الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-[ص:
باب إعراب المثنى والمجموع على حده
التثنية: جعل الاسم القابل دليل اثنين متفقين في اللفظ غالباً، وفي المعنى على رأي، بزيادة ألف في آخره رفعاً، وباء مفتوح ما قبلها جرًا ونصبًا، تليهما نون مكسورة، فتحها لغة، وقد تضم، وتسقط للإضافة أو للضرورة أو لتقصير صلة، ولزوم الألف لغة حارثية.]-
ش: لما فرغ من إعراب الاسم المفرد وما جرى مجراه، صحيحه ومعتله، والمضارع صحيحه ومعتله، اخذ في إعراب المثنى والمجموع على حده.
وقوله: والمجموع على حده أي: على حد المثنى، ومعنى ذلك أنه يسلم فيه الواحد كما يسلم في التثنية، وأنه يلحقه حرف علة ونون كما يلحق المثنى، وأنه يتغير ذلك الحرف في حالة النصب والخفض كما يتغير في المثنى، فلما صار موافقًا له فيما ذكر قيل فيه: مجموع على حد التثنية. وهذه هي عبارة س.
قال المصنف في الشرح: "ليس المراد بالجعل وضع الواضع، فيدخل في الحد نحو زكا من الموضوع لأثنين، بل الجعل تصرف الناطق بالاسم على ذلك الوجه "انتهى. وهذا الذي ذكره لولا أنه فسر مراده لكان الظاهر أن يراد بالجعل وضع الواضع، فكان يدخل فيه نحو زوج وزكا. ثم
يحترز بما يأتي بعد ذلك من القيود عن نحو زكًا بقوله: "بزيادة ألف" إلى آخره؛ لأن هذه التثنية المصطلح عليها في باب الإعراب هي من وضع الواضع لا من جعل الجاعل الذي يراد به تصرف الناطق؛ لأن الناطق إنما يتصرف بما ذكر بعد وضع الواضع، وإلا فالناطق ليس له أن يجعل من غير وضع.
وقال المصنف في الشرح: "جعل الاسم أولى من /جعل الواحد لأن المجعول مثنى يكون واحدًا كرجل ورجلين، ويكون جمعًا كجمال وجمالين، ويكون اسم جمع كركٍب وركبين، ويكون اسم جنس كغنٍم وغنمين" انتهى.
وظاهر هذا الكلام أن التثنية تكون فيما ذكر، وأن ذلك مقيس فيما ذكر؛ إذ أورد تثنية الجمع واسم الجمع واسم الجنس مورد تثنية الواحد، وليس كذلك، بل تثنية الواحد هي المقيسة، وأما الثلاثة فلا تنقاس التثنية فيها: أما الجمع كجمال وجمالين فإنهم نصوا على أن ذلك لا يجوز إلا في ضرورة شعر أو نادر كلام، فمن نادر الكلام ما حكي من قولهم:"لقاحان سوداوان"، ومن ضرورة الشعر قوله:
تبقلت في زمن التبقل بين رماحي مالك ونهشل
وقوله:
لأصبح الناس أوبادًا، ولم يجدوا عند التفرق في الهيجا جمالين
وأما اسم الجمع فإنهم نصوا على أنه لا يجوز تثنيته إلا في ضرورة شعر نحو قوله:
وكل رفيقي كل رحل، وإن هما تعاطي القنا قوماهما، أخوان
فثنى قومًا.
وأما اسم الجنس فإنهم نصوا على أنه لا يجوز تثنيته ما دام على جنسيته، نحو لبٍن وماٍء، إلا أن يتجوز في شيء من ذلك، فيخرج عن الجنسية، ويوقع على بعض الجنس، فيجوز إذ ذاك تثنيته نحو قولك لبنان وماءان، تريد بذلك ضربين من اللبن وضربين من الماء، ولذلك عد أصحابنا من شروط الاسم الذي يثنى أن يكون مفردًا، احترزوا بذلك من المثنى والجمع السالم، فإنه لا يجوز تثنيتهما أصلًا، ومن جمع التكسير لأنه لا يجوز تثنيته بقياس، فإن جاء فضرورة في الشعر، ولا يجوز
استعمال شيء منه في الكلام.
وقوله: القابل نبه المصنف على أن من الأسماء غير قابل للتثنية، قال المصنف في الشرح:"كالمثنى والمجموع على حده والذي لا نظير له في الآحاد وأسماء العدد غير مائٍة وألف" انتهى كلامه.
ومن شرط في المثنى الإفراد لم يحترز بالقابل من المثنى والمجموع على حده لأنه قد احترز عنهما بالإفراد. وأما المصنف فلما كان عنده أن جمع التكسير واسم الجمع واسم الجنس مما يجوز تثنيته لم يذكر في "القابل" أنه احترز من هذه الثلاثة، وذكر أنه احترز من المثنى والمجموع على حده، وهذا متفق عليه. وذكر أنه احترز أيضًا بـ "القابل" من الجمع الذي لا نظير له في الآحاد نحو مساجد، فهذا لا يثنى عنده، ويثنى جمع التكسير الذي ليس جمعًا لا نظير له في الآحاد، ولذلك خصه بالذكر دون غيره من جموع التكسير.
وأما قوله: "وأسماء العدد غير مائٍة وألف" يعني: فإنه يجوز تثنيتهما، فتقول: مائتان وألفان، ولا يجوز ثلاثتان ولا ستتان ولا خمستان، فإن جاء في الشعر من أسماء العدد مثنى غير مائة وألف فضرورة، ولا يجوز استعماله في الكلام، نحو قوله:
/فلن تستطيعوا أن تزيلوا الذي رسا لها عند عاٍل فوق سبعين دائم
ثنى سبعًا للضرورة، وعنى بذلك سبع السموات وسبع الأرضين.
وأجاز أبو الحسن تثنية أسماء العدد. وذلك لا يجوز لأن العرب لم تثن
شيئًا من ذلك إلا ما نص عليه من مائٍة وألٍف في الكلام، وسبعين في الضرورة.
وزاد بعض أصحابنا: مما لا يثنى من الأسماء "كل" و"بعض"، وأجمع وجمعاء وأخواتهما، خلافًا للكوفيين في جواز تثنية ذلك، فتقول أجمعان وجمعاوان، وكذلك باقي أخواتهما، وأفعل من وأسماء الأفعال، وثواني نحو أبي بكر وأم بكر علمين، والأسماء المحكية التي هي جمل في الأصل نحو تأبط شرا وبرق نحره، والأسماء المختصة بالنفي نحو أحٍد وعريب، واسم الشرط وإن كان معربًا نحو أي، واسم الجنس ما دام على جنسيته، واسم الجمع، وجمع التكسير إلا في ضرورة كما بيناه، وكل اسم مبني نحو من وما، وحذام في لغة من بني، فأما قولهم منان ومنين فليست الألف والياء علامتي تثنية، وإنما لحقتا للحكاية، يدل على ذلك حذفهما وصلًا، وعلامة التثنية تثبت وصلًا ووقفًا، وأما يا زيدان ولا رجلين لك فإنما وقعت التثنية في حالة الإعراب، ثم طرأ البناء بعد ذلك لدخول حرف النداء ولا.
وأما المشارات والموصولات نحو قولك هذان وهذين واللذان واللذين فإنهما عند أكثر النحويين من قبيل غير المثنى حقيقة. وهو الصحيح بدليلين:
أحدهما: أن الاسم لا يثنى حتى ينكر، ولذلك تقول الزيدان في تثنية
زيد، فتدخل الألف واللام، وأسماء الإشارة والموصولات لا تفارق التعريف.
والثاني: أنهما لو كانا من قبيل المثنى حقيقة لكنت تقول في تثنية الذي: الذيان، كما تقول في تثنية الشجي: الشجيان، وكنت تقول في تثنية هذا: هذيان، كما تقول في موسى: موسيان، ولما رآها بعض النحويين بالألف في الرفع، وبالياء في النصب والجر كالأسماء المثناة حقيقة توهم أنها مثناه حقيقة، وذلك باطل لما ذكرناه.
واختلفوا في المركب تركيب المزج إذا أعرب، فمن النحويين من أجاز تثنيته، وهم الكوفيون، ومنهم من منع، وهو الصحيح لشبهه بالمحكي، ولا يحفظ شيء من تثنيته في كلامهم. وقد ذكر المصنف الخلاف في تثنيته في أواخر باب أمثلة الجمع، وكذلك ذكر الخلاف في تثنية نحو سيبويه.
وكذلك أيضًا لا تثنى الأسماء الواقعة على ما لا ثاني له في الوجود نحو شمٍس وقمٍر إذا أردت بهما الكوكبين النيرين، ولا الأسماء الجارية مجرى الفعل إذا رفعت الظاهر في اللغة الفصيحة، نحو: مررت برجٍل قائٍم أبواه، ومضروٍب عبداه، ولا يجوز قائمين أبواه، ولا مضروبين عبداه، إلا في لغة "أكلوني البراغيث". وما كان من المصادر قد أزيل عن المصدرية، وأريد به الشخص، نحو زور وفطر وخصم، الأفصح فيه أن لا يثنى، فيقال: هما
زور، وهما خصم. و"أي" في غير أبواب الحكاية لا يثنى إلا في لغة ضعيفة، وأما في باب الحكاية فالأفصح أن يثنى، وقد بين ذلك في بابه. والعلم لا يثنى إلا إن نكر، ولذلك لا تثنى /الكنايات عن الأعلام نحو فلان وفلانة لأنهما لا يقبلان التنكير، فمتى بقي العلم على علميته، وضم إليه آخر، عطف عليه، كما قال الفرزدق:
إن الرزية لا رزية مثلها فقدان مثل محمٍد ومحمد
ملكان قد خلت المنابر منهما وقع الحمام عليهما بالمرصد
يريد محمد بن الحجاج بن يوسف ومحمدًا أخا الحجاج بن يوسف. ومنه قول الحجاج لما بلغه موتهما "إنا لله محمد ومحمد في يوم".
وذكر صاحب البديع خلافًا في كيفية تثنية العلم وجمعه، فقال:"منهم من يلحقه الألف واللام عوضًا عما سلبه من التعريف، فيقول الزيدان والزيدون، وهم الأكثر، ومنهم من لا يدخلهما عليه، ويبقيه على حاله قبل التثنية والجمع، فيقول: زيدان وزيدون". وهذا القول الثاني غريب جدًا، لم أقف عليه إلا في هذا الكتاب.
وقوله: دليل اثنين احتراز من الجمع المسلم، وخرج بذلك ما لفظه لفظ تثنية، وليس بتثنية في المعنى. قال بعض أصحابنا: وذلك أربعة أنواع:
الأول: ما أريد بلفظ التثنية فيه التكثير لا ما يشفع الواحد، نحو حنانيك وهذاذيك، إذ المراد اتصال الحنان والهذ، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ
ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ}، المعنى كرات.
والثاني: ما جعل لفظ التثنية فيه لشيء واحد نحو المقصين والجلمين.
والثالث: ما كان إلحاق العلامة فيه تأكيدًا لمعنى التثنية، وذلك اثنان واثنتان، معنى التثنية مفهوم من لفظ الاسم دون العلامة، وإنما لحقت تأكيدًا، كما ألحقوا ياءي النسب في قولهم كلابي تأكيدًا لمعنى النسب الذي كان يعطيه كلاب قبل لحاق الياءين.
والرابع: أن تلحق علامة التثنية غير ما أريدت تثنيته على القلب، كما قال:
كما دحست الثوب في الوعاءين
المعنى: كما دحست الثوبين في الوعاء.
وقوله: متفقين في اللفظ غالبًا احتراز من أن يختلفا، فإنهما إذا اختلفا في اللفظ لم تجز تثنيتهما، وما ورد من ذلك يحفظ ولا يقاس عليه، والذي ورد من ذلك إنما روعي فيه التغليب، فمن ذلك القمران في الشمس والقمر، قال:
أخذنا بآفاق السماء عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالع
والعمران في أبي بكر وعمر، قال:
ما كان يرضى رسول الله فعلهما والعمران أبو بكر ولا عمر
وقال الخوارج: "سنوا بنا سنة العمرين". والأبوان في الأب والأم، وفي الأب والخالة، ومنه قوله تعالى:{ورَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العَرْشِ} . والأمان في الأم والجدة، قال:
نحن ضربنا خالدًا في هامته حتى غدا يعثر في حمالته
يا ويح أميه وويح خالته
والزهدمان في زهدم وكردم ابني قيس، قال:
/جزاني الزهدمان جزاء سوء وكنت المرء أجزى بالكرامة
وفي البسيط: والزهدمان لزهدم وقيس ابني حزن. والعمران لعمرو بن حارثة وزيد بن عمرو. والأحوصان للأحوص بن جعفر وعمرو بن الأحوص. والمصعبان: مصعب بن الزبير وابنه. والبجيران: بجير وفراس ابنا عبد الله بن مسلمة. والحران: الحر
وأخوه. والعجاجان في العجاج وابنه رؤبة.
وقوله: وفي المعنى على رأي قال المصنف في الشرح: "ونبهت بقولي "وفي المعنى على رأي" على خلاف في المختلفي المعنى كعيٍن ناظرةٍ وعيٍن نابعةٍ، فأكثر المتأخرين على منع تثنية هذا النوع وجمعه، والأصح الجواز لأن أصل التثنية والجمع العطف، وهو في القبيلين جائز باتفاق، والعدول عنه اختصار، وقد أوثر استعماله في أحدهما، فليجز في الآخر قياسًا، وإن خيف لبس أزيل بعد العدول بما أزيل قبله؛ إذ لا فرق بين قولنا: رأيت ضاربًا ضربًا وضاربًا ضريبةً، وبين قولنا: ضاربين ضربًا وضريبة. وممن صرح بإجازة ذلك ابن الأنباري، واحتج بقوله عليه السلام: "الأيدي ثلاث: فيد الله العليا، ويد المعطي، ويد السائل السفلى إلى يوم القيامة". ويؤيد ذلك قوله تعالى:{نَعْبُدُ إلَهَكَ وإلَهَ آبَائِكَ إبْرَاهِيمَ وإسْمَاعِيلَ وإسْحَاقَ} . ومما يؤيد ذلك قولهم: "القلم أحد اللسانين"، و"الخال احد الأبوين"، و"حفظ الطهر أحد اليسارين"، و"الغربة أحد
الشتاتين"، و"اللبن أحد اللحمين"، و"الحمية أحد الموتين". ومن ذلك قول بعض الطائيين:
كم ليٍث اعتن لي ذا أشبًل غرثت فكأنني أعظم الليثين إقداما
ومثله:
وكائن سفكنا نفس نفٍس عزيزة فلم يقض للنفسين من سافٍك ثأر
ويمكن أن يكون منه قول الشاعر:
يداك كفت إحداهما كل بائٍس وأخراهما كفت أذى كل معتد
أراد يد النعمة ويد الجارحة، فالنعمة كفت كل بائس، والجارحة كفت أذى كل معتٍد. ويؤيد ذلك قوله تعالى:{إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} ، فإن الواو إما عائدة على المعطوف والمعطوف عليه أو على المعطوف وحده مستغنى بخبره عن خبر المعطوف عليه، فهذا ممتنع لأنه من باب الاستدلال بالثاني على الأول كقول الشاعر:
نحن بما عندنا، وأنت بما عندك راٍض، والرأي مختلف
وهو ضعيف، وإنما الجيد الاستدلال بالأول، كقوله تعالى:{والْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ والْحَافِظَاتِ} ، وصون القرآن عن الوجوه الضعيفة واجب، ولو
سلم استعمال هذا الوجه مع ضعفه لمنع من استعماله هنا تخالف المستدل به والمستدل عليه في المعني، وذلك لا يجوز بإجماع، فتعين عود الواو إلي المعطوف والمعطوف عليه، وكون الصلاة معبرا بها عن حقيقتين مختلفتين /، وهو المطلوب)). انتهي ما استدل به المصنف علي جواز تثنية المتفق لفظا المختلف معني.
وأما أصحابنا فذهبوا إلي أنه لا تجوز تثنية ما اختلف معناه وإن اتفق اللفظان، نحو المشتري للكوكب والمشتري لقابل عقد البيع، والعين للعضو الباصر ومنبع الماء، ولذلك لحنوا الحريري في قوله:
جاد بالعين حين أعمي هواه عينه، فانثني بلا عينين
يريد بالعين الأولي عين المال، وبالثانية العضو الباصر. قالوا: وإنما لم يكتف باتفاق اللفظين حتى ينضاف إلي ذلك الاتفاق من جهة المعني، ولذلك قالت العرب: تبا له وويحا، فأتبعوا إعراب ويح إعراب تب، ولم يرفعوا ويحا علي الابتداء، ويضمروا خبره - وهو ((له)) - للدلالة المتقدمة الذكر عليه؛ لأنهما - وإن اتفقا في اللفظ - لم يتفقا في المعني؛ لأن المذكورة تبيينية، والمحذوفة ليست كذلك، بل هي في موضع الخبر، كما لا يجوز أن يحذف المجرور الواقع في موضع خبر ((ويح)) لدلالة المجرور الملفوظ به
عليه - وإن اتفقا في اللفظ - لعدم اتفاقهما في المعني، فكذلك أيضا لا يجوز حذف أحد الاسمين المتفقين في اللفظ لدلالة الآخر عليه إذا لم يكن بينهما اتفاق من جهة المعني.
وقال من ينصر هذا المذهب: اختصار التثنية كاختصار الخبر، فكما جاز: زيد ضارب وعمرو، فحذف خبر ((عمرو)) اكتفاء بخبر ((زيد)) لتوافقهما معني، كذلك جاز أن يقال ((جاء الضاربان)) في المتوافقين معني، وكما لم يجز أن يقال: زيد ضارب ضربا وعمرو، تريد: ضارب ضريبة، فتحذف خبر ((عمرو)) إذا خالفه خبر ((زيد)) معني، وإن وافقه لفظا، كذلك لا يجوز أن يقال: زيد وعمرو ضاربان، مع تخالفهما معني. انتهي. وهذا شبيه بمسألة تبا له وويحا؛ لأن اختلاف مدلول مع اتفاق اللفظ هو كاختلاف الجار والمجرور مع اتفاق اللفظ.
وقال المصنف: ((والجواب من وجوه:
أحدهما: أن حذف الخبر المخالف معني لم يجز لأنه حذف بلا عوض في اللفظ ولا دليل علي معناه، وأحد مفردي المثني معوض عنه علامة التثنية، ومقدور علي الدلالة عليه بقرينة.
والثاني: أن ذكر ((عمرو)) في المثال المذكور يوقع في محذورين: أحدهما توهم المحذوف مماثلا للمذكور، والآخر توهم إلغاء ((عمرو))، والمثني لا يتوهم فيه إلغاء.
الثالث: أن التخالف في اللفظ لا بد معه من تخالف المعني، ولم يمنع من التثنية، فأن لا يمنع منها التخالف في المعني مع عدم التخالف في اللفظ أحق وأولي)) انتهي ما أجاب به المصنف.
وقال بعض أصحابنا: فأما قول النابغة الجعدي:
يصمم وهو مأثور جراز إذا اجتمعت بقائمه اليدان
فيحتمل أن يريد حقيقة اليدين اليمني واليسري، وهو الظاهر، فيجمع يديه بقائمه حين الضرب ليكون أشد مضاء له في الضريبية، فيكون كما قال البراض، وهو أحد فتاك العرب:
/ جمعت له يدي بنصل سيف أفل فخر كالجذع الصريع
ويحتمل: إذا اجتمعت بقائمة اليد اليمني أو اليد اليسري وجد مصمما في الضريبة، أي: إنه يفعل وهو بشمال الضارب مثل ما يفعل وهو بيمينه.
ولا يلزم من قوله: ((إذا اجتمعت بقائمة اليدان)) أن يكون اجتماعهما في حين واحد، بدليل أنك تقول: اجتمع الزيدان بعمرو، إذا اجتمع كل واحد منهما به علي انفراد.
وإنما ذكر هذين الاحتمالين في هذا لأنه يتوهم أن قوله: ((إذا اجتمعت بقائمه اليدان)) يراد باليدين اليد الجارحة واليد التي يراد بها القدرة كقوله تعالي: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ} ، فيكون عنده من باب المشترك أو من باب الحقيقة والمجاز.
والذي ينبغي أنه لا يجوز تثنية المشترك ولا تثنية الحقيقة والمجاز لقلة ما ورد مما يوهم ذلك، ولاحتمال تأويله، ولا تبني القواعد إلا على جملة
من المستقرآت الجزئية، حتى يغلب علي الظن أن ذلك قانون كلي تبني علي مثله القواعد.
وقالوا: إن التثنية أصلها العطف، فهم قد حذفوا الاسم، وجعلوا هذا دليلا عليه، والشيء لا يدل إلا علي ما هو من لفظه، ومحال أن يدل لفظ علي لفظ آخر مخالف لمعناه، إذ لا شعور به أصلا.
وقال أبو محمد عبد العزيز بن جمعة بن زيد الموصلي، عرف بالقواس، وهو من نحاة بغداد، في كتابه ((شرح ألفية ابن معط)): ((اختلف في اتحاد الحقيقتين، فمنهم من جوز تثنية مختلفي الحقيقة مطلقا، إما مع تضاد كالجونين للأسود والأبيض، وإما من غير تضاد كالعينين للينبوع والباصرة، قياسا علي تثنية الأعلام؛ لأنه لما لم يطلق لفظ المشترك علي مدلولاته باعتبار معني جامع لما مقول عليها بالتواطؤ كأسماء الأجناس جري مجري العلم في ذلك؛ لأن العلم لم يسم به باعتبار معني جامع، ولما كانت تثنمية جائزة باتفاق كان المشترك كذلك. ومنهم من يشترط اتحادهما وإلا لالتبس الجنسان في الجنسية المتفقين فيها، فإنه إذا قيل القرآن أو العينان كان محتملا للمختلفين والمتفقين، وأما تثنية الأعلام فإنما جاز لأن المفهوم منها إذا حصل في العقل مجردا عن المتشخصات صار حكمها حكم سائر
أسماء الأجناس، كرجل بالنسبة إلي مسماه، وهذا المعني هو الذي سوغ دخول اللام والإضافة عليها، فيقال: الزيدون وزيدوكم، فصحة تثنية الأعلام لصحة تقديرها أجناسا، وامتنع تثنية الأسماء المشتركة لامتناع ذلك فيها)) انتهي.
