المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حق الجار في استعمال سور جاره - فتاوى يسألونك - جـ ١٢

[حسام الدين عفانة]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني عشر

- ‌مقدمة

- ‌العقيدة والتفسير

- ‌التألي على الله سبحانه وتعالى

- ‌حكم الدعاء بـ (اللهم إني لا أسألك رد القضاءولكن أسألك اللطف فيه)

- ‌الكهان الجدد

- ‌الشيعة ليست مذهباً فقهياً خامساً

- ‌مكانة المسجد الأقصى المبارك عند الشيعة

- ‌تبرج الجاهلية الأولى

- ‌الحديث الشريف وعلومه

- ‌حديث الصلاة خلف كل بر وفاجر

- ‌حديث (خمس ليس لهن كفارة)

- ‌حديث (أفضل العبادة انتظار الفرج)

- ‌حديث قدسي لا أصل له

- ‌حديث مكذوب

- ‌الصلاة

- ‌المسح على الجورب الرقيق من مسائل الخلاف المعتبر

- ‌لبس الكفوف (القفازات) أثناء الصلاة

- ‌اللحاق بالإمام في صلاة الجماعة

- ‌الاستخلاف في الصلاة وكون المستخلف مسبوقاً

- ‌إذا جمع المسافر بين الصلاتين ثم وصل بلده أتناء وقت الصلاة الثانية فلا يلزمه الإعادة

- ‌كيفية صلاة الإستسقاء

- ‌اصطفاف أهل الميت عند المقبرة لتقبل التعزية

- ‌انتهاك حرمة المساجد من الفرق الكشفية المصحوبة بالآلات الموسيقية والطبول

- ‌الزكاة

- ‌أنصبة الزكاة توقيفية لا يجوز تعديلها مطلقاً

- ‌تجب الزكاة في مال اليتيم

- ‌كيف يزكي المزارع ثمن المحصول إذا باعهبعد أن وجبت فيه الزكاة

- ‌زكاة مزارع الدجاج اللاحم

- ‌زكاة المال المستفاد

- ‌يجوز قضاء دين الأقارب من مال الزكاة

- ‌وجوب زكاة الفطر في حق من لم يصم رمضان

- ‌الصيام

- ‌المفطرات العصرية

- ‌الطبيب الذي يؤخذ بقوله في إفطار المريض في رمضان

- ‌قضاء رمضان

- ‌البرامج التلفزيونية في رمضان

- ‌الحج والأضحية والنذور

- ‌أيهما أولى تزويج الابن أم حج الفريضة

- ‌أحكام تتعلق بالتوكيل في الأضحية

- ‌استبدال المنذور بخير منه

- ‌المعاملات

- ‌تسمية الثمن شرط لصحة البيع بخلاف قبضه عندالعقد ليس شرطاً

- ‌دفع أجرة العقار مقدماً

- ‌جعل سعر الفائدة مؤشراً للربح في البنوك الإسلامية

- ‌بيع العملات بالهامش (المارجن)

- ‌حق الجار في استعمال سور جاره

- ‌المرأة والأسرة

- ‌حق الزوجة بمسكن مستقل

- ‌حكم الزواج بنية الطلاق

- ‌إنصاف الابن الذي يعمل في تجارة أبيه دون إخوته

- ‌يجوز زواج الزانيين إذا تابا توبةً صادقة

- ‌النساء أولى بالحضانة من الرجال

- ‌حكم دراسة الفتاة في مدرسة تمنعهامن ارتداء الجلباب

- ‌رضاع الكبير

- ‌الجناياتوالحدود

- ‌عاقلة المرأة

- ‌حكم اليمين والخمسة المعمول بهافي القضاء العشائري

- ‌الصلح على أكثر من الدية في القتل العمد

- ‌متفرقات

- ‌ترك مجالسة أهل الأهواء وآكلي لحوم العلماء

- ‌كتاب (قول يا طير) وما أثير حوله

الفصل: ‌حق الجار في استعمال سور جاره

‌حق الجار في استعمال سور جاره

يقول السائل: هل للجار أن يستخدم سور جاره لتثبيت مواسير عريش دوالي العنب التي له، أفيدونا؟

الجواب: ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبه في جداره) قال ثم يقول أبو هريرة ما لي أراكم عنها معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم) رواه البخاري ومسلم.

