضارع مبني للمجهول. "العمل" نائب فاعل.
كقوله:
إن الربيع الجود والخريفا
…
يدا أبي العباس والصيوفا
(1)
ويعطف بالرفع بشرطين: استكمال الخبر
(2)
، وكون العامل:"أن، أو إن، أو لكن"
(3)
؛ نحو: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}
(4)
.
(1)
بيت من الرجز، لرؤبة بن العجاج، يمدح أبا العباس السفاح، أول خلفاء بني العباس بكثرة الكرم والجود.
اللغة والإعراب:
الجود: المطر الغزير. الصيوف: جمع صيف، وهو أحد فصول السنة الأربعة، ويريد بالربيع والخريف والصيوف: أمطارها. "الربيع" اسم إن. "الجود" صفة للربيع. "والخريفا" معطوف على الربيع. "يدا أبي العباس" يدا: خبر إن، وما بعده مضاف إليه. "والصيوفا" معطوف على الربيع.
المعنى: إن مطر الربيع الغزير، وأمطار الخريف والصيف، تشبه يدي أبي العباس في كثرة الخبر والنفع للعباد. وحق التشبيه: أن يشبه الشاعر يدي أبي العباس بالأمطار في هذه الفصول، ولكنه عكس التشبيه للمبالغة.
الشاهد: عطف "الخريف" بالنصب على "الربيع" الذي هو اسم "إن" قبل مجيء الخبر؛ وهو "يدا أبي العباس"، وعطف "الصيوف" عليه بعد مجيئه.
(2)
لأنه يلزم على العطف قبل الاستكمال العطف قبل تمام المعطوف عليه، أو تقديم المعطوف كما سيأتي.
(3)
قيل في سبب الاقتصار على هذه الأدوات: إن معنى الابتدائية باق معها، أما "ليت، ولعل، وكأن"، فالكلام قبلها للإخبار، وبعدها للتمني أو الترجي أو التشبيه، وهي تغير معنى الجملة من الخبر إلى الإنشاء؛ فلا يجوز معها في المعطوف إلا النصب، سواء بعد استكمالها الخبر أم قبل الاستكمال؛ لأنه يلزم العطف على الرفع عطف الخبر على الإنشاء.
(4)
"رسوله" مرفوع بعد استكمال الخبر وهو "بريء": إما على العطف على محل الاسم، وهو لفظ الجلالة، باعتبار أصله قبل الناسخ، ويكون من عطف مفرد على مفرد، أو على أنه مبتدأ حذف خبره ويكون من عطف الجمل، أو معطوف على الضمير المستتر في الخبر.
وقوله:
فإن لنا الأم النجيبة والأب
(1)
وقوله:
ولكن عمي الطيب الأصل والخال
(2)
(1)
عجز بيت من الطويل، لم ينسب لقائل. وصدره:
فمن يك لم ينجب أبوه وأمه
اللغة والإعراب:
ينجب: يلد ولدا نجيبا؛ أي: كريما، النجيبة: المنجبة التي تلد الأولاد النجباء. وفي القاموس: رجل منجب، وامرأة منجبة ومنجاب، ولدا النجباء؛ فحذفت الزوائد من أنجب للضرورة، أو الأصل: النجيبة أبناؤها؛ فحذف المضاف وناب عنه المضاف إليه، فارتفع واستتر. "من" اسم شرط جازم مبتدأ. "يك" فعل الشرط مجزوم على النون المحذوفة للتخفيف واسمها يعود على من، وجملة "لم ينجب أبوه" خبرها. "فإن" الفاء واقعة في جواب الشرط وهو خبر المبتدأ. "إن" حرف توكيد ونصب. "لنا" خبرها مقدم. "الأم" اسمها مؤخر. "النجيبة" صفة للأم، "والأب" معطوف -بعد استكمال الخبر- على محل الاسم، أو على ضمير الخبر، أو مبتدأ حذف خبره، كما بينا في الشاهد السابق.
المعنى: من لم ينجب أبوه وأمه أولادا نجباء، فإن لنا أما وأبا قد أنجبا؛ يريد أنه وإخوته نجباء كرام، أبناء رجل منجب وأم كذلك.
(2)
عجز بيت من الطويل، أنشده أبو الفتح ولم ينسبه لقائل. وصدره:
وما قصرت بي في التسامي خئولة
اللغة والإعراب:
التسامي: التعالي؛ وأراد به العراقة في النسب. خئولة: جمع خال كالعمومة، أو مصدر "خئولة" فاعل قصرت. "لكن" حرف توكيد واستدراك ونصب. "عمي" اسمها. "الطيب الأصل" خبرها ومضاف إليه. "والخال" معطوف -بعد استكمال الخبر- على الأوجه السابقة، وهو "الشاهد".
المعنى: لم يقعد بي عن التعاظم والتباهي بالحسب وعراقة النسب، أخوالي ولا أعمامي؛ فإن كلا منهما كريم الأصل، عريق في النسب، فأنا مع علو همتي، كريم العنصر من ناحية الأخوال والأعمام.
والمحققون على أن رفع ذلك ونحوه، على أنه مبتدأ حذف خبره
(1)
، أو بالعطف على ضمير الخبر
(2)
، وذلك إذا كان بينهما فاصل
(3)
لا بالعطف على محل الاسم؛ مثل: ما جاءني من رجل، ولا امرأة بالرفع؛ لأن الرافع في مسألتنا الابتداء، وقد زال بدخول الناسخ
(4)
.
ولم يشترط الكسائي والفراء الشرط الأول
(5)
تمسكا بنحو: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ}
(6)
، وبقراءة بعضهم:"إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتُهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ"
(7)
وبقوله:
فإني وقيار بها لغريب
(8)
(1)
ويدل عليه ويفسره خبر إن، و تكون هذه الجملة المكونة من المبتدأ وخبره المحذوف، معطوفة على الجملة المكونة من إن ومعموليها. ويجوز أن تكون الجملة اعتراضية بين اسم إن وخبرها.
(2)
أي: الضمير المستتر في خبر "إن"، ويكون من عطف المفرد على مثله.
(3)
لأنه لا يجوز العطف على الضمير المرفوع المتصل، إلا إذا كان هناك فاصل بين المعطوف والمعطوف عليه؛ وهو الضمير كما سيأتي في بابه، والفاصل موجود فيما ذكر من الأمثلة؛ وهو: الجار والمجرور من المشركين، والصفة، الخال، والمضاف إليه، الأصل.
(4)
ذلك لأن العامل اللفظي يبطل عمل العامل المعنوي. أما الرافع لمحل رجل في المثال فهو الفعل "جاءني"، ولا يمنعه عن العمل الحرف الزائد؛ لأنه كالعدم.
(5)
أي: وهو استكمال الخبر؛ فأجازوا الرفع قبل الاستكمال وبعده كما في المغني وغيره.
(6)
فقد عطف "الصابئون" بالرفع على محل "الذين آمنوا" قبل استكمال الخبر وهو: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} .
(7)
أي: برفع "وملائكته" بالعطف على محل لفظ الجلالة، قبل استكمال خبر إن وهو "يصلون".
(8)
عجز بيت من الطويل، لضابئ بن الحارث البرجمي؛ من قصيدة قالها وهو محبوس في =
وقوله:
وإلا فاعلموا أنا وأنتم
…
بغاة. . . . . . . . . . .
(1)
ولكن اشترط الفراء -إذا لم يتقدم الخبر- خفاء إعراب الاسم
(2)
،
= المدينة في عهد سيدنا عثمان، وصدره:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله
اللغة والإعراب:
رحله: المراد هنا بالرحل، مسكن الرجل وما يستصحبه من الأثاث. قيار: اسم جمل الشاعر أو فرسه. "من" شرطية جازمة. "يك" فعل الشرط مجزوم على النون المحذوفة للتخفيف، والجواب محذوف يدل عليه قوله "فإني"؛ أي: فليمس.
"فإني" الفاء، للتعليل وإن واسمها. "وقيار" معطوف قبل استكمال الخبر؛ وهو "لغريب" واللام فيه للابتداء.
المعنى: من يك منزله وأثاثه بالمدينة فليمس بها، أما أنا فلا؛ لأني وجملي -أو فرسي- غريب بها، فسترحل عنها.
الشاهد: عطف "قيار" بالرفع على محل ياء المتكلم الواقع اسما لإن، قبل مجيء الخبر، وهو "لغريب" على رأي الكسائي والفراء ومن تبعهما.
(1)
هذا جزء من بيت من الوافر، لبشر بن أبي خازم. وتمامه:
ما بقينا في شقاق
اللغة والإعراب:
بغاة: جمع باغ، وهو اسم فاعل من البغي، وهو الظلم ومجاوزة الحد. شقاق: عداء ونزاع. "وإلا" إن: شرطية و"لا" نافية وفعل الشرط محذوف؛ أي: إن لم يكن سلم وصلح. "فاعلموا" الفاء واقعة في جواب الشرط. "أنا" أن واسمها. "وأنتم" معطوفة بالرفع قبل مجيء الخبر؛ وهو "بغاة". "ما" مصدرية ظرفية.
المعنى: إن لم يرأب الصدع بيننا، ويحل الوئام محل الخصام، فاعلموا أننا وأنتم شركاء في الظلم، ما دمنا في نزاع وخصام وعداء.
الشاهد: عطف "وأنتم"؛ الضمير المرفوع على محل اسم إن وهو "نا" ضمير المتكلم، قبل مجيء الخبر وهو "بغاة" على رأي الكسائي والفراء.
(2)
بأن يكون مبنيا، أو مقصورا، أو مضافا للياء؛ ومثل ذلك ما إذا خفي إعراب المعطوف دون المعطوف عليه، نحو؛ إن محمدا وموسى فدائيان.
والعلة في ذلك الاحتراز من تنافر اللفظ.
كما في بعض هذه الأدلة
(1)
. وخرجها المانعون على التقديم والتأخير
(2)
؛ أي: والصابئون كذلك، أو على الحذف من الأول
(3)
؛ كقوله:
فإني وأنتما
…
وإن لم تبوحا بالهوى دنفان
(4)
(1)
أي: المتقدمة؛ وهي: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} .... إلخ، والبيتان.
(2)
أي: تقديم المعطوف وتأخير الخبر؛ فيكون "من آمن" خبر إن، وخبر "الصائبون" محذوف؛ أي: كذلك. ويقال في الإعراب "من" اسم شرط مبتدأ. "آمن" فعل الشرط، والخبر، فلا خوف .... إلخ، والجملة خبر إن.
(3)
أي: حذف الخبر من الأول؛ لدلالة الثاني عليه، فيكون "من آمن" خبر عن "الصابئون"، وخبر "إن" محذوف لدلالة خبر "الصابئون" عليه.
(4)
هذا جزء من بيت من الطويل، أنشده ثعلب في أماليه، ولم ينسبه. وتمامه:
خليلي هل طب. . . . . . . . . . . .... . . . . . . . . . .
اللغة والإعراب:
طب: هو علاج الجسم والنفس. تبوحا بالهوى: تعلناه وتظهراه.
دنفان: مريضان، مثنى دنف؛ صلة مشبهة، من الدنف وهو المرض. "خليلي" منادى بحذف حرف النداء منصوب مضاف لياء المتكلم. "هل" حرف استفهام. "طب" مبتدأ خبره محذوف؛ أي: موجود، أو لنا. "فإني" الفاء للتعليل وإن واسمها والخبر محذوف يدل عليه خبر المبتدأ؛ أي: دنف. "وأنتما" مبتدأ. "وإن لم تبوحا" شرط وفعله، والجواب محذوف يدل عليه ما قبله؛ وهي جملة معترضة. "دنفان" خبر أنتما.
المعنى: يا صاحبي! هل من علاج يرجى للشفاء مما نحن فيه؟ فإني مريض، وأنتما كذلك، وإن لم تظهرا ما هو دفين في جوانحكما من هوى وألم ممض.
الشاهد: في قوله "فإني وأنتما دنفان"؛ فإنه يتعين أن يكون "أنتما" مبتدأ خبره "دنفان"، ويكون خبر إن محذوفا لدلالة خبر المبتدأ عليه؛ وذلك لأن "دنفان" لا يصلح أن يكون خبرا لإن فقط؛ لأن اسمها مفرد، ولا خبرا عن اسمها وما بعده؛ لأن الجميع جمع؛ فتعين ما ذكرنا؛ ويكون الكلام من عطف الجمل.
ويتعين التوجيه الأول
(1)
في قوله:
فإني وقيار بها لغريب*
ولا يتأتى فيه الثاني؛ لأجل اللام، إلا إن قدرت زائدة؛ مثلها في قوله:
أم الحليس لعجوز شهربه
والثاني
(2)
: في قوله تعالى: {وَمَلائِكَتَهُ} . ولا يتأتى فيه الأول؛ لأجل الواو في {يُصَلُّونَ}
(3)
، إلا إن قدرت للتعظيم؛ مثلها في:{قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} .
ولم يشترط الفراء الشرط الثاني
(4)
تمسكًا؛ بنحو قوله:
يا ليتني وأنت يا لميس
…
في بلدة ليس بها أنيس
(5)
(1)
أي: وهو التقديم والتأخير؛ فيجب أن يكون "لغريب" خبر إن، وقوله "وقيار" مبتدأ حذف خبره؛ لدلالة خبر إن عليه، أي: فإني لغريب، وقيار غريب؛ وذلك لأن "لغريب" مقترن بلام الابتداء، وهي تدخل على خبر إن، لا على خبر المبتدأ. وهناك رأي آخر؛ وهو: أن تقدر اللام داخلة على مبتدأ محذوف، أي: لهو غريب، أو تجعل اللام زائدة؛ كما ذكر المصنف.
(2)
أي: وهو الحذف من الأول؛ ويكون التقدير: إن الله وملائكته يصلون.
(3)
لأنها للجماعة، والمخبر عنه واحد، وهو الله سبحانه، وتقديرها للتعظيم -كما يقول المصنف- فيه شيء؛ لأنه لم يسمع أنا مجتهدون -مثلا- على التعظيم، بل لا بد من المطابقة اللفظية؛ على حد:{وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِ وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ} ؛ كما في المغني.
(4)
أي: وهو كون العامل: إن، أو أن، أو لكن. ورأيه حسن ينبغي الأخذ به؛ إذا كان العطف على الضمير المستتر في الخبر؛ لأنه لا مانع حينئذ.
(5)
بيت من الرجز، لرؤبة بن العجاج، وقيل: لجران العود النميري.
اللغة والإعراب:
لميس: اسم امرأة. أنيس: مؤنس؛ والمراد:، أي إنسان. "يا" حرف نداء، والمنادى محذوف. "ليتني" ليت: حرف تمن ونصب، والنون للوقاية، والياء اسمها و"أنت" معطوف على محل اسم ليت؛ وهو ياء المتكلم، أو على الضمير المستتر في الخبر "في بلدة" خبر ليت، وجملة "ليس بها أنيس" صفة لبلدة.
المعنى: أتمنى أن أكون أنا وأنت يا لميس في بلد، ليس فيه أحد غيرنا.
الشاهد: عطف "وأنت"، وهو ضمير رفع، على محل اسم ليت قبل استكمال الخبر، والعامل ليت، وخرجه الجمهور كما ذكر المصنف.
وخرج على أن الأصل: وأنت معي، والجملة حالية والخبر قوله: في بلدة
(1)
.
حكم "إن" المكسورة إذا خففت:
تخفف "إن" المكسورة لثقلها؛ فيكثر إهمالها
(2)
؛ لزوال اختصاصها؛ نحو:
(1)
إيضاح ذلك: "أن "أنت" مبتدأ حذف خبره للعلم به؛ أي: معي؛ والجملة من المبتدأ والخبر المحذوف، حال من اسم ليت؛ وهي متوسطة بين اسم ليت وخبرها؛ وهو "في بلدة" وعامل الحال "ليت"، لا الظرف؛ لامتناع تقديم الحال المنصوبة بالظرف، كما سيأتي في موضعه، وإلى هذا الفصل يشير بن مالك بقوله:
وجائز رفعك معطوفا على
…
منصوب "إن" بعد أن تستكملا
وألحقت بإن "لكن وأن"
…
من دون "ليت ولعل وكأن"*
أي: يجوز أن ترفع معطوفا على اسم "إن"؛ إذا استكملت "إن" معموليها. وألحقت بإن في هذا الحكم: أن، ولكن، وتخالفها:"ليت" و"لعل" و"كأن" وخففت النون في "أن" و"كأن"؛ لضرورة الشعر.
فائدة:
يجوز العطف بالرفع على اسم "لا" النافية للجنس، بعد الاستكمال وقبله؛ تقول: لا مرائي محترم ومنافق، ولا مرائي ومنافق محترمان.
(2)
هذا إذا دخلت على جملة اسمية؛ فإن وليها فعل وجب الإهمال. وهنالك من يقول بجواز إعمالها حينذاك، ويكون اسمها ضمير الشأن محذوفًا، والجملة الفعلية خبرها.
* "وجائز" خبر مقدم. "رفعك" مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، من إضافة المصدر لفاعله. "معطوفا" مفعول للمصدر. "على منصوب" متعلق بمعطوف. "إن" مضاف إليه. "بعد" ظرف متعلق برفع. "أن" مصدرية "تستكملا" مضارع منصوب بأن، والألف للإطلاق. والفاعل يعود إلى إن، ومفعوله محذوف؛ أي: بعد استكمالها خبرها. "وألحقت" ماض للمجهول، والتاء للتأنيث. "بإن" متعلق. "لكن" نائب فاعل ألحق مقصود لفظه. "وأن" معطوف على لكن. "من دون" متعلق بألحق. "ليت" مضاف إليه. "ولعل وكأن" معطوفان على ليت.
{وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}
(1)
، ويجوز إعمالها؛ استصحابا للأصل؛ نحو:{وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ}
(2)
. وتلزم لام الابتداء بعد المهملة فارقة بين الإثبات والنفي
(3)
، وقد تغني عنها قرينة لفظية؛ نحو: إن زيد لن يقوم
(4)
، أو معنوية؛ كقوله:
وإن مالك كانت كرام المعادن
(5)
(1)
أي: في قراءة من خفف "لما"؛ فتكون "إن" مخففة مهملة، "كل" مبتدأ، "لما" اللام للابتداء، و"ما" زائدة. "جميع" خبر. "لدينا" ظرف متعلق "بمحضرون"، الواقع نعتا لجميع، على المعنى، أو "جميع" مبتدأ ثان. "محضرون" خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول. أما على قراءة تشديد "لما"، فتكون "إن" نافية، و"لما" بمعنى إلا، ولا شاهد فيه.
(2)
أي: بتخفيف "إن" و"لما" في قراءة نافع وابن كثير؛ فتكون "إن" مخففة من الثقيلة. "وكلا" اسمها اللام للابتداء، و"ما" زائدة" للفصل بين اللامين؛ أو موصولة، وتكون خبر إن. "ليوفينهم" اللام للقسم، والجملة لا محل لها، جواب قسم محذوف، وجملة القسم وجوابه صلة "ما". والتقدير: وإن كلا للذين والله ليوفينهم. وقيل: "ما" نكرة موصوفة، وجملة القسم وجوابه سدت مسد الصفة؛ أي: وإن كلا لخلق موفى عمله.
وإعراب هذه الآية على تشديد "إن" و"لما": "كلا" اسم إن. "لما" حرف جزم، والمجزوم محذوف؛ أي: لما يوفوا أعمالهم. "ليوفينهم" اللام للقسم، وجملة "يوفينهم" جوابه والقسم وجوابه كلام مستأنف. "إن" بمعنى إلا. "كلا" مفعول لفعل محذوف؛ أي: أرى مثلًا. ليوفينهم "اللام للقسم، وجملة "يوفينهم" جوابه؛ أي: ما أرى كلا، إلا والله ليوفينهم انظر التصريح والصبان والخضري، في آخر باب "إن وأخواتها".
(3)
أي: لتدل على أنها ليست النافية، ولذا تسمى اللام الفارقة؛ لأنها تفرق بين المخففة والنافية. وقد تلحق هذا اللام "إن" العاملة، إذا حصل لبس، بأن كان إعراب الاسم خفيا؛ نحو: إن هذا، أو يحيى، لقائم.
(4)
القرينة اللفظية: كون الخبر منفيا، ولام الابتداء لا تدخل على المنفي، ويبعد في الفصيح أن يراد بإن النفي؛ لوجوده في الخبر، ولو أريد ذلك؛ لجيء بالكلام مثبتا من أول الأمر، بدلا من إدخال النفي على النفي لإبطال الأول.
(5)
عجز بيت من الطويل، للطرماح بن حكيم الطائي، وصدره: =
وإن ولي "إن المكسورة المخففة فعل، كثر كونه مضارعًا ناسخًا
(1)
؛ نحو: {وَإنْ
=
أنا ابن أباة الضيم من آل مالك
اللغة والإعراب:
أباة: جمع آب: اسم فاعل من أبى يأبى، إذا امتنع. الضيم: الظلم. مالك: اسم أبي قبيلة الشاعر. كرام المعادن: طيبة الأصول. "أنا" مبتدأ. "ابن أباة الضيم" خبر ومضاف إليه. "من آل مالك" متعلق بمحذوف، حال من أباة الضيم أو بدل، ومضاف إليه. "وإن" الواو عاطفة، وإن مخففة مهملة "مالك" مبتدأ. "كانت كرام" كان واسمها وخبرها، والجملة خبر المبتدأ. "المعادن" مضاف إليه.
المعنى: أنا ابن الذين يأبون الظلم والمذلة من آل مالك، وقد كانت قبيلتي كريمة الأصول والأنساب، شريفة المحتد والمنبت.
الشاهد: ترك لام الابتداء الفارقة، في خبر المبتدأ الواقع بعد "إن" المخففة المهملة؛ لوجود قرينة معنوية، تدل على أن "إن" غير نافية؛ وهي أن المقام للممدح والافتخار؛ كما يدل عليه صدر البيت، لا للنفي، وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:
وخففت "إن" فقل العمل
…
وتلزم اللام إذا ما تهمل
وربما استغني عنها إن بدا
…
ما ناطق أراده معتمدا*
أي: إذا خففت "إن" قل إعمالها، ويلزم مجيء اللام بعدها؛ إذا أهملت، وقد يمكن ترك هذه اللام، والاستغناء عنها؛ إن بدا -أي: ظهر- المعنى الذي أراده المتكلم، معتمدا في ظهوره على قرينة توضحه.
(1)
أي: من نواسخ المبتدأ؛ وهي: كان، وكاد، وظن وأخواتها. ويشترط في هذا الفعل الناسخ: ألا يكون نافيا؛ مثل "ليس"، ولا منفيا؛ مثل "ما كان"، وما زال وأخواتها. وأن يكون غير =
* "وخففت" ماض للمجهول والتاء للتأنيث. "إن" نائب فاعل. "فقل" الفاء عاطفة. "العمل" فاعل. "اللام" فاعل تلزم. "إذا" ظرف للمستقبل مضمن معنى الشرط. "ما" زائدة. "تهمل" مضارع للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى أن المخففة، الجملة في محل جر بإضافة إذا إليها، وجواب الشرط محذوف؛ أي: إذا تهمل إن التي خففت، لزمتها اللام. "ربما" حرف تقليل و"ما" كافة. "استغني" ماض للمجهول. "عنها" جار ومجرور نائب فاعل، و"ها" عائدة على اللام. "إن" شرطية. "ما" اسم موصول فاعل بدا. "ناطق" مبتدأ. "أراده" فعل ماض، وفاعله يعود على ناطق، والهاء مفعول، والجملة خبر المبتدأ "معتمدا" حال من فاعل أراد المستتر.
يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ}
(1)
، {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ}. وأكثر منه كونه ماضيا ناسخًا؛ نحو:{وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً} ، {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} ، {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ}. وندر كونه ماضيا غير ناسخ؛ كقوله:
شلت يمينك إن قتلت لمسلمًا
(2)
= داخل في صلة؛ مثل: "ما دام". وتدخل اللام في خبر الناسخ الحالي، أو في خبره بحسب الأصل؛ وقد مثل لذلك المصنف؛ فإن كان غير ناسخ، وهذا قليل، دخلت على معموله؛ فاعلا كان أو مفعولا، ظاهرا أو ضميرا منفصلا. وقد مثل المصنف للفاعل بقسميه وللمفعول الظاهر؛ ومثال المفعول الضمير: إن قتلت لمسلما، وإن أهنت لإياه؛ فإن اجتمع الفاعل والمفعول دخلت على السابق منهما، بشرط ألا يكون ضميرا متصلا؛ فإن كان ضميرا متصلًا لم تدخل عليه اللام، ودخلت على المتأخر؛ نحو: إن أكرمت؛ لمصلحا كبيرا، وإن مدحت لإباه.
(1)
ليصرعونك بنظرهم إليك شذرا.
(2)
صدر بيت من الكامل، لعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، عم سيدنا عمر بن الخطاب، تخاطب به عمرو بن جرموز، وتدعو عليه؛ وقد رأى زوجها الزبير بن العوام نائما تحت شجرة قد علق بها سيفه، فاستله وقطع رأسه، وكان ذلك قبل واقعة الجمل؛ وعجزه:
حلت عليك عقوبة المتعمد
وقبله:
يا عمرو لو نبهته لوجدته
…
لا طائشًا رعد الجنان ولا اليد
اللغة والإعراب:
شلت: يبست وجمدت، وأصابها الشلل؛ وهو فساد في اليد.
حلت: نزلت ووجبت. "إن" مخففة من الثقيلة. "قتلت" فعل ماض غير ناسخ. "لمسلم" اللام للابتداء، و"مسلما" مفعول قتلت.
المعنى: تدعو عاتكة على ابن جرموز؛ لفعلته الشنعاء؛ فتقول: أشل الله يدك أيها القاتل؛ لأنك قتلت مسلما بغير حق، ووجبت عليك عقوبة متعمد القتل؛ المذكورة في قوله -تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} .
الشاهد: مجيء فعل غير ناسخ بعد "إن المخففة من الثقيلة. وهذا نادر لا يقاس عليه، خلافًا للأخفش. ويعلل النحويون سبب دخول "إن" على الناسخ؛ بأنها كانت مختصة بالدخول على المبتدأ والخبر؛ فلما ضعفت بالتخفيف وزال اختصاصها، عوضوها كثرة الدخول على فعل يختص بهما؛ وهو الناسخ.
ولا يقاس عليه "إن قام لأنا، وإن قعد لزيد"، خلافًا للأخفش والكوفيين
(1)
. وأنذر منه كونه لا ماضيا ولا ناسخًا؛ كقوله: "إن يزينك لنفسك، وإن يشينك لهيه"
(2)
.
حكم "أن" المتوحة إذا خففت:
وتخفف "أن" المفتوحة؛ فيبقى العمل
(3)
، ولكن يجب في اسمها كونه مضمرا محذوفًا
(4)
،
(1)
المنقول عن الكوفيين: أنهم لا يجيزون تخفيف "إن" المكسورة؛ ويؤولون ما ورد من ذلك على أن "إن" نافية، بمنزلة "ما" واللام إيجابية، بمنزلة "إلا".
