الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
…
تقديم
بقلم د/ أكرم ضياء العمري
رئيس المجلس العلمي
الحمد لله حق حمده والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وأصحبه ومن اتبعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد اطلعت على هذا البحث الذي كتبه الأستاذ/ رجارد بليت باللغة الإنكليزية ونشره في مجلة الشرق الاقتصادي والاجتماعي في سنة 1970م بعنوان (Aquantitative approach to medieval muslim biographical dictionaries.) وقد أعجبتني النتائج الجريئة التي وصل إليها من خلال استخدام الطرق الإحصائية في دراسة تراجم رواة الحديث في نيسابور التي ضمها كتابا الحاكم النيسابوري (ت405هـ) وعبد الغافر الفارسي (ت529هـ) وقد تبدو بعض الملاحظات متعسفة، ولكن منهج البحث بين جدوى استخدام الطرق الكمية في
الدراسة التاريخية أحيانًا وخاصة في النواحي الاجتماعية والاقتصادية التي نحس بفقر مصادرنا فيها، في حين تتضخم فيها الجوانب السياسية والأدبية.
فقد تمكن الباحث ببراعة من الوصول إلى الطرق المسلوكة نحو نيسابور في القرون الهجرية الخمسة الأولى وحجم حركة النقل عليها من خلال الدراسة الكمية لنسبة العلماء إلى المدن توصل إلى متوسط العمر العلماء في تلك الحقبة وهو 75 سنة ميلادية. وقد استعان الباحث بالرسوم البيانية، وحاول مطابقة النتائج الإحصائية بالمعلومات التاريخية التي تقدمها كتب التاريخ العام. موضحا أثر الأحداث السياسية على النشاط الاقتصادي وخاصة حركة النقل البري من نيسابور وإليها، وظهور قوة مدن أخرى تنافسها سياسياً واقتصادياً مثل بخارى في عهد السامانيين بالإضافة إلى أثر تنامي استقلال خراسان عن الخلافة العباسية ببغداد مما يضعف حركة التجارة بين المركزين. مع الإشارة إلى أثر الصراع بين السامانيين والبويهيين والغزنويين والسلاجقة على حركة النقل والتجارة في المنطقة.
ونظراً للجدة في منهج المؤلف في نطاق الدراسات التاريخية العربية وللطرافة في نتائج البحث مهما بدا فيها من
تعسف أحياناً فقد اقترحت على الأستاذ الفاضل/ شاكر نصيف العبيدي القيام بترجمة هذا البحث إلى اللغة العربية فقام بذلك مشكورًا وطلب مني أن أسجل بعض التعليقات الضرورية دفعًا للبس أو إيضاحًا لوهم ربما حصلا بسبب ثقافة الكاتب الغربية وعدم وضوح معالم الثقافة الإسلامية في ذهنه بدقة، وقد تبنى المجلس العلمي في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة نشر هذا البحث خدمة لمحبي الدراسات التاريخية، والله من وراء القصد.
طريقة كمية لدراسة معاجم التراجم الإسلامية في العصور الوسطى
(بحث بقلم رجاردو. بليت، نشر بالإنكليزية في مجلة الشرق الاقتصادي والاجتماعي - المجلد الثالث عشر - الجزء الثاني - نسيان 1970م) .
ترجمة شاكر نصيف لطيف العبيدي / الأستاذ المساعد في قسم اللغات الأوربية / كلية الآداب / جامعة بغداد.
مقدمة
إن الغرض من هذا البحث هو استكشاف طريقة لدراسة معاجم التراجم الإسلامية في العصور الوسطى1 -والتي ستكون حسب اعتقادي- ذات فائدة عظيمة للمؤرخ الاجتماعي والاقتصادي.
إن الأساس الذي تقوم عليه هذه الطريقة هو تركيب معاجم التراجم تلك وطريقة تأليفها، وبالطبع فإن هذه المؤلفات يختلف بعضها عن البعض الآخر اختلافاً كبيراً. إنها تختلف من حيث موضوعاتها الأساسية، فبعضها يدرج أسماء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبعضها يذكر جميع العلماء المقيمين في مدينة معينة أو ينتمون إلى فرقة دينية معينة، وبعضها يذكر جميع الأشخاص الذين توفوا في قرن معين، وهكذا دواليك، كما أنها تختلف من حيث التنظيم فبعضها يتبع الحروف الهجاء بدقة وبعضها مقسم
1 إن مصطلح العصور الوسطى يرتبط بتقسيم التاريخ الأوربي، ويمثل حقبة مظلمة، وهي تقابل حقبة مضيئة في التاريخ الإسلامي، فينبغي عدم سحب ظل هذا المصطلح القاتم على التاريخ الإسلامي.
