الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4-
سَنَد حَدِيث "زائرات" بطريقيه:
وَسَنَد الْجَمِيع عَن ابْن عَبَّاس مَا يَلِي:
قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده: حَدثنَا يحيى عَن شُعْبَة حَدثنَا مُحَمَّد بن جحادة عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس فَذكره.
وَمثله بِإِسْنَادِهِ عِنْد من تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِم، إِلَّا أَن ابْن حبَان رَوَاهُ أَيْضا بِسَنَد آخر عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه فَقَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن الْجُنَيْد حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن عمر بن أبي سَلمَة عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: "لعن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم زائرات الْقُبُور والمتخذين عَلَيْهَا الْمَسَاجِد والسرج" فَهَذَا الحَدِيث رُوِيَ عَن كل من أبي هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس رضي الله عنهم بِلَفْظ "لعن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم زوارات الْقُبُور"، وبلفظ "لعن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم زائرات الْقُبُور"، كَمَا صرح بِهِ التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه، وَابْن مَاجَه فِي سنَنه، فَلهَذَا قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح لِكَثْرَة طرقه، وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية رَحمَه الله تَعَالَى: هَذَا مَعَ أَنه لَيْسَ فِي الإسنادين من يتهم بِالْكَذِبِ وَمثل هَذَا حجَّة بِلَا ريب، وَهَذَا من أَجود الْحسن الَّذِي شَرطه التِّرْمِذِيّ، فَإِنَّهُ جعل الْحسن مَا تعدّدت طرقه وَلم يكن شاذاً، وَهَذَا الحَدِيث تعدّدت طرقه وَلَيْسَ فِيهَا مُتَّهم وَلَا خَالفه أَحد من الثِّقَات، هَذَا لَو كَانَ عَن صَاحب وَاحِد فَكيف إِذا كَانَ هَذَا رَوَاهُ عَن صَاحب وَذَاكَ عَن آخر فَهَذَا كُله يبين أَن الحَدِيث فِي الأَصْل مَعْرُوف.
الْكَلَام على سندي هَذَا الحَدِيث
…
5-
الْكَلَام على سَنَد هَذَا الحَدِيث:
1-
وَأما أَبُو صَالح الرَّاوِي عَن ابْن عَبَّاس، فقد اخْتلف فِي اسْمه على قَوْلَيْنِ:
القَوْل الأول: أَنه ميزَان الْبَصْرِيّ أَبُو صَالح، وَبِهَذَا جزم ابْن حبَان فِي الصَّحِيح فِي النَّوْع السَّادِس من الثَّانِي وفى التَّاسِع وَالْمِائَة من الثَّانِي أَيْضا بعد أَن أورد هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة عبد الْوَارِث عَن مُحَمَّد بن جحادة، وَأقرهُ ابْن الْقيم فِي تَهْذِيب سنَن أبي دَاوُد وقوّى هَذَا القَوْل بِأَنَّهُ (ميزَان) وَلَكِن صحف فِي طبعة مُخْتَصر سنَن أبي دَاوُد بِلَفْظ:(مهْرَان) وَالصَّحِيح أَنه (ميزَان) كَمَا فِي تَهْذِيب التَّهْذِيب لِابْنِ حجر. وميزان هَذَا قَالَ فِيهِ يحيى بن معِين- وَهُوَ من أَشد النَّاس مقَالَة فِي الرِّجَال-: "إِنَّه ثِقَة مَأْمُون". وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات. وَقَالَ الْحَاكِم فِي الصَّحِيح: "هُوَ ثِقَة". وَلم يذكرهُ الْمزي وَلَا الْخُلَاصَة وَلَا الْمِيزَان وَلَا لِسَانه. وَقَالَ الْحَافِظ ابْن حجر فِي تَهْذِيب التَّهْذِيب: "إِن أَبَا صَالح ميزَان روى التِّرْمِذِيّ عَن طَرِيقه فِي كتاب الْجَنَائِز من طَرِيق عبد الْوَارِث بن سعيد عَن مُحَمَّد بن جحادة عَن أيى صَالح عَن ابْن عَبَّاس" يُشِير إِلَى هَذَا الحَدِيث.
القَوْل الثَّانِي: أَن أَبَا صَالح هَذَا هُوَ (باذام مولى أم هَانِئ) وَيُقَال بالنُّون (باذان) وَجزم بِهَذَا الْحَاكِم وَعبد الْحق الإشبيلي فِي الْأَحْكَام وَابْن الْقطَّان وَابْن عَسَاكِر وَالْمُنْذِرِي وَابْن دحْيَة وَغَيرهم قَالَه فِي التَّهْذِيب.
