المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌قيام رمضان فضل قيام ليالي رمضان: 1- قد جاء فيه حديثان: الأول عن - قيام رمضان فضله وكيفية أدائه ومشروعية الجماعة فيه ومعه بحث قيم عن الاعتكاف

[ناصر الدين الألباني]

الفصل: ‌ ‌قيام رمضان فضل قيام ليالي رمضان: 1- قد جاء فيه حديثان: الأول عن

‌قيام رمضان

فضل قيام ليالي رمضان:

1-

قد جاء فيه حديثان:

الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرَغبُ في قيام رمضان، من غير أن يأمرهم بعزيمة، ثم يقول:

"من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك1، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وصَدْرٍ من خلافة عمر رضي الله عنه2.

1 أي على ترك الجماعة في التراويح.

2 أخرجه مسلم وغيره، وعند البخاري منه المرفوع من قوله صلى الله عليه وسلم ، وهو مخرج في "الإرواء" 4/14/906 وفي "صحيح أبي داود" 1241، يسر الله لي إتمام تأليفه ثم طبعه. وقول الأخ زهير في تعليقه على رسالتي "صلاة العيدين" ص32 وقد أعاد طبعها سنة 1404 هـ:"وقد يسر الله طبع الجزء الأول من "صحيح أبي داود" لأستاذنا الألباني" (زهير فلا أدري والله وجهه، فالجزء عندي،

ولم آذَنْ لأحد بتصويره وطبعه ونشره. ونحوه ما ذكره في طبعته الرابعة لكتابي "التوسل" سنة 1403 هـ ص22 أنه صدر المجلد الثالث من "سلسلة الأحاديث الضعيفة"، وهو إلى هذا التاريخ رجب ـ 1406 لم يصدر بعد!

ص: 17

والآخر: حديث عمر بن عمرو بن مرة الجهني قال:

جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من قضاعة فقال: يا رسول الله! أرأيت إن شهدتُ أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليتُ الصلوات الخمس، وصمت الشهر، وقمت رمضان، وآتيتُ الزكاة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء"1.

ليلة القدر وتحديدها:

2-

وأفضل لياليه ليلةُ القَدْرِ، لقوله صلى الله عليه وسلم:

"من قام ليلة القدر ثم وُفقَتْ له، إيماناً واحتساباً، غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه"2.

1 أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" وغيرهما بسند صحيح، انظر تعليقي على "ابن خزيمة" 3/340/2262 و"صحيح الترغيب" 1/419/993.

2 أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة، وأحمد 5/318 من حديث عبادة بن الصامت، والزيادة له، ولمسلم عن أبي هريرة.

"تنبيه": كنت ذكرت في الطبعة الأولى في آخر الحديث زيادة أخرى بلفظ: " وما تأخر " اعتماداً مني على تصحيح المنذري والعسقلاني وغيرهما إياها، ثم يسر الله تعالى لي تتبع طرق الحديث ورواياته عن أبي هريرة وعبادة تتبعاً مستفيضاً لم أراه لغيري فتبين لي أنها زيادة شادة عن أبي هريرة، ومنكرة عن عبادة، وأن من حسّن هذه وصحح تلك فقد وهم لوقوفه مع ظاهر رجال الإسناد وعدم تتبعه للروايات، وقد حققت ذلك في بحث واسع جداً، قد أودعته في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" برقم 5083، ولذلك لم أذكر هذه الزيادة في حديث أبي هريرة لمَّا أوردته في "صحيح الترغيب والترهيب" 982 ولا ذكرت معه حديث عبادة خلافاً لأصله "الترغيب" والله تعالى ولي التوفيق.

ص: 18

3-

وهي ليلة سابع وعشرين من رمضان على الأرجح، وعليه أكثر الأحاديث منها حديث زِر بن حُبَيش قال: سمعت أٌبيَّ ابن كعب يقول ـ وقيل له: إن عبد الله بن مسعود يقول: من قام السنة أصاب ليلة القدر! ـ فقال أٌبَيٌّ رضي الله عنه: رحمه الله، أراد أن لا يتكل الناس، والذي لا إله إلا هو، إنها لفي رمضان - يحلف ما يستثني - ووالله إني لأعلمُ أيَّ ليلةٍ هي؟ هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة صبيحة سبع وعشرين، وأمارتُها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها.

