الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا على عطره، ولا باح إلا بسره، ولا فاح إلا بنشره، باح بسره إعلاما، ونشر بنشره أعلاما، فلذلك سمى نماما، فليس من نم على نفسه كمن نم على غيره، ولا من جاد بخيره كمن عاد بضيره، فقد جرت الأحكام، وجفت الأقلام، أن النمام مذموم بين الأنام والسلام، وفي ذلك أقول:
سَائِلى عَن خَفِىّ سِرّ غَرَامى
…
وَيْكَ اقصر وَخَلِّنى وَهَيامى
أَنا مُسْتودِعٌ لِسِرّ حَبِيبِى
…
كَيْفَ أُبْدِى وَلَسْتُ بالنَّمَّامِ
إشارة الأقحوان
فنادى على نفسه الأقحوان، وهو بما كسى من النضارة فرحان، وقال: قد آن ظهورى، وحان سرورى، واعتدل فصل وجودى، وطاب في الحضرة شهودى، وكيف لا يطيب وقتى، وهذه الأنهار تجرى من تحتى، وكيف لا أؤدى بالشكر زكاه حولي، وقد تم لي نصابي من حولى، وما ذاك من قوتى ولا حولى، فبياضى هو العلم المعلم، واصفرارى هو السقم المبرم، واختلاف ألوانى هو المتشابه المحكم، فإن كنت للرموز تفهم،
فقم إلى تغنم وإلا فنم، وإن كنت لا تدري ما تم فحقيق أن يقام عليك مأتم، وفي ذلك أقول:
إِذَا لم تُدْرِكِ المَعْنى وَتَدْرِى
…
خَفَايَا مَا أَقُولُ فَلَا تَلُمْنى
نَصَحْتُكَ مُشْفِقاً بِلِسَانِ حَالى
…
وَمَا يُنْبِئُكَ شَرْحُ الحَالِ عَنّى
أَمَا يَكْفِيكَ حَوْلِى كلَّ حَوْلٍ
…
وَمَا نَالَتْهُ أَيْدى الدَّهْر منّى
فَكَمْ وَافَيْتَنِى فى جَمعِ شَمْلٍ
…
زَمَاناً ثمَّ جِئْتَ وَلَمْ تَجدنى
حمامُ الأَيْك يُسْعِدُنِى إذَا ما
…
شَكَوْتُ إليهِ مَا أَلْقَى يُجبْنِى
يَنُوحُ علىَّ من عَلِمَ بأنِّى
…
ملقِّى للفناءِ بِكُلِّ فنِّ
وَأَنْتَ تظنّهُ لَعِباً وَلَهْواً
…
فَتَمْرَحُ بَيْنَ عِيدَانِى وَغُصْنِى
حقيقاً أنْ يُنَاحَ عَلَيْكَ إِذَا لَمْ
…
تُفرِّقْ بَيْنَ أَفْرَاحِى وَحُزْنِى
إشارة الخزامى فلما رأى الخزامي ما يكابده الزهر قيدا والتزاما، فمنها ما يضام، فينثر بعد النظام، وبالثمن البخس يسام، فقال: مالي وللزحام، ومالي ومعاشرة اللئام، أنا من بين الأزهار لا أجاور الأنهار، ولا أسكن إلا على شفا جرف هار، بل أوافق الوحش في النفار، وسكنى البوادي والقفار، أحب من الخلوات فسيح الفلورات، ولا آسف على ما فات، فلا أزاحم في المحافل، ولا أتحمل منة الزارع والكافل، ولا تقطفنى أيدى الأسافل، ولا أحمل إلى لاعب ولا هازل، ولكننى بعيد عن المنازل، تجدنى بأرض نجد نازل، رضيت بالبر الفسيح، وقنعت بالعرعر والشيح، تعبث بنشرى الريح، فتحملنى إلى ذوى التقديس والتسبيحِ، فلا ينشق
نشرى، إلا من له شوق صحيح، وذوق صريح، ومن هو على زهد المسيح، وصبر الذبيح، فأنا رفيق السواح، في الغدو والرواح، فإفوز بالأجور، وأسلم من حضور أهل الفجور، ومن يقترف المعاصي بالجحور، فلا أحضر على منكر، ولا أجلس عند من يشرب ويسكر، فأنا الحر الذى لا يباع في الأسواق، ولا ينادى على بالنفاق، في سوق النفاق ولا يحضرني الفساق، ولا ينظرني إلا من شمر عن ساق، وركب على جواد العزيمة وساق، فلو رأيتنى في البوادى، يهيم بي النسيم في كل وادى، أعطر النادى وأروح البادى، إن عرض بذكرى الحادى، حن إلى كل رائح وغادى، وفي ذلك أقول:
يُحَدِّثُنَى النَّسِيمُ عَنِ الخُزَامِى
…
وَيُقْرِينى عَنِ الشِّيحِ السَّلَامَا
فَهِمْتُ بما فَهِمْتُ وَطِبْتُ وَجْداً
…
فَمَا أَحْلاهُ لِى لَوْ كَانَ دَاما
وَتَسْرِى تَحْتَ جُنَح اللَّيل شِرًّا
…
فَتُوقِظُنى وَقَدْ هَجَعَ النِّيَامَا
فَأْسكِرُ من شَذَاهَا حَينَ هبَّتْ
…
كَأَنِّى قَدْ تَرَشَّفْتُ المَدَامَا
تُعَارِضُنِى بِأَنْفَاسٍ مِرَاضٍ
…
كَأَنْفَاسِى وَقَدْحُشِيتُ غَرَامَا
وقد عُرِفَتْ بِطِيب العُرْفِ لمَّا
…
كَسَاهَا اللُّطْفُ أَخْلَاقاً كِرَامَا
أَهِيمُ بنشرها طَرَباً وَسَكْراً
…
فَيُبْدِى البَرْقُ مِنْ طَرَتِى ابتسَامَا
تَمُرّ عَلَى الرِّيَاضِ رِيَاضِ نَجْدٍ
…
فَتَنْعَطِفُ الغُصُونُ لَها احْتِشامَا
وَيُقْلِقُنِى حِمَامُ الأَيْكِ نوْحاً
…
وَتُذكِّرُنِى المَنَازِلَ والخِيَامَا
خِيَامٌ تجمعُ الأَحْبَابَ فِيها
…
وَفِيها يَبْلُغُ القَلْبُ المَرَامَا
وَتجَلَّى وَجْه مَنْ فيها
…
بِبَهْجَةِ نَوْرِهِ يُجَلِّى الظَّلَامَا