المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌طرسوس بلد العلم والرباط: - طرسوس صفحة من جهاد المسلمين في الثغور

[جميل عبد الله محمد المصري]

الفصل: ‌طرسوس بلد العلم والرباط:

‌طرسوس بلد العلم والرباط:

كانت طرسوس كسائر الأمصار الإسلامية تعج بدور العلم التي لها صلة قوية بالجهاد، حيث اتخذ بعض العلماء داره الخاصة مكاناً للتعليم، وقدم إليها عدد من التابعين، واستوطنوها منذ تأسيسها، وحدّثوا فيها، وشاركوا في الرباط، والجهاد، وسمع عليهم عدد من أهل طرسوس، ورووا عنهم، ثم تناقلته الأجيال. ورحل إليها عدد من العلماء وطلاب الحديث من شتى أنحاء العالم الإسلامي لسماع الحديث من مشايخها، أو نقله إلى طلابها. وانتقل بعض علمائها إلى بغداد، أو دمشق أو غيرهما من أمصار العالم الإسلامي.

وكان الإمام أحمد بن حنبل يخرج ماشياً إلى طرسوس، وشارك في الرباط والجهاد1. ومشى إليها أبو حاتم الرازي الحنظلي الغطفاني في طلب الحديث2. وكان يحدث بها محمد بن سعيد- أبو بكر البغدادي3، ومحمد بن عبد الله القطان رحل من بغداد، كان أحمد بن حنبل يكرمه، ومات بطرسوس4. ومحمد بن عبد الله أبو بكر المقرئ البغدادي، سكن طرسوس، ثم قدم إلى دمشق عام 340 هـ، وحدث بها5. ووردها النسائي أحمد بن شعيب الخراساني صاحب السنن وعبد الله بن أحمد بن حنبل وكيلجة وهو محمد بن صالح البغدادي أبو بكر الأنماطي6.

وانتقل زهير بن محمد بن قمير- أبو محمد المروزى- من بغداد إلى طرسوس فرابط بها إلى أن مات عام 258 هـ7. ووردها الأصم- محمد بن يعقوب بن يوسف، وسمع بها الحديث من أبي أمية الطرسوسي8. وسكنها المحدث محمد بن إبراهيم بن أمية الطرسوسي9 ونسب إليها. وابن الخشاب- أبو الفرج أحمد بن القاسم البغدادي، وكان قد حدث بدمشق وغيرها10 وسكنها محمد بن العباس أحد المحدثين، وقد حدّث ببغداد11.

1 سير أعلام النبلاء 11/210، 211، 311

2 نفسه 13/255.

3 تاريخ بغداد 5/ 311.

4 نفسه 5/416.

5 نفسه 5/452

6 سير أعلام النبلاء 14/ 130.

7 سير أعلام النبلاء 12/ 361 تاريخ بغداد 8/ 485، 486.

8 نفسه 15/456.

9 نفسه 17/ 415، 13/ 91، 92، 1/ 395، 396، ياقوت- معجم البلدان 4/ 29

10 نفسه 16/151، 156

11 تاريخ بغداد 12/ 590.

ص: 136

وأبو ثوبة- الربيع بن نافع الحلبي نزيلها1. وأبو معاوية الأسود وقد حج من طرسوس2. ومن علمائها المشاهر: إبراهيم بن محمد بن الصباح الطرسوسي الذي سمع أبا عبد الله الصيدلاني البغدادي3. كما توفي فيها عباد بن موسى الختلي4، ونزلها أبو القاسم بن محمد الكرماني5 وقدمها عمر بن محمد بن أبي خيثمة للغزاة، وحدث بها6، وأبو الآذان عمر بن إبراهيم7 وقدمها يحي بن عبد الباقي الثغري- أبو القاسم- من أهل أذنة. وكان قد قدم بغداد وحدث بها. وتوفي بطرسوس عام 293 هـ8. ونزلها إبراهيم بن الحارث من نسل عبادة بن الصامت رضي الله عنه أبو اسحق العبادي- وكتب عنه تلاميذه بها، وبأنطاكيا9. وحدث بها أحمد بن محمد ين الحجاج المروزي10 ومحمد بن مصعب القرقساني11، وعلي بن إسماعيل الذي امتدح قمع المتوكل لفتنة خلق القرآن12، وسعيد بن مسلم13.

