المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[السابع: - ذكر بعض العلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي واعتقدوا موجبها وحكاية كلامهم في ذلك] - عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر

[عبد المحسن العباد]

الفصل: ‌[السابع: - ذكر بعض العلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي واعتقدوا موجبها وحكاية كلامهم في ذلك]

الرواية" انتهى. وترجم له الذهبي أيضا في تذكرة الحفاظ وسمى جماعة روى عنهم وجماعة رووا عنه ثم قال: "وثقة إبراهيم الحربي مع علمه بأنه يأخذ الدراهم وأبو حاتم وابن حبان وقال الدارقطني صدوق وأما أخذ الدراهم على الرواية فقد كان فقيرا كثير البنات وقال أبو الفتح الأزدي وأبي حزم ضعيف" انتهى.

"وقال ابن العماد في شذرات الذهب وفيها أي في سنة 282هـ توفي الحافظ أبو محمد الأحرث أبي أسامة التهمي البغدادي صاحب المسند يوم عرفة وله 96سنة سمع عن ابن عاصم وعبد الرحمن بن عطاء وطبقتهما قال الدارقطني صدوق وقيل فيه لين كان لفقره يأخذ على الحديث أجرا"

هؤلاء سند الحديث من أوله إلى جابر رضي الله عنه وهو متصل ولفظ حديث جابر هذا قريب من لفظ حديثه عند مسلم في صحيحه حيث قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم تعال صلى لنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الامة"، فهذا الحديث الذي أورده ابن القيم من مسند الحارث ابن أبي أسامة بالسند الذي قال عنه إنه جيد وقد سمعتم حاصل ما ذكر عن رجاله أقول هذا الحديث فيه وصف الأمير المذكور بأنه المهدي فيكون هذا الحديث وغيره من الأحاديث الكثيرة الدالة على خروج المهدي آخر الزمان مفسرة للمراد بهذا الحديث الذي أورده مسلم وللأحاديث الأخرى التي في معناه عند البخاري ومسلم كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.

[السابع: - ذكر بعض العلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي واعتقدوا موجبها وحكاية كلامهم في ذلك]

قال الحافظ أبو جعفر العقيلى المتوفى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة "إن في المهدي أحاديث جياد" قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة على بن نفيل بن زارع النهدي قلت "ذكره العقيلي في كتابه وقال لا يتابع على حديثة في المهدي ولا يعرف إلا به قال وفي المهدي أحاديث جياد من غير هذا الوجه" انتهى.

ويرى الإمام ابن حبان البستي المتوفى سنة354 أن الأحاديث الواردة في المهدي مخصصة لحديث لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه قال الحافظ بن حجر في فتح الباري في الكلام على الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه في كتاب الفتن وهو حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم""قال واستدل ابن حبان في صحيحه بأن حديث أنس ليس على عمومه بالأحاديث الواردة في المهدي وأنه يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت ظلما" انتهى.

ص: 139

وقال الخطابي 388هـ رحمه الله في الكلام على حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان وتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة الخ. ." قال "ويكون ذلك في زمن المهدي أو عيسى عليهما الصلاة والسلام أو كليهما" ذكر ذلك ملا علي قاري في المرقاة شرح المشكاة وقال" والأخير هو الأظهر لظهور هذا الأمر في خروج الدجال وهو في زمنهما" وذكر ذلك المبارك فوري صاحب تحفة الاحوذى في الكلام على شرح هذا الحديث.

وقال الإمام البيهقي المتوفى سنة 458هـ بعد كلامه على تضعيف حديث "لا مهدي إلا عيسى بن مريم" قال والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح البتة إسنادا نقل ذلك عنه الحافظ بن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة محمد بن خالد الجندي راوي حديث "لا مهدي إلا عيسى بن مريم" ونقله عنه أيضا ابن القيم في المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف.

وقد عقد القاضي عياض المتوفى 544 هـ في كتابه الشفاء بابا لمعجزاته صلى الله عليه وسلم يشتمل على ثلاثين فصلا قال في القسم الأول من كتابه المذكور: "الباب الرابع فيما أظهره الله على يديه صلى الله عليه وسلم من المعجزات وشرفه به من الخصائص والكرامات قال في أوائل الكلام في هذا الباب: أمنيتنا أن نثبت في هذا الباب أمهات معجزاته ومشاهير آياته لتدل على عظيم قدره عند ربه وأتينا منها بالمحقق والصحيح الإسناد أكثره مما بلغ القطع أو كاد وأضفنا إليه بعض ما وقع في كتب مشاهير الأئمة ثم قال في الفصل الثالث والعشرين فصل ومن ذلك ما اطلع عليه من الغيوب ومايكون. . قال في أوله: والأحاديث في هذا الباب بحر لا يدرك قعره ولا ينزف غمره، أورد في هذا الفصل جملة كبيرة من الأمور المستقبلة التي أخبر بها الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم وذكر من بينها خروج المهدي".

