المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أدلة المجيز ين والجواب عنها - كشف الستور في نهي النساء عن زيارة القبور

[حماد الأنصاري]

الفصل: ‌أدلة المجيز ين والجواب عنها

مَأْجُورَات". وَهَذَا كَمَا قَالَ الإِمَام ابْن الْقيم رَحمَه الله تَعَالَى "يدل على أَن اتباعهن الْجَنَائِز وزر لَا أجر لَهُنَّ فِيهِ إِذْ لَا مصلحَة لَهُنَّ وَلَا للْمَيت فِي اتباعهن لَهَا، بل فِيهِ مفْسدَة للحي وَالْمَيِّت" اهـ.

رَابِعا: روى البُخَارِيّ وَمُسلم وَأحمد وَابْن جرير وَأَبُو يعلى الْموصِلِي وَالطَّبَرَانِيّ عَن أم عَطِيَّة قَالَت: "لما قدم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَة جمع نسَاء الْأَنْصَار فِي بَيت وَفِيه ونهانا عَن اتِّبَاع الْجَنَائِز وَلم يعزم علينا".

وَالدّلَالَة من الْأَحَادِيث الثَّلَاثَة الْمُتَأَخِّرَة- على منع النِّسَاء من زِيَارَة الْقُبُور- ظَاهِرَة، إِذْ فِي مَنعهنَّ من اتِّبَاع الْجَنَائِز دَلِيل على مَنعهنَّ من زِيَارَة الْمَقَابِر، وَالْعلَّة بَين الْحكمَيْنِ مُشْتَركَة وَسَيَأْتِي مَا يشد الْمَنْع وَيُؤَيِّدهُ.

وفى حَدِيثي عبد الله بن عمر وَعلي رضي الله عنهم دَلِيل على أَن نهي النِّسَاء عَن اتِّبَاع الْجَنَائِز فِي حَدِيث أم عَطِيَّة نهي تَحْرِيم لَا نهي تَنْزِيه كَمَا قَالَ بِهِ بعض أهل الْعلم رَحِمهم الله تَعَالَى. وَقد رأى عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه نسَاء فِي جَنَازَة فطردهن وَقَالَ: "والله لأرجع إِن لم ترجعن وحصبهن بِالْحِجَارَةِ"، ذكره ابْن الْحَاج فِي الْمدْخل والله أعلم.

ص: 37

‌أَدِلَّة الْمُجِيز ين وَالْجَوَاب عَنْهَا

8-

أَدِلَّة المجيزين وَالْجَوَاب عَنْهَا:

اسْتدلَّ المجيزون لزيارة النِّسَاء للقبور بِمَا يَلِي:

أَولا: بِحَدِيث أم عَطِيَّة الْمُتَّفق عَلَيْهِ قَالَ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه: حدتنا قبيصَة بن عقبَة حَدثنَا سُفْيَان عَن خَالِد عَن أم الْهُذيْل عَن أم عَطِيَّة رضي الله عنها قَالَت: "نهينَا عَن اتِّبَاع الْجَنَائِز وَلم يعزم علينا".

ثَانِيًا: حَدِيث أنس عِنْد البُخَارِيّ قَالَ فِي صَحِيحه: حَدثنَا آدم حَدثنَا شُعْبَة حَدثنَا ثَابت عَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ: "مر النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِامْرَأَة تبْكي عِنْد قبر فَقَالَ: اتَّقِ الله واصبري، قَالَت: إِلَيْك عني فَإنَّك لم تصب بمصيبتي وَلم تعرفه، فَقيل لَهَا إِنَّه النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأَتَت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَلم تَجِد عِنْده بوابين فَقَالَت: لم أعرفك فَقَالَ: إِنَّمَا الصَّبْر عِنْد الصدمة الأولى".

ثَالِثا: حَدِيث بُرَيْدَة عِنْد مُسلم أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور. فزوروها فَإِنَّهَا تذكر الْمَوْت".

رَابِعا: حَدِيث عَائِشَة عِنْد مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَفِيه قَالَت: "كَيفَ أَقُول لَهُم يَا رَسُول الله؟ قَالَ: قولي السَّلَام على أهل الديار من الْمُؤمنِينَ وَالْمُسْلِمين" الحَدِيث.

ص: 37

خَامِسًا: حَدِيث عبد الله بن أبي مليكَة عِنْد التِّرْمِذِيّ فِي زِيَارَة عَائِشَة رضي الله عنها قبر أَخِيهَا عبد الرَّحْمَن بن أَبى بكر قَالَ ابْن أبي مليكَة: توفّي عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر بالحبشى، فَحمل إِلَى مَكَّة فَدفن فِيهَا فَلَمَّا قدمت عَائِشَة رضي الله عنها أَتَت قبر عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر فَذكر الحَدِيث وَفِيه أَنَّهَا قَالَت:"لَو شهدتك لما زرتك".

