الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فمن أراد لنفسه الفوز والنجاة عليه أن يلزم غرز هؤلاء ويسلك نهجهم ويتبع طريقهم، ومن كان كذلك فقد سبق سبقاً بعيدا وفاز فوزاً عظيما.
نقول عن السلف في ذلك
…
وإن من نهج أهل السنة والجماعة وسبيلهم مع ولاة أمرهم: أنهم يرون وجوب السمع والطاعة لهم في المنشط والمكرة أبراراً كانوا أو فجاراً، وإنما الطاعة في المعروف، فإن أمروا بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وينصحون لهم، ولا يدعون عليهم بل يدعون لهم بالصلاح والمعافاة، ولا يرون جواز الخروج عليهم ولا قتالهم ولا نزع يد الطاعة منهم، وإن جاروا وظلموا، بل يعدون ذلك من البدع المحدثة.
قال إمام أهل السنة الإمام المبجل أحمد بن حنبل- رحمه الله: "أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والإقتداء بهم وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة، وترك الخصومات والجلوس مع أصحاب الأهواء، وترك المراء والجدال والخصومات في الدين.
والسنة عندنا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسنة تفسر القرآن، وهي دلائل القرآن، وليس في السنة قياس ولا تُضِرَب لها الأمثال، ولا تُدرَك بالعقول ولا الأهواء، إنما هي الإتباع وترك الهوى، ومن السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقلها ويؤمن بهالم يكن من أهلها1.
…
فذكر أموراً ثم قال: والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر، ومن ولي الخلافة فاجتمع الناس عليه ورضوا به، ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين.
والغزو ماض مع الأمراء إلى يوم القيامة، البر والفاجر لا يترك، وقسمة الفيء وإقامة الحدود إلى الأئمة ماضٍ ليس لأحد أن يطعن عليهم ولا ينازعهم، ودفع
1 في كلام الإمام أحمد هذا تعريف لصاحب السنة المستحق للوصف بهذا اللقب الجليل، بأنه هو الملازم لخصال السنة اللازمة التي من ترك خصلة منها لم يقلها ويؤمن بها لم يكن من أهل الله، بل يكون من أهل البدع والأهواء.
الصدقات إليهم جائزة ونافذة، من دفعها إليهم أجزأت عنه براً كان أو فاجراً.
وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولَّى جائزة تامة ركعتين، من أعادهما فهو مبتدع تارك للآثار مخالف للسنة ليس له من فضل الجمعة شيء، إذا لم ير الصلاة خلف الأئمة من كانوا برهم وفاجرهم، فالسنة أن تصلي معهم ركعتين من أعادهما فهو مبتدع، وتدين بأنها تامة ولا يكن في صدرك من ذلك شك.
ومن خرج على إمام المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية. ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق
…
"1.
1 شرح الاعتقاد للالكائي (1/160،161) وهو من رواية عبدوس عن الإمام احمد.
ثم ذكر بقية الأصول- أصول الله التي من فارقها لم يكن من أهل السنة-.
وذكر نحواً من هذا وقريباً منه االإمام علي بن المديني في عقيدته1.
وقال الإمام أحمد- رحمه الله أيضاً:. "هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر، وأهل السنة المتمسكين بعروقها المعروفين بها، المقتدى بهم فيها، من لدن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم عليها، فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق ".
وذكر أموراً من أصول الاعتقاد منها قوله: "
…
والانقياد إلى من ولاه الله أمركم، لا تنزع يداً من طاعته، ولا تخرج عليه بسيفك حتى يجعل الله لك
1 شرح الاعتقاد للالكائي (1/ 167، 168) .
فرجاً ومخرجاً، ولا تحرج على السلطان، وتسمع وتطيع، ولا تنكث بيعة، فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف مفارق للجماعة، وإن أمرك السلطان بأمر هو لله معصية، فليس لك أن تطيعه ألبتة، وليس لك أن تخرج عليه ولا تمنعه حقه
…
"1.