وذهب الأستاذ أو الحسن بن عصفور إلي أنه يجوز تثنية المتفقي اللفظ المختلفين في المعني، لكن يكونان متفقين في المعني الموجب للتسمية، قال: ومثال أن يتفقا في اللفظ، ويختلفا في المعني، ويتفقا في المعني الموجب للتسمية، قولهم الأحمران في الذهب والزعفران، وقولهم: ذهب منه الأطيبان: الشباب والنكاح، والمبدآن في مبدأ الحائط، وهو أساسه، ومبدأ الخط مثلا/، وهو النقطة. قال: ألا تري أن الذهب والزعفران مختلفا المعنيين، وكذلك الشباب والنكاح، والأساس والنقطة. وكرر هذا المعني في كتبه، فذكر أنه لا يجوز التثنية الحقيقية إلا بشرط اتفاق اللفظين والمعنيين أو المعني الموجب للتسمية.
وهذا الذي ذهب إليه الأستاذ أبو الحسن ليس كما ذهب إليه؛ لأن قولهم الأحمران في الذهب والزعفران، والأطيبان في الشباب والنكاح، والمبدآن في الأساس والنقطة، هو من باب ما اتفق في اللفظان والمعنيان، ولم يختلف فيه المعنيان؛ لأنك تثنيت أحمر وأحمر، وأطيب وأطيب، ومبدأ ومبدأ، وهذا شيء اتفق فيه اللفظ والمعني، إذ المعني الذي بينهما هو القدر المشترك الذي سمي به كل واحد منهما أحمر وأطيب ومبدأ، وكما تقول: هذا فرس وحمار سابقان، ورجل وامرأة قائمان، ودرهم ودينار نافعان، فيكون هذا تثنية صحيحة، كذلك قلت أحمران وأطيبان ومبدآن. وكأن الأستاذ أبا الحسن قسم اتفاق المعني إلي قسمين: قسم يتفق في الاسمية، وقسم يتفق في الوصفية، فسمي المتفق في الاسمية اتفاقا في المعني، وسمي المتفق في الوصفية اتفاقا في المعني الموجب للتسمية.
وشرط أصحابنا في المثني والمجموع شروطا خمسة: أن يكون مفردا، أي: غير مركب ولا مثني ولا مجموع، معربا، منكرا، متفقا في اللفظ، متفقا في الدلالة.
وقوله: بزايدة ألف في آخره رفعا، وياء مفتوح ما قبلها نصبا وجرا قال المصنف في الشرح:((ليخرج عنه المصدر المجعول لاثنين خبرا أو نعتا نحو هذان رضا، ومررت برجلين رضا)).
وقوله: تليهما نون مكسورة مثال ذلك: قام رجلان، ورأيت رجلين، ومررت برجلين.
واختلفوا في علة الكسر: فذهب س إلي أن ذلك للفرق بينها وبين نون الجميع. هكذا قاله النحاس عنه. وقال الكسائي: كسرت كما كسرت في دراك. وقال الفراء: اختاروا للنون الكسر لأن الألف التي قبلها قد تكون في معني حركة ولا يمكن من الحركة إلا بالهمز، والواو قد تحرك إلي النصب والياء بغير همز، فألزموا كل جزم جاء بعد ألف ساكنة كأنه ساكن جاء مع متحرك، فخفض الذي بعده كما خفضوا الميم من قوله:
.................... لم تكلم ........................
وكانت الألف كالحركة، وليست الواو والياء كذلك، فلما سكنتا عوملتا معاملة الساكنين.
وقال الجزمي: كسرت لالتقاء الساكنين، وهو أحد قولي أبي العباس، زحق الساكنين إذا التقيا أن يحرك أحدهما إلي الكسر. وبهذا التعليل علل أصحابنا كسر نون المثني، ونسب بعضهم هذا لسيبوبه.
واختلف النحويون لم كان ذلك، فقال الكوفيون: لأن الخفض أخو الجزم. وذهب س إلي أن أصل هذا في قولهم: اضرب الرجل؛ لأن الفعل لا حظ له في الجر في حال سلامته، فأعطي حركة ليست له. وقال أبو العباس: إنما وجب هذا لأن الضمة والفتحة قد تكونان إعرابا بتنوين وغير تنوين، والكسرة لا تكون إعرابا إلا بتنوين. يعني: أو ما عاقبه من الألف واللام أو الإضافة، / فلما اضطررته إلي حركة جئت بحركة لا تكون في المعرب إلا بتنوين، يعني: أو ما عاقبه. وهذا معني قول من قال إنها حركة لا توهم إعرابا.
وما ذكرناه من أن أصل التحريك إذا التقي الساكنان الكسر هو مذهب كافة النحويين إلا الأستاذ أبا علي، فإنه وافق الجماعة إلا إن كان
الساكن الأول ألفاً، فإن أصل التحريك إذ ذاك عنده الفتح إلا أن يمنع من ذلك مانع، وادعي أنه مذهب س. والحجة له وعليه تذكر في غير هذا الموضع.
وقوله: فتحها لغة هذا الذي نقله ليس من علم البصريين، بل مذهب البصريين أنه لا يجوز فيها إلا الكسر، وعليه كلام العرب، وبه جاء القرآن.
وأجاز الكسائي والفراء فتح نون المثني في حالة النصب والخفض. ونصا علي أن ذلك لا يجوز مع الألف. فقول المصنف: ((فتحها لغة)) منتقد من وجهين: أحدهما أنه لم يحك مذهب البصريين في منع ذلك. والثاني أنه أطلق، وكان ينبغي أن يقيد بحالة النصب والجر مع الياء، وبالمنع مع الألف. وزعم الكسائي أن فتحها مع الياء لغة لبني زياد بن فقعس، وكان لا يزيدك علمهم فصاحة. وقال الفراء: هي لغة لبعض بني أسد، إذا تغيرت الألف إلي الياء في النصب والخفض نصبوا النون، أنشدني بعضهم:
علي أحوذيين استقلت عليهما
…
فما هي إلا لمحة، فتغيب
انتهي. وقال الآخر:
يا رب خال لك من عرينه حج علي قليص جوينه
فسوته لا تنقضي شهرينه شهري ربيع وجماديينه
وقال ابن كيسان: ((من فتح نون الاثنين في النصب والخفض استخف الفتحة بعد الياء، فأجراها مجري أين وكيف، ولا يجوز عند أحد من الحذاق علمته فتحها مع الألف، وإنشادهم:
أعرف منها الأنف والعينانا
لا يلتفت إليه لأنه لا يعرف قائله، ولا له وجه)) انتهي.
ولو ثبت أنه من لسان العرب لكان له وجيه من القياس؛ لأنها ألف نابت عن الياء؛ لأنها ليست للرفع، بل الكلمة منصوبة، وكان القياس أن يقول: والعينين، فلما نابت عن الياء، واضطر إلي ذلك لأن ما قبله من النظم مفتوح الآخر، عامل هذه الألف معاملة الياء، بخلاف قولك: قام الزيدان، فالألف لم تنب عن الياء لأن الاسم مرفوع.
وذكر بعض أصحابنا عن بعض النحويين إجاذة فتحها مع الألف، واستدل بقوله:
أعرف منها الأنف والعينان ومنخرين أشبها ظبيانا
ورد بأنه لا يعرف قائله.
وقال الأستاذ أبو الحسن بن عصفور: ((ومن العرب من يفتحها مع الألف، إلا أن ذلك لم يجئ إلا في لغة من يجعل التثنية بالألف علي كل حال، ولا يحفظ في هذه اللغة فتحها إلا في حال النصب، وكأنهم أجروا الألف في ذلك مجري الياء، ومن ذلك قول الشاعر:
أعرف منها الأنف والعينانا. البيت.
وقول الآخر:
ألقي عليه المقرم الأونانا))
وقال ابن جني: ((وفتحها بعضهم في الثلاثة حملا للواحد / علي الحالتين لأنهما أكثر، قرأت علي أبي علي في نوادر أبي زيد:
أعرف منها الأنف والعينانا ومنخرين أشبها ظبيانا
وروينا عن قطرب لامرأة من فقعس:
يا رب خال لك من عرينه حج علي قليص جوينه
فسوته لا تنقضي شهرينه شهري ربيع وجماديينه))
قال ابن جني: ((وقد حكي أن من العرب من يرفع النون في نحو الزيدان والعمران. وهو من الشذوذ [حيث لا يقاس عليهما غيرهما)) انتهى.
وقوله: وقد تضم حكي الشيباني عن العرب: هما خليلان. ومن ذلك قول فاطمة عليها السلام: ((يا حسنان، يا حسينان))، تريد الحسن والحسين، فغلبت لفظ أحدهما علي الآخر كالعمرين، وأجرت التثنية مجري المفرد. وأنشد أبو عمر المطرز في ((اليواقيت)):
يا أبتا أرقني القذان فالنوم لا تطعمه العينان
وقال الشيباني: ((ضم نون التثنية لغة)). يعني إذا كانت بالألف، وأما إذا كانت بالياء فلا يجوز الضم، وإنما شبهت بألف غضبان وعثمان، فضمت النون في الرفع كما ضمت تلك النون، وأما مع الياء فلا يجوز، لا تقول: رأيت الزيدين، ولا: مررت بالزيدين. وكان ينبغي أن يقيد ذلك المصنف بالمثني إذا كان بالألف.
وقال بعض أصحابنا: ((ومن العرب من يجعل الإعراب في النون إجراء للتثنية مجري المفرد، وذلك قليل جدا، حكي الشيباني عنهم: هذان خليلان)). فظاهر كلام هذا أنك تقول: رأيت الزيدان، بفتح النون، ومررت بالزيدان، بكسرها.
وقوله: وتسقط للإضافة أو للضرورة أو لتقصير صلة. أما سقوطها للإضافة فكثير، ومنه {بَلْ بَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} ، وأما للضرورة فقول
الشاعر:
هما خطتا إما إسار ومنة وإما دم، والقتل بالحر أجدر
وقول الآخر:
لنا أعنز لبن ثلاث، فبعضها لأولادنا ثنتا، وما بيننا عنز
وقول الآخر:
لها متنتان خظاتا كما أكب علي ساعديه النمر
يريد: خطتان، وثنتان، وخظاتان.
وقال الكسائي وأحمد بن يحي في خظاتا: إنه فعل، وإنما حذفت الألف من خظت لسكونها وسكون التاء، فلما تحركت التاء رجعت الألف. وكون النون في هذه الأبيات حذفت ضرورة هو مذهب البصريين، وأما الكسائي فإنه يجوز عنده حذف هذه النون، ولا يعتد حذفها ضرورة، فيجوز عنده: قام الزيدا، بغير نون، وأنشد:
أقول لصاحبي لما بدا لي معالم منهما، وهما نجيا
يريد: نجيان.
وزعم الفراء أنه لا شاهد في هذا البيت لأنه يريد به الظرف، أي: حيث ينتجيان نجوة، كقولك: هما قريبا، أي: مكانا قريبا، وكذلك تقدير هذا، أي: وهما مكان انتجاء.
ويشهد لمذهب الكسائي ما جاء من كلام العرب مما عزي إلي الحجلة تخاطب القطا ((قطا قطا، بيضك ثنتا، وبيضي مائتا))، أي: ثنتان ومائتان.
وينبغي/ أن يقيد قول من أجاز حذف النون للضرورة أو مطلقا بأن لا يكون حذفها يؤدي إلي الالتباس بالواحد، نحو هذان وهاتان؛ لأنك لو حذفت النون لقلت: هذا وهاتا، فكان يلتبس بالمفرد.
وأما تقصير الصلة فإنه يشمل صلة الألف واللام وصلة ما ثني من الموصول نحو الذي والتي، فمثال تقصير صلة الألف واللام ما أنشده المصنف علي زعمه:
خليلي ما إن أنتما الصادقا هوي إذا خفتما فيه عذولا وواشيا
ولا حجة في هذا البيت علي ما زعمه المصنف من أن النون حذفت لتقصير الصلة؛ لأنه يجوز أن تكون حذفت للإضافة، فيكون هوي مخفوضا بإضافة اسم الفاعل إليه؛ لأنه اسم مقصور لا يظهر فيه إعراب، واسم الفاعل إذا كان في صلة الألف واللام، وكان مثني، جاز أن يضاف إلي ما ليس فيه ألف ولام، وإلي ما ليس مضافا إلي ما هما فيه، فتقول: هذان الضاربا
رجل، ورأيت الضاربي رجل، فلو كان بعد ((الصادقا)) اسم يظهر فيه النصب كان فيه حجة علي ما زعم.
ومثال الحذف من صلة ما ثني من الذي والتي قول الشاعر:
أبني كليب، إن عمي اللذا قتلا الملوك، وفككا الأغلالا
وقول الآخر:
وحوصاء ورألان الـ لذي دلا علي الحج
وقول الآخر:
هما اللتا لو ولدت تميم لقيل فخر لهم صميم
وحذف النون من تثنية الذي والتي لغة لبني الحارث وبعض ربيعة، والإثبات لغة الحجاز وأسد.
وفي حذف النون لتقصير الصلة خلاف: ذهب س والفراء إلى أنه
يجوز حذف النون مطلقا. قال الفراء: إنما جاز ذلك لأنهم وجدوا الواحد لا نون فيه، وقد نصب، فأجروا الاثنين مجري الواحد. وقال الفراء أيضا: إنما جاز ذلك في اللذين لأن الوقف علي الموصول دون صلته لا يكون، فصارت الصلة عوضا من النون، وهم يحذفون مما طال في كلامهم.
وذهب أبو العباس إلي أنه لا يجوز حذف النون إلا مع الموصول غير الألف واللام نحو اللذان لطول الاسم، كما تحذف الهاء في قولك: الذي ضربت زيد، ولم يحفظ حذف النون في صلة الألف واللام من لسان العرب في المثني، ولم ينشدوا شاهدا علي ذلك، لكنه قد سمع في الجمع، وقياس المثني علي الجمع قياس جلي، والاحتياط أن لا يقال إلا بسماع من العرب، فإن لكل تركيب خصوصيات وضعية تبطل قياس المختلفي التركيب بعضه علي بعض.
ونقص المصنف من مواضع حذف النون أنها تحذف لشبه الإضافة، وذلك في موضعين: أحدهما في قولك: اثنا عشر، واثنتا عشرة. والثاني في قولهم: لا غلامي لك، علي مذهبه، فإنه يزعم أن النون هناك محذوفة لشبه الإضافة، و ((لك)) في موضع الصفة، وسيأتي ذلك في باب ((لا)) إن شاء الله.
وقوله: ولزوم الألف لغة حارثية يعني لزوم الألف في الرفع والنصب والجر، فلا تنقلب إلي الياء في النصب/ والجر. وحارثية: نسبة لبني الحارث بن كعب، أجروا المثني مجري الاسم المقصور، قيل: وهو القياس، إلا أن معظم العرب أرادوا التفرقة بين الرفع وغيره، فقلبوا تلك
الألف ياء. ومثال ذلك قول الشاعر:
إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها
وقول الآخر، وهو هوبرة الحارثي:
تزود منا بين أذناه ضربة دعته إلي هابي التراب عقيم
وقول الآخر:
وأطرق إطراق الشجاع، ولو رأي مضيا لناباه الشجاع لصمما
وسمع الأخفش أعرابيا فصيحا من بني الحارث يقول: ضربت يداه، ووضعته علاه، يريد: يديه وعليه. وقال بعض العرب: لو استطعت لأتيتك علي يداي. وقال الراجز:
إياك أن تبلي بشعشعان خب الفؤاد مائل اليدان
وحكى الكسائي أن ذلك لغة لبني الحارث بن كعب وزبيد وخثعم وهمدان، وأنشد الكسائي لبعض بني الحارث:
فإن بجنبا سحبل ومصيفه مراق دم لن يبرح الدهر ثاويا
وقال الشاعر:
واها لسلمي، ثم واها واها هي المني لو أننا نلناها
يا ليت عيناها لنا وفاها
وذكر أبو الخطاب أنها لغة لكنانة. وذكر غيره أنها لغة لبني العنبر وبني الهجيم وبطون من ربيعة. وحكاها أبو زيد، قال في نوادره:((لغة بني الحارث بن كعب قلب الياء الساكنة إذا انفتح ما قبلها ألفا، يقولون: أخذت الدرهمان، والسلام علاكم)). وحكاها الفراء، قال: بنو الحارث بن كعب يقولون: إن هذان قالا ذاك، ورأيت هذان. وفي البسيط
أنها لغة بكر بن وائل. فهذه طوائف من العرب الفصحاء وافقوا بني الحارث بن كعب في هذه اللغة.
وذهب أبو العباس إلي إنكار هذه اللغة، ولا يجيز مثلها في كلام ولا شعر. وهو محجوج بنقل النحاة الثقات عن هؤلاء الطوائف من العرب.
وأحسن ما خرج عليه قوله تعالي: {إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} في قراءة من قرأ (هذان) بالألف من قراء السبعة حمله علي هذه اللغة.
وذهب أبو الحجاج الأعلم إلي أن نون التثنية تحذف لغير ما ذكر المصنف من الإضافة والضرورة وتقصير الصلة، وذلك هو حذفها لشبه الإضافة، وذلك في قولك لبيك وسعديك ودواليك وهذاذيك، فالكاف عنده ليست ضميرا، وإنما هي حرف خطاب، كما هي في قولهم: أبصرك زيدا، وحذفت النون في لبيك وأمثالها لشبه الإضافة؛ لأن الكاف تطلب الاتصال بالاسم كاتصالها باسم الإشارة نحو: ذاك، والنون تمنع من ذلك، فحذفت لذلك.
واستدل الأعلم علي ذلك بأن هذه انتصبت انتصاب المصادر، والعامل فيها أفعال مضمرة، وإذا أضيف المصدر إلي ضمير الخطاب فلا بد أن يكون ذلك الضمير مغايرا لفاعل الفعل الناصب ذلك المصدر؛ إذ فاعل ذلك الفعل هو ضمير المتكلم، فيلزم علي هذا كله أن يكون المصدر مصدرا تشبيهيا، فيصير نحو:/ ضربت ضربك، المعني: ضربا مثل ضربك، ويكون معني هذه المصادر في سعديك: أجبتك إجابة مثل إجابتك، وفي لبيك: ألزم طاعتك مثل لزومك الطاعة، وفي دواليك: تداولنا مثل مداولتك. وليس معني هذه المصادر هذا الذي لزم إذا جعل مصدرا تشبيهيا، وإذا كانت الكاف حرف خطاب استقام المعنى.
وقد رد ما ذهب إليه الأعلم بأن ذلك علي المصدر التشبيهي، ولا يفسد المعني لأنه يكون في سعديك: أجبتك إجابتك لغيرك إذا أجبته، وفي لبيك: ألزم طاعتك لزومك طاعة غيرك، وفي دواليك: تداولنا مداولتك إذا داولت، كما قالوا: دققته دقك بالمنحاز حب الفلفل، المعني: مثل دقك بالمنحاز حب الفلفل إذا دققت. وأما دعواه أن كاف الخطاب شديدة الاتصال بالاسم، والنون تمنعها من ذلك، فحذفت، فباطل بدليل قولهم ذانك وتانك، فالكاف للخطاب، ولم تحذف نون التثنية لها.
وذهب أبو الحسن الأخفش وهشام إلي أنه تحذف نون التثنية لغير ما ذكر، وهو لطافة الضمير، فقالا: إذا قلت ضارباك فهذا الضمير منصوب المحل لأن موجب النصب المفعولية، وهي محققة، وموجب الجر الإضافة، وهي غير محققة، إذ لا دليل عليها إلا حذف النون، ولحذفها سبب آخر غير الإضافة، وهو صون الضمير المتصل من وقوعه منفصلا.
والذي ذهب إليه س والمحققون هو أن الضمير في موضع جر اعتبارا بالظاهر، ولا ينسب إلي الضمير إعراب لا يكون للظاهر، فحذف النون هو للإضافة لا للطاقة الضمير.
ص: وما أعرب إعراب المثني مخالفا لمعناه أو غير صالح للتجريد، وعطف مثله عليه، فملحق به. وكذلك كلا وكلتا مضافين إلي مضمر، ومطلقا علي لغة كنانة. ولا يغني العطف دون شذوذ أو اضطرار، إلا مع قصد
التكثير، أو فصل ظاهر أو مقدر.
ش: الذي أعرب إعراب المثني وهو مخالف لمعني التثنية هو ما يراد به التكثير، نحو قوله تعالي:{ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} المعني: كرات، لأن البصر لا ينقلب خاسئا وهو حسير من كرتين بل بكرات، وكذلك: سبحان الله وحنانيه، أي: حنانا بعد حنان، وقول الراجز:
ومهمهين قذفين مرتين
قال الفراء: ((مهمه بعد مهمه)).
