الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
لقد رُجع إلى كتابين للتراجم في تهيئة هذا البحث وهما: (تاريخ نيسابور) لمحمد بن عبد الله البيع النيسابوري المتوفى في 405هـ والمعروف بالحاكم النيسابوري، و (السياق لتاريخ نيسابور) لعبد الغافر بن إسماعيل الفارسي المتوفى في 529هـ، إن المخطوطات الموجودة لهذين المؤلفين نشرت تصويراً في كتاب (تاريخ نيسابور) الذي حرره"د. ن فراى"، وهناك مخطوطة للمصدر الأول التي تزيد على معجم للقاموس الأصلي المتعدد الأجزاء، حيث لا يرد في أغلب كتب التراجم الكثيرة من المعلومات عن صاحب الترجمة إلا اسمه.
أما المؤلف الثاني فيوجد في مخطوطتين كل منهما تحتوي على تراجم لا تحتويها المخطوطة الأخرى، إلا أن الظاهر أن المخطوطتين تحتويان فيما بينهما جميع التراجم التي تحتويها الأصل باستثناء عدد قليل.
إن المؤلف الأخير كتب كاستمرار للمؤلف السابق. وهكذا فإن مبدأين مهمين للطريقة الكمية لهما أهمية مباشرة في أية دراسة لهذين المؤلفين: الأول هو أن الهيكل العام لمخطوطة الحاكم النيسابوري تقدم لنا اختيار محدداً واضح
المعالم للفكرة القائلة بإمكانية استخلاص معلومات نافعة من مجرد قوائم الأسماء.
والثاني هو أن استعمال مؤلفين يعالجان نفس الموضوع ولكنهما يغطيان فترات زمنية مختلفة يختبر درجة إمكانية مقارنة كتب مختلفة للتراجم، وهذا لا يعني بأن هناك أي مبرر يدفعنا للاعتقاد بأن كتب التراجم للعصور الوسطى يمكن اعتبارها قابلة للمقارنة من حيث المعالجة الكمية كمبدأ عام، وإنما يمكن القول بأن مختارات من كتب التراجم يمكن مقارنتها بشكل يؤدي إلى فائدة ولكن بشكل محدود.
قبل الانتقال إلى استكشاف الطريقة الكمية التي تمثل لب موضوعنا، يجب أن نقيم الأساس للمقارنة داخل هذين الكتابين وبينهما والذي تستند عليه طريقتنا، إن المبادئ التي تتضمنها هذه المؤلفات هي أن الفرد لابد أنه عاش أوزار مدينة نيسابور في إقليم خراسان في شمال شرقي إيران ولابد أنه كان يتمتع بشيء من الشهرة ضمن طبقته الدينية، أي تلك الفئة من السكان التي كانت تهتم بصورة خاصة بإرادة وحفظ ونشر وشرح الدين الإسلامي1، ومن الواضح أن هذه الأسس
تنطوي على كثير من المعلومات بشأن الحالة الاجتماعية والاقتصادية العامة للفرد، ويمكن
1 لقد لاحضت بعض الركاكة في الأسلوب في الصياغة أحياناً، وبعض الغموض اليسير، لكنني لم أتدخل في هذا الأمر
عمل الكثير إحصائياً للوصول إلى تحديد أكثر دقة لهذه الحالة أو هذا النمط من الحالات الاجتماعية، وكل ما علينا أن نفترضه الآن هو أن هؤلاء الناس بصورة عامة ينتمون إلى طبقة ثرية نسبيًا وتتمتع بامتيازات خاصة1.
وبعد الخوض بصورة سطحية في حدود الجغرافية والاجتماعية لكتب التراجم يبقى لدينا العمل الأكثر أهمية وهو تحديد نظام التسلسل التاريخي للأحداث، إن كلا الكتابين مرتبان حسب الحروف الأبجدية وذلك استناداً للاسم الأول للشخص ولكنها مرتبة كذلك حسب الطبقات، ففي مخطوطة الحاكم النيسابوري تظهر كل طبقة كوحدة مستقلة مرتبة أسماؤها حسب الحروف الأبجدية، أما في مخطوطة عبد الغافر الفارسي، من الناحية الثانية، فإن كل مجموعة من الأسماء المتشابهة قسمت إلى طبقات، وفي بعض الأحيان لا يبدو واضحاً إلى أية طبقة ينتمي فرد ما، إن مجموع الطبقات في كلا الكتابين هو أحد عشر طبقة، ثمان منها في الحاكم النيسابوري وثلاث في عبد الغافر الفارسي.
ومن سوء الطالع أن المبدأ الذي يمكن استعماله لتحديد التاريخ الأخير لكل طبقة لازال غير معروف، إن المبدأ النظري القائم على أساس الأجيال التي جاءت بعد محمد
1 الواقع أن الفرضية ليست صحيحة، فإن رواة الحديث كانوا من طبقات اجتماعية متباينة ومعظمهم من الفقراء. ويبدو أن الكاتب متأثر بمفهوم الطبقة الاجتماعية في العصور الوسطى الأوروبية، وهو يرى أن الأثرياء وحدهم يمكن أن تخلد أسماؤهم في الكتب مثل تلك العصور.
(صلى الله عليه وسلم يمكن تطبيقه على طبقتين الأوليتين من طبقات الحاكم النيسابوري، وبعد ذلك فيبدو أن الطبقات تختلف اختلافاً كبيراً بالنسبة لمدة بقائها وتبدو أن لا علاقة لها بمسألة الأجيال1، إن الطبقة الوحيدة التي تبدو لها علاقة بشيء محدَّد هي أقصر الطبقات وهي الطبقة الثامنة للحاكم النيسابوري، فيبدو أن هذه الطبقة تتألف من معاصري وأصدقاء المؤلف، ويبدوا فيها الكثير من الأشياء الخاصة وذلك بسبب الطريقة غير الموضوعية التي جمعت على أساسها والتي تختلف بصورة واضحة عن الطريقة التي اتبعت في دراسة الطبقات الأخرى، لذا يجب إهمالها في أكثر الحالات العمل الإحصائي.