وسكنها حامد بن أحمد الزيدي [أبو أحمد المروزي] ورابط بها وكان له عناية بحديث زيد بن أبي أنيسة، وجمعه، وطلبه، فنسب إليه. ثم قدم بغداد وحدّث بها14. وعاش فيها محمد بن أحمد بن موسى [أبو بكر العصفري] ، وهو بغدادي سكن طرسوس وحدّث بها15. ونزلها محمد بن مسعود بن يوسف أبو جعفر النيسابوري [ابن العجمي] ورابط في طرسوس، وتوفي بها16، وأحمد بن الصقر [أبو سعيد البصري] كان أصله من طرسوس،

1 سير أعلام النبلاء10/653، 654.

2 نفسحه 9/ 79.

3 تاريخ بغداد 3/ 26.

4 نفسه 11/108

5 سير أعلام النبلاء 13/ 245.

6 تاريخ بغداد 11/235.

7 نفسه 11/215

8 نفسه 4 1/228.

9 نفسه 6/55.

10 نفسه 6/214، 7/319.

11 نفسه 7/170.

12 تاريخ بغداد 7/ 170.

13 نفسه 9/165.

14 تاريخ بغداد 8/ 171، سير أعلام النبلاء5 1/369.

15 نفسه 1/375.

16 نفسه 3/310، العبر 1/354.

ص: 137

وسكن بغداد، وحدّث بها1. وقدمها المحدّث أحمد بن محمد أبو بكر الدرهمي، وقدم منها إلى بغداد2.

وتوفي بها مسلم بن أبي مسلم الجرمي، وكان ممن حدّث ببغداد3، ومحمد بن إسماعيل بن أبي سمينة البصري المحدث. وكان غزاءً من شجعان الناس4.

واشتهرت طرسوس كسائر أمصار الإسلام بالربط، وكانت تتخذ ملجأ للفقراء، والزهاد، ومنازل للعلماء، والطلاب الراحلين لطلب العلم أو نشره، ومكاناً لتعليم القرآن الكريم، والحديث، والوعظ. وتخرج الدعاة والمجاهدين. وقد عجّت المدينة بالمرابطين الغزاة والصالحين، الذين وردوها محتسبين لله، وتحملوا عبء الجهاد، وحملوا شرفه إلى جانب أهل طرسوس المرابطين. اذكر منهم إلى جانب من ذكرنا:

ابن القاصّ الطبري- أبو العباس أحمد بن أبي أحمد، فقيه طبرستان، صنف كتباً كثيرة صغيرة الحجم، كثيرة الفائدة. وكان يعظ الناس، وضرب بنفسه المثل، فسافر إلى طرسوس، وأصبح فقيهها، وتوفي مرابطاً بها. وكان يملي الحديث على تلاميذه، بالمسجد الجامع5.

ووردها إبراهيم بن أدهم الزاهد المعروف6. وعبد الله بن المبارك الذي كان كثير الاختلاف إلى طرسوس7 وأظهر فيها من ضروب الشجاعة في الجهاد، وأملى عام 177 هـ قصيدته المشهورة بطرسوس على محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة، وأنفذها معه إلى الفضيل بن عياض وفيها:

ياعابد الحرمين لو أبصرتنا

لعلمت أنك في العبادة تلعب

من كان يخضب خده بدموعه

فنحورنا بدمائنا تتخضّب

أو كان يتعب خيله في باطل

فخيولنا يوم الصبيحة تتعب

ريح العبير لكم ونحن عبيرنا

رهج السنابك والغبار الأطيب

والقرآن أتانا من مقال نبيّنا

قول صحيح صادق لا يكذب

1 تاريخ بغداد 4/206

2 نفسه 4/426

3 نفسه 13/100

4 نفسه 2/ 4، سير أعلام النبلاء10/ 694.

