الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعقيب وتحليل:
أما بعد، فمما لا شك فيه ان اهتمام العلماء والأطباء والباحثين قد زاد في الآونة الأخيرة لمتابعة الآثار الناجمة عن التدخين، ولقد تم بالفعل تحديد وتشخيص تلك الآثار بطريقة علمية دقيقة حتى بلغت البحوث التي اهتمت بهذه المشكلة نحو 50 ألف بحثا، تناولته من جميع جوانبه السلبية، جسميا وعقليا ونفسيا واجتماعيا بل واقتصاديا ايضا.
وقد عرضت نتائج هذه الأبحاث على كافة المواطنين في مختلف بلدان العالم من أجل الوقاية من ذلك القاتل البطىء" وأعلن الأطباء صراحة: أن صحة الإنسان سوف يظل يتهددها الخطر طالما لم يتحقق الوصول إلى عالم خال من سموم السيجارة، ومشاكلها المتعددة.
كيف يمكن حسم القضية إذن
؟
إن المتأمل للإحصاءات السابقة يستلفت نظره حقيقة هامة غاية فى الأهمية، فعلى الرغم من أن نسبة المدخنين من الأطباء تبلغ نحو 43 % (وفي أطباء القلب 50 %) إلا أننا على النقيض حيث نجد أنها تبلغ نحو 18 % بين الرياضيين.
هنا نستبط حقيقتين هامتين:
- أنه عن طريق الرياضة يمكن حسم المشكلة لدرجة معقولة ومرضية.
- الحقائق العلمية وحدها لا تكفى - بالطبع - لحسم مشكلة التدخين فأطباء القلب هم أكثرنا دراية بمشاكل التدخين والعواقب الوخيمة للمدخن صحيا ونفسيا، ومع ذلك فهم من أكثر الفئات إدمانا للسجائر!!!
***
ولعل شركات التبغ قد تنبهيت لهذه الحقيقة الغريبة، فأقدمت على مغامرة جريئة حيرت معها الرأي العام فى بعض الدول، وذلك حين أعلنت أنها لاثبات حسن نواياها ومساهمة منها فى القضاء على ذلك القاتل البطىء، واستئصالا لذلك الداء اللعين، ومحافظة على صحة إنسان القرن الحادي والعشرين فإنها سوف تبذل جهودا مخلصة للقضاء على عادة التدخين من أجل الإقلاع عنها نهائيا، وإنها ستعرض فيلما يدور حول حياة أحد المشاهير العظام من نجوم السينما تسبب إفراطه فى التدخين أنه قد مرض، وقضى نحبه فى نهاية الأمر. . ولقد تناول الفيلم بإسهاب شديد حياة هذا النجم الحافلة بالمسرات ومختلف أنواع المتعة واللذة، وأن السيجارة لم تفارق فمه طوال مدة عرض الفيلم. . . وفى الدقائق الأخيرة يرى المشاهد هذا النجم وقد هبط من سمائه إلى الهاوية. . . ويموت.
وتم تسجيل بعض ردود الفعل لرواد الفيلم من الشبان والمراهقين، فلوحظ زيادة إقبالهم على التدخين، خاصة ذلك النوع الذي كان يدخنه البطل!
وحاولت بعض السلطات القضائية إيقاف عرض الفيلم، وكان دون فائدة مرجوة، فقد سبق السيف العزل!
والحقيقة المؤكدة أن هذه الشركات كانت على يقين من أن الحقائق وحدها مهما كان نوعها وتأثيرها - لن تحسم قضية التدخين بل ربما تأتى بنتائج عكسية تماما!
ومن هنا نتسائل: هل العبارة التى تكتب على جانبى علبة التبغ التدخين ضار جدا بالصحة، هل أفادت أم أضرت؟
إنه موضوع قابل للمناقشة والبحث والتأمل
(بسؤال 150 شابا عن تعليقهم على هذه العبارة كانت الإجابات كالآتى (110 قالوا نعلم هذا وأكثر منه، 19 قالوا ولماذا تبيعها الدولة؟!، 21 أجابوا إجابات مختلفة منها: ربما، كل ما حولنا ملوثا، الأعمار بيد الله. . . إلخ).