ورفع ذلك في رواية إلى النبي صلى الله عليه وسلم1.

مشروعية الجماعة في القيام:

4-

وتشرع الجماعة في قيام رمضان، بل هي أفضل من

1 أخرجه مسلم وغيره. وهو مخرج في "صحيح أبي داود"(1247) .

ص: 19

الانفراد، لإقامة النبي صلى الله عليه وسلم لها بنفسه، وبيانه لفضلها بقوله، كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال:

صمنا مع رسول الله رمضان، فلم يقم بنا شيئاً من الشهر، حتى بقي سَبْعٌ فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شَطْرُ الليل، فقلت: يا رسول الله! لو نَفَّلتنا قيام هذه الليلة، فقال:

"إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسِبَ له قيام ليلة".

فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة1 جمع أهله ونساءه والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفَلاح. قال: قلت:

ما الفلاح؟ قال: السحور، ثم لم يقم بنا بقية الشهر2

السبب في عدم استمرار النبي صلى الله عليه وسلم بالجماعة فيه:

5-

وإنما لم يقم بهم عليه الصلاة والسلام بقية الشهر خشية

1 يعني ليلة سبع وعشرين، وهي ليلة القدر على الأرجح كما سبق، ولذلك جمع فيها النبي صلى الله عليه وسلم أهله ونساءه، ففيه استحباب حضور النساء هذه الليلة.

2 حديث صحيح، أخرجه أصحاب السنن وغيرهم، وهو مخرج في "صلاة التراويح" ص16-17 و"صحيح أبي داود" 1245و "الإرواء"447.

ص: 20

أن تفرض عليهم صلاة الليل في رمضان، فيعجزوا عنها كما جاء في حديث عائشة في "الصحيحين" وغيرهما1 وقد زالت هذه الخشية بوفاته صلى الله عليه وسلم بعد أن أكمل الله الشريعة، وبذلك زال المعلول، وهو ترك الجماعة في قيام رمضان، وبقي الحكم السابق وهو مشروعية الجماعة ولذلك أحياها عمر رضي الله عنه كما في"صحيح البخاري"وغيره2.

مشروعية الجماعة للنساء:

6-

ويشرع للنساء حضورها كما في حديث أبي ذر السابق، بل يجوز أن يُجْعَلَ لهن إمام خاص بهن، غير إمام الرجال، فقد ثبت أن عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على القيام، جعل على الرجال أُبَيَّ بن كعب، وعلى النساء سليمان بن أبي حثمة، فعن عرفجة الثقفي قال:

كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر الناس بقيام شهر رمضان ويجعل للرجال إماماً وللنساء

إماماً، قال: فكنت أنا إمام النساء3.

1 انظر سياقه وتخريجه في "التراويح" ص12-14.

2 انظر تخريجه وكلام ابن عبد البر وغيره عليه في المصدر السابق ص 49-25.

3 أخرجه والذي قبله البيهقي 2/494، وأخرج الأول منهما عبد الرزاق أيضاً في "المصنف" 4/258/8722، وأخرجهما

ابن نصر أيضاً في "قيام رمضان" ص93، ثم احتج بهما على ما ذكرنا ص95.

ص: 21

قلت: وهذا محله عندي إذا كان المسجد واسعاً، لئلا يشوش أحدهما على الآخر.

عدد ركعات القيام:

7-

وركعاتها إحدى عشرة ركعة، ونختار أن لا يزيد عليها اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يزد عليها حتى فارق الدنيا، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن صلاته صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت:

ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً1.

8-

وله أن ينقص منها، حتى لو اقتصر على ركعة الوتر فقط، بدليل فعله صلى الله عليه وسلم وقوله:

أما الفعل، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها: بكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؟ قالت:

1 أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في "صلاة التراويح" 20-21 و "صحيح أبي داود"1212.

ص: 22

كان يوتر بأربع1 وثلاثٍ، وست وثلاثٍ، وعشر وثلاثٍ، ولم يكن يوتر بأنقص من سبعٍ،

ولا بأكثر من ثلاث عشرة2.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم فهو:

"الوتر حق، فمن شاء فليوتر بخمس، ومن شاء فليوتر بثلاث، ومن شاء فليوتر لواحدة"3.