وهذا النوع من المثني يجوز أن يجرد من التثنية، ويعطف عليه مثله، ويكون المعني علي التكثير، ويستغني بالعطف عن التثنية، ومنه:
لو عد قبر وقبر كنت أكرمهم ميتا، وأبعدهم عن منزل الذام
وقال جرير:
إنا أتيناك نبغي منك نافلة من رمل يبرين، إن الخير مطلوب
تخدي بنا نجب أفنى عرائكها خمس وخمس وتأويب وتأويب
وقال الأفوه الأودي:
إن النجاة إذا ما كنت ذا بصٍر من ساحة الغي إبعاد فإبعاد
/وقد يغني في هذا النوع التكرير عن العطف، ومنه قوله تعالى:{كَلَاّ إذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًا دَكًا (21) وجَاءَ رَبُّكَ والْمَلَكُ صَفًا صَفًا} أي: دكا بعد دك وصفًا بعد صف.
ومن المعرب إعراب المثنى والمراد به الجمع {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} ، و"البيعان بالخيار"، وقول الشاعر:
تلفى الإوزون في أكناف دارتها تمشي، وبين يديها البر منثور
أراد: بين أيديها.
وقوله: أو غير صالح للتجريد وعطف مثله عليه، هذا ضربان: اسم جنس نحو: كلبتي الحداد، وعلم كالبحرين والدونكين وكنابين: أسماء مواضع.
ويلحق بهذا النوع القمران للشمس والقمر، فإنه لا يصلح للتجريد
وعطف مثله عليه، بل يصلح للتجريد وعطف مباينه عليه.
ومما أعتيد فيه التجريد، والتثنية فيه مستعارة، قولهم: حواليك والأبهران والأخرمان وعاقلان. وتجريد ذلك: حوال، نحو:
وأنا أمشي الدألى حوالكا
والأبهر، وهو عرق معروف. والأخرم، وهو موضع. وعاقل، وهو جبل.
ومما أعرب كالمثنى، وليس بمثنى لعدم صلاحيته للتجرد، اثنان واثنتان، والمذروان، وهما طرفا الألية، وطرفا القوس، وجانبا الرأس. ومثله:"جاء فلان يضرب أصدريه". ولعمرٍو ومعاوية ابني شرحبيل بن عمرو بن الجون: الجونان، وقول أعرابي: جنبك الله الأمرين -أي: الفقر والعري- وكفاك شر الأجوفين، -أي: البطن والفرج- وأذاقك البردين، أي: الغنى والعافية. ومن هذا قولهم لما هو في وسط شيء: هو في ظهريه وظهرانيه، ولقيته بين الظهرانين، أي: في اليومين أو الثلاثة.
وقوله: فملحق به أي: ملحق بالمثنى في إعرابه. وهذا الخبر الذي
هو "فملحق به" هو قوله المبتدأ الذي هو قوله: "وما أعرب إعراب المثنى"، ومعنى هذا الخبر مستفاد من المبتدأ، فلا يجوز أن يكون خبرًا لأنه مفروض أنه أعرب إعراب المثنى، فكيف يخبر عنه بأنه يلحق بالمثنى في الإعراب، فصار قوله هذا نظير ما منعوه من قولهم: سيد الجارية مالكها؛ لأن معنى "مالكها" قد فهم من قوله: سيد الجارية، كذلك هذا قد علم أنه أعرب إعراب المثنى، فكيف يجعل ملحقًا بالمثنى في الإعراب، فإن تخيل للإلحاق معنى غير هذا صح أن يكون خبرًا.
وقد انقسم ما أعرب إعراب المثنى، وليس معناه معناه، بالنسبة إلى المدلول إلى قسمين: قسم هو مفرد المعنى، وقسم هو لأكثر من اثنين:
فالأول على قسمين: جنس، نحو المقصين والجلمين وكلبتي الحداد والأبهرين وحواليك. وعلم، وهو قسمان: قسم سمي بالمثنى كالبحرين. وقسم سمي بالمفرد، ثم عرضت له التثنية كالأخرمين وعاقلين.
والقسم الذي هو لأكثر من اثنين قسمان: قسم مدلوله الكثرة نحو (كرتين) في سورة "تبارك"، وحنانيه. وقسم يراد به الجمع من غير اعتبار الكثرة نحو {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} ، وقوله:
............... ............... وبين يديها البر منثور
فمثل المقصين لا يجرد عن التثنية، والأبهران وحواليك المعتاد تجريده عن التثنية، ولا يعطف عليه لفقدان مثل، والبحران لا يجرد /عن التثنية، والأخرمان وعاقلان يجردان، ولا عطف لفقدان مثل، ومثل (كرتين) يجرد
بعطف وبغير عطف، ونحو (بين أخويكم) و"بين يديها" لا يجرد.
وقوله: وكذا كلا وكلتا أي: ألحقا بالمثنى في الإعراب، وهما مفردان في اللفظ مثنيان في المعنى، وهذان مخالفان لما قبلهما لأن مدلولهما مدلول المثنى، وليس مدلول ما قبلهما إلا مدلول المفرد أو مدلول أكثر من اثنين، واعتبار اللفظ في خبرهما وضميرهما أكثر من اعتبار معنى التثنية، قال تعالى:{كِلْتَا الجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} .
وقوله: مضافين إلى مضمر، ومطلقًا على لغة كنانة احترز بقوله:"إلى مضمر" من أن يضافا إلى ظاهر، فإنهما إذا أضيفا إلى ظاهر كانا بالألف مطلقًا، وإذا أضيفا إلى مضمر كانا بالألف في الرفع، وبالياء في النصب والخفض، هذا الحكم المجمع عليه من السماع عن العرب، ولا يجيز البصريون غيره.
وحكي الكسائي والفراء أن بعض العرب يجريهما مع المظهر مجراهما مع المضمر، وحكي: رأيت كلي أخويك، وهذه اللغة عزاها الفراء إلى كنانة.
وزعم الفراء أنهما قد يضافان إلى مضمر، ويكونان بالألف في كل حال، وأن قول العرب "كلاهما وتمرًا"، كلا في موضع نصب كما كان في
الظاهر، ويتبعه التمر، وأنشد:
نعم الفتى عمدت إليه مطيتي بي حين جد بنا المسير كلانا
فعلى ما نقل غير البصريين يكون في كلا وكلتا ثلاث لغات: لغة التفرقة بين أن يضافا إلى ظاهر فيكون بالألف، أو إلى مضمر فتنقلب ألفه ياء في حالة النصب والخفض، وإلحاقها بالمقصور مطلقًا سواء أأضيف إلى ظاهر أم مضمر.
واختلف النحويون في كلا وكلتا، فذهب البصريون إلى أنهما من قبيل ما هو مفرد في اللفظ مثنى في المعنى كزوج. واستدلوا على ذلك بوجودهما بالألف في حالة النصب والخفض إذا أضيفا إلى الظاهر، ولا يمكن أن يقال إنها جاءت على لغة بني الحارث بن كعب ومن يشركهم في كون المثنى عندهم بالألف دائمًا؛ لأن جميع العرب تستعمل كلا وكلتا إذا أضيفا إلى مظهر بالألف، فلو كان على تلك اللغة لم يتكلم به إلا أهل تلك اللغة. واستدلوا أيضًا بإخبار العرب عنهما إخبار المفرد، نحو قوله تعالى:{كِلْتَا الجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} ، وقال الشاعر:
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه مولى المخافة خلفها وأمامها
فلم يقل: آتتا، ولا: تحسب أنهما.
ولا يعترض على هذا بأنهما قد أخبر عنهما إخبار المثنى في قوله:
كلاهما لا يطلعان الكيحا
لأن المفرد في اللفظ المثنى في المعنى يجوز أن يحمل على كل من اللفظ ومن المعنى، وقد جمع بينهما الشاعر في قوله:
إن المنية والحتوف كلاهما يوفي المنية يرقبان سوادي
/ولا يجوز أن يكون الإخبار عنهما إخبار الواحد من باب ما أخبر عن المثنى حقيقة إخبار الواحد، نحو قوله:
فكأن في العينين حب قرنفٍل أو سنبلًا، كحلت به، فانهلت
لأن هذا ضرورة، ولا يجيء مع ذلك إلا في الشيئين المتلازمين نحو اليدين والعينين، وليس كلا وكلتا من هذا الباب.
وذهب الكوفيون إلى أنهما من قبيل المثنى حقيقة. واستدلوا على ذلك بوجودهما في حال الرفع بالألف، وفي حال النصب والخفض
بالياء، فتقول: كلاهما وكلتاهما، وكليهما وكلتيهما، فلما وجدوا حكم التثنية فيهما ومعناها جعلوهما من قبيل المثنى حقيقة.
وزعم البغداديون أن كلتا قد نطق لها بمفرد، قال:
في كلت رجليها سلامي واحدة كلتاهما قد قرنت بزائدة
فليس بصحيح لأن المعنى: في كلتا رجليها، والحذف في كلتا مما حذف فيه بعض الكلمة للضرورة، نحو:
درس المنا بمتالٍع فأبان ..........................
يريد: المنازل.
وفي الإفصاح: "فأما كونه يقلب آخره مع الظاهر فلا أعرف للبصريين اعتذارًا عنه، وكلهم لا يسلمونه، وقد حكاه الثقات منهم، منهم الكسائي والفراء ودريود وجماعة، ولا وجه لرد روايتهم. وكان أبو بكر بن طاهر يقول: هي لغة لقوم يجعلونه مثنى، ولا يقولون كلاهما قام، وإنما يقول هذا من يجعله مفردًا. وكذا كان يقول لنا تلميذه أبو الحسن بن خروف
والأستاذ أبو ذر ومن أدركنا من الشيوخ الذين حملوا عنه" انتهى.
وإذا ثبت أنهما من قبيل المفرد لفظًا المثنى معنى فكيف جعلا في حالة الإضافة إلى المضمر بالألف رفعًا وبالياء نصبًا وجرًا؟ وهلا كانا بالألف على كل حال؟
فالجواب أن العرب قلبت الألف فيهما في حال الإضافة إلى المضمر بملازمتهما الإضافة وملازمة اتصال الضمير بهما، وحملتا في القلب على لدى وإلى وعلى؛ ألا ترى أن الألف لا تقلب فيها مع الظاهر، وتقلب مع المضمر. فعلى ما قرره البصريون ليس كلا وكلتا إذا أضيفا إلى مضمر معربين إعراب المثنى؛ لأن القلب في حالة النصب والجر ليس لأجل العامل، إنما هو حملًا على لدى وعلى.
والذي اختاره المصنف في الشرح غير مذهب البصريين وغير مذهب الكوفيين؛ لأنه زعم أنهما مفردان في اللفظ مثنيان من حيث المعنى كما قاله البصريون، وأنهما مع كونهما مفردين في اللفظ أعربا إعراب المثنى حين أضيفا إلى المضمر. قال المصنف في الشرح: "وبكونه مفرد اللفظ مثنى المعنى أعرب إعراب المفرد في موضع وإعراب المثنى في موضع، إلا أن آخره معتل، فلم يلق به من إعراب المفرد إلا المقدر، فجعل ذلك له مضافًا إلى ظاهر ليتخلص من اجتماع إعرابي تثنية في شيئين كشيء واحد، وجعل الآخر مضافًا إلى مضمر لأن المحذور فيه مأمون. وقد أجرته كنانة مجرى
المثنى مع الظاهر أيضًا، فيقولون: /جاء كلا أخويك، ومررت بكلي أخويك، ورأيت كلي أخويك. وبهذه اللغة التي رواها الفراء معزوه إلى كنانة يتبين صحة قول من جعل كلا من المعرب بحرف لا بحركة مقدرة، فإن القائل إن كلا معرب بحركة مقدرة يزعم أن انقلاب ألفه ياء مع المضمر هو كانقلاب ألف لدى وإلى وعلى. ولو كان الأمر كما قال لامتنع انقلاب ألفها مع الظاهر في لغة كنانة، كما يمتنع عندهم وعند غيرهم انقلاب ألف لدى وإلى وعلى مع الظاهر، على أن مناسبة كلا للمثنى أقوى من مناسبتها للدي وإلى وعلى، ومراعاة أقوى المناسبتين أولى من مراعاة أضعفهما. وأيضًا فإن تغير ألف كلا حادث عن تغير عامل، وتغير ألف لدى وإلى وعلى حادث بغير تغير عامل، فتباينا، وامتنع أن يلحق أحدهما بالآخر. وكلتا في المؤنث ككلا في المذكر" انتهى ما قرره في الشرح نصرةً لدعواه أن هذا الانقلاب لألف كلا وكلتا مع المضمر، وعلى لغة كنانة مع المظهر والمضمر، كان لأنهما معربان إذ ذاك بالحرف لا بالحركة المقدرة على ما ذهب إليه البصريون. وهذا الذي ذهب إليه المصنف هو شيء مخالف لمذهب البصريين ولمذهب الكوفيين كما ذكرناه.
فأما البصريون فإنهم زعموا أن كلا كـ"معًى"، وأن كلتا: فعلى كذكرى، والتاء بدل من لام الكلمة التي في كلا، وهي واو، وألف كلتا للتأنيث، وأنه كان ينبغي أن لا تنقلب الألف فيهما مع المضمر، كما لم
تنقلب ألف "معى" إذا أضيف إلى المضمر، لكن كلا وكلتا لا ينفصلان من الإضافة، فضارعا حروف الجر التي لا تنفصل من الإضافة نحو على ولدى وغلى، وهن مع الظاهر بالألف، ومع المضمر بالياء، فأجري كلا وكلتا مجراهن لأنهما لا ينفصلان من الإضافة، ففرق بينهما وبين ما ينفصل من الإضافة، وكان الفرق في المضمر أولى لأنه فرع. قال س:"وسألت الخليل عمن قال: رأيت كلا أخويك، ومررت بكلا أخويك، ثم قال: مررت بكليهما، ورأيت كليهما، فقال: جعلوها بمنزلة عليك في الجر والنصب". ثم اعتل لم لم يقع هذا في الرفع، فيقال: قام كليهما، فقال:"إنما يستعملان مجرورين أو منصوبين"، أيك تقول: من لديه.، ومن عليه، وقعدت لديه، ونزلت عليه، ولا تقول: يعجبني عليه، ولا: لديه، فلما فارقن كلا في باب الرفع أجري كلا في الرفع على أصله، وخرج في النصب والجر إلى ما ضارعه.
وأما الكوفيون فألف كلا وكلتا عندهم ألف تثنية. فقيل لهم: ما بالها جاءت بالألف في النصب والخفض -وهي ألف تثنية- في قولك: رأيت كلا أخويك، ومررت بكلا أخويك؟ فقالوا: شبهت بالواحد إذ لم ينفرد على صحة.
والذي يقطع ببطلان مذهب المصنف في دعواه أن كلا وكلتا مفردان في اللفظ كـ"معًى" مثنيان في المعنى، وأنهما أعربا إعراب المثنى، أنهما لو كانا أعربا إعراب المثنى للزم قلب ألفهما حالة التثنية، فتنقلب ألف كلا إلى الواو كما تنقلب ألف عصًا، وتنقلب ألف كلتا كما تنقلب ألف ذكرى، فكنت /تقول: قام الزيدان كلواهما، ورأيت الزيدين كلويهما، ومررت بالزيدين كلويهما، وقامت الهندان كلتياهما، ورأيت الهندين كلتييهما، ومررت
بالهندين كلتيهما. وكذلك يلزم في لغة كنانة لأن إضافتهما إلى ظاهر كإضافتهما إلى المضمر
-[ص: ولا يغني العطف دون شذوذ أو اضطرار إلا مع قصد تكثير أو فصل ظاهر أو مقدر.]-
ش: ثبت في بعض النسخ" ولا يغني العطف عن التثنية" وفي بعض النسخ: " عن التثنية والجمع" فمثال أغناء العطف عن التثنية لشذوذ أو اضطرار قول الراجز:
كأن بين فكها والفك
…
فارة مسك ذبحت في سك
وقول الآخر:
ليث وليث في محل ضنك كلاهما ذو أنف ومحك
وقول الآخر:
أنجب عرس ولدا وعرس
وقول الآخر:
كأن بين خلفها والخلف كشة أفعى في يبيس قف
ولولا الضرورة لقال: كأن بين فكيها وليثان وأنجب عرسين ولو وقع مثل هذا في غير شعر لكان شذوذاً.
ومثال أغناء العطف عن الجمع قول الشاعر، أنشده الكسائي:
كأن حيث يلتقي منه المحل
…
من جانبيه وعلان ووعل
لولا الضرورة لقال: أو عال ثلاثة، وقد استعمل أبو نواس الحسن بن هانئ هذه الضرورة، فقال:
أقمنا بها يوماً ويوماً وثالثاُ
…
ويوماً له يوم الترجل خامس
لولا الضرورة لقال: أياماً أربعة.
والمراجعة إلى العطف في التثنية والجمع من مراجعة الأصول المتروكة.
وقال المصنف في الشرح: " استعمال العطف في موضع الجمع لا سبيل إليه لأنه أشق من استعماله في موضع التثنية بأضعاف كثيرة، ولأن الجمع ليس محدوداً فتذكر آحاده معطوفاً بعضها على بعض كما فعل بالمثنى، فلو كان الجمع مدلولاً عليه ببعض ألفاظ العدد جاز استعمال العطف في موضعه، كقول الشاعر:
ولقد شربت ثمانياً وثمانياً وثمان عشرة واثنتين وأربعا
وقول الآخر:
وردن اثنتين واثنتين وأربعاً يبادرن تغليساً حمال المداهن"
وقوله: إلا مع قصد التكثير قال المصنف في الشرح: " قد تقدم بيان الاستغناء بالعطف عن التثنية المقصود بها التكثير"
وقوله: أو فصل ظاهر مثاله: مررت بزيد الكريم وزيد البخيل، ولو ثنيت وأخرت الصفتين مفرقتين لجاز.
أما الاستغناء به لفصل مقدر فكقول الحجاج وقد نعي له في يوم واحد
محمد أخوه ومحمد ابنه: " سبحان الله، محمد ومحمد في يوم"! وإياهما قصد الفرزدق بقوله:
إن الرزية لا رزية مثلها
…
لفقدان مثل محمد ومحمد
انتهى شرح المصنف. واتضح من هذا الشرح أنه إنما تكلم في التثنية لا في الجمع، إذ لم يتعرض إلى التكثير/ في الجمع ولا إلى الفصل فيه لا الظاهر ولا المقدر.
وقال بعض أصحابنا: " إذا استوفت ا|لأسماء الشروط المسوغة للتثنية والجمع لزمت التثنية والجمع، فلا يجوز العطف إلا في موضعين
أحدهما: أن تريد الكثرة نحو قوله:
لو عد قبر وقبر كان أكرمهم ميتاً وأبعدهم عن منزل الذم
ألا ترى أن المعنى على التكثير لا على التثنية بدليل قوله: "أكرمهم" وبدليل أنه مادح والمدح لا يتصور معه الاقتصار على اثنين. ومن ذلك قول الحكم بن المنذر بن الجارود للحرمازي الشاعر لما قال له: ما تريد؟ فقال: مائة. قال له الحكم: بل مائة ومائة ومائة فعطف لما أراد والبالغة والتكثير لأن العرب كثيرا ما تستعمل العطف في موضع التهويل والتكثير قال عز وجل: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى}
وقال الشاعر:
والبحر يدعو هيقما وهقيما
والآخر: أن تريد التفصيل والتنويع نحو قوله:
وكنت كذي رجلتي: رجل صحيحة
…
ورجل رمى فيها الزمان فشلت
ومن ذلك قول إسماعيل بن أبي الجهم، وقد قال له هشام بن عبد الملك: وما يجبر كسرك ويشفي ضرك؟ قال له إسماعيل: ألف دينار وألف دينار وألف دينار. ثم ذكرا لكل ألف وجهاً يصرفه فيه، ماعدا هذين الموضعين فالتثنية أو الجمع، ولا يجوز العطف إلا في ضرورة" انتهي.
وما ذكره من التفصيل والتنويع في قوله: " وكنت كذي رجلين" فإن التثنية حاصلة بقوله: " كذي رجلين" وأما " رجل ورجل" - أعني هذا المعطوف عليه والمعطوف- فليس فيه عدل عن التثنية إلى العطف، إذ لا تجوز التثنية فيهما، إذ قد ثنيا قبل ذلك، وإنما هذا من باب البدل التفصيلي، وإنما جئ برجل ورجل توطئة لذكر صفتيهما، فليس هذا مما عدل فيه إلى العطف من التثنية لأجل التنويع والتفصيل كما زعم.
وأما تمثيل المصنف الفصل المقدر بقول الحجاج وقول الفرزدق فليس العدول عن التثنية لأجل الفصل المقدر، وإنما ذلك لأن فات شرط من شروط التثنية، وهو أن يكون المثنى نكرة، لأن الاسم لا يثنى حتى يكون نكرة فلما بقي هذان الاسمان على علميتهما ولم ينكرا، لم تجز التثنية وعلى هذا خرج أصحابنا كلام الحجاج والفرزدق.
وقال أبو عبد الله محمد بن هشام الفهري المروي في كتابه
"المقرب" في النحو في باب التثنية: وأصلها العطف وعدلوا عن الأصل إيجازاً ولم يلفظوا به إلا في الشعر ضرورة كقوله:
.............
…
فقدانا مثل محمد ومحمد
فصار في هذا ثلاثة أقوال: أحدها هذا. والثاني: ما ذهب إليه أكثر أصحابنا أنه امتنع من التثنية لأنه باق على علميته. والثالث: قول المصنف إنه عدل عن التثنية للعطف للفصل المقدر.
-[ص: والجمع جعل الاسم القابل دليل ما فوق اثنين، كما سبق بتغيير ظاهر أو مقدر وهو التكسير أو بزيادة في الآخر مقدر انفصالها لغير تعويض، وهو التصحيح]-
ش: قال المصنف في الشرح: " المعني به- أي: بالجعل- تجديد/ الناطق حالة للاسم لم يوضع عليها ابتداء، فبذلك تخرج أسماء الجموع ونحوها" انتهى. يعني أن أسماء الجموع إنما هي بالوضع السماعي في كل اسم منها، ليست بجعل الجاعل ولكن المصنف احترز بذلك عن اسم الجمع.