وقال الإمام محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي صاحب التفسير المشهور المتوفى سنة 671هـ في كتابه التذكرة في أمور الآخرة بعد ذكر حديث "ولا مهدي إلا عيسى ابن مريم""قال إسناده ضعيف والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث فالحكم بها دونه وقال يحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم "ولا مهدي إلا عيسى بن مريم" أي لا مهدي كاملا معصوما إلا عيسى قال وعلى هذا تجتمع الأحاديث ويرتفع التعارض، نقل ذلك عنه السيوطي في آخر جزء العرف الوردي في أخبار المهدي" وقال شيخ الإسلام ابن تيميه 728 هـ في كتابه منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية"ج4-211".

ص: 140

"فصل وأما الحديث الذي رواه-أي الرافضي الذي ألف كتابه للرد عليه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم "يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي وكنيته كنيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا" وذلك هو المهدي، في الجواب أن الأحاديث التي يحتج بها على الخروج المهدي أحاديث صحيحة رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم من حديث ابن مسعود وغيره كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن مسعود "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه رجل مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا" ورواه الترمذي وأبو داود من رواية أم سلمة وفيه المهدي من عترتي من ولد فاطمة ورواه أبو داود من طريق أبي سعيد وفيه "يملك الأرض سبع سنين" ورواه عن علي رضي الله عنه أنه نظر إلى الحسن وقال إن أبني هذا سيد كما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق يملأ الأرض قسطا وهذه الأحاديث غلط فيها طوائف طائفة أنكروها واحتجوا بحديث ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا مهدي إلا عيسى ابن مريم" وهذا الحديث ضعيف وقد اعتمد أبو محمد بن الوليد البغدادي وغيره عليه وليس مما يعتمد عليه، ورواه ابن ماجه عن يونس عن الشافعي والشافعي رواه عن رجل من أهل اليمن يقال له محمد بن خالد الجندي وهو ممن لا يحتج به وليس في مسند الشافعي وقد قيل إن الشافعي لم يسمعه من الجندي وإن يونس لم يسمعه من الشافعي، الثاني أن الإثنى عشرية الذين ادعوا إن هذا مهديهم اسمه محمد بن الحسن والمهدي المنعوت الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم اسمه محمد بن عبد الله ولهذا حذفت طائفة لفظ الأب حتى لا يناقض ما كتبت وطائفة حرفته وقالت جده الحسين وكنيته أبو عبد الله فمعناه محمد ابن أبي عبد الله وجعلت الكنية اسما وممن سلك هذا ابن طلحة في كتابه الذي سماه غاية السول في مناقب الرسول ومن له أدنى نظر يعرف أن هذا تحريف صميم وكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل يفهم أحد من قوله يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي إلا أن اسم أبيه عبد الله وهل يدل هذا اللفظ على أن جده كنيته أبو عبد الله ثم أي تمييز يحصل له بهذا فكم من ولد الحسين من اسمه محمد وكل هؤلاء يقال في أجدادهم محمد بن أبي عبد الله كما قيل في هذا وكيف يعدل من يريد البيان إلى من اسمه محمد بن الحسين فيقول اسمه محمد بن عبد الله ويعني بذلك أن جده أبو عبد الله وهذا كان تعريفه بأنه محمد بن الحسن أو ابن

ص: 141

أبي الحسن لأن جده على كنيته أبو الحسن أحسن من هذا وأبين لمن يريد الهدى والبيان وأيضا فإن المهدي المنعوت من ولد الحسن بن علي لا من ولد الحسين كما تقدم لفظ حديث علي رضي الله عنه".

وقد عقد ابن القيم رحمه الله في آخر كتابه المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف فصلا في الكلام على أحاديث المهدي وخروجه والجمع بينها وبين حديث لا مهدي إلا عيسى ابن مريم، قال فيه:

"فأما حديث لا مهدي إلا عيسى ابن مريم فرواه ابن ماجه في سننه عن يوسف ابن عبد الأعلى عن الشافعي عن محمد بن خالد الجندي عن إبان بن صاح عن الحسن عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مما تفرد به محمد بن خالد قال أبو الحسين محمد بن الحسين الآبري في كتاب مناقب الشافعي: محمد بن خالد هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر المهدي وأنه من أهل بيته وأنه يملك سبع سنين وأنه يملأ الأرض عدلا وأن عيسى يخرج فيساعده على قتل الدجال وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه، وقال البيهقي تفرد به محمد بن خالد هذا وقد قال الحاكم أبو عبد الله هو مجهول وقد اختلف عليه في إسناده فروي عنه عن إبان ابن أبي عياش عن الحسن مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فرجع الحديث إلى رواية محمد بن خالد وهو مجهول-عن إبان بن أبي عياش-وهو متروك-عن الحسين عن النبي صلى الله عليه وسلم-وهو منقطع-والأحاديث على خروج المهدي أصح إسنادا، قال ابن القيم قلت كحديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجل مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا" رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح قال-يعني الترمذي-وفي الباب عن علي وأبي سعيد وأم سلمة وأبي هريرة وقال حسن صحيح انتهى ثم قال ابن القيم وفي الباب عن حذيفة ابن اليمان وأبي أمامة الباهلي وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو بن العاص وثوبان وأنس بن مالك وجابر وابن عباس وغيرهم ثم أورد عدة أحاديث رواها بنص أهل السنن والمسانيد وغيرها منها ما هو صحيح ومنها ما هو ضعيف أورده للإستئناس به.

ثم قال: وهذه الأحاديث أربعة أقسام صحاح وحسان وغرائب وموضوعة وقد اختلف الناس في المهدي على أربعة أقوال:

أحدها: أنه المسيح ابن مريم-وهو المهدي على

ص: 142

الحقيقة-واحتج أصحاب هذا تحديث محمد بن خالد الجندي المتقدم وقد بينا حاله وأنه لا يصح ولو صح لم يكن به حجة لأن عيسى أعظم مهدي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الساعة وقد دلت السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم على نزوله على المنارة البيضاء شرقي دمشق وحكمه بكتاب الله وقتله اليهود والنصارى ووضعه الجزية وإهلاك أهل الملل في زمانه فيصح أن يقال لا مهدي في الحقيقة سواه وإن كان غيره مهديا كما يقال لا علم إلا ما نفع ولا مال إلا ما وفى وجه صاحبه كما يصح أن يقال إنما المهدي عيسى بن مريم يعني المهدي بالكامل المعصوم.

القول الثاني: أنه المهدي الذي ولي من بني العباس وقد انتهى زمانه ثم ذكر حديثين منهما ذكر مجيء الرايات السود من قبل المشرق من جهة خراسان وأشار إلى ضعفهما ثم قال مشيرا إلى أولها وثانيها وهذا والذي قبله لو صح لم يكن فيه دليل على المهدي الذي تولىمن بني العباس هو المهدي الذي يخرج في آخر الزمان بل هو مهدي من جملة المهديين وعمر بن عبد العزيز كان مهديا بل هو أولى باسم المهدي منه وقد قال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" وقد ذهب الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه إلى أن عمر بن عبد العزيز منهم ولا ريب أنه كان راشدا مهديا ولكن ليس بالمهدي الذي يخرج في آخر الزمان فالمهدي في جانب الخير والرشد كالدجال في جانب الشر والضلال وكما أن بين يدي الدجال الأكبر صاحب الخوارق دجالون كذابون فكذلك بين يدي المهدي الأكبر مهديون راشدون.

القول الثالث: أنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من ولد الحسن ابن علي يخرج في آخر الزمان وقد امتلأت الأرض جورا وظلما فيملأها قسطا وعدلا وأكثر الأحاديث على هذا تدل وفي كونه من ولد الحسن سر لطيف وهو أن الحسن رضي الله عنه ترك الخلافة لله فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة الحق المتضمن للعدل الذي يملأ الأرض وهذه سنة الله في عباده أنه من ترك شيئا لأجله أعطاه الله وأعطى ذريته أفضل منه وهذا بخلاف الحسين رضي الله عنه فإنه حرص عليها وقاتل عليها فلم يظفر بها والله أعلم ثم أورد بعض الأحاديث في خروج المهدي ثم قال وأما الرافضة الإمامية فلهم قول رابع وهو أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المنتظر من ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن الحاضر في الأمصار الغائب عن الأبصار الذي يورث العصا ويختم الغضا دخل سرداب سامرا طفلا صغيرا من أكثر من خمسمائة

ص: 143

سنة-بالنسبة لزمان ابن القيم المتوفى عام752هـ-فلم تره بعد ذلك عين ولم يحس فيه بخبر ولا أمر وهم ينتظرونه كل يوم يقفون بالخيل على باب السرداب ويصيحون به أن يخرج إليهم أخرج يا مولانا، ثم يرجعون بالخيبة والحرمان فهذا دأبهم ودأبه ولقد أحسن من قال:

ما آن للسرداب أن يلد الذي

كلمتموه بجهلكم ما آنا

فعلى عقولكم العفاء فإنكم

كلمتم العنقاء والغيلانا

ولقد أصبح هؤلاء عارا على بني آدم وضحكة ليسخر منهم كل عاقل" انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.