(2)
هذا مثال للفاعل بقسميه؛ فإن "نفس" اسم ظاهر فاعل. "يزينك" و"هيه" ضمير بارز فاعل "يشين"، والهاء للسكت. والمعنى: إن نفسك هي التي تزينك، وهي التي تشينك، وقد أشار الناظم إلى ما تقدم بقوله:
والفعل إن لم يك ناسخًا فلا
…
تلفيه غالبًا بـ"إنْ" ذي موصلا*
أي: إن والفعل إن لم يكن من الأفعال الناسخة، فإنك لا تجده -غالبا- متصلا بإن المخففة؛ أي: يقع بعدها مباشرة. والخلاصة أن للام بعد إن المخففة ثلاث حالات؛ وجوب ذكرها؛ في نحو: إن محمد لمسافر، بالإهمال؛ حيث لا قرينة، ووجوب تركها؛ في نحو: إن محمد لن يسافر، وجواز الأمرين، عند وجود قرينة تدل على نوع "أن"؛ أهي مخففة أم نافية؟ نحو: إن أهل فلسطين لفدائيون.
(3)
أي: وجوبًا؛ لأنها أكثر مشابهة للفعل من المكسورة.
(4)
سواء كان لمتكلم أو مخاطب أو غائب؛ ومنه قوله -تعالى: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} ، فقد قدره سيبويه: أنك يا إبراهيم. والغالب أن يكون الضمير للشأن.
* "والفعل" مبتدأ. "إن" شرطية. "يك" مضارع ناقص مجزوم بلم، فعل الشرط، واسمه يعود على الفعل "ناسخًا" خبر يك. "فلا" الفاء لربط الجواب بالشرط، و"لا" نافية. "تلفيه" فعل مضارع، والفاعل أنت، والهاء مفعول أول، والجملة خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: فأنت لا تلفيه. وجملة المبتدأ والخبر جواب الشرط. "غالبًا" ظرف مكان أو زمان؛ أي: انتفى في غالب الأزمنة أو التراكيب، أو حال من هاء تلفيه. "بأن" متعلق بموصلا؛ الواقع مفعولا ثانيا لتلفي. "ذي" نعت لإن.
فأما قوله:
بأنك ربيع وغيث مريع
…
وأنك هناك تكون الثمالا
(1)
فضرورة، ويجب في خبرها أن يكون جملة
(2)
؛ ثم إن كانت اسمية أو فعلية؛ فعلها جامد، أو دعاء. لم تحتج لفاصل
(3)
؛ نحو: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ
(4)
أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} ، "وَالْخَامِسَةُ أَنَّ
(1)
- بيت من المتقارب، لجنوب بنت العجلان الهذلية، ترثي أخاها عمرا؛ الملقب "بذي الكلب".
اللغة والإعراب:
بأنك ربيع، أي: إنك كثير النفع؛ كالربيع. غيث: مطر؛ والمراد الزرع الذي ينبته المطر، بدليل وصفه بمريع. مريع: خصب. الثمالا: الذخر والملجأ. "بأنك" الباء جارة، متعلقة بعلم في قوله قبل:
لقد علم الضيف والمرملون
…
إذا اغير أفق وهبت شمالا
والمرملون: الذين نفد زادهم؛ يقال: عام أرمل؛ أي: قليل المطر. "أن" مخففة من الثقيلة، والكاف اسمها. "ربيع" خبرها. "وأنك" مثل السابقة. "هناك" ظرف مكان. "الثمالا" خبر تكون، والجملة خبر "أن" الثانية.
المعنى: لقد علم الضيف، وكل من لا زاد معه، إذا أظلم الجو، وهبت ريح الشمال الباردة، التي تقضي على الزرع، بأنك كثير النفع، متصل العطاء، وأنك الملجأ والغوث، لكل وافد عليك.
الشاهد: مجيء اسم "أن" المخفف -في شطر البيت- ضمير مخاطب. والغالب أن يكون ضمير شأن، وأن يكون محذوفا، وهذا عند الجمهور ضرورة.
(2)
هذا إذا كان الاسم محذوفا، فإن ذكر؛ جاز كون الخبر جملة، وكونه مفردا، وقد اجتمعا في البيت: بأنك ربيع
…
إلخ.
(3)
لأن "أن" المصدرية الناصبة للمضارع؛ لا تقع بعدها الاسمية، ولا الفعلية الشرطية، ولا التي فعلها جامد أو دعاء؛ فلا مجال لخوف اللبس بينها، وبين المخففة. ومتى أمن اللبس، كان الفصل جائزا لا واجبا.
(4)
أي: على اعتبار "أن" مخففة، لا مفسرة.
غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا"
(1)
، ويجب الفصل
(2)
في غيرهن بقد
(3)
؛ نحو: "وَنَعْلَممُ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا". أو تنفيس
(4)
؛ نحو: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ} . أو نفي بلا، أو لن، أو لم
(5)
؛ نحو: "وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ"
(6)
، {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ}. {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} أو لو؛ نحو:{أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ} . ويندر تركه؛ كقوله:
علموا أن يؤملون فجادوا
(7)
ولم يذكر "لو" في الفواصل إلا قليل من النحويين
(8)
. وقول ابن الناظم إن الفصل
(1)
في قراءة من خفف "أن"، وكسر الضاد.
(2)
أي: بين "أن" والفعل؛ للفرق بين "أن" المخففة والمصدرية، ولتأكيد أنها المخففة وليست الناصبة للمضارع.
(3)
وتدخل على المضارع، وتقربه من الحال.
(4)
حرفا التنفيس هما: السين، وسوف. ويدخلان على المضارع المثبت لا غير.
(5)
"لا" تدخل على الماضي والمضارع، و"لم"، و"لن" يختصان بالمضارع، وزاد الرضى. "ما" وجعلها مثل "لا".
(6)
في قراءة من رفع "تكون"، وحسب بمعنى اعتقد.
(7)
صدر بيت من الخفيف، لا يدرى قائله. وعجزه:
قبل أن يسألوا بأعظم سؤل
اللغة والإعراب:
يؤملون: يرجون ويسألون. سؤل: مسئول ومطلوب. "أن" مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن. "يؤملون" الجملة من الفعل ونائب الفاعل خبر، وجملة أن ومعمولها في محل نصب، سدت مسد مفعولي "علم". "بأعظم" متعلق بجادوا.
المعنى: علم هؤلاء الأجواد أن الناس يرجون معروفهم وبرهم؛ فجادوا من العطاء قبل أن يحوجوهم إلى السؤال والطلب؛ بأعظم مسئول ومرجو. "والشاهد" وقوع خبر "أن" المخففة جملة فعلية؛ فعلها متصرف غير دعاء، ولم يؤت بفاصل بين "إن" والجملة. وهذا نادر عند الجمهور.
(8)
مع أن مجيء "لولا" فاصلا، كثير في الشعر العربي الفصيح.
بها قليل، وهم
(1)
منه على أبيه.
حكم "كأن" إذا خففت:
وتخفف "كأن" فيبقى أيضا إعمالها، لكن يجوز ثبوت اسمها
(2)
وإفراد خبرها
(1)
أي: غلط؛ فإن نص عبارة الناظم: "وأكثر النحويين لم يذكروا الفصل بين "أن" المخففة وبين الفعل "بلو". وهذا لا ينافي ورودها كثيرا في الفصيح.
وفي أحكام "أن" المخففة يقول الناظم:
وإن تخفف "أن" فاسمها استكن
…
والخبر اجعل جملة من بعد أن
وإن يكن فعلا ولم يكن دعا
…
ولم يكن تصريفه ممتنعا
فالأحسن الفصل بقد أو نفي أو
…
تنفيس أو لو وقليل ذكر لو*
أي: إذا خففت "أن" فاسمها ضمير مستكن؛ أي: مستتر لا يظهر في الكلام، وخبرها يكون جملة. وإن كان صدر الجملة فعلا لا يراد به الدعاء، ولم يكن تصريفه ممنوعا؛ بأن كان جامدا، فالأحسن الفصل بينه وبين "أن" المخففة بفاصل من الفواصل التي ذكرت.
وخلاصة ما تقدم: أن الفعل غير الجامد وغير الدعاء، بعد "أن" المفتوحة الهمزة، إما مثبت وإما منفي. وعلى كل إما أن يكون ماضيا أو مضارعا؛ فالماضي المثبت يفصل بقد؛ نحو:{وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} ، والمضارع المثبت يفصل بالسين أو سوف كما مثل المصنف. والماضي المنفي يفصل بـ"لا" النافية لا غير؛ تقول: علمت أن لا حضر محمد ولا اعتذر. والمضارع المنفي يفصل بلا، أو لن، أو لم؛ كما مثل المصنف. وأما "لو" فتأتي فاصلا مع الماضي ومع المضارع.
(2)
أي: ويجوز حذفه، والغالب أن يكون ضمير الشأن، وقد يكون لغيره، وإذا كان اسمها ضمير الشأن، وجب أن يكون خبرها جملة؛ لأن ضمير الشأن لا بد له من جملة بعده تفسره.
* "وإن" شرطية. "تخفف" مضارع فعل الشرط. "أن" نائب فاعل تخفف. "فاسمها" الفاء لربط الجواب بالشرط، واسمها مبتدأ مضاف إلى الهاء. "استكن" أي: حذف وجوبا، الجملة خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره في محل جزم جواب الشرط. و"الخبر" مفعول أول مقدم لاجعل. "جملة" مفعوله الثاني. "من بعد" متعلق باجعل. "أن" مضاف إليه مقصود لفظه. "وإن" شرطية. "يكن" مضارع كان الناقصة فعل الشرط واسمها يعود إلى الخبر. "فعلا" خبرها. ومثله في الإعراب بقية البيت. "فالأحسن" الفاء واقعة في جواب شرط إن. "الأحسن" مبتدأ. "الفصل" خبر. "بقد" متعلق بالفصل. "أو نفي أو تنفيس أو لو "معطوفات على قد. "وقليل" خبر مقدم. "ذكر لو" مبتدأ مؤخر ومضاف إليه.
كقوله:
كأن وريديه رشاء خلب
(1)
وقوله:
كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم
(2)
يروى بالرفع على حذف الاسم؛ أي: كأنها، وبالنصب على حذف الخبر، أي: كأن مكانها، وبالجر على أن الأصل كظبية وزيد "أن" بينهما.
(1)
بيت من مشطور الرجز، ينسب لرؤبة بن العجاج.
اللغة والإعراب:
وريديه: مثنى وريد؛ وهما عرقان في الرقبة يكتنفان صفحتي العنق. رشاء: حبل. خلب: ليف. "كأن" حرف تشبيه ونصب مخففة. "وريديه" اسمها.
"رشا" خبرها. "خلب" صفة لرشاء مرفوع بضمة مقدرة، منع منها سكون الوقف.
المعنى: كأن عرقي هذا الرجل، المعروفين بالوريدين، حبل من الليف في الغلظ وخشونة الملمس. وقيل: معنى خلب: البئر البعيدة القعر، فيكون "رشا" مضافا إلى "خلب" وفيه مساس بالوزن. وفي كتاب سيبويه: رشاء خلب بالإضافة.
الشاهد: تخفيف "كأن" وذكر اسمها ومجيء خبرها مفردا، وذلك جائز.
(2)
عجز بيت من الطويل، لابن صريم اليشكري، يذكر امرأته ويمدحها، وقيل لغيره، وصدره:
ويومًا توافينا بوجه مقسم
اللغة والإعراب:
توافينا: تأتينا وتزورنا. مقسم: محسن جميل. تعطو: تمد عنقها وتميله، أو تتناول. وارق: مورق، أي: به أوراق السلم: شجر ذو شوك، مفرده سلمة.
"يوما" ظرف لتوافينا، وفاعل. توافي يعود على ممدوحته. "بوجه" متعلق بتوافينا. "مقسم" صفة لوجه. "كأن" حرف تشبيه مخففة. "ظبية" اسمها والخبر محذوف. وفيه أعاريب ذكرها المصنف. "وارق" مضاف إلى السلم من إضافة الصفة للموصوف.
المعنى: أن هذه المحبوبة تزورنا في بعض الأوقات بوجه نضر جميل، وكأنها في حسن قوامها وخفة حركتها، ظبية تتناول الورق من شجر السلم.
الشاهد: حذف اسم "كأن" المخففة من غير أن يكون ضمير شأن، وإفراد خبرها على رواية الرفع، وقد قدره المصنف، وجواز ذكره في الكلام على رواية النصب.
وإذا حذف الاسم، وكان الخبر جملة اسمية، لم يحتج لفاصل
(1)
؛ كقوله:
كأن ثدياه حقان
(2)
(1)
تقدم تعليل ذلك في "أن" المخففة؛ فتأمل.
وقد أشار الناظم إلى تخفيف "كأن" وأن اسمها ينوى فيكون ضميرا، وقد يكون ظاهرا ثابتًا في الكلام، فقال:
وخففت كأن أيضا فنوي
…
منصوبها وثابتا أيضا روي*
(2)
عجز بيت من الهزج، احتج به سيبويه في كتابه، ولم ينسبه لأحد.
وصدره:
وصدر مشرق النحر
اللغة والإعراب:
مشرق: مضيء. النحر: موضع القلادة من العنق. حقان: تثنية حق، وهو الوعاء المعروف. "وصدر" الواو واو "رب" المحذوفة، "صدر" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها حركة حرف الجر الشبيه بالزائد. "مشرق النحر" صفة لصدر ومضاف إليه. "كأن" حرف تشبيه ونصب، مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن. "ثدياه" مبتدأ. "حقان" خبر، والجملة خبر كأن، وجملة كأن ومعموليها خبر المبتدأ. وروي "ثدييه" على أنها اسم "كأن" منصوب بالياء، و"حقان" خبر"؛ كما روي:"وصدر" على أن الواو عاطفة أو استئنافية، و"صدر" مبتدأ حذف خبره؛ أي: ولها صدر.
المعنى: هذه الفتاة لها صدر، أعلاه ناصع البياض. كأن الثديين فيه حقان في الاستدارة والصغر. والعرب كثيرا ما تشبه الثدي بحق العاج.
الشاهد: حذف اسم كان، ومجيء خبرها جملة اسمية بلا فاصل بينها وبين كأن. وهذا كثير.
* "خففت" ماض للمجهول والتاء للتأنيث. "كأن" نائب فاعل خفف مقصود لفظه. "أيضا" مفعول مطلق لمحذوف. "فنوي منصوبها" فعل ونائب فاعل، و"ها" مضاف إليه. "وثابتًا" حال من فاعل روي. "أيضًا" مفعول مطلق. "روي" ماض للمجهول ونائب الفاعل يعود إلى منصوبها.
وإن كانت الجملة فعلية
(1)
، فصلت بـ"لم" أو " قد"
(2)
؛ نحو: {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} ؛ ونحو قوله:
لا يهولنك اصطلاء لظى الحر
…
ب فمحذورها كأن قد ألما
(3)
مسألة: حكم "لكن" إذا خففت
وتخفف "لكن" فتهمل وجوبًا
(4)
؛ نحو: {وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} . وعن يونس والأخفش جواز الإعمال
(5)
.
(1)
أي: فعلها غير جامد، وغير دعائي؛ قياسًا على "أن".
(2)
الفصل بـ"لم" قبل المضارع المنفي، وبـ"قد" قبل الماضي المثبت.
(3)
بيت من الخفيف، لم ينسب لقائل.
اللغة والإعراب:
يهولنك: يفزعنك؛ من الهول؛ وهو أشد الخوف. اصطلاء: مصدر اصطلى بالنار؛ احترق بها، وأصل الاصطلاء بالنار: التدفي بها. لظى الحرب: نارها وشدتها. محذورها: ما يحذر من أمرها ويتحرز عنه وهو الموت. ألما: نزل: "لا يهولنك" لا: نافية، "يهولنك" مضارع مؤكد بالنون، والكاف مفعول. "اصطلاء" فاعل. "لظى الحرب" مضاف إليه. "فمحذورها" الفاء للتعليل و"محذورها" مبتدأ ومضاف إليه "كأن" حرف تشبيه ونصب مخففة، واسمها ضمير عائد على المحذور. "ألما" الجملة خبر. وجملة كأن ومعمولها خبر المبتدأ.
المعنى: لا يزعجنك اقتحام الحروب وويلاتها؛ فإن الذي تخشاه منها وتحذره وهو الموت لا بد منه وكأنه نزل بك؛ فلا فائدة من التحرز عنه.
الشاهد: وقوع خبر "كأن" جملة فعلية مثبتة، وقد فصل بينه وبينها بقد.
(4)
لزوال اختصاصها بالجملة الاسمية؛ فتدخل عليها، وعلى الفعلية، وعلى المفرد ومعناها باق؛ وهو الاستدراك. أما "لعل" فلا يجوز تخفيف لامها مطلقًا.
(5)
أي: قياسا على "أن"، ولم يسمع عن العرب، وما رواه يونس منكر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأسئلة والتمرينات:
1 ما الذي تفيده كل من: لكن، وليت، ولعل؟ اشرح ذلك بأمثلة موضحة.
2 اذكر أربعة مواضع يجب فيها كسر "إن"، ومثلها يجب فيها الفتح، وثلاثة يجب فيها الأمران. ومثل بأمثلة من إنشائك.
3 علام تدخل لام الابتداء؟ اذكر شروط ما تدخل عليه، ووضح بأمثلة من عندك، ولم سميت بذلك؟
4 اشرح قول بن مالك:
وجائز رفعك معطوفا على
…
منصوب "إن" بعد أن تستكملا
5 ما حكم "أن" إذا خففت؟ وما الذي يشترط في اسمها وفي خبرها حينذاك؟ وضح ما تقول بالأمثلة.
6 بين موضع الاستشهاد بما يأتي في هذا الباب، وأعرب ما تحته خط:
قال -تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ} ، {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} ، {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} ، {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} ، {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} ، {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ} ، {إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ} .
فلو أنك في يوم الرخاء سألتني
…
طلاقك لم أبخل وأنت صديق
واعلم فعلم المرء ينفعه
…
أن سوف يأتي كل ما قدرا
فوالله ما فارقتكم قاليا لكم
…
ولكنكما يقضى فسوف يكون
كفى حزنا أن لا حياة هنيئة
…
ولا عمل يرضى به الله صالح
وللموت خير من مقام على أذى وللموت خير من حياة على ذل 7 أعرب ما تحته خط في هذين البيتين، وبين ما فيهما من شاهد في هذا الباب:
زاد معروفك عندي عظما
…
أنه عندك مستور حقير
وتناسيك كأن لم تأته
…
وهو عند الناس مشهور خطير
=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= 8 كون الجمل الآتية من إنشائك في الحالة الحاضرة:
أ- جملة فيها "لكن" مهملة، وأخرى فيها "كأن".
ب- جملة لـ"أن" خبرها فعل واجب الفصل بأن، وأخرى يجوز فيها الفصل.
جـ- جملة عطف فيها بالرفع والنصب على اسم لكن، قبل وبعد استكمال الخبر.
د- جملة صفة لمثنى مؤنث، فيها "إن" واجبة الكسر، وأخرى صلة لموصول.
9 ائت بثلاث جمل في الحالة الحاضرة لإن المخففة المهملة، وبثلاث لكأن المخففة.
هذا
باب "لا" العاملة عمل "إن"
(1)
:
وشرطها: أن تكون نافية، وأن يكون المنفي الجنس، وأن يكون نفيه نصا
(2)
، وألا يدخل عليها جار، وأن يكون اسمها نكرة
(3)
، متصلا بها، وأن يكون خبرها أيضا نكرة؛ نحو: لا غلام سفر حاضر.
فإن كانت غير نافية لم تعمل، وشذ إعمال الزائدة في قوله:
لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها
…
إذا للام ذوو أحسابها عمرا
(4)
هذا باب "لا" العاملة عمل "إن":
(1)
وتسمى "لا" النافية للجنس؛ أي: لكل فرد من أفراد الجنس، وتسمى كذلك "لا" التبرئة؛ لأنها تدل على تبرئة جنس اسمها كله من معنى خبرها.
(2)
أي: يقصد بها التنصيص على استغراق النفي للجنس كله، لا لنفي الوحدة.
(3)
لأنه على تقدير "من" الاستغراقية، وهي مختصة بالدخول على النكرات.
(4)
بيت من البسيط للفرزدق، من قصيدة يهجو فيها عمر بن هبيرة الفزاري.
اللغة والإعراب:
غطفان: اسم قبيلة. للام، اللوم: العذل والتعنيف. أحسابها: جمع حسب؛ وهو ما يعده الإنسان من مفاخر أصوله. "لو" شرطية. "تكن" فعل الشرط مجزوم بلم. "غطفان" اسم تكن. "لا" زائدة. "ذنوب" اسمها. "لها" متعلق بمحذوف خبرها، والجملة خبر تكن. "إذا" معمول للام الواقع جوابا للشرط. "ذوو" فاعل لام مضاف إلى أقسام. "عمرا" مفعول لام، والألف للإطلاق.
المعنى: لو لم يكن لغطفان ذنوب وأعمال مخزية، للاموا عمر الفزاري على تعرضه لنا، ولكنهم يعلمون أنهم مذنبون؛ ولذلك امتنع لومهم.
الشاهد: إعمال "لا" عمل "إن" مع زيادتها في قوله "لا ذنوب لها"، وهذا شاذ؛ لأن "لا" الزائدة لمجرد تأكيد الكلام وتقويته، ووجه زيادتها: أن المقصود ثبوت الذنوب لغطفان. وهو مستفاد من نفي النفي المعلوم من "لو"؛ لأنها تدل على امتناع شرطها، ومن "لم". أما "لا" فلم تفد شيئا؛ فدل ذلك على زيادتها. وبعضهم يجعلها نافية على حد: لو لم يخف الله لم يعصه؛ أي: لو كان لغطفان ذنوب للاموا عمرا؛ لأن ذنوبهم لا شيء بالنسبة إلى ذنوبه، فما بالك وهم لم يذنبوا.
ولو كانت لنفي الوحدة عملت عمل "ليس"
(1)
؛ نحو لا رجل قائما بل رجلان، وكذا إن أريد بها نفي الجنس لا على سبيل التنصيص
(2)
.
وإن دخل عليها الخافض خفض النكرة
(3)
؛ نحو: "جئت بلا زاد، وغضبت من لا شيء" وشذ "جئت بلا شيء" بالفتح
(4)
.
وإن كان الاسم معرفة، أو منفصلًا منها
(5)
أهملت،
(1)
أو أهملت وتكررت، واختبار هذه أو تلك خاضع لما يقتضيه المعنى المراد.
(2)
أي: بل في الظاهر فقط؛ لعموم النكرة في سياق النفي. وإيضاح ذلك: أن "لا" إذا كان اسمها مفردا؛ مثل: لا رجل في الدار؛ فإن أريد نفي الخبر عن فرد واحد، وعن الجنس في الظاهر، كانت "لا" عاملة عمل "ليس"، ويصح أن يقال بعدها في هذا المثال: بل رجلان. وإن أريد نفي الجنس حقيقة، وتأكيد النص عليه، كانت عاملة عمل "إن"؛ ولا يصح أن يقال بعدها شيء. أما إذا كان الاسم مثنى أو مجموعا فلا يختلف المراد من النفي، فيحتمل نفي الخبر عن المثنى والجمع فقط، أو نفيه عن كل فرد من أفراد الجنس. والفرق بينهما يكون على حسب المراد؛ فالفرق الصحيح بين المراد من النفي في قسمي "لا" يظهر إذا كان الاسم مفردا.
(3)
لأن "لا" تتوسط بين عامل ومعموله، وتكون حينئذ ملغاة بين الجار والمجرور، وقد تخطاها حرف الجر وعمل فيما بعدها، مع دلالتها على النفي، ولا تعتبر زائدة؛ لأن المعنى يفسد على زيادتها، وقيل: إن "لا" اسم بمعنى "غير" مجرورة بكسرة مقدرة على الألف، وما بعدها مجرور بإضافتها إليه وهذا رأي حسن.
(4)
أي: على إعمال "لا" مع التركيب؛ فالباء جارة، و"لا شيء" في محل جر بالباء. وقد أجريا مجرى الاسم الواحد، باعتبار أن الجار دخل بعد التركيب؛ مثل خمسة عشر، و"شيء" اسم لا، ولا خبر لها؛ لأنها أصبحت فضلة.
(5)
هذا يستلزم الترتيب بين معموليها؛ فلا يجوز أن يتقدم خبرها ولا معموله على الاسم، ولو كان ظرفا أو جارا ومجرورا؛ لأن ذلك سيؤدي إلى الفصل بينهما وبين اسمها.
ووجب عند غير المبرد وابن كيسان تكرارها
(1)
؛ نحو: لا زيد في الدار ولا عمرو؛ ونحو: {لا فِيهَا غَوْلٌ}
(2)
.. وإنما لم تكرر في قولهم: "لا نولك أن تفعل"
(3)
، وقوله:
أشاء ما شئت حتى لا أزال لما
…
لا أنت شائية من شأننا شاني
(4)
للضرورة في هذا، ولتأول "لا نولك" بلا ينبغي لك
(5)
.
(1)
قال الصبان: أما في المعرفة فجبرا لما فأتها من نفي الجنس، وأما في الانفصال فتبنيها بالتكرار على أنها لنفي الجنس؛ لأن نفي الجنس تكرار للنفي في الحقيقة، ومنه يعلم أن إلغاءها لا يخرجها عن كونها لنفي الجنس في النكرات.
(2)
الغول: كل ما يغتال العقول ويفسدها، ومنه "الغول".
(3)
النول: مصدر بمعنى التناول؛ وهو هنا بمعنى المفعول، و"لا" نافية مهملة. "نولك" مبتدأ ومضاف إليه. "أن تفعل" أن والفعل في تأويل مصدر خبر المبتدأ؛ أي: ليس متناول هذا الفعل، بمعنى أنه لا ينبغي لك تناوله.
(4)
بيت من البسيط، أنشده الفراء وابن كيسان، ولم ينسباه لأحد.
اللغة والإعراب:
شاني: اسم فاعل من شنأ الشيء، إذا أبغضه وكرهه، وأصله شانئ بالهمزة، فخففت بقلبها ياء. "ما" اسم موصول مفعول أشاء، وجملة "شئت" صلة والعائد محذوف؛ أي: شئته. "حتى" ابتدائية. "أزال" مضارع مرفوع. وقيل: غائية بمعنى "إلى" و"أزال" منصوبة بأن مضمرة بعدها، واسمها أنا. "لما" اللام جارة، و"ما" موصولة، والجار والمجرور متعلق بشاني. "لا أنت" لا نافية و"أنت" مبتدأ. "شائية" خبر والجملة صلة. "من شأننا" متعلق بشائية، أو حال من ما. "شاني" خبر زال، ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة.
المعنى: أحب كل ما تحبينه من الأشياء، حتى لا أزال مبغضا لكل شيء لا تحبينه ولا تريدينه من أمورنا.
الشاهد: دخول "لا" النافية على معرفة، وهو الضمير المنفصل، ولم تتكرر مع إهمالها. وقد تمسك بهذا البيت المبرد وابن كيسان، فلم يوجبا التكرار إذا اقترنت "لا" بالمعرفة، أو فصل بينها وبين اسمها؛ هو عند الجمهور ضرورة.
(5)
فقد دخلت "لا" على الفعل تأويلا؛ وهي إذا دخلت على الفعل غير الماضي الذي ليس دعائيا، لا يجب تكرارها؛ لأنه في معنى النكرة. =
فصل: وإذا كان اسمها مفردًا؛ أي: غير مضاف ولا شبيه به، بني على الفتح
(1)
؛ إن كان
= وإلى إعمال "لا" عمل "إن" أشار الناظم بقوله:
عمل "إن" اجعل لـ"لا" في نكره
…
مفردة جاءتك أو مكرره*
أي: اجعل عمل "إن" من نصب الاسم ورفع الخبر لـ"لا" النافية للجنس، مكررة أو غير مكررة؛ بشرط أن يكون ما تعمل فيه نكرة. وعملها بعد استيفاء شروطها وهي مفردة، واجب، وعملها مكررة جائز.