وقال الإمام البخاري- رحمه الله: "لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم أهل الحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر
…
وذكر جماعة منهم ثم قال: ما رأيت واحداً منهم يختلف في هذه الأشياء
…
فذكر أموراً منها:
وأن لا ننازع الأمر أهله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا يَغِل عليهن قلب امرىء مسلم: إخلاص العمل لله، وطاعة ولاة الأمر، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم"2. ثم أكد في قوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا
1 طبقات الحنابلة لابن أبي يعلي (1/ 24-27) وهو من رواية أبي العباس الإِصطخري عن الإمام أحمد.
2 يأتي تخريجه.
الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} 1: وأن لا يرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقال الفضيل: لو كانت لي دعوة مستجابة لم أجعلها إلا في إمام، لأنه إذا صلح الإمام أمن البلاد والعباد. قال ابن المبارك: يا معلم الخير من يجزي على هذا غيرك"2.
وقال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي: "سألت أبي وأبا زرعة عن مذهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك؟ فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازاً وعراقاً وشاماً ويمناً فكان من مذهبهم
…
فذكرا أموراً منها:
…
ونقيم الجهاد والحج مع أئمة المسلمين في كل دهر وزمان، ولا نرى الخروج على الأئمة ولا القتال في
1 سورة النساء: الآية 59.
2 شرح الاعتقاد للالكائي (1/172-176) . والمراد بكلمة ابن المبارك الثناء على الفضيل، لأنه لم يرد أن يخص نفسه بالدعوة المستجابة لو كانت له، بل أراد أن يجعلها لمن يعم نفعه إذا صلح وهو السلطان.
الفتنة، ونسمع ونطيع لمن ولاه الله عز وجل أمرنا، ولا ننزع يداً من طاعة، ونتبع السنة والجماعة، ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة، فإن الجهاد ماض مذ بعث الله عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة مع ولي الأمر من أئمة المسلمين لا يبطله شيء، والحج كذلك، ودفع الصدقات من السوائم إلى أولي الأمر من أئمة المسلمين
…
"1.
وقال سهل بن عبد الله التُّسْتَري وقد قيل له: متى يعلم الرجل أنه على السنة والجماعة؟
قال: "إذا علم من نفسه عشر خصال:
لا يترك الجماعة، ولا يسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يخرج على هذه الأمة بالسيف، ولا يكذب بالقدر، ولا يشك في الإيمان، ولا يماري في الدين، ولا يترك الصلاة على من يموت من أهل القبلة بالذنب، ولا يترك المسح عل الخفين، ولا يترك الجماعة خلف كل وال جَارَ أو عَدَل "2.
1 شرح الاعتقاد للاكائي (1/ 176-180) .
2 شرح الاعتقاد للالكائى (1/ 183) .
وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي: "ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل، ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والعافية"1.
وقال الإمام البربهاري- رحمه الله: "واعلم أن جور السلطان لا ينقص فريضة من فرائض الله التي افترضها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، جوره على نفسه، وتطوعك وبرك معه تام إن شاء الله تعالى، يعني الجماعة والجمعة والجهاد معهم وكل شيء من الطاعات فشاركهم فيه، وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله، يقول الفضيل بن عياض: لو كان لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان. فأُمرنا أن ندعو لهم بالصلاح، ولم نؤمر أن ندعو عليهم وإن جاروا وظلموا؛ لأن جورهم وظلمهم عل أنفسهم وعلى
1 انظر: شرح العقيدة الطحاوية (ص 368) .
المسلمين، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين "1.
وقال الإمام ابن بطة العكبري: "
…
ونحن الآن ذاكرون شرح السنة ووصفها وما هي في نفسها، وما الذي إذا تمسك به العبد ودان الله به سُمى بها واستحق الدخول في جملة أهلها، وما إن خالفه أو شيئاً منه دخل في جملة من عبناه وذكرناه وحذر منه من أهل البدع والزيغ، مما أجمع على شرحنا له أهل الإسلام وسائر الأمة مذ بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا".