5 سير أعلام النبلاء 15/372، تاريخ بغداد 1/353، ابن خلكان ا/ 68، 8/7 30.

6 سير أعلام النبلاء 7/ 389

7 سير أعلام النبلاء 8/ 386،408، 412، تاريخ بغداد 4/ 6 1 4.

ص: 138

لا يستوي وغبار خيل الله في أنف

امرئ ودخان نار تلهب1

هذا كتاب الله ينطق بيننا

ليس الشهيد بميت لا يكذب

ولما وصل كتابه إلى الفضيل في الحرم المكي، قرأه وبكى، ثمّ قال: صدق أبو عبد الرحمن ونصح. والأبيات تصور حياة طرسوس المجاهدة أجمل تصوير. وسمع بعضهم ابن المبارك وهوينشد على سورطرسوس2:

ومن البلاء وللبلاء علامة

أن لا يرى لك عن هواك نزوع

العبد عبد النفس في شهواتها

والحرّ يشبع مرة ويجوع

وقدم طرسوس علي بن عثام العامري الكوفي نزيل نيسابور، وخرج من نيسابور عام 225 هـ، وحج، وذهب إلى طرسوس، فأقام بها وتوفى بها مرابطاً3.

وقدمها وكيع بن الجراح- أبو سفيان الرؤاسي الكوفي، وحسن أخو زيدان4. ومحمد بن أحمد بن الريحاني البغدادي، وسكن طرسوس5. وسماك بن عبد الصمد الأنصاري في عام 282 هـ6.

ونزلها للغزو أحمد بن سعيد أبو الحسن الصولي ومات بها7. وأحمد بن محمد الضراب الدينوري8، والمحدث أحمد بن محمد بن أبي عثمان الغازي، خرج إليها غازيا ومات بها9 وأبو الخير التيناتي الأقطع- ويقال اسمه حماد، سكن تينات من أعمال حلب، وسكن جبل لبنان مدة، ثم سكن ثغر طرسوس وجاهد هناك10. وابن الحيري الحافظ أبوسعيد أحمد بن أبي بكر النيسابوري الشهيد، استشهد بطرسوس عام 353 هـ، وله خمس وستون سنة11.

1 يشر إلى الحديث الذي أخرجه أحمد 2/ 256، 242، 441، والنسائي، والحاكم، والبيهقي "لا يجتمع غبار في سبيل الله، ودخان جهنم في جوف عبد أبداً ""ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبداً" سير أعلام النبلاء- الحاشية 8/ 412.

2 سير أعلام النبلاء 8/417.

3 نفسه 10/571، العبر 1/317.

4 نفسه 9/145.

5 تاريخ بغداد 1/320.

6 تاريخ بغداد 9/217.

7 نفسه 4/172.

8 نفسه 4/427.

9 نفسه 5/23.

10 سير أعلام النبلاء 16/23.

11 نفسه 16/296.

ص: 139

وأحمد بن محمد بن ثابت بن النعمان الخزاعي المروزي- ابن شبويه- توفي بطرسوس1 وأبو حمزة البغدادي- محمد بن إبراهيم، وكان كثير الرباط والغزو2. وأبو بكر محمد بن الإمام ابن أبي عثمان سعيد بن إسماعيل النيسابوري الحيري. وكان من كبار الغزاة في سبيل الله، ورابط بطرسوس3.

وكان الذي يذهب في الجهاد في الثغور يحظى باحترام الناس، ويكون موضع تقديرهم، وعطفهم، فاستغل بعض ضعاف النفوس ذلك، وقد سجل لنا التاريخ قصة أحد أعوان الحلاج، الذي تظاهر بالعمى، ثم أبرأه الحلاج، فضرب للناس على وتر الجهاد بالخروج إلى طرسوس، وكان ببلاد الجبل. فقال للناس:

"إن من حق الله عندي، ورده جوارحي علي، أن أنفرد بالعبادة انفراداً أكثر من هذا، وأن يكون مقامي في الغزو، وقد عملت على الخروج إلى طرسوس، فمن كانت له حاجة تحمّلتها". فأخرج هذا ألف درهم. وقال: "أغز بهذه عني"، وأخرج هذا مائة دينار وقال:"أخرج بها غزاة من هناك". وأعطاه كل أحد شيئا، فاجتمع له ألوف دنانير، ودراهم. فلحق بالحلاج، وقاسمه عليها4.