ويرد عليه أنه يوجد التكسير بدون جعل الجاعل الاسم القابل إلى آخر ما شرط فيه، وذلك جمع المكسر الذي لم ينطق له بواحد، نحو عباديد وشماطيط ونباذير فإنها جموع تكسير وليس فيها جعل الاسم
القابل دليل ما فوق اثنين، لأن جعل الاسم يستدعي وجود الاسم، ولذلك قال بعض أصحابنا: جمع التكسير هو الاسم الواقع على جماعة إذا كان مبنياً على واحد من لفظه منطوق به أو مقدر وقد تغير فيه بناء ذلك الواحد لفظاً أو نية.
وقوله: القابل احتراز مما لا يجمع ومن ذلك كل اسم لا ثاني له في الوجود، والمعرفة التي لا يمكن تنكريها والمنى، والمجموع جمع سلامة، والمجموع جمع تكسير إلا ما شذ، والأسماء المختلفة الألفاظ إلا أن يغلب بعضها على بعض كألاشاعثة في الأشعث وقومه، والمهالبة في المهلب وبنيه، والأسماء المتفقة الألفاظ المختلفة المعاني، نحو أن تقول: رأيت أعيناً، تعني عين الماء والعضو الباصر وعين الميزان، والأسماء المركبة والاسم الجاري مجرى الفعل في رفعه الظاهر في اللغة الفصيحة، فلا يجوز: مررت برجل قائمين آباؤه، ولا: برجل مضربين غلمانه، إلا في لغة " أكلوني البراغيث" ولا جمع ما كان من الأسماء صالحاً لوقوعه على الجمع نحو أفعل من، وكل، والأسماء المختصة بالنفي، ولا الأسماء المستغنى عن جمعها بجمع غيرها، نحو أسماء العدد ماعدا مائة وألفاً.
وقوله: دليل ما فوق اثنين يعني أن أقل الجمع ثلاثة، واحترز بذلك مما لفظه لفظ الجمع، وليس بجمع في المعنى وهو على قسمين:
أحدهما: معناه التثنية، وهو مقياس في كل شيئين من شيئين، نحو: قطعت رؤوس الكبشين وغير مقياس نحو قولهم: رجل عظيم المناكب، وامرأة عظيمة المآكم وضخمة الأوراك.
والثاني معناه الإفراد، وليس بمقياس، نحو قولهم: شابت مفارقه، وجمل ذو عثانين، وقول الشاعر:
يطير الغلام الخف عن صهواته ..........................
وكأنه جعل كل جزء من المفرق والعثنون والصهوة مفرقاً وعثنوناً وصهوة على طريق المبالغة في العظم.
وقوله: كما سبق إشارة إلى اتفاق اللفظ غالباً والمعنى على رأي والخلاف في جمع المشترك كالخلاف في تثنيته. ومثال ما لم يتفق فيه اللفظ ما قدمناه من قولهم الأشاعثة والمهالبة والخبيبون في خبيب وأصحابه، وخبيب لقب عبد الله بن الزبير، ويروى:
قدني من نصر الخبيبين قدي
بكسر الباء على أنه جمع لخبيب وأصحابه وبفتحها على أنه تثنية لخبيب ومصعب أخيه، كما قالوا القمران في الشمس والقمر وغلب خبيب على مصعب لأنه كان الخليفة وأخوه مصعب نائب عنه.
وقوله: بتغير ظاهر التغيير يكون بزيادة كصنو وصنوان وبنقص كتخمة وتخم، وبتبدل شكل كأسد وأسد وبزيادة / وتبدل شكل كرجل ورجال، وينقص وتبدل شكل كقضيب وقضب، وبزيادة ونقص وتبدل شكل كقضيب وقضبان.
هذا تقسيم المصنف لهذا التغيير ولا تحرير فيه لأن قوله: " بزيادة كصنو وصنوان، وبنقص كتخمة وتخم" هو في التحقيق من زيادة وتبدل شكل، ونقص وتبدل شكل، لأن الحركات التي في الجمع غير الحركات التي في المفرد، ولذلك زعم أصحابنا أن حركات هجان المفرد غير حركات هجان الجمع، وكذلك فلك. ففي التحقيق يكون في تقسيمه تداخلا.
وأصل هذا التقسيم للجرمي، قال: هذا التغيير ثلاثة أقسام: قسم فيه زيادة على الواحد كعبد وعباد، وقسم فيه نقص كرغيف ورغف، وقسم لا زيادة ولا نقص به، بل تتغير حركاته كأسد وأسد.
واعترضه الأستاذ أبو علي بأنه يقتضي أنه تغير الحركات ليس في الأولين. وليس كذلك، ففي التقسيم تداخل وإصلاحه أن يقال في الثالث: وقسم لا زيادة فيه ولا نقص ثم نقول: وجميع هذه الأقسام لا بد فيه من تغيير الحركات.
والباء في قول المصنف "بتغيير" متعلقة بقوله: " دليل ما فوق اثنين"، قال المصنف: " فلا يتناول تغيير نحو مصطفين ومصطفيات، فإن مفرديهما مصطفى ومصطفاة، فقد غيرا إذا جمعا بحذف وقلب، إلا أن تغييرهما ليس هو المشعر بالجمعية بل المشعر بها الزيادة اللاحقة، إذ لو قدر انفرادهما ولا حذف ولا قلب لم تجهل الجمعية ولو قدر العكس لجهلت الجمعية، بخلاف تغيير رجل حين قيل فيه رجال، فإن الجمعية لا تدرك إلا
به"
وقوله: أو مقدر مثال ذلك قولهم في جميع هجان: هجان، وفي جمع دلاص: دلاص، وفي جمع فلك: فلك، فالألف التي في هجان ودلاص قد حذفت وعقبتها ألف فعال التي للجمع، فالألف في حالة الإفراد كألف ضناك وكناز، وفي حالة الجمع كألف ظراف وكرام، والحركات كالحركات والحركات التي في فلك حالة الإفراد كالحركات التي في قفل، وفي حالة الجمع كالحركات التي في بدن.
قال المصنف: " هذا مذهب س، ودعاه إلى ذلك أنهم قالوا في تثنيته فلكان، فعلم بذلك أنهم لم يقصدوا به كما قصد بجنب ونحوه مما أشرك فيه بين الواحد وغيره حين قالوا: هذا جنب، وهذان جنب، وهؤلاء جنب، فالفارق عنده بين ما يقدر تغييره وبين مالا يقدر تغييره مما لفظه في الإفراد والجمع واحد، وجدان التثنية وعدمها" انتهى.
وقد اختار المصنف في باب أمثله الجمع أن فلكاً ونحوه مما استوي مفرده وجمعه في اللفظ- وإن ثني - اسم جمع مستغن عن تقدير
التغيير لا جمع تكسير مقدر تغييره.
والذي استدل له أصحابنا على أنها جموع تكسير لا أسماء جوع هو أن العرب عاملتها في التصغير معاملة الجوع، فردوها إلى الواحد، وجموعها بالألف والتاء: فقالوا: دليصات وهجينات وفلكيات، فلولا ذلك لوجب أن يعتقد فيها أنها أسماء جموع، لأن فعالا وفعالاً لم يطرد فيهما أن يجمعا على وزن لفظهما في حالة الإفراد. وبهذا يرد على المصنف في زعمه أنها أسماء جموع لا جموع تكسير، لأن اسم الجمع إذا صغر إنما يصغر على لفظه نحو رجيل وركيب في رجل وركب.
وقوله: وهو التكسير يعني أن هذا الجمع الذي ذكره بهذه القيود يسمى جمع تكسير. شبه تغيير المفرد عن بنيته إلى بنية أخرى وإفادته مما يدل عليه المفرد دلالة واحدة ثلاثة فأكثر أو ما أصله ذلك بكسر الإناء الذي تغير شكله، وتفككت أجزاءه وعاد إلى هيئة أخرى، وذلك بخلاف جمع السلامة.
وذهب الأستاذ أبو الحسين بن الطراوة إلى الرد على النحويين في زعمهم أنه إنما سمي تكسيرا تشبيها بكسر الإناء لو كان كما زعموا لما قبل فيه تكسير، لأن ذلك مصدر كسر، وفعل للتكثير وهذا التغيير الذي يكون في هذا الجمع قد يكون قليلاً كقولهم: فرس ورد وخيل ورد، ولا يطلق على هذا هذا البناء الذي يراد به المبالغة، ولذلك لا تقول: ذبحت الكبش، وتقول: ذبحت الغنم، لأن في هذا فعلا كثيراً، قلا يصح في ورد أن يقال إنه جمع تكسير، بل لو أرادوا هذا المعنى لقالوا: جمع كسر حتى يعم
التغيير القليل والكثير. قال ابن الطراوة: وإنما اشتقاق التكسير في الجمع من قولهم: بيت كسير، أي: واسع: كأنه لسعته ذو كسور، وكسور جمع كسر وهو الجانب كقوله:
وإذا الرياح تناوحت بجوانب البيت الكسير
قال: وذلك أن بنية المفرد لما فكت اتسعت لقبول أبنية كثيرة وذلك أن زنداً بناؤه فعل، فلما أزيلت هذه البنية عند إيراد جمعه قبلت جميع الأبنية عدا فعلاً فصارت متسعة قابلة لجميع أبنية الأسماء الثلاثية.
قال الأستاذ أبو علي: هذا الذي قاله ابن الطراوة بعيد من جهة المعنى، فاسد من جهة اللفظ وذلك أن العرب لم تقل كسر بمعنى وسع، فكيف يصح أن يقال تكسير؟ والمصادر التي لا أفعال لها قليلة مع كونهم أيضاً لم يقوموا تكسير بمعنى توسيع، فيكون النحويون قد وضعوا لغة.
فإن قلت: أليس الاصطلاح وضع لغة لم يستعملها العرب؟
قلت: أكثر الاصطلاحات تنقل ألفاظ اللغة إلى معان تشبه المعاني التي وضعها لها أهل اللغة، ولذلك لا تجد في صناعة النحو لفظاً مخترعاً لم ينطق به أهل اللغة. وأيضا فيكون قول النحويين تسمية بالأكثر إذ أكثر هذه الجموع التغيير فيها كثير، وما اعترض به قليل وإذا كان أهل اللغة والصنائع قد يسمون الأشياء بأوائلها كتسمية كتاب الحماسة والعين وغيرهما وإن كان المسمى ليس بالأكثر، فالتسمية بالأكثر وأولى يقال أيضا لابن
الطراوة: كما سميته تكسيراً تريد التوسيع لأنه عند فكه قبل جميع الأبنية، فسمه تكسيراً بالنسبة إلى قبوله جميع التغييرات، ويكون بناء التكثير فيه لهذا المعنى.
تقسيم لبعض أصحابنا في الاسم الواقع على الجمع: لا يخلو من أن يكون له واحد من لفظه منطوق به أو لا يكون. إن لم يكن فإما أن يكون وزنه/ مختصاً بالجموع أو غير مختص. إن اختص وجب أن يعتقد فيه أنه جمعه نحو عباديد وإن لم يختص كان اسم جمع نحو قوم. وإن كان له واحد من لفظه فإما أن يكون وزنه كوزن ذلك الواحد أو لا يكون، فإن لم يكن فإما أن يكون وزنه من أوزان الجموع الخاصة بها، أو من أوزان المفرد الخاصة به، أو من الأوزان المشتركة. فإن كان من أوزان الجموع الخاصة بها فهو جمع لذلك الواحد المنطوق به إن كان ذلك الواحد مطرداً فيه أن يجمع على ذلك الوزن نحو دراهم، وإن كان لم يطرد اعتقد أنه جمع لمفرد من لفظه قياسه أن يجمع على ذلك الوزن، نحو ملامح ولا يجعل جمعاً للمحة ولكن لمفرد على وزن مفعلة نحو ملمحة. وإن كان من أوزان المفرد الخاصة به فاسم جمع نحو رجل ورجلة وصاحب وصحابة. وإن كان وزنه مشتركاً فإما أن يكون جمع ذلك المفرد على ذلك الوزن مطرداً أو. إن كان مطرداً جعل جمعاً له نحو رجل ورجال، وإن لم يطرد كان اسم جمع نحو صاحب وصحابة، لأن فاعلاً لم يطرد جمعه على فعالة. وإن كان وزن الاسم الواقع على الجمع كوزن ذلك المفرد الذي هو من لفظه فإما أن تجوز تثنيته أو لا تجوز، إن لم تحز لم يكن جمع تكسير، بل يجب أن يعتقد فيه أنه مصدر في الأصل أوقع على الجثة فبقى على مفرده في جميع الأحوال إجراء له مجرى ما نقل عنه، نحو زور وعدل. وإن جازت تثنيته فإما أن يكون له وزن من
أوزان الجموع أو لا يكون، إن لم يكن اعتقد أنه اسم جمع نحو حشم، تقول: هو حشم لي، وهما حشمان لي، وهم حشم لي، وإن كان له وزن من أوزانه الجمعية وجب أن يعتقد أنه اسم جمع لعدم اطراد جمع المفرد على لفظه، إلا أن يقوم الدليل على أنه جمع، فيعتقد فيه الجمعية، نحو فلك ودلاص وهجان، فإنها جمع لفلك ودلاص وهجان.
وقوله: أو بزيادة في الآخر هذه الزيادة هي الواو والياء والنون والألف والتاء.
وقوله: مقدر انفصالها قال المصنف في الشرح: "احتراز من زيادة صنوان فإنها كزيادة في سلامة النظم معها إلا أن زيادة زيدين مقدرة الانفصال لوجهين: أحدهما: أنه نونه تسقط للإضافة. والثاني: أنه لو سمي به، ونسب إليه حذفت المدة والنون وزيادة صنوان ونحوه بخلاف ذلك" انتهى كلامه في شرح هذا. وهو غير محرر ولا محقق لأن الحركات التي في الجمع ليست عين الحركات التي في المفرد، بل هي غيرها، فليس صنوان أصله صنو زيد عليه ألف نون. وقد رد هو - أعني المصنف- على من زعم أن رفع المثنى والمجموع على حده بلا علامة، وأن ترك العلامة علامة، بوجوه: منها قوله: " إنا نقدر مغايرة الألف والواو في نحو: عندي اثنان وعشرون للألف والواو فيهما قبل التركيب، كما نقدر مغايرة الألف والواو والياء في: نعم الزيدان أنتما يا زيدان، ونعم الزيدون أنتم يا زيدون، ومررت برجلين لا رجلين مثلهما". ثم ذكر أمثلة مما يقدر فيه كمغايرة الحركات، ثم قال:" وكما نقدر ضمة فلك في الجمع غير ضمته في الإفراد وياء بخاتي/ مسمى به غير يائه منسوباً إليه، ولذا صرف في النسب". قال: " وأمثال ذلك كثيرة"
وإذا كان المصنف قد قدر مغايرة الحروف على حسب ما وقعت في الأماكن المختلفة. وقدر مغايرة الحركات، فكذلك تقول في هذا إن حركات صنوان الجمع غير حركات صنو المفرد، وإذا كان كذلك فلا يحتاج إلى احتراز بقوله:" مقدر انفصالها" عن الألف والنون في صنوان، لأن الحركات التي لجمع التكسير غير الحركات التي في المفرد، وليس كذلك الجعفرون والهندات ولا يعتقد أن الحركات فيهما حين جمعا غير الحركات التي في المفرد.
وقوله: لغير تعويض قال المصنف في الشرح: " احتراز من سنين ونحوه، فإنه جمع تكسير جرى في الإعراب مجرى جمع التصحيح ومعنى التعويض فيه أن واحدة منقوص يستحق أن يجبر بتكسير كما جبر يد ودم حين قيل فيهما: يدي ودمي فزيد آخره زيادتا جمع التصحيح عوضاً من الجبر الفائت بعدم التكسير، لأنهما يجعلانه شبيهاً بفعول لو كسر عليه، ولكون هذا النوع مكسراً في الحكم غير فاؤه غالباً فقيل في سنة: سنون بكسر السين وقد روي ضمها" انتهى كلامه.
فأما قوله في سنين: " إنه جمع تكسير جرى في الإعراب مجرى جمع التصحيح" فهذا غريب جداً، لأنه من حيث هو جمع تكسير ينبغي أن يكون إعرابه بالحركات وجعله إياه جمع تكسير يعارض قوله بعد ذلك "فزيد آخره زيادتا جمع التصحيح عوضاً من الجبر الفائت لعدم التكسير" فقد حكم عليه أنه عادم التكسير فكيف يكون جمع تكسير عادماً للتكسير؟ هذا متناقض. ثم قال بعد ذلك:" ولكون هذا النوع مكسراً في الحكم غير فاؤه" فخرج بقوله:
"مكسراً في الحكم" أن يكون جمع تكسير إلا في الحكم، وهذا كله اضطراب في الكلام.
وذكر الأستاذ أبو جعفر ابن الأستاذ أبي الحسن بن الباش أن مذهب س أن سنين جمع سنة بالواو والنون كثبين وقلين ورئتين، وهذا شيء قد كثر في الأسماء المحذوفة اللام المؤنثة بالهاء، أعني أن تجمع بالواو والنون، لأن هذه الجمع له مزية وبابه ما يعقل، فجعل في هذا الباب عوضاً من لام الفعل المحذوفة.
وذهب بعض أصحابنا إلى أن سنين اسم جمع، وليس بجمع سلامة لتغير لفظ سنة، ولا جمع تكسير لكونه غير مطرد في نظائره نحو هنة وشفة، أترى أنهما لا يجمعان بالواو والنون فهو- وإن كان له واحد من لفظه- اسم جمع كركب في مذهبنا، ألا ترى أنه اسم جمع وإن كان واحده راكباً لكونه لم يطرد أعنى جمع فاعل على فعل.
والذي أذهب إليه أن سنيناً وبابه مما شاع فيه هذا الجمع مما لم يكسر أنه جمع سلامة وإن كان قد فاته بعض شروط ما ينقاس فيه جمع السلامة في المذكر، ولا يدل فوات شرط منها على أنها ليست بجمع تصحيح ولذلك لا ينقاس هذا الجمع فيما أشبه سنة لأنه فات شرط من شروط قياسه.
وأما تغيير حركة سين سنة إلى الكسر أو الضم فحمل على أخواته مثل ثب وقلة حيث قالوا ثبوت جرياً على أصل الحركة، وثبوت إتباعاً لحركة الثاء
لحركة الباء، ولا يضر ذلك بكونه جمع/ جمع سلامة التصحيح في المذكر، كما لا يضر تغيير بعض الحركات في جفنات وحجرات بفتح الفاء وفتح الجيم وضمها.
وقوله: وهو التصحيح يشمل نوعي الجمع في المذكر والمؤنث، ولا يعني بقوله:" بزيادة" أنها زيادة واحدة، لأن المزيد في المذكر واو ونون في الرفع، وياء ونون في الجر والنصب، والمزيد في المؤنث ألف وتاء
-[ص: فالمزيد في الرفع واو بعد ضمه، وفي الجر والنصب ياء بعد كسرة، تليهما نون مفتوحة، تكسر ضرورة وتسقط للإضافة أو لضرورة أو لتقصير صلة، وربما سقطت اختياراً قبل لام ساكنة غالباً.]-
ش: يعني بقوله: بعد ضمة ظاهرة أو مقدرة فالظاهرة نحو: قام الزيدون والمقدرة في المقصور نحو: قام المصطفون، فالضمة مقدرة في الألف المحذوفة لالتقائها مع الساكن بعدها.
وقوله: بعد كسرة يعني أيضا ظاهرة نحو: رأيت الزيدين، ومررت بالزيدين أو مقدرة نحو: رأيت المصطفين ومررت بالمصطفين، فالكسرة مقدرة في الألف المحذوفة. وشمل قوله:" واو بعد ضمة"" وياء بعد كسرة" حلول الضمة والكسرة في آخر الاسم، وحلولها فيما تنزل منزلة الآخر وإن لم يكن آخراً حقيقة، نحو: قام القاضون ورأيت القاضين ومررت بالقاضين، إذ الأصل: قام القاضيون ورأيت القاضيين ومررت بالقاضيين.
وقوله: تليهما نون مفتوحة أي: تلي الواو والياء.
وقوله: تكسر ضرورة قال المصنف في الشرح: " كان السكون أحق بها لأنها بمنزلة التنوين في كونها مسبوقة بالإعراب فحركت لالتقاء الساكنين، وكان الفتح أولى لأنه أخف، ولأن توالي الأمثال لازم للكسر بعد الياء وللضم بعد الواو، وذلك في الفتح مأمون، فتعين ومثال كسرها ضرورة قول الشاعر:
عرين من عرينه ليس منا
…
برئت إلى عرينه من عرين
عرفنا جعفر وبني عبيد
…
وأنكرنا زعانف آخرين"
انتهى. وإنما قال إن السكون أحق بها من قبل أن أصل الحرف السكون، فينبغي أن يحمل على أصله، وأن يدعى أن هذه النون ساكنة في الأصل
وأنشد بعض أصحابنا قبل قوله: " عرفنا جعفر" البيت قول جرير:
أتوعدني وراء بني رياح
…
كذبت لتقصرن يداك دوني
عرفنا جعفر وبني رياح
…
وأنكرنا زعانف آخرين
وقال: " هكذا أنشده أبو عبيدة بكسر النون في " المجاز" له".