هذا: وقد وردت في الفصيح أمثلة، وقعت فيها "لا" عاملة مع أن اسمها معرفة. ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:"إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده". وقول سيدنا عمر بن الخطاب، لسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنهما: قضية ولا أبا حسن لها. وأبو حسن: كنيه سيدنا علي. وقد صارت هذه العبارة مثلا يضرب عند الأمر العسير يتطلب من يحله. والنحاة يؤولون مثل ذلك، فيقولون: إن المعرفة هنا مراد بها اسم جنس نكرة، لكل من اتصف بالمعنى المشهور به ذلك العلم؛ أي: لا مسمى بهذا الاسم، أو إن هنالك مضافا محذوفا نكرة لا يتعرف بالإضافة؛ نحو مثل؛ أي: فلا مثل كسرى، ولا مثل قيصر، ولا مثل أبي حسن. ومن الخير أن يقتصر في مثل هذا على المسموع. وإذا دخلت "لا" على منصوب بفعل مقدر، أو اسم بمعنى الدعاء، لا تكرر؛ نحو: لا مرحبا، لا سلام عليك.
(1)
ويكون في محل نصب دائما، وقيل في سبب ذلك: تركيبه مع اسمها حتى صار كالكلمة الواحدة، فأشبها الأعداد المركبة؛ كخمسة عشر وغيرها. وقد وقع اسم "لا" المفرد منصوبا في أسلوب عربي فصيح هو قولهم: لا أبا لك. وهو تركيب يراد به المبالغة في المدح أحيانا، أو في الذم أحيانا أخرى. وقد أوله النحاة على أن "أبا" منصوب بالألف مضاف إلى الكاف، واللام زائدة، والخبر محذوف؛ أي: لا أباك موجود. والإضافة هنا غير محضة لا تفيد تعريفا؛ كغير، ومثل.
قيل: وهو الأفضل، أن "أبا" اسم لا مبني على فتح مقدر على الألف على لغة من يلزم الأسماء الستة الألف، و"لك" جار ومجرور خبر.
* "عمل" مفعول أول لا جعل. "إن" مضاف إليه. "اجعل" فعل أمر، والفاعل أنت. "للا" متعلق باجعل وهو مفعوله الثاني. "في نكره" متعلق باجعل. "مفردة" حال من فاعل. "جاءتك" العائد على لا، والتاء للتأنيث، والكاف مفعوله "أو مكررة" معطوف على مفردة.
مفردا، أو جمع تكسير؛ نحو: لا رجل ولا رجال. وعليه أو على الكسر
(1)
إن كان جمعا بألف وتاء؛ وكقوله:
إن الشباب الذي مجد عواقبه
…
فيه نلذ ولا لذات للشيب
(2)
روي بهما. وفي الخصائص
(3)
.
أنه لا يجيز فتحه بصري إلا أبو عثمان
(4)
، وعلى الياء إن كان مثنى أو مجموعًا على حده
(5)
؛ كقوله:
تعز فلا إلفين بالعيش متعا
(6)
(1)
أي: بلا تنوين، نيابة عن الفتحة. أو بالتنوين على رأي.
(2)
بيت من البسيط، لسلامة بن جندل السعدي، يأسف على ذهاب الشباب.
اللغة والإعراب:
مجد عواقبه: نهايته شرف وعزة. الشيب: جمع أشيب؛ وهو الذي ابيض شعره. "الشباب" اسم إن مبني على الفتح. "الذي" صفة للشباب. "مجد" خبر مقدم. "عواقبه" مبتدأ مؤخر ومضاف إليه والجملة صلة. وصح الإخبار بالمفرد عن الجمع لأن "مجد" مصدر، والمصدر يخبر به بلفظ واحد؛ لأنه. لا يثنى ولا يجمع. "فيه" متعلق بنلذ الواقع خبر لإن. "ولا" نافية للجنس. "لذات" اسمها مبني على الفتح أو الكسر في حل نصب. "للشيب" متعلق بمحذوف خبر.
المعنى: إن الشباب الذي تكون نهايته عزة ومجدد وشرف، فيه نجد اللذة وراحة النفس، ولا لذة في زمن الكبر والشيخوخة.
الشاهد: بناء جمع المؤنث مع "لا" النافية للجنس، على ما كان ينصب به، وهو الكسرة نيابة عن الفتحة، وروي بالفتحة.
(3)
كتاب عظيم لأبي الفتح عثمان بن جني، طبعته دار الكتب المصرية حديثًا.
(4)
هو أبو عثمان المازني، انظر:145.
(5)
أي: على حد المثنى وطريقته في الإعراب بالحروف، وهو جمع المذكر السالم، وإنما لم تعارض التثنية والجمع سبب البناء هنا؛ لأن هذا السبب وارد على التثنية والجمع والموارد قوة.
(6)
صدر بيت من الطويل، لم يعلم قائله. وعجزه:
ولكن لوارد المنون تتابع
=
وقوله:
يحشر الناس لا بنين ولا آ
…
باء إلا وقد عنتهم شئون
(1)
قيل: وعلة البناء تضمن معنى "من"؛ بدليل ظهورها في قوله:
وقال ألا لا من سبيل إلى هند
(2)
= اللغة والإعراب:
تعز: تصبر وتكلف السلوان والتأسي بمن سبقك، إلفين: تثنية إلف؛ وهو الصديق الذي يألفك وتألفه، ومثله الأليف. وراد: جمع وارد. المنون: الموت. تتابع: توارد، يرد بعضهم في إثر بعض. "تعز" فعل أمر والفاعل أنت. "فلا" الفاء للتعليل، و"لا" نافية للجنس. "إلفين" اسمها مبني على الياء في محل نصب. "بالعيش" متعلق بـ"متعا" الواقع خبرا للا. "ولكن" حرف استدراك. "لوراد" خبر مقدم. "المنون" مضاف إليه. "تتابع" مبتدأ مؤخر.
المعنى: تسل يا أخي بمن سبقوك، وتأس بمن مضوا قبلك: فليس هناك صديقان تمتعا بدوام العيش وصفائه، ولكن كل سائر إلى الموت، يتبع بعضهم بعضا.
الشاهد: بناء "إلفين" على الياء؛ لأنه مثنى، وهو اسم "لا" النافية للجنس.
(1)
بيت من الخفيف، لم نقف على قائله.
اللغة والإعراب: عنتهم: أهمتهم، يقال: عناه الأمر يعنيه، استحق عنايته واهتمامه. شئون: خطوب وشواغل، جمع شأن. "لا" نافية للجنس "بنين" اسمها مبني على الياء. "ولا آباء" معطوف على "بنين" منصوب بالفتحة. "إلا" حرف إيجاب. "وقد عنتهم شئون" الجملة في محل رفع خبر "لا"، ولا يضر اقترانها بالواو؛ لأن هذا جائز في خبر الناسخ؛ كقوله:"فأمسى وهو عريان".
المعنى: أن الناس يحشرون يوم القيامة، وكل من البنين والآباء مشغول بنفسه في هذا اليوم {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} .
الشاهد: مجيء اسم "لا" جمع مذكر سالما، وقد بني على الياء، وهي علامة نصبه.
(2)
عجز بيت من الطويل، لم نقف على قائله. وصدره:
فقام يذود الناس عنها بسيفه
اللغة والإعراب:
يذود: يمنع، ويدفع. سبيل: طريق. هند، اسم محبوبته. "ألا" أداة استفتاح "لا" نافية للجنس "من" زائدة "للاستغراق". "سبيل" اسم لا مبني على فتح مقدر منع منه حرف الجر الزائد. "إلى هند" متعلق بمحذوف خبر.
المعنى: أخذ يدفع الناس ويمنعهم عنها بسيفه؛ ويقول: ألا من طريق للوصول إليها وخلاصها؟
الشاهد: ظهور "من" الاستغراقية بعد "لا"؛ مما يدل على أنها إذا لم تذكر مع الاسم، فهو متضمن معناها.
وقيل: تركيب الاسم مع الحرف كخمسة عشر
(1)
. وأما المضاف
(2)
وشبهه فمعربان.
والمراد بشبهه: ما اتصل به شيء من تمام معناه
(3)
؛ نحو: "لا قبيحا فعله محمود، ولا طالعًا جبلًا حاضر، ولا خيرًا من زيد عندنا"
(4)
.
إعراب "لا حول ولا قوة إلا بالله":
ولك في نحو
(5)
: لا حول ولا قوة إلا بالله خمسة أوجه:
(1)
هذا قول سيبويه وآخرين؛ وحجتهم أنه إذا فصل بين "لا" واسمها، أعرب؛ نحو: لا فيها رجل ولا امرأة.
(2)
أي: إلى نكرة، أو لمعرفة لا يكتسب منها التعريف؛ لتوغله في الإبهام؛ ككلمة "مثل"، و"غير" ونحوهما؛ لأن "لا" لا تعمل في معرفة؛ كما أسلفنا.
(3)
أي: يتمم معناه ويكمله؛ بشرط أن يكون ذلك الشيء: إما مرفوعا باسم "لا"، أو منصوبا به، أو جارا ومجرورا متعلقين به؛ كما مثل المصنف. أما المجرور بالإضافة فهو من قسم المضاف.
(4)
"لا" نافية في الجميع، وما بعدها اسمها، والمتأخر خبرها، و"فعله" فاعل لقبيح؛ لأنه صفة مشبهة، و"جبلا" مفعول لطالع؛ لأنه اسم فاعل، و"من زيد" متعلق بخبر؛ لأنه اسم تفضيل، وإلى ذلك يشير ابن مالك بقوله:
فانصب بها مضافا أو مضارعه
…
وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه
أي: انصب بـ"لا" الاسم؛ حين يكون مضافا، أو مضارعه؛ أي: مشابها له؛ أي: للمضاف وبعد ذلك الاسم المنصوب، اذكر الخبر رافعًا إياه.
(5)
أي من كل تركيب، تكررت فيه "لا" وسبق الثانية عطف، وكان كل من الاسمين مفردا صالحا لعمل لا؛ وذلك بأن يكون نكرة.
* فانصب "فعل أمر". "مضافا" مفعول انصب. "أو مضارعه" أي: مشابهه معطوف على "مضافا" والهاء مضاف إليه. "وبعد" ظرف متعلق باذكر. "ذاك" اسم إشارة مضاف إليه، والكاف حرف خطاب. "الخبر" مفعول اذكر. "رافعه" حال من فاعل اذكر، والهاء مضاف إليه من إضافة الصفة لمعمولها، وهي لا تفيد تعريفا ولا تخصيصًا؛ ولذلك وقع حالا.
أحدهما: فتحهما
(1)
وهو الأصل؛ نحو: "لا بَيْعَ فِيهِ وَلا خُلَّةَ" في قراءة ابن كثير
(2)
وأبي عمرو
(3)
.
والثاني: رفعهما؛ إما بالابتداء، أو على إعمال "لا" عمل "ليس"
(4)
؛ كالآية في قراءة الباقين، وقوله:
لا ناقة لي في هذا ولا جمل
(5)
(1)
أي: فتح ما بعد "لا" الأولى، والثانية؛ على أنهما عاملتان عمل "إن"، ويقدر بعدهما خبر واحد يصلح لهما؛ على اعتبار أن الكلام جملة واحدة، والعطف عطف مفردات، أو يقدر لكل خبر، فيكون الكلام جملتين، ويكون العطف عطف جمل.
(2)
هو أبو معبد؛ عبد الله بن كثير بن عمرو المكي، أحد أصحاب القراءات السبع. كان إمام القراءة بمكة، غير منازع، وكان عالما بالعربية، فصيحا بليغا مفوها. لقي من الصحابة: عبد الله بن الزبير، وأبا أيوب الأنصاري، وأنس بن مالك رضي الله عنهم ولم يزل الإمام المجمع عليه في القراءة بمكة، حتى توفي سنة 120 هـ.
(3)
هو أبو عمرو؛ زياد بن العلاء بن عمار المازني البصري، أحد أصحاب القراءات السبع. كان من أعلم الناس بالقراءة والعربية، مع الصدق والأمانة والدين. ومن أكثر أتباعه ضبطا لقراءته: أبو محمد يحيى بن المبارك؛ المعروف باليزيدي النحوي. مر به الحسن يوما، والناس عكوف عليه، وحلقته غاصة بهم فقال:"لا إله إلا الله، لقد كادت العلماء أن يكونوا أربابا، كل عز لم يوطد بعلم فإلى زوال يئول". وتوفي أبو عمرو -في قول الأكثرين- سنة 154 هـ وله ترجمة في النحاة.
(4)
ويقدر لهما خبر واحد؛ إن جعلت "لا" الثانية زائدة لتوكيد النفي، وما بعدها معطوف على "لا" الأولى مع اسمها؛ باعتبار الأصل على الخلاف في ذلك، وإن أهملت الأولى، وأعملت الثانية، أو بالعكس؛ وجب تقدير خبرين لكل خبر. أما إذا جعلنا عاملتين عمل ليس؛ فيجوز تقدير خبرين، أو خبر واحد.
(5)
عجز بيت من السيط؛ لعبيد بن حصين؛ المعروف بالراعي النميري، وصدره:
وما هجرتك حتى قلت معلنة
=
الثالث: فتح الأول ورفع الثاني
(1)
؛ كقوله:
لا أم لي إن كان ذاك ولا أب
(2)
= اللغة والإعراب:
هجرتك: الهجر: قطع حبال المودة والصلة. "ما" نافية. "حتى" للغاية بمعنى إلى. "معلنة" حال من التاء في قلت. "لا" نافية مهملة، أو عاملة عمل ليس. "ناقة" مبتدأ، أو اسم لا. "لي في هذا" متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، أو خبر لا. "ولا جمل" إعرابه كذلك، وخبره محذوف؛ أي: لي، ويجوز أن تكون "لا" الثانية زائدة، و"جمل" معطوفة على ناقة.
المعنى: ما تركتك، وقطعت حبال المودة والصلة بيننا؛ حتى تبرأت مني وقلت صراحة .. إلخ. وهذا مثل عربي؛ يقوله من يتبرأ من أمر، ويباعد نفسه منه؛ والمراد: لا شيء لي في هذا الأمر.
الشاهد: تكرر "لا" وورود الاسمين مرفوعين. وقد أوضحنا توجيه ذلك.
(1)
إما بالابتداء؛ و"لا" ملغاة، أو على أن "لا" عاملة عمل ليس، ويكون في الحالتين من عطف الجمل. أو بالعطف على محل اسم "لا" باعتبار الأصل، و"لا" زائدة لتوكيد النفي.
(2)
عجز بيت من الكامل، ينسب -كما في سيبويه- لرجل من بني مذحج، كان أهله يفضلون أخاه عليه. وقيل لغيره، وصدره:
هذا لعمركم الصغار بعينه
والإشارة في قوله: "هذا"؛ إلى ذلك المبين في قوله قبل:
وإذا تكون كريهة أدعى لها
…
وإذا يحاس الحيس يدعى جندب
اللغة والإعراب:
لعمركم: وحياتكم، والعمر: الحياة. الصغار: الذل والمهانة. الحيس: تمر يخلط بسمن وأقط، والحيس: الخلط. "هذا" ها للتنبيه، و"ذا" اسم إشارة مبتدأ. "لعمركم" اللام للابتداء، و"عمركم" مبتدأ ومضاف إليه والخبر محذوف وجوبا؛ أي: قسمي. "الصغار" خبر "ذا"، وجملة القسم فاصلة بين المبتدأ والخبر. "بعينه" توكيد للصغار على زيادة الباء. وقيل: الجار والمجرور حال. "لا" نافية للجنس، "أم" اسمها "لي" خبرها. "إن كان" شرط وفعله، و"كان" تامة. "ذا" فاعل كان، والكاف حرف خطاب؛ والجواب محذوف يدل عليه ما قبله، وجملة "إن كان ذاك" معترضة. "ولا أب" بالرفع، معطوف على أحد الأوجه الثلاثة المتقدمة؛ وهو الشاهد.
المعنى: أقسم بحياتكم أن إيثار أخي جندب علي في المكارم، ودفعي إلى المكاره، هو عين الذل والمهانة؛ فإن كان ذلك هو تقديركم لي؛ فلا أم لي ولا أب؛ يريد أنه وضيع، ساقط النسب.
وقوله:
وأنتم ذنابى لا يدين ولا صدر
(1)
الرابع: عكس الثالث
(2)
؛ كقوله:
فلا لغو ولا تأثيم فيها
(3)
(1)
عجز بيت من الطويل؛ لجرير؛ يهجو نمير بن عامر؛ وهو أبو قبيلة من قيس، وصدره:
بأي بلاء يا نمير بن عامر
اللغة والإعراب:
بلاء. البلاء، الاختبار والتجربة؛ والمراد هنا: العمل الذي يكون سببًا للفخر. ذنابي: أتباع وذيول. "بأي" متعلق بمحذوف؛ أي: تفتخرون مثلًا. "بلاء" مضاف إليه. "يا نمير" منادى. "ابن" بدل، أو عطف بيان على محل نمير، "عامر" مضاف إليه. "وأنتم" الواو للحال، و"أنتم" مبتدأ. "ذنابي" خبر. "لا" نافية للجنس "يدين" اسمها مبني على الياء؛ لأنه مثنى، والخبر محذوف؛ أي: لكم. "ولا صدر" بالرفع، معطوف على الأوجه الثلاثة التي شرحت قبل، وهو الشاهد.
المعنى: بأي عمل وجهد قدمتموه تفخرون؟ وليس لكم أدنى أثر في المحامد، وأنتم أتباع وذيول لغيركم. "لا يدين ولا صدر"، أي: لستم قادة ولا رؤساء متبوعين.
(2)
وهو رفع الأول، وفتح الثاني. أما رفع الأول؛ فعلى الابتداء، و"لا" ملغاة، أو على إعمال "لا" عمل ليس. وفتح الثاني على إعمال" لا" الثانية عمل" إن" ويقدر لكل خبر.
(3)
صدر بيت من الوافر، لأمية بن أبي الصلت، في وصف الجنة، وعجزه كما في كتب النحو:
وما فاهوا به أبدا مقيم
وفيه تلفيق من بيتين؛ والصواب كما في ديوانه:
ولا لغو ولا تأثيم فيها
…
ولا حَينٌ ولا فيها مليم
وفيها لحم ساهرة وبحر
…
وما فاهوا به أبدا مقيم
=
الخامس: فتح الأول ونصب الثاني
(1)
؛ كقوله:
لا نسب اليوم ولا خلة
(2)
وهو أضعفها
(3)
؛ حتى خصه يونس وجماعة، بالضرورة؛ كتنوين المنادى، وهو عند غيرهم على تقدير "لا" زائدة مؤكدة، وأن الاسم منتصب بالعطف.
= والمقصود بلحم الساهرة، لحم البرد، والساهرة: الأرض.
اللغة والإعراب:
اللغو: القول الباطل، وما لا يعتد به من الكلام. تأثيم: مصدر أثمته؛ نسبته إلى الإثم؛ وهو الذنب. فاهوا: تلفظوا وتكلموا. "لا" الأولى مهملة، أو عاملة عمل ليس. "لغو" مبتدأ، أو اسم "لا" و"لا" الثانية عاملة عمل إن. "تأثيم" اسمها مبني على الفتح. "فيها" خبر. "وما" اسم موصول مبتدأ. "فاهوا به" الجملة صلة. "أبدًا" ظرف زمان. "مقيم" خبر المبتدأ.
المعنى: ليس في الجنة قول باطل، أو كلام لغو لا فائدة منه، ولا يفعل أهلها ذنوبًا، وما تلفظوا به من طلب أي شيء، حاصل ومقيم دائما.
الشاهد: رفع الاسم بعد "لا" الأولى، وفتحه بعد الثانية على التوجيه الذي ذكرناه.
(1)
فيكون معربا منونًا؛ بالعطف على محل اسم "لا" الأولى، وتكون "لا" الثانية زائدة.
(2)
صدر بيت من السريع، لأنس بن العباس بن مرداس السلمي، وعجزه:
اتسع الخرق على الراقع
اللغة والإعراب:
خلة: صداقة. الخرق: الفتق. الراقع: الذي يصلح موضع الفساد من الثوب؛ ومثله: الراتق. "لا" نافية. "نسب" اسمها مبني على الفتح. "اليوم" ظرف متعلق بمحذوف خبر. "ولا" الواو عاطفة. "لا" زائدة لتأكيد النفي.
"خلة" بالنصب، معطوف على محل اسم "لا" الأولى؛ عطف مفرد على مفرد، وقيل: إن "خلة" منصوب بفعل مضمر؛ أي: ولا أذكر خلة.
المعنى: لا قرابة اليوم، ولا صلة نسب، ولا مودة، ولا صداقة؛ فقد بلغ الخلف مبلغا عظيما، لا يرجى معه إصلاح، وضرب اتساع الخرق مثلا، لتفاقم الأمر وعظمه.
(3)
لأن فيه نصب الاسم مع وجود "لا" والقياس فتحه بلا تنوين.
هذا: وإذا لم يسبق "لا" الثانية عطف، فالكلام جملتان مستقلتان. وإن كان الكلام غير =
فإن عطفت، ولم تكرر لا، وجب فتح الأول، وجاز في الثاني: النصب، والرفع
(1)
؛ كقوله:
فلا أب وابنا مثل مروان وابنه
(2)
= صالح لعمل "لا"؛ بأن كان معرفة، تعين الرفع.
وفيما تقدم من أوجه، يقول الناظم:
وركب المفرد فاتحا كلا
…
حول ولا قوة والثاني اجعلا
مرفوعا أو منصوبا أو مركبا
…
وإن رفعت أولًا لا تنصبا*
أي: ركب الاسم المفرد مع "لا"، فاتحا إياه؛ أي: أن تجعله مبنيا على الفتح، بسبب التركيب مع "لا"؛ وذلك مثل "لا حول ولا قوة". واجعل الثاني بعد "لا" المكررة، مرفوعا أو منصوبا، أو مركبا مع "لا"؛ فيكون مبنيا على الفتح. ثم بين أن جواز هذه الأوجه الثلاثة إذا كان اسم "لا" الأولى غير مرفوع؛ فإن كان مرفوعا، لم يجز في اسم "لا" المكررة النصب؛ بل يجوز فيه الرفع، أو البناء على الفتح لا غير. وقد بين ذلك كله بإيضاح.
(1)
أي: مطلقا؛ سواء أكان مفردا، أم غير مفرد، وكذلك الاسم المعطوف عليه. ويكون النصب بالعطف على محل اسم "لا" الأولى، والرفع على محلها؛ باعتبار أصلها قبل دخول "لا" وقد علمت أن أصلها مبتدأ مرفوع، أو على "لا" مع اسمها، وهما بمنزلة المبتدأ.
(2)
صدر بيت من الطويل، ينسب لرجل من بني عبد مناة، يمدح مروان بن الحكم، وابنه عبد الملك. وعجزه:
إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا
=
* "فاتحا" حال من ضمير ركب متعلقه محذوف؛ أي: فاتحا له. "كلا" الكاف جارة لقول محذوف. "لا" نافية للجنس، "حول" اسمها مبني على الفتح، وخبرها محذوف؛ أي: موجود. "ولا قوة" إعرابها مثل لا حول "والثاني" -بحذف الياء للضرورة- مفعول أول لاجعل. "اجعلا" فعل أمر مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد؛ المنقلبة ألفا للوقف. "مرفوعا" مفعول ثان لاجعل، وما بعده معطوف عليه. "وإن" شرطية. "رفعت" فعل الشرط في محل جزم، وتاء المخاطبة فاعل "أولا" مفعول. "لا" ناهية. "تنصبا" مضارع مبني على الفتح، في محل جزم، لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، المنقلبة ألفا، والفاعل أنت، والجملة جواب الشرط، وقد حذفت منه الفاء للضرورة؛ أي: فلا تنصب، ومفعول تنصب محذوف؛ أي" الثاني.
ويجوز: "وابن" بالرفع، وأما حكاية الأخفش "لا رجل وامرأة" بالفتح، فشاذ
(1)
.
وإذا وصفت النكرة المبنية بمفرد متصل:
جاز فتحه
(2)
على أنه ركب معها
= اللغة والإعراب:
المجد: العز والشرف. ارتدى: لبس الرداء، وهو اسم لما يستر النصف الأعلى من الإنسان: تأزرا: لبس الإزار؛ وهو اسم لما يستر النصف الأسفل منه. وقد كنى بذلك عن ثبوت هذه الصفة له؛ وهي العزة وكرم النجار؛ لأنه جعلهما كاللابسين لها، المترديين بها. "فلا" نافية للجنس. "أب" اسمها مبني على الفتح "وابنا" معطوف على محل اسم لا. "مثل" بالنصب، صفة على اللفظ، والخبر محذوف، وبالرفع صفة على المحل، أو هو الخبر ولا حذف. "مروان" مضاف إليه. "إذا" ظرف بمعنى الماضي. "هو" مبتدأ. "بالمجد" متعلق بارتدى، الواقع خبرا.
المعنى: واضح بعد هذا البيان.
الشاهد: العطف بالنصب، والرفع على اسم لا، بدون تكرار لا. وقد أوضحنا توجيه ذلك. ولا يجوز الفتح.
(1)
لأنه لا يصح البناء بالتركيب؛ لوجود الفصل بحرف العطف. وخرجه بعضهم على أن الأصل: ولا امرأة؛ فحذفت "لا" وأبقي البناء على نيتها، فالشذوذ من هذه الناحية.
هذا: وإذا كان المعطوف معرفة، لم يجز فيها إلا الرفع على أنه مبتدأ. وقد أشار الناظم إلى ما تقدم بقوله:
والعطف أن لم تتكرر "لا" احكما
…
له بما للنعت ذي الفصل انتمى*
أي: احكم للمعطوف -إن لم تتكرر "لا"- بالحكم الذي انتمى -أي: انتسب- للنعت المفصول من منعوته؛ وهذا الحكم هو جواز الرفع أو النصب، وامتناع الباء؛ كما سيأتي.
(2)
أي: بناؤه على الفتح إن كان مفردا، أو على ما ينوب عنها؛ كالياء في المثنى والمجموع.
* "والعطف" مبتدأ. "إن" شرطية. "لم تتكرر" فعل الشرط مجزوم بلم. "لا" فاعل تتكرر، مقصود لفظه "احكما" فعل أمر مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد المنقلبة ألفا للوقف، والفاعل أنت، والجملة جواب الشرط، وقد حذفت منه للضرورة. وجملة الشرط وجوابه خبر المبتدأ. "له بما" متعلقان باحكم، وما اسم موصول. "للنعت" متعلق بانتمى، وفاعل انتمى يعود على ما، والجملة صلة. "ذي" نعت للنعت. "الفصل" مضاف إليه.
قبل مجيء "لا"، مثل خمسة عشر
(1)
، ونصبه؛ مراعاة لمحل النكرة
(2)
روفعه مراعاة لمحلها مع لا
(3)
؛ نحو: "لا رجل ظريف فيها"
(4)
ومنه: "لا ماء ماء باردًا عندنا"
(5)
لأنه يوصف بالاسم إذا وصف والقول بأنه توكيد خطأ
(6)
.
