الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تاريخه تاريخا للأمة الإسلامية. وهذا ما يبدو في جزئه هذا عن الخلافة العباسية. إذ يتضمن التاريخ السياسي للخلافة، وتوزّع الدويلات التي ظهرت في قلب الخلافة، مثل دويلة بني دلف، والصفّاريين، والسامانيين، وأوائل الزيدية بطبرستان، والطولونيين والإخشيديين، والحمدانيين. كما أورد تقارير عن بدايات الغارات الفاطمية على مصر انطلاقا من المغرب الإسلامي وحتى الاستيلاء عليها عام 359 هـ.كما يورد ابن الدواداري في جزئه هذا عن بني العباس تراجم للوزراء، وأسر الكتّاب المشاهير، والعلماء؛ وبخاصة علماء الفلك، والشعراء مع نماذج من أشعارهم ومختارات من أخبارهم. وله اهتمام خاص بالغرائب، وأخبار الكوارث الطبيعية. وهو يقيم ارتباطا بين التراجم وخلافة خليفة معيّن وسياساته-مما يدل على منهج معين في الاختيار والتنظيم يمتّ بسبب وثيق إلى الأصول الأيديولوجية التي كان يعتنقها. كما يدل على نوعية الأفكار والرؤى التي كانت معروفة في الطبقة التي كان ينتمي إليها عن خلافة بغداد، والطابع الذي تميّزت به خلافة كلّ من خلفائها الأوائل. فابن الدواداري ليس جمّاعا عشوائيا للأخبار والأسمار، بل يملك رؤية شاملة بدت في طرائقه للإثبات والإسقاط والتصوير.
ويطرب ابن الدواداري للطرائف والنوادر التاريخية التي يكثر من إيرادها.
ويجعل ذلك من عمله مشوقا وذا أثر باق. أمّا بالنسبة للمصادر، فإنه يعتمد منها ما يوافق غرضه في الإفادة والقصّ.
II
مصادر الجزء الخامس
المصادر التاريخية: يرجع ابن الدواداري في الغالب إلى ثلاثة أنواع من المصادر: المصادر التاريخية، والمصادر الأدبية، تلك التي تتضمن مجموعات شعرية أو نثرية أو طرائف ونوادر-وأخيرا كتب الطبقات، ومجموعات التراجم.
أما المصادر التاريخية فيستخدمها المؤلّف للتأريخ للدولة العباسية، والدويلات المحلية والإقليمية التي ظهرت في قلبها، وتعاقبت إحداها تلو
الأخرى؛ في مشرق العالم الإسلامي ومغربه. يتحدث ابن الدواداري من بين هذه الدويلات عن آل دلف، والصفاريين، والسامانيين، والسلطات الزيدية الأولى بطبرستان، والإخشيديين، والطولونيين، والحمدانيين، والبويهيين، وبخاصة ما اتّصل من تاريخ الدويلات الأخيرة بتاريخ العباسيين، وعلاقاتها معهم.
ويسمّي ابن الدواداري مصدرين رئيسيين، كانا النموذج له في أسلوب التأريخ للعباسيين، والدويلات الإقليمية: كتاب القضاعي (-454 هـ) الذي يسميه ابن الدواداري: تاريخ القضاعي، والذي يتضمن عرضا موجزا تاريخيا منذ بدء الخليقة وحتى العام 417 هـ.والمصدر الثاني كتاب ابن ظافر الأزدي (-613 هـ) الذي يقتبس منه تحت عنوان:«الدول المنقطعة» .
أمّا تاريخ القضاعي فليس تاريخا على السنين مثل تاريخ الطبري، بل هو عبارة عن تراجم قصيرة متعاقبة للأنبياء والخلفاء وفعاليتهم السياسية في التاريخ. ومن القضاعي يستمد ابن الدواداري طريقته في الترجمة للخلفاء. وهي طريقة ثابتة في الكتاب كله. إذ تبدأ الترجمة بذكر لقب الخليفة ثم تحدّره النسبي، ثم اسم أمّه وأصولها. ويتبع ذلك ذكر تواريخ حياة الخليفة نفسه: متّى تولّى الخلافة، وكم كانت سنّه، وتاريخ وفاته أو عزله أو مقتله، فسنّي وشهور وأيام خلافته. ويتلو ذلك ذكر صفته، أي كيف كانت هيئته، وما كان نقش خاتمه. وبعدها ترد معلومات موجزة عن الأحداث السياسية في خلافته. وفي
النهاية يذكر أعقابه من الذكور، ووزراءه، وقضاته، وحجابه. يتبع ابن الدواداري خطة القضاعي هذه في الترجمة للخلفاء، لكن لأنّ تاريخه حوليّ؛ فإنه يقسم الترجمة إلى قسمين. في القسم الأول يذكر التواريخ كلها حتى وفاته أو عزله. وفي القسم الثاني يذكر بقية أجزاء الترجمة كما فعل القضاعي؛ بما في ذلك قوائم العاملين مع الخليفة وموظّفي الإدارة. لكنه يكتفي من تلك القوائم بقائمتي الوزراء والحجاب. أما قوائم القضاة وأعقاب الخليفة فيتجاهلهما إلاّ نادرا. وبين هذه القسمين المتباعدين يورد ابن الدواداري كل مضامين تاريخه: الأخبار السياسية، وأخبار الشعراء ومختارات من شعرهم، وأخبار الدويلات، وأخبار من عوالم العلم والمعمار، وطرائف، وغرائب، والأنباء عن النوائب الطبيعية.