وقال بعض النحويين: من العرب من يكسر نون الجميع على الأصل وقال الشاعر:
وماذا يدري الشعراء مني
…
وقد جاوزت حد الأربعين
أخو خمسين، مجتمع أشدي ونجدني مداورة الشؤون
وقال الفرزدق:
ما سد حي ولا ميت مسدهما
…
إلا الخلائف من بعد النبيين
وما ذكره المصنف من أن هذا الجمع يكون بالواو في الرفع والياء في الجر النصب ونون/ بعدهما هو الوجه المختار في هذا الجمع.
ومن العرب من يجعل الإعراب في النون في جمع المذكر السالم، وينقله من الإعراب بالحروف إلى الإعراب بالحركات في المنقوص وغير المنقوص. فيقول: زيدين وسنين وقنسرين. واختلفوا في ذلك: فذكر الأستاذ أبو جعفر ابن الإمام أبي الحسن بن الباش ما نصه: وللعرب في المجموع بالعلامة مذهبان: أحدهما هذا الذي ذكرناه من الإعراب بالحروف. والآخر نقله من الإعراب بالحروف إلى الإعراب بالحركات.
وقال بعض أصحابنا: " ومن العرب من يجعل الإعراب في النون من جمع المذكر السالم إلا أن ذلك لا يحفظ إلا في الشعر". فظاهر هذا
مخالف لما ذكره الأستاذ أبو جعفر، إذ هذا خصه بالشعر، وظاهر قول أبي جعفر أنة مذهب للعرب لا يختص بالشعر، وعلى هذا حمل المبرد الأبيات التي أنشدت قبل بكسر نون الجمع لا على الضرورة.
وفي البسيط: " المجموع بالواو والنون ضربان: حقيقي: وهو ما كانت الواو والنون جئ بهما للجمع كزيدون وعمرون. وغير حقيقي: ما لم يكن كذلك نحو بنون لما حذفت منه اللام جمع الواو والنون ليكون عوضاً وحمل عليه أرضون وحمل على أرضين أحرون وإورون. وهذا الجمع غير الحقيق قد تجعل نونه موضع الإعراب، نحو.
.............. فإن سنينه
…
...........................
ولقد ولدت بنين صدق سادة ................................
و"
.................. ...... حد الأربعين
وقبل النون الياء. ومن أجاز إثبات الواو هنا قياساً على زيتون فهو بعيد من جهة القياس" انتهى ملخصاً.
فأما قول الشاعر:
رب حي عرندس ذي ظلال
…
لا يزالون ضاربين القباب
فيحتمل تخريجه وجوهاً:
أحدها أنه على هذا المذهب من جعل إعرابه بالحركات، ولذلك لم تحذف النون للإضافة.
والثاني أن يكون على حذف "ضاربي" أي: ضاربي القباب، وحذف " ضاربي" لدلالة ضاربين عليه، فصار نظير قول الشاعر:
رحم الله أعظماً دفنوها
…
بسجستان طلحة الطلحات
يريد: أعظم طلحة.
والثالث ما ذهب إليه أبو علي في تخريجه، وهو أن القباب منصوب بضاربين، ويريد ألقبابي، فألحق الجمع ياء النسبة، ثم حذف إحدى الياءين، ثم أسكن الياء الباقية لما كان الاسم في موضع نصب كما قال:
كفى بالناي من أسماء كاف .....................
يريد: كافياً ولما نسب إلى الجمع جعل ياء النسبة غير معتد به،
فلذلك لم يرد القباب إلى المفرد كما جاء في شعر الشماخ: خضرانيات.
فلم يرد خضران إلى الواحد. ومن مجيء ياء النسب زائدة في الاسم قول ابن أحمر:
كم دون بيتي من تنوفية
…
لماعة تنذر فيها النذر
وقوله: وتسقطا للإضافة سقوطها للإضافة كثير، كقوله تعالى:{غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ}
وقوله: / أو للضرورة مثاله قول الشاعر:
لو كنتم منجدي حين استعنتكم
…
لم تعدموا ساعداً مني ولا عضدا
وقول الشاعر:
ولسنا إذا تأبون سلما يمذعني
…
لكم غير أنا إن نسالم نسالم
وقوله: ولتقصير صلة مثاله في صلة الألف واللام قراءة الحسن وبعض رواة أبي عمرو {وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ} بالنصب في (الصلاة) وقول الشاعر:
الحافظو عورة العشيرة لا
…
يأتيهم من ورائهم وكف
وقول الآخر:
قتلنا ناجياً بقتيل عمرو
…
وخير ألطالبي الترة الغشوم
أنشده ابن جني بنصب الترة.
وأنشد المصنف على جواز حذف النون من " الذين" لتقصير صلة قول الشاعر:
وإن الذي حانت يفلج دماءهم
…
هم القوم كل القوم يا أم خالد
يريد: الذين. وهكذا أنشده غيره.
ولا حجة فيه لأنه يحتمل أن يريد بقوله: " الذي" صفة لجمع محذوف يوصف بالذي، كأن قال: وإن الجمع الذي، أو: وإن الحي الذي، فأفرد بالنسبة إلى كون لفظ الجمع أو الحي مفرداً وجمع في قوله:" دماؤهم" حملاً على معنى الجمع أو الحي ومع هذا الاحتمال فلا حجة فيما ذكروه.
وقد حالف المصنف قوله هنا إن النون من قوله: " وإن الذي حانت"
حذفت لتقصير الصلة بقوله في باب الموصول في التسهيل، فقال ما نصه:" وإن عني بالذي من يعلم أو شبهه فجمعه الذين مطلقاً ويغني عنه الذي في غير تخصيص كثيراً وفيه للضرورة قليلاً" انتهى. وقال المصنف في شرح هذا الكلام: " إذا لم يقصد بالذي تخصص جاز أن يعبر به عن جمع جملاً على من، قال: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}، فلو لم يرد به الجمع لما أشير إليه بـ"أولئك"، ولا عاد عليه ضمير جمع ومنه {كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} لأنه ضرب به مثل لجمع.
فإن قصد بالذي تخصص فلا بد من " اللذين" في التثنية و"الذين" في الجمع ما لم يضطر شاعر، نحو قوله:
أبني كليب إن عمي اللذا
…
........................
وقوله:
وإن الذي حانت يفلج دماؤهم .............................
انتهى. وكان قد قدم أيضاً في الاستدلال على حذف النون لتقصير الصلة قوله:
أبني كليب إن عمي اللذا
…
......................
فانظر إلى هذا الاضطراب من هذا الرجل! تارة يستدل بحذف النون في التثنية والجمع بهذين البيتين على جواز ذلك في الكلام لتقصير/ صلة، وتارة يزعم أن ذلك لا يجوز إلا في ضرورة الشعر، وتارة يفضل في جواز حذف النون من اللذين فيقول: أن أريد به التخصيص فلا بد من النون، وتارة يطلق الحذف. وقد قدمنا قبل أن حذف النون من التثنية لغة لبني الحارث وبعض ربيعة، وأن الإثبات لغة الحجاز وأسد. والذين نقلوا هذا لم يفصلوا بين أن يراد بالموصول التخصيص أو غير التخصيص.
وقوله: وربما سقطت اختياراً قبل لام ساكنة مثال ذلك ما حكاه أبو زيد من قراءة من قرأ {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ} بنصب الجلالة، ' وما حكاه ابن جني من قراءة من قرأ {إِنَّكُمْ لَذَائِقُوا الْعَذَابِ الأَلِيمِ} بنصب العذاب، وأنشد ابن جني:
ومساميح بما ضن به حابسو الـ
…
ـأنفس عن سوء الطمع
بفتح سين الأنفس وهذا شبيه بقولهم في بني العنبر: بالعنبر وبقولهم في الشعر: م الأشياء في: من الأشياء، وشبهه.
وقوله: غالباً استظهار على حذفها في قراءة الأعمش {وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ} قال المصنف: " وهذا في غاية من الشذوذ" ومثله قول الشاعر:
ولسنا إذا تأبون سلماً بمذعني
…
لكم ....................
البيت. وزعم الزمخشري أن حذف النون في قراءة الأعمش من قوله: {بِضَآرِّي بِهِ} لأجل الإضافة إلى (أحد) وفصل بين المضاف والمضاف إليه بالجار والمجرور والذي هو (به) كما قال:
هما أخوا في الحرب من لا أخا له ..........................
ثم استشكل ذلك لأن أحداً مجرور بمن، فكيف يمكن أن يعتقد فيه أنه مجرور بالإضافة؟ فقال:" فإن قلت: كيف يضاف إلى أحد وهو مجرور بمن؟ قلت: جعل الجار جزءاً من المجرور" انتهى.
وهذا التخريج ليس بجيد لأن الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف والجار والمجرور من ضرائر الشعر. ولا يمكن أن تكون هذه القراءة من هذا أيضا لأن الذي ادعاه أنه أضيف إليه هو مشغول بعامل آخر، فهو
المؤثر فيه لا الإضافة. وأما جعل حرف الجر جزءا من المجرور فليس بشيء لأنه مؤثر فيه، وجزء الشيء لا يؤثر في الشيء، فلأحسن تخرجه على حذف النون منه تخفيفاً وإن لم يكن اسم الفاعل في صلة الألف واللام، ولحذفها نظير في نظم العرب ونثرها.
-[ص: وليس الإعراب انقلاب الألف والواو ياء، ولا مقدراً في الثلاثة ولا مدلولاً بها عليه مقدراً في متلوها، ولا النون عوض من حركة الواحد، ولا من تنوينه ولا منهما، ولا من ينوينين فصاعداً خلافاً لزاعمي ذلك، بل الأحرف الثلاثة إعراب، والنون لرفع توهم الإضافة أو الإفراد.]-
ش: اختلف الناس في المثنى: فذهب الزجاج فيما نقل عنه إلى أنه مبني. وذهب الجمهور إلى أنه معرب. وشبهة الزجاج في ذلك أنه عنده تضمن معنى الحرف، فإذا قلت قام الزيدان فأصله قام زيد وزيد، فلما تضمن الاسم معنى الحرف بني كما بني خمسة عشر لتضمنه معنى
الحرف، / إذ أصله خمسة عشرة.
وقوله: وليس الإعراب انقلاب والواو ياء يعني انقلابهما في المثنى والمجموع في حالة الجر والنصب، وهذا مذهب ألجرمي، واختيار الأستاذ أبي الحسن بن عصفور ونسبه إلى سيبويه، ونسبه السهلي إلى المازني، قال ابن عصفور:" ذهب كثير من النحويين، منهم س، إلى أنهما معربان بالتغير والانقلاب في النصب والخفض، وبعدمه في الرفع، وذلك أن الأصل قبل دخول العامل زيدان وزيدون، ونظير ذلك اثنان وثلاثون، فإذا دخل عامل الرفع عليهما لم يحدث فيهما شيئاً، وكان ترك العلامة يقوم مقام العلامة، فلما دخل عامل النصب وعامل الخفض قلب الألف ياء والواو ياء، فهذه الحروف هي حروف إعراب، ولا إعراب فيها، لا ظاهر ولا مقدر، بل التغير والانقلاب وعدمه هو الإعراب".
وقد رد أبو الفتح على صاحب هذا المذهب بأن قال: " جعل الإعراب في النصب والجر معنى لا لفظاً وفي الرفع لفظاً لا معنى، فحالف بين جهتي الإعراب في اسم واحد، ألا ترى أن القلب معنى لا لفظ، وإنما
اللفظ نفس المقلوب والمقلوب إليه"
وما رد به أبو الفتح لا يلزم لأن صاحب هذا المذهب لم يقل إن الإعراب في حال الرفع لفظ فيلزمه اختلاف جهتي الإعراب كما زعم ولكنه أراد أن الواو والألف فيهما في حال الرفع حرفا إعراب، ولا إعراب فيهما، وعدم الإعراب يقوم مقام الإعراب، والتغيير يقوم مقام الإعراب وكذا فهمه المبرد.
وقال المصنف في الشرح: " هو- يعني هذا المذهب- مردود بوجوه:
أحدها: أن ترك العلامة لو صح جعله علامة للإعراب لكان النصب به أولى، لأن الجر له بالياء وهي به لائقة لمجانسة الكسرة، والرفع له الواو، وهي به لائقة لمجانسة الضمة، وهي أصل الألف في المثنى، فأبدلت ألفاً كما قيل في يوجل: ياجل. وفي يوتعد: يتعد، فلم يبق للنصب إلا مشاركة الجر أو الرفع.
الثاني من وجوه الرد: أن القول بذلك يستلزم مخالفة النظائر، إذ ليس في المعربات غير المثنى والمجموع على حده ما ترك العلامة له علامة وما أفضى إلى مخالفة النظائر دون ضرورة فمتروك
الثالث: أن الرفع أقوى وجوه الإعراب فالاعتناء به أولى وتخصيصه بجعل علامته عدمية مناف لذلك، فوجب اطرحاه.
الرابع: أن تقدير الإعراب إذا أمكن راجح على عدمه بإجماع وقد أمكن فيما نحن بسبيله، فلا عدول عنه، وذلك أنا نقدر مغايرة الألف والواو في نحو" عندي اثنان وعشرون" للألف والواو فيهما قبل التركيب، كما نقدر
مغايرة الألف والواو والياء في نحو: نعم الزيدان أنتما يا زيدان ونعم الزيدون أنتم يا زيدون، ومررت برجلين لا رجلين مثلهما، وكما نقدر ضمة "حيث" مرفوعاً بعد تسمية امرأة به غير ضمته قبل التسمية، وضمة يضربون غير ضمة يضرب، وفتحة يا هند بنت/ عاصم غير فتحة ناد هند بنت عاصم، وكسرة قمت أمس غير كسرة قمت بالأمس، وكما نقدر ضمة فلك في الجمع غير ضمته في الإفراد، وياء بخاتي مسمى به غير يائه منسوباً إليه، ولذلك صرف في النسب وأمثال ذلك كثيرة " انتهى. مارد به المصنف هذا المذهب.
وفي كل من وجوه رده مناقشة:
أما الأول فإن فيه قوله: " وهي - يعني الواو- أصل في ألف المثنى، فأبدلت ألفاً كما قيل في يوجل ياجل، وفي يوتعد ياتعد" وهذا غير مسلم أن أصل ألف المثنى واو، بل جاءت الألف على الأصل، إذ كان القياس أن يكون بالألف في جميع أحواله كالمقصور الذي زيد في آخره ألف ولي لام الكلمة كألف حبلى وقبعثرى.
وأما الثاني فقوله: " إذ ليس في المعربات غير المثنى والمجموع على حده ما ترك العلامة له علامة" فليس كذلك لأن مذهب ألجرمي في الأسماء الستة أنها معربة بالتغير والانقلاب حالة النصب والجر، وبعدم ذلك حالة الرفع، إذ قد ثبت وجود الواو فيها قبل العامل في قولهم:" أبو جاد" فليس في القول بذلك مخالفة النظائر.
وأما الثالث فقوله: " وتخصيصه بجعل علامته عدمية مناف لذلك" لا منافاة في ذلك، ولا يعني بالعدم العدم الصرف بل بقاء الألف في المثنى وبقاء الواو في المجموع غير معتدين، فعدم تغيرهما لازم لبقائهما، فالإعراب في الحقيقة هو بقاء اللفظ على حاله عند دخول عامل الرفع، لا أن ثم عدماً
صِرْفًا، وليس هذا كما ذكر من أنه جعلت العلامة للرفع العدم، وإنما تجوز في ذلك. والمقصود بقاء اللفظ عند دخول الرافع على حاله قبل دخولا الرافع، وليس هذا بعدم حقيقة.
وأما الرابع فقوله: "وكما نقدر ضمة فلك في الجمع غير ضمته في الإفراد"، فهو لا يقول بهذا الذي رد به؛ لأنه يذهب إلى أن فلكاً لفظ مشترك بين الفرد والجمع، وأن هيئة فلك لهما هيئة واحدة، وإنما يقول بهذا الذي رد غيره في فلك، فقد رد عليه بما لا يصح عنده.
وقوله: ولا مقدراً في الثلاثة يعني أن الإعراب هو بحركات مقدرة في الألف، فتقدر فيها الضمة، وفي الواو فتقدر فيها أيضاً الضمة، وفي الياء فتقدر فيها الفتحة والكسرة في النصب والجر. وهذا المذهب هو مذهب الخليل وس، واختاره الأعلم والسهلي. وذلك أن هذه الألف والواو والياء لحقت لمعنى التثنية والجمع آخر الاسم، كما لحقت ألف التأنيث وتاؤه لمعنى التأنيث، وكما لحقت ياء النسب لمعنى النسب، فكما أن هذه حروف إعراب، فما كان منها صحيحاً قبل الإعراب ظاهراً، وما كان
منها معتلاً قدرت فيه الحركات، فكذلك زيادة التثنية والجمع قدر فيها الإعراب لأن الألف لا تقبل الحركة بحال، والياء والواو تستثقل فيهما الحركات، فقدر فيها الإعراب.
وقد رد هذا المذهب بوجهين:
أحدهما: أنها لو كانت معربة بالحركات المقدرة للزم ظهور الحركة في الجمع حالة النصب لأن الفتحة لا تستثقل في الياء المفتوحة المكسور ما قبلها، فكنت تقول: رأيت الزيدين، كما تقول: رأيت جواريك.
والوجه الثاني: أنها لو كانت معربة / بالحركات لوجب أن تكون تثنية المنصوب والمجرور بالألف لتحرك الياء وانفتاح ما قبلها، فيقال: رأيت الزيدان، ومررت بالزيدان.
وبالوجه الأول رد المصنف هذا المذهب، قال:"لازمه ظهور الفتحة في نحو: رأيت بنيك؛ لأن ياءه كياء جواريك، مع ما في جواريك من زيادة الثقل، ولما انتفى اللازم - وهو ظهور الفتحة - علم انتفاء الملزوم، وهو تقدير الضمة والكسرة".
وما رد به هذا المذهب غير لازم:
أما الوجه الأول فإنهم لما حملوا حالة النصب على حالة الجر في التثنية في الياء أجروا الحكم على الياء حكماً واحداً، فكما قدروا الكسرة في الياء حالة الجر كذلك قدروا حالة النصب الفتحة في الياء تحقيقاً للحمل، وإذا كانوا قد قدروا الفتحة في ياء المنقوص حالة الإفراد لمراعاة كونها لا تتحرك في مذهب آخر للعرب، فلأن يقدروا ذلك فيما حمل فيه المنصوب
على المجرور في المثنى بجهة الأولى، وذلك مثل معدي كرب، فإن من أعربه إعراب المتضايقين قال: قام معدي كرب، فيقدر الضمة في الياء، ومررت بمعدي كرب، فيقدر الكسرة في الياء، ورأيت معدي كرب، فيقدر الفتحة في الياء؛ لأن هذه الياء لا تتحرك في لغة من أعربه إعراب ما لا ينصرف، فقال: قام معدي كرب، ورأيت معدي كرب، ومررت بمعدي كرب، بخلاف رأيت قاضي بلدك، فإنه تظهر فيه الفتحة. فإذا كانوا قد قدروا الفتحة في معدي كرب حالة الإضافة في النصب مراعاة لمن سكنها في لغة من منعه الصرف فالأخرى أن لا يحركوها بالفتح في التثنية؛ إذ حملها على حالة الجر أولى من حمل معدي كرب في الإضافة على حالة ما لا ينصرف، ولمراعاة هذه اللغة - أعني لغة ما لا ينصرف - لم يفتحوا الياء في معدي كرب حالة التركيب، وإن كان المعهود في المركب تركيب مزج أن آخر الأول يفتح لكون الثاني تنزل منزلة تاء التأنيث، فكما لا يكون ما قبل تاء التأنيث إلا مفتوحاً فكذلك هذا، وإذا كانوا قد راعوا في لغة التركيب تركيب مزج لغة إعراب ما لا ينصرف مع اختلاف الحدين - أعني البناء والإعراب - فلأن يراعى ذلك في الشيء الواحد بجهة الأولى والأخرى.
وأما الوجه الثاني فإن القياس ما ذكر فيه، ولذلك لاحظ هذا القياس بنو الحارث بن كعب ومن وافقهم من العرب، فأقروا المثنى بالألف رفعاً ونصباً وجراً، وأما غيرهم من العرب فإنما قلبوا ليفرقوا بين المثنى وغيره.
وقوله: ولا مدلولاً بها عليه مقدراً في متلوها يعني أنك إذا قلت قام الزيدان فعلامة الرفع ضمة مقدرة في الدال منع من ظهورها الألف، والألف دليل على الإعراب، وإذا قلت رأيت الزيدين فعلامة النصب فتحة مقدرة في الدال، وإذا قلت مررت بالزيدين فعلامة الجر فيه كسرة مقدرة في الدال،
ومنع من ظهور الفتحة والكسرة شغل الحرف بالحركة التي اقتضتها الياء، والياء دليل على الإعراب، وكذلك تقول في الجمع.
قال المصنف: "وهو قول الأخفش والمبرد". وزاد غيره أنه مذهب المازني والزيادي. وبهذا التفسير الذي فسرنا مذهب الأخفش هذا فسره الزجاج والسيرافي، وفسره أبو علي بأن مذهبه أن هذه الحروف دلائل إعراب، بمعنى أنك إذا رأيتها فكأنك قد رأيت / الإعراب، وزعم أن وجه الخلاف بينه وبين س أنه يزعم - أعني س - أنها حروف إعراب، وأن الأخفش يرى أنها غيره، وأنها دلائل عليه.
قال المصنف في الشرح: "وهو مردود أيضاً من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الحروف المتجددة للتثنية والجمع مكملة للاسم، إذ هي مزيدة في آخره لمعنى لا يفهم بدونها، كألف التأنيث وتائه وياء النسب، فكما لم يكن ما قبل هذه محلاً للإعراب كذلك لا يكون ما قبل الأحرف الثلاثة محلاً له إذ الإعراب لا يكون إلا آخراً.