فإن فقد الإفراد
(7)
؛ نحو: لا رجل قبيحًا فعله عندنا، أو لا غلام سفر ظريفا عندنا، أو الاتصال؛ نحو: لا رجل في الدار ظريف، أو "لا ماء عندنا ماء باردا"، امتنع الفتح
(8)
.
وجاز الرفع والنصب؛ كما في المعطوف بدون تكرار "لا"، وكما في البدل الصالح لعمل "لا"
(9)
، فالعطف نحو: لا رجل وامرأة فيها، والبدل؛ نحو: لا أحد رجل وامرأة فيها
(10)
.
(1)
ولا يصح أن يكون بناء النعت هنا، تبعا لبناء اسم "لا"، لأن بناء المتبوع لا ينتقل إلى التابع، ووجود النعت لا يخرج الاسم عن حالة الإفراد.
(2)
وقيل اتباعا للحركة البنائية؛ لأنها هنا شبيهة بحركة الإعراب؛ بل أصلها الإعراب.
(3)
أو لمحل اسم "لا" وحده؛ باعتبار أن أصله مبتدأ.
(4)
هذا من أمثلة الخليل؛ بفتح ظريف، ونصبه منونا، ورفعه، ويقال في المثنى: لا رجلين ظريفين، بالبناء والنصب، وظريفان. وفي الجمع: لا رجال ظريفين، بالبناء والنصب أيضا، وظريفون.
(5)
"لا" نافية للجنس. "ماء" اسمها مبني على الفتح. "ماء" الثانية نعت موطئ -أي: ممهد- للأولى. ويجوز فيه الأوجه الثلاثة المتقدمة في ظريف، ولكن يمتنع رفعه -عند سيبويه- على محل لا مع اسمها. "باردا" نعت له. "عندنا" خبر لا.
(6)
لأنه مقيد بالوصف؛ فليس مرادفًا في اللفظ لماء الأولى المطلقة. وأجازه بعضهم؛ على اعتبار أن الوصف طرأ بعد التوكيد. كما جوزوا إعرابه بدلا. ومنعه بعضهم؛ لأنه يلزم عليه تقديم البدل على النعت، وهو ممنوع.
(7)
أي: في النعت، أو في المنعوت. وقد مثل لهما المصنف.
(8)
لأنه علته التركيب، وهم لا يركبون ما زاد على كلمتين، بدون تنزيل.
(9)
وهو ما يكون نكرة، ومثلهما عطف البيان.
(10)
أي: برفع رجل وامرأة، ونصبهما لا غير. ولا يجوز الفتح في المعطوف والبدل؛ لوجود الفاصل في العطف بحرفه، وفي البدل بعامله؛ لأن البدل على نية تكرار العامل.
فإن لم يصلح له فالرفع
(1)
نحو لا أحد زيد وعمرو فيها. وكذا في المعطوف الذي لا يصلح لعمل "لا"؛ نحو: لا امرأة فيها ولا زيد.
وإذا دخلت همزة الاستفهام على "لا":
لم يتغير الحكم
(2)
، ثم تارة يكون الحرفان باقيين على معنيهما
(3)
؛ كقوله:
ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد
(4)
(1)
أي: إذا لم يصلح البدل لعمل "لا"؛ بأن كان معرفة؛ تعين الرفع على الإبدال من محل "لا" مع اسمها، وامتنع النصب على محل اسمها؛ لأنها لا تعمل في معرفة.
وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:
ومفردا نعتًا لمبني يلي
…
فافتح أو انصبن أو ارفع تعدل
وغير ما يلي وغير المفرد
…
لا تبن وانصبه أو الرفع اقصد*
أي: إن النعت المفرد الذي يلي اسم "لا" المبني، يجوز فيه الفتح أو النصب، وإن شئت فارفعه؛ تكن عادلا بين الرفع وغيره. وإذا كان النعت لا يلي المنعوت؛ لوجود فاصل بينهما أو كان أحدهما، أو كلاهما غير مفرد؛ فلا تبن النعت، بل انصبه، أو اقصد الرفع.
(2)
بل يكون حكمها مع الهمزة كحكمها بدونها في جميع ما تقدم؛ من عمل، ومن تركيب، وتكرار .. إلخ. ويصبح الأسلوب إنشائيا.
(3)
فتكون الهمزة للاستفهام، و"لا" للنفي، والمراد الاستفهام عن النفي؛ أي: عن شيء غير موجود.
(4)
صدر بيت من البسيط، لقيس بن الملوح، المعروف بمجنون بني عامر. =
* "ومفردًا" مفعول افتح، وفاؤه للتحسين؛ فلا تمنع عمله فيما تقدم عليه "نعتا" بدل منه أو حال؛ لأن نعت إذا تقدم عليها يعرب حالًا "لمبني" متعلق بنعتا. "يلي" مضارع وفاعله يعود إلى نعتا، والجملة صفة لنعت. "تعدل" مضارع مجزوم في جواب الأمر، وحرك بالكسر للروي. "وغير" مفعول مقدم لقوله لا تبن. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "يلي" الجملة صلة ما. و"غير" معطوف على "غير" الأولى. "المفرد" مضاف إليه؛ أي: غيره من النعت والمنعوت. "لا" ناهية. "تبن" مضارع مجزوم بلا بحذف الياء. "وانصبه" فعل أمر، وفاعله أنت والهاء مفعوله "أو الرفع" أو عاطفة للتخيير، الرفع مفعول لاقصد مقدم، واقصد فعل أمر، والفاعل أنت.
وهو قليل؛ حتى توهم الشلوبين أنه غير واقع.
وتارة يراد بهما التوبيخ؛ كقوله:
ألا ارعواء لمن ولت شبيبته
(1)
= وعجزه:
إذا ألاقي الذي لاقاه أمثالي
اللغة والإعراب:
اصطبار: تصبر وتجلد واحتمال. جلد: صلابة وثبات. لاقاه أمثالي: كناية عن الموت. "ألا" الهمزة للاستفهام، و"لا" نافية للجنس. "اصطبار" اسم "لا" مبني على الفتح. "لسلمى" متعلق بمحذوف خبر، أو متعلق باصطبار، والخبر محذوف، وهو مجرور بفتحة مقدرة على الألف؛ نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف؛ لألف التأنيث المقصورة. "أم" عاطفة. "لها" خبر مقدم. "جلد" مبتدأ مؤخر.
المعنى: أيذهب الصبر، وينتفي عن سلمى، وتجزع؟ أم تتجلد وتثبت إذا لاقيت ما لاقاه أمثالي من الموت؟
الشاهد: معاملة "لا" بعد دخول همزة الاستفهام عليها؛ مثل معاملتها قبل دخولها، وكل من الهمزة، و"لا" باق على معناه؛ والمراد بهما الاستفهام عن النفي. وهذا البيت حجة على الشلوبين؛ في دعواه أن الاستفهام عن النفي شيء غير واقع.
(1)
صدر بيت من البسيط، لم نقف على قائله، وعجزه:
وآذنت بمشيب بعده هرم
اللغة والإعراب:
ارعواء: انتهاء وانكفاف عن القبيح. ولت: أدبرت وذهبت شبيبته: شبابه. آذنت: أعلمت. مشيب: شيخوخة. هرم: كبر وضعف: "ألا" الهمزة للاستفهام، و"لا" نافية للجنس؛ ومعنى الحرفين التوبيخ والإنكار. "ارعواء" اسم "لا" مبني على الفتح. "لمن" متعلق بمحذوف خبر، أو متعلق بارعواء، والخبر محذوف. و"من" اسم موصول. "ولت شبيبته" الجملة صلة من. "وآذنت" معطوف على ولت، أو حال من الفاعل على تقدير "قد". "بمشيب" متعلق بآذنت. "بعده" ظرف ومضاف إليه خبر مقدم. "هرم" مبتدأ مؤخر، والجملة في محل جر صفة لمشيب.
المعنى: ألا يبتعد وينأى عن الأمور القبيحة؛ من ذهب شبابه وولت صبوته، وأنذره المشيب بالكبر والضعف وذهاب القوة؟
الشاهد: بقاء عمل "لا" النافية مع دخول همزة الاستفهام عليها.
وهو الغالب.
وتارة يراد بهما التمني؛ كقوله:
ألا عمر ولى مستطاع رجوعه
(1)
وهو كثير.
وعند سيبويه والخليل: أن "ألا" هذه بمنزلة أتمنى، فلا خبر لها، وبمنزلة ليت، فلا يجوز مراعاة محلها مع اسمها، ولا إلغاؤها إذا تكررت، وخالفهما المازني والمبرد
(2)
،
(1)
- صدر بيت من الطويل، لم ينسب لقائل. وعجزه:
فيرأب ما أثأت يد الغفلات
اللغة والإعراب:
ولى ذهب وأدبر: فيصلح ويجبر. أثأت: أفسدت. "ألا" حرف تمن. "عمر" اسمها مبني على الفتح، وهو بمنزلة المفعول؛ لأنها بمعنى أتمنى ولا خبر لها، وقيل: الهمزة للاستفهام، و"لا" نافية للجنس، وأريد بهما التمني. "ولى" الجملة في محل نصب صفة لعمر. "مستطاع" خبر مقدم. "رجوعه" مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة صفة ثانية لعمر. "مستطاع" خبر "ألا" و"رجوعه" نائب فاعل، لأنه اسم مفعول. "فيرأب" مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد فاء السببية الواقعة في جواب التمني، وفاعله يعود على عمر. "ما" اسم موصول مفعول يرأب "أثأت يد الغفلات" الجملة صلة، والعائد محذوف؛ أي: أثأته.
المعنى: أتمنى رجوع العمر الذي مضى وذهب، لأصلح ما أفسدته وما عملت من سوء في زمن الغفلة والجهل والصبوة.
والشاهد: مجيء "ألا" بمعنى أتمنى؛ والدليل على ذلك نصب المضارع بعد الفاء في جوابها، وذلك كثير في كلام العرب.
(2)
فجعلاها كالمجردة من همزة الاستفهام، واستدلا بالبيت السابق؛ فجعلا "مستطاع": إما خبرا للا، أو صفة لاسمها، مراعاة لمحلها قبل دخول "لا"، والخبر محذوف؛ أي: راجع، و"رجوعه"، نائب فاعل مستطاع.
ولا دليل لهما في البيت؛ إذ لا يتعين كون "مستطاع" خبرا أو صفة، و"رجوعه" فاعلا
(1)
بل يجوز كون "مستطاع" خبرا مقدما، و"رجوعه" مبتدأ مؤخرا، والجملة صفة ثانية. وترد "ألا" للتنبيه
(2)
فتدخل على الجملتين؛ نحو {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} ، {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ}
(3)
.
وعرضية وتحضيضية
(4)
فتختصان بالفعلية؛ نحو: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} ، {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ}
(5)
.
(1)
المراد نائب فاعل؛ لأن "مستطاع" اسم مفعول يطلب نائب فاعل. وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:
وأعط "لا" مع همزة استفهام
…
ما تستحق دون الاستفهام*
(2)
هي "ألا" الاستفتاحية؛ هي كلمة واحدة لا عمل لها، وتدل على توجيه الذهن وتنبيهه إلى شيء هام يجيء بعدها، مؤكد الوقوع عند المتكلم، وكثيرا ما تقع بعدها "إن" المكسورة.
(3)
الآية الأولى مثال لدخولها على الجملة الاسمية، والثانية لدخولها على الجملة الفعلية؛ لأن "يوم" معمول لمصروفا؛ فهي داخلة على "ليس" تقديرا، والأصل: ألا ليس مصروفا عنهم يوم يأتيهم.
(4)
العرض: طلب الشيء برفق ولين. والتحضيض: طلبه بشدة وإزعاج. وسيأتي تفصيل الكلام عليهما في موضعه إن شاء الله.
(5)
"ألا" في الآية الأولى للعرض. وفي الثانية للتحضيض، هذا: ومثل "ألا" في الدلالة "أما"، غير أن "ألا" للاستقبال، و"أما" للحال، والغالب أن يأتي بعد "أما" قسم فتفيد توكيده؛ بنحو: أما والله إن الأمن مستتب. وقد تأتي بعدها "إن" المكسورة؛ مثل "ألا" وإذا وقعت كلمة "إلا" بعد "لا"؛ نحو لا إله إلا الله، جاز في الاسم الواقع بعدها النصب على الاستثناء، والخبر محذوف قبل "إلا". وجاز الرفع على البدل من محل لا مع اسمها، أو من الضمير المستتر في الخبر المحذوف، أو من محل اسم لا، بحسب أصله كما تقدم.
* "وأعط" فعل أمر والفاعل أنت. "لا" مفعول أول مقصود لفظه. "مع" ظرف متعلق بمحذوف حال من لا. "همزة استفهام" مضاف إليه. "ما" اسم موصول مفعول ثان لأعط. "تستحق" الجملة صلة ما. "دون" ظرف متعلق بمحذوف حال من لا. "الاستفهام" مضاف إليه.
مسألة: وإذا جهل الخبر وجب ذكره؛ نحو: "لا أحد أغير من الله عز وجل"
(1)
، وإذا علم فحذفه كثير؛ نحو:{فَلا فَوْتَ} ، {قَالُوا لا ضَيْرَ}
(2)
، ويلتزمه
(3)
التميميون والطائيون.
(1)
هذا جزء من حديث نبوي، ونصبه:"أنا أغار، والله يغار، ولا أحد أغير من الله؛ ولذا حرم الفواحش"، والغيرة: الحمية والأنفة وانفعال النفس من فعل القبيح. يقال: رجل غيور، وامرأة غيور، وهذا مستحيل على الله، فالمراد لازم الغيرة؛ وهو البعد عن الموبقات، وزجر مرتكبها.
(2)
{فَلا فَوْتَ} جزء من الآية "51" من سورة سبأ؛ أي: فلا فوت لهم. و {لا ضَيْرَ} من الآية "50" من سورة الشعراء؛ أي: فلا ضير علينا.
ومن الأساليب التي حذف فيها الخبر: "لا سيما"، ولا إله إلا الله. وقد أسلفنا الكلام على هذين المثالين. وندر في هذا الباب حذف الاسم وإبقاء الخبر. ومن ذلك قولهم: لا عليك؛ أي: لا بأس عليك. وفي حذف الخبر يقول الناظم:
وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر
…
إذا المراد مع سقوطه ظهر*
(3)
الضمير في "يلتزمه": يحتمل أن يعود على حذف خبر "لا" سواء علم أو لم يعلم.
ويحتمل عوده على الخبر بقيد كونه معلوما بقرينة ما. ويكون المراد: أن الحجازيين يجيزون ذكر الخبر المعلوم وحذفه. أما التميميون، والطائيون فلا يجيزان ذكره. ولعل هذا هو الأقرب للصواب؛ لأن الجميع متفقون على أن الخبر غير المعلوم يجب ذكره.
* "وشاع" فعل ماض. "في ذا" متعلق بشاع. "الباب" بدل أو عطف بيان من اسم الإشارة. "إسقاط" فاعل شاع. "الخبر" مضاف إليه. "إذا" ظرف للمستقبل فيه معنى الشرط. "المراد" فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده؛ أي: إذا ظهر المراد. "مع" ظرف متعلق بظهر. "سقوطه" مضاف إليه. "ظهر" فعل وفاعله يعود على المراد، والجملة لا محل لها مفسرة، وجواب إذا محذوف لدلالة ما قبله عليه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأسئلة والتمرينات:
1 ما الفرق بين "لا" التي للجنس، والتي للوحدة؟ في المعنى والعمل، مثل ووضح.
2 يقع اسم "لا" الجنسية مفردا ومضافا. بين حكمه من الإعراب في الحالتين. ثم اشرح المراد بالمفرد هنا.
3 متى تهمل "لا"؟ ومتى يجب تكرارها؟ وضح ذلك بأمثلة من إنشائك.
4 كيف تعرب تابع اسم "لا" معطوفا، أو نعتا، أو بدلا؟ اذكر أمثلة موضحة.
5 ما حكم "لا" إذ دخلت عليها الهمزة؟ وما المعاني التي تدل عليها عندئذ؟ مثل.
6 بين موضع الاستشهاد بما يأتي في هذا الباب:
قال -تعالى: {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} ، "لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ"، {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} ، وقال عليه الصلاة والسلام:"اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت".
من الأساليب العربية التي جرت مجرى الأمثال: لا هيثم الليلة للمطي. "وهيثم: اسم لص، أو سائق إبل"، وقولهم: بكيت ولا أمية في البلاد.
فلا مجد في الدنيا لمن قل ماله
…
ولا مال في الدنيا لمن قل مجده
لا خيل عندك تهديها ولا مال
…
فليسعد النطق إن لم يسعد الحال
فلا مزنة ودقت ودقها
…
ولا أرض أبقل إبقالها
7 أعرب البيت الآتي، واشرحه شرحا أدبيا:
إذا كان إصلاحي لجسمي واجبا
…
فإصلاح نفسي لا محالة أوجب
8 كون من إنشائك -في وصف الحالة الاجتماعية عندنا- ما يأتي:
أ- جملتين يكون اسم "لا" في إحداهما منصوبا بالفتحة، وفي الثانية بالياء.
ب- جملتين يكون اسم "لا" في إحداهما مبنيا على الفتح، وفي الثانية مبنيا على الكسر، وجملة يكون الاسم فيها منصوبا بالألف.
جـ- جملتين تكون "لا" في إحداهما واجبة التكرار، وفي الثانية ممنوعة التكرار.
هذا باب الأفعال الداخلة بعد استيفاء فاعلها
(1)
على المبتدأ والخبر
(2)
فتنصبهما مفعولين:
أفعال هذا الباب نوعان: أحدهما أفعال القلوب. وإنما قيل لها ذلك؛ لأن معانيها قائمة بالقلب
(3)
، وليس كل قلبي ينصب المفعولين؛ بل القلبي ثلاثة أقسام: ما لا يتعدى بنفسه؛ نحو: فكر وتفكر
(4)
. وما يتعدى لواحد؛ نحو: عرف، وفهم
(5)
، وما يتعدى لاثنين، وهو المراد
(6)
.
هذا باب الأفعال التي تنصب مفعولين:
(1)
هذا هو الأصل، وقد يتأخر الفاعل ويتقدم المبتدأ والخبر عليه، وقد يتقدمان على العامل إذا كانا مما يلزمان التصدير، كما سترى قريبا.
(2)
هذا بحسب الغالب؛ فلا يرد نحو: حسبت محمدا عليا، ولا صيرت الطين خرفا؛ مما ليس أصله مبتدأ وخبر، وإن أوله بعض النحاة.
(3)
أي: متصلة به، وهي المعاني التي تتردد في النفس، وتعرف بالأمور النفسية؛ كالفرح والحزن والفهم، والذكاء
…
إلخ
(4)
مثلهما حزن، وجبن.
(5)
مثلهما: خاف، وكره، وأحب.
(6)
أي: المقصود هنا من هذا الباب، والمفعول الثاني هو الذي تتحقق به الفائدة؛ لأنه الخبر في الأصل. وإلى هذا القسم يشير ابن مالك بقوله:
انصب بفعل القلب جزأي ابتدا
…
أعني رأى خال علمت وجدا
ظن حسبت وزعمت مع عد
…
حجا درى وجعل اللذ كاعتقد
وهب تعلم. . . . . . . . . . . .... . . . . . . . . . . *
أي: انصب بفعل القلب جملة ذات ابتداء؛ أي: مبتدأ وخبر، ثم سرد أفعال القلوب. وأشار بقوله: أعني
…
إلخ، إلى أن المراد أفعال قلوب معينة كما يتضح بعد. كما أشار بقوله: وجعل اللذ كاعتقد؛ إلى أن "جعل" المقصود هنا، هي التي بمعنى اعتقد، أما "جعل" السابق شرحها في باب "أفعال المقاربة"، وكذلك "جعل" التي من أفعال التصيير، أو الرجحان الآتية، فليستا من هذا الباب.
* "بفعل" متعلق بانصب، وهو مفرد مضاف إلى "القلب" فيعم. "جزأي" مفعول انصب. "ابتدا" مضاف إليه، وقصر للضرورة. "رأى" مفعول أعني مقصود لفظه. "ذال، علمت، وجد، ظن، حسبت" معطوفات على رأى بإسقاط حرف العطف. "وزعمت" معطوف كذلك على رأي. "مع" ظرف متعلق بأعني، أو حال من مفعوله "عد" مضاف إليه مقصود لفظه. "حجا درى" معطوفان على عد "اللذ" اسم موصول نعت لجعل، وهو لغة في الذي. "كاعتقد" متعلق بمحذوف صلة الموصولة. "وهب، تعلم" معطوفان على عد بإسقاط العاطف من تعلم.
وينقسم أربعة أقسام:
أحدها: ما يفيد في الخبر يقينا
(1)
، وهو أربعة: وجد
(2)
، وألفى
(3)
، وتعلم بمعنى اعلم
(4)
، ودرى
(5)
؛ قال الله -تعالى: {تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا}
(6)
، {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} ، وقال الشاعر:
(1)
أي: إن المتكلم يعتقد اعتقادا جازما لا يشوبه شك، سواء أكان هذا الاعتقاد صحيحا في الواقع، أم لا.
(2)
أي: بمعنى "علم"، ومصدرها الوجود، وقيل: الوجدان؛ فإن كان بمعنى أصاب وصادف تعدت إلى واحد، ومصدرها الوجدان، وإن كانت بمعنى استغنى أو حزن أو حقد؛ فهي لازمة، ومصدر الأولين وجد، والأخيرة موجدة.
(3)
لا يستعمل هذا الفعل هنا إلا مزيدا بالهمزة، ويأتي بمعنى: أصاب ووجد، فيتعدى لواحد؛ تقول فقدت كتابي، ثم ألفيته؛ أي: وجدته وأصبته.
(4)
هو فعل أمر جامد عند أكثر النحاة بمعنى "اعلم"، يراد به الأمر بتحصيل العلم والمعرفة في الحال، ويكثر دخوله على "أن" وصلتها. وقد يأتي بمعنى حصل العلم مستقبلا بالأخذ في أسبابه، فيتعدى لواحد؛ تقول تعلم فن الاختزال فهو مفيد في هذا العصر.
(5)
أي: بمعنى علم، والأكثر فيه أن يتعدى إلى مفعوليه بالباء، ويأتي بمعنى ختل وخدع، فيتعدى لواحد؛ تقول: دريت الصيد؛ أي: خدعته.
(6)
الهاء المتصلة بتجد مفعوله الأول، و"خيرا" مفعوله الثاني، و"هو" ضمير فصل لا محل له.
تعلم شفاء النفس قهر عدوها
(1)
والأكثر وقوع هذا على "أن" وصلتها
(2)
كقوله:
فقلت تعلم أن للصيد غرة
(3)
(1)
صدر بيت من الطويل، لزياد بن سيار بن عمرو بن جابر، وعجزه:
فبالغ بلطف في التحيل والمكر
اللغة والإعراب:
تعلم، فعل أمر ملازم لهذه الصيغة، بمعنى اعلم وتيقن. شفاء النفس: قضاء مطالبها ومآربها. بلطف: برفق ولين، النحيل: أخذ الأشياء بالحيلة والدهاء. "شفاء النفس" مفعول أول لتعلم ومضاف إليه. "قهر عدوها" مفعول ثان كذلك ومضاف إليه. "في التحيل" متعلق ببالغ. "والمكر" معطوف عليه.
المعنى: أن الذي يريح النفس ويجعلها مطمئنة بحصولها على ما ترغب وتحب، هو أن تظفر بعدوها وتقهره، فعليك أن تبذل جهدك، مع الترفق واتباع الحيل وأنواع الخداع، لتصل إلى مرغوبك من عدوك.
الشاهد: استعمال "تعلم" بمعنى "اعلم" ونصبه مفعولين، وكل منهما اسم ظاهر على غير الغالب فيها.
(2)
وحينئذ تسد "أن" ومعمولاها مسد المفعولين، ومعروف أن الصلة تشتمل على مسند ومسند إليه.
(3)
صدر بيت من الطويل، لزهير بن أبي سلمى المزني، من أصحاب المعلقات، وعجزه:
وإلا تضيعها فإنك قاتله
اللغة والإعراب:
تعلم: اعلم. غرة. غفلة. تضيعها. الضمير عائد على الفرصة التي تتيحها الغفلة. "تعلم" فعل أمر والفاعل أنت. "للصيد" خبر أن مقدم. "غرة" اسمها مؤخر، وأن وصلتها سدت مسد مفعولي تعلم. "وإن" شرطية. "لا تضيعها" فعل الشرط فإنك. "قاتله" الفاء واقعة في الجواب، والهاء في "قاتله" عائدة على الصيد.
المعنى: اعلم وتيقن يا صاحبي: أن للصيد أوقات يهدأ فيها ويستريح، وتعتريه غفلة وسكون، فإذا انتهزت هذه الفرصة، وصوبت إليه سهامك، فإنك قاتله لا محالة.
الشاهد: استعمال "تعلم" بمعنى اعلم، وقد عداها إلى المفعولين بأن المؤكدة وصلتها، وهذا هو الكثير في استعمالها.
وقال:
دريت الوفى العهد يا عرو فاغتبط
(1)
والأكثر في هذا: أن يتعدى بالباء، فإذا دخلت عليه الهمزة تعدى لآخر بنفسه
(2)
؛ نحو: {وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ}
(3)
.
(1)
صدر بيت من الطويل، لم نقف على نسبته لقائل. وعجزه:
فإن اغتباطا بالوفاء حميد
اللغة والإعراب:
دريت: ماض مبني للمجهول، من درى بمعنى علم. فاغتبط: أمر من الغبطة؛ وهي تمني مثل ما للغير، من غير تمني زواله عنه، والمراد: أزدد فيما أنت عليه من الصفات الحميدة ليغبطك الناس، أو الدعاء له بأن يدوم على ما هو عليه؛ ليغبطه الناس. "دريت" ماض للمجهول، والتاء نائب فاعل، وهي المفعول الأول. "الوفي" مفعول ثان، وهو صفة مشبهة "العهد" فاعل بالوفي، أو مضاف إليه، أو منصوب على التشبيه بالمفعول به " يا عرو" يا للنداء، و"عرو" منادى مرخم بحذف التاء مبني على ضم الحرف المذكور أو المحذوف، على اللغتين المشهورتين: من ينتظر ومن لا ينتظر "فاغتبط" الفاء واقعة في جواب شرط مقدر، أي: إذا كنت كذلك فاغتبط. "فإن" الفاء للتعليل "اغتباطا" اسم إن "بالوفاء" متعلق به. "حميد" خبر إن.
المعنى: تيقن الناس وعلموا علما لا شك فيه يا عروة، أنك تفي بالعهد، ولا تنقضه، فلتغبط على هذه الخصلة الكريمة؛ فإن الاغتباط بمثل هذه الصفة أمر محمود ومشكور عند الله والناس.
الشاهد: نصب "درى"، وهو بمعنى اليقين، مفعولين بنفسه. أحدهما: التاء الواقعة نائب فاعل، والثاني:"الوفي" وهذا قليل، والكثير فيه، ما بينا قريبا؛ أي: يتعدى لواحد بالباء؛ تقول: دريت بكذا.
(2)
أي: إن دخلت عليه همزة التعدية، تعدى بها لواحد، وللثاني بالباء؛ كقوله -تعالى:{وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} كما بين المصنف.
(3)
فضمير المخاطبين مفعول أول، والمجرور بالباء مفعول ثان. وقيل في قوله تعالى:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} : إن الكاف مفعول أول، والجملة في محل نصب سدت مسد المفعول الثاني المتعدي إليه بالحرف على إسقاط الجار. وجعلها بعضهم في مثل هذا، مما دخل فيه على الفعل استفهام، متعدية إلى ثلاثة مفاعيل، والجملة سدت مسد المفعولين.
