المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الطبقة التاسعة والعشرون وهم الذين كانوا في العشرين الثانية من المائة التاسعة - طبقات الشافعية لابن قاضى شهبة - جـ ٤

[تقي الدين ابن قاضي شهبة]

الفصل: ‌الطبقة التاسعة والعشرون وهم الذين كانوا في العشرين الثانية من المائة التاسعة

‌الطَّبَقَة التَّاسِعَة وَالْعشْرُونَ وهم الَّذين كَانُوا فِي الْعشْرين الثَّانِيَة من الْمِائَة التَّاسِعَة

756 -

إِبْرَاهِيم بن أَحْمد البيجوري الْمصْرِيّ الشَّيْخ الْفَقِيه برهَان الدَّين ولد قبل الْخمسين وَسَبْعمائة وَأخذ عَن الشَّيْخ جمال الدَّين الْإِسْنَوِيّ ورحل إِلَى الشَّيْخ شهَاب الدَّين الْأَذْرَعِيّ بحلب وَكتب عَنهُ الْقُوت ولازم الشَّيْخ سراج الدَّين البُلْقِينِيّ قَالَ الْحَافِظ شهَاب الدَّين ابْن حجر أمتع الله بِبَقَائِهِ فِي وفياته الَّتِي كتبهَا لي مهر فِي الْفِقْه حَتَّى شاع أَنه كَانَ يستحضر الرَّوْضَة وَأَصلهَا وَذكره الشَّيْخ عماد الدَّين الحسباني فَقَالَ هُوَ أعلم الشَّافِعِيَّة فِي عصره وَكَانَ دينا خيرا متواضعا ولي بِآخِرهِ مشيخة الفخرية وَكَانَ للطلبة بِهِ انْتِفَاع شَدِيد فَإِنَّهُ كَانَ لَا يمل من الإشتغال

ص: 71

والإشغال وَلما جمع القَاضِي ولي الدَّين الْعِرَاقِيّ النكت على الْكتب الثَّلَاثَة التَّنْبِيه والمنهاج وَالْحَاوِي صَار بعض الطّلبَة يقْرَأ من ذَلِك على البيحوري فَكَانَ يرد من حفظه أَشْيَاء عَجِيبَة ويتناقض فِي أَمَاكِن كَثِيرَة فَكَانَ ذَلِك الطَّالِب يُرَاجع المُصَنّف بِمَا يعْتَرض بِهِ البيجوري فيصلح كِتَابه على وفْق مَا يَقُول البيجوري وَلم يقدر أَن البيجوري صنف شَيْئا وَكَانَ يَأْبَى من الْكِتَابَة على الْفَتْوَى وَإِنَّمَا يُفْتِي مشافهة انْتهى وَحكى لي صاحبنا جمال الدَّين بن الشَّيْخ شهَاب الدَّين الْأَذْرَعِيّ أَن البيجوري لما قدم عَلَيْهِم كتب الْقُوت كَانَ يكْتب المجلدة فِي شَهْرَيْن وَينظر فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة على مَوَاضِع ويعرضها على الشَّيْخ بَعْضهَا يصلحه وَبَعضهَا ينازعه فِيهِ وَقد رَأَيْت فِي نُسْخَة المُصَنّف بالقوت تنظيرات كَثِيرَة وَالظَّاهِر أَنَّهَا بِخَط البيجوري وأكثرها لسُقُوط كلمة أَو حرف وَسمعت الشَّيْخ جمال الدَّين الطيماني يصفه بِحِفْظ الْفِقْه كثيرا وَقَالَ صاحبنا الشَّيْخ محيي الدَّين الْمصْرِيّ كَانَ البيجوري شَيخا وَأَنا صبي قَالَ وفارقته فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَهُوَ يسْرد الرَّوْضَة حفظا وَكَانَ فَقِيرا خاملا توفّي فِي رَجَب سنة خمس وَعشْرين وَثَمَانمِائَة بِالْقَاهِرَةِ

757 -

إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن عمر بن زِيَاد العجلوني الدِّمَشْقِي

ص: 72

الإِمَام الْعَالم قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدَّين أَبُو إِسْحَاق الْمَعْرُوف بِابْن خطيب عذراء ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَسَبْعمائة حفظ الْمِنْهَاج واشتغل على مَشَايِخ ذَلِك الْوَقْت ولازم الشَّيْخ عَلَاء الين حجي كثيرا وَفضل فِي الْفِقْه وأنهاه ابْن خطيب يبرود بالشامية البرانية بِغَيْر كِتَابَة شهد لَهُ بِاسْتِحْقَاق ذَلِك الشَّيْخ جمال الدَّين بن قَاضِي الزبداني ثمَّ توجه إِلَى حلب أَيَّام الشَّيْخ شهَاب الدَّين الْأَذْرَعِيّ فَأَقَامَ بهَا مُدَّة طَوِيلَة وَصَحب الْخَطِيب ابْن عشائر وَغَيره وَحكى لي الشَّيْخ شهَاب الدَّين ابْن حجي تغمده الله برحمته أَن الشَّيْخ برهَان الدَّين كَانَ فِي زمن الْأَذْرَعِيّ يستحضر الرَّوْضَة بِحَيْثُ أَنه إِذا أفتى الْأَذْرَعِيّ بِشَيْء يَعْتَرِضهُ وَيَقُول الْمَسْأَلَة فِي الرَّوْضَة فِي الْموضع الْفُلَانِيّ ودرس بحلب بِجَامِع منكلي بغا وَلما عَاد البُلْقِينِيّ من حلب أثنى عَلَيْهِ ثَنَاء حسنا وَوَصفه بِالْفَضْلِ والاستحضار ثمَّ ولي قَضَاء صفد فِي حَيَاة الْملك الظَّاهِر بِوَاسِطَة الشَّيْخ مُحَمَّد المغيربي وَغَيره ثمَّ عزل وَولي بعد الْفِتْنَة مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا ثمَّ قدم دمشق فِي رَمَضَان سنة سِتّ وَثَمَانمِائَة وَبَقِي

ص: 73

بطالا مُدَّة وَحصل لَهُ حَاجَة وفاقة ثمَّ تنزل بمدارس الْفُقَهَاء وَحصل لَهُ تصدير بالجامع فَجَلَسَ وأشغل وانتفع بِهِ جمَاعَة وناب فِي الْقَضَاء وَولي قَضَاء الركب سنة عشْرين ثمَّ فِي آخر سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين ترك الْقَضَاء وَكنت أَنا السَّبَب فِي ذَلِك وَاسْتمرّ بطالا إِلَى أَن مَاتَ وَظهر مِنْهُ كَرَاهِيَة الْقَضَاء بعد أَن كَانَ يمِيل إِلَيْهِ ميلًا كثيرا وَفِي آخر عمره نزل لَهُ القَاضِي نجم الدَّين ابْن حجي عَن نصف تدريس الركنية فدرس بهَا درسين أَو ثَلَاثَة وَكَانَ يحفظ كثيرا من الْفُرُوع وَجُمْلَة من ديوَان المتنبي ويتعصب لَهُ ويبالغ ويحفظ أسئلة حَسَنَة من كَلَام السُّهيْلي وَغَيره وهو سليم الخاطر سهل الأنقياد وَكَانَ شكلا حسنا بهيا وَقد كتب شرحا على الْمِنْهَاج فِي أَجزَاء غالبه مَأْخُوذ من الرَّافِعِيّ وَفِيه فَوَائِد غَرِيبَة وَلم يكن لَهُ اعتناء بِكَلَام الْمُتَأَخِّرين وَلَا يَد لَهُ فِي شَيْء من الْعُلُوم سوى الْفِقْه توفّي فِي الْمحرم سنة خمس وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَدفن بمقبرة الشَّيْخ رسْلَان بِالْقربِ من الْمَسْجِد الَّذِي هُنَاكَ على جادة الطَّرِيق على يَمِين المتوجه إِلَى بَاب شَرْقي رَحمَه الله تَعَالَى

758 -

أَبُو بكر بن عمر بن عَرَفَات الخزرجي الشَّيْخ الْعَالم زين الدَّين

ص: 74

القمني الْمصْرِيّ أَصله من قمن من الرِّيف وَقدم مصر فِي آخر دولة الْأَشْرَف واشتغل على الشَّيْخ سراج الدَّين البُلْقِينِيّ وَغير وَكَانَ يصحب التّرْك وَتقدم فِي أَيَّام الْأَمِير قلمطاي الدوادار واشتهر فِي زَمَنه وَولي تدريس الصلاحية بالقدس عوضا عَن الشَّيْخ شمس الدَّين الْجَزرِي لما سَافر إِلَى بِلَاد الرّوم واستمرت بِيَدِهِ بعد الْفِتْنَة مُدَّة ودرس بِمصْر بمدارس أخر وَدخل فِي تَرِكَة الْمحلي ونال مِنْهَا مَالا وَانْقطع فِي آخر عمره على تِلَاوَة الْقُرْآن وانجماع على الْخَيْر وَلكنه كَانَ يستزرىء بِالنَّاسِ وَيتَكَلَّم فِي كثير من الْفُقَهَاء بأَشْيَاء فِيهَا مُبَالغَة مَعَ أَن بعض من تكلم فِيهِ قد يكون أولى مِنْهُ وَلم يشْتَهر لَهُ تصنيف وَلَا تلميذ وَلم أَقف لَهُ على فَتْوَى توفّي فِي رَجَب سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة شَهِيدا بالطاعون وَقد قَارب الثَّمَانِينَ أَو جاوزها وَكَانَت لَهُ جَنَازَة عَظِيمَة مَشْهُودَة

ص: 75

759 -

أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عبد الْمُؤمن الإِمَام الْعَالم الرباني الزَّاهِد الْوَرع تَقِيّ الدَّين الحصني الدِّمَشْقِي الْحُسَيْنِي ثَبت نسبه على قَاضِي حسبان مُتَأَخِّرًا مولده فِي أَوَاخِر سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَسَبْعمائة وَقدم دمشق وَسكن البادرائية وَأخذ عَن الشَّيْخ شرف الدَّين ابْن الشريشي وَالشَّيْخ شهَاب الدَّين الزُّهْرِيّ وَالشَّيْخ نجم الدَّين ابْن الجابي وَالشَّيْخ شمس الدَّين الصرخدي وَالشَّيْخ شرف الدَّين الْغَزِّي وَالشَّيْخ بدر الدَّين بن مَكْتُوم وَغَيرهم من عُلَمَاء الْعَصْر وَكَانَ خَفِيف الرّوح منبسطا لَهُ نَوَادِر وَيخرج مَعَ الطّلبَة إِلَى المفترجات ويبعثهم على الأنبساط واللعب وَذَلِكَ مَعَ الدَّين والتحرز فِي أَقْوَاله وأفعاله وَتزَوج عدَّة نسَاء ثمَّ إِنَّه أقبل على الْعِبَادَة قبل الْفِتْنَة وتخلى عَن النِّسَاء وانجمع عَن النَّاس مَعَ الْمُوَاظبَة على الِاشْتِغَال بِالْعلمِ وَبعد الْفِتْنَة زَاد تقشفه وإقباله على الله تَعَالَى وانجماعه عَن النَّاس وَصَارَ لَهُ أَتبَاع واشتهر اسْمه وَامْتنع من مكالمة أَكثر النَّاس لَا سِيمَا من يتخيل فِيهِ شَيْئا وَأطلق لِسَانه فِي الْقُضَاة وَنَحْوهم من أَرْبَاب الولايات وَله فِي الزّهْد والتقلل من الدُّنْيَا حكايات لَعَلَّ أَنه لَا يُوجد فِي تراجم كبار الْأَوْلِيَاء أَكثر مِنْهَا وَلم يتقدموه إِلَّا بِالسَّبقِ فِي الزَّمَان وَالْحَاصِل أَنه مِمَّن جمع بَين

