الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاختلافُ في الأفضل: أفي البيت أم في المسجد؟
فرادى أم جماعة
؟
قد تقدّم أن كونها في البيت هو أحدُ المكمِّلات، وحديثُ زيد بن ثابتٍ نصٌّ صريح في ذلك.
وقد عُورض بحديث أبي ذر، وبما جرى في عهد عمر وبعده، وتقدم الجواب عن ذلك واضحًا.
"المعاني والآثار" للطحاوي (ج 1 ص 207)
(1)
: "عن إبراهيم، قال: لو لم يكن معي إلا سورتين لردّدتهما أحبُّ إليَّ من أن أقوم خلف الإمام في رمضان".
وفي رواية
(2)
: "لو لم يكن معي إلا سورة واحدة لكنت أن أردّدها أحبُّ إليّ من أن أقوم خلف الإمام في رمضان".
وفي "مختصر كتاب قيام الليل" لمحمد بن نصر (ص 96 ــ 97): "قال الشافعي: إن صلَّى رجلٌ لنفسه في بيته في رمضان فهو أحبّ إليّ، وإن صلَّى في جماعة فهو حسن".
وفيه (ص 91): "وقيل لأحمد بن حنبل: يُعجِبك أن يُصلّي الرجل مع الناس في رمضان، أو وحده؟ قال: يصلّي مع الناس.
قال: ويُعجِبني أن يصلِّي مع الإمام ويوتر معه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن
(1)
(1/ 351).
(2)
المصدر نفسه.
الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كُتِب له بقية ليلته"
(1)
.
قال أبو داود: شهدتُه ــ يعني أحمد ــ شهر رمضان يقوم مع إمامه إلا ليلةً لم أحضرها.
وقال إسحاق: قلت لأحمد: الصلاة في الجماعة أحبُّ إليك أم يُصلِّي وحده في قيام شهر رمضان؟ قال: يُعجبني أن يصلّي في الجماعة، يحيي السنة.
وقال إسحاقُ كما قال".
وفي "مختصر كتاب قيام الليل" لمحمد بن نصر المروزي (ص 95): "باب ذكر من اختار الصلاة وحده على القيام مع الناس إذا كان حافظًا للقرآن".
فذكر حديث زيد بن ثابت، ثم قال: "وقال الليث: ما بلغنا أن عمر وعثمان كانا يقومان في رمضان مع الناس في المسجد.
وقال مالك: كان ابن هرمز ــ من القرَّاء ــ ينصرف فيقوم بأهله في بيته، وكان ربيعة ينصرف، وكان القاسم وسالم ينصرفان لا يقومان مع الناس، وقد رأيتُ يحيى بن سعيد يقوم مع الناس، وأنا لا أقوم مع الناس، لا أشك أن قيام الرجل في بيته أفضل من القيام مع الناس، إذا قوي على ذلك، وما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلّا في بيته".
(1)
أخرجه أبو داود (1375) والترمذي (806) والنسائي (3/ 202، 203) من حديث أبي ذر، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
ثم ذكر بعد ذلك أن يحيى بن سعيد ترك القيام معهم، وقال:"كنت أقوم، ثم تركت ذلك، فإن استطعت أن أقوم بنفسي أحبُّ إليّ".
وذكر عن مجاهد عن ابن عمر: "تُنصِتُ خلفَه كأنك حمار؟ ! صلِّ في بيتك".
ثم ذكر عن ابن عمر أنه كان ينصرف، لا يصلّي معهم.
ومثله عن القاسم، وسالم، ونافع، وعروة.
وذكر عن مجاهد قال: "إذا كان مع الرجل عشر سورٍ فليردِّدْها، ولا يقوم في رمضان خلف الإمام".
وذكر آخِرَ (ص 91) عن عمرو بن مهاجر أن عمر بن عبد العزيز قد كانت تقوم العامّة بحضرته في رمضان بخمس عشرة تسليمة، وهو في قبّته لا ندري ما يصنع. وذكر عن جماعةٍ أنهم كانوا يقومون في نواحي المسجد فرادى، لا يصلّون مع الجماعة.
وذكر (ص 90 ــ 91) عن جماعةٍ صلاتها جماعةً في المسجد.
والذي أرى أنَّ محلَّ ذلك فيمن له عذر، ومن الأعذار دفعُ توهُّم أن صلاتها جماعةً في المسجد منكرةٌ مطلقًا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ربّما يفعل الشيء لبيان الجواز.