القراءة في القيام:

9-

وأما القراءة في صلاة الليل في قيام رمضان أو غيره، فلم يَحُدَّ فيها النبي صلى الله عليه وسلم حداً لا يتعداه بزيادة

أو نقص، بل كانت قراءته صلى الله عليه وسلم فيها تختلف قصراً وطولاً، فكان تارة يقرأ في كل ركعة

1 قلت: منها ركعتا سنة العشاء البعدية أو الركعتان الخفيفتان اللتان كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاة الليل بهما، على ما رجحه الحافظ، أنظر "صلاة التراويح" ص19-20.

2 رواه أبو داود وأحمد وغيرهما وهو حديث جيد الإسناد، وصححه العراقي، وهو مخرج في "صلاة التراويح" ص98-99

و"صحيح أبي داود"1233.

3 رواه الطحاوي والحاكم وغيرهما وهو حديث صحيح الإسناد كما قال جماعة من الأئمة، وله شاهد فيه زيادة منكرة، كما بينته في "التراويح" ص 99-100.

ص: 23

قدر {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} ، وهي عشرون آية، وتارة قدر خمسين آية، وكان يقول:"من صلى في ليلة بمئة آية لم يُكْتَبْ من الغافلين".

وفي حديث آخر:

"

بمئتي آية فإنه يكتب من القانتين المخلصين".

وقرأ صلى الله عليه وسلم في ليلة وهو مريض السبع الطوال، وهي سورة {البقرة} ، و {آل عمران} ، و {النساء} ، و {المائدة} ، و {الأنعام} ، و {الأعراف} ، و {التوبة} .

وفي قصة صلاة حذيفة بن اليمان وراء النبي عليه الصلاة والسلام أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة واحدة {البقرة} ثم {النساء} ثم {آل عمران} ، وكان يقرؤها مترسلاً متمهلاً1.

وثبت بأصح إسناد أن عمر رضي الله عنه لما أمر أُبّيَّ بن كعب أن يصلي للناس بإحدى عشرة ركعة في رمضان، كان أُبيٌّ رضي الله عنه يقرأ بالمئين، حتى كان الذي خلفه يعتمدون على العِصِي من طول القيام، وما كانوا ينصرفون إلا في أوائل الفجر2.

1 هذه الأحاديث كلها صحيحة مخرجة في "صفة الصلاة" 117-122.

2 رواه مالك بنحوه. انظر "صلاة التراويح" ص52.

ص: 24

وصح عن عمر أيضاً أنه دعا القُرَّاءَ في رمضان، فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ ثلاثين آية، والوسط خمساً وعشرين آية، والبطيء عشرين آية1.

وعلى ذلك فإن صلى القائم لنفسه فليطول ما شاء، وكذلك إذا كان معه من يوافقه، وكلما أطال فهو أفضل، إلا أنه لا يبالغ في الإطالة حتى يُحيي الليل كله إلا نادراً، اتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم القائل:

"وخير الهدي هدي محمد"2.

وأما إذا صلى إماماً، فعليه أن يطيل بما لا يشق على من وراءه لقوله صلى الله عليه وسلم:

"إذا قام أحدكم للناس فليخفف الصلاة، فإن فيهم "الصغير والكبير وفيهم الضعيف، والمريض، وذا الحاجة، وإذا قام وحده فليطل صلاته ما شاء" 3.

1 انظر تخريجه في المصدر السابق ص71 ورواه عبد الرزاق أيضاً في "المصنف" 4/261/7731 والبيهقي 2/497.

2 هو بعض حديث رواه مسلم والنسائي وغيرهما، وهو مخرج في "أحكام الجنائز" ص18 و "الإرواء"608.

3 أخرجه الشيخان واللفظ والزيادات لمسلم، وهو مخرج في "الإرواء" 512 و "صحيح أبي داود" 759و760.

ص: 25

وقت القيام:

10-

ووقت صلاة الليل من بعد صلاة العشاء إلى الفجر، لقوله صلى الله عليه وسلم:"إن الله زادكم صلاة، وهي الوتر1، فصلوها بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر"2.

11-

والصلاة في آخر الليل أفضل لمن تيسر له ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل"3.

