الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سادسا:
الخاتمة
الخاتمة
…
سابعا: الخاتمة:
وبعد فهذه غزوة بدر الكبرى التي انتصر فيها المسلمون، وزلزل المشركون، وأنجز الله وعده، وأعز جنده، وأسعد من حضرها من المسلمين فهو عند الله من الأبرار.
ولقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة"1.
وبهذه الغزوة، وبهذا الانتصار استقر أمر المسلمين في بلاد العرب جميعا، وكانت هذه الغزوة مقدمة وبداية للدولة الإسلامية المترامية الأطراف، ولا عجب أن سماها الله سبحانه وتعالى فرقانا حيث يقول:{وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَان} (الأنفال آية 41) ، لأنها فرقت بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال، والنور والظلام.
ورغم أن بدرا تعد أول غزوة من غزوات جيش الإسلام ورغم أنها المرة الأولى التي يقف فيها الرسول الكريم موقف المحارب فإننا نستطيع أن نستخلص منها دروسا لها قيمتها ومبادئ خطيرة لها شأنها في سير المعارك.
وهذه الدروس لم تتغير ولم تتبدل رغم اختلاف العصر الذي نعيش فيه والعصر الذي تمت فيه غزوة بدر. ومن أهمها:
1_
أهمية القضاء على قوة العدو الاقتصادية، ووضعها في المقام الأول، لأن في القضاء عليها قضاء على القوة العسكرية.
2_
الشورى وما لها من أهمية كبرى في الميدان ووقت الحرب، فالقائد الحكيم هو الذي يستشير خبراءه ليعرف منهم الخطة السليمة الصحيحة.
3_
أهمية القوى المعنوية للمحاربين والقوة المعنوية هي العامل الأول الذي دفع بالمسلمين إلى النصر رغم قلة عددهم وكثرة عدوهم.
4_
الاهتمام بالاستكشاف والاستطلاع قبل إبان المعركة، ولذلك نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج بنفسه لذلك أو كان يختار من يثق بهم.
5_
تكتيك الحرب الذي يبدو واضحا في السرية التامة في التحركات وخاصة خلال العمليات.
فاحتلال المسلمين لمواقع المياه تنفيذا لرأي الحباب بن المنذر ثم في منتصف الليل حتى لا يشعر بهم العدو.
1 انظر البخاري ومسلم وأبو داود، أبو الفداء 3/329.
والرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر جنده بأن يظلوا في أماكنهم لا يتحركون أو يتحدثون أو يأتون بما يثير انتباه أعدائهم، وكانون بذلك يتركون العدو يتقدم ويتقدم ويظل في تقدمه، حتى إذا أصبح في مرمى النبال ألقوها عليهم، فتصيب منه العدد الكبير فوق ما تحدثه المفاجأة في نفسه، فيرتبك ويضطرب وتكثر إصابته ويزيد عدد قتلاه.
6_
ضرورة تغلغل العقيدة في نفوس المحاربين، فإن العقيدة المتغلغلة في نفوس المسلمين بلغت منهم منزلة تسمو على صلات الرحم والقرابة. فكان الرجل منهم يقتل أباه أو أخاه أو عمه أو قريبه من المشركين لا تأخذه فيه شفقة أو رحمة.
فها هو ذا عبد الرحمن بن أبي بكر يقول لأبيه بعد إسلامه – وكان يقاتل في صف المشركين يوم بدر-: "يا أبت لقد أهدفت لي يوم بدر مرارا فصدفت عنك " فقال أبو بكر رضي الله عنه: "لو كنت أهدفت لي أنت ما صدفت عنك"1.
وهذا أبو حذيفة بن عتبة ينظر إليه الرسول صلى الله عليه وسلم يوم بدر وقد سحبت جثة أبيه عتبة لتلقى في القليب فألفاه كئيبا قد تغير لونه فقال: "لعلك يا أبا حذيفة قد دخلك من شأن أبيك شيء" فقال أبو حذيفة: "لا والله ما شككت في أبي ولا في مصرعه، ولكني كنت أعرف من أبي رأيا وحلما وفضلا فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام، فلما رأيت ما أصابه وذكرت ما كان عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له أحزنني أمره" فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقال له خير2.
7_
معاملة الأسرى معاملة كريمة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الفداء، وفوق هذا أطلق سراح الأسير الفقير الذي لا مال له ولا شيء عنده يفتدي به نفسه.
وفي الختام فهذه غزوة بدر وتلك أسبابها ونهايتها وهي صفحة بيضاء مشرقة من صفحات تاريخنا دونها بإخلاصهم وإيمانهم آباؤنا الأولون. وليس لنا من سبيل إلى ما وصلوا إليه من عر ومجد، إلا أن نستن سنتهم، وأن نسير على طريقتهم وأن ننسج على منوالهم، وعندئذ يكون لنا بوعد الله ما كان لهم من عزة ومجد وكرامة، أرجو وآمل إن شاء الله، وما النصر إلا من عند الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
1 الروض الأنف للإمام السهيلي 6/181 دار الكتب الحديثة تفسير بن كثير 4 /329.
2 أبو الفداء 3/294 عن ابن إسحاق، السيرة لابن هشام 1/640-641.