مع أن المبدأ الذي يتحكم في التقسيم حسب التسلسل التاريخي غير واضح فإنه مما لا شك فيه أن الأقسام تخضع لهذا المبدأ في الواقع، فعن طريق جمع تواريخ الوفاة التي تزودنا بها التراجم الشخصية يمكن بسهولة أن نقرر بأن أول تاريخ للوفاة لكل طبقة هو نفس التاريخ أو تاريخ لاحق لآخر وفاة الطبقة السابقة، وهذا يؤيد القول بأن الطبقات تتبع التسلسل التاريخي حسب تاريخ الوفاة1
1 إن المؤلف يقرر عدم معرفته للأساس الذي بني عليه نظام الطبقات في كتابي الحاكم الغافر سوى الطبقتين الأولى والثانية والثالثة والطبقة الثامنة. ومن المفيد أن أبين هنا أن أساس تنظيم الطبقات يقوم على اللقيا وليس على أساس الجيل ولا وفق زمني دقيق
وهي تحدد كذلك على الأقل التاريخ التقريبي لنهاية كل طبقة.
يعطينا الجدول الآتي نتائج هذا القرار بالنسبة للطبقات الأحد عشر الواردة في الكتابين، كما ورد أنه يبين عدد التراجم في كل طبقة (بصورة تقريبية بالنسبة لطبقات عبد الغافر الفارسي وذلك بسبب الغموض الطارئ في المسألة إلحاق بعض الأفراد بطبقة ما)، كما يبين الجدول معدل عدد التراجم للسنة الواحدة وذلك بتقسيم الفترة الزمنية للطبقة على أعداد التراجم:
جدول رقم (1)
من المؤكد أن أكثر نقطة جلباً للنظر في هذا الجدول هي عمود معدل التراجم للسنة الواحدة، لو تجاهلنا الطبقات الثلاث الأولى والتي جاءت في تاريخ نيسابور المبكر الغامض وقبل تطور وتعقيد الوسائل العلمية للمسلمين ونظامهم التربوي، والطبقة الثامنة التي نوقشت آنفا، نجد فترة ثلاثة قرون بقيت خلالها معدلات عدد التراجم ذات حجم متشابه، أما معدل التراجم لهذه الفترة بأجمعها فهو 13 للسنة الواحدة، وبكل تأكيد أن هذه النتيجة تبرهن على الانتظام الكبير في تجميع التراجم الشخصية، ويمكن القول كذلك بأن هذا النظام أكبر مما يبدو لأول وهلة، إذ أن التغيير في المعدلات إنما يتبع الخط البياني لزيادة أو انخفاض عدد سكان نيسابور والذي يمكن معرفته من مصادر مستقلة كالجغرافيين، وهذا يعني أن سكان المدينة وبالتالي حجم الطبقة الدينية كان أكبر خلال فترة السامانية للطبقة السابعة حيث بلغ معدل التراجم للسنة الواحدة ثمان عشرة ترجمة، وهو أكبر من معدل التراجم لأية فترة سابقة، حيث كانت نيسابور في بداية بروزها كمدينة عظيمة تحت رعاية الطاهريين، أو فترة لاحقة حين عم البلاد الاضطراب عند تدفق الأتراك وقيام الإمبراطورية السلجوقية، وهكذا نرى أن عدد
التراجم للسنة الواحدة لكل طبقة دينية متشابهة قد تكون أكثر انتظاماً مما يشير إليه الجدول.
وهكذا نجد في فترة أطول بكثير من حياة المؤلفين وفي كتابين منفصلين للتراجم نجد دليلاً على انتظام مدهش، والسبب يكمن بالتأكيد في طبيعة النظام التربوي والعلمي والإسلامي، وبإيجاز فإن العالم يؤلف كتاباً يحتوي على ملاحظات لترجمة حياة كل من درس عنه أو سمع عنه شيئاً ذا أهمية دينية، وهذه المؤلفات التي تسمى المشيخات (مفردها مشيخة) قد أخذت طريقها إلى مكتبات المرتبطة عادة بالمؤسسات الدينية والتربوية للمدن الإسلامية في العصور الوسطى، وبعد ذلك حصل أن رجالاً مثل الحاكم النيسابوري وعبد الغافر الفارسي قرأوا هذه المشيخات وقواميس أخرى للتراجم تسبقها واختاروا تراجم من أرادوا أن يترجموا لهم حسب الأسس التي وضعوها لكتاباتهم، وبعد مقارنة مجموعة الملاحظات الناتجة يُزال المكرر منها ويؤلف كتاب للتراجم، وبالتالي فإن من النادر أن يقوم مؤلف القاموس الأخير بعمل اختيارات أولية، وإنما كل قاموس للتراجم هو عبارة عن نتائج عدد كبير من الجهود الفردية وهذا يعلل الانتظام الذي لاحظناه أعلاه والذي يضمن عدم تأثير أهواء
المؤلف الأخير على محتويات مؤلفة بشكل كبير، وهذا يؤكد الفكرة القائلة بأن الموضوع الذي نعالجه إنما هو نموذج حقيقي عشوائي لطبقة رجال الدين1 يمكن الاعتماد عليه لفترة طويلة من الزمن.
وبعد إيضاح طبيعة وتركيب كتب التراجم موضوعة البحث بهذا الشكل يمكننا الآن أن نستمر في تبيان الطريقة الكمية