وقال ابن القيم أيضا في كتابه إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان: "ومن تلاعبه-يعني الشيطان بهم-يعني اليهود-أنهم ينتظرون قائما من ولد داود النبي إذا حرك شفتيه بالدعاء مات جميع الأمم وأن هذا المنتظر بزعمهم هو المسيح الذي وعدوا به وهم في الحقيقة إنما ينتظرون مسيح الظلالة الدجال فهم أكثر اتباعه وإلا فمسيح الهدى عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام يقتلهم ولا يبقي منهم أحدا ثم قال والمسلمون ينتظرون نزول المسيح عيسى بن مريم من السماء، لكسر الصليب وقتل الخنزير وقتل أعدائه من اليهود وعباده من النصارى وينتظرون خروج المهدي من أهل بيت النبوة يملا الأرض عدلا كما ملئت جورا" انتهى.

وقال أبو الحسن السمهودي المتوفى سنة 911هـ "ويتحصل مما ثبت في الأخبار عنه-أي المهدي- أنه من ولد فاطمة وفي أبي داود أنه من ولد الحسن والسر فيه ترك الحسن الخلافة لله شفقة على الأمة فجعل القائم بالخلافة-الحق-عند شدة الحاجة وامتلاء الأرض ظلما-من ولده، وهذه سنة الله في عباده أنه يعطي لمن ترك شيئا من أجله أفضل مما ترك أو ذريته وقد بالغ الحسن في ترك الخلافة ونهى أخاه عنها وتذكر ذلك ليلة مقتله فترحم على أخيه وما روي من كونه من ولد الحسين فواه جدا" انتهى. بواسطة نقل المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير للسيوطي.

وقال ابن حجر المكي المتوفى سنة 974هـ في كتابه القول المختصر في علامات المهدي المنتظر، "الذي يتعين اعتقاده ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة من وجود المهدي المنتظر الذي يخرج الدجال وعيسى في زمانه ويصلي عيسى خلفه وأنه المراد حيث أطلق المهدي" انتهى. بواسطة نقل البرزنجي في الإشاعة لأشراط الساعة.

وقال الحافظ عماد الدين ابن كثير رحمه الله في كتاب الفتن والملاحم "فصل في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان وهو أحد الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين وليس هو

ص: 144

بالمنتظر الذي تزعم الرافضة وترتجي ظهوره من سرداب سامراء فإن ذلك مالا حقيقة له ولا عين ولا أثر ويزعمون أنه محمد بن الحسن العسكري وأنه دخل السرداب وعمره خمس سنين، وأما ما سنذكره فقد نطقت به الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يكون في آخر الدهر وأظن ظهوره يكون قبل نزول عيسى بن مريم كما دلت على ذلك الأحاديث ثم ساق عدة أحاديث من السنن وغيرها منها بعض أحاديث الرايات السود وحديث علي رضي الله عنه في ابنه الحسن وأنه يخرج من صلبه رجل يسمى باسم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: ففي هذا السياق إشارة إلى ملك بني العباس كما تقدم التنبيه على ذكر ذلك عند ابتداء ذكر ولايتهم في سنة اثنين وثلاثين ومائة وفيه دلالة على أنه يكونها لمهدي بعد دولة بني العباس وأنه يكون من أهل البيت من ذرية فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولد الحسن لا الحسين كما تقدم النص على ذلك في الحديث المروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وإنه أعلم ثم قال وقال ابن ماجه حدثنا محمد بن يحي وأحمد بن يوسف قالا حدثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلى واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونهم قتلا لم يقتله أحدا ثم ذكر شيئا لا أحفظه فقال فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي" تفرد به ابن ماجه وهذا إسناد قوي صحيح والمراد به بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة يقتتل عنده ليأخذوه ثلاثة من أولاد الخلفاء حتى يكون آخر الزمان فيخرج المهدي ويكون ظهوره من بلاد المشرق لا من سرداب سامراء كما يزعمه جهلة الرافضة من أنه موجود فيه الآن وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان فإن هذا نوع من الهذيان وقسط كبير من الخذلان شديد من الشيطان إذ لا دليل على ذلك ولا برهان لامن كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح ولا استحسان، وقال الترمذي حدثنا قتيبة حدثنا رشيد بن سعد عن يونس عن ابن شهاب الزهري عن قتيبة بن ذؤيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يخرج من خراسان رايات سود فلا يردها شيء حتى تنصب بايليا" هذا الحديث غريب وهذه الرايات ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلب بها دولة بني أمية في سنة اثنين وثلاثين ومائة بل رايات سود أخر تأتي صحبة المهدي وهو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه يصلحه الله في ليلة واحدة أي

ص: 145

يتوب عليه ويوفقه ويلهمه ويرشده بعد أن لم يكن كذلك ويؤيده بناس من أهل الشرق ينصرونه ويقيمون سلطانه وتكون راياتهم سودا أيضا وهو زين عليه الوقار لأن راية الرسول صلى الله عليه وسلم سوداء يقال لها العقاب وقد ركزها خالد بن الوليد رضي الله عنه على الثنية التي شرقي دمشق حتى أقبل من العراق فعرفت بها الثنية فهي إلى الآن يقال لها ثنية العقاب.