وكان بين يدي ابن الدواداري مصدران آخران يوردان قوائم للموظفين، وتراجم للخلفاء، قارن بهما ما لديه، وأفاد منهما في مواطن عدة: العقد الفريد لابن عبد ربه (-328 هـ)،ومروج الذهب للمسعودي (-345 هـ).وليس من السهل التعرف على المصادر التاريخية الأخرى التي عرفها ابن الدواداري وأفاد منها. ففي الدول المنقطعة لابن ظافر الأزدي-وفي القسم الخاص بالدولة العباسية بالذات-أخبار سياسية، لكنها ضئيلة إذا قورنت بالأخبار في المصادر التي ذكرناها سابقا.
ويقطع ابن الدواداري حديثه عن الدولة العباسية وخلفائها مع بدء سيطرة المعزّ الفاطمي على مصر (-359 هـ).وهو يقلّد في ذلك القضاعي، ويضع نفسه ضمن التقليد المصري في التأريخ. ومن حسن الطالع أن تاريخ القضاعي وصل إلينا، وإن يكن ما يزال مخطوطا. ويتميز القضاعي بالإيراد الدائم لكل التواريخ المتعلقة بخليفة معين. ورغم قصر المعلومات السياسية التي يوردها القضاعي فقد أخذ عنه ابن الدواداري منها أيضا. أمّا التراجم القصيرة للخلفاء فقد نقلها عنه أحيانا بكاملها. وكانت كتاب «أخبار الدول المنقطعة» أو
«الدول المنقطعة» لابن ظافر الأزدي (-613 هـ) المصدر الثاني لابن الدواداري. وهو مصدر لم يصل إلينا كاملا بل ضاعت أقسام معتبرة منه.
وهو يؤرخ للدويلات التي ظهرت في قلب الخلافة العباسية، وانقضت أو سقطت. ومن الطريف أنّ الأزدي عقد بابا في كتابه للدولة العباسية، رغم أنها لم تكن قد انقضت أو انقطعت من بغداد في عصره. وقد طبعت من الأجزاء الباقية من الكتاب حتى الآن ثلاثة أقسام تعالج مصائر ثلاث دول: القسم الخاص بالدولة العباسية، والقسم المتعلق بالدولة الفاطمية، والقسم المتعلق بالدولة الحمدانية. وقد استخدم ماديلونغ Madelung القسم المتعلق بالإمامة الزيدية في أقاليم بحر الخرز، في النصوص التي نشرها عن الإمامة الزيدية بطبرستان، والديلم، وجيلان، أمّا النص الذي رجع من أجله ماديلونغ إلى هذا القسم من كتاب الأزدي، فمصدره كتاب ضائع لهلال الصابي (-448 هـ).ولأنّ ابن الدواداري ينقل عن ابن ظافر؛ فإنّ كتاب التاجي للصابي يعتبر مصدرا غير مباشر لابن الدواداري. وقد دلّت المقارنة بين نصّي الصابي وابن الدواداري على تشابه كبير يبلغ حدّ التطابق فيما عدا أنّ ابن الدواداري يختصر في نقوله أحيانا. ويعني هذا من ضمن ما يعينه أنّ ابن الدواداري كان أمينا ودقيقا في نقوله الأخرى عن الأجزاء الضائعة من «أخبار الدول المنقطعة» للأزدي، وهي تمثّل أخباره عن آل دلف والصفّاريين والسامانيين، كما يعني ذلك أننا نملك لدى ابن الدواداري جزءا من النصوص الضائعة من تاريخ الصابي؛ التي تمثّل مصدرا من المصادر غير المباشرة لصاحب «كنز الدرر» .