سادساً: رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ عَن بسطَام بن مُسلم عَن أَبي التياح يزِيد بن حميد عَن عبد الله بن أبي مليكَة " أَن عَائِشَة رضي الله عنها أَقبلت ذَات يَوْم من الْمَقَابِر، فَقلت لَهَا: يَا أم الْمُؤمنِينَ من أَيْن أَقبلت؟ قَالَت: من قبر أخي عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر، فَقلت لَهَا: أَلَيْسَ كَانَ نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن زِيَارَة الْقُبُور؟ قَالَت: كَانَ نهى ثمَّ أَمر بزيارتها".

سابعاً: مَا رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه قَالَ: حَدثنَا أَبُو حميد أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَامِد الْعدْل بالطابران- حَدثنَا تَمِيم بن مُحَمَّد، حَدثنَا أَبُو مُصعب الزُّهْرِيّ، حَدثنِي مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن أبي فديك، أَخْبرنِي سُلَيْمَان بن دَاوُد عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبيه عَن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن أَبِيه أَن فَاطِمَة بنت مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم كَانَت تزور قبر عَمها حَمْزَة كل جُمُعَة فَتُصَلِّي وتبكي عِنْده.

قَالَ الْحَاكِم: "رُوَاته عَن آخِرهم ثِقَات"، وَتعقبه الذَّهَبِيّ فِي تلخيصه فَقَالَ:"هَذَا مُنكر جدا وَسليمَان ضَعِيف".

هَذِه جملَة مَا استدلوا بِهِ على الْجَوَاز وَقد أوردهَا شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية وفصّل الْجَواب عَنْهَا فِي كثير من كتبه، كَمَا استوفى ذكرهَا وَالْجَوَاب عَنْهَا شمس الدّين بن الْقيم- رَحمَه الله تَعَالَى- وَذَلِكَ فِي تهذيبه لسنن أبي دَاوُد وَنحن إِن شَاءَ الله نلخص مَا ذكره هَذَانِ الإمامان وَمَا ذكره غَيرهمَا مَعَ مَا يفتح الله بِهِ علينا فِي هَذَا الْمقَام والله الْمُسْتَعَان.

أما حَدِيث أم عَطِيَّة رضي الله عنها: فَمحل استدلالهم من قَوْلهَا "وَلم يعزم علينا"، وَالْجَوَاب عَنهُ كَمَا قَالَ الإِمَام أَبُو الْعَبَّاس بن تَيْمِية رحمه الله قَالَ مَا نَصه:"وَأما قَول أم عَطِيَّة: (وَلم يعزم علينا) فقد يكون مرادها لم يُؤَكد النَّهْي وَهَذَا يَقْتَضِي التَّحْرِيم وَقد تكون هِيَ ظنت أَنه لَيْسَ بنهي تَحْرِيم، وَالْحجّة فِي قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا فِي ظن غَيره". وَقَالَ ابْن الْقيم رَحمَه الله تَعَالَى: "وَأما قَول أُم عَطِيَّة فَهُوَ حجَّة للْمَنْع وَقَوْلها وَلم يعزم علينا إِنَّمَا نفت فِيهِ وصف النَّهْي وَهُوَ النَّهْي الْمُؤَكّد بالعزيمة وَلَيْسَ ذَلِك شرطا فِي اقْتِضَاء

ص: 38

التَّحْرِيم بل مُجَرّد النَّهْي كَاف، وَلما نهاهن انتهين لطواعيتهن لله وَلِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فاستغنين عَن الْعَزِيمَة عَلَيْهِنَّ، وَأم عَطِيَّة لم تشهد فِي ذَلِك النَّهْي وَقد دلّت أَحَادِيث لعنة الزائرات على الْعَزِيمَة فَهِيَ مثبتة للعزيمة فَيجب تَقْدِيمهَا".

قلت: وَفِي حَدِيثي عبد الله بن عَمْرو وَعلي رضي الله عنهم الْمُتَقَدّم ذكرهمَا مَا يدل على أَن نهيهن عَن اتِّبَاع الْجَنَائِز نهي تَحْرِيم لَا تَنْزِيه، وَفِي ذَلِك دَلِيل وَاضح على مَنعهنَّ من زِيَارَة الْقُبُور إِذْ الْعلَّة بَين الْحكمَيْنِ مُشْتَركَة فصح أَن الِاسْتِدْلَال بِهِ فِي جَانب الْمَنْع أولى وأَرجح والله أعلم.