وقد كانت عقابا على الكفار من نصارى الروم ولمن كان معهم وبعدهم إلى يوم الدين ولله الحمد، وكذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح إلى مكة وعلى رأسه المغفر وكان أسود وجاء في الحديث أنه كان متعمما بعمامة سوداء فوق البياض صلوات الله وسلامه عليه، والمقصود أن المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصل ظهوره وخروجه من ناحية المشرق ويبايع له عند البيت كما دل على ذلك بعض الأحاديث وقد أفردت في ذكر المهدي جزءا على حدة ولله الحمد والمنة، وقال ابن ماجه أيضا حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا محمد بن مروان العقيلي حدثنا عمارة ابن أبي حفصة عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يكون في أمتي المهدي إن قصر فسبع والا فتسع تنعم فيه أمتي نعمة لم يسمعوا مثلها تؤتي الأرض أكلها ولا تدخر منه شيئا والمال يومئذ كدوس يقوم الرجل فيقول يا مهدي أعطني فيقول خذ".

وقال الترمذي حدثنا محمد جعفر حدثنا شعبة سمعت زيد العمي سمعت الصديق الناجي يحدث عن أبي سعيد الخدري قال خشينا أن يكون بعد نبينا حدث فسألنا نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن في أمتي المهدي يخرج فيعيش خمسا أو سبعا أو تسعا-زيد الشاك-قال قلنا وما ذاك قال سنين قال يجيء إليه الرجل فيقول يا مهدي أعطني قال فيجيء له في ثوبه ما استطاع أن يحمله" هذا حديث حسن، وقد روي من غير وجه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو الصديق الناجي اسمه بكر بن عمرو ويقال بكر بن قيس وهذا دليل على أن أكثر مدته تسع وأقلها خمس أو سبع ولعله هو الخليفة الذي يحثي المال حثيا والله أعلم.

وفي زمانه تكون الثمار كثيرة والزروع غزيرة والمال وافر والسلطان قاهر والدين قائم والعدو راغم والخير في أيامه دائم ثم أورد حديثين أحدهما عن الإمام محمد الثاني عن ابن ماجه ثم قال فأما الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه حيث قال رحمه الله تعإلى حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا محمد ابن إدريس الشافعي حدثني محمد بن خالد الجندي عن إبان بن

ص: 146

صالح عن الحسن عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزداد الأمر إلا شدة ولا الدنيا إلا إدبارا ولا الناس إلا شحا ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ولا المهدي إلا عيسى بن مريم" فإنه حديث مشهور عن ابن خالد الجندي الصنعاني المؤذن شيخ الشافعي وروى عنه غير واحد أيضا وليس هو بمجهول كما زعمه الحاكم بل قد روي عن ابن معين أنه وثقه ولكن من الرواة من حدث به عنه عن إبان بن أبي عياش عن الحسن البصري مرسلا وذكر ذلك شيخنا في التهذيب عن بعضهم أنه رأى الشافعي في المنام وهو يقول كذب علي يونس بن عبد الأعلى ليس هذا من حديثي قلت: يونس بن عبد الأعلى الصدفي من الثقات لا يطعن فيه بمجرد منام، وهذا الحديث فيما يظهر بادي الرأي مخالف للأحاديث التي أوردناها في إثبات مهدي غير عيسى بن مريم أما قبل نزوله كما هو الأظهر والله أعلم، وأما بعده وعند التأمل لا ينافيها بل يكون المراد من ذلك أن المهدي حق المهدي هو عيسى بن مريم ولا ينفي ذلك أن يكون غيره مهديا أيضا والله أعلم" انتهى ما نقلته من كتاب الفتن والملاحم لابن كثير رحمه الله.

وقال في تفسيره عند تفسير قوله تعالى في سورة المائدة: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً} بعد ذكره الكلام عن هؤلاء النقباء قال: "وهكذا لما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار ليلة العقبة كان منهم اثنا عشر نقيبا ثلاثة من الأوس وهم أسيد بن الحضير وسعد بن خيثمة ورفاعة بن عبد المنذر ويقال بدله أبو الهيثم ابن التيهان رضي الله عنه وتسعة من الخزرج وهم أمامة أسعد بن زرارة وسعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة ورافع بن مالك بن العجلان والبراء بن معرور وعبادة بن الصامت وعبد الله بن عمرو بن حرام والمنذر بن عمر بن حنيش رضي الله عنهم وقد ذكرهم كعب ابن مالك في شعر له كما أورد ابن اسحاق رحمه الله والمقصود أن هؤلاء كانوا عرفاء على قومهم ليلتئذ عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بذلك وهم الذين ولوا المعاقدة والمبايعة عن قومهم للنبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة.