ص: 76

الْعلم وَالْعَمَل وَكَانَ أشعريا منحرفا على الْحَنَابِلَة يُطلق لِسَانه فيهم ويبالغ فِي الْحَط على ابْن تَيْمِية وَلَا يرضى إِلَّا وَسكن زوايته عِنْد مَسْجِد المزاز بالشاغور عدَّة سِنِين وأصابه وقر فِي سَمعه وَضعف فِي بَصَره وَقد قَامَ فِي عمَارَة رِبَاط دَاخل بَاب الصَّغِير وساعده النَّاس فِي ذَلِك بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم ثمَّ شرع فِي عمَارَة خَان السَّبِيل شمَالي الْمصلى وَفرغ من عِمَارَته فِي مُدَّة قريبَة وَلم يبْق فِيهِ عِنْد وَفَاته إِلَّا تتمات وَقد كتب بِخَطِّهِ كثيرا قبل الْفِتْنَة وَبعدهَا جمع شرحا على التَّنْبِيه فِي خمس مجلدات وشرحا على الْمِنْهَاج فِي خمس مجلدات وَشرح مُسلما فِي ثَلَاث مجلدات ولخص الْمُهِمَّات فِي مجلدين ولخص تَخْرِيج أَحَادِيث الْإِحْيَاء فِي مُجَلد وَشرح النواوية مُجَلد وأهوال الْقُبُور مُجَلد وسير نسَاء السّلف العابدات مُجَلد وقواعد الْفِقْه مُجَلد من التَّفْسِير آيَات مُتَفَرِّقَة مُجَلد وتأديب الْقَوْم مُجَلد وسير السالك مُجَلد وتنبيه السالك على مصار المسالك سِتّ مجلدات وَشرح الْغَايَة مُجَلد لطيف وَشرح الْهِدَايَة كَذَلِك قمع النُّفُوس مُجَلد وَدفع الشّبَه مُجَلد وَشرح أَسمَاء الله الْحسنى مُجَلد توفّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع بِتَقْدِيم التَّاء وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَدفن بالقبيبات فِي أَطْرَاف الْعِمَارَة على جادة الطَّرِيق عِنْد والدته رحمهمَا الله تَعَالَى

ص: 77

760 -

أَحْمد بن عبد الله بن بدر بن مفرج بن بدر بن عُثْمَان بن جَابر بن فضل بن ضوء الشَّيْخ الْعَلامَة شهَاب الدَّين أبن نعيم العامري الْغَزِّي مولده فِي ربيع الأول سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة بغزة كَمَا أَخْبرنِي بذلك وَحفظ التَّنْبِيه والعمدة ومختصر ابْن الْحَاجِب وتفقه على الشَّيْخ عَلَاء الدَّين بن خلف الْغَزِّي أخي الشَّيْخ شمس الدَّين وَسمع عَلَيْهِ صَحِيح البُخَارِيّ وَكَانَ سَمعه من ابْن الشّحْنَة ثمَّ رَحل إِلَى الْقُدس فَأخذ عَن جمَاعَة من علمائها ورحل إِلَى دمشق سنة تسع بِتَقْدِيم التَّاء وَسبعين وَهُوَ فَاضل فَقَرَأَ على الْمَشَايِخ الْمَوْجُودين الزُّهْرِيّ وَابْن الشريشي والغزي وبرهان الدَّين الصنهاجي الْمَالِكِي وأنهى فِي الشامية البرانية فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَقَرَأَ نصف الْمُخْتَصر على الزُّهْرِيّ وَقَرَأَ النّصْف الْأَخير بِغَيْرِهِ وَختم الْكتاب فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَفِي هَذَا الشَّهْر أذن لَهُ الشَّيْخ شهَاب الدَّين الزُّهْرِيّ بالإفتاء مَعَ وَلَدي الشَّيْخ وَالشَّيْخ شهَاب الدَّين ابْن نشوان وَحفظ الْحَاوِي الصَّغِير بعد ذَلِك وَجلسَ للإشغال بالجامع

ص: 78

وَأفْتى وصنف ثمَّ حصلت لَهُ محنة فِي شهر رَمَضَان سنة خمس وَتِسْعين وَحج وجاور بِمَكَّة ثَلَاث مَرَّات وناب بعد الْفِتْنَة فِي الْقَضَاء وَاسْتمرّ مُدَّة طَوِيلَة وناب فِي المارستان وباشر فِي الْجَامِع فَانْحَطَّ بِسَبَب ذَلِك وَكَانَ فصيحا ذكيا جَريا مقداما بديهته أحسن من رُؤْيَته وطريقته جميلَة وباشر الْقَضَاء على أحسن وَجه توفّي بِمَكَّة مجاورا فِي شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَدفن بمقابر النويريين بالمعلى وَكَانَ قد كتب بخطة قبل الْفِتْنَة أَشْيَاء مِنْهَا مُخْتَصر فِي تَعْلِيق الشَّيْخ برهَان الدَّين الْفَزارِيّ فَاحْتَرَقَ وَبعد الْفِتْنَة اختصر الْمُهِمَّات وعلق تَعْلِيقا على الْحَاوِي فِي أَربع مجلدات وَشرح جمع الْجَوَامِع للسبكي وَشرح قِطْعَة من عُمْدَة الْأَحْكَام وصل فِيهِ إِلَى أثْنَاء الصَدَاق وَكتب قِطْعَة من رجال البُخَارِيّ وَكتب على الْمِنْهَاج قِطْعَة مُطَوَّلَة فِي مجلدين إِلَى كتاب الصَّلَاة وَكتب قِطْعَة على منهاج الْبَيْضَاوِيّ ولخص الوفيات لِابْنِ خلكان وَجمع كتابا فِي التَّفْسِير وَجمع أَشْيَاء غير ذَلِك وَله تعاليق وفوائد كَثِيرَة وَكَانَ كثير الإشغال وَالْكِتَابَة لَا يمل من ذَلِك مَعَ اشْتِغَاله بِالْقضَاءِ وَغَيره من أُمُور الدُّنْيَا رَحمَه الله تَعَالَى

761 -

أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن عوض الطنبذي شهَاب الدَّين ولد سنة إِحْدَى وَخمسين واشتغل وَهُوَ كَبِير فحفظ الْحَاوِي وعدة كتب وَدخل

ص: 79

الْقَاهِرَة فعرضها على القَاضِي برهَان الدَّين ابْن جمَاعَة فِي ولَايَته الأولى ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده وأكب على الأشتغال وحفط مَا ينيف على خَمْسَة عشر ألف بَيت رجز فِي عدَّة عُلُوم مِنْهَا تَفْسِير الشَّيْخ عبد الْعَزِيز الديريني ونظم الْمطَالع ثمَّ قدم الْقَاهِرَة فقطنها ولازم البُلْقِينِيّ والعراقي وَابْن الملقن والأبناسي قَالَ الْحَافِظ شهَاب الدَّين ابْن حجي وتميز وَلَا سِيمَا فِي الْفَرَائِض ودرس بالمنكوتمرية وصنف كتابا شرح فِيهِ جَامع المختصرات فِي ثَمَان مجلدات طَالَتْ مجالستي لَهُ وَالسَّمَاع من فَوَائده وَكتب بِخَطِّهِ من تصانيفي كثيرا مَاتَ فِي شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة

762 -

أَحْمد بن عبد الرَّحِيم بن الْحُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن الإِمَام الْحَافِظ الْفَقِيه المُصَنّف قَاضِي الْقُضَاة ولي الدَّين أَبُو زرْعَة بن الإِمَام الْعَلامَة الْحَافِظ زين الدَّين أبي الْفضل الْعِرَاقِيّ الأَصْل الْمصْرِيّ ولد فِي ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَبكر بِهِ أَبوهُ فَأحْضرهُ عِنْد أبي الْحرم القلانسي

ص: 80

خَاتِمَة المسندين بِالْقَاهِرَةِ واستجاز لَهُ من أبي الْحسن الفرضي ثمَّ رَحل بِهِ إِلَى الشَّام سنة خمس وَسِتِّينَ فَأحْضرهُ فِي الثَّالِثَة على جمَاعَة من أَصْحَاب الْفَخر ابْن البُخَارِيّ ثمَّ رَجَعَ وأسمعه بِالْقَاهِرَةِ من جمَاعَة من المسندين ثمَّ طلب بِنَفسِهِ وَهُوَ شَاب فَقَرَأَ الْكثير ودأب على الشُّيُوخ وَكتب الطباق بِخَطِّهِ ثمَّ رَحل إِلَى الشَّام صُحْبَة صهره الْحَافِظ نور الدَّين الهيثمي بعد الثَّمَانِينَ فَسمع الْكثير ثمَّ رَجَعَ وَهُوَ مَعَ ذَلِك ملازم للاشتغال بالفقه والعربية والفنون حَتَّى مهر واشتهر ولازم الشَّيْخ سراج الدَّين البُلْقِينِيّ وَحفظ وَكتب عَنهُ الْكثير وَأخذ عَن عُلَمَاء عصره قَالَ الْحَافِظ قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدَّين ابْن حجر أمتع الله بِبَقَائِهِ وَنَشَأ صينا دينا خيرا مَعَ جمال الصُّورَة وَطيب النغمة والتودد إِلَى النَّاس وناب فِي الحكم ودرس فِي عدَّة أَمَاكِن ثمَّ اسْتَقر فِي جِهَات وَالِده بعد وَفَاته وَعقد مجْلِس الْإِمْلَاء بعده واشتهر صيته وصنف التصانيف وَخرج التخاريج وَولي مشيخة الجمالية