والثاني: ما يفيد في الخبر رجحانًا
(1)
، وهو خمسة: جعل
(2)
، وحجا
(3)
، وعد
(4)
، وهب
(5)
، وزعم
(6)
؛ نحو: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا}
(7)
،
(1)
الرجحان أو الظن: ما ينشأ من تغلب أحد الدليلين المتعارضين في أمر على الآخر، بحيث يصير أقرب إلى اليقين منه إلى الشك.
(2)
أي: التي بمعنى "اعتقد" كما بين الناظم؛ فإن كانت بمعنى "أوجد"، تعدت لواحد؛ نحو:{وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} ، أو بمعنى "أوجب، وفرض"، تعدت إلى واحد؛ بنفسها، وإلى الثاني بحرف الجر؛ تقول جعلت للمجد مكافأة سخية.
(3)
أي: بمعنى "ظن" فإن كانت بمعنى غلب في المحاجة والجدل، أو بمعنى قصد، أو رد، تعددت لواحد، وإن كانت بمعنى أقام، فهي لازمة.
(4)
أي: بمعنى الرجحان والظن، ومصدرها الزعم؛ فإن كانت بمعنى حسب، تعدت لواحد نحو: عددت النقود.
(5)
"هب" فعل ملازم لصيغة الأمر بمعنى ظن، ولا يستعمل منه ماض ولا مضارع بهذا المعنى. ويندر دخولها على "أن" وصلتها؛ كقولهم: هب أني فعلت كذا، ويكون المصدر المكون من "أن" ومعموليها سد مسد المفعولين. وكذلك "هب" أمر من الهبة؛ وهي التفضل على الموهوب له، يتعدى لمفعولين، أما "هب" من الهيبة؛ فيتعدى لواحد.
(6)
أي: بمعنى الرجحان، وتأتي بمعنى الاعتقاد، وتستعمل للشك غالبًا، ومصدرها الزعم؛ فإن كانت بمعنى كفل، أو رأس وساد، تعدت لواحد بنفسها أو بحرف الجر، ومصدرها الزعامة. وقد تستعمل "زعم" في القول، أو الخبر غير الصحيح؛ تقول: زعم فلان كذا؛ أي: قال أو أخبر خبرا غير صحيح.
(7)
فـ"الملائكة" مفعول أول، و"إناثًا" مفعول ثان.
وقوله:
قد كنت أحجو أبا عمرو أخا ثقة
(1)
وقوله:
فلا تعدد المولى شريكك في الغنى
(2)
وقوله:
وإلا فهبني أمرًا هالكًا
(3)
(1)
صدر بيت من البسيط، ينسبه بعض النحاة لتميم بن مقبل. وقيل لغيره. وعجزه:
حتى ألمت بنا يومًا ملمات
اللغة والإعراب:
أحجو: أظن. ألمت: نزلت، ملمات: جمع ملمة؛ وهي النازلة من نوازل الدهر. "أحجو" فعل مضارع والفاعل أنا. "أبا عمر" مفعول أول لأحجو ومضاف إليه. "أخا" بالتنوين، مفعول ثان. "ثقة" صفة له، بغير تنوين مضاف إلى ثقة منصوب بالألف. "حتى" حرف غاية. "ملمات" فاعل ألمت.
المعنى: قد كنت أظن وأعتقد: أن أبا عمرو أخا مخلصا، يوثق به، ويعتمد عليه عند الملمات والشدائد، حتى نزلت بنا يوما حوادث مؤلمة، فتبين لي غير ما كنت أظن.
الشاهد: استعمال المضارع من حجا، بمعنى ظن، ونصبه مفعولين. قيل: ولم ينقل أحد من النحاة أن "حجا يحجو" ينصب مفعولين، غير ابن مالك رحمه الله.
(2)
صدر بيت من الطويل، للنعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي. وعجزه:
ولكنما المولى شريكك في العدم
اللغة والإعراب:
لا تعدد: لا تظن. المولى: يطلق على معان كثيرة، والمراد هنا: الصاحب والناصر. العدم: الفقر. "المولى" مفعول أول لتعدد. "شريكك" مفعول ثان ومضاف إليه. "لكنما" لكن حرف استدراك، و"ما" زائدة كافة. "المولى" مبتدأ. "شريكك" خبر ومضاف إليه.
المعنى: لا تظن الصاحب المخلص والصديق الوفي هو الذي يقاسمك ويشاطرك المودة والإخاء في حال يسارك وغناك، بل هو الذي يرافقك ويصاحبك في حال فقرك وضيق ذات يدك، وتألب الزمان عليك.
الشاهد: استعمال المضارع من "عد" بمعنى الظن، ونصبه مفعولين.
(3)
عجز بيت من المتقارب، لعبد الله بن همام السلولي، وصدره:
فقلت أجرني أبا مالك
=
وقوله:
زعمتني شيخا ولست بشيخ
(1)
والأكثر في هذه: وقوعه على "أنْ" و"أنَّ" وصلتهما؛ نحو: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} .
= اللغة والإعراب:
أجرني: أغثني واحمني، وأصله: اتخذني لك جارا تدفع عنه وتحميه. هبني: احسبني وظنني. "أبا مالك" منادى بحذف حرف النداء ومضاف إليه. "وإلا" إن شرطية مدغمة في "لا" النافية، وفعل الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه. "فهبني" الفاء واقعة في جواب الشرط، و"هب" فعل أمر والنون للوقاية والياء مفعول أول. "امرأ" مفعول ثان. "هالكا" صفة لامرأ.
المعنى: فقلت: أغثني واحمني ودافع عني يا أبا مالك، وأمني من أعدائي، وإن لم تفعل فظن أني هالك لا محالة.
الشاهد: ورود "هب" بمعنى ظن، ونصبه مفعولين، وهو فعل جامد ملازم للأمرية كما أسلفنا.
(1)
صدر بيت من الخفيف، لأبي أمية الحنفي، واسمه أوس، وعجزه:
إنما الشيخ من يدب دبيبا
اللغة والإعراب:
شيخا، الشيخ: هو الذي ظهر عليه الضعف والشيب، ويغلب أن يكون من سن الخمسين، ويجمع على أشياخ وشيوخ. يدب دبيبا: يمشي مشيا وئيدا. "زعمتني" فعل ماض والنون للوقاية وياء المتكلم مفعول أول لزعم. "شيخا" مفعول ثان. "بشيخ" خبر ليس على زيادة الباء. "إنما" أداة حصر. "من" اسم موصول خبر من الشيخ. "يدب دبيبا" الجملة صلة.
المعنى: ظننت هذه المرأة حين رأت الشيب برأسي، أني أصبحت شيخا ضعيفا منهوك القوى، وهي في ذلك جد مخطئة؛ فالشيخ هو من يسير رويدا، وقد تقاربت خطاه، فلا يستطيع السير المعتاد، وأنا لست كذلك.
الشاهد: استعمال "زعم" بمعنى ظن، ونصبه مفعولين.
وقوله:
وقد زعمت أني تغيرت بعدها
(1)
والثالث: ما يرد بالوجهين
(2)
والغالب كونه لليقين، وهو اثنان: رأى
(3)
وعلم
(4)
؛ كقوله -جل ثناؤه: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا}
(5)
.
(1)
صدر بيت من الطويل، لكثير عزة، وعجزه:
ومن ذا الذي يا عز لا يتغير
اللغة والإعراب:
زعمت: ظنت. تغيرت: تغير جسمي فأصبح هذيلا شاحب اللون. "أني تغيرت" الجملة من أن ومعموليها سدت مسد مفعولي زعم. "ومن ذا" مبتدأ. "الذي" خبر، أو "من" مبتدأ، "ذا" خبر، والذي بدل. "يا عز" يا:
حرف نداء، و"عز" منادى مرخم. "لا يتغير" الجملة صلة الموصول.
المعنى: ظنت عزة وهي تتحدث عني، لما رأته من تحول في بدني، وشحوب في لوني، وهزال في جسمي، أني تغيرت بعد فراقها والبعد عنها. ثم رجع وقال: ومن الذي لا يتغير بعد ما عانى من الوجد وألم الشوق والبعد؟
الشاهد: استعمال "زعم" بمعنى ظن، وتعديته للمفعولين بواسطة "أن" وصلتها، وهو الكثير فيها.
(2)
أي: يكون بمعنى اليقين أحيانا، وبمعنى الرجحان أحيانا أخرى، والقرينة تعين المراد.
(3)
تأتي بمعنى "علم" كثيرا، وبمعنى "ظن" قليلا؛ فإن كانت بصرية، أو من أصاب رئته، تعددت لواحد، وستأتي رأى الحلمية قريبا.
(4)
تأتي بمعنى" تيقن" كثيرا، وبمعنى "ظن" قليلا، أما علم بمعنى "عرف" فتتعدى لواحد، وسيبين المصنف ذلك. وعلم، بمعنى: انشقت شفته العليا. لازم. يقال: علم الرجل فهو أعلم، والأفلح: مشقوق الشفة السفلى.
(5)
اجتمع في هذه الآية المعنيان؛ أي: يظنون البعث ممتنعا، ونعلمه واقعا لا محالة، فالأولى للرجحان، والثانية لليقين.
وقوله -تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ}
(1)
، وقوله -تعالى:{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ}
(2)
.
والرابع: ما يرد بهما والغالب كونه للرجحان؛ وهو ثلاثة: ظن
(3)
، وحسب
(4)
، وخال
(5)
؛ كقوله:
ظننتك إن شبت لظى الحرب صالبا
(6)
(1)
" اعلم" هنا بمعنى تيقن واعتقد، وأن واسمها وخبرها سدت مسد مفعوليها.
(2)
"علم" في الآية بمعنى ظن، والضمير "هن" مفعولها الأول، و"مؤمنات" المفعول الثاني.
(3)
أي: التي بمعنى الرجحان واليقين، وهي كثيرة في الأول، قليلة في الثاني، فإن كانت ظن بمعنى اتهم، تعدت لواحد، وسيبين المصنف ذلك.
(4)
أي: التي بمعنى ظن، وهي بكسر السين، وتأتي بمعنى تيقن بقلة، ويجوز فتح السين في المضارع وكسرها. أما "حسب" بفتح السين، فهي بمعنى عد، ومضارعها "يحسب" بضم السين.
(5)
أي: التي بمعنى ظن، وتأتي بمعنى علم قليلا. أما "خال" بمعنى تكبر -من الاختيال- فهي لازمة.
(6)
صدر بيت من الطويل، لم نقف على قائله، وعجزه:
فعردت فيمن كان عنها معردا
اللغة والإعراب:
شبت: اشتعلت واتقدت وتأججت. لظى الحرب: نارها وأوارها. صاليا: داخلا فيها، وخائضا غمارها. عردت: أحجمت وفررت، والتعريد: الفرار، أو سرعة الذهاب في الهزيمة. "ظننتك" الكاف مفعول أول لظننت. "إن شبت" شرط وفعله.
"لظى الحرب" فاعل شبت ومضاف إليه، وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله، "صاليا" مفعول ظن الثاني. "فعردت" الفاء عاطفة. "معردا" خبر كان، والجملة من كان ومعموليها صلة "من".
المعنى: ترجح عندي، إذا اضطرمت نيران الحرب وحمي وطيسها، أن تقتحمها وتخوض غمارها غير هياب ولا وجل، ففررت، وانهزمت مع المنهزمين.
الشاهد: استعمال ظن بمعنى الرجحان، ونصبها مفعولين كما بينا.
وكقوله -تعالى: {يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ}
(1)
وكقول الشاعر:
وكنا حسبنا كل بيضاء شحمة
(2)
وقوله:
حسبت التقى والجود خير تجارة
(3)
(1)
" يظنون" في الآية بمعنى يتيقنون، وأن ومعمولاها سدت مسد المفعولين.
(2)
صدر بيت من الطويل، لزفر بن الحارث الكلابي، في وصف موقعة "مرج راهط" بالشام. وعجزه:
عشية لاقينا جذام وحميرا
وبعده:
فلما لقينا عصبة تغلبية
…
يقودون جردا في الأعنة ضمرا
سقيناهمو كأسا سقونا بمثلها
…
ولكنهم كانوا على الموت أصبرا
فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه
…
ببعض أبت عيدانه أن تكسرا
اللغة والإعراب:
"وكنا حسبنا كل بيضاء شحمة": معناه: كنا ظننا شيئا فوجدنا الأمر على غير ذلك. وهذه العبارة مأخوذة من المثل: "ما كل بيضاء شحمة، ولا كل سوداء تمرة". جذام وحمير: قبيلتان من قبائل اليمن، وجذام: لقب عمرو، وحمير: لقب العرنجج. "كل" مفعول أول حسبنا. "بيضاء" مضاف إليه. "شحمة" مفعول ثان. "عشية" منصوب على الظرفية بحسب. "جذام" مفعول لاقينا، و"حميرا" معطوف عليه، وهما ممنوعان من الصرف للعلمية والتأنيث لاسم القبيلة.
المعنى: كنا ظننا في قومنا؛ لما نعلمه من شجاعتهم ومقدرتهم الفائقة في الحرب القدرة على قهر الأعداء بمجرد اللقاء، مع شدتهم وبأسهم، وأن الأعداء سيهزمون حين يرون أنهم أمام شجعان لا قبل لهم بمنازلتهم، ولكنا وجدنا في الأعداء قدرة وصلابة وصمودا للقتال، وصبرا لم يكن منتظرا. وهذا من خبر ما قيل في إنصاف الخصوم.
الشاهد: استعمال "حسب" بمعنى الرجحان، ونصبه مفعولين.
(3)
صدر بيت من الطويل، للبيد بن ربيعة، وعجزه: =
وكقوله:
إخالك إن لم تغضض الطرف ذا هوى
(1)
=
رباحا إذا ما المرء أصبح ثاقلا
اللغة والإعراب:
رباحا، أي: ربحا. ثاقلا، أي: ميتا؛ لأن الجسم يثقل إذا فارقته الروح. "التقى" مفعول أول حسب. "خير تجارة" مفعول ثان ومضاف إليه. "رباحا" منصوب على التمييز. "إذا" شرطية. "ما" زائدة. "المرء" اسم لأصبح محذوفة تفسرها المذكورة، وخبرها محذوف أيضا. "ثاقلًا" بمعنى ثقيلا، خبر أصبح. ويجوز أن يكون "المرء" مبتدأ، وجملة "أصبح" خبره.
المعنى: علمت وتيقنت أن تقوى الله، والجود بالمال وبالنفس إذا اقتضى الأمر، أحسن تجارة تعود على الإنسان بخير ربح، إذا مات وفارق هذه الدنيا؛ ذلك لأنه سيجد ما أعده الله خيرا وأعظم أجرا.
الشاهد: استعمال حسب بمعنى علم، ونصبه مفعولين كما ذكرنا.
(1)
صدر بيت من الطويل، لم نقف على قائله. وعجزه:
يسومك ما لا يستطاع من الوجد
اللغة والإعراب:
إخالك: أظنك، وهو بكسر الهمزة، مع أن القياس في همزة المضارعة فتحها، ولكن جمهور العرب كسروها في هذا الفعل، ما عدا بنو أسد؛ فإنهم يفتحونها على القياس. تغضض الطرف: تصرف العين وتغمضها. ذا هوى: صاحب عشق. يسوم: يكلفك ويجشمك. الوجد: الهيام والحزن. "إخالك" فعل مضارع، والفاعل أنا، والكاف مفعول أول. "إن لم تغضض" شرط وفعله. "الطرف" مفعوله، والجواب محذوف يدل عليه ما قبله. "ذا" بمعنى صاحب، مفعول ثان لإخال. "هوى" مضاف إليه. "يسومك" مضارع فاعله يعود على هوى والكاف مفعوله، والجملة صفة لهوى. "ما" اسم موصول مفعول ثان ليسومك. "لا يستطاع" الجملة صلة ما. "من الوجد" بيان لما.
المعنى: أظنك إن لم تغمض عينيك، وتكف بصرك عن النظر إلى الحسان ومفاتنهن، صاحب عشق وحب، يجشمك الصعاب، ويقودك إلى ما لا تستطيع تحمله من الحزن والألم.
الشاهد: استعمال مضارع خال -وهو بمعنى الرجحان- في نصب مفعولين؛ هما كاف الخطاب، و"ذا هوى".
وقوله:
ما خلتني زلت بعدكم ضمنًا
(1)
تنبيهان الأول: ترد علم بمعنى عرف
(2)
، وظن بمعنى اتهم
(3)
، ورأى بمعنى الرأي؛ أي: المذهب
(4)
، وحجا بمعنى قصد، فيتعدين إلى واحد؛ نحو: {وَاللَّهُ
(1)
صدر بيت من المنسرح، أنشده خلف الأحمر من الكوفيين، ولم ينسبه، وعجزه:
أشكو إليكم حموة الألم
اللغة والإعراب:
ضمنا: زمنا مبتلى. حموة الألم: شدته وسورته. "ما خلتني" ما نافية. "خلت" فعل وفاعل، والنون للوقاية، والياء مفعول. "زلت" فعل ماض ناقص، والتاء اسمها. "بعدكم" ظرف متعلق بضمنا الواقع مفعولا ثانيا لخلت. "أشكو" فعل مضارع، والجملة خبر زال. "حموة" مفعول أشكو. "الألم" مضاف إليه. ويجوز أن يكون "ضمنا" خبر زال، وجملة "أشكو" هي مفعول "خال" الثاني.
المعنى: يقول لمن فارقهم من الأحبة: ما ظننت أني سأبقى بعد فراقكم وبعدكم عني، مريضا أشكو شدة الألم من البعد والفراق والشوق إليكم.
الشاهد: استعمال خال بمعنى الرجحان، ونصبه مفعولين كما ذكرنا في الإعراب.
(2)
ويكون مصدرها العلم بمعنى العرفان؛ تقول: علمت الخبر؛ أي: عرفته.
(3)
ومصدرها الظن بمعنى الاتهام؛ تقول: اختفت النقود فظننت الخادم؛ أي: اتهمته. وإلى هذين يشير الناظم بقوله:
لعلم عرفان وظن تهمه
…
تعدية لواحد ملتزمه*
أي: للعلم الدال على معنى العرفان، والظن الذي معناه التهمة؛ يرين أن علم إذا كانت بمعنى عرف، ومصدرها العرفان، وظن إذا كانت بمعنى اتهم، ومصدرها الظن بمعنى الاتهام، تعدت كل منهما إلى مفعول واحد. وخصهما الناظم بالتنبيه؛ لأنهما الأصل؛ ولأنهما لا يخرجان عن القلبية. أما غيرهما فينصب مفعولين حملًا عليهما، ويخرج عن القلبية غالبًا.
(4)
فيكون معنى رأى ذهب واعتقد.
* "لعلم" متعلق بمحذوف خبر مقدم. "عرفان" مضاف إليه. "وظن" معطوف على علم. "تهمه" مضاف إليه "تعدية" مبتدأ مؤخر. "لواحد" متعلق به. "ملتزمة" نعت لتعدية.
أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}
(1)
، {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ}
(2)
، وتقول: رأى أبو حنيفة حل كذا، ورأى الشافعي حرمته
(3)
، وحجوت بيت الله
(4)
. وترد وجد بمعنى حزن، أو حقد فلا يتعديان
(5)
. وتأتي هذه الأفعال وبقية أفعال الباب لمعان أخر غير قلبية فلا تتعدى لمفعولين
(6)
. وإنما لم يحترز عنها؛ لأنها لم يشملها قولنا: "أفعال القلوب".
الثاني: ألحقوا رأي الحلمية
(7)
برأي العملية في التعدي لاثنين؛ كقوله:
أراهم رفقتي حتى إذا ما
(8)
ومصدرها الرؤيا؛ نحو: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ} . ولا تختص الرؤيا
(1)
معنى لا تعلمون: لا تعرفون. و"شيئا" مفعوله.
(2)
بظنين -على قراءة الظاء- أي: بمتهم.
(3)
معنى رأى في هذا المثال: اعتقد، فيتعدى لمفعول واحد؛ هو لفظ "حل" للأولى، و"حرمة" للثانية.
وقال الرضي: إن رأى التي من الرأي بمعنى الاعتقاد، تتعدى أحيانا لاثنين؛ مثل: رأى أبو حنيفة كذا حلالا، ورأى الشافعي كذا حراما. وتارة تتعدى لواحد هو مصدر ثاني هذين الفعلين مضافا إلى أولهما؛ كما ذكر المصنف.
قال الصبان: "وهذا صريح في جواز استعمال أفعال هذا الباب متعدية إلى واحد هو مصدر ثاني الجزأين مضافا إلى أولهما، من غير تقدير مفعول ثان؛ لأن هذا المصدر هو المفعول به في الحقيقة". وهو قول وجيه.
(4)
حجوت بمعنى قصدت ونويت. و"بيت الله" مفعوله ومضاف إليه.
(5)
تقول: وجد محمد على أبيه؛ أي: حزن أو حقد. وتقدم القول في ذلك.
(6)
ذكرنا المشهور من هذه المعاني عند ذكر كل فعل؛ فتنبه.
(7)
أي: الدالة على الرؤيا المنامية.
(8)
صدر بيت من الوافر، لعمرو بن أحمر الباهلي، من قصيدة يذكر فيها جماعة من قومه فارقوه ولحقوا بالشام؛ فصار يراهم في منامه، وعجزه: =
بمصدر الحلمية، بل تقع مصدرًا للبصرية،
=
تجافى الليل وانخزل انخزالا
وبعده:
إذا أنا كالذي يجري لورد
…
إلى آل فلم يدرك بلالا
اللغة والإعراب:
رفقتي: الرافقة: الجماعة ينزلون جملة ويرتحلون جملة. تجافى الليل: زال وذهب. وانخزل: انطوى وانقطع. لورد، الورد: المنهل العذب الذي يشرب منه. آل: هو السراب، وما تراه وسط النهار كأنه ماء وليس بماء. بلالا: ما يبل به الحلق من ماء وغيره، والمراد هنا الماء. "أراهم" أرى فعل مضارع والفاعل أنا، و"هم" مفعول أول. "رفقتي" مفعول ثان. "حتى" ابتدائية. "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط. "ما" زائدة. "تجافى الليل" فعل وفاعل، والجملة فعل الشرط، والجواب:"إذا أنا كالذي يجري لورد"؛ أول البيت الثاني.
المعنى: إن هؤلاء الرفاق؛ وهم كما جاء في البيت الذي قبل بيت الشاهد:
أبو حنش يؤرقني وطلق
…
وعمار وآونة أثالا
أراهم مجتمعين معي مناما، حتى إذا انطوى الليل واستيقظت من نومي لا أرى أحدا، فأنا كالظمآن الذي يرى السراب فيظنه ماء، فإذا جاءه لم يجد شيئا، فيعود ولم ينل مأربا.
الشاهد: إعمال "أرى" التي بمعنى الرؤية في النوم، ونصبها مفعولين؛ كأرى التي بمعنى علم؛ لما بينهما من تشابه؛ لأن الرؤيا إدراك بالحس الباطن كالعلم. وفي هذا يقول الناظم:
ولرأى الرؤيا انم ما لعلما
…
طالب مفعولين من قبل انتمى*
أي: انسب للفعل "رأى" الذي مصدره الرؤيا المنامية، ما انتسب من قبل للفعل "علم" الذي يطلب مفعولين لينصبهما.
* "ولرأى" جار ومجرور متعلق بانم مقصود لفظه. "الرؤيا" مضاف إليه. "ما" اسم موصول مفعول انم. "لعلما" متعلق بانتمى. "طالب" حال من علم. "مفعولين" مضاف إليه. "من قبل" جار ومجرور متعلق بانتمى، وجملة "انتمى" صلة الموصول، ومعنى انتمى: انتسب.
خلافًا للحريري
(1)
، وابن مالك؛ بدليل:{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ} . قال ابن عباس: هي رؤيا عين
(2)
.
(1)
هو أبو محمد، القاسم بن علي بن محمد الحريري، صاحب المقامات المشهورة. كان غاية في الذكاء والفطنة والبلاغة، وأحد أئمة عصره في اللغة. وحسبك دليلا على ذلك مقاماته التي بز بها الأوائل، وأعجز الأواخر. وله غير ذلك مصنفات حسنة؛ منها: درة الغواص في أوهام الخواص، وملحة الإعراب وشرحها في النحو. وله ديوان شعر، وفي مقاماته كثير من شعره. وكان رحمه الله دميما مبتلى بنتف لحيته. وتوفي بالبصرة سنة 516 هـ.
(2)
ومع هذا فالمشهور استعمالها في الحلمية.
النوع الثاني: أفعال التصنيير
(1)
؛ كجعل، ورد، وترك، واتخذ، وتخذ، وصير، ووهب (4). قال الله -تعالى:{فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}
(2)
، {لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا}
(3)
، {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ}
(4)
، {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} ،
(1)
أي: الأفعال التي تدل على التحويل من حالة إلى حالة أخرى، ولم يذكرها الناظم. واكتفى بأن يشير إليها بقوله:
والتي كصيرا
…
أيضا بها انصب مبتدًا وخبرا*
(2)
أي: التي بمعنى صير، ولا يستعمل في هذا المعنى إلا بصيغة الماضي.
(3)
الهاء في جعلناه "مفعول أول"، وهي عائدة على عمل الكفار. "هباء" مفعول ثان. "منثورا" صفة لهباء. والهباء: ذرات التراب الصغيرة، وما يرى من ذرات في شعاع الشمس، ومعنى منثورا: مبعثرا.
(4)
"كُمْ" من "يردونكم" مفعول أول "يردون". "كفارا" مفعول ثان.
"بعضهم" مفعول أول لترك ومضاف إليه. "يومئذ" ظرف مضاف لإذ. "يموج" الجملة في محل نصب مفعول ثان، ومن العلماء من يجعل ترك متعديا لواحد، وينصب المفعول الثاني على الحال.
* "والتي" اسم موصول مبتدأ. "كصيرا" متعلق بفعل محذوف جملته صلة التي. "أيضا" مفعول مطلق لفعل محذوف. "بها" متعلق بانصب. "مبتدأ" مفعول انصب. "وخبرا" معطوف على مبتدأ، والجملة خبر التي.
وقال الشاعر:
تخذت غراز إثرهم دليلًا
(1)
وقال:
فصيروا مثل كعصف مأكول
(2)
(1)
صدر بيت من الوافر لأبي جندب بن مرة الهذلي، من أبيات يقولها في بني لحيان. وعجزه:
وفروا في الحجاز ليعجزوني
اللغة والإعراب:
غراز: اسم واد، وقيل: اسم جبل. إثرهم: عقب رحيلهم.
ليعجزوني: ليغلبوني، وذلك بأن يفلتوا مني فلا أدركهم. "غراز" مفعول أول لتخذت ممنوع من الصرف على إرادة البقعة. "إثرهم" منصوب على الظرفية ومضاف إليه. "دليلًا" مفعول ثان. "في الحجاز" متعلق بفروا، و"في" بمعنى إلى. "ليعجزوني" اللام للتعليل، و"يعجزوني" منصوب بأن مضمرة بعد اللام.
المعنى: يذم بني لحيان؛ وقد كانت بينه وبينهم خصومة؛ فيقول: إني تتبعت أثرهم بعد رحيلك، ولكنهم فروا إلى الحجاز؛ ليعجزوني؛ وذلك بأن يفوتوني فلا أدركهم.