قال الإمام أحمد حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن زيد عن مجالد عن الشعبي عن مسروق قال كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود وهو يقرئنا القرآن فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم يملك هذه الأمة من خليفة قال عبد الله ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ثم قال: نعم ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اثنا عشر كعدة نقباء بني اسرائيل" هذا حديث غريب

ص: 147

من هذا الوجه وأصل الحديث ثابت في الصحيحين من حديث جابر بن سمرة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا" ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت علي فسألت أبي ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كلهم من قريش" وهذا وهذا لفظ مسلم ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحا يقيم الحق ويعدل فيهم ولا يلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم بل قد وجد منهم أربعة على نسق وهم الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند الأئمة وبعض بني العباس ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره فذكر أنه يواطئ اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم واسم أبيه اسم أبيه فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما وليس هذا بالمنتظر الذي تتوهم الرافضة وجوده ثم ظهوره من سرداب سامر فإن ذلك ليس له حقيقة ولا وجود بالكلية بل هو من هوس العقول السخفية وتوهم الخيالات الضعيفة وليس المراد بهؤلاء الخلفاء الاثني عشر الأئمة الاثني عشر الذين يعتقد فيهم الاثنا عشرية من الروافض لجهلهم وقلة عقلهم وفي التوراة البشارة باسماعيل عليه الصلاة والسلام وأن يقيم من صلبه اثني عشر عظيما وهم هؤلاء الخلفاء الاثنا عشر المذكورون في حديث ابن مسعود وجابر بن سمرة وببعض الجهلة ممن أسلم من اليهود إذا اقترن بهم بعض الشيعة يوهمونهم أنهم الأئمة الاثنا عشر فيتشيع كثير منهم جهلا وسفها لقلة علمهم وعلم من لقنهم ذلك بالسنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى.

وقال الشيخ ملا علي قاري الحسيني المتوفى سنة 1014في شرحه للفقه الأكبر. . للإمام أبي حنيفة عند قول أبي حنيفة رحمه الله، وخروج الدجال ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام قال: "وفي نسخة قدم طلوع الشمس على البقية وعلى كل تقرير فالواو لمطلق الجمع وإلا فترتيب القضية أن المهدي عليه السلام يظهر أولا في أرض الحرمين ثم يأتي بيت المقدس فيأتي الدجال ويحصره في ذلك الحال فينزل عيسى عليه الصلاة والسلام من المنارة الشرقية في دمشق الشام ويجيء إلى قتال الدجال فيقتله بضربة في الحال فإنه يذوب كالملح عند نزول عيسى عليه الصلاة والسلام من السماء فيجتمع عيسى عليه الصلاة والسلام بالمهدي رضي الله عنه وقد أقيمت الصلاة فيشير المهدي لعيسى بالتقدم فيمتنع معللا

ص: 148

بأن هذه الصلاة أتيحت لك فأنت أولى بأن تكون الإمام في هذا المقام ويقتدي به ليظهر متابعة لنبينا صلى الله عليه وسلم-إلى أن قال وفي شرح العقائد الأصح أن عيسى عليه الصلاة والسلام يصلي بالناس ويؤمهم ويقتدي به المهدي لأنه أفضل وإمامته أولى" انتهى قال علي قاري: "ولا ينافي ما قدمناه كما لا يخفى ثم ذكر الأمور الأخرى مرتبة وهي خروج يأجوج ومأجوج وموت المؤمنين وطلوع الشمس من مغربها ورفع القرآن".

وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي صاحب فيض القدير شرح الجامع الصغير المتوفى سنة 1032هـ قال في كتابه المذكور "وأخبار المهدي كثيرة شهيرة أفردها غير واحد في التأليف-إلى أن قال-تنبيه: أخبار المهدي لا يعارضها خبر"لا مهدي إلا عيسى ابن مريم" لأن المراد به كما قال القرطبي لا مهدي كاملا معصوما إلا عيسى بن مريم وقال المناوي عند حديث: "لن تهلك أمة أنا في أولها وعيسى بن مريم في آخرها والمهدي في وسطها" أراد بالوسط ما قبل الآخر لأن نزوله عليه السلام لقتل الدجال يكون في زمن المهدي ويصلي عيسى خلفه كما جاءت به الأخبار، وجزم به جمع من الأخيار وذكر عند حديث "منا الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه" أنه بعد نزوله يجيء فيجد الإمام المهدي يريد الصلاة فيتأخر ليتقدم فيقدمه عيسى عليه الصلاة والسلام ويصلي خلفه قال فأعظم به فضلا وشرفا لهذه الأمة ثم قال ولا ينافي ما ذكر في هذا الحديث ما اقتضاه بعض الآثار من أن عيسى هو الإمام بالمهدي وجزم به السعد التفتازاني وعلله بأفضليته لإمكان الجمع بأن عيسى يقتدي بالمهدي أولا ليظهر أنه نزل تابعا لنبينا حاكما بشرعه ثم بعد ذلك يقتدي المهدي به على أصل القاعدة من اقتداء المفضول بالفاضل" انتهى وقال الشيخ محمد السفاريني في كتابه: لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية الذي شرح فيه نظمه في العقيدة المسمى "الدرة المعنية في عقد الفرقة المرضية":