وَأما حَدِيث أنس عِنْد البُخَارِيّ: "مر النَّبِي صلى الله عليه وسلم بامرأَة تبْكي عِنْد قبر على صبي لَهَا، فَقَالَ: اتَّقِ الله واصبري" الحَدِيث؛ فَهُوَ كَذَلِك حجَّة للْمَنْع لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يقرها بل أمرهَا بتقوى الله الَّتِي هِيَ فعل مَا أَمر بِهِ وَترك مَا نهى عَنهُ وَمن جُمْلَتهَا النَّهْي عَن زِيَارَة النِّسَاء للقبور وَقَالَ لَهَا: "اصْبِرِي" وَمَعْلُوم أَن مجيئها للقبر وبكاءها منَاف للصبر، فَلَمَّا أَبَت أَن تقبل مِنْهُ لِأَنَّهَا لم تعرفه انْصَرف عَنْهَا، فَلَمَّا علمت أَنه صلى الله عليه وسلم هُوَ الْآمِر لَهَا جَاءَتْهُ تعتذر إِلَيْهِ من مُخَالفَة أمره. فَأَي دَلِيل فِي هَذَا الحَدِيث على جَوَاز زِيَارَة النِّسَاء للقبور؟ وَمَعَ هَذَا فَلَا يعلم أَن هَذِه الْقَضِيَّة كَانَت بعد لَعنه صلى الله عليه وسلم زائرات الْقُبُور، وَنحن نقُول إِمَّا أَن تكون دَالَّة على الْجَوَاز فَلَا دلَالَة على تأخرها عَن أَحَادِيث الْمَنْع، أَو تكون دَالَّة على الْمَنْع لأمرها بتقوى الله فَلَا دلَالَة فِيهَا على الْجَوَاز، وعَلى كلا التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا تعَارض هَذِه الْقَضِيَّة أَحَادِيث الْمَنْع وَلَا يُمكن دَعْوَى نسخهَا بهَا وَالله أعلم.

وأَما حَدِيث بُرَيْدَة رضي الله عنه: فقد قَالَ المجيزون: إِن هَذَا الْخطاب يتَنَاوَل النِّسَاء بِعُمُومِهِ، بل هن المُرَاد بِهِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا علم نَهْيه عَن زيارتها للنِّسَاء دون الرِّجَال وَهَذَا صَرِيح فِي النّسخ لِأَنَّهُ قد صرح فِيهِ بِتَقْدِيم النَّهْي وَلَا ريب فِي أَن الْمنْهِي عَن زِيَارَة الْقُبُور هُوَ الْمَأْذُون لَهُ فِيهَا وَالنِّسَاء قد نهين عَنْهَا فيتناولهن الْإِذْن.

وَالْجَوَاب عَن هَذَا: أَن الصِّيغَة فِي هَذَا الحَدِيث هِيَ خطاب للذكور، وَالنِّسَاء وَإِن دخلن فِيهِ تَغْلِيبًا فَهَذَا حَيْثُ لَا يكون دَلِيل صَرِيح يَقْتَضِي عدم دخولهن، وأَما حَدِيث التَّحْرِيم فَمن أظهر الْقَرَائِن على عدم دخولهن فِي خطاب الذُّكُور، وَقد كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي أول الْإِسْلَام قد نهي عَن زِيَارَة الْقُبُور صِيَانة لجَانب التَّوْحِيد وقطعاً للتعلق بالأموات وسدا لذريعة الشّرك، الَّتِي أَصْلهَا تَعْظِيم الْقُبُور وعبادتها كَمَا قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي

ص: 39

الله عَنْهُمَا: "فَلَمَّا تمكن التَّوْحِيد من قُلُوبهم واضمحل الشّرك وَاسْتقر الدّين أذن فِي زِيَارَة يحصل بهَا مزِيد الْإِيمَان وتذكير مَا خلق العَبْد لَهُ من دَار الْبَقَاء فَأذن حينئذٍ فِيهَا فَكَانَ نَهْيه عَنْهَا للْمصْلحَة وإذنه فِيهَا للْمصْلحَة. وَأما النِّسَاء فَإِن هَذِه الْمصلحَة وَإِن كَانَت مَطْلُوبَة مِنْهُنَّ لَكِن مَا يقارن زيارتهن من الْمَفَاسِد الَّتِي يعلمهَا الْخَاص وَالْعَام من فتْنَة الْأَحْيَاء وإيذاء الْأَمْوَات وَالْفساد الَّذِي لَا سَبِيل إِلَى دَفعه إِلَّا بمنعهن مِنْهَا أعظم مفْسدَة من مصلحَة يسيرَة تحصل لَهُنَّ بالزيارة، والشريعة مبناها على تَحْرِيم الْفِعْل إِذا كَانَت مفسدته أرجح من مصْلحَته، ورجحان هَذِه الْمفْسدَة لَا خَفَاء بِهِ، فمنعهن من الزِّيَارَة من محَاسِن الشَّرِيعَة". اهـ، من كَلَام ابْن الْقيم مُلَخصا.