ص: 81

ثمَّ ولي منصب الْقَضَاء بعد القَاضِي جلال الدَّين البُلْقِينِيّ فباشره سنة وَربع سنة مُبَاشرَة حَسَنَة بعفة ونزاهة وصلابة إِلَى أَن تعصب عَلَيْهِ بعض أهل الدولة فصرف فشق ذَلِك عَلَيْهِ جدا وانحرف مزاجه مَاتَ فِي شعْبَان سنة سِتّ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَله ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة وَثَمَانِية أشهر وَمن تصانيفه تَحْرِير الْفَتَاوَى على التَّنْبِيه والمنهاج وَالْحَاوِي أَخذ نكت النشائي والتوشيح ونكت ابْن النَّقِيب على الْمِنْهَاج ونكت الْحَاوِي لِابْنِ الملقن وشحن الْكتاب بفوائد الشَّيْخ سراج الدَّين البُلْقِينِيّ وبسبب ذَلِك اشْتهر الْكتاب وَاجْتمعَ شَمل فَوَائِد وَجمع حَوَاشِي الشَّيْخ على الرَّوْضَة فِي مجلدين وَاخْتصرَ الْمُهِمَّات وَجمع بَينهَا وَبَين حَوَاشِي الرَّوْضَة فِي مجلدين وَشرح بهجة ابْن الوردي فِي مجلدين وَشرح جمع الْجَوَامِع للسبكي فِي مجلدة وَله وفيات ابْتَدَأَ فِيهَا من سنة مولده رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ الْحَافِظ شهَاب الدَّين ابْن حجر أمتع الله بِبَقَائِهِ وَشرح منظومة أَبِيه فِي الْأُصُول وَشرع فِي شرح سنَن أبي دَاوُد فَكتب نَحْو السُّدس مِنْهُ فِي سبع مجلدات

763 -

أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَطاء الله بن ظهيرة الْعَالم قَاضِي الْقُضَاة

ص: 82

محب الدَّين بن الشَّيْخ الإِمَام جمال الدَّين اشْتغل على وَالِده وَأخذ علم الْأُصُول عَن الشَّيْخ شهَاب الدَّين الْغَزِّي لما جاور فِي سنة تسع وَثَمَانمِائَة واجازة بالإفتاء هُوَ وَالْقَاضِي جلال الدَّين بن البُلْقِينِيّ وَمهر فِي الْفُنُون وَأفْتى وَلما توفّي وَالِده ولي الْقَضَاء مَكَانَهُ إِلَى حِين وَفَاته وَكَانَ عِنْده وَسْوَسَة فِي الطَّهَارَة وَالصَّلَاة ودرس فِي أَمَاكِن بِمَكَّة وَصَارَ بعد وَالِده شيخ الْحجاز ومفتيه توفّي سنة سبع بِتَقْدِيم السِّين وَعشْرين وَثَمَانمِائَة قَارب الْأَرْبَعين

764 -

أَحْمد بن مُحَمَّد بن الصّلاح بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة الْجَامِع بَين أشتات الْعُلُوم بَقِيَّة الْعلمَاء الْأَعْلَام قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدَّين أَبُو الْعَبَّاس الْأمَوِي الْمصْرِيّ مولده فِي صفر سنة سبع بِتَقْدِيم السِّين وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَسمع الحَدِيث من أول سنة خمس وَسبعين سمع الْكثير وَكتب الطباق والأجزاء وخطه حسن حُلْو وَأخذ عَن الشَّيْخ سراج الدَّين البُلْقِينِيّ والحافظ زين الدَّين الْعِرَاقِيّ وَالشَّيْخ سراج الدَّين ابْن الملقن وَغَيرهم من عُلَمَاء الْعَصْر وتفنن فِي الْعُلُوم ودرس وَأفْتى وناب فِي الْقَضَاء مُدَّة وَدخل فِي قضايا كبار وفصلها وَولي بعض الْمُعَامَلَات على قَاعِدَة فُقَهَاء مصر وَحصل مِنْهَا وَمن المتجر مَالا وَمهر فِي صَنْعَة

ص: 83

الْقَضَاء وَحج وجاور فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَولي تدريس الشيخونية مشيخة خانقاه سعيد السُّعَدَاء ثمَّ ولي قَضَاء دمشق مسؤولا فِي ذَلِك جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وباشر بعفة وَسَار سيرة مرضية بِحَسب الْوَقْت مَعَ أَنه لم يخل من كَاذِب عَلَيْهِ وحاسد نعم كَانَ عِنْده لين وَعدم بحث عَن القضايا الْبَاطِلَة بل يتساهل ويعرض عَن كَامِل مَا قدم إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يعرف أهل الْبَلَد وَكَانَ لَا يُنكر مَا يَقع من نوابه من الْأَحْكَام الْبَاطِلَة مَعَ علمه بِمَا يَقع مِنْهُم وَيُصَرح بِأَنَّهُ لَا يجوز لَهُم ذَلِك كل ذَلِك مداراة على المنصب وَكَانَ لَا يتَوَلَّى الحكم بِنَفسِهِ وَلَا يفضل شَيْئا من الْأُمُور إِلَى أَن عزل فِي شعْبَان سنة خمس وَثَلَاثِينَ ودرس بالغزالية وَدَار الحَدِيث الأشرفية وَرجع إِلَى بَلَده وأعيدت إِلَيْهِ جهاته وَفِي أَوَائِل ثَمَان وَثَلَاثِينَ عرض عَلَيْهِ قَضَاء دمشق على أَن يعْطى ألف دِينَار فَامْتنعَ ثمَّ نزلُوا الى خَمْسمِائَة فَلم يقبل فَغَضب عَلَيْهِ وهدد بِأَنَّهُ يخرج من مصر ثمَّ فِي آخر السّنة ولي تدريس الصلاحية بالقدس بعد مَا امْتنع فِي ذَلِك وَقدم الْقُدس وَأقَام بِهِ إِلَى أَن توفّي وَأَرَادَ الله لَهُ الْخَيْر إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَكَانَ فَاضلا فِي الْفِقْه والْحَدِيث والنحو يحفظ كثيرا من تواريخ المصريين ووفياتهم حسن المحاضرة لطيف المفاكهة يكْتب على الْفَتَاوَى كِتَابَة مليحة وَكَانَ شكلا حسنا وَله أوراد من صَلَاة وَذكر وَغَيرهمَا توفّي شهر ربيع الآخر سنة أَرْبَعِينَ وَثَمَانمِائَة وَخلف دنيا طائلة

ص: 84

765

- إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن أبي بكر الْحُسَيْنِي الْعَالم المُصَنّف شرف الدَّين اليمني الشهير بالمقرىء مولده سنة خمس وَخمسين وَسَبْعمائة وتفقه على الشَّيْخ كَمَال الدَّين الريمي شَارِح التَّنْبِيه وَسكن بزبيد وَمهر فِي الْفِقْه والعربية وتعانى النّظم فمهر فِيهِ ذكره الْحَافِظ شهَاب الدَّين ابْن حجر فِي مُعْجَمه وَقَالَ اسْتَفَدْت مِنْهُ الْكثير وَقَالَ لي بعض الْمُتَأَخِّرين شامخ الْعرنِين فِي الْحسب ومنقطع القرين فِي عُلُوم الْأَدَب تصرف للْملك الْأَشْرَف صَاحب الْيمن فِي الْأَعْمَال الجليلة نَاظر أَتبَاع ابْن الْعَرَبِيّ فعميت عَلَيْهِم الْأَبْصَار ودفعهم بِمَا بلغ حجَّة فِي الْإِنْكَار وَله فيهم غرر القصائد مُشِيرا إِلَى تَنْزِيه الصَّمد الْوَاحِد وَله الْمَدْح الرَّائِق وَالْأَدب الْفَائِق وَله من المصنفات مُخْتَصر الرَّوْضَة ومختصر الْحَاوِي الصَّغِير وَشَرحه فِي ثَلَاثَة أَجزَاء وَله عنوان الشّرف فِي الْفِقْه قدر التَّنْبِيه وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَربع عُلُوم أخر النَّحْو والتاريخ وَالْعرُوض والقوافي ترشح لقَضَاء الْأَقْضِيَة بعد القَاضِي مجد الدَّين ودرس بمدارس منسوبة إِلَى مُلُوك قَطْرَة وَلم يزل مُحْتَرما

ص: 85

إِلَى أَن توفّي فِي سنة سبع بِتَقْدِيم السِّين وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة فِي رَجَب مِنْهَا طنا

766 -

إِسْمَاعِيل بن أبي الْحسن بن عَليّ بن عبد الله الْعَالم المعمر مجد الدَّين أَبُو الْفِدَاء الْبرمَاوِيّ الْمصْرِيّ ولد قبل الْخمسين وَسَبْعمائة بِسنة أَو بِسنتَيْنِ وَأخذ عَن الْإِسْنَوِيّ وَأهل طبقته ولازم الشَّيْخ سراج الدَّين البُلْقِينِيّ مُدَّة طَوِيلَة وشارك فِي الْفُنُون وَتقدم واشتهر بِمَعْرِِفَة الْفِقْه وَقَرَأَ عَلَيْهِ طلبة الشَّيْخ الْفُضَلَاء حكى لي القَاضِي شهَاب الدَّين الْأمَوِي أَنه قَرَأَ عَلَيْهِ هُوَ وشمس الدَّين الْبرمَاوِيّ وجمال الدَّين الطيماني وجمال الدَّين بن ظهيرة جَامع المختصرات فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ تقاسموه وَقَرَأَ عَلَيْهِ أَيْضا زين الدَّين الفارسكوري وفخر الدَّين الْبرمَاوِيّ وَفِي آخر عمره ترك الإشغال من نَحْو عشْرين سنة وَكَانَ فِي جَمِيع عمره خاملا لم

ص: 86

يحصل لَهُ وَظِيفَة وَإِنَّمَا درس بمدرسة خاملة ظَاهر الْقَاهِرَة وخطب بِجَامِع عَمْرو بِمصْر وَكَانَ لخموله يُقَال إِن فِي اعْتِقَاده شَيْئا ذكره الْحَافِظ شهَاب الدَّين ابْن حجر فِي مُعْجَمه وَقَالَ لَهُ مجاميع حَسَنَة وفوائد مستحسنة وَعَلِيهِ اشْتغل قَرِيبه شمس الدَّين وَغَيره من الشُّيُوخ الْمَوْجُودين الأن وَكَانَ كثير الاستحضار توفّي فِي ربيع الآخر سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة

767 -

سعد بن عبد الله الشَّيْخ سعد الدَّين الأمدي ثمَّ الطرابلسي أَقَامَ بطرابلس مُدَّة يشغل ويفتي قَلِيلا وَكَانَ فَاضلا فِي الْأُصُول وَيحل الْحَاوِي وَلكنه لم يكن مَحْمُودًا فِي دينه على مَا بَلغنِي توفّي فِي إِحْدَى الجماديين سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة

768 -

عبد الرَّحْمَن بن عمر بن رسْلَان بن نصر بن صَالح بن عبد الْخَالِق بن عبد الْحق الإِمَام الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام قَاضِي الْقُضَاة جلال الدَّين أَبُو الْفضل بن الإِمَام الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام بَقِيَّة الْمُجْتَهدين سراج الدَّين أبي حَفْص الْكِنَانِي الْمصْرِيّ البُلْقِينِيّ ولد فِي شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة

ص: 87

وَحفظ عدَّة محفوظات وَدخل دمشق مَعَ أَبِيه لما ولي الْقَضَاء فِي سنة تسع وَسِتِّينَ فاستجاز لَهُ الشَّيْخ شهَاب الدَّين ابْن حجي شُيُوخ ذَلِك الْوَقْت وَلما رَجَعَ وَالِده إِلَى الْقَاهِرَة صرف همته إِلَيْهِ حَتَّى مهر فِي مُدَّة يسيرَة وَتقدم واشتهر بِالْفَضْلِ وَقُوَّة الْحِفْظ ثمَّ لما مَاتَ أَخُوهُ فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين اسْتَقر فِي قَضَاء الْعَسْكَر وَدخل مَعَ أَبِيه دمشق فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين والمشايخ إِذْ ذَاك كَثِيرُونَ فَظهر فَضله وَعلا صيته وَكَانَ وَالِده يعظمه ويصفي إِلَى أبحاثه ويصوب مَا يَقُول ثمَّ دخل دمشق مَعَه ثَانِيًا وَاسْتمرّ على الطّلب وَالِاجْتِهَاد والإفتاء والتدريس وشغل الطّلبَة إِلَى أَن ولي الْقَضَاء بعد تحقق موت القَاضِي صدر الدَّين الْمَنَاوِيّ فِي سنة أَربع وَثَمَانمِائَة ثمَّ صرف ثمَّ أُعِيد مرَارًا إِلَى أَن تعصب لَهُ جمال الدَّين الأستادار فَرَحل عَنهُ القَاضِي شمس الدَّين الإخنائي إِلَيّ الشَّام فاستمر من سنة ثَمَان وَثَمَانمِائَة إِلَى أَن صرف فِي وقْعَة النَّاصِر بِدِمَشْق ثمَّ

ص: 88

أُعِيد عَن قريب وَاسْتمرّ إِلَى أَن صرف فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين بالهروي ثمَّ أُعِيد بعد سنة بل أقل وَقد جلس فِي بعض المرات الَّتِي قدم فِيهَا مَعَ النَّاصِر بالجامع الْأمَوِي وقرىء عَلَيْهِ البُخَارِيّ وَكَانَ يتَكَلَّم على مَوَاضِع مِنْهُ وَكَانَ فصيحا بليغا ذكيا سريع الْإِدْرَاك وَكَانَ قد نقص عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ قبل ولَايَة الْقَضَاء قَالَ لي مرّة نسيت من الْعلم بِسَبَب الْقَضَاء والأسفار الْعَارِضَة بِسَبَبِهِ مَا لَو حفظه شخص لصار عَالما كَبِيرا قَالَ الْحَافِظ شهَاب الدَّين ابْن حجر أمتع الله بِبَقَائِهِ كَانَ لَهُ بِالْقَاهِرَةِ صيت لذكائه وعظمة وَالِده فِي النُّفُوس وَكَانَ من عجائب الدُّنْيَا فِي سرعَة الْفَهم وجودة الْحِفْظ وَكَانَ من محَاسِن الْقَاهِرَة انْتهى وَكَانَ يكْتب على الْفَتَاوَى كِتَابَة مليحة بِسُرْعَة وَكَانَ سليم الْبَاطِن لَا يعرف الْخبث وَلَا الْمَكْر كوالده رحمهمَا الله تَعَالَى وَكتب أَشْيَاء لم تشتهر وقفت لَهُ على نكت الْمِنْهَاج فِي مجلدين توفّي فِي شَوَّال سنة أَربع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة بعلة القولنج ثمَّ الصرع وَيُقَال إِنَّه سم وَدفن بِقَبْر أَبِيه فِي مدرسته الَّتِي أَنْشَأَهَا رحمهمَا الله تَعَالَى

769 -

عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن عَليّ الشَّيْخ شرف الدَّين بن الإِمَام الْعَلامَة شمس الدَّين بن الإِمَام الْعَلامَة تَقِيّ الدَّين القلقشندي سبط

ص: 89

الشَّيْخ صَلَاح الدَّين العلائي أَخذ عَن وَالِده وَفضل وانْتهى إِلَى أَن صَار عين الشَّافِعِيَّة بِبَلَدِهِ وَبِيَدِهِ الخطابة مشاركا لغيره وَلما سكن الْهَرَوِيّ هُنَاكَ حصل بَينهمَا شرور كَثِيرَة ومرافعات وَقَوي الْهَرَوِيّ عَلَيْهِ وَقد رَأَيْت خطه على فَتْوَى وَهِي تدل على كَثْرَة استحضار وجودة تصرف لَا أعلم من حَاله شَيْئا غير ذَلِك توفّي فِي آخر سنة عشْرين وَثَمَانمِائَة عَن نَحْو خمسين سنة وَأَخُوهُ زين الدَّين عبد الرَّحْمَن سمع من أَبِيه وَمن خَاله شهَاب الدَّين بن صَلَاح الدَّين العلائي وَجَمَاعَة ورحل إِلَى دمشق وَسمع على بعض الشُّيُوخ وَأخذ عَن الشَّيْخ شهَاب الدَّين ابْن حجي ثمَّ قدم الْقَاهِرَة مرَارًا وعلق بِخَطِّهِ أَشْيَاء وَكَانَ حسن الْخط حاذقا توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة

770 -

عبد الْوَهَّاب بن أَحْمد بن صَالح بن أَحْمد بن خطاب بن يرحم الإِمَام الْعَلامَة صدر المدرسين مفتي الْمُسلمين قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدَّين أَبُو نصر بن الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة شيخ الشَّافِعِيَّة قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدَّين أبي الْعَبَّاس البقاعي الأَصْل الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بِابْن الزُّهْرِيّ مولده سنة سبع

ص: 90

بِتَقْدِيم السِّين وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَحفظ التَّمْيِيز للبارزي وَغَيره وَأخذ عَن وَالِده وَعَن الشَّيْخ نجم الدَّين ابْن الجابي وَالشَّيْخ شرف الدَّين ابْن الشريشي وَغَيرهم من مَشَايِخ الْعَصْر هُوَ وَأَخُوهُ القَاضِي جمال الدَّين وَنَشَأ على طَريقَة حَسَنَة وملازمة لطلب الْعلم وانْتهى فِي الشامية البرانية فِي جُمَادَى الأخرة سنة خمس وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة هُوَ وَأَخُوهُ وَجَمَاعَة من الطّلبَة مِنْهُم الشَّيْخ شهَاب الدَّين ابْن نشوان وشمس الدَّين ابْن زهرَة بسؤال الشَّيْخ شهَاب الدَّين ابْن حجي وَحضر قِرَاءَة الْمُخْتَصر على وَالِده وَفرغ مِنْهُ فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَفِي هَذَا الشَّهْر أذن لَهُ وَالِده فِي الْإِفْتَاء ودرس فِي العادلية الصُّغْرَى فِي حَيَاة وَالِده وناب عَن وَالِده فِي الْقَضَاء تِلْكَ الْمدَّة الْيَسِيرَة ثمَّ نَاب بعد ذَلِك فِي الْقَضَاء مُدَّة طَوِيلَة وَنزل لَهُ وَالِده عِنْد مَوته عَن تدريس الشامية البرانية ولأخيه جمال الدَّين فباشرا ذَلِك ثمَّ توفّي أَخُوهُ فِي أول سنة إِحْدَى وَثَمَانمِائَة فَنزل لَهُ عِنْد مَوته عَن نصف الشامية والقليجية وَقَضَاء الْعَسْكَر وَغير ذَلِك وَاسْتمرّ على ذَلِك بعد

ص: 91

الْفِتْنَة وتصدى للإفتاء وَكَانَ يكْتب كِتَابَة حَسَنَة ويستحضر التَّمْيِيز إِلَى آخر وَقت وذهنه جيد وَكَانَ عَاملا سَاكِنا كثير التِّلَاوَة وَيقوم اللَّيْل وَعِنْده حشمة وأدب وَلسَانه طَاهِر وَقد ولاه الْأَمِير نوروز الْقَضَاء بعد وَفَاة ابْن الإخنائي فِي رَجَب سنة سِتّ عشرَة وَثَمَانمِائَة فباشر إِلَى أَن قدم الْمُؤَيد فِي أول السّنة الأتية وباشر بعفة وَلَكِن نقم بعض النَّاس ولَايَته على هَذَا الْوَجْه توفّي فِي شهر ربيع الأول سنة أَربع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَدفن بمقبرة الصُّوفِيَّة على وَالِده رحمهمَا الله تَعَالَى

771

- عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن إِسْحَاق بن سَلام بن عبد الْوَهَّاب بن الْحسن بن سَلام بِالتَّشْدِيدِ فيهمَا الإِمَام الْعَالم المفنن الْمُحَرر عَلَاء الدَّين أَبُو الْحسن بن جمال الدَّين بن كَمَال الدَّين بن الشيح الْعَالم شرف الدَّين بن الشَّيْخ الْعَالم كَمَال الدَّين الْمَعْرُوف بِابْن سَلام الدِّمَشْقِي ولد سنة خمس أَو سِتّ وَخمسين وَسَبْعمائة وَحفظ التَّنْبِيه والألفية ومختصر ابْن الْحَاجِب واشتغل فِي الْفِقْه على جدي وعَلى الشَّيْخ