على أننا لا نعرف يقينا مصادر ابن الدواداري الأخرى لأحداث التاريخ السياسي وبخاصة ما تعلّق منها بمصر. وترد لدى ابن الدواداري عناوين كتب في نصّه تدلّ أسماؤها على أنها كتب في التاريخ أو في التراجم وهي:
1 -
«تاريخ إصبهان» لحمزة بن الحسن الإصفهاني (بعد 350 هـ).
2 -
«أخبار خراسان» لأبي القاسم علي بن الحسين الوزير المغربي (-418 هـ).
3 -
«عيون التواريخ» لغرس النعمة (-480 هـ).
4 -
«تاريخ حلب» لابن العديم (-660 هـ).
وتذكر هذه الكتب في نصّ ابن الدواداري في سياق الحديث عن الزلازل وغرائب النوائب الطبيعية، وفي الحديث عن زيدية بحر الخزر والسامانيين.
ويمكن إدراج هذه الكتب ضمن المصادر الثانوية أو غير المباشرة لكنز الدرر؛ إذ إنّ الراجح أنّ ما ذكر منها في سياق أخبار تاريخية مأخوذ من «الدول المنقطعة» لابن ظافر، وما ذكر في الحديث عن أحداث الطبيعة مأخوذ عن «مرآة الزمان» لسبط ابن الجوزي.
ويرد عند ابن الدواداري في تقاريره عن مصر عنوان كتاب ومؤلفين. أما الكتاب فعنوانه: «البرق الشامي» مثل عنوان كتاب عماد الدين الكاتب الأصفهاني مؤلّف السيرة الصلاحية لكن لا علاقة له به. ذلك أنّ ابن الدواداري يأخذ عن الكتاب المذكور في تقريره عن زلزال العام 430 هـ بمصر. أمّا المؤلفان فهما القضاعي الذي عرضنا له سابقا، وآخر يسميه ابن عسكر، لم نستطع التعرف عليه بين المؤرخين المصريين. ومما يعجب له أنّ ابن الدواداري لا يذكر-باستثناء القضاعي-أحدا من المؤرّخين المصريين المشهورين. لكنّ هناك عملا تاريخيا عنوانه:«تاريخ القيروان» ما رجع إليه ابن الدواداري في أجزاء تاريخه الأخرى، لكنه رجع إليه في الجزء الخامس مرتين
في أخبار عن كافور الإخشيدي والمعزّ الفاطمي.
ويذكر ابن الدواداري الطبريّ دون أن يقتبس منه بشكل مباشر. كما يذكر الفرغاني الذي كتب تكملة للطبري مرتين. ومع أنّ الطبري يشكل المصدر الرئيسي للأخبار عن العباسيين في العادة؛ فإنّ ما يذكره مؤلّف الكنز يختلف كثيرا عن تقارير الطبري باستثناءات قليلة. أمّا «مرآة الزمان» لسبط ابن الجوزي (-654 هـ) فإنّ المؤلّف لا يأخذ عنه في الجزء الخامس إلاّ ما اتّصل بالغرائب ونوائب الطبيعة.
أمّا الأنباء التي يوردها ابن الدواداري عن مقياس النيل كلّ عام، فلم نستطع معرفة مصدرها. وترد الأنباء نفسها عند ابن تغري بردي (-874 هـ) في «النجوم الزاهرة» ؛لكنّ ابن تغري بردي لا يذكر مصدره أيضا. ومع أنّ أنباء المؤرّخين تتفق أحيانا لعدّة سنوات متتالية؛ لكنها تختلف أحيانا اختلافا كبيرا بحيث لا يمكن القول إنّ لهما مصدرا مشتركا.
وهناك صعوبة أخرى لم يمكن الوصول إلى تعليل مقنع لها. فابن الدواداري يورد أسماء ولاة مصر وقضاتها وعمّال خراجها كلّ عام؛ وهو ما لم يفعله المؤرّخون الآخرون بهذا الثبات. ويكتفي ابن الدواداري أحيانا بذكر الاسم الأول، أو اللقب لصاحب الخراج بحيث لا يمكن في كثير من الأحيان التعرّف عليه من مصادر أخرى. أمّا بالنسبة للولاة والقضاة فقد كان المتوقّع أن يعتمد ابن الدواداري على الكندي (-350 هـ) في مؤلّفه المعروف «الولاة والقضاة» .بيد أنّ المقارنة تشير إلى أنّ الكندي لم يكن المصدر المباشر لهذه
الأنباء. ذلك أنّ التوافق بين الكتابين يبلغ أحيانا حدّ التطابق اللفظي؛ لكنّ الكتابين يختلفان أحيانا أيضا اختلافا كبيرا فيما يتعلّق بمدّة ولاية الوالي أو القاضي.