وإذا كان التشريع لا يحسم المشكلة بل قد يزيدها تعقيدا (خاصة فى دول العالم الثالث الذى ندور نحن فى فلكه).
واذا كانت الحقائق -العلمية وحدها لا تحسم القضية كما أسلفنا وبدليل ارتفاع معدل التدخين بين الأطباء أنفسهم، فما هو السبيل لحسم المشكلة إذن؟!
إننا نتصور أنه مما لا شك فيه أن التعرف على الدافع النفسي هو الخطوة الأولى لحسم المشكلة؛ وبالتالى يكون العلاج على قدر نجاحنا لمعرفة حقيقة هذا الدافع، ومن واجب وزارة الصحة - أن تولى هنا الأمر الأهمية القصوى فيتولى أطباء نفسيون مسئولياتهم تجاه ذلك فى إطار تكاملى على النحو التالى:
-بداية تعلن وزارة الصحة عن حملتها القومية للقضاء على التدخين، ولتطلق عليه " القاتل البطىء"، كما تعلن أنها سوف تفتح عياداتها النفسية للعلاج بالمجان للراغبين فى الإقلاع عن التدخين.
-يتولى على الفور رجال الدين (مسلمون وغيرهم فى مختلف الأقطار) مسئولياتهم فى ذلك، كى يتجنب الإنسان الضرر بنفسه، وتكون الدعوة فى إطار التشريعات والمبادئ السماوية.
تتولى أجهزة الإعلام مسئولياتها لحسم المشكلة بطريقة مبتكرة.
-تتولى وزارة التعليم مسئولياتها كذلك وفق برنامج زمنى محدد ووفق مبدأ يعلن عنه (مثلا)"القدوة خير وسيلة للإقلاع عن التدخين" أو "الوقاية المبكرة أفضل السبل لحماية الناشئة"
-ويمكن أن تتناول موضوعات الإنشاء أفكارا حديثة فى هذا الصدد، كأن يكتب الصغار عن موضوعات تحث الآباء على الإقلاع عن التدخين حرصا على حياتهم ووفق مبدأ " أنا أحب أبي إذن فلأحافظ على صحته"
-يجب زيادة البرامج الرياضية بأسلوب تربوي، ولا مانع من مساهمة مختلف النوادي الرياضية في ذلك؛ فيمارس الطلبة أنشطتهم داخل هذه النوادي، مع عمل مسابقات ومعارض وبحوث فى هذا الصدد.
-تتولى الصحافة مسئولياتها وفق برامج تعد سلفا (ويجدر الإشارة هنا بأهمية الكاريكاتير التى ثبت أنها لغة سهلة ومؤثرة خاصة على رجل الشارع).
-تتولى في الوقت نفسه مختلف النوادى الرياضية والإجتماعية مسئولياتها فى ذلك، ولا مانع من أن يقيم كل نادى متحفاً يطلق عليه مثلاً "متحف الإقلاع عن التدخين " ويضم شرائط للفيديو والأبحاث والنشرات والكتب والملصقات التى لها علاقة بالتدخين.
-تدعو وزارة الصحة أيضا لما يمكن أن نطلق عليه "ميثاق القدوة" وفيه يتولى الأطباء الدعوة للقضاء على "القاتل البطىء" ثم يعلنون إقلاعهم عن التدخين (بالطبع لمن يرغب منهم)
-ثم دعوة للآباء للمشاركة فى هذا الميثاق (لمن يرغب منهم) تحت شعار "بيوت خالية من التبغ من أجل جيل أفضل".
-ثم دعوة للمعلمين للمساهمة فى هذا الميثاق (لمن يرغب أيضا).
-خلال ذلك كله، تجرى الاحصائيات اللازمة والبحوث الميدانية الموضوعية لمعرفة مدى نجاح الحملة (أو إخفاقها لا قدر الله) وبيان معدل بيع التبغ والسجائر في مختلف أنحاء الأقطار العربية وبناء على ذلك تتولى اللجان المشرفة عمل
الإجراءات اللازمة لتطوير البرامج الارشادية والعلاجية أولا بأول وذلك لتحقيق المزيد من النجاح وفق أسس علمية مقننة.