الشاهد: استعمال "تخذ" ونصبه مفعولين، وهو من أفعال التنصير.
(2)
عجز بيت من السريع الموقوف بسكون لام مأكول، وهو لرؤبة بن العجاج، وصدره:
ولعبت طير بهم أبابيل
اللغة والإعراب:
أبابيل: جماعات وفرق، واحده إبول أو إبيل، وقيل: لا واحد له. كعصف: العصف: الزرع الذي أكل حبه وبقي تبنه وورقه، وقيل: التين. "فصيروا" فعل ماض للمجهول، والواو نائب فاعل، وهي المفعول الأول. "مثل" المفعول الثاني. "كعصف" الكاف بمعنى مثل، توكيد لمثل المذكورة، و"عصف" مضاف إليه. "مأكول" صفة لعصف، وسكن للروي. وقيل: الكاف زائدة. و"عصف" مضاف إليه بمثل.
المعنى: يصف الشاعر قوما هلكوا واستؤصلوا، فلم يبق لهم أثر يذكر. ولعله يشير إلى قصة أصحاب الفيل، فشبههم بالزرع الذي عبثت به جماعات الطيور، فأكلت حبه، ولم تترك منه غير ورقه الجاف.
الشاهد: استعمال "صير"، وهي من أفعال التحويل، ونصبه مفعولين: أولهما واو الجماعة النائبة عن الفاعل، والثاني "مثل".
وقالوا: وهبني الله فداك
(1)
. وهذا ملازم للمضي.
لهذه الأفعال ثلاثة أحكام:
أحدها الإعمال: وهو الأصل، وهو واقع في الجميع
(2)
.
الثاني الإلغاء: وهو إبطال العمل لفظًا ومحلا لضعف العامل بتوسطه، أو تأخره؛ كزبيد ظننت قائم، وزيد ظننت
(3)
.
قال:
وفي الأراجيز خلت اللؤم والخور
(4)
(1)
قول لبعض العرب في الدعاء. ومعنى وهبني: صيرني. وياء المتكلم مفعول أول. و"فداك" مفعول ثان، وهو بالكسر يمد ويقصر، وبالفتح يقصر لا غير.
(2)
أي: في أفعال القلوب، وفي أفعال التصيير، سواء منها المتصرف أو الجامد على النحو الذي ذكر. وقد مر أن الأفعال القلبية متصرفة إلا فعلين؛ هما:"تعلم" بمعنى اعلم، و"هب" بمعنى ظن، والذي يعمل من المتصرف هو الماضي وحده في الغالب، أما أفعال التصيير فالجامد منها هو "وهب"، ويلزم المضي كما سبق.
(3)
المثال الأول لتوسط العامل بين المبتدأ والخبر "مفعوليه"، والثاني لتأخره عنهما. والإلغاء في الحالتين جائز لا واجب، إلا في مسائل ستذكر فيما بعد.
(4)
عجز بيت من البسيط، لمنازل بن ربيعة المتقري، يهجو العجاج الراجز المشهور. وصدره:
أبالأراجيز يابن اللؤم توعدني
اللغة والإعراب:
الأراجيز: جميع أرجوزة، وهي ما كان من الشعر من بحر الرجز، وقد كان من الشعراء من لا يقول غير الرجز؛ كالعجاج وابنه رؤبة، ومنهم من يقول الشعر لا غير، وآخرون يقولون النوعين. توعدني: تتهددني.
اللؤم: دناءة الأصل وشح النفس. الخور: الضعف. "أبالأراجيز" الهمزة للاستفهام، و"بالأراجيز" متعلق بتوعدني. "يابن اللؤم" منادى ومضاف إليه.
"وفي الأراجيز" خبر مقدم، والواو للحال. "خلت" فعل وفاعل. "اللؤم" مبتدأ مؤخر. "والخور" معطوف على اللؤم، وجملة "خلت" معترضة بين المبتدأ والخبر.
المعنى: أتتهددني بالأراجيز يا دنيء الأصل، ويا وضيع النسب؟ وفي هذه الأراجيز الدناءة والضعف. وقد جعله ابنا للؤم مبالغة في هجائه.
الشاهد: إلغاء "خال"؛ لتوسطها بين المفعولين، فرفعا على المبتدأ والخبر.
وقال:
هما سيدانا يزعمان وإنما
(1)
وإلغاء المتأخر أقوى من إعماله
(2)
، والمتوسط بالعكس
(3)
.
(1)
صدر بيت من الطويل، لأبي أسيدة الدبيري. وعجزه:
يسوداننا إن أيسرت غنماهما
وقبله:
وإن لنا شيخين لا ينفعاننا
…
غنيين لا يجري علينا غناهما
اللغة والإعراب:
يزعمان: يظنان: أيسرت غنماهما: كثرت ألبانها ونسلها. "هما" ضمير منفصل مبتدأ. "سيدانا" خبر ومضاف إليه. "يزعمان" فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والألف فاعل. "وإنما" أداة حصر لا عمل لها. "إن" شرطية. "أيسرت" فعل الشرط. "غنماهما" فاعل أيسرت ومضاف إليه. وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله.
المعنى: إن لنا في قومنا شيخين، طعنا في السن غنيين، لا يعود علينا من غناهما شيء، ومع ذلك يزعمان أنهما سيدانا وصاحبا الأمر فينا.
وإنما يكونان كذلك، ويستحقان اسم السيادة علينا؛ إذا أيسرت غنماهما وأجريا علينا شيئًا مما أنعم الله به عليهما.
الشاهد: إلغاء عمل الفعل "يزعم" في معموليه لتأخره عنهما؛ فرفعا على المبتدأ والخبر.
(2)
وذلك لضعفه بالتأخر، ويشترط لجواز الأمرين: عدم انتفاء العامل، وإلا وجب الإعمال؛ نحو: محمدا مسافرا لم أدر، وكون العامل غير مصدر؛ نحو: على مجد ظني، وألا تدخل على الاسم لام الابتداء؛ نحو: لرأيك ناضج خلت، وإلا وجب الإلغاء في الموضعين. ويرى بعضهم أن الثاني من باب التعليق، وتأخير الفعل مع وجود المعلق، لا يمنع التعليق.
(3)
أي: إن الإعمال أقوى من الإهمال، ومحل هذا إذا لم تتقدم على الاسم لام الابتداء، وإلا وجب الإلغاء. وإذا كان الفعل منفيا تعين الإعمال كما سبق في المتأخر.
وقيل: هما في المتوسط بين المفعولين سواء.
الثالث التعليق: هو إبطال العمل لفظًا لا محلا
(1)
؛ لمجيء ما له صدر الكلام بعده، وهو: لام الابتداء؛ نحو: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ
(2)
مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}. ولام القسم كقوله:
ولقد علمت لتأتين منيتي
(3)
(1)
أي: إن العامل يمنع من العمل الظاهر؛ وهو النصب في لفظ المفعولين أو أحدهما ولكنه في التقدير عامل؛ وذلك بسبب مانع يحول بينه وبين العامل الظاهر. وسمي هذا النوع من العمل تعليقًا؛ لأن العامل متعلق بالمحل ومقدر عمله فيه، وإن بطل عمله في اللفظ؛ بسبب هذا المانع كما سترى. واعلم أن الجملة في حالة التعليق لفظها مرفوع ولكنها في محل نصب؛ فإذا عطفت عليها جاز مراعاة لفظها برفع المعطوف، وجاز نصبه مراعاة لمحلها. أما في حالة الإلغاء فالجملة لا محل لها من الإعراب، ولا يعطف عليها إلا بالرفع تبعا للفظها.
(2)
فاللام في "لمن" للابتداء، و"من" اسم موصول مبتدأ أول، وجملة أول جملة "اشتراه" صلة "ما" ثانية "له" خبر مقدم، "من خلان" مبتدأ ثان مؤخر على زيادة من، والجملة خبر الأول وهو "من" الموصولة، وجملة "من اشتراه" في محل نصب سدت مسد مفعولي "علم"، وقد علق عن العمل في اللفظ بسبب لام الابتداء بعده؛ لأن لها الصدارة فلا يتخطاها عامل، وإلا فقدت صدارتها.
(3)
صدر بيت من الكامل؛ للبيد بن ربيعة من معلقته المشهورة. وعجزه:
إن المنايا لا تطيش سهامها
اللغة والإعراب:
منيتي: المنية: الموت. لا تطيش: لا تخيب ولا تخطئ؛ يقال طاش السهم: إذا لم يصب الهدف. سهامها: جمع سهم. "ولقد" الواو حرف قسم، والمقسم به محذوف، واللام واقعة في جواب القسم، وقد للتحقيق. "علمت" الجملة جواب القسم لا محل لها. "لتأتين" اللام واقعة في جواب قسم آخر مقدر، وتأتين مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة. "منيتي" فاعل. والجملة من الفعل والفاعل سدت مسد مفعولي "علم" المعلق بلام القسم؛ فيكون قد أقسم على العلم، وأقسم على الإتيان.
وقيل: إن لتأتين جواب القسم المذكور. ولا يقدر قسم بعد علمت، واللام في لقد للتوكيد.
المعنى: لقد أيقنت أني سألاقي الموت، وأن منيتي آتية لا محالة؛ لأن الموت مقدر ونازل بكل مخلوق، ولا يفلت منه أحد أبدا.
الشاهد: وقوع "علمت" قبل لام جواب القسم؛ وهي لها الصدارة، فعلقت عن العمل في لفظ الجملة بعدها، وهي في محل نصب سدت مسد المفعولين كما بينا في الإعراب.
و"ما" النافية؛ نحو: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ}
(1)
. و"لا" و"إن" النافيتان في جواب قسم ملفوظ به، أو مقدر
(2)
؛ نحو: علمت والله لا زيد في الدار ولا عمرو، وعلمت إن زيد قائم
(3)
.
والاستفهام، وله صورتان:
إحداهما: أن يعترض حرف الاستفهام بين العامل والجملة؛ نحو: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ}
(4)
(1)
" ما" نافية. "هؤلاء" مبتدأ. "ينطقون" الجملة خبر. والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب سدت مسد مفعولي "علم"، وهي معلقة عنها لفظا بما النافية.
(2)
لأن لها الصدارة حينئذ، ويرى البعض عدم اشتراط القسم قبل كل أداة من الثلاثة؛ لعدم وروده في الأساليب الفصيحة. ولا فرق في الأحرف الثلاثة بين العاملة منها والمهملة؛ فكلها مع الإعمال أو الإهمال صالحة لأن تكون أداة تعليق.
(3)
مثال للقسم المقدر مع "إن"، وما قبله مثال للقسم الملفوظ به مع "لا". وعلى كل فجملة جواب القسم مع الفعل الملفوظ به أو المقدر في محل نصب سدت مسد المفعولين، وقد علق عنها الفعل.
(4)
"إن" نافية. "أدري" فعل مضارع والفاعل أنا. "أقريب" الهمزة للاستفهام، وقريب مبتدأ. "أم بعيد" معطوف عليه. "ما" اسم موصول خبر المبتدأ وما عطف عليه، أو فالع سد مسد الخبر. "توعدون" الجملة صلة والعائد محذوف، ويجوز أن يعرب "قريب" خبرا مقدما، و"ما" مبتدأ مؤخر، وعلى كل فالجملة في موضع نصب. "بأدري"؛ أي: ما أدري جواب هذا السؤال.
والثانية: أن يكون في الجملة اسم استفهام: عمدة كان؛ نحو: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى}
(1)
. أو فضلة؛ نحو: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}
(2)
.
(1)
" أي" اسم استفهام مبتدأ. "الحزبين" مضاف إليه. "أحصى" فعل ماض، والجملة خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب بـ"نعلم" المعلقة بأي الاستفهامية. ومما فيه الاستفهام عمدة: أن يكون خبرا؛ نحو: علمت متى السفر. أو يكون مبتدأ مضافا إلى اسم استفهام؛ نحو: علمت أبو من محمد، أو خبرا كذلك؛ نحو: علمت صبيحة أي يوم سفرك.
(2)
"أي" اسم استفهام مفعول مطلق منصوب بينقلبون، وهو مقدم من تأخير، والأصل: ينقلبون أي منقلب؛ أي: انقلاب، وجملة ينقلبون في محل نصب بيعلم المعلقة بأي. ولا يجوز أن تكون "أي" منصوبة بيعلم؛ لأن الاستفهام له الصدارة، فلا يعمل فيما قبله ما لم يكن حرف جر؛ نحو: عم تسأل؟ وممن أخذت؟ وقد أشار الناظم إلى المعلقات السابقة بقوله:
والتزم التعليق قبل نفي "ما"
و"إن" و"لا" لام ابتداء أو قسم
…
كذا والاستفهام ذا له انحتم*
أي: يجب التعليق؛ إذا وقع بعد الفعل "ما" النافية، أو "إن" النافية، أو "لا" النافية. وكذلك يعلق الفعل إذا وقع بعده لام الابتداء، أو لام القسم، أو الاستفهام وقول الناظم: والاستفهام ذاله انحتم؛ أي: وجب لأجله ذلك وهو التعليق، وقد ذكر بعضهم من المعلقات:"لعل" ويغلب أن تكون أداة تعليق للفعل. "أدري" المبدوء بالهمزة، أو بأي حرف من حروف المضارعة؛ نحو:{وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ} . "ولو" الشرطية؛ كقول الشاعر:
وقد علم الأقوام لو أن حاتما
…
أراد ثراء المال كان له وفر
=
* "والتزم" ماض للمجهول، أو فعل أمر. "قبل" ظرف متعلق بالتزم. "نفي ما" مضاف إليه، وإضافة نفي إلى "ما" من إضافة المدلول إلى الدال؛ أي: التزم التعليق قبل "ما" التي تدل على النفي. "وإن ولا" معطوفان على ما "لام ابتداء" مبتدأ ومضاف إليه. "أو قسم" معطوف على ابتداء. "كذا" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ. "والاستفهام" مبتدأ أول. "ذا" اسم إشارة مبتدأ ثان. "له" متعلق بانحتم، وجملة "انحتم" خبر المبتدأ الثاني، وجملة الثاني وخبره خبر الأول.
ولا يدخل الإلغاء، ولا التعليق في شيء من أفعال التصيير
(1)
، ولا في قلبي جامد
(2)
وهو اثنان: هب وتعلم؛ فإنهما يلزمان الأمر
(3)
، وما عداهما من أفعال الباب متصرف إلا هب، كما مر.
ولتصاريفهن ما لهن
(4)
؛ تقول في الإعمال: أظن زيدا قائما، وأنا ظان زيدا قائمًا، وفي
= و"إن" التي في خبرها أو اسمها المتأخر اللام؛ نحو: علمت إن محمد لمسافر، علمت أن في ذلك لعبرة، ولا يدخل التعليق على "رأي" إذا كانت حلمية، وكذلك لا يصيبها الإلغاء.
هذا: ويرى بعض النحاة جواز التعليق في كل فعل قلبي ولو لم يكن من أفعال هذا الباب. وقد يلحق بأفعال القلوب الناصبة للمفعولين في التعليق أفعال غير قلبية ناصبة لمفعولين؛ نحو: {فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} ، {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ، بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ} ، {يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} ، {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ} ، وأفعال قلبية تنصيب مفعولا واحدا كنسي وعرف، أو لا تنصب شيئا؛ مثل: تفكر.
تنبيه: قال الأشموني: إذا كان الواقع بين المعلق والمعلق غير مضاف؛ نحو: علمت زيدا من هو؟ جاز نصبه وهو الأجود؛ على أنه مفعول أول والجملة بعده مفعول ثان؛ لأنه غير مستفهم به ولا مضاف إلى مستفهم به. وجاز أيضا رفعه؛ لأنه المستفهم عنه في المعنى.
(1)
لأن متناولها الذوات لا الأحداث، وأثرها ظاهر في الغالب، فهي قوية في العمل.
(2)
لضعفه بعدم التصرف، فلا يضم إلى ذلك ضعف آخر بإلغائه أو تعليقه.
(3)
ذهب الكثيرون من النحاة: إلى أن "تعلم" تتصرف، وهو الراجح؛ فقد حكى ابن السكيت: تعلمت أن فلانا خارج. وعلى ذلك يدخلها الإلغاء والتعليق.
(4)
المراد بالتصاريف: المضارع، والأمر، واسم الفاعل، واسم المفعول، والمصدر. ويلاحظ أن المصدر يجب فيه الإلغاء إذا تقدم عليه معمولاه أو أحدهما؛ بأن تأخر أو توسط؛ لأنه لا يعمل فيما قبله، كما تقدم في موضعه. وفيما تقدم يقول الناظم:
وخص بالتعليق والإلغاء ما
…
من قبل "هب" والأمر هب قد ألزما
كذا "تعلم" ولغير الماض من
…
سواهما اجعل كل ما له زكن*
أي: إن الإلغاء والتعليق مختصان بما قبل "هب" في البيتين اللذين ذكرا أول الباب؛ وهي الأفعال القلبية المتصرفة. وذكر الناظم أن "هب، وتعلم" يلزمان الأمرية، وأنه يثبت لغير الماضي من هذه النواسخ -ما عدا هب وتعلم- كل ما علم للماضي من الأحكام؛ من نصب مفعولين، وجواز الإلغاء والتعليق في القلبي.
* "خص" ماض مبني للمجهول، أو افعل أمر. "ما" اسم موصول نائب فاعل على الأول، ومفعول على =
الإلغاء: زيد أظن قائم، وزيد قائم أظن، وزيد أنا ظان قائم، وزيد قائم أنا ظان، وفي التعليق: أظن ما زيد قائم، وأنا ظان ما زيد قائم، وقد تبين مما قدمناه:
أن الفرق بين الإلغاء والتعليق من وجهين:
أحدهما: أن العامل الملغي لا عمل له البتة
(1)
، والعامل المعلق له عمل في المحل
(2)
فيجوز: علمت لزيد قائم، وغير ذلك من أموره بالنصب
(3)
عطفًا على المحل؛ قال:
(1)
أي: مطلقا، لا في اللفظ وفي في المحل.
(2)
أي: في محل الجملة بعده؛ فتكون في محل نصب، بعد أن كان عاملا في لفظ كل من الجزأين، أو في محله.
(3)
أي: بنصب "غير" عطفا على محل جملة "زيد قائم" لأنها في محل نصب على المعفولية "لعلمت". ويجب عند العطف بالنصب على محل الجملة التي علق عنها الناسخ: أن يكون المعطوف: إما جملة اسمية في الأصل؛ نحو: علمت البلاغة لهي الإيجاز، ورأيت الإطالة لهي العجز، وإما مفردا فيه معنى الجملة كمثال المصنف؛ فلا يصح: علمت لمحمود أديب وحامدا، ولا علمت لمحمود أديب وشاعرا. أما نصب "غير" وهو مفرد في المثال فجاز؛ لأنه بمنزلة الجملة؛ لأن معناه: وزيدا متصفا بغير ذلك.
= الثاني "من قبل متعلق بمحذوف صلة ما. "هب" مضاف إليه مقصود لفظه. "والأمر" مفعول ثان مقدم لألزم. "هب" مبتدأ. "قد" حرف تحقيق. "ألزما" ماض للمجهول ونائب الفاعل يعود على هب، وهو المفعول الأول. وجملة "قد ألزما" خبر المبتدأ. "كذا خبر مقدم. "تعلم" مبتدأ مؤخر مقصود لفظه. "ولغير" في موضع المفعول الثاني لأجعل مقدم. "الماض" مضاف إليه. "من سواهما" جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لغير، أو حال منها، وهو مضاف إلى الضمير. "كل" مفعول أول لاجعل. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "له" متعلق بزكن؛ أي: علم، وهو ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل يعود على. "ما"، والجملة صلة.
وما كنت أدري قبل عزة ما البكى
…
ولا موجعات القلب حتى تولت
(1)
والثاني: أن سبب التعليق موجب؛ فلا يجوز: ظننت ما زيدا قائمًا
(2)
، وسبب الإلغاء مجوز
(3)
؛ فيجوز: زيدا ظننت قائمًا، وزيدًا قائما ظننت.
(1)
بيت من الطويل، لكثير بن عبد الرحمن، المشهور بكثير عزة.
اللغة والإعراب:
أدري: أعلم. عزة: اسم امرأة كان الشاعر يحبها ويتغزل فيها حتى عرف بها. موجعات: جمع موجعة؛ أي: مؤلمة. "ما" نافية. "كنت" كان واسمها. "أدري" فعل مضارع والفاعل أنا، والجملة خبر كان. "قبل" ظرف زمان لأدري. "عزة" مضاف إليه ممنوع من الصرف. "ما" اسم استفهام مبتدأ. "البكا" خبر، والجملة في محل نصب سدت مسد مفعولي. "أدري" المعلقة بـ"ما" الاستفهامية. "ولا" زائدة لتأكيد النفي. "موجعات" معطوف على محل "ما البكا" منصوب بالكسرة؛ لأنه جمع مؤنث سالم "حتى" حرف غاية.
المعنى: ما كنت أعلم قبل أن أعرف عزة وأهواها؛ أي شيء هو البكا؟ لأنه لم يخطر ببالي، وما كنت أعرف الأمور المؤلمة؛ لأني كنت مرتاح الخاطر، حتى ذهبت وفارقتني.
الشاهد: تعليق الفعل؛ وهو "أدري" عن العمل في لفظ ما بعده النصب؛ لأن المبتدأ اسم استفهام، واسم الاستفهام لا يجوز أن يعمل فيه ما قبله؛ لأن رتبته التصدير، وقد عمل النصب في محل الجملة بدليل عطف "موجعات" المنصوب عليها. وقيل: إن الواو في "ولا موجعات" للحال، و"لا" نافية للجنس" و"موجعات" اسمها، والخبر محذوف، أو "ما" في "ما البكا" زائدة، و"البكا" مفعول، والأصل: لا أدري البكا، ولا أدري موجعات القلب، فيكون من عطف الجمل. ولا شاهد فيه على الوجهين.
(2)
إذا كانت أداة التعليق في المفعول الثاني وحده؛ نحو: علمت المخلص من هو وظننت المخبر أخو من هو؟ يجوز نصب الكلمة السابقة؛ لأن الناسخ سلط عليها من غير مانع. ويجوز رفعها؛ لأنها هي وما بعد الاستفهام شيء واحد في المعنى؛ فالتعليق هنا جائز لا واجب.
(3)
هناك بعض حالات يجب فيها الإعمال، وأخرى يجب فيها الإهمال. فيجب الإعمال: إذا كان الناسخ منفيا، سواء كان متأخرا عن المفعولين، أم متوسطا بينهما؛ نحو: شتاء باردا لم أظن، شتاء لم أظن باردا. ويجب الإهمال، إذا كان العامل مصدرا متأخرا؛ نحو: المطر قليل، ظني غالب؛ لأن المصدر المتأخر لا يعمل في شيء متقدم عليه، وكذلك إذا كان في المفعول المتقدم لام ابتداء أو غيرها من ألفاظ التعليق؛ نحو: لمحمد مكافح ظننت. أو إذا وقع الناسخ بين اسم إن وخبرها؛ نحو: إن التردد -حسبت- مضيعة.
ولا يجوز إلغاء العامل المتقدم
(1)
خلافًا للكوفيين والأخفش، واستدلوا بقوله:
أني وجدت ملاك الشيمة الأدب
(2)
وقوله:
وما إخال لدينا منك تنويل
(3)
(1)
هذا مذهب البصريين، وعليه جرى ابن مالك، ومن الفروق بين الإلغاء والتعليق أن الإلغاء يؤثر في المفعولين معا، أما التعليق فقد يكون أثره على المفعولين أو على أحدهما، والإلغاء لا يجوز في توابعه إلا مراعاة الناحية الظاهرة. أما التعليق فيجوز في توابعه: مراعاة الناحية اللفظية، والناحية المحلية كما سبق.
(2)
عجز بيت من البسيط، ينسب لبعض شعراء بني فزارة، ولم يعينه النحاة. وصدره:
كذاك أدبت حتى صار من خلقي
اللغة والإعراب:
كذلك اسم الإشارة يراد به مصدر الفعل المذكور بعده؛ أي: تأديبًا؛ مثل ذلك التأديب، المعبر عنه في قوله قبل:
أكنيه حين أناديه لأكرمه
…
ولا ألقبه والسوأة اللقب
ملاك الشيء: قوامه الذي يملك به. الشيمة: الخلق، والجمع شيم. "كذاك" متعلق بمحذوف صفة لموصوف واقع مفعولًا مطلقا لأدبت كما بينا، والكاف اسم بمعنى مثل. "حتى" ابتدائية "صار" فعل ناقص. "من خلقي" جار ومجرور خبر صار مقدم. "أني وجدت" المصدر المكون من أن واسمها وخبرها اسمها مؤخر. "ملاك الشيمة" مبتدأ ومضاف إليه. "الأدب" خبر.
المعنى: أدبت أدبا مثل ذلك الأدب العظيم، حتى صار من شيمتي وطبيعي، الإيمان بأن رأس الأخلاق، وملاك الفضائل الإنسانية هو الأدب.
الشاهد: إلغاء "وجد" مع تقدمه على مذهب الكوفيين، ويؤوله البصريون كما بين المصنف، ورأي الكوفيين أسلم.
(3)
عجز بيت من البسيط، لكعب بن زهير بن أبي سلمى، من قصيدته "بانت سعاد" في مدح=
وأجيب بأن ذلك محتمل لثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون من التعليق بلام الابتداء المقدرة، والأصل: لملاك، وللدينا، ثم حذفت، وبقي التعليق
(1)
.
والثاني: أن يكون من الإلغاء؛ لأن التوسط المبيح للإلغاء ليس التوسط بين المعمولين فقط، بل توسط العامل في الكلام مقتض أيضًا
(2)
. نعم: الإلغاء للمتوسط بين المعمولين أقوى، والعامل هنا قد سبق بـ"أني" وبـ"ما" النافية. ونظيره: متى ظننت زيدًا قائمًا؛ فيجوز فيه الإلغاء.
والثالث: أن يكون من الإعمال، على أن المفعول الأول محذوف وهو ضمير الشأن
(3)
والأصل: "وجدته" و"إخاله" كما حذف في قولهم: "إن بك زيد مأخوذ".
= رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدره:
أرجو وآمل أن تدنو مودتها
اللغة والإعراب:
تدنو: تقرب. تنويل: إعطاء "تدنو" فعل مضارع منصوب بفتحة مقدرة منع ظهورها السكون العارض للشعر. "مودتها" فاعل تدنو ومضاف إليه والهاء عائدة على محبوبته سعاد، و"ما" نافية. "إخال" فعل مضارع والفاعل أنا. "لدينا" ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم ومضاف إليه. "منك" حال من ضمير الخبر. "تنويل" مبتدأ مؤخر، وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب مفعول ثان. "لإخال" والمفعول الأول ضمير شأن محذوف.
المعنى: أرجو وأؤمل قرب الصلة والمودة من سعاد، وما أظن عطاء ولا برا يصل لي منها.
الشاهد: إلغاء "إخال" مع تقدمه على مذهب المصنف والكوفيين.
(1)
أي: كما كان مع وجود المعلق، ويكون هذا مما نسخ لفظه وبقي حكمه.
(2)
وهنا: "وجدت" في البيت الأول، و"إخال" في البيت الثاني، متوسطتان في الكلام، كما بين المصنف.
(3)
وإلى هذا الوجه والذي قبله أشار الناظم بقوله: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
وجوز الإلغاء لا في الابتدا
…
وانو ضمير الشأن أو لام ابتدا
في موهم إلغاء ما تقدما .... . . . . . . . . . .