وَقَالَ شَيْخه شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية رَحمَه الله تَعَالَى: "إِن الْخطاب فِي الْإِذْن فِي قَوْله: فزوروها لم يتَنَاوَل النِّسَاء فَلَا يدخلن فِي الحكم النَّاسِخ، وَالْعَام إِذا عرف أَنه بعد الْخَاص لم يكن نَاسِخا لَهُ عِنْد الْجُمْهُور فَكيف إِذا لم يعلم أَن هَذَا الْعَام بعد الْخَاص، إِذْ قد يكون قَوْله: "لعن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم زوارات الْقُبُور" بعد إِذْنه للرِّجَال فِي الزِّيَارَة يدل على ذَلِك أَنه قرنه بالمتخذين عَلَيْهَا الْمَسَاجِد والسرج، وَمَعْلُوم أَن اتخاذها الْمنْهِي عَنهُ مُحكم كَمَا دلّت عَلَيْهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَالصَّحِيح أَن النِّسَاء لم يدخلن فِي الْإِذْن فِي زِيَارَة الْقُبُور لعدة أوجه:

الأول: أَن قَوْله صلى الله عليه وسلم "فزوروها" صِيغَة تذكير وَصِيغَة التَّذْكِير إِنَّمَا تنَاول الرِّجَال بِالْوَضْعِ وَقد تتَنَاوَل النِّسَاء أَيْضا على سَبِيل التغليب لَكِن هَذَا فِيهِ قَولَانِ.

الثَّانِي: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم علل الْإِذْن للرِّجَال بِأَن ذَلِك يذكر الْمَوْت ويرقق الْقلب ويدمع الْعين وَمَعْلُوم أَن الْمَرْأَة إِذا فتح لَهَا هَذَا الْبَاب أخرجهَا إِلَى الْجزع وَالنَّدْب والنياحة لما فِيهَا من الضعْف وَقلة الصَّبْر، وَإِذا كَانَت زِيَارَة النِّسَاء مَظَنَّة وسبباً للأمور الْمُحرمَة وَالْحكمَة هُنَا غير مضبوطة فَإِنَّهُ لَا يُمكن أَن يحد الْمِقْدَار الَّذِي لَا يُفْضِي إِلَى ذَلِك وَلَا التَّمْيِيز بَين نوع وَنَوع، وَمن أصُول الشَّرِيعَة أَن الْحِكْمَة إِذا كَانَت خُفْيَة أَو منتشرة علق الحكم بمظنتها فَيحرم هَذَا الْبَاب سدا للذريعة كَمَا حرم النّظر إِلَى الزِّينَة الْبَاطِنَة وكما حرمت الْخلْوَة بالأجنبية وَلَيْسَ فِي ذَلِك من الْمصلحَة مَا يُعَارض هَذِه الْمفْسدَة فانه لَيْسَ فِي ذَلِك إِلَّا دعاؤها للْمَيت وَذَلِكَ مُمكن فِي بَيتهَا"، إِلَى أَن قَالَ رحمه الله: "إِن قَوْله صلى الله عليه وسلم "من صلى على جَنَازَة فَلهُ قِيرَاط وَمن تبعها حَتَّى تدفن فَلهُ قيراطان" مَعْلُوم أَنه أدل على الْعُمُوم من صِيغَة التَّذْكِير الْمُتَقَدّمَة فَإِن لفظ (من) يتَنَاوَل الرِّجَال وَالنِّسَاء بِاتِّفَاق النَّاس، وَقد علم بالأحاديث الصَّحِيحَة أَن هَذَا الْعُمُوم لم يتَنَاوَل النِّسَاء لنهي النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَهُنَّ عَن

ص: 40

اتِّبَاع الْجَنَائِز فَإِذا لم يدخلن فِي هَذَا الْعُمُوم فَكَذَلِك لَا يدخلن فِي الْعُمُوم الْمُتَقَدّم بطرِيق الأولى