فعلى كلا الْقَوْلَيْنِ فَإِن الحَدِيث بِرِوَايَة "لعن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم زائرات الْقُبُور" حَدِيث صَحِيح سَوَاء كَانَ من رِوَايَة (ميزَان) أَو من رِوَايَة (باذام مولى أُم هَانِئ) فقد قَالَ أَبُو حَاتِم فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل: "لم أر أحدا من أَصحابنا ترك أَبَا صَالح مولى أم هَانِئ وَمَا سَمِعت أحدا من النَّاس يَقُول فِيهِ شَيْئا، وَلم يتْركهُ سعيد وَلَا زَائِدَة وَلَا عبد الله بن عُثْمَان"، وَقَالَ يحيى بن معِين:"أَبُو صَالح مولى أُم هَانِئ لَيْسَ بِهِ بَأس فَإِذا روى عَنهُ الْكَلْبِيّ فَلَيْسَ بِشَيْء وَإِذا روى عَنهُ غير الْكَلْبِيّ فَلَيْسَ بِهِ بَأْس، لِأَن الْكَلْبِيّ يحدث بِهِ مرّة من رَأْيه وَمرَّة عَن أبي صَالح" اهـ. وَهَذَا والله أعلم هُوَ أعدل الْأَقْوَال فِي أَمر أبي صَالح مولى أُم هَانِئ كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِك الْعَلامَة الْمُحَقق الشَّيْخ أَحْمد شَاكر، قَالَ فِي حَاشِيَته على مُسْند الإِمَام أَحْمد:"وَالْحق أَن أَبَا صَالح مولى أم هَانِئ ثِقَة لَيْسَ لمن ضعفه حجَّة وَإِنَّمَا تكلمُوا فِيهِ من أجل التَّفْسِير الْكثير الْمَرْوِيّ عَنهُ وَالْحمل فِي ذَلِك على تِلْمِيذه مُحَمَّد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ وَدَعوى ابْن حبَان أَنه لم يسمع من ابْن عبا س غلط عَجِيب، فَإِن أَبَا صَالح تَابِعِيّ قديم روى عَمَّن هُوَ أقدم من ابْن عَبَّاس كَأبي هُرَيْرَة وعَلى بن أبي طَالب وَأم هَانِئ والله أعلم".
2-
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن أَبى هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ ابْن حبَان: أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن الْجُنَيْد حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن عمر بن أبي سَلمَة عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة فَذكر الحَدِيث. وَعمر هَذَا هُوَ: عمر بن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف أَخُو مُسلم مديني الأَصْل، قَالَ أَبُو حَاتِم:"هُوَ عِنْدِي صَالح صَدُوق يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ يُخَالف فِي بعض الشَّيْء". وَقَالَ الذَّهَبِيّ: صحّح لَهُ التِّرْمِذِيّ حَدِيث "لعن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم زوارات الْقُبُور"، فناقشه عبد الْحق وَقَالَ:"عمر ضَعِيف عِنْدهم" - فأسرف عبد الْحق. وَقَالَ ابْن معِين فِي رِوَايَة أَحْمد بن أَبى خَيْثَمَة عَنهُ:" لَيْسَ بِهِ بَأْس" وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات وَقَالَ الْحَافِظ فِي التَّقْرِيب:"صَدُوق يُخطئ مَاتَ سنة 132 هـ".
وبكلام الْحَافِظ ابْن حجر هَذَا عرفنَا أَن عمر الْمَذْكُور وَإِن كَانَ يُخطئ إِذا انْفَرد كَمَا يُشِير إِلَيْهِ كَلَام الْحَافِظ، وَلَكِن مَعَ وجود طَرِيق آخر لهَذَا الحَدِيث عَن (ميزَان الْبَصْرِيّ) على الصَّحِيح وَعَن مولى أم هَانِئ على قَول يتَبَيَّن أَن عمر فِي هَذَا الحَدِيث لم يُخطئ فصح على هَذَا تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ لهَذَا الحَدِيث كَمَا صرح بتصحيح التِّرْمِذِيّ لَهُ الذَّهَبِيّ وبإسراف الإشبيلي فِي تَضْعِيفه. فَتبين من هَذَا صِحَة هَذَا الحَدِيث من غير مدافعة وَالله أعلم.