وذكر جملة من هذه الأصول ثم قال:
"ثم من بعد ذلك الكف والقعود في الفتنة ولا تخرج بالسيف على الأئمة وإن ظلموا.
وقال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه: "إن ظلمك فاصبر، وإن حرمك فاصبر".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: "اصبر وإن كان عبداً حبشياً"2.
1 انظر: طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (2/36) .
2 يأتي تخريجه.
وقد أجمعت العلماء من أهل الفقه والعلم والنسك والعباد والزهاد من أول هذه الأمة إلى وقتنا هذا: أن صلاة الجمعة والعيدين ومنى وعرفات والغزو والحج والهدي مع كل أمير بر وفاجر، وإعْطَاءَهم الخراج والصدقات والأعشار جائز، والصلاة في المساجد العظام التي بنوها، والمشي على القناطر والجسور التي عقدوها، والبيع والشراء وسائر التجارة والزراعة والصنائع كلها في كل عصر، ومع كل أمير جائز على حكم الكتاب والسنة، لا يضر المحتاط لدينه والمتمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ظلم ظالم ولا جور جائر إذا كان ما يأتيه هو على حكم الكتاب والسنة، كما أنه لو باع واشترى في زمن الإمام العادل بيعاً يخالف الكتاب والسنة لم ينفعه عدل الإمام، والمحاكمة إلى قضاتهم ورفع الحدود والقصاص وانتزاع الحقوق من أيدي الظلمة بأمرائهم وشرطهم، والسمع والطاعة لمن والوه وإن كان عبداً حبشياً إلا في معصيته الله عز وجل، فليس لمخلوق فيها طاعة، ثم من بعد ذلك اعتقاد الديانة بالنصيحة للأئمة وسائر الأمة في الدين والدنيا
ومحبة الخير لسائر المسلمين، تحب لهم ما تحب نفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك"1.
وقال أبو منصور معمر بن أحمد الأصبهاني في رسالته التي جمعها في السنة لما رأى غربة السنة وكثرة الحوادث واتباع الأهواء.. قال: "ثم من السنة الانقياد للأمراء والسلطان بأنه لا يخرج عليهم بالسيف وإن جاروا، وأن يسمعوا له وأن يطيعوا وإن كان عبداً حبشياً أجدع، ومن السنة الحج معهم والجهاد معهم وصلاة الجمعة والعيدين خلف كل بر وفاجر
…
".
وقال في تمامها: "ويشهد لهذا الفصل المجموع من السنة كتب الأئمة، فأول ذلك كتاب السنة عن عبد الله بن أحمد بن حنبل وكتاب السنة لأبي مسعود وأبي زرعة وأبي حاتم، وكتاب السنة لعبد الله بن محمد بن النعمان وكتاب السنة لأبي عبد الله محمد بن يوسف البنا الصوفي- رحمهم الله أجمعين، ثم كتب السنن للمتأخرين مثل أبي أحمد العسال، ألفوا كتب السنة، فاجتمع هؤلاء كلهم على
1 انظر: الشرح والإبانة (ص 175 و276-281) .
إثبات هذا الفصل من السنة.."1.
وقال الإمام أبو إسماعيل الصابوني: "ويرى أصحاب الحديث الجمعة والعيدين وغيرهما من الصلوات خلف كل إمام مسلم براً كان أو فاجراً، ويرون جهاد الكفرة معهم وإن كانوا جورة فجرة، ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح وبسط العدل في الرعية، ولا يرون الخروج عليهم بالسيف، وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف، ويرون قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل"2.
وقال التيمي: "فصل يتعلق باعتقاد أهل السنة ومذهبهم
…
وطاعة أولي الأمر واجبة، وهي من أوكد السنن، ورد بها الكتاب والسنة، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) 3.
والنقول عن أهل السنة والجماعة في تقرير هذا الأصل
1 انظر: الحجة في بيان المحجة للتيمي (1/235-242) .
2 عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص 92، 93) .
3 الحجة في بيان المحجة (2/ 478) .