فَإِذا كَانَ النِّسَاء لم يدخلن فِي عُمُوم اتِّبَاع الْجَنَائِز مَعَ مَا فِي ذَلِك من الصَّلَاة على الْمَيِّت فَأن لَا يدخلن فِي زِيَارَة الْقُبُور الَّتِي غايتها دون الصَّلَاة عَلَيْهِ بطرِيق الأولى، وعَلى هَذَا فَيكون الْإِذْن فِي زِيَارَة الْقُبُور مَخْصُوصًا بِالرِّجَالِ، وَخص بلعنه صلى الله عليه وسلم زائرات الْقُبُور فَيكون من الْعَام الْمَخْصُوص" اهـ وبمثل هَذَا قَالَ الْعَلامَة النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم:"هَذَا من الْأَحَادِيث الَّتِي تجمع النَّاسِخ والمنسوخ وَهُوَ صَرِيح فِي نسخ نهي الرِّجَال عَن زيارتها، وأَجمع على أَن زيارتها سنة لَهُم، أما النِّسَاء ففيهن خلاف لِأَصْحَابِنَا وَقدمنَا أَن مَنْ مَنعهنَّ قَالَ: النِّسَاء لَا يدخلن فِي خطاب الرِّجَال وَهُوَ الصَّحِيح عِنْد الْأُصُولِيِّينَ" اهـ. مِنْهُ بِلَفْظِهِ.

وَأما حَدِيث عَائِشَة: عِنْد مُسلم وَالنَّسَائِيّ الَّذِي فِيهِ قَالَت: "كَيفَ أَقُول لَهُم" الحَدِيث فَالْجَوَاب عَنهُ من وُجُوه:

أَولهَا: حمل سؤالها للرسول صلى الله عليه وسلم وتعليمه إِيَّاهَا على مَا إِذا اجتازت بِقَبْر فِي طريقها بِدُونِ قصد للزيارة، وَلَفظ الحَدِيث لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيح بالزيارة عِنْد من خرّجه بل قَالَت: مَاذَا أَقُول لَهُم؟ وَلذَلِك صرح الْعلمَاء- رَحِمهم الله تَعَالَى- بِأَنَّهُ يجوز لَهَا أَن تَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاء فِي هَذِه الْحَال، بل وَلَا تسمى زائرة وَالْحَالة هَذِه، فَكَأَنَّهَا رضي الله عنها قَالَت مَاذَا أَقُول إِذا جزت بِقَبْر فِي الطَّرِيق فَقَالَ:"قولي السَّلَام على أهل الديار من الْمُؤمنِينَ وَالْمُسْلِمين" الحَدِيث.. وَلَا أدل على ذَلِك من قَوْلهَا فِي زيارتها لأَخِيهَا عبد الرَّحْمَن "لَو شهدتك لما زرتك" وَإِلَّا لما كَانَ لقولها هَذَا كَبِير معنى، وَإِن فِي حمل الحَدِيث على هَذَا جمعا بَينه وَبَين أَدِلَّة الْمَنْع ودفعاً للتعارض عَن سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَإِن الْجمع بَين الدَّلِيلَيْنِ مَتى أمكن فَهُوَ أولى من طرح أَحدهمَا أَو دَعْوَى التَّعَارُض بَينهمَا قَالَ صَاحب مراقي السُّعُود فِي ذَلِك:

وَالْجمع وَاجِب مَتى مَا أمكنا

إِلَّا فللأخير نسخ بَينا

وَثَانِيها: أَن حَدِيث عَائِشَة هَذَا يحْتَمل احْتِمَالا قَوِيا أَنه كَانَ على الْبَرَاءَة الْأَصْلِيَّة ثمَّ نقل عَنْهَا إِلَى التَّحْرِيم الْعَام فنسخ نهي الرِّجَال عَن الزِّيَارَة وَبَقِي نهي النِّسَاء على عُمُومه كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِك الْمُنْذِرِيّ رضي الله عنه بقوله: قد كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى عَن زِيَارَة الْقُبُور نهيا عَاما للرِّجَال وَالنِّسَاء ثمَّ أذن للرِّجَال فِي زيارتها وَاسْتمرّ النَّهْي فِي حق النِّسَاء لوُرُود مَا يَقْتَضِي تخصيصهن فِي ذَلِك الحكم من أَحَادِيث اللَّعْن وَغَيرهَا".

ص: 41

وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية رَحمَه الله تَعَالَى: وَقد قرن الرَّسُول صلى الله عليه وسلم لعننة الزائرات بلعنة المتخذين عَلَيْهَا الْمَسَاجِد والسرج، وَمَعْلُوم أَن اتِّخَاذ الْمَسَاجِد والسرج، لم يقل أحد من الْعلمَاء بِجَوَازِهِ فَكَذَلِك مَا قرن بِهِ من لعنة الزائرات والله أعلم.

