المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ هل بالإمكان أن يأتي متأخر بتفسير معتبر لآية غفل عنه المتقدمون - لقاءات ملتقى أهل الحديث بالعلماء - جـ ١٣

[ملتقى أهل الحديث]

الفصل: ‌ هل بالإمكان أن يأتي متأخر بتفسير معتبر لآية غفل عنه المتقدمون

ـ[قال السائل:‌

‌ هل بالإمكان أن يأتي متأخِّر بتفسير معتبر لآية غفل عنه المتقدّمون

؟ ]ـ

هذه المسألة مهمة جدًّا، وهي تحتاج إلى معرفة ما يترتب على القول بأن المتأخرين لا يمكن أن يأتوا بتفسير معتبر لم يقل به المتقدمون، إذ نتيجة القول بأنَّ المتأخرين لا يمكن أن يأتوا بتفسيرٍ معتبر لم يقل به السلف ما يأتي:

1 ـ أن التفسير توقَّف على ما قال به السلف فقط.

2 ـ أنه لا يجوز القول في التفسير بغير ما قال به السلف.

3 ـ أن كل قول بعد قولهم، فهو باطل على الإطلاق.

والمسألة ترجع إلى أصل من أصول التفسير، وهي مسألة (وجوه التفسير)، فهل يوجد للآية أكثر من وجه تفسيري معتبر أم لا؟، وإنما قلت: معتبرًا؛ لئلا يُفهم أن الوجوه الباطلة والباطنة تدخل في مرادي.

وهذه المسألة قد فهمها السلف ومن جاء بعدهم من العلماء، وقد وجدت في تطبيقاتهم التفسيرية، ومن أمثلة أقوالهم:

عندَ تفسيرِه قولَ اللهِ تعالى: {وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيطَانٍ رَجِيمٍ} ] الحجر: 17 [قالَ الشَّنقيطيُّ (ت: 1393): «

فقوله رضي الله عنه: إلَاّ فهماً يعطيه الله رجلاً في كتابِ اللهِ، يدلُّ على أنَّ فَهْمَ كتابِ اللهِ تتجدَّدُ به العلومُ والمعارفُ التي لم تكنْ عند عامَّةِ الناسِ، ولا مانعَ من حمل الآيةِ على ما حملها المفسِّرونَ، وما ذكرْناه أيضاً أنَّه يُفْهَمُ منها، لِمَّا تَقَرَّرَ عندَ العلماءِ مِنْ أنَّ الآيةَ إنْ كانت تحتملُ معانيَ كلُّها صحيحٌ، تَعَيَّنَ حَمْلُهَا على الجميعِ، كما حَقَّقَه بأدلتِهِ الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ أبو العباسِ بنُ تَيمِيَّةَ رحمه الله في رسالتِهِ في علومِ القرآنِ» (1).

وأما تطبيقاتهم، فأكثر من أن تُحصى، وإلا فما عمل المفسرون الذين جاؤا بعدهم؟!

ولقد بُحثت هذه المسألة في أصول الفقه، وصورة المسألة عندهم:

إذا ورد عن السلف تفسيران، فهل يجوز إحداث قول ثالث؟

(1) أضواء البيان (3: 124).

ص: 36

وفي نظري أن إيراد هذه المسألة بهذه الصورة في كتب أصول الفقه فيه نظر؛ لأنه لا يفرق بين علم التفسير وعلم الفقه.

فعلم الفقه يرتبط بالعمل، إذ يتضمن افعل أو لا تفعل، وهذا إما أن يكون كذا وإما أن يكون كذا، فلا يصلح القول الثالث في كثير من الأحيان في مجال الفقه.

أما في مجال التفسير، فالتفسير مرتبط بالمعنى، والمعنى يمكن أن يتعدد، ولم يكن من شرط التفسير أنَّ السابقين قد أتوا على جميع محتملاته، بل هناك بعض المحتملات الصحيحة التي لم يذكرها السلف، وهذه المحتملات تقبل إذا توفرت فيها الضوابط الآتية:

1 ـ أن يكون المعنى المذكور صحيحًا في ذاته.

2 ـ أن لا يبطل قول السلف.

3 ـ أن تحتمله الآية.

4 ـ أن لا يُقصر معنى الآية على هذا المحتمل الجديد، ويترك ما ورد عن السلف.

وإن قال قائل: هل يعني هذا جهل السلف بهذا المعنى الذي ذكره المتأخرون؟

فالجواب: إنه لا يلزم أن يوصف السلف بجهل المعنى الجديد، ولكن للمسألة وجه آخر، وهو أنه لو ظهرت لهم أمارات تدعو للقول به، وتركوه، أو قيل لهم فاعترضوا عليه، فإنه يمكن في هذه الحال أن يقال: لا يصلح القول به.

ومما يدل على ذلك تعدد اجتهاد السلف في طبقاتهم الثلاث (الصحابة والتابعين وأتباع التابعي)، ولو كان لا يجوز القول في التفسير إلا بما سمعوا، لما ورد تفسير للصحابة، ولو اكتفى التابعون بما سمعوه من الصحابة لما ورد تفسير للتابعين

الخ.

ولو كان التفسير لا يجوز فيه الاجتهاد والإتيان بمعنى جديد، لكان مما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يتركه لمن بعده.

ومما يستأنس به في هذا المقام أن بعض السلف قد نزَّلوا آيات على بعض أهل البدع الذين عاصروهم، وهذا من باب الرأي، ولو كان لا يجوز مثله لما قالوا به، والله أعلم.

وإنما ترك الرسول صلى الله عليه وسلم تفسير جميع القرآن، وفسَّر بعضه مما احتاج التنبيه عليه أو مما وقع في إشكال على الصحابة، فسألوه، فأجابهم.

ص: 37