وما أتى بالنص من أشراط

فكله حق بلا شطاط

منها الإمام الخاتم النصيح

محمد المهدي والمسيح

منها أي من أشراط الساعة التي وردت بها الأخبار وتواترت في مضمونها الآثار أي من العلامات العظمى وهي أولها أن يظهر الإمام المقتدى بأقواله وأفعاله الخاتم للأئمة فلا إمام بعده كما أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الخاتم للنبوة والرسالة فلا نبي ولا رسول بعده، الفصيح اللسان لأنه من صحيح العرب أهل الفصاحة والبلاغة. -ثم قال- وقوله محمد المهدي، هذا اسمه وأشهر أوصافه فأما اسمه فمحمد جاء ذلك في عدة أخبار وفي بعضها أن اسمه واسم

ص: 149

أبيه عبد الله فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي" رواه أبو نعيم من حديث أبي هريرة ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو لم يبق من النهار إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا" وروى نحوه الترمذي وأبو داود والنسائي والبيهقي وغيرهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وفي رواية من حديث ابن مسعود أيضا "لا تذهب الدنيا حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما" أخرجه الطبراني في معجمه الصغير وأخرجه الترمذي ولفظه: "حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي" وقال حديث حسن صحيح، وكذلك أخرجه أبو داود في سننه وروى ابن مسعود أيضا رضي الله عنه رفعه اسم المهدي محمد، وفي مرفوع حذيفة محمد بن عبد الله ويكنى أبا عبد الله ومن اسمائه أحمد بن عبد الله كما في بعض الروايات-إلى أن قال: وأما تسميته ووصفه في عدة أخبار-إلى أن قال- وأما كنيته فأبو عبد الله وأما نسبة فإنه من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إن الروايات الكثيرة والأخبار الغزيرة ناطقة أنه ولد فاطمة البتول ابنة النبي الرسول صلى الله عليه وسلم ورضي عنها وعن أولادها الطاهرين وجاء في بعض الأحاديث أنه من ولد العباس والأول أصح قال ابن حجر في كتابه القول المختصر: "وأما ماروي "أن المهدي من ولد العباس عمي" فقال الدارقطني حديث غريب تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم قال ولا ينافيه خبر الرافعي عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا "ألا أبشرك يا عم إن من ذريتك الأصفياء ومن عترتك الخلفاء ومنك المهدي في آخر الزمان به ينشر الله الهدى ويطفي نيران الضلالة إن الله فتح بنا هذا الأمر وبذريتك يختم"- ثم أورد ابن حجر عدة أخبار في هذا المعنى-ثم قال "فهذه الأخبار كلها لا تنافي أن المهدي من ذرية رسول الله سلى الله عليه وسلم من ولد فاطمة الزهراء لأن الأحاديث التي فيها أن المهدي من ولدها أكثر وأصح بل قال بعض حفاظ الأمة وأعيان الأئمة أن كون المهدي من ذريته صلى الله عليه وسلم مما تواتر عنه ذلك فلا يسوغ العدول ولا الإلتفات إلى غيره وقال ابن حجر يمكن الجمع بأن يكون من ذريته صلى الله عليه وسلم وللعباس فيه ولادة من جهة أن في أمهاتها عباسية".

ص: 150

والحاصل أن للحسن في المهدي الولادة العظمى لأن أحاديث كونه من ذريته أكثر وللحسين فيه ولادة أيضا وللعباس فيه ولادة أيضا ولا مانع من اجتماع ولادات وتعددات في شخص واحد من جهات مختلفة وبالله التوفيق. ثم ذكر الشيخ السفاريني رحمه الله أن خمس فوائد تكلم على كل واحدة منها الأولى في حليته وصفته والثانية في سيرته والثالثة في علامات ظهوره والرابعة في الإشارة إلى بعض الفتن الواقعة قبل خروجه والخامسة في مولده وبيعته ومدة ملكه ومتعلقات ذلك ثم قال بعد الإنتهاء من الكلام على الفوائد الخمس: "تنبيه قد كثرت الأقوال في المهدي حتى قيل لا مهدي إلا عيسى والصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسى وأنه يخرج قبل نزول عيسى عليه سلام وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم ثم ذكر بعض الآثار والأحاديث في خروج المهدي واسماء بعض الصحابة الذين رووها ثم قال وقد روي عما ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي الله عنهم روايات متعددة وعن التابعين من بعدهم ما يفيد مجموعة العلم القطعي فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة".