ص: 92

عَلَاء الدَّين ابْن حجي وَتلك الطَّبَقَة وَفِي النَّحْو وَالْأُصُول على مَشَايِخ عصره ورحل إِلَى الْقَاهِرَة لإكمال قِرَاءَة الْمُخْتَصر على الركراكي الْمَالِكِي قَالَ لي وَكَانَ يعرف الْمُخْتَصر أحسن من الَّذِي صنفه ولازم الِاشْتِغَال حَتَّى فضل وَمهر واشتهر بِالْفَضْلِ وَهُوَ صَغِير قَالَ لي كنت أبحث فِي الشامية البرانية فِي حَلقَة ابْن خطيب يبرود وَكَانَ يحضر الدُّرُوس فَلَا يتْرك شَيْئا يمر بِهِ حَتَّى يَعْتَرِضهُ وينتشر الْبَحْث بَين الْفُقَهَاء بِسَبَب ذَلِك وَفِي الْفِتْنَة التيمرية حصل لَهُ نصيب وافر من الْعَذَاب والحريق وَأُصِيب مَاله كَمَا جرى لغيره وأخذوه مَعَهم إِلَى ماردين ثمَّ رَجَعَ من هُنَاكَ وَبعد وَفَاة الشَّيْخ شهَاب الدَّين ابْن حجي نزل لَهُ القَاضِي نجم الدَّين ابْن حجي عَن تدريس الظَّاهِرِيَّة البرانية وَلما توفّي الشَّيْخ شهَاب الدَّين ابْن نشوان ساعده القَاضِي نجم الدَّين حَتَّى نزل لَهُ القَاضِي تَاج الدَّين ابْن الزُّهْرِيّ عَن تدريس العذراوية وَلما ولي

ص: 93

القَاضِي نجم الدَّين تدريس الشامية البرانية نزل لَهُ عَن نصف تدريس الركنية وللشيخ برهَان الدَّين ابْن خطيب عذراء عَن النّصْف الْأَخير فَتوفي الشَّيْخ برهَان الدَّين عَاجلا فأضيف إِلَيْهِ النّصْف الآخر وَكَانَ فَاضلا فِي الْفِقْه يستحضر كثيرا من الرَّافِعِيّ ويحفظ عَلَيْهِ إشكالات وأسئلة حَسَنَة وَيعرف الْمُخْتَصر معرفَة جَيِّدَة وَيعرف الألفية معرفَة تَامَّة ويحفظ كثيرا من تواريخ الْمُتَأَخِّرين وَله يَد طولى فِي النّظم والنثر وَكَانَ منجمعا عَن النَّاس وَلَا يكْتب على الْفَتَاوَى إِلَّا قَلِيلا وبحثه أحسن من تَقْرِيره وَكَانَ كثير التِّلَاوَة حسن الصَّلَاة مقتصدا فِي ملبسه وَغَيره شرِيف النَّفس مليح المحاضرة وَلم يكن فِيهِ مَا يعاب بِهِ إِلَّا أَنه كَانَ يُطلق لِسَانه فِي بعض النَّاس وَيَأْتِي فِي ذَلِك بعبارات غَرِيبَة وَكَانَ ينْسب إِلَى محبَّة ابْن الْعَرَبِيّ صَاحب الفصوص ويتردد إِلَى زِيَادَة قَبره حج فِي سنة تسع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة فَلَمَّا قضى حجه وَرجع مرض بَين الْحَرَمَيْنِ وَمَات بوادي بني سَالم وَنقل إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة عَن ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام فَدفن بِالبَقِيعِ وغبطه النَّاس بذلك

ص: 94

772 -

عمر بن حجي بن مُوسَى بن أَحْمد بن سعد الإِمَام الْعَالم المفنن نَاصِر السّنة وقامع الظلمَة والمبتدعة قَاضِي الْقُضَاة نجم الدَّين أَبُو الْفتُوح ابْن الْعَلامَة فَقِيه الشَّام عَلَاء الدَّين أبي مُحَمَّد السَّعْدِيّ الحسباني الدِّمَشْقِي مولده سنة سبع بِتَقْدِيم السِّين وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَحفظ التَّنْبِيه فِي ثَمَانِيَة أشهر وَحفظ غَيره من المختصرات وأسمعه أَخُوهُ من جمَاعَة من مشايخه وَغَيرهم واستجاز لَهُ وَسمع هُوَ بِنَفسِهِ من خلق بِمصْر وَالشَّام والحجاز وَغَيرهَا وَأخذ الْعلم عَن أَخِيه وَعَن الْمَشَايِخ الْمَوْجُودين فِي ذَلِك الْعَصْر مِنْهُم شهَاب الدَّين الزُّهْرِيّ وَشرف الدَّين ابْن الشريشي وَنجم الدَّين ابْن الجابي وَشرف الدَّين الْغَزِّي ورحل إِلَى الْقَاهِرَة سنة تسع بِتَقْدِيم التَّاء وَثَمَانِينَ وَأخذ عَن الْمَشَايِخ بهَا الشَّيْخ سراج الدَّين البُلْقِينِيّ وزين الدَّين الْعِرَاقِيّ وسراج الدَّين ابْن الملقن وَبدر الدَّين الزَّرْكَشِيّ وَغَيرهم وَأَجَازَهُ ابْن الملقن بالتدريس وَكتب بِخَطِّهِ من مصنفات البُلْقِينِيّ وَغَيره ولازم الشَّيْخ شرف الدَّين الْأَنْطَاكِي مُدَّة طَوِيلَة

ص: 95

وانتفع بِهِ كثيرا فِي النَّحْو وَكَانَ هُوَ أجل علومه وطالع شرح الْمَحْصُول للأصفهاني وَكتب مِنْهُ أجوبة اسئلة ذكرهَا الْإِسْنَوِيّ فِي شَرحه وَلم يتَعَرَّض لأجوبتها كَذَا حَكَاهُ لي رَحمَه الله تَعَالَى وَحج سنة سِتّ وَثَمَانِينَ مَعَ أَخِيه وَولي إِفْتَاء دَار الْعدْل فِي ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين ثمَّ ولي مشيخة خانقاه عمر شاه ثمَّ وَقع بَينه وَبَين القَاضِي شهَاب الدَّين الباعوني والحاجب الْكَبِير تمربغا المنجكي وَآل ذَلِك إِلَى أَن حصلت لَهُ محنة فِي شهر رَمَضَان سنة خمس وَتِسْعين وَنزل لَهُ أَخُوهُ عَن إِعَادَة الأمينية فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَحج فِي سنة تسع وَتِسْعين وجاور وَبعد الْفِتْنَة ولي الْقَضَاء بحماة مرَّتَيْنِ وَوَقع بَينه وَبَين نَائِب حماة فِي الثَّانِيَة وهم بقتْله فسلمه الله مِنْهُ وَولي قَضَاء طرابلس أَيْضا مرَّتَيْنِ وَلم يذهب إِلَيْهَا فِي الثَّانِيَة وَولي الْقَضَاء بِدِمَشْق فِي شهر ربيع الآخر سنة تسع وَثَمَانمِائَة ثمَّ انْفَصل بعد شَهْرَيْن ثمَّ ولي الْقَضَاء بعد ذَلِك سِتّ مَرَّات وَمُدَّة مُبَاشَرَته إِحْدَى عشرَة سنة وكسرا وَذَلِكَ فِي مُدَّة إِحْدَى وَعشْرين سنة وَسَبْعَة أشهر وَوَقع بَينه وَبَين جمَاعَة من معاصريه من النياب والقضاة وَغَيرهم فتن وشرور وَحصل لَهُ بذلك محن وأوذي فَصَبر وَأظْهر من الشجَاعَة وثبات الجأش مَا يعجز عَن مثله وكل ذَلِك وَالله ينصره على أعدائه وَيرْفَع كَلمته عَلَيْهِم وَقد

ص: 96

درس بالشاميتين والركنية والظاهرية والغزالية وَفِي أَوَاخِر عمره فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَعشْرين ولي كِتَابَة السِّرّ بالديار المصرية فباشرها دون سنة ثمَّ وَقع بَينه وَبَين جَان بك الدوادار فتْنَة فعزل وَأخرج على وَجه غير مرضِي وَغرم مَالا كثيرا وَكَانَ حسن التَّصَرُّف فِي الْعُلُوم إِلَى الْغَايَة جيد الذِّهْن حاد القريحة ذكيا فصيحا يلقِي الدُّرُوس بتأن وتوأدة ويردعلى من يبْحَث مَعَه بِالْعلمِ لَا بِالْقُوَّةِ قَالَ لي الشَّيْخ جمال الدَّين الطيماني رَحمَه الله تَعَالَى إِنَّه كَانَ يدرس أحسن من أَخِيه الشَّيْخ شهَاب الدَّين وَصدق فِيمَا قَالَ لِأَن الشَّيْخ كَانَ يستروح وَلَا يعتني بِمَا يلقيه وَأما قَاضِي الْقُضَاة فَكَانَ يعتني بدروسه كثيرا وَكَانَ حسن الْمُلْتَقى للنَّاس كثير المباسطة لَهُم محسنا للغرباء والواردين عَلَيْهِ كثير المساعدة لأهل الْعلم وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم والتودد لَهُم وَكَانَ قامعا للظلمة والمبتدعة لَا يهاب أحدا مِنْهُم وَلَا يُبَالِي وَالله ينصره وَيُؤَيِّدهُ وَحصل للفقهاء بِهِ عز ورفعة وَكَانَ يعْتَقد الْفُقَرَاء وَالصَّالِحِينَ ويكرمهم ويزورهم ومحاسنه جمة ومناقبه كَثِيرَة وَعَلِيهِ مآخذ وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَاسِعَة قتل بمنزله بَين الربوة

ص: 97

والنيرب فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن إِلَى جَانب أَخِيه رحمهمَا الله تَعَالَى عَن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة وَكسر ورئيت لَهُ منامات حَسَنَة تدل على سعادته فِي الْآخِرَة كَمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى

773 -

مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أَيُّوب الْعَلامَة بدر الدَّين بن العصياتي الْحِمصِي قدم دمشق وَنزل بِالْمَدْرَسَةِ البادرائية وَأخذ عَن الْقرشِي وَابْن الشريشي وَغَيرهمَا وَسمع الصَّحِيح على بعض أَصْحَاب ابْن الشّحْنَة وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ على ابْن الكويك وشارك فِي عدَّة عُلُوم وَأقَام ببلاده وَصَارَ شيخها وَأفْتى ودرس وَوعظ وانتفع بِهِ جمَاعَة وَكَانَ خيرا يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر مَاتَ فِي أَوَائِل سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة بِبَلَدِهِ عَن نَحْو سِتِّينَ سنة ظنا ثمَّ رَأَيْت الْحَافِظ شهَاب الدَّين ابْن حجر أمتع الله بِبَقَائِهِ ذكره فِي مُعْجَمه مُخْتَصرا

ص: 98

774 -

مُحَمَّد بن أبي بكر بن عَليّ بن يُوسُف الشَّيْخ نجم الدَّين الْمرْجَانِي الْمَكِّيّ مولده سنه سِتِّينَ أَو إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة سمع الحَدِيث بِمَكَّة على القَاضِي عز الدَّين ابْن جمَاعَة وَغَيره وبدمشق من ابْن خطيب المزة ويوسف ابْن الصَّيْرَفِي وَغَيرهمَا وَحدث وعني بِالْعَرَبِيَّةِ ومتعلقاتها قَالَ لي صاحبنا الْحَافِظ تَقِيّ الدَّين الفاسي رَحمَه الله تَعَالَى وَمهر فِي ذَلِك مَعَ مُشَاركَة فِي الْفِقْه وَغَيره وتصدى للتدريس والإفادة كثيرا ونظم أبياتا فِي معنى قَوَاعِد الْإِعْرَاب لِابْنِ هِشَام وفيهَا زيادات عَلَيْهَا وَشَرحهَا وَكتب شرحا على التَّنْبِيه وَله نظم حسن وَفِيه خير ومروءة ودرس بالمنصورية بِمَكَّة توفّي بِمَكَّة فِي رَجَب سنة سبع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة

775

- مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُوسَى الشَّيْخ الْعَالم شمس الدَّين أَبُو عبد الله العجلوني الكفري الأَصْل الدِّمَشْقِي مولده فِي شَوَّال سنة سبع بِتَقْدِيم

ص: 99

السِّين وَخمسين وَسَبْعمائة وَحفظ التَّنْبِيه وَأدْركَ جدي الشَّيْخ شمس الدَّين وَغَيره من الْمَشَايِخ وَأخذ عَنْهُم يَسِيرا ثمَّ لَازم الشَّيْخ شرف الدَّين الْغَزِّي مُدَّة طَوِيلَة وانتفع بِهِ واشتهر بِحِفْظ الْفُرُوع من شبيبته وَكتب بِخَطِّهِ الْكثير نسخا لنَفسِهِ وَلِلنَّاسِ وَكَانَ لَهُ قدرَة على الْكِتَابَة وناب للْقَاضِي عَلَاء الدَّين ابْن أبي الْبَقَاء قبل الْفِتْنَة ثمَّ بَاشر نِيَابَة الْقَضَاء بعد الْفِتْنَة غير مرّة وَولي تدريس الصارمية ونظرها وَعمر بَعْضهَا ودرس فِي حِصَّة من تدريس العزيزية نزل لَهُ عَنْهَا القَاضِي شمس الدَّين الإخنائي فِي مرض مَوته وتصدر فِي الْجَامِع من مُدَّة قريبَة وَلم ينحب عَلَيْهِ أحد من الطّلبَة وَحج مَرَّات وجاور بِمَكَّة مَرَّات وَجمع مُخْتَصرا فِي الحَدِيث وشرحا على البُخَارِيّ فِي سِتّ مجلدات سَمَّاهُ التَّلْوِيح وَاخْتصرَ شرح البُخَارِيّ لِابْنِ الملقن فِي أَربع مجلدات والكرماني فِي ثَلَاثَة وَشرع غَايَة الِاخْتِصَار وَكتب نكتا على التَّنْبِيه فِي مجلدات وَغير ذَلِك وَكَانَ لَا يعرف شَيْئا من الْعُلُوم غير الْفِقْه وطرفا من الحَدِيث وينظم كثيرا وَلَا يعرف الْعرُوض وَكَانَ كثير التَّغَيُّر لَا يثبت على حَال وَلَا يبْقى على كلمة وَعِنْده صَبر وَاحْتِمَال ورياضة توفّي فِي الْمحرم سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بمقبرة الصُّوفِيَّة وَنزل عَن

ص: 100

غَالب وظائفه للسَّيِّد شهَاب الدَّين ابْن نقيب الْأَشْرَاف ولامه النَّاس على ذَلِك رَحمَه الله تَعَالَى

776

- مُحَمَّد بن عبد الدَّائِم بن مُوسَى الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم المفتن شمس الدَّين أَبُو عبد الله الْعَسْقَلَانِي الأَصْل الْبرمَاوِيّ الْمصْرِيّ مولده فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَأخذ عَن الشَّيْخ سراج الدَّين البُلْقِينِيّ وَالشَّيْخ سراج الدَّين ابْن الملقن وَالشَّيْخ زين الدَّين الْعِرَاقِيّ وَالشَّيْخ عز الدَّين ابْن جمَاعَة ومجد الدَّين الْبرمَاوِيّ وَالْقَاضِي بدر الدَّين ابْن أبي الْبَقَاء وَكَانَ فِي صغره فِي خدمته وَسمع الْكثير وَفضل وتميز فِي

ص: 101

الْفِقْه والنحو والْحَدِيث وَالْأُصُول وَكَانَت مَعْرفَته بِهَذِهِ الْعُلُوم الثَّلَاثَة أَكثر من مَعْرفَته بالفقه وَأقَام بِمصْر يشغل ويفتي فِي حَيَاة الشَّيْخ وَبعده وَهُوَ فِي غَايَة مَا يكون من الْفقر ثمَّ قدم دمشق فِي جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَعشْرين فَأكْرمه القَاضِي نجم الدَّين ابْن حجي وأنزله عِنْده وَجلسَ فِي الْجَامِع يقرىء وَاجْتمعَ عَلَيْهِ الطّلبَة وَظهر فَضله وَقصد بالفتاوى ثمَّ عَاد إِلَى مصر ثمَّ قدم دمشق ثَانِيًا فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين بِطَلَب من قَاضِي الْقُضَاة وناب فِي الْقَضَاء فِي ربيع الآخر من السّنة وَولي إِفْتَاء دَار الْعدْل عوضا عَن الشَّيْخ شهَاب الدَّين الْغَزِّي ثمَّ تدريس الرواحية ونظرها عوضا عَن الشَّيْخ برهَان الدَّين ابْن خطيب عذراء ثمَّ تدريس الأمينية عوضا عَن تَاج الدَّين بن الحسباني ودرس بهَا يَوْمًا وَاحِدًا وَغير ذَلِك من الْوَظَائِف وَكَانَ يشغل بالجامع ويجتمع عَلَيْهِ كثير من الطّلبَة وأقرأ فِي الجماديين وَرَجَب وَشَعْبَان الْمِنْهَاج فِي سنة والتنبيه فِي سنة أُخْرَى وَالْحَاوِي فِي أُخْرَى ثمَّ عَاد إِلَى مصر بعد عزل قَاضِي الْقُضَاة ومحنته فِي رَجَب سنة سِتّ وَعشْرين وَحج من مصر سنة ثَمَان وَعشْرين وجاور بِمَكَّة وَرجع إِلَى مصر فِي سنة ثَلَاثِينَ وَقد عين لَهُ تدريس الصلاحية بالقدس ونظرها وَذَلِكَ بمساعدة القَاضِي نجم الدَّين ابْن حجي فجَاء إِلَى الْقُدس فَأَقَامَ بهَا يَسِيرا

ص: 102

وتعلل وَمَات فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بمقبرة ماملا وَكتب شرحا على البُخَارِيّ لم يبيضه وَجمع شرحا على الْعُمْدَة سَمَّاهُ جمع الْعدة لفهم الْعُمْدَة وأفرد أَسمَاء رجال الْعُمْدَة وَله الألفية فِي الْأُصُول وَشَرحهَا أَخذ أَكْثَره من الْبَحْر للزركشي وَله منظومة أُخْرَى فِي الْفَرَائِض وَغير ذَلِك

777 -

مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن أَحْمد الإِمَام الْعَلامَة شمس الدَّين الْمصْرِيّ الْمَعْرُوف بالمنهاجي وَهُوَ سبط الشَّيْخ شمس الدَّين ابْن اللبان ولد سنة إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَسَبْعمائة واشتغل قَالَ الْحَافِظ شهَاب الدَّين ابْن حجر أمتع الله بِبَقَائِهِ وَمهر فِي مُدَّة قريبَة وأتقن الْفِقْه وَالْأُصُول والعربية وشغل النَّاس مُدَّة وَأقَام بِجَامِع عَمْرو بن الْعَاصِ يعْمل المواعيد ويشغل النَّاس بِالْعلمِ وانتفع بِهِ أهل مصر خُصُوصا وَكَانَ متواضعا منجمعا حسن النّظم والنثر لَهُ قصائد نبوية سائرة ومقاطيع مستحسنة حج فِي وسط عَام سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ فِي الْبَحْر وَحصل لَهُ فِي الطَّرِيق مشاق وَدخل مَكَّة فَحصل لَهُ قبُول تَامّ وَعمل بهَا عدَّة مواعيد

ص: 103

وأقرأ الحَدِيث وشغل بِالْعلمِ ثمَّ حج مَعَ النَّاس صَحِيحا فَلَمَّا ومى الْجَمْرَة فِي الثَّالِث مَاتَ فِي آخر النَّهَار وَدفن بجوار السيدة خَدِيجَة رضي الله عنها

778 -

مُحَمَّد بن عَطاء الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَحْمُود الإِمَام الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة شمس الدَّين أَبُو عبد الله الرَّازِيّ الأَصْل وَكَانَ يقصر عَلَيْهَا الْهَرَوِيّ ثمَّ الْمَقْدِسِي ولد سنة سبع وَسِتِّينَ اشْتغل بِالْعلمِ ببلاده وَأخذ عَن الْعَلامَة سعد الدَّين التَّفْتَازَانِيّ وَغَيره وَتقدم عِنْد تمر ثمَّ دخل بِلَاد الشَّام غير مرّة وَسكن الْقُدس فَأكْرمه الْأَمِير نوروز وفوض إِلَيْهِ الصلاحية بالقدس ودرس بهَا وتصدى للأخذ عَنهُ ثمَّ ولي قَضَاء الديار المصرية من قبل الْمُؤَيد وعزل القَاضِي جلال الدَّين ابْن الشَّيْخ بِهِ وَجَرت أُمُوره وتعصب جمَاعَة الشَّيْخ عَلَيْهِ وَحصل لَهُ إهانة ورافعه أهل الْقُدس لِأَنَّهُ ولي عَلَيْهِم نظر الْقُدس والخليل وَفهم الْمُؤَيد أَن ذَلِك تعصب عَلَيْهِ وحظ نفس فَرجع الْمَذْكُور إِلَى الْقُدس على تدريس الصلاحية وَغَيرهَا

ص: 104

ثمَّ ولي من قبل الْأَشْرَف بن سامي كِتَابَة السِّرّ بالديار المصرية مُدَّة يسيرَة ثمَّ الْقَضَاء عوضا عَن الْعَلامَة شهَاب الدَّين ابْن حجر مُدَّة يسيرَة أَيْضا ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْقُدس على تدريس الصلاحية وَحج فِي تِلْكَ السّنة وَعَاد إِلَى الْقُدس وَأقَام ملازما للاشتغال والإشغال وَالْفَتْوَى والتصنيف وَكَانَ إِمَامًا عَالما غواصا على الْمعَانِي يحفظ متون أَحَادِيث كَثِيرَة ويسرد جملَة من تواريخ الْعَجم وَكَانَ رَئِيسا مهابا حسن الشكالة ضخما لين الْجَانِب على مَا فِيهِ من طبع الْأَعَاجِم وَلَقَد سَمِعت الشَّيْخ شهَاب الدَّين ابْن حجي يثني عَلَيْهِ ويتعجب من سرده لتواريخ الْعَجم وَقَالَ لي الشَّيْخ جمال الدَّين الطيماني إِنَّه يحل الْكتب المشكلة ويتخلص مِنْهَا تخرج بِهِ جمَاعَة بِبَيْت الْقُدس وصف شرح مُسلم وَغَيره توفّي بِبَيْت الْمُقَدّس فِي ذِي الْحجَّة سنة تسع بِتَقْدِيم التَّاء وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَبنى بالقدس مدرسة وَلم يُتمهَا

