المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر وفاته عليه السلام - قصص الأنبياء من البداية والنهاية - ت عبد الواحد - جـ ٢

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ذكر قصَّة مُوسَى الكليم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم

- ‌ذكر مُوسَى وهرون فِي النَّاسِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ الْجَمِيلَةِ، أَفْزَعَهُ ذَلِكَ، وَرَأَى أَمْرًا بَهَرَهُ، وَأَعْمَى بَصِيرَتَهُ وَبَصَرَهُ، وَكَانَ فِيهِ كَيْدٌ وَمَكْرٌ وَخِدَاعٌ، وَصَنْعَةٌ بَلِيغَةٌ فِي الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ مُخَاطِبًا لِلسَّحَرَةِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ: " آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذن لكم " أَيْ هَلَّا شَاوَرْتُمُونِي فِيمَا صَنَعْتُمْ مِنَ الْأَمْرِ الْفَظِيعِ بِحَضْرَةِ رَعِيَّتِي؟ ! ثُمَّ تَهَدَّدَ وَتَوَعَّدَ وَأَبْرَقَ وَأَرْعَدَ، وَكَذَبَ فَأَبْعَدَ قَائِلًا:

- ‌ذِكْرُ هَلَاكِ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ

- ‌ذِكْرُ حَدِيثٍ آخَرَ بِمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ

- ‌ذِكْرُ الْحَدِيثِ الْمُلَقَّبِ بِحَدِيثِ الْفُتُونِ

- ‌ذِكْرُ بِنَاءِ قُبَّةِ الزَّمَانِ

- ‌بَاب ذِكْرُ فَضَائِلِ مُوسَى عليه السلام وَشَمَائِلِهِ وَصِفَاتِهِ وَوَفَاتِهِ

- ‌ذكر حجه عليه السلام إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [وَصِفَتِهِ (1) ]

- ‌ذِكْرُ وَفَاتِهِ عليه السلام

- ‌ذِكْرُ نُبُوَّةِ يُوشَعَ وَقِيَامِهِ بِأَعْبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بعد مُوسَى وهرون عليهما السلام

- ‌ذكر قصتي الْخضر والياس عليهما السلام

- ‌بَابُ ذِكْرِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بعد مُوسَى عليه السلام ثُمَّ نُتْبِعُهُمْ بِذِكْرِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عليهما السلام قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَارِيخِهِ: لَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَخْبَارِ الْمَاضِينَ وَأُمُورِ السَّالِفِينِ من أمتنَا وَغَيرهم أَن الْقَائِم بِأُمُورِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ يُوشَعَ كَالِبُ بْنُ يُوفَنَّا، يَعْنِي أَحَدَ أَصْحَابِ مُوسَى عليه السلام وَهُوَ زَوْجُ أُخْتِهِ مَرْيَمَ، وَهُوَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ مِمَّنْ يَخَافُونَ اللَّهَ، وَهُمَا يُوشَعُ وَكَالِبُ، وَهُمَا الْقَائِلَانِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ حِينَ نَكَلُوا عَنِ الْجِهَادِ: " ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

- ‌ذكر كمية حَيَاته وَكَيْفِيَّة وَفَاته

- ‌ذكر وَفَاته وَكم كَانَت مُدَّة مُلْكِهِ وَحَيَاتِهِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عليهم السلام

- ‌ذِكْرُ خَرَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ

- ‌ذكر شئ مِنْ خَبَرِ دَانْيَالَ عليه السلام

- ‌ذِكْرُ مِيلَادِ الْعَبْدِ الرَّسُولِ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ الْعَذْرَاء الْبَتُولِ

- ‌بَابُ بَيَانِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الْوَلَد تَعَالَى عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوا كَبِيرا

- ‌ذكر منشأ عِيسَى بن مَرْيَم عليهما السلام

- ‌ذِكْرُ خَبَرِ الْمَائِدَةِ

- ‌ذكر رفع عِيسَى عليه السلام إِلَى السَّمَاءِ

- ‌ذكر صِفَةُ عِيسَى عليه السلام وَشَمَائِلُهُ وَفَضَائِلُهُ

الفصل: ‌ذكر وفاته عليه السلام

‌ذِكْرُ وَفَاتِهِ عليه السلام

قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: " وَفَاةُ مُوسَى عليه السلام " حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْن مُوسَى، حَدثنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عليه السلام، فَلَمَّا جَاءَهُ صَكه (1) فَرجع إِلَى ربه عزوجل، فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ، قَالَ ارْجِعْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَلَهُ بِمَا غَطَّتْ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ.