قال القسطلاني في شرح قول أبي هريرة (ما لي أراكم عنها معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم): [أي لأصرخن بالمقالة فيكم ولأوجعنكم بالتقريع بها كما يضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه ليستيقظ من غفلته] عون المعبود 10/ 46.

وقد ورد هذا الحديث بلفظ خشبه أي جمع خشبة، وورد بالإفراد خشبة، قال الإمام النووي: [

قال القاضي: روينا قوله: (خشبة) في صحيح مسلم وغيره من الأصول والمصنفات (خشبة) بالإفراد و (خشبه) بالجمع. قال: وقال الطحاوي عن روح بن الفرج: سألت أبا زيد والحرث بن مسكين ويونس بن عبد الأعلى عنه فقالوا كلهم: (خشبة) بالتنوين على الإفراد، قال عبد الغني ابن سعيد: كل الناس يقولونه بالجمع إلا الطحاوي]. شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 222 - 223. والفرق أن وضع الخشبة الواحدة

ص: 211

أهون من وضع الخشب فإن الجار قد يتسامح في وضع خشبة واحدة ولا يتسامح في وضع خشب كثير. وجاء في رواية أخرى عند أبي داود (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا استأذن أحدكم أخاه أن يغرز خشبة في جداره فلا يمنعه فنكسوا فقال ما لي أراكم قد أعرضتم لألقينها بين أكتافكم).

وورد عند أحمد في المسند عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يمنعن رجل جاره أن يجعل خشبته أو قال خشبة في جداره) وهو حديث صحيح كما في صحيح سنن ابن ماجة 2/ 39.

وروى الإمام أحمد في المسند عن عكرمة بن سلمة بن ربيعة أن أخوين من بني المغيرة أعتق أحدهما - أي حلف بالعتق - أن لا يغرز خشباً في جداره فلقيا مجمع بن يزيد الأنصاري ورجالاً كثيراً فقالوا نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يمنع جار جاره أن يغرز خشباً في جداره فقال الحالف أي أخي قد علمت أنك مقضي لك عليَّ وقد حلفت فاجعل أسطواناً دون جداري ففعل الآخر فغرز في الأسطوان خشبة) ورواه ابن ماجة أيضاً وقال العلامة الألباني حديث حسن كما في صحيح سنن ابن ماجة 2/ 38. وروى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سأل أحدكم جاره أن يدعم جذوعه على حائطه فلا يمنعه) السنن الكبرى 6/ 69.

ص: 212

ويؤخذ من هذه الأحاديث أنه لا يجوز للجار أن يمنع جاره من استعمال الحائط الذي يكون بين أرضيهما ما دام أنه لا يلحق الضرر بجاره وقد أخذ جماعة من أهل العلم بظاهر هذه الأحاديث فقالوا من حق الجار أن يستعمل سور جاره ولو بدون إذنه قال الشوكاني [والأحاديث تدل على أنه لا يحل للجار أن يمنع جاره من غرز الخشب في جداره ويجبره الحاكم إذا امتنع وبه قال أحمد وإسحاق وابن حبيب من المالكية والشافعي في القديم وأهل الحديث] نيل الأوطار 5/ 293.

وقال الإمام الترمذي: [والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وبه يقول الشافعي وروي عن بعض أهل العلم منهم مالك بن أنس قالوا له أن يمنع جاره أن يضع خشبه في جداره والقول الأول أصح] سنن الترمذي 3/ 636.

وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فأما إن دعت الحاجة إلى وضعه على حائط جاره أو الحائط المشترك، بحيث لا يمكنه التسقيف بدونه فإنه يجوز له وضعه بغير إذن الشريك] المغني 4/ 376.