وقال الشيخ محمد بشير السهسواني الهندي المتوفى سنة ست وعشرين وثلاثمائة وألف في كتابه صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان قال: "وبعد انقراض قرن الصحابة أتى أمته ما يوعدون من الحوادث والبدع وكلما أحدثت بدعة رفع مثلها من السنة ولكن في قرن التابعين واتباع التابعين لم تظهر البدع ظهورا فاشيا وأما بعد قرن اتباع التابعين فقد تغيرت الأحوال تغيرا فاحشا وغلبت البدع وصارت السنة غريبة واتخذ الناس البدعة سنة والسنة بدعة ولا تزال السنة في المستقبل غريبة إلا ما استثني من زمان المهدي رضي الله عنه وعيسى عليه السلام إلى أن تقوم الساعة على شرار الناس" انتهى.

وقال الشيخ شمس الحق العظيم أبادي المتوفى سنة1329 في حاشيته المسماة عون المعبود على سنن أبي داود قال:

"وخرج أحاديث المهدي جماعة من الأئمة منهم أبو داود والترمذي وابن ماجه والبزار والحاكم والطبراني وأبو يعلى الموصلي وأسندوها إلى جماعة من الصحابة مثل علي وابن عباس وابن عمر وطلحة وعبد الله بن مسعود وأبي هريرة وأنس وأبي سعيد الخدري وأم حبيبة وأم سلمة وثوبان وقرة بن إياس وعلي الهلالي وعبد الله بن الحارث ابن جزء، رضي الله عنهم وإسناد أحاديث هؤلاء بين صحيح وحسن وضعيف وقد بالغ

ص: 151

الإمام المؤرخ عبد الرحمن بن خلدون المغربي في تاريخه في تضعيف أحاديث المهدي كلها ولم يصب بل أخطأ" انتهى. وقال الشيخ محمد أنور شاه الكشميري 1352هـ في كتابه عقيدة الإسلام "فائدة" "أخرج مسلم في نزول عيسى عليه السلام عن جابر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لاتزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق الظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم تعال صل لنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة" قال الكشميري المراد به أنه لا يؤم في تلك الصلاة حتى لا يتوهم أن الأمة المحمدية سلبت الولاية فبعد تقرير ذلك في أول مرة يكون الإمام هو عيسى عليه الصلاة والسلام لكونه أفضل من المهدي فالجواب الأصلي لأمير المسلمين هو قوله: "لا فإنها لك أقيمت" كما عند ابن ماجه وغيره عن أبي أمامة وبعد إن كانت أقيمت له لو تقدم عيسى صلى الله عليه وسلم أوهم عزل الأمير بخلاف ما بعد ذلك وهذا كإشارة نبينا صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه بعد ما كان شرع في الصلاة أن لا يتأخر يعني أؤم في هذه الصلاة لأنها لك أقيمت ثم ذكر قوله "تكرمة الله هذه الأمة" لفائدة زائدة وهي أن الأمة على ولايتها وعيسى عليه السلام أيضا حينئذ منهم لا التعليل لعدم إمامته حتى يتوهم استمرار عدمها" انتهى.

وقال الشيخ عبد الرحمن المباركفوري 1353في تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي في باب ما جاء في المهدي:

قلت: الأحاديث الواردة في خروج المهدي كثيرة جدا ولكن أكثرها ضعاف ولا شك في أن حديث عبد الله بن مسعود الذي في هذا الباب لا ينحط عن درجة الحسن وله شواهد كثيرة من بين حسان وضعاف فحديث عبد الله بن مسعود هذا مع شواهده وتوابعه صالح الإحتجاج بلا مريه فالقول بخروج المهدي وظهوره هو الحق والصواب والله أعلم.

هذه بعض الكلمات التي وفقت عليها لبعض أهل السنة والأثر في شأن المهدي والإحتجاج بالأحاديث الواردة فيه، وأعني بأهل السنة والأثر أهل الحديث ومن سار على منوالهم ممن جعل مستنده في الإعتقاد كتاب الله وما ثبت عن رسوله صلى الله عليه وسلم دون الاعتراض على ذلك بخيال يسميه صاحبه معقولا، وليس كل الذين نقلت كلامهم فيما تقدم بهذه المثابة بل منهم من هو على المعتقد الذي رجع عنه أبو الحسن الأشعري رحمه الله وبعض هؤلاء ممن له عناية بالآثار وتمييز صحيحها من ضعيفها وذلك أن الحق يقبل من كل من جاء به وليعلم أن الأحاديث في المهدي قد تلقتها الأمة من أهل السنة والأشاعرة بالقبول إلا من شذ.

ص: 152