الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومع أن المقام لا يتسع لتفصيل صفات الخطيب الناجح، فقد كتبت فيه مؤلفات، فلا بد أن أذكر أن من عوامل نجاح الخطيب أن لا يتعرض للأمور الخلافية المحتملة، وأن لا يتعصب لرأيه، وأن يبتعد عن التجريح للأشخاص والجماعات مع التصريح بأسمائهم، فلا شك أن هذا على خلاف الهدي النبوي فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من مناسبة أنه كان يقول:(ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا) - كما في البخاري ومسلم وكتب السنن - دون أن يذكرهم بأسمائهم.
وخلاصة الأمر أن خطبة الجمعة فريضة، وأنه لا يجوز لأحد أن يترك حضور خطبة الجمعة عمداً، لأن خطيب الجمعة لا يعجبه، أو أن خطيب الجمعة يطرح أموراً بعيدة عن واقع الأمة، فالأمة تذبح من الوريد إلى الوريد وهو يتحدث عن خطأ يقع فيه أحد المصلين، فلكل مقام مقال، ولا بد من الاهتمام بخطبة الجمعة، وأن يعاد تأهيل من يصعدون المنابر تأهيلاً علمياً صحيحاً حتى يستحقوا وصف خطيبٍ حقيقةً لا مجازاً.
- - -
نبش القبور لأغراض خبيثة
يقول السائل: قام بعض الأشخاص بنبش بعض القبور في مقبرة بلدتنا لأغراض خبيثة، فما الحكم في هذه القضية، أفيدونا؟
الجواب: حرمة المسلم حرمة عظيمة حياً كان أو ميتاً وقد ورد في الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) رواه البخاري ومسلم.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله) رواه البخاري ومسلم. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: (ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأن نظن به إلا خيراً) رواه ابن ماجة وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب 2/ 630. ونظر ابن عمر رضي الله عنه يوماً إلى البيت أو إلى الكعبة فقال ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك) رواه الترمذي.
ولا شك أن حرمة المسلم ميتاً كحرمته حياً فلا يجوز الاعتداء عليه وهو ميت في قبره، كما لا يجوز الاعتداء عليه حال حياته، لأن حرمة المسلم ليست مقيدة بحال الحياة، بل تعم حال الحياة وحال الممات، ويدل على ذلك ما ورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(إن كسر عظم المؤمن ميتاً مثل كسره حياً) رواه أبو داود وابن ماجة وأحمد وغيرهم، وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل 3/ 214. وجاء في رواية أخرى عند ابن ماجة:(كسر عظم الميت ككسر عظم الحيّ في الإثم) سنن ابن ماجة 1/ 516. وروى البخاري بإسناده عن عطاء قال حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة بسرف - موضع قريب من التنعيم بضواحي مكة المكرمة - فقال ابن عباس: هذه زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها وارفقوا)، قال الحافظ ابن حجر: [قوله (وارفقوا)
إشارة إلى أن مراده السير الوسط المعتدل، ويستفاد منه أن حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته، وفيه حديث (كسر عظم المؤمن ميتاً ككسره حياً) أخرجه أبو داود وابن ماجة وصححه
ابن حبان] فتح الباري 9/ 142. وعن عمارة بن حزم قال: (رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً على قبر فقال يا صاحب القبر انزل عن القبر لا تؤذي صاحب القبر ولا يؤذيك) رواه الطبراني في الكبير، وقال الحافظ ابن حجر: إسناده صحيح، فتح الباري3/ 285، وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب حديث رقم 3566. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (أذى المؤمن في موته كأذاه في حياته) رواه ابن أبي شيبة في المصنف. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه سئل عن الوطء على القبر فقال: كما أكره أذى المؤمن في حياته فإني أكره أذاه بعد موته.
إذا تقرر هذا فإن الأصل عند أهل العلم هو حرمة نبش قبور المسلمين، لأن نبشها يعتبر انتهاكاً لحرمةٍ أوجب الشرع حفظها وصيانتها، وقد قرر الفقهاء أنه لا يجوز نبش قبر الميت إلا لعذر شرعي وغرض صحيح، فالأصل هو حرمة نبش القبور إلا في حالاتٍ خاصة بينها الفقهاء، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم نباش القبور، فقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم:(لعن المختفي والمختفية) رواه البيهقي والحاكم، وهو حديث صحيح كما بينه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة 5/ 181. وفي صحيح الجامع حديث رقم 5102، والمقصود بالمختفي نباش القبور. واللعن هو الإبعاد من رحمة الله سبحانه وتعالى، وقال العلماء: اللعن على الفعل من أول الدلائل على تحريمه، واللعن لا يكون إلا على كبائر الذنوب، انظر الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 308، 2/ 62. وقال الحافظ ابن عبد البر:[وفي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النباش دليل على تحريم فعله والتغليظ فيه كما لعن شارب الخمر وبائعها وآكل الربا ومؤكله] الاستذكار 8/ 344.