وجاء عن أبي بكر، وعمر، وابن عباسٍ: أنهم كانوا لا يُضَحُّون خشيةَ أن يعتقد الناس وجوبَ التضحية. فكان هؤلاء الأكابر يتركونها ليعلم الناسُ أنها ليست بواجبة، وهم في تركهم ذلك مُحسِنون، مُثابُون عليه؛ لما قصدوا به من بيان السُّنَّة.
فأمّا من لا عذر له البتَّةَ ففي السُّنّة كفاية.
وفي "طبقات ابن سعد"(ج 7 قسم 2 ص 26)
(1)
عن بكار بن محمد أنَّ ابن عون كان في شهر رمضان لا يزيد على المكتوبة في الجماعة، ثم يخلو في بيته.
ومن تدبّر السُّنَّة وحقَّق، ثم تتبَّع أحوال الناس، علم أنه قد تطرَّق إلى هذا الأمر غير قليلٍ من الخطأ والغلط ومخالفة السنة. وشرحُ ذلك يطول، نسأل الله تعالى أن يثبّت قلوبنا على دينه، ويهدينا لما اختُلِف فيه من الحق بإذنه، ويرزقنا الاعتصام بكتابه وسنة نبيّه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه.
* * * *
(1)
(9/ 263) ط. الخانجي.
[ملحق]
(1)
[ص 12] في "فتح الباري"
(2)
: استشكل الخطابيّ أصل هذه الخشية، مع ما ثبت في حديث الإسراء من أنَّ الله تعالى قال:"هن خمس، وهي خمسون، لا يُبدَّل القول لديّ"
(3)
. فإذا أُمِن التبديل فكيف يقع الخوف من الزيادة؟.
ثم ذكر أجوبة.
وقد كنت تركتُ التعرّض لهذا البحث لدقّته، مع أن الخشية قد ثبتت قطعًا بحديث زيد هذا في "الصحيحين" وغيرهما، وحديث عائشة في "الصحيحين" وغيرهما أيضًا من أوجهٍ عنها، وبحديثٍ لجابرٍ في صحيحي ابن خزيمة وابن حبان
(4)
.
فثبت أن ما في حدث الإسراء لا ينبغي أن يُفْهَم منه ما يناقض هذه الخشية، فمن فَهِم ذلك فقد أخطأ ولا علينا أن لا نبيّن وجه خطائه
(5)
.
ثم أثار هذا البحث أخي العلامة الشيخ محمد عبد الرزاق، فرأيتُ أن أنظر فيه، وأسأل الله التوفيق.
(1)
زيادة توضيحية من عندي.
(2)
(3/ 13).
(3)
أخرجه البخاري (349) ومسلم (163) من حديث أبي ذر.
(4)
سبق تخريج هذه الأحاديث.
(5)
كذا رسمها المؤلف بالمدّ، وهو صحيح في اللغة.
استشكالُ الخطابيّ مبنيّ على أن كلمة "لا يُبدَّل القول لديَّ" قُصِد بها القضاء على معنى قوله: "هن خمس" بأنه لا يُغيَّر في المستقبل.
ويردُّه أن عقب هذه الجملة في الحديث نفسه: "فرجعتُ إلى موسى، فقال: راجِعْ ربك، فقلت: استحييتُ من ربّي".
ولو كان معنى
(1)
ما تقدم إخبارَ الله عز وجل بأنّ مقدار الخمس لا يتبدَّل في المستقبل؛ لعلم موسى أنه لم يبقَ موضعٌ للمراجعة، ولأجاب محمد بما يُفْهِم ذلك، ولم يقتصر على قوله:"استحييتُ من ربّي".
فإن قيل: لعل في الكلام تقديمًا وتأخيرًا، كما تُشْعِر به بعض الروايات الأخرى، ولعلّ محمدًا لم يخبر موسى بما يدلّ على امتناع التغيير، وقصد محمد أنه يمنعه الاستحياء، حتى على فرض عدم إخبار الله عز وجل بأنه لن يقع تغيير، أو لعلّهما فهما أن المراد أنه لن يقع تغيير بالزيادة، وجوَّزا أن يقع تغيير بالنقصان.
قلت: هذا كلّه تمحُّلٌ لا مُلجِئ إليه، ولم أر في الروايات الأخرى ما يصح الاستناد إليه في زعم أن هناك
(2)
تقديمًا وتأخيرًا ينفع الخطّابيّ.
وتجويزُ أن يكون محمد أخفى عن موسى خبرَ الله عز وجل بعدم التغيير، فلمّا أمره بالمراجعة أجاب بما أجاب به= تجويزٌ ركيك، لا يخلو عن شناعةٍ يجب تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عنها.
(1)
في النسخة اليمنية: "ولولا".
(2)
في اليمنية: "في القضاء على أن في هذه" بدلًا في زعم أن هناك.
