المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

رحمه الله بناء على أنهم توارثوه عن السلف وأنها منبع - التراويح أكثر من ألف عام في المسجد النبوي - جـ ١٠

[عطية سالم]

الفصل: رحمه الله بناء على أنهم توارثوه عن السلف وأنها منبع

رحمه الله بناء على أنهم توارثوه عن السلف وأنها منبع السنة.

وهكذا اليوم منزلة المدينة في نفوس المسلمين وقداستها في قلوبهم وإمامتها في أنظارهم فهي دار الهجرة وموطن التشريع.

وعمل الختم في نهاية التراويح والتهجد في رمضان بالمسجد النبوي في هذه الآونة طبقت أخباره الآفاق والأمصار، ويفد لحضوره عدد من جميع الأقطار، فلا بد وأن يكون موضع تساؤل عن أصل مشروعيته ولا سيما من الذين يتطلعون إلى أدلة كل عمل، وقد تساءل عبد الله بن أحمد بن حنبل مع أبيه حين سمعه يذكر عمل الختم فقال له: إلى أين تذهب في ذلك، أي ما هو دليلك فيه؟ فأجابه بما عنده فيه وسيأتي قريباً إن شاء الله.

وقبل كتابة هذه الرسالة تساءل معي أحد الإخوان الذين لهم غيرة على السنة وشدة على البدعة وشبهته في ذلك من جهتين:

ص: 67

و‌

‌الجهة الثانية:

إن الناس في حالة سماع التلاوة طيلة الشهر يكونون في هدوء تام وحسن إصغاء وصمت، وعند دعاء الختم تعتريهم حالات الضراعة والبكاء والابتهال ويقول: إن الدعاء لا يكون أعظم تأثيراً من كلام الله تعالى.

هكذا أورد لي وجهة نظره وربما كان لا يحضر ولا يشارك في هذا العمل فكان من المستحسن إيراد الجواب على وجهة النظر تلك وعرض ما أقف عليه من الأدلة عن السلف رحمهم الله سواء المرفوع منها أو الموقوف العام فيها أو الخاص مما تستأنس له النفس ويطمئن إليه القلب إن شاء الله.

ص: 67

أما‌

‌ الأدلة:

فقد وجدت في مجمع الزوائد ج1 ص172 حديث العرباض بن

ص: 67

سارية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاة فريضة فله دعوة مستجابة ومن ختم القرآن فله دعوة مستجابة" رواه الطبراني، وفيه عبد الحميد بن سليمان وهو ضعيف، وعن ثابت أن أنس بن مالك رضي الله عنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله وولده فدعا لهم. رواه الطبراني ورجاله ثقات. اهـ.

فهنا حديث مرفوع بسند ضعيف وأثر موقوف على صحابي رجاله ثقات فيعضد أحدهما الآخر، وفي رسالة للشيخ حسين مخلوف ما نصه:(يسن الدعاء عقب الختم) وساق حديث العرباض المتقدم وقال: رواه الطبراني وغيره.

وعن أنس مرفوعاً: "من قرأ القرآن وحمد الرب وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم واستغفر ربه، فقد طلب الخير مكانه" رواه البيهقي في الشعب. وكان عند ختم القرآن يجمع أهله ويدعو.

فقد وجدنا حديث العرباض رواه الطبراني وغيره ووجدنا أثراً موقوفاً ومرفوعا عند البيهقي ومؤيداً بعمل الصحابي الذي رواه مرفوعاً.

وعند المروزي في كتاب (قيام الليل) قال: "كان رجل يقرأ القرآن من أوله إلى آخره في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ابن عباس يجعل عليه رقيباً فإذا أراد أن يختم قال لجلسائه: قوموا حتى نحضر الخاتمة".

وروي عن مجاهد أنه قال: "تنزل الرحمة عند ختم القرآن ويقولون الرحمة تنزل".

فهذه نصوص عامة في الدعاء عقب ختم القرآن مطلقاً من غير قيد الصلاة أو غيرها.

وقد وجدنا عند ابن قدامة تفصيلاً كاملاً في خصوص هذا العمل لأحمد رحمه الله.

قال في المغني ج2 ص171 قال: "فصل في ختم القرآن. قال الفضل بن زياد: سألت أبا عبد الله فقلت: ختم القرآن أجعله في الوتر أو في التراويح قال: اجعله في التراويح حتى يكون لنا دعاءين اثنين، قلت كيف أصنع؟ قال: إذا فرغت من آخر القرآن فارفع

ص: 68

يديك قبل أن تركع وادع لنا ونحن في الصلاة وأطل القيام، قلت: بم أدعو؟ قال: بما شئت، قال: ففعلت بما أمرني وهو خلفي يدعو قائماً ويرفع يديه". فقد فصل لنا هذا النص عن أحمد كيفية العمل في الختم وبين لنا محله وعموم الدعاء فيه.