إذا تقررت حرمة الميت فإن جماعة من الفقهاء قد قالوا بقطع يد النباش، وهو من يفتش القبور عن الموتى ليسرق أكفانهم وحليهم وما يتعلق بهم. وهذا قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة وأبي يوسف من الحنفية وإبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وإسحاق بن راهويه والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وهو قول الظاهرية، وقرروا أن النباش يعتبر سارقاً تجري عليه أحكام السارقين، فتقطع يده إذا سرق من أكفان الموتى ما يبلغ نصاب السرقة، لأن الكفن مال متقوم سُرق من حرز مثله وهو القبر، فكما أن البيت المغلق في العمران يعتبر حرزاً لما فيه عادة، وإن لم يكن فيه أحد، فإن القبر يعتبر عادةً حرزاً لكفن الميت. واستدلوا بأدلة منها: قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} سورة المائدة الآية 38، حيث إن اسم السرقة يشمل النباش، لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:(سارق أمواتنا كسارق أحيائنا) رواه البيهقي في كتاب المعرفة. وعن يحيى النسائي قال كتبت إلى عمر بن عبد العزيز في النباش فكتب إليَّ إنه سارق. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه ومن نبش قطعناه) رواه البيهقي في كتاب المعرفة، قالوا ومعناه أنه سرق مالاً كامل المقدار من حرز لا شبهة فيه فتقطع يده كما لو سرق لباس الحي، لأن الآدمي محترم حياً وميتاً، ولأن السرقة أخذ المال على وجه الخفية، وذلك يتحقق من النباش وهذا الثوب - الكفن - كان مالاً قبل أن يلبسه الميت فلا تختل صفة المالية فيه بلبس الميت، فأما الحرز فلأن الناس تعارفوا منذ ولدوا إحراز الأكفان بالقبور، ولا يحرزونها بأحصن من ذلك الموضع، فكان حرزاً متعيناً له باتفاق جميع الناس، ولا يبقى في إحرازه شبهة، لما كان لا
يحرز بأحصن منه عادةً، ولأنه روي (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقطع المختفي)، قال الأصمعي: وأهل الحجاز يسمون النباش المختفي، إما لاختفائه بأخذ الكفن، وإما
لإظهاره الميت في أخذ كفنه، وقد يسمى المظهر، وهو من أسماء الأضداد. ومن أدلة الجمهور أيضاً ما روي أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قطع نباشاً بعرفات وهو مجمع الحجيج، ولا يخفى ما جرى فيه على علماء العصر فما أنكره منهم منكر، ولأن جسد الميت عورة يجب سترها فجاز أن يجب القطع في سرقة ما سترها، ولأن قطع السرقة موضوع لحفظ ما وجب استبقاؤه على أربابه حتى ينزجر الناس عن أخذه، فكان كفن الميت أحق بالقطع لأمرين: أحدهما أنه لا يقدر على حفظه على نفسه، والثاني أنه لا يقدر على مثله عند أخذه] الموسوعة الفقهية الكويتية 40/ 19 - 20. بتصرف. وقال الشيخ ابن حزم الظاهري مؤيداً قول الجمهور بقطع النباش ورادَّاً على المخالفين: [
…
والذي نقول به وبالله تعالى التوفيق: أن كل هذا لا معنى له، لكن الفرض هو ما افترض الله تعالى ورسوله عليه السلام الرجوع إليه عند التنازع، إذ يقول تعالى:{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} ففعلنا: فوجدنا الله تعالى يقول: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} ووجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوجب القطع على من سرق بقوله عليه السلام: (لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها)، ووجدنا السارق في اللغة التي نزل بها القرآن وبها خاطبنا الله تعالى: هو الآخذ شيئاً لم يبح الله تعالى له أخذه، فيأخذه متملكا له، مستخفياً به فوجدنا النباش هذه صفته، فصح أنه سارق، وإذ هو سارق، فقطع اليد على السارق، فقطع يده واجب وبه نقول. وأما من رأى قتله، أو قطع يده ورجله، فما نعلم له حجة، إلا أن يكونوا رأوه محارباً وليس هاهنا دليل على
أنه محارب أصلاً؛ لأنه لم يخف طريقاً، فليس له حكم المحارب، ودماؤنا حرام، فدم النباش حرام] المحلى 12/ 315 - 316. ومما يدل على قطع يد النباش ما رواه ابن أبي شيبة من آثار عن جماعة من السلف، فقد روى بإسناده عن معمر قال: بلغني أن عمر بن عبد العزيز قطع نباشاً. وروى بإسناده عن إبراهيم النخعي والشعبي قالا:
يقطع سارق أمواتنا كما يقطع سارق أحيائنا. وروى بإسناده عن عطاء في النباش قال هو بمنزلة السارق، يقطع. وروى بإسناده عن أشعث قال: سألت الحسن عن النباش قال: يقطع، وسألت الشعبي فقال: يقطع. وروى بإسناده عن الحكم وحماد عن إبراهيم النخعي في النباش قال: يقطع. وروى بإسناده عن حماد وأصحابه قالوا: يقطع النباش لأنه قد دخل على الميت بيته. وروى بإسناده عن مكحول قال: لا يقطع إلا أن يكون للقبر باب. وروى بإسناده عن عبد الله بن مرة قال: النباش لص فاقطعه. وروى بإسناده عن حجاج أن مسروقاً وإبراهيم النخعي والشعبي وزاذان وأبا زرعة بن عمرو بن جرير كانوا يقولون في النباش: يقطع. المصنف 10/ 34 - 35.
وخلاصة الأمر أن نبش القبور لسرقة ما فيها من المحرمات بل من الكبائر، وتقطع يد النباش على الراجح من أقوال أهل العلم إذا سرق ما يبلغ نصاب القطع.
- - -