أي: إن الإلغاء أمر جائز، ولا يقع إذا كان الناسخ في ابتداء جملته؛ أي: متقدما على مفعوليه، وإذا ورد من الأمثلة العربية ما يوهم أن الناسخ المتقدم قد ألغى عمله، فقدر خبر الشأن ليكون المفعول الأول، والجملة بعده في موضع المفعول الثاني، أو قدر لام الابتداء؛ ليكون الكلام من باب التعليق لا من باب الإلغاء.
والوجه الأول أولى من الأخيرين؛ لأن حذف اللام معهود في الجملة.
تنبيه: تختص الأفعال القلبية المتصرفة علاوة على التعليق والإلغاء بما يأتي:
أ- جواز أن يسد المصدر المؤول من "أن" وما دخلت عليه، أو "أن" المصدرية وما دخلت عليه، مسد المفعولين ويغني عنهما، وإن كانا في تقدير المفرد؛ لتضمنهما معنى المسند والمسند إليه.
ب- جواز وقوع فاعلها ومفعولها الأول ضميرين متصلين، متحدين في المعنى، بأن يكون مدلولهما واحدا؛ نحو:{أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} ففاعل "رأى" ضمير مستتر وهو نوع من المتصل، ومفعوله الأول "الهاء" والضميران متحدان في المعنى؛ لأن مدلولهما واحد وهو الغائب. ويلحق بها في ذلك "رأى" البصرية الحلمية. ولا يجوز ذلك في الأفعال الباقية. فلا يجوز ضربتني. وإذا ورد ما يوهمه وجب تقدير "نفس"؛ نحو:{وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} أي: إلى نفسك.
جـ- جواز تنوع المفعول الثاني؛ نظرا لأنه خبر في الأصل، فهو ينقسم إلى ما ينقسم إليه الخبر: من مفرد، وجملة، وشبه جملة. مثال المفرد: زعمت النفاق مزريا بصاحبه؛ ومثال الجملة: أرى الفضل يعرفه ذووه، وشبه الجملة: جعلت الكتاب معك، أرى السعادة في عمل البر.
* "لا" حرف عطف. "في الابتدا" جار ومجرور معطوف على محذوف؛ أي: جوز الإلغاء في حال توسط العامل أو تأخره، لا في حال الابتدا به. "أو لام" معطوف على ضمير. "ابتدا" مضاف إليه. وقصر للضرورة. "في موهم" متعلق بانو. "إلغاء" مفعول موهم؛ لأنه اسم فاعل وفاعله مستتر فيه. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "تقدما" الجملة صلة الموصول والألف للإطلاق.
فصل: ويجوز بالإجماع: حذف المفعولين اختصارًا
(1)
؛ أي: لدليل؛ نحو: {أَيْنَ شُرَكَائِي الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ}
(2)
.
وقوله:
بأي كتاب أم بأية سنة
…
ترى حبهم عارا علي وتحسب
(3)
أي: تزعمونهم شركائي
(4)
، وتحسبه عارًا علي.
وأما حذفهما اقتصارًا؛ أي: لغير دليل؛ فعن سيبويه والأخفش المنع مطلقًا
(5)
واختاره
(1)
المراد بالحذف اختصارًا: حذف ما يمكن الاستغناء عنه من الألفاظ؛ لداع يقتضيه، وهو جائز؛ بشرط وجود دليل يدل على المحذوف، وألا يترتب على الحذف فساد في المعنى، أو في الصياغة اللفظية.
(2)
فحذف مفعولا "تزعمون" لدليل ما قبلهما عليهما، كما بين المصنف.
(3)
بيت من الطويل؛ للكميت بن زيد، من قصيدة يمدح فيها آل البيت، ومطلعها:
طربت وما شوقًا إلى البيض أطرب
…
ولا لعبًا مني وذو الشيب يلعب
اللغة والإعراب:
ترى حبهم: رأى هنا، من الرأي بمعنى الاعتقاد، ويجوز أن تكون علمية. عارا: ألعار: كل خصلة يلحقك بسببها عيب ومذمة؛ تقول: عيرته كذا، ولا تقول عيرته بكذا. وتحسب، أي: تظن؛ من الحسبان. "بأي كتاب" متعلق بترى، ومضاف إليه "أم" عاطفة. حبهم "مفعول أول لترى، ومضاف إليه. "عارا" مفعول ثان. "وتحسب" معطوف على ترى، والواو بمعنى "أو" ومفعولا تحسب محذوفان؛ لدلالة مفعولي "ترى" عليهما.
المعنى: يا من يعيب علي حب آل بيت الرسول، بأي كتاب تسترشد؟ أم بأية سنة ترى محبتي لهم منقصة ومذمة؟ أو تظن ذلك؟
الشاهد: حذف مفعولي "تحسب"، لدلالة سابق الكلام عليهما؛ كما بين المصنف.
(4)
كان الأولى أن يقول تزعمون أنهم شركائي؛ جريا على الأكثر من تعدى "يزعم" إلى أن وصلتها، ولكنه عدل عن ذلك؛ لأن الكلام في حذف المفعولين معا، لا في حذف ما يسد مسدهما وإن كانا بمنزلة واحدة.
(5)
أي: في أفعال العلم وأفعال الظن، كما يؤخذ من تفصيل الأعلم الآتي؛ وعلة المنع: ذهاب الفائدة بحذفهما، وأيضا فإن هذه الأفعال -لإفادتها التحقيق- تجاب بما يجاب به القسم، وجواب القسم لا يحذف، فكذلك ما هو بمنزلته.
الناظم: وعن الأكثرين الإجازة مطلقا؛ لقوله -تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}
(1)
، {فَهُوَ يَرَى}
(2)
، {وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ}
(3)
. وقولهم: من يسمع يخل
(4)
. وعن الأعلم
(5)
: يجوز في أفعال الظن دون أفعال العلم
(6)
.
ويمتنع بالإجماع حذف أحدهما اقتصارًا
(7)
(1)
قيل؛ التقدير: يعلم الأشياء كائنة، أو نحو ذلك.
(2)
التقدير: يرى ما يعتقد حقا. وقيل: إن الحذف في هذه الآية لدليل؛ لأن قوله -تعالى: {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ} ؛ يشعر بالمفعولين.
(3)
أي: ظننتم انقلاب الرسول والمؤمنين إلى أهليهم منتفيا أبدا، فحذف ما يسد مسد المفعولين "ظن السوء" مفعول مطلق مفيد للنوع. والحق أن الحذف هنا اختصارا؛ لوجود دليل؛ لأن قوله -تعالى:{بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ} يشعر بمفعولين، أو بما يسد مسدهما؛ وهو: أن لن ينقلب
…
إلخ.
(4)
أي: يظن مسموعه حقا. وجعله جماعة منهم الرضي، من الحذف لدليل؛ لدلالة "يسمع" على المفعول الأول، وحال التخاطب على المفعول الثاني.
(5)
هو يوسف بن سليمان بن عيسى النحوي الشنتمري، المعروف بالأعلم. كان عالما بالعربية واللغة ومعاني الأشعار، حافظا لها. مشهورا بضبطها وإتقانها، رحل إلى قرطبة، وأخذ عن علمائها، وصارت إليه الرحلة في زمانه. ومات سنة 476 هـ.
(6)
حجته: كثرة السماع في الأولى دون الثانية.
(7)
أي: بغير دليل؛ وذلك لأن المفعولين هنا أصلهما المبتدأ والخبر؛ فكما لا يجوز الإتيان بمبتدأ دون خبر، والعكس قبل دخول الناسخ، فكذلك الشأن بعد دخوله. ولأنك إذا قلت: علمت محمدا فاضلا مثلا؛ فالتقدير: علمت فضل محمد؛ لأن المقصود العلم بالصفة، والموصوف ذريعة إلى ذلك، فالمفعول في الحقيقة جملة الفعلين، وحذف أحدهما؛ كحذف جزء الكلمة، وذلك قليل أو ممنوع.
وإلى امتناع حذف المفعولين أو أحدهما اقتصارا، أشار الناظم في إيجاز بقوله:
ولا تجز هنا بلا دليل
…
سقوط مفعولين أو مفعول
أي: لا تجز في هذا الباب سقوط مفعولين؛ أي: حذفهما، أو مفعول، بدون دليل يدل على المحذوف.
وأما اختصارًا؛ فمنعه ابن ملكون
(1)
وأجازه الجمهور
(2)
.
كقوله:
ولقد نزلت فلا تظني غيره
…
مني بمنزلة المحب المكرم
(3)
(1)
حجته هو ومن تابعه: أنه أحد جزأي الجملة. وابن ملكون هو: أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن منذر بن ملكون، الحضرمي الإشبيلي، من المغاربة، كان أستاذًا نحويا جليلًا، روى عن أبي الحسن شريح، وروى عنه ابن خروف والشلوبين. وألف شرح الحماسة، والنكت على تبصرة الصيمري، وغير ذلك، وتوفي سنة 584 هـ.
(2)
لأن المحذوف لدليل؛ كالمذكور.
(3)
بيت من الكامل، لعنترة بن شداد، من معلقته المشهورة التي مطلعها:
هل غادر الشعراء من متردم
…
أم هل عرفت الدار بعد توهم
اللغة والإعراب:
غادر: ترك. متردم: مستصلح؛ من ردمت الشيء؛ إذا أصلحته؛ يريد: هل ترك الشعراء لأحد معنى لم يتناولوه؟ توهم: إنكار وظن. المحب: المحبوب. "ولقد" الواو للقسم، واللام مؤكدة له، وقد للتحقيق. "نزلت" الجملة جواب القسم المحذوف. "فلا" الفاء للتفريع، ولا ناهية. "غيره" مفعول أول لتظن، ومضاف إليه، والهاء عائدة على النزول المفهوم من نزلت، والمفعول الثاني محذوف؛ لدلالة الكلام عليه؛ أي: حاصلا مثلا. "مني بمنزلة" متعلقان بنزلت، وقوله:"فلا تظني غيره" كلام معترض بين المجرور ومتعلقه.
المعنى: لقد نزلت -أيتها المحبوبة- من قلبي بمنزلة الشيء المحبوب المكرم؛ فلا تظني شيئا غير ذلك واقعا. وهذا مثال لحذف المفعول الثاني. ومثال ما حذف فيه الأول؛ قوله -تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ} ؛ أي: لا يحسبن ما يبخلون به خيرا. فـ"خيرا" مفعول ثان، و"هو" ضمير فصل.
الشاهد: حذف مفعول ظن الثاني اختصارًا؛ وذلك جائز عند جمهرة النحاة، خلافا لابن ملكون.
* "تجز" مضارع مجزوم بلا الناهية. "هنا" ظرف مكان متعلق بتجز. "بلا" اسم بمعنى "غير"، ظهر إعرابه على ما بعده، مجرور محلا بالباء، وهو متعلق بتجز. "دليل" مضاف إليه. "سقوط" مفعول تجز. "مفعولين" مضاف إليه. "أو مفعول" معطوف على مفعولين.
فصل: تحكى الجملة الفعلية بعد القول
(1)
، وكذا الاسمية.
وسليم
(2)
يعملونه فيها
(3)
عمل "ظن" مطلقًا
(4)
، وعليه يروى قوله:
تقول هزيز الريح مرت بأثاب
(5)
(1)
هذا بإجماع العرب. أما الاسمية، فعند البعض. وتكون الجملة في موضع نصب على المفعولية للقول.
هذا: والجملة المحكية قد تذكر بلفظها؛ كما سمعت، وكما جرت على لسان الناطق بها، وقد تذكر بمعناها، لا بألفاظها، مع مراعاة الدقة في المعنى، "إلا إذا كان هنالك ما يقتضي التمسك بنصها الحرفي، لداع ديني أو قضائي مثلا". وإذا كان بالجملة المحكية خطأ لغوي أو نحوي، وجب حكايتها بالمعنى، للتخلص مما بها من خطأ؛ إلا إذا قصد إبراز هذا الخطأ لسبب ما.
وإذا وقع بعد القول مفرد؛ سواء كان مدلوله لفظا؛ نحو: قلت كلمة أو لفظا، أو كان في معنى الجملة؛ نحو: قلت قصيدة، أو محاضرة؛ نصب على أنه مفعول به للقول. وإن أريد بالمفرد نفس اللفظ المحض؛ وجب حكايته ورعاية إعرابه، نحو: قال فلان "محمد"، إذا تكلم بمحمد مرفوعا.
(2)
اسم لقبيلة من قيس عيلان، رأسها سليم بن عكرمة، والأخرى من جذام باليمن.
(3)
أي: في الجملة الاسمية.
(4)
أي: بلا شرط من الشروط الآتية. وهل يعملونه باقيا على معناه؛ أو يضمن معنى الظن؟ أو يكون معناه الاعتقاد؛ علما كان أو ظنا؟ أقوال.
(5)
عجز بيت من الطويل، لامرئ القيس بن حجر الكندي، يصف فرسا بسرعة العدو، وصدره: =
بالنصب، وقوله:
إذا قلت أني آيب أهل بلدة
(1)
بالفتح
(2)
. وغيرهم يشترط شروطا؛ وهي:
=
إذا ما جرى شأوين وابتل عطفه
اللغة والإعراب:
شأوين: تثنية شأو؛ وهو الشوط والطلق. عطفه: جانبه. هزيز الريح: دويها عند هبوبها. أثأب: اسم جنس جمعي، واحده أثأبة؛ وهي نوع من الشجر. "ما" زائدة "شأوين" مفعول مطلق، نائب عن المصدر. "هزيز الريح" مفعول أول لتقول، ومضاف إليه. "مرت بأثأب" الجملة في محل نصب مفعول ثان لتقول.
المعنى: إذا جرى هذا الفرس شوطين، وحمي السبق وعرق، تظنه -لخفته وسرعة جريه- ريحا هبت على تلك الأشجار، فلعبت بها.
الشاهد: استعمال "تقول" بمعنى "تظن"، ونصبه مفعولين - من غير قيد- على لغة سليم.
(1)
صدر بيت من الطويل، للحطيئة، يصف بعيره بالسرعة، وعجزه:
وضعت بها عنه الولية بالهجر
اللغة والإعراب:
قلت: معناها هنا ظننت. آيب: راجع؛ اسم فاعل من آب يئوب، إذا رجع، والعادة أن يرجع الإنسان من عمله آخر النهار، وفي أول الليل، وهذا هو المراد هنا. الولية: البرذعة، توضع تحت الرحل، أو ما يوضع تحتها. بالهجر: تصف النهار عند اشتداد الحر؛ وأصله بتحريك الجيم، وسكنت للضرورة. "إذا" شرطية. "قلت" فعل الشرط "آيب" خبر أني. "أهل بلدة" مفعول آيب ومضاف إليه، وأن ومعمولاها سدت مسد مفعولي قلت. "وضعت" جواب إذا. "بها" متعلق به، والباء بمعنى "في"، والضمير يعود إلى البلدة. "عنه" متعلق بوضعت، والضمير عائد على البعير.
المعنى: إذا قدرت وظننت أني أصل بلدة آخر النهار؛ لبعد المسافة، أتيتها نصف النهار، عند اشتداد الحر؛ وذلك لسرعة بعيري ونجابته.
الشاهد: إجراء "قلت" مجرى ظننت، ولم تحك به الجملة بعده، وإلا لكسر همزة "إن".
(2)
أي: بفتح همزة "أني"، على أنها، مع معموليها، سدت مسد مفعولي "قلت"؛ كما أسلفنا.
وإلى مذهب سليم في القول، يشير الناظم بقوله:
وأجري القول كظن مطلقا
…
عند سليم نحو قل ذا مشفقا
أي: إن قبيلة سليم، تجري القول مجرى الظن في المعنى، وفي نصب المفعولين من غير اشتراط شيء؛ أي: سواء أكان مضارعا أم غير مضارع؛ وجدت فيه الشروط المذكورة بعد، أم لم توجد؛ وذلك نحو:"قل ذا مشفقا"، فـ"ذا" مفعول أول، و"مشفقا" مفعول ثان.
كونه مضارعا
(1)
، وسوى به السيرافي:"قلت" بالخطاب، والكوفي "قل"
(2)
. وإسناده للمخاطب
(3)
. وكونه حالًا
(4)
قاله الناظم، ورد بقوله:
فمتى تقول الدار تجمعنا
(5)
(1)
فالماضي، والأمر، والمصدر، والوصف، لا يعمل شيئا منها عمل "ظن".
(2)
فيجوز على قولهما: إعمال الماضي المسند إلى ضمير المخاطب؛ تقول: أقلت محمدا مسافرا؟ على الإعمال. وإعمال فعل الأمر؛ لأنه مسند إلى ضمير المخاطب كذلك؛ تقول: قل محمدا مسافرا.
(3)
أي: بأنواعه المختلفة؛ المفرد وغير المفرد، والمذكر والمؤنث؛ فلا يجوز إعمال المضارع المسند إلى ضمير متكلم أو غائب؛ لا تقل: أقول محمدا مجدا، ولا: يقول أخي محمدا مهملا.
(4)
أي: دالا على الزمن الحاضر؛ وعليه فيشترط في الاستفهام ألا يكون بهل؛ لأنها تخص المضارع للاستقبال، ولم يشترط هذا بعض النحاة؛ ورأيه حسن.
(5)
عجز بيت من الكامل، لعمر بن أبي ربيعة المخزومي، وهو من شواهد سيبويه. وصدره:
أما الرحيل فدون بعد غد
اللغة والإعراب:
الرحيل: الارتحال ومفارقة ديار الأحبة. دون بعد غد، أي: قبل بعد غد، وهذا يصدق باليوم وبالغد. "أما" حرف شرط وتفصيل. "الرحيل" مبتدأ. "فبدون" خبر. "بعد غد" مضاف إليه. "متى" ظرف متعلق بتقول، وهو استفهام عن وقت القول "الدار" مفعول أول لتقول. "تجمعنا" الجملة في موضع المفعول الثاني. =
* "القول" نائب فاعل أجري. "كظن" متعلق بمحذوف حال من القول. "مطلقا" حال ثان منه. "عند سليم" ظرف ومضاف إليه متعلق بأجري. "نحو" خبر لمبتدأ محذوف. "قل" فعل أمر، والفاعل أنت، "ذا مشفقا" مفعولان أول وثان لقل.
والحق أن "متى" ظرف لتجمعنا، لا لتقول
(1)
. وكونه بعد استفهام
(2)
بحرف أو باسم؛ سمع الكسائي: "أتقول للعميان عقلًا؟ "
(3)
وقال:
علام تقول الرمح يثقل عاتقي
(4)
= المعنى: إن فراق الأحبة، ورحيلهم عنا سيكون اليوم أو غدا؛ فمتى تظن الدار تجمع شملنا بعد هذا الفراق؟.
الشاهد: عمل "تقول" بمعنى "تظن"؛ ونصبها مفعولين، مع أنها ليست للزمان الحاضر، بل هي للمستقبل؛ لأنه لم يستفهم عن ظنه في الحال، أن الدار تجمعه مع أحبابه، بل الاستفهام عن وقوع ظنه. وهذا يقتضي ألا يكون واقعا في الحال، وإلا لم يستفهم عن وقته. والحق اشتراط كون "تقول" بمعنى تظن، للزمان الحاضر؛ كما ذهب إليه ابن مالك.
(1)
أي: فيكون استفهاما عن وقت الجمع بينه، وبين الأحبة في المستقبل، وهذا لا ينافي وقوع القول حالا.
(2)
سواء أكان المستفهم عنه الفعل، أم بعض معمولاته، كما في البيت الآتي: علام تقول الرمح
…
إلخ؛ فإن الاستفهام عن سبب القول، لا عنه.
(3)
قول لبعض العرب. "للعميان" مفعول ثان مقدم لتقول. "عقلا" مفعول أول، وقد عملت "تقول" بعد حرف الاستفهام.
(4)
صدر بيت من الطويل، لعمرو بن معد يكرب الزبيدي. وعجزه:
إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت
اللغة والإعراب:
تقول: تظن. عاتقي: كاهلي؛ وهو ما بين المنكب والعنق. أطعن: أضرب؛ من طعن بالرمح يطعن؛ من باب منع أو نصر. أما طعن فلان على فلان في نسبه مثلا؛ فمن باب فتح. "علام" على: حرف جر، و"ما" اسم استفهام مجرور بعلى، حذفت ألفها، كما تحذف مع أي جار؛ كقوله -تعالى:{فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} ، {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} ، {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} للفرق بينها وبين الموصولية. "الرمح" مفعول أول لتقول. "يثقل عاتقي" الجملة في موضع المفعول له. "إذا" الأولى ظرف ليثقل، والثانية لقوله "لم أطعن" وهما داخلان على فعل محذوف، يفسره المذكور.
المعنى: على أي شيء، وبأي حجة تظن الرمح يثقل كاهلي، وأحمل السلاح، إذا أنا لم أطعن برمحي، ولم أقاتل بسيفي الأعداء عند كر الخيل، واحتدام القتال؟ يريد أنه إنما يتكلف مئونة حمل السلاح؛ ليقاتل أعداءه، وينال من خصومه.
الشاهد: استعمال "تقول" بمعنى "تظن"، ونصبه مفعولين بعد الاستفهام بالاسم.
قال سيبويه والأخفش: وكونهما متصلين
(1)
؛ فلو قلت: أأنت تقول؟ فالحكاية
(2)
، وخولفا
(3)
. فإن قدرت الضمير فاعلًا بمحذوف، والنصب بذلك المحذوف جاز اتفاقًا. واغتفر الجميع الفصل بظرف، أو مجرور، أو معمول القول
(4)
؛ كقوله:
أبعد بعد تقول الدار جامعة
(5)
(1)
أي: لا يفصل بين الاستفهام والمضارع فاصل. ومن النحاة من يشترط عدم الفصل.
(2)
أي: إذا قلت: أأنت تقول محمد مسافر، مثلا، فيتعين الرفع على الحكاية إذا جعل الضمير مبتدأ.
(3)
أي: خالفهما الكوفيون والبصريون. فأجازوا النصب، ولم يعتدوا بالضمير فاصلا.
(4)
سواء كان المعمول مفعولا، أو حالا، أو غيرهما. ويجوز الفصل بأكثر من واحد مما ذكر.
(5)
صدر بيت من البسيط، لم نقف له على قائل، وعجزه:
شملي بهم أم تقول البعد محتوما
اللغة والإعراب:
جامعة: اسم فاعل جمع؛ والجمع ضد التفريق. شملي: مصدر شملهم الأمر؛ إذا عمهم، ويطلق الشمل على العذق من النخلة، وعلى الاجتماع؛ يقال: فرق شملهم؛ أي: ما اجتمع من أمرهم، وجمع الله شملهم؛ أي: ما تفرق منه. محتوما، أي: واجبا؛ وهو اسم مفعول من حتم الأمر، أوجبه. "أبعد" الهمزة للاستفهام، و"بعد" ظرف زمان متعلق بجامعة أو بتقول. "بعد" مضاف إليه. "الدار" مفعول أول لتقول. "جامعة" مفعول ثان. "شملي" مفعول أول لتقول الثاني. "محتوما" مفعوله الثاني.
المعنى: أبعد التفرق والتنائي بيننا، تظن الدار تجمع شملنا ثانية؟ ونلتقي بعد ذلك؟ أم تظن البعد أصبح أمرا مقضيا به علينا إلى الأبد؟
الشاهد: إجراء القول مجرى الظن في شطري البيت، ونصبه مفعولين، والأول مفصول من الاستفهام بالظرف، والثاني متصل بالاستفهام بأم. ومثال الفصل بالجار والمجرور: أفي الدار تقول زيدا مريضًا.
وقوله:
أجهالًا تقول بني لؤي؟
(1)
(1)
صدر بيت من الوافر، للكميت بن زيد الأسدي، يمدح مضر، ويفضلهم على أهل اليمن، وعجزه:
لعمر أبيك أم متجاهلينا
اللغة والإعراب:
أجهالًا: جمع جاهل. بنو لؤي: يراد بهم جمهور قريش وعامتهم؛ لأنهم ينسبون إلى لؤي بن غالب. لعمر أبيك: لحياته وبقاؤه. متجاهلينا، المتجاهل: الذي يتصنع الجهل، ويتكلفه وليس بجاهل. "أجهالًا" الهمزة للاستفهام، و"جهالًا" مفعول ثان مقدم لتقول. "بني لؤي" مفعول أول ومضاف إليه. "لعمر" اللام للابتداء، و"عمر" مبتدأ. "أبيك" مضاف إليه. والخبر محذوف وجوبا تقديره قسمي؛ والجملة معترضة. "أم" عاطفة معادلة للهمزة. "متجاهلينا" معطوف على جهالا.
المعنى: أخبرني -وحياة أبيك- أتظن بني لؤي جهالا، حين استعملوا أهل اليمن على أعمالهم؟ وقدموهم على بني مضر، مع فضلهم عليهم؟ أم هم عالمون بالحقيقة، ومقدرون النتائج، ولكنهم يتصنعون الجهل؛ لحاجة في أنفسهم؟.
الشاهد: إعمال "تقول" عمل "تظن"، ونصبه مفعولين. وقد فصل بين همزة الاستفهام، والفعل بفاصل وهو "جهالا"، واغتفر الفصل؛ لأن الفاصل معمول للفعل، إذ هو مفعول ثان له كما عرفت في الإعراب.
الخلاصة: أن القول إذا كان بمعنى الظن، واستوفى الشروط التي ذكرت، نصب مفعولين؛ فإن اختل شرط من هذه الشروط، لم يكن بمعنى الظن، وإنما يكون بمعنى النطق والتلفظ، فينصب مفعولا واحدا فقط. وهل يلحق به -إذا كان معناه النطق والتلفظ- ما يؤدي معناه من كلما؛ مثل: أوحيت، ناديت، دعوت؟ رأيان. والأنسب الجواز ما دام المعنى واضحا.
قال -تعالى: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ} ، {لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} ، {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} ، {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} ، ولا داعي للتأويل في هذه الآيات بتقدير قول. وفي القول وشروطه يقول ابن مالك:
و"كتظن اجعل""تقول" إن ولي
…
مستفهما به ولم ينفصل
=
قال السهيلي
(1)
: وأن لا يتعدى باللام
(2)
؛ نحو: "تقول لزيد عمرو منطلق".
=
بغير ظرف وكظرف أو عمل
…
وإن ببعض ذي فصلت يحتمل*
أي: اجعل "تقول" المضارع للمخاطب؛ مثل "تظن" في المعنى والعمل، إن ولى هذا المضارع مستفهما به؛ أي: جاء بعد أداة يستفهم بها، ولم ينفصل ذلك المضارع، وهو "تقول" عن أداة الاستفهام بفاصل، غير الظرف، أو ما يشبهه؛ وهو الجار والمجرور، أو أي شيء آخر يكون معمولا للفعل. أما الفصل بشيء من هذه فجائز. وقد سبقت الأمثلة لذلك كله.