ونص عن حنبل قال: سمعت أحمد يقول في ختم القرآن: إذا فرغت من قراءة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع، قلت: إل أي شيء تذهب في هذا؟ قال: "رأيت أهل مكة يفعلونه، وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم بمكة".

قال العباس بن عبد العظيم: "وكذلك أدركنا الناس بالبصرة وبمكة. ويروي أهل المدينة في هذا شيئاً وذكر عن عثمان بن عفان.

ففي هذا نجد الفضل بن زياد يسأل أحمد لا عن مشروعية الدعاء عند الختم، بل عن موضعه من الصلاة وكيفية العمل فيه وأقره أحمد رحمه الله وبين له الكيفية والموضع مما يدل على أن أصل المشروعية معلوم لهما.

فلا غرو أن يقع التساؤل اليوم عن مشروعية هذا العمل، وقد وقع من قبل بين حنبل وأحمد رحمهما الله وقال له: إلى أين تذهب في ذلك، أي إلى دليل عليه.

وأحاله أحمد رحمه الله على ما عنده فيه مما رآه بالفعل من عمل أهل مكة، وفعل الإمام الجليل سفيان بن عيينة مع أهل مكة، وما يروى عن أهل المدينة، وما كان يفعل في الأمصار الثلاثة الرئيسية البصرة ومكة والمدينة مناطق العلم ومواطن الإقتداء آنذاك بالإضافة إلى ما عند أهل المدينة في ذلك عن عثمان رضي الله عنه، وكذلك ما رأينا عن ابن عباس رضي الله عنه، فظهر من هذا كله مستند مشروعية الدعاء عقب ختم القرآن سواء على الإطلاق أو في التراويح مع بيان الكيفية عن أحمد رحمه الله.

وهي في مجموعها كافية لمثل هذا العمل بناء على أن ما كان مشروعاً بأصله فهو جائز بوصفه، فأصل الدعاء مشروع وكونه متصفاً بصورة الختم لا تنفي مشروعيته ومثله القنوت، دعاء في الصلاة.

ومهما يكن من شيء فإن ما تقدم من

ص: 69

عرض ما ورد عن السلف يكسب طمأنينة ويورث ارتياحاً لمشروعية هذا العمل، وأن فيه اقتداءً بسلف الأمصار الثلاثة البصرة ومكة والمدينة.

أما التأثر بالدعاء أشد من التأثر بالتلاوة فهذه مقارنة بين حالتي المصلين في سماع التلاوة طيلة الشهر في هدوء وطمأنينة وسماع الدعاء عند الختم في ضراعة وبكاء وخشية وابتهال، وهما حالتان متغايرتان.

إلا أنهما وإن اختلفتا في الشكل فهما متحدتان في المعنى والحقيقة لأن آداب التلاوة في حسن الاستماع والإنصات، وخصائص الدعاء الابتهال والخشوع.

وللدعاء مكان لا تتأتى فيه التلاوة كالسجود أقرب ما يكون العبد فيه إلى الله تعالى، ومع هذا القرب لا تجوز التلاوة وينبغي الاجتهاد في الدعاء وكالحالات التي وردت فيها نصوص أدعية خاصة في الصباح وفي المساء ودخول المسجد وافتتاح الصلاة والقنوت.

وكما أن للتلاوة آداباً فللقرآن مواضع تمر بالمستمع من مواعظ وأخبار وتشريع وحلال وحرام وغير ذلك مما ينقل ذهن السامع من معنى إلى معنى آخر.

وأما الدعاء فإن المستمع والداعي تتركز أحاسيسهم وأفكارهم وشعورهم وقلوبهم إلى وجهة واحدة هي الضراعة والإنابة والابتهال إلى المولى عز وجل.

بل إن الفطرة نوجه القلب في حالة الاضطرار والفزع إلى خالص الدعاء وذل السؤال كما قال صلى الله عليه وسلم: "الدعاء مخ العبادة".

ومن الواضح البين ما كان منه صلى الله عليه وسلم يوم بدر لما قام في العريش حين التقت قوى الحق على قلتها مع قوى الشر على كثرتها توجه إلى الله تعالى بالدعاء وألح على ربه في السؤال حتى أشفق عليه الصديق قائلاً: بعض مناشدتك ربك يا رسول الله.

فقد اجتهد صلى الله عليه وسلم في الدعاء ولم يلجأ إلى التلاوة، وكذلك ما جاء في الأحاديث الصحيحة عن يوم الفزع الأكبر حين يذهب صلى الله عليه وسلم لطلب الشفاعة فإنه يسجد سجوداً طويلاً ويلهمه الله

ص: 70