قال الإمام البيهقي: [لم نجد في السنن الصحيحة ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا يستنكر أن نخصها، وقد حمله الراوي على ظاهره، وهو أعلم بالمراد بما حدث به، يشير إلى قول أبي هريرة رضي الله عنه (ما لي أراكم عنها معرضين)] فتح الباري 5/ 137.

وقال الشيخ ابن حزم الظاهري: [وَلَا يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ مِنْ أَنْ يُدْخِلَ خَشَباً فِي جِدَارِهِ وَيُجْبَرَ عَلَى ذَلِكَ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ، فَإِنْ أَرَادَ

ص: 213

صَاحِبُ الْحَائِطِ هَدْمَ حَائِطِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لِجَارِهِ: دَعِّمْ خَشَبَك أَوْ انْزَعْهُ فَإِنِّي أَهْدِمُ حَائِطِي، وَيُجْبَرُ صَاحِبُ الْخَشَبِ عَلَى ذَلِكَ] ثم استدل بحديث أبي هريرة السابق، ثم قال:[فَهَذَا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا] المحلى 7/ 86.

وخالف في ذلك جماعة من الفقهاء فقالوا لا يجوز للجار أن يستعمل جدار جاره إلا بإذنه وهذا قول الحنفية والمالكية والشافعي في الجديد وقد حملوا ما ورد في الأحاديث السابقة من النهي على الكراهة ورأوا أنه يندب للجار أن يأذن لجاره أن يستعمل جداره فإن لم يأذن فلا يحل له ذلك لأن الأصل أنه لا يحل للمسلم شيء من مال أخيه المسلم إلا بإذنه واحتجوا على ذلك بقول الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} سورة البقرة الآية 188، وبقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} سورة النساء الآية 29.

واحتجوا بما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجة والطبراني وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 250.

ص: 214

واحتجوا أيضاً بما جاء في الحديث من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس) رواه أحمد والبيهقي وابن حبان وغيرهم وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل 5/ 279.

والذي يظهر لي أن الراجح من القولين هو قول من أجاز وضع الخشب في جدار الجار بدون إذنه ما دام أنه لا يلحق ضرراً بجاره ومما يؤيد هذا الترجيح ما رواه مالك في الموطأ أن الضحاك بن خليفة ساق خليجاً له من العريض فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة فأبى محمد فقال له الضحاك لم تمنعني وهو لك منفعة تشرب به أولاً وآخراً ولا يضرك فأبى محمد فكلَّم فيه الضحاك عمر بن الخطاب فدعا عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة فأمره أن يخلي سبيله فقال محمد لا فقال عمر لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع تسقي به أولاً وآخراً وهو لا يضرك فقال محمد لا والله فقال عمر والله ليمرنَّ به ولو على بطنك فأمره عمر أن يمر به ففعل الضحاك) قال الحافظ ابن حجر العسقلاني وسنده صحيح فتح الباري 5/ 138.

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وروى ابن إسحاق في مسنده والبيهقي من طريقه عن يحيى بن جعدة أحد التابعين قال: أراد رجل بالمدينة أن يضع خشبته على جدار صاحبه بغير إذنه فمنعه، فإذا من شئت من الأنصار يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهاه أن يمنعه، فجبر على ذلك] فتح الباري 5/ 138، وانظر السنن الكبرى 6/ 69.

ص: 215

وقد قاس الشيخ ابن قدامة المقدسي وضع الخشب على جدار الجار على الاستناد إليه والاستظلال به. المغني 4/ 376.

وخلاصة الأمر أنه يجوز للجار أن يستعمل سور جاره لتثبيت مواسير عريشه بدون أن يلحق الضرر بجاره، وهذا حق من حقوق الجار على جاره وقد وردت نصوص كثيرة في كتاب الله عز وجل وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم تحث على أداء حقوق الجيران وحسن معاملتهم.

- - -

ص: 216