الثاني: أن الإعراب لو كان مقدراً فيما قبلها لم يحتج إلى تغييرها، كما لم يحتج إلى تغيير بعد الإعراب المقدر قبل ياء المتكلم وفي ألف المقصور.
الثالث: أن الإعراب إنما جيء به للدلالة على ما يحدث بالعامل،
والحروف المذكورة محصلة لذلك، فلا عدولا عنها" انتهى. وسيأتي الكلام على المذهب الذي اختاره المصنف إن شاء الله.
وقوله: ولا النون عوضاً من حركة الواحد هذا مذهب الزجاج، ذهب إلى أنها عوض من الحركة، ولذلك تثبت مع الألف واللام كما تثبت الحركة، ولم يجز عنده أن تكون عوضاً من التنوين لأن التنوين إنما دخل ليفرق بين الاسم الذي هو باق على أصالته - وهو المنصرف - وبين الاسم الذي لا ينصرف لشبهه للفعل، فّا ثنيت الاسم أو جمعته بعد عن الفعل، ولم يكن شيء منه مشبهاً له، فلم يحتج فيه إلى التنوين الفارق. وإنما حذفت للإضافة لأنها زيادة، والمضاف إليه زيادة في المضاف، فكرهوا زيادتين في آخر الاسم.
وفي الإفصاح: " وقال الزجاج: هو بدل من التنوين خاصة؛ لأن تعاقب الآخر في نفسه قد صار عوضاً من الحركة".
وقد رد المصنف هذا المذهب بأن "الحروف الثلاثة نائبة عن الحركات، قائمة مقامها في بيان مقتضى العامل، فلا حاجة للتعويض ". وهذا بناء من المصنف على مذهبه في أن هذه الحروف هي الإعراب، وسيأتي فساد هذا المذهب إن شاء الله.
وقوله: ولا من تنوينه هذا مذهب ابن كيسان. واستدل على ذلك بأن
الحركة قد عوض منها التغير والانقلاب في النصب والخفض، وفي الرفع قام ترك العلامة مقام العلامة، وأما التنوين فلم يعوض منه شيء، فلذلك كانت النون عوضاً منه، ولذلك حذفت للإضافة كما يحذف التنوين، وثبتت مع الألف واللام لقوتها بالحركة ولبعدها عن موجب الحذف - وهو الألف واللام - لأنها في أوله، والنون في آخره، وليس كذلك المضاف إليه لأنه مباشر النون. ولا ينبغي عنده أن يمتنع من التعويض من التنوين لبعد الاسم عن الفعل بالتثنية والجمع، بدليل أنهم يلحقون الاسم التنوين إذا كسروه أو صغروه وإن كان بذلك يبعد عن الفعل.
وقد رد المصنف هذا المذهب بثبوت النون فيما لا تنوين في واحده، نحو يا زيدان، ولا رجلين فيها.
ويجاب عن هذا بأن هذا بناء عارض، ولم يدخل حرف النداء ولا "لا" إلا على مثنى قد استحق النون عوضاً من التنوين الذي كان في الواحد، فبقي على حاله وإن كان قد عرض له البناء اعتباراً بأصله لا بما آل إليه من البناء العارض.
ورد / هذا المذهب أيضاً بثبوت النون في تثبيته ما لا ينصرف نحو أحمران، وليس في المفرد تنوين فتكون النون عوضاً منه.
وقوله: ولا منهما هذا مذهب ابن ولآد وأبي علي، وهو اختيار
ابن طاهر وأبي موسى. واستدل على ذلك بوجود حكم الحركة فيها مع الألف واللام، وحكم التنوين في حال الإضافة، وإنما حكم لها بحكم الحركة مع الألف واللام وبحكم التنوين في حال الإضافة لأن الإضافة في إيجاب الحذف أقوى من الألف واللام كما تقدم.
ورد المصنف هذا المذهب بما رد به كونها عوضاً من الحركة وحدها وكونها عوضاً من التنوين وحده، قال:"وإذا لم تكن عوضاً من أحدهما فأن لا تكون عوضاً منهما أحق وأولى".
وقوله: ولا من تنوين فصاعداً هذا مذهب أحمد بن يحيى، ذهب إلى أنها عوض من تنوينين فصاعداً، فتكون عوضاً من تنوينين في التثنية، وعوضاً من أكثر في الجمع، وإنما تثبت مع الألف واللام لأنها أقوى من التنوين الواحد، وحذفت في الإضافة لأن الإضافة أقوى في إيجاب الحذف كما تقدم.
ورد المصنف هذا المذهب بما رد به كونها عوضاً من تنوين الواحد، قال:"وإذا لم تكن عوضاً من التنوين في الواحد فلأن لا تكون عوضاً من تنوينين فصاعداً أحق وأولى".
وقد رد الأستاذ أبو الحسن بن عصفور وغيره من شيوخنا هذه المذاهب بأن هذه النون تثبت في الوقف باتفاق، والحركة والتنوين لا يثبتان في الوقف، فلو كانت النون عوضاً منهما أو من أحدهما لم تثبت لأن العوض يحكم له بحكم ما عوض منه.
وذهب أبو الفتح إلى أن النون قد تكون عوضاً من الحركة والتنوين الذي في المفرد، وذلك فيما فيه حركة وتنوين حالة الإفراد، وقد تكون عوضاً من الحركة فقط إذا كان تثنية ما لا ينصرف نحو أحمران، ومن التنوين فقط نحو عصاً وقاض، ولا عوضاً من واحد منهما نحو حبلى وحبليان وهذان واللذان.
قال بعض أصحابنا: وهذا كله تخليط.
وذهب الفراء إلى أن النون فارقة بين رفع الاثنين ونصب الواحد؛ لأنك لو قلت: "زيدا" لا لتبس بالواحد المنصوب إذا وقفت عله، ثم حمل سائر التثنية والجمع على ذلك، وحذفت للإضافة لشبهها بالتنوين، ولم تحذف مع الألف واللام لأن الإضافة أقوى في إيجاب الحذف كما تقدم.
وهذا الذي ذهب إليه فاسد لأن الوقف عارض، وباب العارض أن لا يعتد به، وأيضاً فإن حمل التثنية على التثنية قد يسوغ، وأما الجمع فباب آخر. ولم يذكر المصنف مذهب الفراء هذا.
وهذا الخلاف في النون أهي عوض أو كالعوض هو على أنها ليست نفس التنوين.
ومن النحويين من ذهب إلى أن هذه النون هي التنوين نفسه لأن الأصل بعد لحوق العلامة للتثنية أن تنتقل إليه الحركة والتنوين، فامتنعت الحركة
للاعتلال، ولم يمتنع التنوين، ولكنه لزم تحريكه لأجل الساكنين، فثبت نوناً. ولا يرد على هذا المذهب بثبوته في نحو أحمران، والتنوين في مفرده مفقود؛ لأنه لما ثني زال شبه الفعل، فرجع إليه التنوين الذي / كان منع لأجل الشبه، ولا بقولهم هذان واللذان؛ لأنه يمكن ادعاء إعرابهما لأن علة بنائهما شبههما بالحروف، والتثنية تزيل ذلك الشبه، فرجعا إلى الأصل، وهو الإعراب؛ لأن الحروف لا تثنى، ولما أعربا دخلهما التنوين الذي كان ممنوعاً حالة البناء.
وكون هذه النون هي التنوين نفسه نقله ابن هشام عن الفراء، قال: ولم يحذفوا ما قبله لذهاب علم التثنية والجمع، فكسروه وفتحوه، وقوي بالحركة فلم يحذف حيث حذف ساكناً إلا في الإضافة لأنه يفصل.
وقوله: خلافاً لزاعمي ذلك الإشارة بـ "ذلك" إلى المذاهب التي نفاها في الألف والواو والياء، وفي نون التثنية والجمع، وقد ذكرنا كل قول ومن نسب إليه ذلك القول.
وقوله: بل الأحرف الثلاثة لإعراب يعني الألف في نحو الزيدان، والواو في نحو الزيدون، والياء في نحو الزيدين والزيدين.
وهذا الذي ذهب إليه المصنف هو مذهب الكوفيين وقطرب، ونسب إلى الزجاج والزجاجي وطائفة من المتأخرين.
وقد رد هذا المذهب بأن الألف والواو ثبتت قبل دخول العامل، قالوا إذا قصدوا مجرد العدد لا الإخبار: واحد. اثنان. عشرون. ثلاثون. أربعون، ولو كانت إعراباً لم توجد إلا بعد دخول العامل. والذي يقطع ببطلان هذا المذهب أن الإعراب هو زائد على الكلمة، وبعدم تقديره لا يختل معنى الكلمة، ولو قدرنا ذهاب هذه الحروف لاختل معنى الكلمة من التثنية والجمع، كما لو قدرنا ذهاب تاء التأنيث وألف التأنيث وياء النسب لاختل مدلول الكلمة الذي جيء بهذه الأشياء لأجلها، فدل ذلك على أنها ليست إعراباً. وبسط هذا أنه قد وقع الاتفاق على أن الإعراب إنما يدخل لمعنى يعتور الكلمة بعد حصولها ببنائها وحركاتها، وأن سقوط الإعراب لا يخل بالكلمة نفسها؛ ألا ترى أن الاسم والمضارع إذا لم يعرب واحد منهما لم يسقط معناه، فالإعراب يدخل ويخرج ومعنى الاسمية في الاسم قائم، وكذلك الفعل أعرب أو لم يعرب دلالته على الحدث والزمان قائمة، وإنما كمل كل شيء من هذه اسماً للتثنية والجمع بأحد هذه الحروف، فمحلها كمحل الألف من أرطى التي كمل بها بناء الاسم وكمحل الألف من حبلى التي كمل بها بناء الاسم ودلالة التأنيث. ويدل على بطلان هذا المذهب أيضاً أنها تسقط هذه الحروف في الترخيم، ولا يسقط في الترخيم إلا ما كان حرف إعراب، فلو كانت إعراباً لسقط ما قبلها لأنها تكون حينئذ كالحركة.
وذهب بعض أصحابنا المغاربة إلى أن هذه الحروف لها جهتا اعتبار، فمن حيث الحرف حرف علة هو حرف إعراب، ومن حيث كونه ألفاً أو ياء أو
واواً هو دليل على الإعراب، أو هو الإعراب نفسه. وهذا ليس بشيء لأنها من حيث هي حرف إعراب هو محكوم له بحكم غير الزائد، ومن حيث هو دليل أو إعراب هو زائد، فتناقضا.
وقوله: والنون لرفع توهم الإضافة أو الإفراد/ وشرح المصنف كلامه هذا، فقال:" رفع توهم الإضافة بين، وذلك أنه لو لم يكن بعد الأحرف المذكورة نون لم تعلم إضافة من عدمها، نحو رأيت بني كرماء وعجبت من ناصري باغين. ورفع توهم الإفراد أيضاً بين في مواضع، منها تثنية اسم الإشارة وبعض المقصورات، نحو: هذان الخوزلان وفي تثنية الخوزلي. ومنها جمع المنقوص في حالة الجر، نحو: مررت بالمهتدين، وانتسبت إلى أبين كرام، فلولا النون في هذه وما أشبهها لكان لفظ واحد كلفظ غيره" انتهى ماشرح به المصنف ما اختاره.
وذهب س إلى أن النون زيادة في الآخر ليظهر فيها حكم الحركة التي كان ينبغي أن تكون في التثنية والجمع تارة، وحكم التنوين أخرى، ومن غير أن تكون عوضاً من الحركة والتنوين، ولذلك قال س:"كأنها عوض"، فشبهها بالعوض، ولم يجعلها عوضاً ومن الناس من حمل كلام س على
أنها عوض منهما، وزعم أن "كان" قد تستعمل للتحقيق بمنزلة "إن" وسيأتي هذا المذهب في باب "إن" إن ساء الله.
وثبت في بعض النسخ بعد قوله: " والنون لرفع توهم الإضافة أو الإفراد" قوله: " أو لجبر ما فآتهن من تقدير الحركات فيهن" يعني أن النون زيدت في آخر المثنى والمجموع على حده لأن تجبر ما فات هذه الحروف من تقدير الحركات، وذلك على مذهبه لأنها عنده ليست حروف إعراب، فلا تقدر فيها الحركات وقد بينا أن الصحيح تقدير الحركات فيها، وأنها حروف إعراب كالدال من زيد.
وهذا الذي ذكره المصنف من الخلاف في الألف والواو والياء، والخلاف في النون تطويل في هذا المختصر، وليس يستفاد من ذلك حكم نطقي، ولا حكم في اختلاف معنى كلامي وقد طول أصحابنا وغيرهم في ذلك وفي كون التثنية كانت الألف والجمع السالم بالواو رفعاً وجرهما ونصبهما بالياء، وأبدوا لذلك عللاً ليس تحتها طائل، وهي من فضول الكلام.
-[ص: وإن كان التصحيح لمؤنث أو محمول عليه فالمزيد ألف وتاء. وتصحيح المذكر مشروط بالخلو من تاء التأنيث المغايرة لما في نحو عدة وثبة علمين، ومن إعراب بحرفين، ومن تركيب إسناد أو مزج وبكونه لمن يعقل أو مشبه به علماً أو مصغراً أو صفة تقبل تاء التأنيث إن قصد معناه، خلافاً للكوفيين في الأول والآخر.]-
ش: لما ذكر المزيد في تصحيح جمع المذكر ذكر المزيد في تصحيح جمع المؤنث، وسيأتي في آخر " باب كيفية التثنية وجمعي التصحيح" بيان ما
يجمع قياساً بالألف والتاء، والإشارة إلى أن ما سواه مقصور على السماع، والمحمول على المؤنث تصغير مالا يعقل من المذكر وصفته نحو دريهمات وجبال راسيات وهذان مطردان، ومما لا يطرد خودات وثيبات وشمالات وحسامات.
وهذا الجمع- أعني جمع التصحيح في المذكر والمؤنث- ليس مختصاً بالقليل فلا يجوز في غيره، بل نقول: الغالب عليه القليل. وزعم بعضهم أنه مختص به لقربه من التثنية في السلامة. وأنكره الزجاج، وأنكر/ الحكاية التي تحكي عن النابغة مع حسان في بيته المعروف:
لنا الجفنات ................. ..........................
البيت.
وذكر أن النابغة لا تخفى عليه معاني الشعر حتى يعترض بما لا ينبغي، مع أن الله تعالى يقول:{وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} وقال تعالى: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّهِ} انتهى.
وقوله: وتصحيحا مشروط بالخلو من تاء التأنيث المراد بالمذكر
هنا المسمى لا الاسم ولذلك لو سميت رجلاً بزينب أو بسلمى أو بأسماء لجاز جمعه بالواو والنون بإجماع، وإن كانت أسماء مؤنثة، لأن مسمياتها حال التسمية مذكرون، فلو كانت في الاسم تاء التأنيث علماً نحو حمزة، أو غير علم نحو همزة، لم يجز جمعه بالواو والنون.
وشمل قوله: " تاء التأنيث" ما ذكرناه ونحو أخت ومسلمات مسمى بهما رجل، فإنهما لا يجمعان بالواو والنون، ولذلك عبر بتاء التأنيث دون أن يعبر بهاء التأنيث.
وقوله: المغايرة لما في نحو عدة وثبة علمين هذا القيد فيما فيه تاء التأنيث قلما ذكره أحد من أصحابنا، وذكره ابن السراج، وذلك أن ما لحقته تاء التأنيث عوضاً من فاء الكلمة نحو عدة أو لامها نحو ثبة، سميت به رجلاً، فيجوز لك أن لم يكسر قبل التسمية به أو تعتل لامه أن تجمعه بالواو والنون رفعاً، وبالياء والنون نصباً وجرا، وبالألف والتاء، فتقول: جاء عدون وثبون، وجاء عدات وثبات. فإن كسر قبل العملية نحو شفة فإنك إذا سميت به رجلاً فلا يجوز إلا تكسيره. وإن أعلت لامه نحو دية، وسميت به رجلاً، فلا يجوز جمعه إلا بالألف والتاء. ونظير هذا مما فيه التاء وجمع بعد التسمية به بالواو والنون وبالألف والتاء ما أجاز س في "ربت" مسمى بها رجل مخففاً فتقول: قام ربون، ورأيت ربين، ومررت بربين، وقام ربات.
وهذا القيد الذي ذكره ابن السراج يحتاج إلى اعتباره من لسان العرب، لأن باب ثبة وسنة مما جمع بالواو والنون ليس قياساً فتبنى عليه الأحكام في باب التسمية، وإن قيل بقياس شيء منه فليكن فيما سمع من العرب وشاع جمعه مما عوض من لامه هاء التأنيث ولم يكسر فإذا سمي بشيء منه جمع بالواو والنون كما جمع حين كان غير مسمى به، أما ما لم يجمع قبل ذلك
بالواو والنون نحو عدة فلا ينبغي أن يجمع بالواو والنون، ولا يلحق ما عوض من فائه هاء التأنيث ولم يجمع بالواو والنون، بما عوض من لامه الهاء، وجمع قبل التسمية به بالواو والنون. وأما ما أجازه س من جمع "ربت" فيه ليست عوضا لا من فاء كلمة ولا من لامها، بل يكون جمع هذا بالألف والتاء، إلا أن نقل جمع ذلك بالواو والنون عن العرب، فيقبل وأما من حيث القياس فالقياس يقتضي أن لا يجوز.
وقال أبو السعادات في كتابه البديع: " إن سميت رجلاً أو امرأة بسنة أو ثبة أو شية أو ظبة ونحو ذلك لم يتعد في جمعه ما جمعوه به قبل التسمية فتقول: سنون وسنوات وثبوت وثبات وفي لاشية وظبة/: شيات وظباب لا غير. وغير س يروي في ظبة ظبين" انتهى.
وما قاله أبو السعادات هو نص س، قال:" ولو سميت رجلاً أو امرأة بسنة لكنت بالخيار إن شئت قلت سنوات، وإن شئت قلت سنون، وكذلك لو سميت بثبة لقلت ثبات وثبون، ولو سميت بشية وظبة لم تجاوز شيات وظبات، لأن هذا اسم لم تجمعه العرب إلا هكذا، فكذلك قياس هذه الأشياء"
وقال أبو الحسن: أقول في جمع هذا كله ظبون وشيون كما أقول قلون وثبون جرياً على الأكثر وأنه أصل الباب. وقول س أقيس لأنا لم نجدهم خالفوا في جمع الأعلام جمع أسماء الأجناس. ولو سميت رجلاً ببنت وأخت وزيت وكيت قلت بنات وذيات وأجاز الفراء جمعه بالواو والنون بحذف التاء قياساً، ولم يسمعه.
وقال س: " لو سميت بعدة لقلت فيه عدات حملاً على جمعهم إياها، وعدون وإن لم يقولوه حملاً على قولهم لده ولدون" فخالف قوله.
وما أجازه س من أنك إذا سميت بعدة فيجوز لك أن يجمعه بالواو والنون حملاً على لدون، وبالألف والتاء، فتقول عدون وعدات قد خالف في جمعه بالواو والنون المبرد، فقال: لدرن شاذ، فلا يقاس عليه فلا يقال في عدة عنده إلا عدات لا عدون.
وقوله: ومن إعراب بحرفين احتراز من المسمى بزيدين وزيدين واثنين وعشرين ونحوها، وحكي فيهما إعراب التثنية والجمع بالواو والنون، فإنه لا يجوز جمعه بالواو والنون.
وقوله: ومن تركيب إسناد فلا يجمع بالواو والنون تأبط شراً وبرق نحره وشبههما ولا نعلم في ذلك خلافاً.
وقوله: أو مزج مثاله معدي كرب وسيبويه فلا يجوز: جاء معدي كربون ولا: جاء سيبويهون.
ومن النحويين من أجاز جمع ما ختم بـ"وية" واختلفوا: فمنهم من ألحق العلامة الاسم بكماله فيقولون: جاءني سيبويهون. ومنهم من يحذف "ويه" فيقول: جاءني سيبون، ورأيت سيبين، ومررت بسيبين. والخلاف في تثنية ما ختم ب "ويه" كالخلاف في جمعه. والصحيح أن ذلك لا يجوز
للشبه الذي بينها وبين الأسماء المحكية من جهة التركيب، ولأنه لم يرد بذلك سماع.
وقوله: ويكونه لمن يعقل فلا يجمع" واشق" اسم علم لكلب، ولا "سابق" صفته بالواو والنون.
وبدل بعضهم هنا" من يعقل" بقوله: " من يعلم " ليدرج في ذلك قوله تعالى: {فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} ولا حاجة إلى ذلك لأن جمع صفاته- تعالى - مسموع لا مقياس ولذلك ذكر المصنف {الْوَارِثُونَ} بعد ذلك مع" أولى" و"علين" مما لا ينقاس جمعه.
وقوله: أو مشبه به مثال {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} لأن نسبة السجود إلى مالا يعقل هو لتشبيهه بمن يعقل وقول الشاعر:
محالفتي دون الأخلاء نبعة
…
ترن إذا ما حركت وتزمجر
لها فتية ماضون حيث رمت بهم
…
شرابهم قان من الدم أحمر
ومن المشبه بما يعقل الدواهي والأشياء المستعظمة نحو: أصابهم الآمرون والفتكرون والبرحون وعمل بهم العملين، أي: الأعمال العجيبة وقالوا الذي يعظم شأنه ويعم نفعه: وابلون قال
الشاعر:
فأصبحت المذاهب قد أذاعت
…
بها الإعصار بعد الوابلينا
وقال أبو صخر:
تلاعب الريح بالعصرين قسطله
…
والوابلون وتهنان التجاويد
ومما نزل منزله العاقل في الأنس به والحنو عليه قول الراجز:
قد رويت إلا دهيدهينا
…
قلبصات وأبيكرينا
صغر دهاهاً وجمعه وأبكراً - جمع بكر- وجمعه
وقوله: علماً فمثل رجل وغلام وفتى لا يجوز جمعه بالواو والنون، وإن كان قد اجتمعت فيه الشروط غير العلمية.