قَالَ: أَيْ رَبِّ ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ، قَالَ فَالْآنَ.

قَالَ: فَسَأَلَ الله عزوجل أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ ".

قَالَ: وَأَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحوه قد رَوَى مُسْلِمٌ الطَّرِيقَ الْأَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ - وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا وَسَيَأْتِي.

وَقَالَ الامام أَحْمد: حَدثنَا الْحسن، حَدثنَا لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ

يَعْنِي سُلَيْمَ بْنَ جُبَيْرٍ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَمْ يَرْفَعْهُ، قَالَ: " جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عليه السلام، فَقَالَ أَجِبْ رَبَّكَ، فَلَطَمَ

(1) صَكه: قعه.

(*)(م 13 - قصَص الانبياء 2)

ص: 193

مُوسَى عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ فَفَقَأَهَا، فَرَجَعَ الْمَلَكُ إِلَى اللَّهِ فَقَالَ: إِنَّكَ بَعَثْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَكَ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ، قَالَ: وَقَدْ فَقَأَ عَيْنِي.

قَالَ فَرَدَّ اللَّهُ عَيْنَهُ وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى عَبْدِي فَقُلْ لَهُ: الْحَيَاةَ تُرِيدُ؟ فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْحَيَاةَ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَمَا وَارَتْ يَدُكَ مِنْ شَعْرِهِ فَإِنَّكَ تَعِيشُ بِهَا سَنَةً.

قَالَ ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ.

قَالَ فَالْآنَ يَا رَبِّ مِنْ قَرِيبٍ " تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ بِهَذَا اللَّفْظِ.

وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ مَعْمَرٌ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ الْحَسَنَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

فَذَكَرَهُ.

ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَأَجَابَ عَنْهُ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ لَمَّا قَالَ لَهُ هَذَا لَمْ يَعْرِفْهُ، لِمَجِيئِهِ لَهُ عَلَى غَيْرِ صُورَةٍ يَعْرِفُهَا مُوسَى عليه السلام كَمَا جَاءَ جِبْرِيل فِي صُورَةِ أَعْرَابِيٍّ، وَكَمَا وَرَدَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَى إِبْرَاهِيم وَلُوط فِي صُورَةِ شَبَابٍ، فَلَمْ يَعْرِفْهُمْ إِبْرَاهِيمُ وَلَا لُوطٌ أَوَّلًا.

وَكَذَلِكَ مُوسَى لَعَلَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُ، لذَلِك لطمه فَفَقَأَ عَيْنَهُ لِأَنَّهُ دَخَلَ دَارَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِشَرِيعَتِنَا فِي جَوَازِ فَقْءِ عَيْنِ مَنْ نَظَرَ إِلَيْكَ فِي دَارِكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ.

ثُمَّ أَوْرَدَ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ

إِلَى مُوسَى لِيَقْبِضَ رُوحَهُ، قَالَ لَهُ أَجِبْ رَبَّكَ، فَلَطَمَ مُوسَى عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ فَفَقَأَ عَيْنَهُ ".

وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ.

ثُمَّ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا رَفَعَ يَدَهُ لِيَلْطِمَهُ، قَالَ لَهُ أَجِبْ رَبَّكَ، وَهَذَا

ص: 194

التَّأْوِيلُ لَا يَتَمَشَّى عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ اللَّفْظُ، مِنْ تَعْقِيبِ قَوْلِهِ أَجِبْ رَبَّكَ بِلَطْمِهِ.

وَلَوِ اسْتَمَرَّ عَلَى الْجَوَابِ الْأَوَّلِ لَتَمَشَّى لَهُ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ.

وَلَمْ يحمل قَوْله هَذَا على أَنه مُطَابق، إِذْ لم يتَحَقَّق فِي [تِلْكَ (1) ] السَّاعَةِ الرَّاهِنَةِ أَنَّهُ مَلَكٌ كَرِيمٌ، لِأَنَّهُ كَانَ يَرْجُو أُمُورًا كَثِيرَةً كَانَ يُحِبُّ وُقُوعَهَا فِي حَيَاته، من خُرُوجهمْ مِنَ التِّيهِ، وَدُخُولِهِمُ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ.

وَكَانَ قَدْ سبق فِي قدرَة (2) اللَّهِ أَنَّهُ عليه السلام يَمُوتُ فِي التِّيهِ بعد هرون أَخِيهِ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ مُوسَى عليه السلام هُوَ الَّذِي خَرَجَ بِهِمْ مِنَ التِّيهِ وَدَخَلَ بِهِمُ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ.