(1)
هو أبو القاسم؛ عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي الأندلسي المالقي. كان عالما بالعربية واللغة والقراءات، بارعا في ذلك كله، جامعا بين الرواية والدراية. نحويا مقدما، واسع المعرفة، غزير العلم، نبيها ذكيا، تصدر للإقراء والتدريس حتى بعد صيته. روى عن ابن العربي، وأبي طاهر، وابن الطراوة. وروى عنه الرندي، وأبو الحسن الغافقي. وكف بصره وهو ابن سبع عشرة سنة. واستدعي إلى مراكش، ونال فيها حظوة عظيمة. وصنف "الروض الأنف" في شرح السيرة النبوية. و"التعريف والإعلام بما في القرآن من الأسماء والأعلام" وله بحث في رؤية الله، والنبي في المنام. وكان شاعرا مجيدا؛ ومن شعره الأبيات المشهورة التي أولها:
يا من يرى ما في الضمير ويسمع
…
أنت المعد لكل ما يتوقع
يا من يرجى للشدائد كلها
…
يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائن رزقه في قول "كن"
…
امنن فإن الخير عندك أجمع
قيل: إنه ما قرأ أحد هذه الأبيات، ودعا الله تعالى عقبها بشيء؛ إلا استجيب له. وتوفي السهيلي بمراكش، سنة 851 هـ.
(2)
أي: يشترط في المضارع: ألا يتعدى باللام؛ لأنها تبعده عن معنى الظن، ويصبح قولا مسموعا. وقد علمت أن مذهب الجمهور: أن القول إذا عمل عمل الظن، يجري مجراه في المعنى أيضا.
* "وكتظن" جار ومجرور مفعول ثان لاجعل. "تقول" مفعول أول له مقصود لفظه. "إن" شرطية. "ولي" فعل الشرط. مستفهما" مفعول ولي. "به" نائب فاعل لمستفهم. "ينفصل" مجزوم بلم وحرك للروي، وفاعله يعود إلى تقول، والجملة حال. "بغير" جار ومجرور متعلق بينفصل. "ظرف" مضاف إليه. "أو كظرف" معطوف على غير، والكاف اسم بمعنى مثل. "أو عمل" معطوف على غير. "وإن" شرطية. "ببعض" متعلق بفصلت. "ذي" اسم إشارة مضاف إليه. "فصلت" الجملة فعل الشرط. "يحتمل" فعل مضارع للمجهول، ونائب فاعله يعود إلى الفصل المفهوم من فصلت، وهو مجزوم؛ لأنه جواب الشرط.
وتجوز الحكاية مع استيفاء الشروط
(1)
؛ نحو: "أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ" الآية، في قراءة الخطاب. وروي: علام تقول الرمح، بالرفع.
(1)
وحينئذ يكون بمعنى النطلق والتلفظ، لا بمعنى الظن، وتكون الجملة بعده في محل نصب سدت مسد المفعول به.
ومن هنا يتبين: أن استيفاء الشروط ليس موجبا لتنزيله منزلة الظن، وإنما يجيز ذلك فقط. أما جريانه مجرى الظن، فيوجب تحقق الشروط المذكورة كلها.
تنبيهات:
ضض 1 ليس بلازم أن يكون المفعولان في هذا الباب أصلهما المبتدأ والخبر حقيقة، بل يكفي أن يكون أصلهما كذلك، ولو تأويلا؛ مثل: جعلت الطين إبريقا، وصيرت الذهب خاتما؛ فإنه لا يصح أن يقال: الطين إبريق، والذهب خاتم؛ لأن الخبر يجب أن يكون نفس المبتدأ في المعنى، وهنا ليس كذلك، اللهم إلا بشيء من التأويل؛ كأن يقدر: أن الطين سيتحول إلى إبريق، والذهب إلى خاتم. وقد أشرنا إلى ذلك في أول الباب.
2 كثيرا ما يستعمل "رأى" الماضي مسبوقا بأداة استفهام، بمعنى "أخبرني"؛ تقول: أرأيتك هذا الملثم، أفدائي هو؟ وحينئذ ينصب مفعولا واحدا، أو مفعولين، على حسب المراد.
3 التعليق بالاستفهام ليس مقصورا على الأفعال القلبية المتصرفة في هذا الباب، بل سمع في غيرها من الأفعال؛ مثل: تفكر، سأل، استنبأ، أبصر.
قال -تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} ، {يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} ، {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ} ، {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ} .
4 كما يجوز حذف المفعولين، أو أحدهما اختصارا، أو اقتصارا على النحو الذي بسطناه، يجوز أيضا حذف الناسخ مع مرفوعه؛ تقول: ماذا تزعم؟ فيكون الجواب: مندوب الجماعة منتظرا بالباب؛ أي: أزعم
…
هذا
باب ما ينصب مفاعيل ثلاثة:
وهي: أعلم، وأرى اللذان أصلهما علم، ورأى المتعديان لاثنين
(1)
، وما ضمن معناهما
(2)
من: نَبَّأَ، وأَنْبَأَ، وخَبَّر، وأَخْبَر، وحدَّث؛ نحو:{كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ}
(3)
، {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ}
(4)
.
هذا باب ما ينصب مفاعيل ثلاثة:
(1)
أي: بأصلهما قبل دخول همزة التعدية عليهما، والتعدية بالهمزة قياسية في الثلاثي كما سيأتي بيانه في موضعه. والمراد برأي: القلبية، علمية كانت أو حلمية، وقد مثل لهما المصنف. وفي أعلم وأرى هذين يقول الناظم:
إلى ثلاثة "رأى" و"علما"
…
عدوا إذا صارا أرى وأعلما*
أي: إن النحاة عدوا الفعل رأى، والفعل علم، إلى ثلاثة مفاعيل، إذا صار كل واحد منهما: أرى وأعلم، بعد دخول همزة التعدية عليهما.
(2)
يشير بهذا: إلى أن الخمسة المذكورة ملحقة في بعض استعمالاتها بأعلم وأرى المذكورتين؛ في التعدية إلى ثلاثة مفاعيل لتضمنها معناهما. وليست الهمزة فيها، أو التضعيف للتعدية أو النقل؛ لأنه ليس لها ثلاثي مستعمل في العلم، إلا خبَّر بمعنى علَّم، ولم ترد تعديتها إلى ثلاثة مفاعيل صريحة في كلام العرب، إلا وهي مبنية للمفعول كما سترى من الشواهد؛ فيكون أول المفاعيل نائب فاعل مرفوعا، ويكون الثاني والثالث صريحين. أو تسد مسدهما جملة. أو يكون أحدهما صريحا، والثاني مكانه جملة.
(3)
يُرى: مضارع أرى: "هم" مفعول أول. "الله" فاعل يرى. "أعمالهم" مفعول ثان ومضاف إليه. "حسرات" مفعول ثالث منصوب بالكسرة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، وقيل: إن رأى في الآية بصرية، وعليه فتكون "حسرات" حالا.
(4)
الكاف فيهما مفعول أول، و"هم" مفعول ثان. "قليلا وكثيرا" مفعول ثالث. ومثال "نبأ" =
* "إلى ثلاثة" جار ومجرور متعلق بعدوا. "رأى" مفعول مقدم له. "وعلما" معطوف على رأى. "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط. "صارا" فعل ماض ناقص والألف اسمها. "أرى" خبر صار مقصود لفظه. "وأعلما" معطوف عليه، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها، وهي فعل الشرط، والجواب محذوف يدل عليه الكلام.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قول النابغة الذبياني في مطلع قصيدة يهجو فيها زرعة بن عمرو بن خويلد. وقد علم أنه يسفه عليه في أشعاره؛ ويتوعده لأنه لم يطعه في الغدر ببني أسد:
نبئت زرعة والسفاهة كاسمها
…
يهدي إلي غرائب الأشعار
نبئت: أخبرت. السفاهة: الطيش والخفة. "نبئت" فعل للمجهول والتاء نائب فاعل وهو المفعول الأول. "زرعة"، مفعول ثان. "والسفاهة كاسمها" جملة حالية من مبتدأ وخبر، وهي معترضة بين الثاني، والثالث، وهو جملة "يهدي إلي". ومعنى قوله "والسفاهة كاسمها": أن كلا من مسماها واسمها قبيح، وهذا تعريض من النابغة بذم زرعة. والمراد بغرائب الأشعار: الصادرة عن من لا يحسن الشعر. وقد جاء "نبأ" في القرآن ناصبة مفعولا واحد صريحا، وسد مسد المفعولين الآخرين جملة، بعد أن علق الفعل عنها باللام؛ وذلك كقوله -تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} .
ومثال: "أنبأ" قول الأعشى من قصيدة يمدح بها قيس بن معدي كرب:
وأنبئت قيسا ولم أبله
…
كما زعموا خير أهل اليمن
فأنبئت: فعل للمجهول، والتاء نائب فاعل وهي المفعول الأول. "قيسا" مفعول ثان. "ولم أبله" أي: لم أختبره، والواو للحال، وأبله: مضارع مجزوم بلم بحذف الواو والهاء مفعول. والجملة في موضع نصب حال. "كما زعموا" الكاف جارة و"ما" مصدرية، وهي وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بالكاف؛ أي: كزعمهم، وهذا وما قبله اعتراض بين المفعول الثاني، والثالث وهو "خير".
ومثال "خبر" قول العوام بن عتبة بن كعب بن زهير، في امرأة من غطفان اسمها "ليلى"، ولقبها سوداء، وكانت تنزل بالغميم، من بلاد غطفان، وكان بها كلفا، فلما علم بمرضها ترك عمله بمصر وذهب إليها ليعودها.
وخبرت سوداء الغميم مريضة
…
فأقبلت من أهلي بمصر أعودها
فالتاء في "خبرت" نائب فاعل وهي المفعول الأول، "سوداء الغميم" مفعول ثان ومضاف إليه. "مريضة" مفعول ثالث:"فأقبلت" الفاء للسببية أو عاطفة. "من أهلي" متعلق بأقبلت "بمصر" صفة لأهل؛ أي: الموجودين بمصر. "أعودها" الجملة حال من التاء في فأقبلت. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ومثال "أخبر" قول رجل من بني كلاب:
وما عليك إذا أخبرتني دنفا
…
وغاب بعلك يوما أن تعوديني
دنفا مريضا؛ من الدنف؛ وهو المرض الذي ينهك القوى. بعلك: زوجك. تعوديني: تزوريني. و"ما" اسم استفهام إنكاري مبتدأ. "عليك" متعلق بمحذوف خبر؛ أي: بأس كائن عليك. "إذا" ظرف فيه معنى الشرط متعلق بتعوديني. "أخبرتني" ماض للمجهول، والتاء نائب فاعل مفعول أول، والنون للوقاية، وياء المتكلم مفعول ثان "دَنِفا" مفعول ثالث.
"وغاب بعلك" الواو للحال، والجملة حال على تقدير "قد". "أن تعوديني" أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بفي محذوفة؛ أي: في عيادتي. والجار والمجرور متعلق بما تعلق به عليك؛ أي: أي بأس عليك حين بلغك أني مريض، وقد غاب زوجك في يوم ما، في زيارتي في هذا الوقت؟
ومثال "حدَّث" قول الحارث بن حلزة اليشكري من معلقته:
أو منعتم ما تسألون فمن حُد
…
دثتموه له علينا الولاء
"أو" عاطفة على ما قبله. "ما" اسم موصول مفعول منعتم. "تسألون" مضارع مبني للمجهول، والجملة صلة ما؛ أي: تسألونه. "فمن" الفاء عاطفة، و"من" اسم استفهام للإنكار والنفي، مبتدأ. "حدثتموه" ماض للمجهول، والتاء نائب فاعل هي المفعول الأول، والميم علامة الجمع، والواو للإشباع،
والهاء مفعول ثان، والجملة خبر المبتدأ. "له" متعلق بمحذوف خبر مقدم. "علينا" متعلق بالمحذوف. "الولاء" مبتدأ مؤخر، وجملة المبتدأ والخبر سدت مسد المفعول الثالث لحدث. يريد: أو منعتم ما تسألون من المهادنة والعدل
بيننا وبينكم، فمن الذي حدثكم أن له علينا يدا حتى تطمعوا أن تكونوا
مثله؟ أي: إنه لا فضل لأحد علينا، ونحن قادرون على مقابلتكم بالمثل. وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:
وكأرى السابق نَبَّأ أَخْبَرا
…
حدَّث أَنْبَأ كذاك خبَّرا*
أي: مثل الفعل "أرى" السابق أول الكلام في نصب ثلاثة مفاعيل، هذه الأفعال الخمسة التي سردها.
* "وكأرى" متعلق بمحذوف خبر مقدم. "السابق" نعت لأرى. "نبا" مبتدأ مؤخر قصد لفظه، وما بعده معطوف عليه بحذف العاطف. "كذاك" جار ومجرور خبر مقدم. "خبرا" مبتدأ مؤخر مقصود لفظه.
ويجوز عند الأكثرين حذف الأول؛ كـ"أعلمت كبشك سمينا" والاقتصار عليه؛ كـ"أعلمت زيدًا"
(1)
. وللثاني والثالث من جواز حذف أحدهما اختصارًا، ومنعه اقتصارًا، ومن الإلغاء والتعليق ما كان لهما
(2)
؛ خلافًا لمن منع الإلغاء والتعليق مطلقًا
(3)
، ولمن منعهما في المبني للفاعل. ولنا على الإلغاء قول بعضهم:
البركة أعلمنا الله مع الأكابر
(4)
وقوله:
وأنت أراني الله أمنع عاصم
(5)
(1)
وذلك لأن الفائدة لا تنعدم بحذفه في المثال الأول، أو بالاقتصار عليه في المثال الثاني؛ إذ قد يراد الإخبار بمجرد العلم به، وبمجرد إعلام الشخص المذكور. أما حذف الثلاثة، فأجازه ابن مالك لدليل ولغيره، وإن لم يجز في باب ظن لغير دليل.
(2)
أي: قبل النقل، فتجري عليهما الأحكام والآثار الخاصة بالأفعال القلبية كما أشار المصنف. وإلى هذا يشير الناظم بقوله:
وما لمفعولي "علمت" مطلقا
…
للثان والثالث أيضا حققا*
أي: إن ما ثبت لمفعولي "علم" من الأحكام المختلفة، باعتبارهما في الأصل مبتدأ وخبرا، يثبت للثاني والثالث هنا؛ فإن الثاني والثالث بعد دخول همزة التعدية هما الأول والثاني قبل دخولها على الفعل.
(3)
أي: سواء أكان مبنيا للفاعل، أم مبنيا للمفعول كما يفهم مما بعد. وحجة المانعين: أن الثاني والثالث بمنزلة الثاني في غير هذا الباب، وهو لا يتعلق ولا يلغى عنه.
(4)
فـ"البركة" مبتدأ، و"مع الأكابر" خبر، و"أعلم" ملغاة، لتوسطها بين المبتدأ والخبر، وهي مبنية للفاعل.
(5)
صدر بيت من الطويل، لم نقف على قائله. وعجزه: =
* "وما" اسم موصول مبتدأ. "لمفعولي" متعلق بمحذوف صلة ما. "علمت" مضاف إليه قصد لفظه. "مطلقا" حال من ضمير "حققا" الواقع خبرا عن ما. "للثان" متعلق بحقق. "والثالث" معطوف عليه. "أيضا" مفعول مطلق لفعل محذوف. "حققا" ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل يعود إلى ما، والجملة خبر المبتدأ، والألف للإطلاق.
وعلى التعليق: {يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}
(1)
، وقوله:
حذار فقد نبئت إنك للذي
ستجزى بما تسعى فتسعد أو تشقى
(2)
=
وأرأف مستكفى وأسمح واهب
اللغة والإعراب:
أمنع: أفعل تفضيل، من منع على وزن كرم، إذا صار منيعا قويا لا يعتدى عليه. عاصم حافظ، وهو اسم فاعل من عصم فلان فلانا -على وزن ضرب- أي: منع عنه الأذى والمكروه. أرأف: أفعل تفضيل، من الرأفة، وهي الشفقة والرحمة. مستكفى: مطلوب منه الكفاية في الملمات. "وأنت" مبتدأ. "أراني الله" فعل وفاعل ومفعول والنون للوقاية. "أمنع" خبر المبتدأ. "عاصم" مضاف إليه. "وأرأف وأسمح" معطوفان على أمنع.
المعنى: أراني الله إياك أقوى حافظ يقي الإنسان شر الأعداء، وأرأف من يلجأ إليه في المهمات، وأجود وأكرم من يعطي ويبذل من غير منّ.
الشاهد: إلغاء "أرى" عن العمل في المفعولين الثاني والثالث؛ وهما: "أنت أمنع عاصم"؛ لتوسطه بينهما. والأصل: أراني الله إياك أمنع عاصم، أو أرانيك الله أمنع عاصم، فلما قدم المفعول الثاني أبدل بضمير الرفع وجعل مبتدأ.
(1)
"كم" مفعول أول "ينبئ". "إذا" شرطية. "مزقتم" فعل الشرط، والجواب محذوف للدلالة عليه بجديد؛ أي: إذا مزقتم تجددون، وجملة الشرط معترضة بين المفعول الأول وما سد مسد المفعولين. "إنكم لفي خلق" الجملة في محل نصب سدت مسد المفعول الثاني والثالث لينبئ، والفعل معلق عن الجملة باللام، ولذلك كسرت "إن".
(2)
بيت من الطويل، لم ينسبه النحاة لقائل.
اللغة والإعراب:
حذار: اسم فعل أمر؛ بمعنى أحذر. نبئت: أعلمت وأخبرت. ستجزى: ستكافأ. بما تسعى: بما تعمل في هذه الحياة. "فقد" الفاء للتعليل، و"قد" للتحقيق. "نبئت" ماضي للمجهول والتاء نائب فاعل، وهي المفعول الأول. "إنك للذي" إن واسمها وخبرها، والجملة في موضع نصب سدت مسد المفعولين الثاني والثالث، وقد علق عنها الفعل باللام المزحلقة في خبر إن، ولذلك كسرت "إن".
المعنى: احذر عاقبة ما تعمل من عمل في هذه الدنيا، فإنك ستؤاخذ بما قدمت يداك، وتجزى على حسب إجادتك؛ فإن كان خيرا سعدت، وإن شرا شقيت وندمت.
الشاهد: نصب "نبئ" ثلاثة مفاعيل، وقد عدي إلى واحد وهو الضمير الواقع نائب فاعل، وعلق عن الثاني والثالث باللام الواقعة في خبر إن؛ وهو "للذي" كما بينا.
قال ابن مالك: وإذا كانت أرى وأعلم منقولتين من المتعدي لواحد
(1)
تعديا لاثنين
(2)
؛ نحو: {مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ}
(3)
. وحكمهما حكم مفعولي كسا
(4)
في الحذف لدليل وغيره
(5)
، وفي منع الإلغاء والتعليق
(6)
.
(1)
بأن كانت "رأى" بصرية بمعنى أبصر، و"علم" عرفانية بمعنى عرف.
(2)
أي: بواسطة الهمزة.
(3)
"أرى" فعل ماض بصرية، والفاعل هو. "كم" مفعول أول. "ما" اسم موصول مفعول ثان. "تحبون" الجملة صلة ما. وأما قوله -تعالى:{وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا} فقليلا حال لا مفعول ثالث.
(4)
باب كسا: هو كل فعل يتعدى إلى مفعولين ليسا في الأصل مبتدأ وخبر مثل: سأل، وأعطى، وألبس، ومنح، ومنع. ولهذا لا يصح تطبيق الأحكام الخاصة بالأفعال القلبية عليهما؛ إلا التعليق فإنه جائز.
(5)
فيجوز حذفهما معا، وحذف أحدهما؛ تقول: أعملت، ورأيت، وأعلمت عليا، وأريت السحاب، ولا يقع الثاني جملة مؤولة بمفرد.
(6)
أي: في المفعولين معا؛ لأنه ليس أصلهما المبتدأ والخبر. أما امتناع الإلغاء فلامتناع الإخبار بالثاني عن الأول. وأما التعليق فأجاز الأشموني تعليقهما عن الثاني؛ لأن "أعلم" قلبية، "وأرى" وإن كانت بصرية، فهي ملحقة بالقلبية في ذلك، وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:
وإن تعديا لواحد بلا
…
همز فلاثنين به توصلا
والثاني منهما كثان اثنى كسا
…
فهو به في كل حكم ذو ائتسا*
أي: إذا تعدى كل من "علم ورأى" إلى مفعول واحد، قبل مجيء همزة التعدية؛ بأن كانت علم بمعنى عرف، ورأى بمعنى أبصر؛ فإنهما يتوصلان بالهمزة إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر. والثاني من المفعولين، كالثاني للفعل "كسا" في مثل: كسوت الفقير ثوبا؛ في أنه لا يصلح أن يكون خبرا عن الأول، فهو به ذو ائتسا؛ أي: اقتداء ومحاكاة في كل حكم.
* "وإن" شرطية. "تعديا" فعل ماض والألف فاعل، وهو فعل الشرط. "لواحد" متعلق بتعديا. "بلا همز" الباء جارة، و"لا" اسم بمعنى غير، مجرور محلا بالباء وإعرابها ظاهر على ما بعدها، والجار والمجرور متعلق بتعديا. "همز" مضاف إليه. "فلاثنين" الفاء واقعة في جواب الشرط. "لاثنين به" متعلقان بتوصلا. "توصلا" فعل أمر والفاعل أنت والألف مبدلة من نون التوكيد الخفيفة، والجملة جواب الشرط، ويجوز أن يكون "توصلا" فعل ماض والألف فاعل عائد على "رأى" و"علم" المتقدمين. "والثان" مبتدأ. "منهما" متعلق بمحذوف حال من ضمير الخبر. "كثاني" متعلق بمحذوف خبر المبتدأ "اثنى كسا" مضافان إليه. "فهو" مبتدأ. "به في كل" متعلقان بائتسا. "حكم" مضاف إليه. "ذو" خبر المبتدأ "ائتسا" مضاف إليه وقصر للضرورة وأصله: ائتساء؛ أي: اقتداء؛ أي: إنه مثله في كل حكم.
قيل: وفيه نظر في موضعين:
أحدهما: أن علم بمعنى عرف إنما حفظ نقلها بالتضعيف
(1)
لا بالهمزة.
والثاني: أن أرى البصرية سمع تعليقها بالاستفهام؛ نحو: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى}
(2)
. وقد يجاب
(3)
بالتزام جواز نقل المتعدي لواحد بالهمزة قياسًا
(4)
؛ نحو: ألبست زيدا جبة، وبادعاء
(5)
أن الرؤية هنا علمية
(6)
.
(1)
أي: تعديتها لاثنين، نحو:{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} .
(2)
"أرِ" من أرى البصرية، فعل أمر للدعاء، والفاعل أنت والنون للوقاية، والياء مفعول أول {كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} الجملة في محل نصب سدت مسد المفعول الثاني لأر، المعلقة عن الاستفهام بكيف.
(3)
أي: عن النظر الأول.
(4)
أي: من غير التوقف على سماع، على أنه سمع في "علم" نقلها بالهمزة إلى اثنين؛ فالقول بأنه لم يحفظ نقلها إلا بالتضعيف، غير وجيه.
(5)
جواب عن النظر الثاني.
(6)
أي: في قوله -تعالى: {أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} . وأجيب كذلك بأن هذا ليس من باب التعليق؛ لاحتمال أن تكون "كيف" اسما معربا مجردا عن الاستفهام بمعنى الكيفية، ويكون مضافا إلى الفعل بعده بتأويل المصدر؛ أي: أرني كيفية إحيائك للموتى. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= تنبيهان:
أ- لا يجوز أن تعامل أخوات "رأى وعلم" القلبية معاملتهما في النقل إلى الثلاثة بالهمزة؛ فيقال: أظننت محمد عليا كريما، وأحسبت، وأزعمت، وأجاز ذلك الأخفش، ورأيه ضعيف.
ب- صوغ الفعل للمفعول يجعله قاصرا عن مفعول كان متعديا إليه قبل الصوغ فالمتعدي إلى ثلاثة؛ إذ صغته للمفعول صار متعديا لاثنين، وذو الاثنين يصير متعديا لواحد، وذو الواحد يصير غير متعد، أما دخول همزة النقل على الفعل فبالعكس.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأسئلة والتمرينات:
1 ما الأفعال القلبية التي تنصب مفعولين؟ وما أقسامها من حيث دلالتها في الخبر؟ ولم سميت بذلك؟ وضح ما تقول بالأمثلة.
2 ما معنى أفعال التصيير؟ اذكر ثلاثة منها، وضع كلا في مثال من إنشائك.
3 ما الإلغاء؟ وما التعليق؟ وما الفرق بينهما؟ وفيم يدخلان؟ وما أشهر المعلقات؟ مثل لما تقول.
4 اشرح قول ابن مالك الآتي: وابسط القول في حذف المعمول في هذا الباب:
ولا تجز هنا بلا دليل
…
سقوط مفعولين أو مفعول
5 يستشهد النحويون بما يأتي في هذا الباب. بين موضع الاستشهاد، وأعرب ما تحته خط:
قال -تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا، وَنَرَاهُ قَرِيبًا} ، {وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ} ، {لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} ، {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} ، {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} ، {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} ، {إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ} ، {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} ، {وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا} ، {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ} .
ودعوتني وزعمت أنك ناصح
…
ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
لا أعد الإقتار عدما ولكن
…
فقد من قد فقدته الإعدام
رأيت الله أكبر كل شيء
…
محاولة وأكثرهم جنودا
وأخرني دهري وقدم معشرا
…
على أنهم لا يعلمون وأعلم
6 تختص الأفعال القلبية المتصرفة بأمور. اذكر هذه الأمور، ووضحها بأمثلة.
7 ما معنى قول ابن مالك:
لعلم عرفان وظن تهمه
…
تعدية لواحد ملتزمه
اذكر أمثلة موضحة لهذا البيت من إنشائك.
8 يقوم الفدائيون في فلسطين بأعمال غاية في التضحية؛ ليستردوا أرضهم المغتصبة، كون =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= جملا من إنشائك في هذا المعنى، وضع هذه الأفعال في تلك الجمل: أخبر، نبأ، خبّر، ظن.
9 أعرب هذا البيت واشرحه، وهو للمرحوم حافظ إبراهيم المتوفى سنة 1932، على لسان مصر:
أتراني وقد طويت حياتي
…
في مراس لم أبلغ اليوم رشدي
10 ترد الأفعال الآتية غير ناصبة لمفعولين، بين معناها حينئذ، وضعها في أمثلة موضحة: خال، وجد، زعم، حسب، حجا.
11 يستعمل القول بمعنى الظن، ولذلك شروط، اذكر هذه الشروط، ولغة سليم فيه.
12 -
ما حكم الجملة والمفرد إذا وقع كل منهما بعد القول؟ وضح ذلك على ضوء ما شرحنا، ومثل.
13 -
ما المراد بباب كسا؟ وما الفرق بين المنصوب فيه والمنصوب في باب أعلم؟
14 بين فيما يأتي: الأدوات العاملة، ومعمولها، وحكمه.
هل تدري يا أخي، أحسبك تعلم ذلك علم اليقين، أن المرحوم أحمد عرابي زعيم الثورة العرابية المصرية، كان يحفظ القرآن الكريم. وقد لحق بالأزهر سنوات، ثم دخل الجيش جنديا، وتزعم ثورة الجيش سنة 1881. وينبئنا التاريخ: أنه لما تقلد الوزارة أحد جملة اصلاحات لم يرض عنها المستعمرون، فكادوا له، وأعدوا العدة لاحتلال البلاد، وقد قاوم عرابي ومن ورائه الشعب، مقاومة عظيمة، وكاد ينتصر لولا الخيانة والغدر. ثم نفي هو وزملاؤه، وعاد إلى وطنه سنة 1901. وتوفي رحمه الله سنة 1911.
15 أعرب قول الشاعر:
وبات يريني الخطب كيف اشتداده
…
وبت أريه الصبر كيف يكون