وقد منع المازني من جمع العلم المعدول نحو عمر، ومن تثنيته فلا يجمعه جمع سلامة ولا جمع تكسير، وقال: أقول جاءني رجلان
كلاهما عمر ورجال كلهم عمر.
ولا أعلم أحداً منه من تثنيته ولا جمعه، بل يجوز أن تقول عمران وعمرون، وقالت العرب" سنو بنا سنة العمرين" وقال الشاعر:
..............
…
والعمران أبو بكر ولا عمر
وإذا كان قد يثني على سبيل التغليب فلأن يثنى مع اتفاق اللفظ والمعنى أولى وأحرى
فإن قلت: إذا كانت العلمية شرطاً في الاسم المكبر فما وجه قول العرب في الحكاية"أتون" بالواو والنون وليس بعلم؟
فالجواب: أنه من باب حرون وليس بجمع سلامة بل جمعه بالواو والنون عوض من النقص المتوهم بالإدغام هكذا أجابوا في جمع أتون.
وقوله: أو مصغراً يعني أنه إذا اجتمعت الشروط وكان مصغراً فإنه يجمع بالواو والنون ولا تشترط العلمية فتقول في رجيل وغليم وفتى وأحمير وسكيران ونصيف: رجيلون وغليمون وفتيون وأحيمرون وسكيرانون ونصيفون وإنما جمع كذلك- ولم يجمع مكبره- لتعذر تكسيره، لأن التكسير يؤدي إلى حذف ياء التصغير، فيذهب المعنى الذي جيء بها لأجله، فلما تعذر التكسير لم يبق إلا التسليم.
فإن كانت الكلمة بنيت على التصغير نحو كميت وكعيت جاز
التكسير، فتقول: كمت وكعتان، لأن المعنى الذي أوجب التصغير ملازم لهما، وليس رجيل وأحمير كذلك، لأن معنى التصغير غير لازم لهما فلو قلت في جمعهما رجال وحمر لم يدر هل هما جمع رجل وأحمر أو هو جمع رجيل وأحمير.
وقوله: أو صفة تقبل تاء التأنيث مثاله ضارب ومؤمن وأرمل فإنك تقول في المؤنث ضاربه ومؤمنة وأرملة فيجوز أن يجمع بالواو والنون، فتقول ضاربون ومؤمنون.
قال المصنف في الشرح: " فإن لم تقبلها لم يلق بها هذا الجمع كأحمر وسكر ا/ في لغة غير بني أسد وصبور وقتيل" انتهى.
واحترز المصنف بقوله: "تقبل تاء التأنيث" مما ذكر مما لا يقبل تاء التأنيث. وأغفل صفة لا تقبل تاء التأنيث، ويجوز جمع مذكرها بالواو والنون بلا خلاف، وذلك ما كان من الأوصاف مختصاً معناه بالمذكر، نحو مخصي وأفعل التفضيل إذا كان معرفاً بالألف واللام أو مضافاً إلى نكرة فإنه يجوز جمعه بالواو والنون، فتقول الأفضلون وأفضلو بني فلان وهو صفى لا تقبل التاء، وكذلك مؤنثة لا يقبل التاء بل تقوم في مؤنثه ألفضلي، فيكون تأنيثه بالألف لا بالتاء، فهذه صفة لا تقبل التاء بلفظها ولا بلفظ مؤنثها، وهي تجمع بالواو والنون.
وثبت في بعض النسخ بعد قوله: " أوصفة تقبل تاء التأنيث" قوله: "باطراد" وهو قيد حسن محتاج إليه لأنه قد وجد صفة قبلت تاء التأنيث لقصد معناه ولكنه لا يطرد، فلا تجمع بالواو والنون، وذلك مسكين فإنهم
قالوا مسكينة للمؤنث، ومع ذلك فالقياس أن لا يقال مسكينون، وإن كانوا قد قالوه؛ لأن دخول التاء في مسكينة لا ينقاس لأنه على وزن مفعيل، وما كان على وزن مفعيل فإنه لا تدخله تاء التأنيث، فدخولها في مسكينة شاذ، شبهوا مسكينًا بفقير، فأدخلوا التاء للمؤنث كما قالوا فقيرةً، ولما قالوا مسكينة ومسكينات قالوا مسكينون، وقولهم امرأةً مسكين على الأصل في هذه البنية.
وذكر بعضهم أنه لا يجمع هذا الجمع من الصفات ما كان على وزن مدعس ومهذار ومحضير وجواد وغفور وجريح. والعلةً في ذلك عدم قبول التاء لقصد التأنيث.
وقوله: إن قصد معناه شرط في جمع صفة المذكر وصفين:
أحدهما: قبول تاء التأنيث، واحترز مما ذكر من الأوصاف التي لا ثقل تاء التأنيث، وذكرنا من الأوصاف ما لا يقل التاء، وجمع بالواو والنون.
والوصف الثاني: تقييد قبوله التاء بقصد معناه، فإن قبل التاء لا لمعنى التأنيث نحو ملولة وفروقةً فإنك تقول ملول وفروق، ثم تدخل تاء التأنيث لا لقصد التأنيث، بل للمبالغةً، وفروق وطول لا تجمع بالواو والنون لأنها يشترك فيها الذكر والمؤنث بغير تاء، فلا تجمع في المذكر بالواو والنون، ولا في المؤنث، بالألف والتاء، لأنها صفةً قبلت تاء التأنيث لا لقصد معناه.
وقوله: خلافًا للكوفيين في الأول يعني الخلو من تاء التأنيث، فإنهم يجيزون في جمع طلحة وحمزةً وهبيرةً: طلحون وحمزون وهبيرون.
استدل الكوفيون على جواز ذلك بالسماع والقياس:
أما السماع فقولهم في جمع علانية - وهو الرجل المشهور - علانون، وفي جمع ربعةً: ربعون، وهو المعتدل القامةً.
وأما القياس فقالوا: قد جمعته العربي جمع تكسير، وإن كان يؤدي إلى حذف التاء الذي علل به البصريون منع جمعه بالألف والتاء، فإذا كان قد تزول التاء بجمع التكسير فكذلك تزول بالجمع بالواو والنون. والدليل على أن العرب قد كثرت ما أنث بالتاء قول الشاعر:
وعقبة الأعقاب في الشهر الأصم
وأما البصريون فالسماع عندهم شاذ، والقياس ليس بصحيح لأنه لا يلزم من تكسير/ العلم ذي التاء على تقدير تسليم تكسيره جواز جمعه بالواو والنون؛ لأن تأنيث جمع التكسير يعقب التاء المحذوفة، وليس لجمع السلامة بالواو والنون تأنيث، فيعقب التاء؛ ألا ترى أنك تقول: قالت الرجال، ولا يجوز: قالت الزيدون.
وقد اختلف الكوفيون في جمع مثل طلحة وحمزةً مما هو على وزن فعلة، فقال الجمهور: تحذف التاء فقط، وتقول طلحون وحمزن بسكون
عين الكلمة. وذهب ابن كيسان إلى فتح عين الكلمة، وقال: لما جمع المؤنث، الذي لا علامةً فيه للتأنيث، وهو على فعل، فتحوا عين الكلمة، قالوا: أرضون.
وهذا معارض بجمعهم أهلًا على أهلون بسكون عين الكلمة، ولا ينبغي أن يجعل شيء من هذا أصلًا يقاس عليه لأن جمع ذلك بالواو والنون في غاية الشذوذ.
وقال البصريون: لا يجوز جمع طلحةً ونحوه مما فيه تاء التأنيث بالواو والنون لأنه لم يرد به سماع، ولا يقتضيه قياس، بل القياس يمنع منه. ووجه امتناعه في القياس أنك لو جمعته فإما أن ثبت التاء أو تحذفها:
إن أثبتها فتجمع بين علامتين متضادتين: التاء التي تدل على التأنيث، والواو التي تدل على التذكير، فأما قولهم في وزقاء علمًا لمذكر ورقاوون فليس في ذلك، جمع بين علامتين متضادتين لأن الواو ليست بعلامة تأنيث،، وإنما هي بدل من الهمزة المبدلة من ألف التأنيث.
وإن حذفت التاء ففي ذلك إخلال من جهة أنها حرف معنى، وقد صارت بالعلمية لازمةً للكلمة لأن العلميةً تسجل الاسم، وحصره من أن يزاد فيه أو نقص، وحذفها يؤدي إلى إذهاب المعنى الذي كانت تدل عليه، ولهذه العلة جمعوا رجيلًا وشبهه - وإن كان نكرةً - بالواو والنون، ولم يكسروه لما يؤدي إليه التكسير من حذف الياء، فيذهب بحذفها ما كانت تدل عليه من المعنى، وأما حذفها في طلحات فليس فيه إخلال لأن تاء التأنيث إذا حذفت عقبها التأنيث بالألف والتاء.
وقد تأول بعض البصريين ما أنشده الكوفيون دليلًا على تكسير العلم الذي فيه تاء التأنيث بأنه يحتمل أن يجعل الأعقاب ليس بجمع لـ "عقبة" العلم، بل يكون جمعًا لـ "عقبة" التي يراد بها الاعتقاب، ومن ذلك قولهم:
لقد علمت أي حين عقبتي
ويكون قد أضاف "عقبة" العلم بعد تنكيره إلى "الأعقاب" الذي هو جمع "عقبة" بمعنى الاعتقاب. وأيضًا على تقدير أنه جمع "عقبة" العلم فهو من القلة بحيث لم يجئ منه إلا هذا البيت، فلا يجعل أصلًا لقياس نظيره عليه وجمعه جمع التكسير.
وقوله: والآخر بمعني الصفة التي لا تقبل تاء التأنيث، إن قصد معناه، فإن الكوفيين يجيزون جمعها بالواو والنون، وقد جاء شيء من ذلك نادرًا بني عليه الكوفيون، وهو قول الشاعر:
/ منا الذي هو ما إن طر شاربه
…
والعانسون، ومنا المرد والشيب
فعانس من الصفات التي لا تقبل تاء التأنيث، عند قصد معنى التأنيث؛ لأنها تقع على المذكر والمؤنث بلفظ واحد، وقول الآخر
فما وجدت نساء بني نزار
…
حلائل أسودين وأحمرينا
فأسود وأحمر عن الصفات التي لا تقبل تاء التأنيث لأن مؤنثها على غير بناء، مذكرها.
وفي الإفصاح: أجاز الفراء جمع هذا الوصف بالواو والنون، والألف والتاء، وحكاه مسموعًا. وكان ابن كيسان لا يرى بذلك بأسًا، وعادةً الكوفيين إذا سمعوا لفظا في شعر أو نادر كلام جعلوه بابًا أو فصلًا، وليس بالجيد.
والذي ذكره أصحابنا في تقييد الصفة التي تجمع بالواو والنون أحسن مما ذكره المصنف، وهو قولهم إن الوصف إن كان مكبرًا اشترط فيه الذكورة، والعقل، أو معاملته معاملة ذي العقل، والخلو من تاء التأنيث، وأن لا يمتنع مؤنثه من الجمع بالألف والتاء. فيحترز بالذكورة عن مثل حائض، وبالعقل عن مثل سابق صفة لفرس، وبالخلو من تاء التأنيث من مثل علامةً ورجل همزةً، وبعدم امتناع مؤنثه من الجمع بالألف والتاء من نحو جريح وصبور ونصف وغيرها مما يكون للمذكر والمؤنث، بغير تاء، ومن أفعل الذي مؤنثه فعلاء، وفعلان الذي مؤنثه فعلى.
قال أصحابنا: وإنما جمعت الصفة بتلك الشروط بالواو والنون، ولم يجمع بها الاسم الجامد، لشبه الصفة بالفعل من جهة أن الصفة أبدًا فيها
معنى الفعل، إذ لا تكون إلا بالمشتق أو ما في حكمه، وإذا كانت للمذكر لم تلحقها التاء، وإذا كانت للمؤنث، لحقتها كما أن الفعل كذلك، تقول: مررت برجل قام، وبامرأةً قامت، والفعل إذا وصف به المذكر العاقل لحقته بعد ملامة لفظه الواو،: مررت برجال قاموا، ويقومون، وكذلك الصفة نحو: هؤلاء رجال قائمون. ولما كانت الصفة التي تكون للمذكر والمؤنث بغير تاء لا تثبه الفعل لم تجمع إذا كانت لمذكر بالواو والنون، وكذلك أفعل فعلاء، وفعلان فعلى، لما لم يشبها، الفعل فيما ذكرناه لم يجز أن تجمع بالواو والنون. هذا مذهب البصريين.
وخالف الفراء في الخفة التي تكون للمذكر والمؤنث بغير تاء، فلم يجز جمعها بالألف والتاء إذا جرت على المؤنث لأنها - وإذ جرت عليه - مذكرةً، بدليل أن نصفًا إذا صغر لم يقل في تصغيره إلا نصيف بغير تاء، وإذا سمي بحائض مذكر ثم يمنع الصرف؛ لأنهما وأمثالهما - وإن أجريا على مؤنث - مذكرة، وحمل على المعنى، كأنك قلت: بشخص نصف وبشخص حائض، وإذا كانا من قبيل المذكر فلا يجمع بالألف والتاء، كما لا يجمع قائم صفة لذكر بالألف والتاء. وأما جمعها وجمع أمثالها بالواو والنون فليس عنده مانع له كالمانع عن الجمع/ بالألف والتاء، فلذلك أجازه.
والصحيح أن ذلك لا يسوغ لأن هذا النوع من الصفةً لا يشبه الفعل، فإن حكي شيء من ذلك في الشعر فضرورةً، أو في الكلام فشاذ لا يقاس عليه، حكي يعقوب أن العرب تقول: امرأةً نصف، ونساء أنصاف، ورجل نصف، ورجال أنصاف ونصفون. وذلك شاذ لا ينبني أن يقاس عليه ما لم يسمع فيه الجمع.
فإن قلت: كيف جمعوا الأفعل للتفضيل بواو ونون، ومؤنثها الفعلى، وهي لا تشبه الفعل؟
فالجواب أن هذه الصفة لا يجوز تنكيرها إلا في ضرورة، فلما التزم فيها التعريف - وهو فرع على التنكير - أشبهت لذلك الفعل لأن الفعل فرع عن الاسم، فلما أشبهته في الفرعية حملت عليها، فجمعت بالواو والنون لذلك، ولهذه العلةً نفسها جمع الاسم الجامد إذا كان علمًا بالواو والنون، وإن كان نكرةً لم يجمع بهما لأن تعريف العلمية فرع، فأشبه بذلك الفعل، والتنكير أصل، فلم يشبه الفعل
-[ص: وكون العقل لبعض مثنى أو مجموع كافٍ، وكذا التذكير مع اتحاد المادة، وشذ ضبعان في ضبع وضبعان.
وما أعرب مثل هذا الجمع غير مستوف للشروط فمسموع، كـ (نحن الوارثون)، وأولى وعليين وعالميين وأهلين وارضين وعشرين ألي التسعين.
وشاع هذا الاستعمال فيما لم يكسر من المعوض من لامه هاء التأنيث سلامة فاء المكسورها، ويكسر المفتوحها، وبالوجهين فى المضمومها، وربما نال هذا الاستعمال ما كسر، ونحو رقة وأضاةٍ وإوزة.]-
ش: مثال كون العقل لبعض ما ذكر كافيًا قولك في رجل وفرس: هما سابقان، وفي رجل وفرسين: هم سابقون، ولا حاجةً إلى قوله "وكون العقل لبعض مثنى كاف" لأن علامة التثنية لا تختلف بحسب العقل، إنما تختلف علامة الجمع بسبب العقل، فيغلب ذو العقل، بخلاف التثنية، فإنه لا تغليب فيها بسببه.
ومثال التذكير في بعض قولك في امرئ وامرأةً: امرآن، ومسلم ومسلمةً: مسلمان، وفي مسلم ومسلمتين: مسلمون، وفي أحمر وحمراء
وسكران وسكرى: أحمران وسكرانان. وهذا معنى قوله "مع اتحاد المادة". فإن اختلفت المادة كثور وبقرةً، ورجل وامرأةً، فلا يقال في ذلك ثوران، ولا رجلان، ولا في رجل وامرأتين، وثور وبقرتين: رجال ولا ثيران.
وقوله: وشذ ضبعان أي ضبع وضبعان وجه الشذوذ أنه غلب لفظ المؤنث، على لفظ المذكر؛ لأن ضبعًا هو للمؤنث، وضبعانًا هو للمذكر، فحين ثنوا قالوا ضبعان، وإنما غلب لفظ المؤنث لأنه أخف من لفظ المذكر لتجرده عن الزوائد، وقد جاؤوا بذلك على الأصل، فقالوا في ضع وضبعان: ضبعانان، فغلبوا المذكر على المؤنث. وكذلك غلبوا في الجمع، قالوا ضباع، ولم يقولوا ضباعين، وقد حكي أبو بكر الأنباري أن ضبعًا على |لذكر والأنثى، فعلى هذا لا تغليب فيه إلا إن نقل/ أن من لا يقول للمذكر إلا ضبعان، ولا يقول للمؤنث إلا ضبع، فإذا ثنى قال فيهما ضبعان، فإن ذلك يكون من تغليب المؤنث على المذكر.
وقوله: فمسموع يعني أنه يقتصر به على مورد السماع، ولا يتعدى، فـ {الْوَارِثُونَ} في الحقيقة ليس جمعًا لأنه إخبار عن الله تعالى. وكذلك {الْقَادِرُونَ} و {الْمَاهِدُونَ} و {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} فلا تقيس عليه أن تقول لله تعالى الرحيمون ولا الرحمنون ولا الحكيمون؛ لأن إطلاق الأسماء عليه - تعالى - توقيعية، لا يقال منها إلا ما ذكره تعالى في كتابه، أو ذكره رسوله صلى الله عليه وسلم مع كون هذا النوع من الجمع لا يكون لمفرد الذات.
وأما "أولو" فهو وصف، ولا واحد له عن لفظه حتى يعتبر فيه قبول لحاق التاء له على اشرط الذي ذكر.
وأما "عليون" فإنه اسم مفرد لما هو شيء فوق شيء، وكأنه ارتفاع لا غايةً له. وقال المصنف في الشرح: "عليون كأنه في الأصل علي: فعيل من العلو، فجمع جمع ما يعقل، وسمي به أعلى الجنةً. ونظير ذلك من أسماء الأماكن صريفون وصفون، ونصيبون وقنسرون، ويبرون، ودارون وفلسطون، قال الأعشى:
وتجبى إليه العيلجون ودونها
…
صريفون في أنهارها والخورنق
وقال زيد بن عدي:
تركنا أخا بكر ينوء بصدره
…
بصفين مخضوب الجيوب من الدم
ووجه شذوذ هذه الأسماء أنها لا مفرد لها من لفظها.
وأما "عالمون" فوجه شذوذه أن مفرده "عالم" اسم جنس، وليس بعلم، فقد فات شرط العلمية. والعالم في اشتقاقه خلاف، أم من العلم ثم من العلامة؟ فإن قلنا عن العلم فيكون مختصًا إذ ذاك بمن يعقل، وإن كان من العلامة فيقع على من يعقل وعلى ما لا يعقل، وحين جمع بالواو والنون غلب من يعقل على ما لا يعقل.
وقال المصنف في الشرح: "عالمون" اسم جمع مخصوص بمن يعقل، وليس جمع عالم؛ لأن العالم عالم والعالمين خاص، وليس ذلك شأن الجميع، ولذلك أبى س أن يجعل الأعراب جمع عرب؛ لأن العرب يعم الحاضرين والبادين، والأعراب خاص بالبادين.
وقال بعضهم: العالمون جمع عالم مراد به من يعقل، وفعل به ذلك لتقوم جمعيته مقام ذكره موصوفًا بما يدل على عقله. وهذا لا يصح؛ إذ لو جاز في عالم هذا الذي زعم لجاز في غيره من أسماء الأجناس الواقعةً على ما لا يعقل وعلى ما لا يعقل، فكنا نقول في جمع شيء أو شخص أذا أريد به ما يعقل شيئون وشخصون، وفي امتناع ذلك دليل على فساد ما أفضي إليه" انتهى كلام المصنف في شرحه.
فأما قوله: "إنه مخصوص بمن يعقل" فليس كما ذكر، بل العالمون قد يشمل من يعقل وما لا يعقل عند من جعله مشتقًا من العلامة لا من العلم، وأما ما ألزم من جعله/ جمع عالم من أنه كان يجوز أن يقال شيئون
وشخصون، فلا يلزم لأنه - عنده - جمع عالم على جهةً الشذوذ لفوات شرط من شروطه، وهو العلميةً، وإنما كان يلزمه ذلك أن لو كان يدعي أنه جمع جمعًا قياسيًا.
وأما "أهلون" فجمع أهل، وأهل ليس بعلم ولا صفة. ومحسن جمعه بالواو والنون شذوذًا أنه قد يستعمل استعمال "مستحق"، فأجري في الجمع مجرى "مستحق"، وقال تعالى:{شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} وقال: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} .
ومثل جمع أهل على أهلين جمع مرء على مرئين في قول الحسن: "أحسنوا " أيها المزؤون". وهو شاذ.