وقد أوردت هذا الخبر ليعرف القارئ مقدار ما كان الجهاد في طرسوس من أهمية كبيرة في قلوب المسلمين، باعتبارها الثغر المتقدم للإسلام في مواجهة الروم.

وقد ذكرنا كثيراً من قادة المسلمين ومشاهيرهم وخلفائهم ممن وردها، وأضيف هنا: عمرو بن مسعدة بن سعيد بن صول الكاتب- أبو الفضل- أحد وزراء المأمون. وورد إذنة وتوفي بها عام 217 هـ5. والقاضي جعفر بن عبد الواحد- أبو عبد الله- وتوفي بطرسوس عام 258 هـ6. والقاضي أبو عبيد القاسم بن سلام، الذي كان فاضلاً في دينه، وعلمه، متفنناً في أصناف علوم الإسلام، من القراءات، والفقه، والعربية، والأخبار، وأشهر من فسّر غريب الحديث، ولي قضاء طرسوس ثماني عشرة سنة7 أثناء ولاية ثابت بن نصر بن

1 نفسه 11/8

2 نفسه 13/166.

3 نفسه 15/251.

4 ابن خلكان 2/143، تاريخ بغداد 8/ 122- 123.

5 ابن خلكان 3/ 476.

6 نفسه 6/165.

7 ابن خلكان 4/ 61، 62، سير أعلام النبلاء10/ 492، 501، تاريخ بغداد 412/413.

ص: 140

مالك الخزاعي الذي ولي طرسوس ثماني عشرة سنة1. وولي قضاءها صالح بن أحمد بن حنبل2، وموسى بن داود الضبي الخلقاني، وتوفي بها عام 216 هـ. وكان يوصف بأنه قاضي طرسوس وعالمها3.

من هذا العرض تظهر صلة طرسوس القوية بأمصار الإسلام، وتتبنّ مظاهر الاحترام والتقدير، الذي حظيت به طرسوس في قلوب المسلمين، من مختلف طبقاتهم، الحكام والوزراء، والأمراء، والعلماء، وقادة الجيوش، وأرباب الجهاد، والعامة. فكانت تظهر فيها عظمة الإسلام والمسلمين، فكان يقال:

"من محاسن الإسلام يوم الجمعة ببغداد، وصلاة التراويح بمكة، ويوم العيد بطرسوس"4 إذ كانت تظهر في طرسوس الأبهة الإسلامية بأجلى معانيها، لغيظ الكفار، وإلقاء الرعب في قلويهم في العيدين، فكانت تسطع فيها الأنوار، في ليالي العيد، وتتجاوب أصوات المسلمين بالتهليل، والتكبير، وتزدحم الأنهار بالزوارق المزينة بأبهى الزينات، وتسطع من جوانبها أنوار القناديل، ويخرج الناس بأسلحتهم ودراعاتهم بدل دروعهم، وعليها يكتب:"فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم".

وسقطت طرسوس، وبقيت مسيرة الإسلام بين مدّ وجزر، وفتحت صفحات أخرى من الجهاد وفي ثغور أخرى. وتبقى المسيرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ويبقى التزام المسلمين بإسلامهم هو سبب عزتهم. وبدونه تكون لهم المذلة.

1 تاريخ بغداد 12/ 415.

2 نفسه 9/318

3 نفسه 1/33، سير أعلام النبلاء0 1/ 36 1.

4 انظر تاريخ بغداد 1/ 47، المدور- حضارة الإسلام في دار السلام ص 22، حسن إبراهيم- تاريخ الإسلام 2/ 435، المسالك والممالك

ص: 141