وَهَذَا خِلَافُ مَا عَلَيْهِ أهل الْكتاب وَجُمْهُور الْمُسلمين.

و [مِمَّا](3) يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ لَمَّا اخْتَارَ الْمَوْتَ: رب أدنني إِلَى الارض المقدسة رمية حجر، وَلَوْ كَانَ قَدْ دَخَلَهَا لَمْ يَسْأَلْ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مَعَ قَوْمِهِ بِالتِّيهِ وَحَانَتْ وَفَاتُهُ عليه السلام أَحَبَّ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ إِلَيْهَا، وَحَثَّ قَوْمَهُ عَلَيْهَا.

وَلَكِنْ حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا الْقَدَرُ، رَمْيَةً بِحَجَرٍ.

وَلِهَذَا قَالَ سَيِّدُ الْبَشَرِ، وَرَسُولُ اللَّهِ إِلَى أَهْلِ الْوَبَرِ وَالْمَدَرِ:" فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ ".

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ وَسُلَيْمَانُ

(1) من ا.

(2)

المطبوعة: دورة محرفة.

وَمَا أثْبته من ا.

(3)

لَيست فِي ا.

(*)

ص: 195

التَّيْمِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لَمَّا أُسْرِيَ بِي مَرَرْتُ بِمُوسَى وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ " وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ.

وَقَالَ السّديّ عَن أبي مَالك وَأبي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ نَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالُوا: ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى مُوسَى إِنِّي مُتَوَفٍّ هرون فَائِتِ بِهِ جَبَلَ كَذَا وَكَذَا.

فَانْطَلَقَ مُوسَى وهرون نَحْوَ ذَلِكَ الْجَبَلِ، فَإِذَا هُمْ بِشَجَرَةٍ لَمْ تُرَ شَجَرَةٌ مِثْلُهَا، وَإِذَا هُمْ بِبَيْتٍ مَبْنِيٍّ، وَإِذَا هُمْ بِسَرِيرٍ عَلَيْهِ فُرُشٌ، وَإِذَا فِيهِ ريح طيبَة.

فَلَمَّا نظر هرون إِلَى ذَلِكَ الْجَبَلِ وَالْبَيْتِ وَمَا فِيهِ أَعْجَبَهُ، قَالَ يَا مُوسَى: إِنِّي أُحِبُّ أَنَّ أَنَامَ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ، قَالَ لَهُ مُوسَى: فَنَمْ عَلَيْهِ، قَالَ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَأْتِيَ رَبُّ هَذَا الْبَيْتِ فَيَغْضَبَ عَلَيَّ، قَالَ لَهُ: لَا تَرْهَبْ أَنَا أَكْفِيكَ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ فَنَمْ.

قَالَ: يَا مُوسَى [بَلْ (1) ] نَمْ مَعِي فَإِنْ جَاءَ رَبُّ هَذَا الْبَيْتِ غَضِبَ عَلَيَّ وَعَلَيْكَ جَمِيعًا.

فَلَمَّا نَامَا أَخذ هرون الْمَوْتُ، فَلَمَّا وَجَدَ حِسَّهُ قَالَ: يَا مُوسَى خَدَعَتْنِي، فَلَمَّا قُبِضَ رُفِعَ ذَلِكَ الْبَيْتُ، وَذَهَبَتْ تِلْكَ الشَّجَرَةُ، وَرُفِعَ السَّرِيرُ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ.

فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ وَلَيْسَ مَعَهُ هرون قَالُوا إِن مُوسَى قتل هرون، وحسده على حب بني إِسْرَائِيل لَهُ، وَكَانَ هرون أَكَفَّ عَنْهُمْ وَأَلْيَنَ لَهُمْ مِنْ مُوسَى، وَكَانَ فِي مُوسَى بَعْضُ الْغِلْظَةِ عَلَيْهِمْ.

فَلَمَّا بَلَغَهُ ذَلِك قَالَ لَهُم: (1) من ا (*)

ص: 196

وَيْحَكُمْ! كَانَ أَخِي أَفَتَرُونِي أَقْتُلُهُ؟ فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا اللَّهَ فَنَزَلَ السَّرِيرُ حَتَّى نَظَرُوا إِلَيْهِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.

ثُمَّ إِنَّ مُوسَى عليه السلام بَيْنَمَا هُوَ يَمْشِي وَيُوشَعُ فَتَاهُ إِذْ أَقْبَلَتْ رِيحٌ سَوْدَاءُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا يُوشَعُ ظَنَّ أَنَّهَا السَّاعَةُ، فَالْتَزَمَ مُوسَى وَقَالَ: تَقُومُ السَّاعَةُ وَأَنَا مُلْتَزِمٌ مُوسَى نَبِيَّ اللَّهِ؟ فَاسْتَلَّ مُوسَى عليه السلام مِنْ تَحْتِ الْقَمِيصِ وَتَرَكَ الْقَمِيصَ فِي يَدَيْ يُوشَعَ.