12-

وإذا دار الأمر بين الصلاة أول الليل مع الجماعة، وبين الصلاة آخر الليل منفرداً، فالصلاة مع الجماعة أفضل، لأنه يحسب له قيام ليلة تامة كما تقدم في الفقرة 4 مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وعلى ذلك جرى عمل الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه، فقال عبد الرحمن بن عبد القاري:

1 تسمى صلاة الليل كلها وتراً لأن عددها وتر، أي: عدد فردي.

2 حديث صحيح، أخرجه أحمد وغيره عن أبي بصرة، وهو مخرج في "الصحيحة" 108 و "الإرواء" 2/158.

3 أخرجه مسلم وغيره، وهو مخرج في "الصحيحة"2610.

ص: 26

خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال: والله إني لأرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل، ثم عزم، فجمعهم على أُبَيَّ بن كعب، قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون - يريد آخر الليل - وكان الناس يقومون أوله1.

وقال زيد بن وهب: كان عبد الله يصلي بنا شهر رمضان، فينصرف بليل2.

الكيفيات التي تصلى بها صلاة الليل:

13-

كنت فصلت القول في ذلك في "صلاة التراويح" ص101-115 فأرى أن أٌلَخّص ذلك هنا تيسيراً على القارئ وتذكيراً:

1 أخرجه البخاري وغيره وهو مخرج في "التراويح" ص48.

2 أخرجه عبد الرزاق 7741 وإسناده صحيح، وقد أشار الإمام أحمد إلى هذا الأثر والذي قبله حين سُئل: يؤخر القيام - أي التراويح - إلى آخر الليل؟ فقال:

"لا سنة المسلمين أحب إلي.

رواه أبو داود في "مسائله" ص 62.

ص: 27

الكيفية الأولى: ثلاث عشرة ركعة، يفتتحها بركعتين، خفيفتين، وهما على الأرجح سنة العشاء البعدية، أو ركعتان مخصوصتان يفتتح بهما صلاة الليل كما تقدم، ثم يصلي ركعتين طويلتين جداً، ثم يصلي ركعتين دونهما، ثم يصلي ركعتين دون اللتين قبلهما، ثم يصلي ركعتين دونهما، ثم يصلي ركعتين دونهما، ثم يوتر بركعة.

الثانية: يصلي ثلاث عشرة ركعة، منها ثمانية يُسلم بين كل ركعتين، ثم يوتر بخمس لا يجلس ولا يسلم

إلا في الخامسة.

الثالثة: إحدى عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة.

الرابعة: إحدى عشرة ركعة، يصلي منها أربعاً بتسليمة واحدة، ثم أربعاً كذلك، ثم ثلاثاً.

وهل كان يجلس بين كل ركعتين من الأربع والثلاث؟ لم نجد جواباً شافياً في ذلك، لكن الجلوس في الثلاث لا يشرع!

الخامسة: يصلي إحدى عشرة ركعة، منها ثماني ركعات لا يقعد فيها إلا في الثامنة، يتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقوم ولا يسلم، ثم يوتر بركعة، ثم يسلم، فهذه تسع، ثم يصلي ركعتين، وهو جالس.

ص: 28

السادسة: يصلي تسع ركعات منها ست لا يقعد إلا في السادسة منها، ثم يتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم

إلخ ما ذُكر في الكيفية السابقة.

هذه هي الكيفيات التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم نصاً عنه، ويمكن أن يزاد عليها أنواعاً أخرى، وذلك بأن ينقص من كل نوع منها ما شاء من الركعات حتى يقتصر على ركعة واحدةٍ عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم المتقدم:

"فمن شاء فليوتر بخمس، ومن شاء فليوتر بثلاث، ومن شاء فليوتر بواحدة"1.

فهذه الخمس والثلاث، إن شاء صلاها بقعود واحد، وتسليمة واحدة كما في الصفة الثانية، وإن شاء سلم من كل ركعتين كما في الصفة الثالثة وغيرها، وهو الأفضل2.

1 أنظر الفقرة 8 ص22.

2 فائدة هامة: قال ابن خزيمة في "صحيحة" 2/194 بعد أن ذكر حديث عائشة وغيره في بعض الكيفيات المذكورة: فجائز للمرء أن يصلي أي عدد أحب من الصلاة مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلاهن، وعلى الصيغة التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلاها، لا حظر على أحد في شيء منها.