وَالثَّالِث: أَن عَائِشَة رضي الله عنها لَيست كَغَيْرِهَا من النِّسَاء لما تحلت بِهِ من الْآدَاب اللائقة بزيارة الْقُبُور لقُوَّة إيمَانهَا وعظيم صبرها وَكَمَال عقلهَا ووفور فَضلهَا، قَالَ الله تَعَالَى فِي عُمُوم نسَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} (الْأَحْزَاب / 33) وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:"كمل من الرِّجَال كثير وَلم يكمل من النِّسَاء إِلَّا مَرْيَم ابْنة عمرَان وآسية وَأَن فضل عَائِشَة على النِّسَاء كفضل الثَّرِيد على سَائِر الطَّعَام" أما غَيرهَا من النِّسَاء فَإِنَّهُ لَا يُؤمن مِمَّن زارت الْقَبْر لجهالتها وَضعف عزيمتها وَقرب جزعها أَن ترتكب شَيْئا من الْمَحْظُورَات كالنياحة والجزع والتعديد خُصُوصا فِي زَمَاننَا هَذَا الَّذِي انْضَمَّ إِلَى مَا ذكر كَثْرَة تبرج النِّسَاء وارتكابهن فتْنَة العري والتبرج والاختلاط، وَمن لَهُ غيرَة فِي الدّين وبَصِيرَة بقواعد الشَّرِيعَة عرف وجاهة مَا ذكر والله الْمُسْتَعَان.

الرَّابِع: حمل سؤالها للرسول صلى الله عليه وسلم وتعليمه إِيَّاهَا على أَنَّهَا مبلغة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَمثل هَذَا فِي السّنة كثير فِي تعلمهَا وَأَخذهَا من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا تخبر بِهِ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رضوَان الله عَلَيْهِم مَعَ عدم شرعيته فِي حق النِّسَاء. قَالَ الزَّرْكَشِيّ- فِي الْإِجَابَة لإيراد مَا استدركته عَائِشَة على الصَّحَابَة- أخرج مُسلم عَن دَاوُد بن عَامر بن سعد بن أبي وَقاص عَن أَبِيه أَنه كَانَ قَاعِدا عِنْد عبد الله بن عمر إِذْ طلع خباب صَاحب الْمَقْصُورَة فَقَالَ: يَا عبد الله بن عمر أَلا تسمع مَا يَقُول أَبُو هُرَيْرَة إِنَّه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: "من خرج مَعَ جَنَازَة من بَيتهَا وَصلى عَلَيْهَا ثمَّ تبعها حَتَّى تدفن كَانَ لَهُ قيراطان من أجر كل قِيرَاط مثل أحد، وَمن صلى عَلَيْهَا ثمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ من الْأجر مثل أحد" فَأرْسل ابْن عمر خباباً إِلَى عَائِشَة يسْأَلهَا عَن قَول أبي هُرَيْرَة ثمَّ يرجع إِلَيْهِ فيخبره بِمَا قَالَت. وَأخذ ابْن عمر قَبْضَة من حَصى الْمَسْجِد يقلبها فِي يَده حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهِ الرَّسُول فَقَالَ: قَالَت عَائِشَة: صدق أَبُو هُرَيْرَة. فَضرب ابْن عمر بالحصى الَّذِي كَانَ فِي يَده الأَرْض وَقَالَ: لقد فرطنا فِي قراريط كَثِيرَة" اهـ.

وَقد لَاحَ لَك مِمَّا تقدم من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة أَن هَذَا الْعُمُوم لم يتَنَاوَل النِّسَاء لوُرُود النَّهْي الْخَاص من النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن اتباعهن الْجَنَائِز فَكَذَلِك مَا هُنَا فاحفظ ذَلِك وَكن بِهِ حفيا وتدبر بِعَين الْبَصِير بمرامي الشَّرِيعَة وقواعدها فسيظهر لَك بمعونة الله صِحَة مَا ذَكرْنَاهُ ورجحان مَا أبديناه وَلَا حوله وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه.

ص: 42

وخلاصة القَوْل أَن فِي حمل الحَدِيث على أحد الْوُجُوه الْمَذْكُورَة جمعا بِعَين الْأَحَادِيث وتأليفاً لسنن كَثِيرَة نذْكر فِيهَا مَا يَلِي:

أَولا: مُوَافَقَته للنَّهْي الْخَاص من النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن زِيَارَة الْقُبُور كَمَا فِي أَحَادِيث اللَّعْن وَمَا فِي مَعْنَاهَا كحديثي عبد الله بن عَمْرو وَعلي رضي الله عنهم.