على أساس الفترات التاريخية المتعاقبة وبعضها مقسم إلى طبقات قائمة على أساس زمني1، ولكنها تستند في جوهرها على آراء شخصية، كما أنها تختلف أكثر من ذلك في المحتويات الأساسية للتراجم الفردبة، إن الصفة الوحيدة التي تشترك فيها جميع التراجم تقريبا في المسألة الأخيرة هي أنها قلما تتضمن معلومات عن سير الأفراد مما يعتبر ذا أهمية تاريخية، ومع ذلك فإن هناك صفات معينة تشترك بها هذه التراجم مما يجعلها ذات قيمة بالنسبة للمؤرخ، إن الصفتين المهمتين من هذا النوع هما توفر كمية من المعلومات المتعلقة بالسير القياسية نسبياً ودرجة من العشوائية في اختيار الأشخاص الذين تتضمنهم الكتب، ولا نحتاج إلى جهد لإثبات النقطة الأولى فنظرة عابرة في كتاب بروكلمان (تاريخ الأدب العربي) تكفي لإقناع أي شخص بأن عدد التراجم الشخصية الموجودة قد تصل إلى مئات الألوف وربما الملايين، إلا أن النقطة الأخيرة أقل وضوحاً، ويمكن القول في هذا الوقت بأنه بينما يكون اختيار التراجم ليس بعشوائي كما هي الحالة في الطبقات الاجتماعية، نجد الأمر كذلك بكل تأكيد في الحالات الأخرى كما هي حال الأسماء الأولى. إن كتب التراجم تختلف -طبعا- بصورة كبيرة بالنسبة للطرق التي يظهر بها الاختيار العشوائي، إن هذه الصفحات جميعاً
1 ينبغي تفطن إلى أن الأساس الزمني للطبقات ليس محدداً، صحيح أن الطبقات اللاحقة تكون غالباً متأخرة زمنياً عن الطبقات السابقة، ولكن يوجد تداخل كبير بين الطبقات من الناحية الزمنية ما عدا كتاب الإسلام للذهبي، ففيه
بالطبع تمثل مؤشرات لنوع من معالجة الكمية أو الإحصائية وإن المقال الحاضر موجه إلى استكشاف هذا الخط من البحث.
لم ينشر لحد الآن إلا القليل في هذا المضمار، إذ أن العلماء اعتادوا على استعمال كتب التراجم كما أراد لها مؤلفوها، أي كمصادر أو مراجع، والسبب في ذلك لا تصعب معرفته، إذا بدا أن الشاذ النادر من التراجم فقط يحتوي على معلومات ذات قيمة تأريخية، فمن الواضح كذلك أنه ليس بالإمكان أن نتعلم إلا النزر القليل عن طريق (دراسة الكمية) لجميع التراجم الشاذة. وهكذا فإن المسألة هي كيف يمكن أن نستفيد فائدة ذات معنى من هذا الضرب من الكتابة، والذي تكمن فيه حقاً فائدة كبيرة؟ في المرحلة الحالية للبحث في هذه الطريقة الكمية قد تكون الجهود معرضة لأن تثقل بصورة كبيرة بافتراضات تجعلها الطريقة تأملية إلى حد ما، من النادر ورود معلومات موثقة في مجال التاريخ الاجتماعي أو الاقتصادي في المصادر الإسلامية للقرون الوسطى مما يجعل من العسير إثبات النتائج التي يتوصل إليها بالوسائل الكمية، وهكذا تبقى هذه النتائج غير نهائية إلى أن يتم تطور وسائل البحث تطورًاً كاملاًً، ومع ذلك فإني أرى
أن لا بد من الشروع بالاستفادة من أعظم مصدر للمعلومات عن الشرق الأوسط في القرون لم يطرق لحد الآن.