وأما "أرضون" فجمع أرض، وهي مؤنثةً، اسم جنس لا يعقل، ففاته من الشروط التذكير والعقل والعلمية. وقد تمحل المصنف، لجمع أرض على أرض بأنه قد جمع هذا الجمع ما يعجب منه ويستعظم مما لا يعقل تشبيهًا بالعاقل لأنه هو الذي يصدر ما تتعجب منه. وبن ورود الأرضين في مقام التعجب والاستعظام قول الشاعر.
وآية بلدة إلا أتينا
…
من الأرضين تعلمه نزار
وقول الآخر:
لقد ضجت الأرضون إذ قام بني هداد حطيب فوق أعواد منبر
وقيل: إنما جمعت هذا الجمع عوضًا من عدم تأنيثها بالتاء؛ لأنها
واقعةً على مؤنث، فكان قيامها أن يقال فيها أرضةً، فلما منعت من ذلك جمعت هذا الجمع كما جمعوا سنةً هذا الجمع عوضًا من لامها المحذوفةً، فقد استوت أرض وسنةً في الجمع تعويضًا، ولذلك فتحت راء أرض كما غيرت سين سنةً.
وقيل: فتحت الراء لأنها نابت عن أرضات، وكان ذلك خوفًا من الالتباس بمجمع أرضة. انتهى ما تمحل به لجمع أرض على أرضين، وهو من فضول الكلام.
وأما "عشرون" والعقود بعده إلى "تسعين" فمعلوم أنها ليست بجموع، وأنه ليس فيها شروط ما يجمع بالواو والنون.
وزعم بعضهم أن "ثلاثين" وأخواته جميع، وجمعت بالواو والنون على ميل التعويض كما ذكر في أرض؛ لأن تاء التأنيث سقيت من مفرداتها حين عد بها، المؤنث، ولم يكن من حقها أن سقط، وعوملت العشرةً بذلك - وإن لم يكن في عشرين معنى الجمعية - لأن المثنى قد يعرب إعراب الجميع، وغيرت عينها وشينها كما غيرت سين سنة وراء أرض. قال المصنف في الشرح:"وهذا قول ضعيف؛ لأن ذلك لو كان مقصودًا لم يكن واحد من هذه الأسماء مخصوصًا بمقدار، إذ لا يعهد ذلك في شيء من الجموع قياسيةً كانت أو شاذةً" انتهى.
وقوله: وشاع هذا الاستعمال أي: الجمع بالواو والنون رفعًا، والياء والنون جرًا ونصبًا، وزيادةً النون بعدها.
وقوله: فيما لا يكسر خرج بذلك ما كسر نحو شفةً وشاةً، فإنهما حذفت لامهما، وعوض منها الهاء، لكنهما كسرًا، فقيل: شياه وشفاه. وأصلهما شفهة/ ونزهةً، ولأجل تكسيرهما لم يجمعا جمع سلامةً لا بالألف والتاء ولا بالواو والنون، وذلك بخلاف ما لم يكسر من ذلك، فإنه جاء فيه الجمعان نحو ثبةً، تقول ثبات وثبون.
وقوله: هاء التأنيث خرج بذلك أخت وبنت لأنها تاء التأنيث لا هاء التأنيث، فبنت وأخت قد حذف لامهما، ولا يجمعان هذا الجمع.
وقوله: سلامة فاء المكسورها يعني أن حركتها لا تتغير في الجمع نحو مائةً، تقول مئون، فتبقى الميم مكسورةً على حالها في مائةً. وحكي الصغاني عزون بضم العين. ولعلها مما جاء في المفرد الكسر والضم.
وقوله: ويكسر المفتوحها تقول في سنة: سنون. قال المصنف في الشرح: "إن كان مفتوح الأول أو مكسورة لم يجز في جمعه إلا الكسر". وكان قد قدم قبل ذلك عند شرحه قوله: "لغير تعويض" أن سين سنةً في الجمع بالواو والنون تكسر، وقال:"وقد روي ضمها"، يكون هنا قد نسي أنه ذكر أنها روي ضمها، إذ لم ينبه عليه هنا.
وهذا الذي ذكر من التغيير في فاء ما جمع من هذا النوع هذا الجمع حكاه ابن كيسان عن الكسائي.
فما جاء من المكسور الفاء من ذلك مائةً ورئةً وعزةً وعضةً،
قال:
ثلاث مئين للملوك وفي بها
…
ردائي، وجلت عن وجوه الهائم
وقال:
فغظناهم حتى أتى الغيظ منهم
…
قلوبا وأكبادًا لهم ورئينا
وقال تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ} ، وقال:{الَّذِينَ جَعَلُوا القُرْآنَ عِضِينَ} .
وجاء من المفتوحها سنة، ومن المضمومها ثبةً وقلةً وكرةً، قال الشاعر:
والخيل تعدو عصبا ثبينا
ولام هذه الكلمات واو محذوفةً إلا سنةً وعضةً، فيحتمل أن
تكون هاء وأن تكون واوًا لمجيء التصريف عليهما، وإلا مائةً ورثةً، فإنها ياء لقولهم مأيت الدراهم وأمايتها، وأمات هي، فقولهم مأيت دليل على أن المحذوف ياء. ورأيت الطائر: أصبت رئته، كما تقول يده: أصاب كبده، فالمحذوف ياء.
وقوله: وربما نال هذا الاستعمال ما كسر مثاله ظبةً، جمعت على ظبين، وقد كسروها على ظبا، ولامها المحذوفةً واو، قالوا ظبونه إذا أصبته بالظبةً، ومن جمعه بالواو والنون قول الشاعر.
يرى الراؤون في الشقرات منها
…
وقودًا في حباحب والظبينا
وأجاز الليث بن المظفر جمع ظبةً السيف على
ظُبوات وكأنه قاس ذلك على عضةً وسنةً حيث قالوا عضوات وسنوات، والمسموع في جمعها بالألف والتاء ظبات، كما قال:
تسيل على حد الظبات نفوسنا
…
وليست على غير الظبات تسيل
ومثال ظبةً في كونه كسر وجمع الواو والنون وبالألف والتاء برةً، قالوا برا وبرات وبرون، قال الشاعر:
كأن البرين والدماليج علقت
…
على عشر أو خروع لم يخضد
ومنه قوله:
تعاور أيمانهم بينهم كؤوس المنايا بحد الظبينا
وقوله: ونحو رقة أشار إلى أنه يقل وجود هذا الجمع في المنقوض الذي حذفت منه الفاء، وعوض منها تاء التأنيث، وإن لم يكسر، والمسموع من ذلك رقون في رقةً، وهي الفضةً، ولدون في لدةً وهو المساوي في السن، وحشون في حشةً، وهي الأرض التي لا أنس فيها، ومن كلام العرب "وجدان الرقين يغطي أفن الأفين"، يقال: غطى غطيا: ستر، والتشديد
أشهر، وقال الشاعر:
رأين لداتهن مؤزرات
…
وشرخ لدي أسنان الهرام
وقوله: والأضاة: الغدير، ويجمع على إضين بكسر الهمزة وحذف الألف، قال الشاعر:
خلت إلا أياصر أو نئيا
…
محافرها كاسرية الإضين
الأسرية: جمع سري، وهو مسيل الماء، وقد كسرا أضاةً على إضاء، قال الشاعر:
علين بكديون وأبطن كرةً
…
فهن غضاء صايات اغلائل
في أحد التأويلين. ومثل أضاةً قناةً، كسروها على قني، وجموعها
على قنين، أنشد خلف الأحمر في مجلس يونس بن حبيب:
فإنك لو رأيت، ولت تريه
…
أكف القوم تخرق بالقينا
وقوله: وإوزة مثاله قول الشاعر:
تلقي الإوزون في أكناف دارتها
…
تمشي، وبين يديها البر منثور
ومثل إوزة في هذا الجمع حرة وحرون، وقالوا: إحرون جمع إحرة تقديرا، ولا يقال إحرة، يعنون الحرار، وقال الراجز:
لا خمس إلا جندل افحرين
…
والخمس قد اجشمنك الأمرين
وقد طول النحاة في تعليل جمع إوزة وحرة هذا الجمع، وملخص ما حوموا عليه أن العرب لم يجمعوا هذا الجمع إلا عوضًا من شيء نقص حقيقةً، كالذي حذف لامه أو فاؤه، أو ما كان يجب له من كونه كان يكون مؤنثًا بالتاء، أو نقص توهما كإوزةً وإحرةً، فبالإدغام الذي فيه كأنهما قد نقصا. وطلب التعليل في مثل هذه الأشياء لا يحصل طائلًا، ولا يوقف من ذلك على ما يثلج به الصدر، وإنما تلك خيالات وسواسيةً وضياع وقت في غير حاصل.
وحكى صاحب الموعب عن ثعلب أن "فاك"يجمع بالواو والنون، فيقال: فون وفين. وهذا في غاية الغرابة/، وكان هذا الجمع عوض عما ذهب منه من لام الكلمةً، وأما العين فإنها ذهبت لأجل واو الجمع ويائه.
ومن غريب هذا الجمع قولهم في ثدي: ثدون وثدين، قال الشاعر:
فأصبحت النساء مسلبات
…
لها الويلات يمددن الثدينا
شبه الثدي بالقني. وقولهم في عزهاةً: عزهون بضم الهاء، ذكره في "العين" قال:"والعزهاة". اللئيم، والعزهاة: الذي لا يطرب للسماع". وقال غيره: هو الذي لا يرب الماء. وقيل: لا يصح ضم الهاء في عزهون في الجمع، وإنما هو عزهول بفتح الهاء من جمع المقصور.
ص: وقد يجعل إعراب المعتل اللام في النون منونه غالبًا، ولا تسقطها الإضافةً، وتلزمه الياء. وينصب كائنًا بالألف والتاء بالفتحة على لغة، ما لم يرد إليه المحذوف، وليس الوارد من ذلك واحدًا مردود اللام، خلافًا لأبي علي.
ش: تقدم أن سنينا ونحوه من المعتل اللام الذي عوض من لامه هاء التأنيث أعرب إعراب جمع المذكر السالم، وإعراب سنين هذا الإعراب هو لغة أهل الحجاز وعليا قيس، وأما بعض بني تميم فيجعل الإعراب في النون، ويلزم الياء، فيقول: هي السنين، قال الفراء: أنشدني بعضهم:
أرى مر السنين أخذن مني
…
كما أخذ السرار من الهلال
وقوله: منونة غالبًا تنونيها هي لغة بني عامر، قال الفراء: وأما بنو عامر فإنهم يجرونها في النصب والخفض والرفع، فيقولون: أقمت عنده سنينا كثيرة، قال الفراء: أنشدني بعض بني عامر:
متى تنج حبوا من سنين ملحة
…
تثمر لأخرى تنزل الأعصم الفردا
ذراني من نجد فإن سنينه
…
لعبن بنا شيبا، وشيبننا مردا
قال: وأنشدني الكسائي:
ألم نسق الحجيج، سلي معدًا سنينا ما تعد لنا حسابا
قال: وأنشدني المفضل:
سنسني كلها قاسيت حربا
…
أعد من الصلادمة الذكور
وأما عدم تنونيها فلغة تميم، قال الفراء: إذا ألقت بنو تميم الألف
واللام من السنين لم يجروا سنين، فقالوا: قد عضت له سنين كثيرةً، وكنت عنده بضع سنين يا هذا.
وظاهر كلام المصنف أن من جعل الإعراب في النون يرفع بالضمةً، وينصب بالفتحة، ويجر الكسرةً، سواء أنون أم لم ينون، ولذلك شبهه بغسلين، مرةً وبحين مرةً، فأما إذا نون فظاهر، وأنا من لم ينون فظاهر كلام الفراء أنه يكون ممنوع الصرف، فيرجع بالضمة، وينصب ويجر بالفتحة، ولذلك قال الفراء عن تميم:"أنهم إذا طرحوا الألف واللام من السنين لم يجروا". ومعناه في اصطلاح الكوفيين أنهم يعربونه إعراب ما لا يتصرف، هذا هو الاصطلاح عندهم، يقولون في المنصرف مجرى وفيما لا ينصرف غير مجرى. قال المصنف في الشرح:"وبعض هؤلاء لا ينون" وكان قد تقدم قوله: "من العرب من يشبه سنين ونحوه بغسلين". قال: فيترك التنوين لأن وجوده مع هذه النون كوجود تنوينين في حرف واحد.
وقوله: ولا تسقطها الإضافةً لأنها تنزلت منزلةً الدال من زيد في جعل الإعراب فيها، فصارت حرف إعراب، وإن كانت زائدةً، كما أن نون غسلين حرف إعراب، وهي زائدةً.
وقوله: وتلزمه الياء لأنه يجتمع إعرابان في حرف واحد؛ لأنها كانت قبل الإعراب بالحركات تعرب في الرفع، وفيها الواو، فلم يكونوا ليجمعوا بين ما ترفع به، وهو الواو، وبين ما ترفع به الآن، وهو الضمةً، فأما قراءةً
الحسن {عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ} فإنه شبه زيادتي التكسير في الشياطين بزيادتي الجمع المسلم، فنقلها من إعراب الحركات إلى إعراب الحروف، وهو من التشبيه البعيد الذي يقع نحوه منهم على جهة التوهم، وهو شبيه بما حكى س عنهم من همز مصائب {مَعَائِشَ} ونحوه.
وهذه الياء والنون في سنين على هذه اللغة زائدتان كالواو والنون حين كان رفعه بالواو، وجاء هذا موافقًا لمن قال في جمع زيدت: زيدين، فجعل إعرابه بالحركات، فيكون وزن سنين على هذا فعينا، وأصله فعلين لأنه محذوف اللام، وهاتان زيادتان زيدتا فيه عوضًا من المحذوف.
وأجاز الأخفش أن يكون سنين فعيلًا كالكليب والعبيد والضئين، ولكنهم كسروا الفاء لكسرةً ما بعدها، ولم يقل أحد من العرب سنين بالفتح، وتكون النون على هذا بدلًا من لام الفعل التي هي واو.
وذكر أبو علي في "الإيضاح"، أن من حقر السنين على قول من قال:
دعاني من نجد،، فإن سنينه ...............
يقول: سنين وسنيين، وعلى قول من فتح النون: سنيات، لا غير وهي من المسائل المشكلة.
وذكر المصنف في الشرح علمًا لإعراب هذا النوع بالحركات في النون، لم نر تطويل كتابنا بذكرها، ثم قال:"ولو عومل بهذه المعاملةً نحو رقين لجاز قياسًا، وإن لم يرد به سماع" انتهى. وقد كفانا الرد عليه إذ قال: "لم يرد به سماع".
وأما كونه أجازه قياسًا على سنين وثبين فإن القياس يقتضي أنه لا يجوز لأن جمع سنةً على سنين، وإعرابه إعراب الزيدين، أو إعراب غسلين، خارج عن القياس - أما كالزيدين فلان شروط ما تجمع بالواو والنون مفقودةً في سنةً. وأما كغسلين فإنه لا يوجد جمع تكسير زيد في آخره ياء ونون لا مقيس ولا شاذ، فإذا كان هذان الجمعان شاذين في سنةً فكيف يقاس عليهما غيرهما؟ ولولا أن العرب جمعت رقةً بالواو والنون لم يجز جمعه بهما قياسًا على جمع سنةً، قال المصنف في الشرح: "وقد فعل ذلك ببنين كقول الشاعر:
وكان لنا أبو حسن علي
…
أبا برا، ونحن له بنين
/لأنه أشبه بنين في حذف اللام وتغير نظم الواحد، ولتغير نظم واحده، قيل فيه: فعلت البنون، ولم يقل: فعلت المسلمون". قال المصنف: ولو عومل بهذه المعاملةً عشرون وأخواته لكان حسنًا؛ لأنها ليست جموعًا، فكان لها حق في الإعراب بالحركات كسنين" انتهى.
ولا يجوز ما ذكر في عشرين لأن إعرابها بالواو والنون هو على جهةً الشذوذ، فلا نضم إليه شذوذًا آخر، فأما قول الشاعر:
وماذا يدري الشعراء مني
…
وقد جاوزت حد الأربعين
بكسر النون، فضرورةً كقوله:
إني أبي أبي ذو محافظة
…
وابن أبي أبي من ابيين
قال المصنف: يمكن أن تكون كسرةً إعراب، ويجوز أن يكون كسر نون الجمع وما حمل عليه لغة، كما أن فتح نون المثنى وما جرى عليه لغةً" انتهى.
وليس كما ذكر لأن النحويين نصوا على أن كسر نون الجمع ضرورةً، ولم ينقل أحد أنها لغةً، وأما فتح نون الاثنين فمتقول أنها لغة، وقد تقدم لنا ذكر ذلك.
وأخذ المصنف في الشرح يقرب إعراب سنين وظبين من إعراب قرين ومبين، وضرب لذلك أمثلهً وأقيسةً، واطرد عن ذلك إلى منع صرف حمدون على مذهب أبي علي، ومنع صرف حاميم، بما يوقف عليه في شرحه.
وقوله: وتنصب كائنًا بالألف بالفتحة على لغةً أي: وينصب المعتل اللام المحذوفها. هذا الذي ذكره المصنف من أنه يجوز فيه فتح التاء هو على مذهب الكوفيين، أجازوا في غير الشعر فتح التاء في المنقوص نحو ثبات ولغات تشبيهًا بقضاةً، ولا يجيز البصريون شيئًا من ذلك، ولا فرق عندهم بين الناقص والتام في هذا. واستدل الكوفيون بما حكي الكسائي من قول بعضهم:"سمعت لغاتهم" وقال الشاعر:
فلما جلاها بالأيام تحيزت
…
ثباتًا، عيها ذلها واكتئابها
ينشد بكسر التاء وفتحها. قال الفراء: "العرب تجمع الثبةً ثبين وثبات، وبعضهم ينصبها في النصب، فيقولون: رأيت ثباتًا كذا. وقال أبو الجراح في كلامه: ما من قوم إلا قد سمعنا لغاتهم، فنصب التاء، ثم رجع فخفضها، والعرب تخفض هذه التاء في النصب وتنصبها: سمعت لغاتهم ولغائهم، بالنصب والخفض، وكذلك الثبات" انتهى كلام الفراء.
قال المصنف في الشرح ونصبه بالفتحةً قبل الرد كان لشيئين: أحدهما الشبه بباب قضاةً في أنه جمع أخره تاء مزيدةً بعد ألف في موضع لام معلةً. والثاني أن ثبات بإزاء ثبين، فكسرته بإزاء يائه، فكما جاز على لغةً أن يراجع الأصل بثبين تشبيهًا بقرين جازت مراجعته بثبات تشبيهًا
بنبات/، وكل واحد من الشيئين منتف مع رد المحذوف، فبقي على الإعراب الذي هو به أولى. ولا يعامل نحو عدات من المعتد الفاء معاملةً ثبات لانتفاء الشيئين المذكورين" انتهى.
وما دكره من أنه لا يعامل نحو عدات من المعتل الفاء معاملة ثبت قد جاء بعضه معاملًا هذه المعاملةً، "قال أبو عمرو بن العلاء لأبي خيرةً: كيف تقول حفرت إراتك؟ قال: حفرت إراتك، فقال أبو عمرو: لان جلدك يا أبا خيرة. يقول: أخطأت. قال أحمد بن يحيى: هي لغةً لم يعرفها أبو عمرو، يقال: وأزت إرة أثرها وأرا، إذا حفرت حفيرةً تطبخ فيها، وإرات جمع إرةً.
وقال المازني: وأما سمعت لغاتهم وما أشبهه فلا يجوز فيه إلا الكسر لأنه تاء جمع، وأنشد الأصمعي للهذلي:
............... كأن ظباته عقر بعيج
فهذه جمع ظبة، وكذلك ثبات"، فهذا الذي قاله أبو عثمان مخالف ظاهره لما حكاه الفراء عن العرب من أنه يجوز فتح التاء وخفضها.
وقوله: ما لم يرد إليه المحذوف يعني فإنه ينصب بالكسرةً. واستظهر بذلك على جمع سنةً بالألف والتاء على سنوات برد المحذوف، وعضة على عضوات كذلك، فإذا يمنع رد إلى أصله الذي هو أولى به، وهو النصب بالكسرة.
وقوله: وليس الوارد من ذلك واحدًا مردود اللام، خلافًا لأبي علي
ذهب أبو علي إلى أن قولهم: أسمعت لغاتهم" بفتح التاء إنما هو مفرد ردت إليه اللام، وليس بجمع، وأصله لغوةً، تحركت الواو، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفًا.
ورد ذلك بأنه لم تسمع في لغةً المحذوفةً اللام رد اللام، فتقول فيه لغاةً، وبقول العرب: رأيت بناتك، بفتح التاء، وهذا نص في الجمعية. ورد المصنف ذلك بأنه يؤدي إلى الاشتراك بين المفرد والجمع، وبأن هذه التاء عوض من اللام المحذوفةً، فلو ردت لكان فيه جمع بين عوض ومعوض منه، وذلك ممنوع.
وما رد به المصنف لا يصلح أن يرد به لأنه أجاز هو أن يكون فلك مشتركًا بين المفرد والجمع، فكذلك هذا. ودعواه أن التاء عوض من اللام المحذوفةً، فلو رد لكان فيه جمع بين العوض والمعوض عنه، ليس كذلك لأنه إذا ردت اللام لم تكن التاء إذ ذاك عوضًا اللام المحذوفةً، بل تكون التاء فيه دالةً على ألإفراد كحالها في قناةً وحصاةً، فكما لا يقال في تاء قناةً إنها عوض، فكذلك تاء لغاةً لا تكون عوضًا، فلا يكون في ذلك جمع بين العوض والمعوض منه.
تم بحمد الله تعالى وتوفيقه
الجزء الأول من كتاب "التذييل والتكميل"
بتقسيم محققه، ويليه - إن شاء الله تعالى -
الجزء الثاني، وأوله:
" باب كيفية التثنية وجمعي التصحيح"