وتجويزُ أن يكونا فهما أن عدم التغيير يختصّ بالزيادةِ ركيكٌ أيضًا. وربما يكون أقرب منه أن يفهم أن المراد عدم التغيير بالنقصان، وذلك أنه سبحانه سُئل التخفيف فخفّف، ثم سُئل فخفّف، مرارًا، ثم قال:"هن خمس، وهي خمسون، لا يُبدَّل القول لديَّ".
فلو كان المراد أن مقدار الخمس لن يُغيَّر بعد ذلك لقَرُب أن يُفْهَم منه المنع عن سؤال التخفيف بعد ذلك، وأنه لن يكون تخفيف.
فإن قيل: فإذا لم يتوجه قوله: "لا يبدَّل القول لديّ" إلى قوله: "هن خمس" فإلى ماذا يتوجّه؟
قلت: قيل بتوجُّهه إلى قوله: "وهي خمسون"، وهذا قريب؛ لأن قوله "وهي خمسون" وَعْدٌ منه تعالى بأن يُثيِب على الخمس ثواب خمسين.
وقوله: "لا يبدّل القول لديّ" قد عُرِفَ من كتاب الله عز وجل توجّهه إلى الوعد، ونحوه.
قال تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} [يونس: 64].
وقال سبحانه: {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: 28، 29].
[ص 13] وفي "تفسير ابن جرير"(ج 11 ص 88)
(1)
: "وأما قوله: {لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ}؛ فإن معناه: لا خُلْفَ لوعده، ولا تغييرَ لقوله عمّا قال".
(1)
(12/ 225) ط. التركي.
ولا يلزم من امتناع تغيير الخمسين ثوابًا أن لا يُزاد في المستقبل على الخمس، ويثاب على الزائد ثواب مستقلّ، ولا أن لا يُنْقَص العدد عن خمسٍ ويبقى الثواب خمسين.
وقيل بتوجّهه إلى ما وقع ابتداءً من فرض خمسين، والمعنى: هن خمسٌ كما أقوله الآن، وهنّ خمسون كما قلتُه أوّلًا، وليس ما جرى من التخفيف تبديلًا للقول الأول "لا يبدَّل القول لديّ"، ولكنه كان المراد به خمسون ثوابًا وهذا ثابت لم يبدَّل ولن يبدَّل.
وهذا القول هو الظاهر من العبارة، وقد ذكره السهيلي في "الروض الأنف"(ج 1 ص 252)
(1)
، قال:"والوجه الثاني: أن يكون هذا خبرًا لا تعبُّدًا، وإذا كان خبرًا لم يدخُلْه النسخ، ومعنى الخبر: أنه عليه السلام أخبره ربّه أن على أمته خمسين صلاة، ومعناه أنها خمسون في اللوح المحفوظ، ولذلك قال في آخر الحديث: "هي خمس وهي خمسون، والحسنة بعشر أمثالها". فتأوّله رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنها خمسون بالفعل، فلم يزل يراجع ربه حتى بيَّن له أنها خمسون في الثواب لا في العمل.
فإن قيل: فما معنى نقصها عشرًا بعد عشر
…
".
ذكر جوابًا غير مرضيّ، وقد فتح الله تعالى بجوابٍ أوجَهَ، وهو أن الله تبارك وتعالى قد حَطَّ مِنْ أوّل مرة خمسًا وأربعين، ولكن اقتضت حكمته إجمال الخبر أولًا، فيكون المراد منه أنها خمسون ثوابًا، ويَفْهَم
(1)
ط. الجمالية بمصر.
الرسول منه أنها خمسون عملًا؛ ليترتَّب على هذا الفهم أولًا: أن يعزم الرسول على أن يعمل هو وأمّته خمسين إن لم يخفّف الله عز وجل، وثانيًا: المراجعة.
وبذلك العزم استحق الرسول وأمّته ــ بفضل الله وكرمه ــ ثواب الخمسين.
فأمّا حكمة المراجعة فقد أفاض فيها الشرّاح.
وإذْ كان المحطوط في علم الله خمسًا وأربعين
(1)
، فقد حطّ في ضمنها جميع الأعداد الداخلة فيها.
والإخبارُ بحطِّ الأقل لا ينفي حطَّ الأكثر؛ فإن العدد لا مفهوم له عند جمهور الأصوليين، ولو كان له مفهوم فظاهرٌ ضعيفٌ غير مرادٍ، كالإخبار أوَّلًا بخمسين وظاهره أنها خمسون عملًا.
وتأخير البيان عن وقت الخطاب جائز على الصحيح، وإنما الممتنع تأخيره عن وقت الحاجة.
