المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الاعتكاف مشروعيته: 1- والاعتكاف سنة في رمضان وغيره من أيام السنة، والأصل - قيام رمضان فضله وكيفية أدائه ومشروعية الجماعة فيه ومعه بحث قيم عن الاعتكاف

[ناصر الدين الألباني]

الفصل: ‌ ‌الاعتكاف مشروعيته: 1- والاعتكاف سنة في رمضان وغيره من أيام السنة، والأصل

‌الاعتكاف

مشروعيته:

1-

والاعتكاف سنة في رمضان وغيره من أيام السنة، والأصل في ذلك قوله تعالى:{وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} ، مع توارد الأحاديث الصحيحة في اعتكافه صلى الله عليه وسلم، وتواتر الآثار عن السلف بذلك، وهي مذكورة في "المصنف" لابن أبي شيبة وعبد الرزاق1.

وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف آخر العشر من شوال2، وأن عمر قال للنبي صلى الله عليه وسلم: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام؟ قال: "فأوف بنذرك" ، [فاعتكف ليلةً] 3

1 كان هنا في الطبعة السابقة حديث في فضل "من اعتكف يوماً.. " فحذفته؛ لأنه تبين لي ضعفه، بعد أن خرجته وتكلمت عليه بتفصيل في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" 5347، فكشفت فيه عن علته التي كانت خفيت علي، وعلى الهيثمي قبلي!

2 هو قطعة من حديث لعائشة، رواه الشيخان وابن خزيمة في "صحاحهم"، وهو مخرج في "صحيح أبي داود"2127.

3 رواه الشيخان وابن خزيمة، والزيادة للبخاري في رواية كما في "مختصره" 995، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" أيضاً 2136-2137.

ص: 34

2-

وآكَدُه في رمضان لحديث أبي هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قُبِضَ فيه اعتكف عشرين يوماً1.

3-

وأفضله آخر رمضان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل2.

شروطه:

1-

ولا يشرع إلا في المساجد لقوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ3 وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} 4 وقالت السيدة عائشة:

1 رواه البخاري وابن خزيمة في "صحيحيهما"، وهو مخرج في المصدر السابق (2126-2130.

2 رواه الشيخان وابن خزيمة 2223، وهو مخرج في "الإرواء" 966 و "صحيح أبي داود"2125.

3 أي لا تجامعوهن. قال ابن عباس: المباشرة والملامسة والمس جماع كله، ولكن الله عز وجل يكني ما شاء بما شاء. رواه البيهقي 4/321 بسند رجاله ثقات.

4 البقرة: 187، قد استدل الإمام البخاري على ما ذكرناه بهذه الآية. قال الحافظ: ووجه الدلالة من الآية أنه لو صح في غير المسجد لم يخص تحريم المباشرة به، لأن الجماع مناف للاعتكاف بالإجماع، فعلم من ذكر المساجد أن المراد أن الاعتكاف لا يكون إلا في فيها.

ص: 35

السنة في المعتكف أن لا يخرج إلا لحاجته التي لا بد له منها، ولا يعود مريضاً، ولا يمس أمراته،

ولا يباشرها، ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة، والسنة فيمن اعتكف أن يصوم1.

2-

وينبغي أن يكون مسجداً جامعاً لكي لا يضطر للخروج منه لصلاة الجمعة، فإن الخروج لها واجب عليه، لقول عائشة في رواية عنها في حديثها: "

ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع"2.

ثم وقفت على حديث صحيح صريح يُخصص "المساجد" المذكورة في الآية بالمساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:

"لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة" 3

1 رواه البيهقي بسند صحيح، وأبو داود بسند حسن، والراوية الآتية عن عائشة له، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" 2135 و "الإرواء"966.

2 روى البيهقي عن ابن عباس قال: إن أبغض الأمور إلى الله البدع، وإن من البدع الاعتكاف في المساجد التي في الدور.

3 أخرجه الطحاوي والإسماعيلي والبيهقي بإسناد صحيح عن حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه، وهو مخرج في "الصحيحة" رقم 2786، مع الآثار الموافقة له مما ذكرنا أعلاه، وكلها صحيحة.

ص: 36

وقد قال به من السلف فيما اطلعت حذيفة بن اليمان، وسعيد بن المسيب، وعطاء، إلا أنه لم يذكر المسجد الأقصى، وقال غيرهم بالمسجد الجامع مطلقاً، وخالف آخرون فقالوا: ولو في مسجد بيته.

ولا يخفى أن الأخذ بما وافق الحديث منها هو الذي ينبغي المصير إليه، والله سبحانه وتعالى أعلم.

3-

والسنة فيمن اعتكف أن يصوم كما تقدم عن عائشة رضي الله عنها1..

ما يجوز للمعتكف:

1-

ويجوز له الخروج منه لقضاء الحاجة، وأن يخرج رأسه من المسجد لِيُغْسَلَ ويُسَرَّح، قالت عائشة رضي الله عنها:

1 رواه البيهقي بسند صحيح، وأبو داود بسند حسن، وقال الإمام ابن القيم في "زاد المعاد": ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف مفطراً، بل قد قالت عائشة: لا اعتكاف إلا بصوم، ولم يذكر سبحانه الاعتكاف إلا مع الصوم، ولا فعله صلى الله عليه وسلم إلا مع الصوم، فالقول الراجح في الدليل الذي عليه جمهور السلف أن الصوم شرط في الاعتكاف وهو الذي كان يرجحه شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية.