فَلَمَّا جَاءَ يُوشَعُ بِالْقَمِيصِ أَخَذَتْهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَقَالُوا قَتَلْتَ نَبِيَّ اللَّهِ.

فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا قَتَلْتُهُ، وَلَكِنَّهُ اسْتَلَّ مِنِّي، فَلَمْ يُصَدِّقُوهُ وَأَرَادُوا قَتْلَهُ.

قَالَ: فَإِذَا لَمْ تُصَدِّقُونِي فَأَخِّرُونِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَدَعَا اللَّهَ فَأَتَى كُلُّ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ يَحْرُسُهُ فِي الْمَنَامِ فَأَخْبَرَ أَنَّ يُوشَعَ لَمْ يَقْتُلْ مُوسَى، وَإِنَّا قَدْ رَفَعْنَاهُ إِلَيْنَا.

فَتَرَكُوهُ.

وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِمَّنْ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ قَرْيَةَ الْجَبَّارِينَ مَعَ مُوسَى إِلَّا مَاتَ وَلَمْ يَشْهَدِ الْفَتْحَ.

وَفِي بَعْضِ هَذَا السِّيَاقِ نَكَارَةٌ وَغَرَابَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنَ التِّيهِ مِمَّنْ كَانَ مَعَ مُوسَى، سِوَى يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، وَكَالِبَ بْنِ يُوفَنَّا، وَهُوَ زَوْجُ مَرْيَم أُخْت مُوسَى وهرون، وَهُمَا الرَّجُلَانِ الْمَذْكُورَانِ فِيمَا تَقَدَّمَ، اللَّذَانِ أَشَارَا عَلَى مَلَأِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِمْ.

وَذَكَرَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ.

أَنَّ مُوسَى عليه السلام مَرَّ بِمَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَحْفِرُونَ قَبْرًا، فَلَمْ يَرَ أَحْسَنَ مِنْهُ وَلَا أَنْضَرَ وَلَا أَبْهَجَ، فَقَالَ يَا مَلَائِكَةَ اللَّهِ: لِمَنْ تَحْفِرُونَ هَذَا الْقَبْرَ؟ فَقَالُوا: لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ كَرِيمٍ، فَإِنْ كُنْتَ تُحِبُّ

ص: 197

أَنْ تَكُونَ هَذَا الْعَبْدَ فَادْخُلْ هَذَا الْقَبْرَ، وَتَمَدَّدْ فِيهِ وَتَوَجَّهْ إِلَى رَبِّكَ، وَتَنَفَّسْ أَسْهَلَ تَنَفُّسٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَمَاتَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، فَصَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ وَدَفَنُوهُ.

وَذَكَرَ أَهْلُ الْكِتَابِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ مَاتَ وَعُمْرُهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بن خَالِد وَيُونُس، قَالَا حَدثنَا حَمَّاد ابْن سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ يُونُسُ: رَفَعَ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " كَانَ مَلَكُ الْمَوْتِ يَأْتِي النَّاسَ عِيَانًا، قَالَ فَأَتَى مُوسَى عليه السلام فَلَطَمَهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ، فَأَتَى رَبَّهُ فَقَالَ يَا رَبِّ عَبْدُكَ مُوسَى فَقَأَ عينى، وَلَوْلَا كرامته عَلَيْك لعتبت عَلَيْهِ وَقَالَ يُونُسُ، لَشَقَقْتُ عَلَيْهِ - قَالَ لَهُ اذْهَبْ إِلَى عبدى، وَقل (1) لَهُ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى جِلْدِ أَوْ مَسْكِ ثَوْرٍ، فَلَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ وَارَتْ يَدُهُ سَنَةٌ، فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: فَقَالَ: مَا بَعْدَ هَذَا؟ قَالَ الْمَوْتُ.

قَالَ: فَالْآنَ.

قَالَ فَشَمَّهُ شَمَّةً فَقَبَضَ رُوحَهُ ".

قَالَ يُونُسُ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ عَيْنَهُ وَكَانَ يَأْتِي النَّاسَ خُفْيَةً.

وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ الْمِقْدَامِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ، فرفعه [أَيْضا (2) ] .

(1) ا: فَقل لَهُ.

(2)

لَيست فِي ا.

(*)

ص: 198