الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة
كانت لهذا البحث قيمة تتركز في إبراز جهد علم من أعلام الحفاظ في الشام في القرن التاسع الهجري، وهو من الأعلام المغمورين، الذين لم ينالوا حظهم من التعريف بهم وهو بحق من الحفاظ الأئمة، الذين لهم اطلاع واسع على كثير من المصنفات، ومعرفة شاملة لكثير من الفنون والعلوم، ويتضح ذلك من خلال كتابه هذا، وموارده فيه.
والمؤلف -رحمه الله تعالى- تميز في كتابه هذا بأمانته العلمية، ودقته في النقل وتوثيق أقوال أهل العلم، فهذا مما ينبغي الاقتداء به فيه، والافتخار به؛ لأنه سمة بارزة من سمات علماء الإسلام.
وبعد هذه الجولة مع الحافظ برهان الدين الناجي في القسم الذي درسته وحققته من كتابه، أذكر بعض النتائج التي خلصت إليها من خلال هذا البحث وقد كان من أهمها:
1 -
أن الكمال المطلق لله وحده لا شريك له، وأما سائر خلقه فلا معصوم إلا من عصم الله؛ ولهذا وقع الوهم والزلل من الحافظ المنذري ومن غيره من العلماء الكبار البارزين ممن تعقب عليهم المؤلف هنا في هذا الكتاب أو غيرهم، وهذا لا ينقص قيمتهم، ولا يحط من قدرهم، فما وقع منهم ليس إلا طبيعة من طبائع البشر، وكفى المرء نبلاً أن تعدّ معايبه.
2 -
تحقيق الكتب ودراستها وتمحيصها، ومقارنة النسخ، وإثبات الفروق بينها، كان لعلمائنا السبق إليه يتضح هذا في عمل المؤلف في هذا الكتاب كل ذلك من أجل العناية بالسنة المطهرة،
والحفاظ عليها، ودفع ما وقع فيه السابقون من زلل أو وهم أو غفلة أو تصحيف.
3 -
المقابلة كانت مما أصله علماء الحديث لتوثيق أي كتاب، ولا شك أن لذلك قيمة اتضحت في هذا الكتاب، حيث قابل المؤلف بين عدة نسخ، وقيمتها إبراء ساحة المؤلف -المنذري هنا- مما وقع في الكتاب من أغلاط النساخ وتصحيفاتهم.
4 -
استفادة اللاحق من السابق، كانت بارزة جداً في هذا الكتاب، فالذي ظهر لي من خلال النظر في الكتاب، أن الحافظ المنذري استفاد من الحافظ ابن الأثير في جامع الأصول كثيراً، ثم جاء الحافظ الهيثمي فاستفاد في كتابه مجمع الزوائد من الحافظ المنذري -كما سيتبين-.
5 -
سبق في الدراسة ذكر موضوع تقليد المنذري لابن الأثير في جامع الأصول، وهنا أود أن أبين ما اتضح لي من تقليد الهيثمي للمنذري واستفادته منه، فقد مرّ بي مواضع من الرسالة أرى فيها تطابقاً بين كلام الهيثمي وكلام المنذري في الحكم على حديث، وهذا لا غبار عليه، ولا غرابة في وجوده، ولكن الذي أبان لي تقليد الهيثمي للمنذري، هو بعض الأوهام التي وقعت للمنذري كقصور في العزو إلى الكتب الستة، أو تساهل في الحكم على رجال إسناد فأجد الهيثمي يذكر ذلك الحديث الذي عزاه المنذري للطبراني مثلاً في مجمع الزوائد والحديث قصّر المنذري في عزوه إلى الكتب الستة وهو فيها، ومثال ذلك:
فقرة (65): عزى المنذري الحديث إلى الطبراني فقط، فذكره الهيثمي في مجمع الزوائد بينما الحديث رواه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه.
فقرة (193): وقع عند المنذري تصحيف عجيب في لفظ حديث، ووقع هذا التصحيف أيضاً عند الهيثمي في مجمع الزوائد، وقد أثبت هذا في التعليق هناك.
فقرة (384): ذكر المنذري حديثاً مرفوعاً من رواية (عبد الله) -كذا غير منسوب- وعزاه إلى الطبراني وقال: من رواية يحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني -وكذا قال الهيثمي بأنه عند الطبراني في الكبير من رواية يحيى الحِمّاني. وقال المؤلف بأنه عبد الله بن مسعود.
