المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب قول الله تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفا} - فضل الإسلام (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزءالأول)

[محمد بن عبد الوهاب]

الفصل: ‌باب قول الله تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفا}

‌باب قول الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا}

قول الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} 1.

وقوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 2 وقوله: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 3.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن لكل نبي ولاة من النبيين، وأنا وليي منهم أبي إبراهيم وخليل ربي. ثم قرأ:{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} 4 رواه الترمذي.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"5.

1 سورة الروم آية: 30.

2 سورة البقرة آية: 132.

3 سورة النحل آية: 123.

4 سورة آل عمران آية: 68.

5 مسلم: البر والصلة والآداب (2564) .

ص: 219

ولهما عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن إلي رجال من أمتي، حتى إذا أهويت لأناولهم. احتجبوا دوني، فأقول: أي رب أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك"1.

ولهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وددت أنا قد رأينا إخواننا. قالوا: أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواني الذين لم يأتوا بعد. قالوا: فكيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك؟ قال: أرأيتم لو أن رجلا له خيل غرا محجلة بين ظهراني خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى. قال: فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء. وأنا فرطهم على الحوض. ألا ليذادن رجال يوم القيامة عن حوضي كما يذاد البعير الضال. أناديهم: ألا هلم. فيقال: إنهم بدلوا بعدك. فأقول: سحقا سحقا"2.

وللبخاري: "بينما أنا قائم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم وعرفوني 3 خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم فقلت أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. ثم إذا زمرة - فذكر مثله – قال: فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم".

ولهما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "فأقول كما قال العبد الصالح: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} 4.

1 البخاري: الرقاق (6576)، ومسلم: الفضائل (2297)، وابن ماجه: المناسك (3057) ، وأحمد (1/384 ،1/439) .

2 البخاري: المساقاة (2367)، ومسلم: الطهارة (249)، والنسائي: الطهارة (150)، وابن ماجه: الزهد (4306) ، وأحمد (2/300 ،2/408)، ومالك: الطهارة (60) .

3 لفظة (وعرفوني) من مخطوطة المفتي.

4 سورة المائدة آية: 117.

ص: 220

ولهما مرفوعا: "ما من مولود يولد إلا على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء، حتى تكونوا أنتم تجدعونها"1. ثم قرأ أبو هريرة: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} 2 متفق عليه.

وعن حذيفة رضي الله عنه قال: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير. وأنا أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني. فقلت: يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. فقلت: وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي، ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال. نعم. فتنة عمياء، ودعاة على أبواب جهنم؛ مَنْ أجابَهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله، صفهم لنا. قال: قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. قلت: يا رسول الله ما تأمرني إن أدركت ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك" أخرجاه، وزاد مسلم3:"ثم ماذا؟ قال: ثم يخرج الدجال، معه نهر ونار. فمن وقع في ناره وجب أجره وحط وزره، ومن وقع في نهره وجب وزره وحط أجره4. قلت: ثم ماذا؟ قال: هي قيام الساعة" وقال أبو العالية: (تعلموا الإسلام فإذا تعلمتموه

1 البخاري: تفسير القرآن (4775)، ومسلم: القدر (2658) ، وأحمد (2/233 ،2/275 ،2/346 ،2/393 ،2/410 ،2/481)، ومالك: الجنائز (569) .

2 سورة الروم آية: 30.

3 هذه الزيادة في "سنن أبي داود" فلعل الأصل "زاد أبو داود".

4 الزيادة من (وحط وزره) إلى (وحط أجره) في المخطوطات الثلاث.

ص: 221

فلا ترغبوا عنه. وعليكم بالصراط المستقيم، فإنه الإسلام. ولا تتحرفوا عن الصراط يمينا ولا شمالا. وعليكم بسنة نبيكم. وإياكم وهذه الأهواء. انتهى تأمل كلام أبي العالية هذا، ما أجله واعرف زمانه الذي يحذر فيه من الأهواء التي من اتبعها فقد رغب عن الإسلام، وتفسير الإسلام بالسنة، وخوفه على أعلام التابعين وعلمائهم من الخروج عن السنة والكتاب، يتبين لك معنى قوله تعالى:{إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ} 1. وقوله {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 2. وقوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} 3. وأشباه هذه الأصول الكبار التي هي أصل الأصول، والناس عنها في غفلة. وبمعرفته يتبين معنى الأحاديث في هذا الباب وأمثالها؛ وأما الإنسان الذي يقرؤها وأشباهها وهو آمن مطمئن أنها لا تناله، ويظنها في قوم كانوا فبادوا 4. {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} 5.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال "خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا. ثم قال: هذا سبيل الله. ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله. ثم قال: هذه سبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، وقرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} 6 7" رواه أحمد والنسائي.

1 سورة البقرة آية: 131.

2 سورة البقرة آية: 132.

3 سورة البقرة آية: 130.

4 في الأصل: فبانوا.

5 سورة الأعراف آية: 99.

6 سورة الأنعام آية: 153.

7 أحمد (1/435)، والدارمي: المقدمة (202) .

ص: 222