وقريب من هذا قصة إبراهيم عليه السلام في ذبح ابنه. قال الله عز وجل: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 102 ــ 107].
(1)
في اليمنية: "وإذ حطت الخمس والأربعون".
رأى ــ والله أعلم ــ في نومه أنه مُضْجِعٌ ابنَه يُعالج ذبحَه، أي: يُمِرُّ الشفرة على عنقه، معتمدًا عليها، شأنَ القاصد قطعَ العنق وإبانة الرأس. هذا ــ والله أعلم ــ هو الذي رآه، وهو معنى قوله:{أَنِّي أَذْبَحُكَ} . وعلم إبراهيم أن الله تعالى أمره [ص 14] أن يفعل ذاك الفعل، وهذا حقّ، وفهم أيضًا أنه ــ بمقتضى العادة ــ إذا فعل ذاك الفعل قُطِع عنق ابنه، وبان رأسُه، ومات.
ولم يُرِد الله عز وجل هذا، ولا أمر به، ولكنه سبحانه أراد أن يكون الأمر بحيث يَفْهَم إبراهيم منه هذا؛ ليكون ذلك ابتلاءً لإبراهيم وابنه، حتى إذا عزما وعملا العملَ المرئيَّ في النوم ــ الذي عندهما أنه موجب لموت الابن ــ كان لهما ثواب مَنْ قَبِل تلك النتيجة، وقام بها طاعة لله عز وجل.
فلمّا أطاعا لذلك، وعمل إبراهيم مثل العمل الذي رآه في نومه، وأخذ يكُدُّ الشفرة لتقطع، ويكفّها الله عز وجل عن القطع، كما كفَّ النار عن الإحراق، ولم يزل إبراهيم يكُدُّ الشفرة ولا تَقْطع حتى ناداه الله عز وجل:{أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} . أي: قد جئت بمصداقها كاملًا، وهو تلك المعالجة؛ فإنه إيّاها رأى
(1)
في نومه، ولم ير ما يزيد عنها.
فعلى هذا لا نسخَ في القصة البتةَ.
فإن قيل: ربما يدفع هذا قوله: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} ، فإنه إذا لم يؤمر في نفس الأمر إلّا بالمعالجة التي وفَى بها، فقد وفَى بها، فلماذا الفدية؟
قلت: كان إبراهيم قد عزم على قطع العنق، وإبانة الرأس، وإماتة ابنه،
(1)
في اليمنية: "فإنه رأى إياها".
وإبراهيمُ قد يعدُّ ذاك العزم بمثابة النذر، ويحزُّ في نفسه أن لا يفي به، وإن لم يكن مأمورًا به. فمِنْ هنا ــ والله أعلم ــ طيَّب الله عز وجل نفسه بالفدية.
وقد استنبط بعض الفقهاء من الآية أنّ من نذر ذبح ابنه كان عليه أن يذبح شاةً.
ورُدَّ بأن إبراهيم نذر مباحًا في شريعته، وليس بمباحٍ في شريعتنا.
والاستنباط لطيف، والردُّ صحيح.
وقد تعرَّض لهذا المعنى في قصة إبراهيم بعضُ أهل العلم، فردّه بعضهم بتشنيعٍ لا حقيقة له
(1)
، بل يلزمه مثله أو أشدّ منه في دعوى النسخ التي ارتكبها.
ومَنْ اعترف في المجمل الذي له ظاهر بجواز تأخّر بيانه إلى وقت الحاجة، لزمه أن يجيز مثل ما قلناه في المسألتين وأشدَّ منه، ولو لم تظهر حكمة فكيف يأباه هنا مع ظهور الحكمة البالغة؟ !
فأما من ينكر تأخير البيان مطلقًا، فالكلام معه مبسوط في كتب الأصول.
فإن قيل: لماذا لا يجوز النسخ مع وجود الفائدة للتكليف، بأنْ يكون الله تعالى أمر إبراهيم بذبح ابنه ابتلاءً، فلما تبيَّن امتثاله واستعداده وعزمه الصارم
(1)
انظر "أحكام القرآن" للجصاص (3/ 377) والردّ عليه في "أحكام القرآن" للكياالهراسي (4/ 358). وراجع "أحكام القرآن" لابن العربي (4/ 1619) و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (15/ 111).
على العملِ نَسَخَهُ الله تعالى؟ ونحو هذا يقال في قصة الصلاة.
قلت: أنا لم أَخْتَرْ عدم النسخ تفاديًا من النسخ قبل العمل، بل لما في السياق ممّا يبيّن عدم النسخ، كما مرَّ.