قلت: ويترتب عليه أنه لا يشرع لمن قصد المسجد للصلاة أو غيرهما أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه فيه، وهو ما صرح به شيخ الإسلام في "الاختيارات".

ص: 37

وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل علَيَّ رأسَه وهو [معتكف] في المسجد، [وأنا في حجرتي] فأُرَجلُهُ، [وفي رواية: فأغسله وإن بيني وبينه لعتبة الباب وأنا حائض] ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة [الإنسان] ، إذا كان معتكفاً1..

2-

ويجوز للمعتكف وغيره أن يتوضأ في المسجد لقول رجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم: توضأ النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وضوءاً خفيفاً2.

3-

وله أن يتخذ خيمة صغيرة في مؤخرة المسجد يعتكف فيها، لأن عائشة رضي الله عنها كانت تضرب للنبي صلى الله عليه وسلم خِبَاءً3 إذا اعتكف، وكان ذلك بأمره صلى الله عليه وسلم4..

1 رواه الشيخان، وابن ابي شيبة، وأحمد، والزيادة الأولى لهما، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" 2131-2132.

2 رواه البيهقي بسند جيد، وأحمد 5/364 مختصراً بسند صحيح.

3 الخِباء أحد بيوت العرب من وَبَرٍ أو صوف ولا يكون من شعَر، ويكون على عمودين أو ثلاثة. "نهاية".

4 رواه الشيخان من حديث عائشة، وفعلها للبخاري، والأمر لمسلم، وتقدم تخريجه ص34 التعليق 2.

ص: 38

واعتكف مرة في قُبَّةٍ تُركيَّة1ٍ على سُدَّتِها حصير2..

إباحة اعتكاف المرأة وزيارتها زوجها في المسجد:

4-

ويجوز للمرأة أن تزور زوجها وهو في معتكفه، وأن يودعها إلى باب المسجد لقول صفية رضي الله عنها: " كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفاً [في المسجد في العشر الأواخر من رمضان] فأتيته أزوره ليلاً، [وعنده أزواجه، فَرُحْنَ] ، فحدثتُهُ [ساعة] ، ثم قمت لأنقلبَ، [فقال: لا تعجلي حتى أنصرف معك] ، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد [حتى إذا كان عند باب المسجد الذي عند باب أم سلمة] ، فمر

1 أي قبة صغيرة.

والسدة كالظلة على الباب لتقي الباب من المطر والمراد أنه وضع قطعة على سدتها لئلا يقع فيها نظر أحد كما قال السندي وأولى أن يقال: لكي لا ينشغل بال المعتكف بمن قد يمر أمامه تحصيلا لمقصود الاعتكاف وروحه كما قال الإمام ابن القيم: "عكس ما يفعله الجهال من اتخاذ المعتكف موضع عشرة ومجلبة الزائرين وأخذهم بأطراف الأحاديث بينهم فهذا لون والاعتكاف النبوي لون والله الموفق".

2 هو طرف من حديث لأبي سعيد الخدري، رواه مسلم وابن خزيمة في "صحيحيهما" وهو مخرج في "صحيح أبي داود"1251.

ص: 39

رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"على رسْلِكُما؛ إنها صفية بنت حيي"، فقالا: سبحان الله! يا رسول الله! قال: "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيتُ أن يقذف في قلوبكما شراً"، أو قال: شيئاً" 1.

بل يجوز لها أن تعتكف مع زوجها، أو لوحدها لقول عائشة رضي الله عنها:

اعتكفتْ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مستحاضة "وفي رواية أنها أم سلمة" من أزواجه، فكانت ترى الحمرة والصفرة، فربما وضعنا الطَّسْت تحتها وهي تصلي2.

وقال أيضاً:

كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده3.

1 أخرجه الشيخان، وأبو داود، والزيادة الأخيرة له، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" 2133و2134.

2 رواه البخاري وهو مخرج في "صحيح أبي داود" 2138، والرواية الأخرى لسعيد بن منصور كما في "الفتح" 4/281 لكن سماها الدارمي 1/22: زينب. والله أعلم.

3 أخرجه الشيخان وغيرهما، وسبق تخريجه ص35 التعليق رقم 2.

ص: 40

5-

ويبطله الجماع لقوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} .

وقال ابن عباس:

إذا جامع المعتكف بطل اعتكافه، وأستأنف1.

ولا كفارة عليه لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

وانتهى إعادة النظر فيه وتنقيحه وإضافة فوائد جديدة إليه بقلم مؤلفه فجر يوم الأحد 26 رجب سنة 1406 هـ وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

1 رواه ابن أبي شيبة 3/92 وعبد الرزاق 4/363 بسند صحيح. والمراد من قوله: استأنف أي أعاد اعتكافه.

ص: 41