779

- مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن أبي بكر القَاضِي الْعَالم جمال الدَّين الشيبي الْمَكِّيّ مولده فِي أول سنة ثَمَان وَسبعين وَسَبْعمائة رَحل إِلَى مصر وَالشَّام وَغَيرهمَا واشتغل فِي الْعلم وَأخذ عَن مَشَايِخ ذَلِك الْوَقْت وَرجع إِلَى مَكَّة وَولي إِمَامَة الْبَيْت فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَولي قَضَاء مَكَّة فِي شعْبَان سنة ثَلَاثِينَ قَالَ لي بعض عُلَمَاء مَكَّة وحفاظها كَانَ رحمه الله قد

ص: 105

أجمع النَّاس على محبته لَا ترَاهُ عين إِلَّا قرت بِرُؤْيَتِهِ وَلَا تسمع بِهِ أذن إِلَّا وأصغت لحسن سيرته وصنف تصانيف كَثِيرَة مِنْهَا شَيْء على الْحَاوِي الصَّغِير وَمِنْهَا كتاب سَمَّاهُ قلب الْقلب شحنه من الْفَوَائِد وأودعه دُرَر الفرائد دلّ على سَعَة اطِّلَاعه وَمِنْهَا كتاب الْأَمْثَال صنفه لصَاحب الْيمن الْملك النَّاصِر أَحْمد بن الْملك الْأَشْرَف وَفِي آخر حَيَاته صنف كتابا سَمَّاهُ اللَّطِيف فِي الْقَضَاء وَله ذيل على حَيَاة الْحَيَوَان سَمَّاهُ طيب الْحَيَاة وَدخل إِلَى شيراز وأكرمه صَاحبهَا وَوصل مراغة وبغداد وَكتب بِخَطِّهِ الْحَوَادِث من يَوْم بُلُوغه إِلَى يَوْم وَفَاته وَكَانَ خَاتم زَمَانه توفّي فِي شهر ربيع الآخر سنة سبع بِتَقْدِيم السِّين وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة

780 -

مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن إِبْرَاهِيم بن هبة الله ابْن الْمُسلم القَاضِي نَاصِر الدَّين بن كَمَال الدَّين بن فَخر الدَّين بن كَمَال الدَّين الْجُهَنِيّ ابْن الْبَارِزِيّ الْحَمَوِيّ نزيل الْقَاهِرَة وَكَاتب السِّرّ بهَا ولد فِي شَوَّال سنة تسع بِتَقْدِيم التَّاء وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَمَات أَبوهُ وَهُوَ صَغِير فِي سنة سِتّ وَسبعين فَنَشَأَ عِنْد أَخْوَاله واشتغل بِالْعلمِ وَحفظ الْحَاوِي الصَّغِير وعدة كتب وَكَانَ ذكيا فَتخرج فِي مُدَّة يسيرَة وَولي قَضَاء بَلَده سنة سِتّ وَتِسْعين ثمَّ عزل وأعيد وَولي كِتَابَة السِّرّ بِبَلَدِهِ جمع بَينهَا وَبَين

ص: 106

الْقَضَاء وَحصل لَهُ أَذَى كثير من نَائِب حماة أشبك بن أزدمر ثمَّ اتَّصل بِخِدْمَة الْأَمِير شيخ لما كَانَ نَائِب طرابلس فَلَمَّا أَخذ دمشق من الْأَمِير نوروز فِي سنة إِحْدَى عشرَة جَاءَ الْمَذْكُور إِلَيْهِ فولاه الخطابة بالجامع الْأمَوِي فَكَانَ يخْطب خطبا بليغة بفصاحة وَصَوت جَهورِي وَكَانَ يحضر مَعَ الْفُقَهَاء فِي قِرَاءَة البُخَارِيّ بدار السَّعَادَة وَظهر علمه وفضله وَقُوَّة إِدْرَاكه وَحسن أَدَائِهِ وَلما جَاءَ النَّاصِر فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة حصل لَهُ أَذَى من الأستادار جمال الدَّين ثمَّ ولي قَضَاء حلب مُدَّة يسيرَة ثمَّ عزل فِي ربيع الْأُخَر سنة أَربع عشرَة وَلما انتصر الْأَمِير شيخ على النَّاصِر فرج توجه القَاضِي نَاصِر الدَّين مَعَه فولاه كِتَابَة السِّرّ بالديار المصرية بعد أَن تسلطن بِثَلَاثَة أشهر فِي شَوَّال سنة خمس عشرَة وَتقدم عِنْده وَصَارَ أَكثر الْأُمُور مرجعها إِلَيْهِ ويستبد بِكَثِير مِنْهَا وَكَانَ كثير الإدلال على السُّلْطَان يُرَاجِعهُ ويرادده وَلَا يفعل إِلَّا مَا يُرِيد وَله الْحُرْمَة الوافرة وَكَانَ رَئِيسا كَبِيرا ذَا مُرُوءَة وعصبية وهمه عالية وَله فِي الْأَدَب الْيَد الطُّولى وَهُوَ من بَيت الرِّئَاسَة وَالْعلم وَقدم مَعَ السُّلْطَان فِي سنة سبع عشرَة فِي فتْنَة نوروز وَتوجه مَعَه إِلَى حلب وَعَاد الى مصر ثمَّ قدم ثَانِيًا فِي سنة ثَمَان عشرَة فِي فتْنَة قانبابي وَتوجه مَعَ السُّلْطَان إِلَى بِلَاد الشمَال وَرجع إِلَى مصر ثمَّ قدم مَعَ السُّلْطَان

ص: 107

ثَالِثا فِي سنة عشْرين ودخلوا أَطْرَاف بِلَاد الرّوم وفتحوا مدنا وقلاعا ثمَّ عَادوا إِلَى مصر قَالَ الْحَافِظ شهَاب الدَّين ابْن حجر امتع الله بِبَقَائِهِ فِيمَا كتب إِلَى ولي قَضَاء حلب لما ولي الْمُؤَيد بنائبها ثمَّ قدم مَعَه الْقَاهِرَة فاستقر فِي كِتَابَة السِّرّ وَكَانَ شهما مقداما متفوها كثير الاستحضار جَامعا بَين الْجد والهزل متعصبا لأَصْحَابه قَائِما بأمورهم صعبا على من يعاديه وَقد عظم أمره جدا فِي الدولة المؤيدية بِحَيْثُ سكن السُّلْطَان بعسكره فِي دَاره الَّتِي أَنْشَأَهَا بشاطىء النّيل وَصَارَ مدَار مُعظم الْأُمُور عَلَيْهِ وَجمع مَالا كثيرا جدا مَعَ بشاشة الْوَجْه وَحسن الْمُلْتَقى وملازمة السُّلْطَان إِلَى أَن أدْركهُ الْأَجَل المحتوم وَذكره فِي مُعْجَمه وَقَالَ يتوقد ذكاءه مَعَ بعد عهد بالإشغال والمطالعة يستحضر كثيرا من محفوظاته الْفِقْهِيَّة والأدبية وَغَيرهَا وينشد القصيدة الطَّوِيلَة الَّتِي حفظهَا من عشْرين سنة لَا يتلعثم فِيهَا وَلم أر لأبناء جنسه من يجْرِي مجْرَاه وَالله المسؤول أَن يعْفُو عَنهُ بمنه توفّي فِي شَوَّال سنة ثَلَاث وَعشْرين وَثَمَانمِائَة رَحمَه الله تَعَالَى

781 -

مَحْمُود بن أَحْمد بن مُحَمَّد الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة القَاضِي

ص: 108

المُصَنّف نور الدَّين الْحَمَوِيّ الْمَشْهُور بِابْن خطيب الدهشة قَاضِي حماة وعالمها ولد سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة واشتغل بِبَلَدِهِ على جمَاعَة ورحل إِلَى مصر وَالشَّام وَأخذ عَن علمائها وَسمع الحَدِيث ودرس وَأفْتى وصنف الْكثير فَمن تصانيفه مُخْتَصر الْقُوت للْأَذْرَعِيّ فِي أَرْبَعَة أَجزَاء سَمَّاهُ إِعَانَة الْمُحْتَاج إِلَى شرح الْمِنْهَاج ومختصر الْمطَالع وَشرح الكافية والشافية لِابْنِ مَالك والتقريب فِي علم الْغَرِيب وَغير ذَلِك وَولي الْقَضَاء بحماة من قبل الْمُؤَيد فباشره مُبَاشرَة حَسَنَة وَكَانَ عِنْده زهده وتقشف ثمَّ عزل وَتفرد مُدَّة بمشيخة حماة بعد موت رَفِيقه الشَّيْخ جمال الدَّين ابْن خطيب المنصورية وَكَانَ كثير الاستحضار وَلَكِن كَانَ فِيهِ غَفلَة وَعِنْده تساهل فِيمَا يَنْقُلهُ ويقوله وَأخذ عَنهُ جمَاعَة توفّي فِي شَوَّال سنة أَربع وَثَلَاثِينَ ووالده كَانَ من الغيوم وَقدم من الديار المصرية إِلَى حماة وَهُوَ من جمَاعَة الشَّيْخ أبي حَيَّان وَقَررهُ الْمُؤَيد فِي خطابه جَامع الدهشة حِين بناه وَله مصنفات مِنْهَا الْمِصْبَاح الْمُنِير فِي غَرِيب الشَّرْح الْكَبِير فِي مجلدين وَهُوَ كتاب نَافِع وَشرح عرُوض ابْن الْحَاجِب شرحا حسنا وَله ديوَان خطب لَا أعلم وَقت وَفَاته

782 -

مُوسَى بن مُحَمَّد بن نصر الشَّيْخ الْعَالم القَاضِي شرف الدَّين أَبُو الْفَتْح البعلي الْمَعْرُوف بِابْن السقيف مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَسَبْعمائة

ص: 109

أَخذ الْفِقْه والْحَدِيث بِبَلَدِهِ عَن الْخَطِيب جلال الدَّين وعماد الدَّين ابْن بردس وَقدم دمشق وَأخذ عَن الْمَشَايِخ الثَّلَاثَة شهَاب الدَّين الزُّهْرِيّ وَشرف الدَّين ابْن الشريشي وزين الدَّين الْقرشِي وَرجع إِلَى بَلَده وتصدى للإفتاء والاشتغال من سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَقَرَأَ عَلَيْهِ جمَاعَة وتميزوا وَحضر عِنْدِي بعض طلبته فرأيته فَاضلا يستحضر أَشْيَاء غَرِيبَة مليحة فَسَأَلته عَمَّن أخذت ذَلِك فَقَالَ عَن الشَّيْخ شمس الدَّين الْمَذْكُور وَأَخْبرنِي أَنه كَانَ لَهُ ورد فِي اللَّيْل لَا يخل بِهِ فِي حضر وَلَا سفر وينكر الْمُنكر وَولي قَضَاء بعلبك مرَارًا فباشره على وَجه حسن وَكَانَ أفقه من بَقِي بِبَلَدِهِ مَعَ مُشَاركَة فِي الْأُصُول والنحو والفرائض وَكَانَ يلازم الِاشْتِغَال وَيُحب طلبة الْعلم ويبرهم وَكَانَ سليم الْبَاطِن توفّي بِبَلَدِهِ فِي جُمَادَى الأخرة سنة ثَلَاث وَعشْرين وَثَمَانمِائَة

783 -

يحيى بن يحيى بن أَحْمد بن حسن الشَّيْخ الْعَالم الْمُحدث الْفَقِيه

ص: 110

الْوَاعِظ أقضى الْقُضَاة محيى الدَّين أَبُو زَكَرِيَّا القبابي الْمصْرِيّ ثمَّ الدِّمَشْقِي مولده فِي أَوَاخِر سنة سِتِّينَ أَو أول سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ اشْتغل بِالْقَاهِرَةِ وَأقَام بمدرسة السُّلْطَان حسن وَحفظ التَّنْبِيه ومختصر ابْن الْحَاجِب والألفية وَأخذ عَن الشَّيْخ سراج الدَّين البُلْقِينِيّ وَابْن الملقن والأبناسي وَغَيرهم من عُلَمَاء الْعَصْر وَأخذ الحَدِيث عَن الشَّيْخ زين الدَّين الْعِرَاقِيّ وَالْأُصُول عَن الشَّيْخ عز الدَّين ابْن جمَاعَة والنحو عَن الشَّيْخ محب الدَّين ابْن هِشَام ثمَّ حفظ الْحَاوِي الصَّغِير وتميز وَفضل وَقدم دمشق فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَحضر الْمدَارِس مَعَ الْفُقَهَاء فاشتهر فَضله وَأثْنى الْمَشَايِخ عَلَيْهِ بَلغنِي أَن الشَّيْخ شهَاب الدَّين الْمَذْكُور وَقَرَأَ عَلَيْهِ نصف الْمُخْتَصر وَأذن لَهُ بالإفتاء وَعمل ميعادا بالجامع قبل الْفِتْنَة بِيَسِير وازدحمت النَّاس عَلَيْهِ فَلَمَّا وَقعت الْفِتْنَة افْتقر فَاحْتَاجَ أَن يُقيم بقرية فِي

ص: 111

الْبر فَذهب إِلَى بَيت روحا فَأَقَامَ بهَا مُدَّة ثمَّ سَافر إِلَى مصر فَلم يحصل بهَا شَيْئا فَعَاد وَدخل فِي المواعيد فَأقبل عَلَيْهِ النَّاس لعلمه وفصاحته وانتفع بِهِ جمَاعَة من الْعَوام وَقَرَأَ صَحِيح البُخَارِيّ للأمير نوروز مرَّتَيْنِ واستنابه القَاضِي نجم الدَّين ابْن حجي فِي سنة إِحْدَى عشرَة وباشر لمن بعده من الْقُضَاة وَلم يحمد فِي ذَلِك وَكَانَ فِي بَصَره ضعف ثمَّ إِنَّه تزايد إِلَى أَن أضرّ قبل الثَّلَاثِينَ وَهُوَ مُسْتَمر على مُبَاشرَة نِيَابَة الْقَضَاء وَرُبمَا أَخذ بِيَدِهِ وَعلم وَكَانَ يكْتب عَنهُ فِي الْفَتْوَى وَيكْتب هُوَ إسمه ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الدولعية وناب فِي تدريس الشامية البرانية مرَّتَيْنِ وَكَانَ فصيحا ذكيا فَاضلا فِي فنون جيد الذِّهْن حسن الظَّاهِر وَالْبَاطِن لين العريكة سهل الانقياد قَلِيل الْحَسَد والغيبة وَعِنْده مُرُوءَة وعصبية وَفِي أَوَاخِر عمره بعد موت رفقته دخل الْجَامِع واشتغل وأقرأ التَّنْبِيه والمنهاج وَالْحَاوِي خلا كل وَاحِد فِي مُدَّة أشهر لَكِن من غير مطالعة وَلَا تَحْرِير بل يجْرِي على الظَّوَاهِر توفّي فِي صفر سنة أَرْبَعِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير شَرْقي قبر سيدنَا بِلَال رضي الله عنه بِالْقربِ من جادة الطَّرِيق وقباب قَرْيَة من قرى أشموم الرُّمَّان من الْوَجْه البحري من الديار المصرية وَكَانَ وَالِده خطيب الْقرْيَة الْمَذْكُورَة وقباب قَرْيَة بالعراق بِقرب يعقوبا وقباب محلّة بنيسابور

ص: 112

784

- يُوسُف بن إِسْمَاعِيل بن يُوسُف الأنبابي بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون النُّون بعْدهَا موحدتان بَينهمَا ألف الْمصْرِيّ الشَّيْخ جمال الدَّين قَالَ الْحَافِظ شهَاب الدَّين ابْن حجر أمتع الله بِبَقَائِهِ ولد سنة سِتِّينَ فِيمَا أَظن كَانَ يذكر لَهُ نسبا إِلَى سعد بن عبَادَة الْأنْصَارِيّ وَكَانَ أَبوهُ مِمَّن يَعْتَقِدهُ المصريون وَبنى لَهُ زَاوِيَة بأنبابة فِي الْبر الغربي بالجيزة وَنَشَأ وَلَده هَذَا محبا فِي الْعلم فَسمع من شيوخها وَمهر فِي الْعَرَبيَّة ولازم شَيخنَا الْعِرَاقِيّ وَكَانَ يعظمه ثمَّ انْقَطع بزاوية أَبِيه يشغل النَّاس بِالْعلمِ وَيكرم الواردين فاشتهر أمره وَصَارَ للترك فِيهِ اعْتِقَاد وَحج مَرَّات مَاتَ فِي شَوَّال سنة ثَلَاث وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَدفن بزاوية وَالِده وَخلف مَالا طائلا

ص: 113

هَذَا آخر كتاب طَبَقَات الْفُقَهَاء وَللَّه الْحَمد والْمنَّة وَله الشُّكْر وَالنعْمَة وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على أشرف الْخلق سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ نجزت هَذِه النُّسْخَة الْمُبَارَكَة فِي عَاشر شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة على يَد العَبْد الْفَقِير الذَّلِيل الراجي عَفْو ربه الْملك الْجَلِيل مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن سيف الْحِمصِي الشَّافِعِي جعله الله من أهل الْعلم وزينه بالحلم وَختم لَهُ بِخَير وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين آمين

اتّفق الْفَرَاغ من كتاب الطَّبَقَات فِي ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة وَبلغ مُقَابلَة هَذِه النُّسْخَة على أَصْلهَا الْمَنْقُول مَعَ كِتَابَة الزَّوَائِد الَّتِي بحواشيها وَكتبه مُؤَلفه أَبُو بكر بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد بن ذُؤَيْب الْأَسدي ابْن قَاضِي شُهْبَة عَفا الله عَنهُ هَذَا مَا وجد بخاتمة نُسْخَة ش

وَكَانَ الْفَرَاغ من نسخهَا يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشْرين من ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة علقها لنَفسِهِ العَبْد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّزَّاق الأريحي الشَّافِعِي غفر الله لَهُ ولوالديه وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين

قَالَ المُصَنّف شَيخنَا وأستاذنا الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام بَقِيَّة الْمُجْتَهدين أمتع الله الْوُجُود بِوُجُودِهِ وأفاض عَلَيْهِ سَحَاب نعمه وجوده اتّفق الْفَرَاغ فِي تصنيفها فِي ذِي الْقعدَة الْحَرَام سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة وَكتب بِخَطِّهِ الْكَرِيم مَا صورته وَكتب مُؤَلفه أَبُو بكر بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن ذُؤَيْب الْأَسدي ابْن قَاضِي شُهْبَة الشَّافِعِي

ص: 114

بلغ مُقَابلَة بِأَصْلِهِ كَأَنَّهَا على نُسْخَة مُقَابلَة عَلَيْهَا خطّ شَيخنَا المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى زَاد فِي الطَّبَقَات زيادات كَثِيرَة كتبهَا بِخَطِّهِ فزدتها ونقلتها من خطه وعَلى النُّسْخَة الْمُقَابلَة عَلَيْهَا خطّ الْحَافِظ شهَاب الدَّين ابْن حجر أمتع الله الْمُسلمين بحياته وَكتب عَلَيْهَا فَوَائِد وأرسلها إِلَى شَيخنَا المُصَنّف فَلَمَّا وقف عَلَيْهَا أعجبه ذَلِك وَقَالَ وقف على هَذَا الْكتاب الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة حَافظ الْعَصْر وأستاذ المؤرخين قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدَّين أَبُو الْعَبَّاس احْمَد بن حجر أمتع الله الْمُسلمين بِوُجُودِهِ وأفاض عَلَيْهِ من سَحَاب كرمه وجوده وَأصْلح فِيهِ مَوَاضِع وَأفَاد جملَة من الْفَوَائِد وَكَانَ ذَلِك كَالشَّهَادَةِ للْكتاب بالتزكية وَالْقَبُول فَللَّه الْحَمد والْمنَّة وَكتبه أَبُو بكر بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن قَاضِي شُهْبَة الْأَسدي الشَّافِعِي

وَفِي ختام نُسْخَة م مَا نَصه

وَكَانَ الْفَرَاغ من نسخهَا نَهَار الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر شهر الله الْمحرم الْحَرَام من شهور سنة أَربع وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة على الْفَقِير إِلَى عَفْو مَوْلَاهُ الْقُدس عمر بن عَليّ بن أَحْمد المارديني الْخَفي عَامله الله بجميل لطفه الْخَفي وَغفر لَهُ ولوالديه ولمشايخه وَلكُل الْمُسلمين أَجْمَعِينَ وَذَلِكَ على بَاب الشامية البرانية رحم الله واقفتها وَنور ضريحها آمين

ص: 115