ثَانِيًا: أَن فِي حمل الحَدِيث على ذَلِك جمعا بَينه وَبَين قَوْلهَا الْمُتَأَخر قطعا على ذَلِك - لَو شهدتك لما زرتك- وَإِلَّا لما كَانَ فِي قَوْلهَا هَذَا كَبِير معنى.

ثَالِثا: مُوَافَقَته لحَال الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم حَيْثُ لم ينْقل فِيمَا نعلم أَن نِسَاءَهُمْ كن يزرن الْمَقَابِر، وَلَو كَانَ شَيْء من ذَلِك لنقل إِلَيْنَا كَمَا نقل إِلَيْنَا سَائِر سيرهم وَمَا جرى بَينهم من القضايا والمناظرات فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة، فَلَمَّا لم ينْقل إِلَيْنَا شَيْء من ذَلِك دلّ على أَنهم آمنُوا بِالنَّهْي وأقروه على ظَاهره كَمَا جَاءَ من غير بحث وَلَا نظر، وَهَذَا هُوَ مَذْهَب أهل الحَدِيث وأئمة التَّحْقِيق كثر الله سوادهم، قَالَ الإِمَام أَبُو الْعَبَّاس بن تَيْمِية رحمه الله:"وَمَا علمنَا أَن أحدا من الْأَئِمَّة اسْتحبَّ لَهُنَّ زِيَارَة الْقُبُور وَلَا كَانَ النِّسَاء على عهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الرَّاشِدين يخْرجن إِلَى زِيَارَة الْقُبُور كَمَا يخرج الرِّجَال" اهـ بِلَفْظِهِ.

رَابِعا: أَن الْمحرم لَا بُد أَن يشْتَمل على مفْسدَة مَحْضَة أَو راجحة وزيارة النِّسَاء للقبور تشْتَمل على مفاسد كَثِيرَة فِي الْغَالِب فالتحريم إِذا ألصق بأصول الْفَرْع ومقاصده.

خَامِسًا: أَن أَحَادِيث النَّهْي تَضَمَّنت حكما منطوقاً بِهِ، وَحَدِيث عَائِشَة عِنْد مُسلم صَحِيح غير صَرِيح فِيمَا اسْتدلَّ بِهِ عَلَيْهِ، إِذْ لم تقل مَاذَا أَقُول إِذا زرت الْقُبُور بل قَالَت مَا أَقُول لَهُم، وَهَذَا يحْتَمل الزِّيَارَة وَغَيرهَا. قَالَ أَبُو بكر الْحَازِمِي فِي كِتَابه الِاعْتِبَار:"الْوَجْه الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ من وُجُوه التَّرْجِيح أَن يكون الحكم الَّذِي تضمنه أحد الْحَدِيثين منطوقاً بِهِ وَمَا تضمنه الحَدِيث الآخر يكون مُحْتملا" اهـ. أَي فَيجب تَقْدِيم مَا هُوَ مَنْطُوق بِهِ.

سادساً: أَن عَامَّة الْعلمَاء قد رجحوا الدَّلِيل الحاظر كَحَدِيث اللَّعْن فِي هَذَا الْمقَام على دَلِيل الْإِبَاحَة كَحَدِيث عَائِشَة عِنْد مُسلم على احْتِمَاله، فَمن ادّعى بعد ذَلِك أَنه أُبِيح بعد الْمَنْع فَعَلَيهِ الْبَيَان لاسيما وَقد ذكر هَذَا الْوَعيد الشَّديد فِي جَانب الْمَنْع فَالْمَسْأَلَة إِذا لَا مسرح فِيهَا للِاجْتِهَاد والله أعلم.

سابعاً: أَن مِمَّا يرجح بِهِ أحد الْحَدِيثين على الآخر كَثْرَة الْعدَد فِي أحد الْجَانِبَيْنِ وهى مُؤثرَة فِي بَاب الرِّوَايَة لِأَنَّهَا تقرب مِمَّا يُوجب الْعلم وَهُوَ التَّوَاتُر كَمَا حكى ذَلِك الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي فِي اعْتِبَاره.

ص: 43

قلت: وَقد لَاحَ لَك مِمَّا تقدم أَن عدد جَانب الْمَنْع أَكثر وَالِاسْتِدْلَال بهَا أظهر وبالله التَّوْفِيق.