قلت: وهذا بمفهومه موافق تمام الموافقة لِمَا اخترنا من التزام العدد الذي صح عنه صلى الله عليه وسلم وعدم الزيادة عليه، فالحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله.

ص: 29

وأما صلاة الخمس والثلاث بقعود بين كل ركعتين بدون تسليم فلم نجده ثابتاً عنه (، والأصل الجواز، لكن لما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الإيتار بثلاث، وعلل ذلك بقوله:"ولا تشبهوا بصلاة المغرب" 1؛ فحينئذ لا بد لمن صلى الوتر ثلاثاً من الخروج عن هذه المشابهة، وذلك يكون بوجهين:

أحدهما: التسليم بين الشفع والوتر، وهو الأقوى والأفضل.

والآخر: أن لا يقعد بين الشفع والوتر، والله تعالى أعلم.

القراءة في ثلاث الوتر:

14-

ومن السنة أن يقرأ في الركعة الأولى من ثلاث الوتر: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، وفي الثانية:

{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وفي الثالثة:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ويضيف إليها أحياناً: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} .

وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ مرة في ركعة الوتر بمئة آية من النساء2.

1 أخرجه الطحاوي والدارقطني وغيرهما. أنظر "التراويح"(99و110) .

2 رواه النسائي وأحمد بسند صحيح.

ص: 30

دعاء القتوت وموضعه:

15-

وبعد الفراغ من القراءة وقبل الركوع، يقنت أحياناً بالدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم سِبْطَهُ الحسن بن علي رضي الله عنهما وهو:

"اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذلّ من واليتَ، ولا يعزّ من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، لا منجا منك إلا إليك" 1 يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً، لما يأتي بعده2.

16-

ولا بأس من جعل القنوت بعد الركوع، ومن الزيادة عليه بلعن الكفرة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء للمسلمين في النصف الثاني من رمضان، لثبوت ذلك عن الأئمة في عهد عمر رضي الله عنه، فقد جاء في آخر حديث عبد الرحمن بن عبد القارى المتقدم ص 26 ـ 27:

1 أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما بسند صحيح، أنظر "صفة الصلاة" ص95و96 ط 7.

2 وانظر تعليقي على "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" ص33، و "تلخيص صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" ص45.

ص: 31

وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك، إله الحق ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين.

قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنه الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنين ومسألته:

"اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد1، ونرجو رحمتك ربنا، ونخاف عذابك الجد، إن عذابك لمن عاديت مُلْحَقٌ" ثم يكبر ويهوي ساجداً2.

ما يقول في آخر الوتر:

17-

ومن السنة أن يقول في آخر وتره قبل السلام أو بعده:

"اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك"3.

1 أي: نسرع.

2 رواه ابن خزيمة في "صحيحه" 2/155-156/1100.

3 صحيح أبي داود 1282 و "الإرواء"430.

ص: 32

18-

وإذا سلم من الوتر، قال: سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس، "ثلاثاً" ويمد بها صوته، ويرفع الثالثة1..

الركعتان بعده:

19-

وله أن يصلي ركعتين، لثبوتهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلاً2 بل إنه أمر بهما أمته فقال:

"إن هذا السفر جهد وثقل، فإذا أوتر أحدكم، فليركع ركعتين، فإن استيقظ وإلا كانتا له"3.

20-

والسنة أن يقرأ فيهما: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ} و: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} 4.

1 صحيح أبي داود" 1284.

2 رواه مسلم وغير أنظر "التراويح" ص108-109.

3 رواه ابن خزيمة في "صحيحه" والدارمي وغيرهما، وهو مخرج في "الصحيحة" وقد كنت متوقفاً في هاتين الركعتين بُرْهةً مديدة من الزمن، فما وقفت على هذا الأمر النبوي الكريم بادرت إلى الأخذ به، وعلمت أن قوله صلى الله عليه وسلم:"اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" إنما هو للتخيير لا للإيجاب، وهو قول ابن نصر 130.

4 أخرجه ابن خزيمة 1104، 1105 من حديث عائشة وأنس رضي الله عنهما بإسنادين يقوي أحدهما الآخر وانظر صفة الصلاة ص 124.

ص: 33