وقد تتبعت حديث عبد الله بن مسعود في المعجم الكبير، ولم أقف على الحديث عنده فيه. وإنما وقفت عليه بلفظه من حديث وائل بن حجر وفي إسناده يحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني، ولم أقف على الحديث عن وائل في مجمع الزوائد.
فالذي ظهر لي أنه وهم وقع للمنذري في اسم الراوي، وتابعه الهيثمي في ذلك، والله أعلم.
من هذه وغيرها من التطابق الواضح في العبارة في الحكم على رجال أسانيد الأحاديث بين المنذري والهيثمي -وأعني الأحاديث التي تكون عند أحمد أو أبي يعلى أو الطبراني أو البزار- اتضح لي أن الحافظ الهيثمي قد استفاد من كتاب الحافظ المنذري في وضع كتابه مجمع الزوائد- والله أعلم.
6 -
اتضح لي من خلال النظر في الكتاب ومن خلال أقوال المؤلف أن الحافظ المنذري لم يستوعب في كتابه المصادر التي شرط في مقدمته أن يستوعب كل ما فيها من الأحاديث التي لها علاقة بموضوع الترغيب والترهيب، وقد أضاف المؤلف بعض الأحاديث، وترك البعض، وقال: (ولهذا أغفل شيئاً كثيراً من الأصول التي
شرط في أول الكتاب استيعابها، يطول إلحاقه في مواضعه
…
).
7 -
أهمية مثل هذا العمل الذي قام به المؤلف، خاصة مع كتاب مشتهر بين عامة الأمة وخاصتها، فدراسته وتمحيصه عمل جليل، بدأه المؤلف رحمه الله ولكنه لم يستوعب الدراسة لجميع الكتاب -وتقدم ذكر شيء من ذلك ضمن المآخذ على الكتاب- وكفى المؤلف شرفاً وفضلاً وامتناناً أن نبّه الناس لكثير من الأوهام، وفتح الطريق لمن أراد الاستيفاء والاستيعاب.
ولهذا فإن كتاب الترغيب والترهيب للحافظ المنذري بحاجة إلى دراسة علمية موثّقة محققة، حتى يخرج إلى الناس في صورة صحيحة سليمة، ليستفاد منه. بحاجة إلى دراسة شاملة لجميع جوانبه من تمييز الصحيح والحسن من الضعيف والموضوع، ومن نظر في الألفاظ وضبط لها بحسب ما في مصادر الحديث الأصلية حتى يسلم من التصحيفات والأخطاء، ومن نظر في الرجال وتقييد للأسماء، وبيان أحوال من قال عنه المنذري: لا يحضرني حاله وغير ذلك.
ولهذا فإنني أهيب بالباحثين والمحققين أن يشمِّروا للعمل في إخراج هذا الكتاب على الصورة التي وضعه عليها المنذري، مع دراسة الكتاب لبيان ما وقع فيه من وهم أو قصور أو تصحيف.
8 -
دقة نظر علمائنا رحمهم الله ونباهتهم -فطالما قرأ الناس في كتاب الترغيب والترهيب فما تفطن أحد لتلك التصحيفات
والأوهام التي وقعت في كتاب الترغيب، وبخاصة تلك الملحوظات الدقيقة التي استخرجها المؤلف رحمه الله تعالى.
9 -
أهمية كتب التراث الإسلامي، وضرورة إخراج هذه الكنوز الدفينة من خزائن المكتبات، ودراستها وتحقيقها وذلك لما يتضمنه هذا التراث من علوم غزيرة نافعة، كانت ثمرة جهود عظيمة مشكورة من سلف هذه الأمة الصالح عليهم رحمة الله.
وبعد فإنني أحمد المولى سبحانه وتعالى على توفيقه وإعانته، وأشكره على ما حباني به من جميل إحسانه، فكانت ثقتي بالله وعونه مطلقة فزادني ذلك ثباتاً وصبراً، حتى أنهيت هذا القسم من الكتاب على الوجه الذي يظهر به الآن مع اعترافي بالتقصير، وإنني أرجو أن أكون قد سلكت في عملي هذا المسلك العلمي الحديث في الدراسة والتحقيق، وأن أكون قد وفقت في إخراج هذا القسم فما كان من صواب فمن الله وتوفيقه، وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان.
ثمّ إن ما ضمنته هذه الرسالة من اجتهاد ورأي، فلا أدّعى العصمة، فقد قال قيس بن عباد لعمّار: فإن الرأي يخطيء ويصيب.
وأسأل المولى الكريم سبحانه وتعالى أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه العظيم، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على خير خلقه نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
* * *