وَالْجَوَاب عَن حَدِيثهَا فِي زيارتها لأَخِيهَا عبد الرَّحْمَن هُوَ كَمَا قَالَ الْحَافِظ بن الْقيم فِي تَهْذِيب السّنَن: "إِن الْمَحْفُوظ فِي هَذَا الحَدِيث حَدِيث التِّرْمِذِيّ مَعَ مَا فِيهِ، وَعَائِشَة إِنَّمَا قدمت مَكَّة لِلْحَجِّ فمرت على قبر أَخِيهَا فِي طريقها فوقفت عَلَيْهِ وَهَذَا لَا بَأْس بِهِ، إِنَّمَا الْكَلَام فِي قَصدهَا الْخُرُوج لزيارة الْقُبُور وَلَو قدر أَنَّهَا عدلت إِلَيْهِ وقصدت زيارته فَهِيَ قد قَالَت: "لَو شهدتك لما زرتك" وَهَذَا يدل بالصراحة أَن من المستقر الْمَعْلُوم عِنْدهَا أَن النِّسَاء لَا يشرع لَهُنَّ زِيَارَة الْقُبُور وَإِلَّا لم يكن فِي قَوْلهَا ذَلِك معنى" اهـ.

وَأما رِوَايَة الْحَاكِم الَّتِي فِيهَا أَن عَائِشَة قَالَت لمن سَأَلَهَا نهى عَنْهَا ثمَّ أَمر بزيارتها فقد قَالَ الإِمَام تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية: "لَا حجَّة فِي حَدِيث عَائِشَة هَذَا، فَإِن المحتج عَلَيْهَا احْتج بِالنَّهْي الْعَام فَدفعت ذَلِك بِأَن النَّهْي مَنْسُوخ وَهُوَ كَمَا قَالَت رضى الله عَنْهَا وَلم يذكر لَهَا المحتج النَّهْي الْمُخْتَص بِالنسَاء الَّذِي فِيهِ لعنهن على الزِّيَارَة يبين ذَلِك قَوْلهَا قد أَمر بزيارتها فَهَذَا يبين أَنه أَمر بهَا أمرا يَقْتَضِي الِاسْتِحْبَاب، والاستحباب إِنَّمَا هُوَ ثَابت للرِّجَال خَاصَّة وَلَكِن عَائِشَة بيّنت أَن أمره الثَّانِي نسخ نَهْيه الأول فَلم يصلح أَن يحْتَج بِهِ، وَهُوَ أَن النِّسَاء على أصل الْإِبَاحَة، وَلَو كَانَت عَائِشَة تعتقد أَن النِّسَاء مأمورات بزيارة الْقُبُور لكَانَتْ تفعل ذَلِك كَمَا يَفْعَله الرجل وَلم تقل لأَخِيهَا لما زرتك". وَقَالَ ابْن الْقيم رحمه الله فِي هَذِه الرِّوَايَة: إِنَّهَا من رِوَايَة بسطَام بن مُسلم، وَلَا صَحَّ فَإِن عَائِشَة رضي الله عنها تأولت مَا تَأَول غَيرهَا من دُخُول النِّسَاء فِي الْإِذْن، وَالْحجّة فِي قَول الْمَعْصُوم لَا فِي تَأْوِيل الرَّاوِي، وَتَأْويل الرَّاوِي إِنَّمَا يكون مَقْبُولًا حَيْثُ لَا يُعَارضهُ مَا هُوَ أقوى مِنْهُ وَهَذَا الحَدِيث قد عَارضه أَحَادِيث منع زِيَارَة النِّسَاء للقبور" اهـ.

(تَنْبِيه) : قَول ابْن الْقيم رَحمَه الله تَعَالَى إِن هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة بسطَام ابْن مُسلم وَلَو صَحَّ قد يفهم مِنْهُ أَن هَذَا الحَدِيث ضَعِيف من جِهَة بسطَام هَذَا وَلَيْسَ الْأَمر كَمَا يظنّ بل بسطَام بن مُسلم ثِقَة كَمَا قَالَ الْحَافِظ فِي التَّقْرِيب: "بسطَام بن مُسلم بن نمير العوذي بِفَتْح الْمُهْملَة وبسكون الْوَاو، بَصرِي ثِقَة من السَّابِعَة" اهـ. وَقَالَ أَحْمد: "صَالح الحَدِيث لَيْسَ بِهِ بَأْس"، وَقَالَ ابْن معِين وَأَبُو زرْعَة:"ثِقَة" وَالله أعلم.

وَأما مَا رَوَاهُ الْحَاكِم أَن فَاطِمَة بنت مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم كَانَت تزور قبر عَمها حَمْزَة كل جُمُعَة الحَدِيث. فَهُوَ حَدِيث ضَعِيف مُنكر كَمَا قَالَه الذَّهَبِيّ فِي تلخيصه وتضعيفه

ص: 44