وترد عند ابن الدواداري في الجزء الخامس أخبار عن أقباط مصر لا نجدها في غير كتاب سعيد بن البطريق (-328 هـ) وصلته ليحيى بن سعيد (-458 هـ).فربّما رجع ابن الدواداري في ذلك إلى هذين المؤلّفين.
المصادر الأدبية: يستعمل ابن الدواداري كتب الأدب والسمر استعمالا واسعا. وهو يقصد من وراء ذلك التقليل من جفاف المادة التاريخية ذات المرمى السياسي، كما أنّ القصص والأشعار عنده تلقي أضواء على الشخصيات التي يتعرض لها في الجزء السياسي من التاريخ، وتكشف جوانب من الحياة الثقافية في عصر الخلفاء العباسيين. ولابن الدواداري اهتمام خاصّ بالطرائف الأدبية والتاريخية، التي لا تغيب لدى المؤرخين المسلمين في العادة. فالطبري (-310 هـ) مثلا يقدّم في عمله التاريخي المشهور أخبارا واستطرادات كثيرة من هذا النوع. بيد أنّ «الطرفة» تحتل لدى ابن الدواداري مكانة خاصة تفوق المتعارف عليه لدى المؤرخين. ومرجع ذلك إلى شخصية ابن الدواداري نفسه. فهو في الأصل أديب، سبق له قبل كتابته لكنز الدرر، أن جمع عدة كتب في أدب السمر والطرائف. وهو يحيل في جزء تاريخه الخامس هذا على ثلاثة من تلك المؤلفات أولها:«أمثال الأعيان، وأعيان الأمثال» .وقد اقتبس فكرة الكتاب من «كليلة ودمنة» وقسمه إلى عشر محاضرات، بطلاها تنّين يلقّبه «ناطق الظنين» ،وثعلب يلقّبه «حاذق الأمين» .ويبدأ الكتاب المجموع هذا بأشعار عن الفصول الأربعة، ثم يتلو ذلك فصل في «الأوائل» رجع إليه ابن الدواداري مرارا في جزئه الخامس هذا. وقد رجع ابن الدواداري أيضا في هذا الجزء إلى أقسام أخرى من كتابه «أمثال الأعيان» ؛من مثل تقريره الطويل عن البرامكة. أمّا الكتاب الثاني الذي يذكره في الجزء الخامس من كتب
الطرائف والنوادر التي جمعها فاسمه: «حدائق الأحداق ودقائق الحذّاق» .
وقد أهدى هذا الكتاب إلى صديقه القاضي علاء الدين ابن الأثير (-730 هـ).ورجع إليه في الجزء الخامس في خبر «الوليمة» التي أقامها المأمون بمناسبة زواجه من بوران بنت وزيره الحسن بن سهل. كما رجع في الجزء الخامس إلى كتاب ثالث له من كتب الطرائف والنوادر سمّاه: «ذخائر الأخائر» ،ويتّصل نقله عنه بخبر محنة المأمون لأحمد بن حنبل (-241 هـ) وزملائه. وكان قد أهدى الكتاب للقاضي فخر الدين (-732 هـ) الذي تولى منصب «ناظر الجيش» أيّام السلطان الناصر محمّد بن قلاوون. وكان ابن الدواداري قد ذكر في الجزء الأول من كنز الدرر كتابا آخر له سمّاه:«تبر المطالب وكفاية الطالب» جمع مادّته من اثني عشر كتابا.
ومن المصادر الأدبية التي يرجع إليها ابن الدواداري كثيرا كتاب «أنباء نجباء الأبناء» لابن ظفر الصقلّي (-565 هـ) الذي يحتوي في قسمه الأول على طرائف ونوادر عن أبناء خلفاء الدولتين الأموية والعبّاسيّة. ويحتوي في
قسمه الثاني على طرائف من أخبار الزهّاد والصوفية. ويرجع ابن الدواداري أيضا إلى كتاب الكامل للمبرّد (-285 هـ)،وإلى مروج الذهب للمسعودي (-345 هـ)،ولطائف المعارف للثعالبي (-429 هـ)،والعقد الفريد لابن عبد ربّه (-328 هـ)،ووفيات الأعيان لابن خلّكان (-681 هـ).وهو يستخدم مروج الذهب، ووفيات الأعيان في إيراد الطرائف والنوادر، كما يستخدمهما في أخبار التاريخ السياسي، والتراجم.
أمّا أهمّ مصادره الأدبية فكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني (-356 هـ) الذي يرجع إليه دائما في تراجم الشعراء وأخبارهم وأشعارهم.
ولابن الدواداري غرام خاصّ بإيراد الأشعار وبخاصة لكبار الشعراء، الذين لا يورد أخبارهم ومقتبسات من شعرهم تحت سنة واحدة؛ بل يقسم ما ورد في الأغاني أو ما اختاره منه على عدة سنوات أحيانا فيورد تحت كلّ سنة أشعارا وأخبارا عن الشاعر نفسه مثلما فعل بالنسبة لبشار بن برد (-168 هـ) الذي وزّع أخباره وأشعاره المنقولة عن الأغاني على عشر سنوات (159 - 168 هـ).ولا يرجع ابن الدواداري إلى دواوين الشعراء لأنه يرمي إلى ربط الشعر بالخبر؛ ولذا رجع إلى مجموعات أدبية وشعرية من مثل أشعار أولاد الخلفاء للصولي (-335 هـ)،ويتيمة الدهر للثعالبي (-429 هـ)،وربما أيضا إلى كتاب الورقة لابن الجرّاح (-296 هـ).وقد يقتبس أشعارا من كتاب آخر له مثلما فعل في الجزء الخامس عندما اقتبس شيئا من تشبيهات ابن المعتزّ (-296 هـ) من كتاب له اسمه:«المذاكرة والمفاخرة وآداب المعاشرة» .
مصادره من كتب التراجم: رجع ابن الدواداري إلى كتب التراجم في تراجمه لرجالات الأدب والثقافة والسياسة في ثنايا تاريخه السياسي على السنين. وكتب التراجم التي رجع إليها نوعان: كتب التراجم العامة، وكتب التراجم التي تهتم بشخصيات فرع ثقافيّ أو سياسيّ معيّن. وتأتي تحت النوع الأول كتب تواريخ المدن من مثل تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (-463 هـ)،
وتاريخ دمشق الكبير لابن عساكر (-571 هـ)؛اللذين قلّ ما رجع إليهما ابن الدواداري مباشرة في الجزء الخامس باستثناء مرة واحدة ربما اقتبس فيها عن «تاريخ بغداد» بشكل مباشر. وربما عاد ذلك إلى أنّ طرائق الخطيب وابن عساكر في التراجم هي طرائق المحدّثين التي لا يستسيغها ابن الدواداري ذو المزاج الأدبي الباحث عن النادرة والطرفة، وعن الترجمة المسبوكة المصوغة.
ومن هنا كان لجوؤه إلى ذلك النوع من كتب التراجم الذي يرضي ميوله الأدبية من مثل «وفيات الأعيان» لابن خلكان (-671 هـ)،والتاريخ المظفّري للقاضي ابن أبي الدم (-642 هـ).ومع أنه لا يذكر «وفيات الأعيان» غير مرتين في الجزء الخامس؛ فقد اتضح لي بالمقارنة أنه كثيرا ما يقتبس منه دونما ذكر له.
وهو يذكر ابن أبي الدم في مناسبتين: الترجمة لصاحب الزنج، وذكر التحدّر النسبي لأحمد بن طولون والي مصر (254 - 270 هـ).ولم نستطع معرفة ما إذا كان قد استعمل تاريخ ابن أبي الدم في مواطن أخرى لأنّ عمله لم يصل إلينا، وأخبار المصادر عنه أنه عمل ضخم كان يقع في ستة مجلّدات.
أمّا في أخباره عن الوزراء فيرجع ابن الدواداري إلى «كتاب الوزراء» للصولي (-335 هـ)؛وهو كتاب ضائع. ويرجع في أخباره عن الفلكيين إلى كتاب القاضي صاعد بن أحمد بن صاعد (-462 هـ): «طبقات الأمم» .لكنه يذكر لصاعد كتابا آخر، لا تذكره المصادر، باسم «الملل والنحل» ينقل عنه أخبارا عن ابن عبد ربّه (-328 هـ).وكثيرا ما يلجأ في المعلومات عن الأشخاص إلى كتب الأدب والشعر كما فعل بالنسبة لكتابي الأغاني ويتيمة الدهر؛ مما سبق ذكره.
وابن الدواداري أمين تجاه مصادره. لكنّه يختصر النصّ أحيانا، ويزيد فيه بضع كلمات أحيانا أخرى. وتأتي استطراداته متكلّفة أحيانا في استهلالاتها