المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ في الأحاديث المضروب عليها - لقاءات ملتقى أهل الحديث بالعلماء - جـ ١٤

[ملتقى أهل الحديث]

فهرس الكتاب

- ‌الشيخ الدكتور سعدي الهاشمي

- ‌السيرة الذاتية للأستاذ الدكتور سعدي مهدي الهاشمي

- ‌ طبعة «الثقات» لابن حبان

- ‌ أهم المخطوطات التي يتمنى شيخنا لو رآها مطبوعة

- ‌ مخطوط لابن الجزري رحمه الله

- ‌ المصدر الوفير لمعرفة روايات الكتب الستة

- ‌ طبعات السنن

- ‌ الطريق الصحيح لإخراج المخطوطات في عصرنا

- ‌ المخطوطات مجهولة المصدر

- ‌ علاقة بين برامج الحاسب في عصرنا وبين تدوين السنة

- ‌ في الأحاديث المضروب عليها

- ‌ الموسوعات الإلكترونية المعاصرة ستؤثر على عملية التأليف

- ‌ حول ابن سبأ

- ‌ الرواة الذين قيل عنهم: متشيعون

- ‌هل يقدح ذلك التشيع

- ‌ عملكم في سنن أبي داود

- ‌ مسوَّدات كتب العلماء هل تنشر

- ‌[ألفاظ الجرح النادرة]

- ‌[عن تحقيق سنن أبي داود، نسخه ورواياته]

- ‌[أ. د. أكرم ضياء العمري]

- ‌[التحقيق على نسخ خطية]

- ‌[جهود المستشرقين في خدمة السنة]

- ‌[نسخ خطية للمنتقى لابن الجارود]

- ‌[تحقيق إتحاف المهرة لابن حجر]

- ‌[ألفاظ الجرح والتعديل النادرة]

- ‌[تحرير التقريب]

- ‌[العناية بإسناد الحديث وفقه المتن]

- ‌مواضيع مقترحة لرسائل الماجستير]

- ‌[نسخ متقنة للكتب الستة]

- ‌[تواريخ خراسان]

الفصل: ‌ في الأحاديث المضروب عليها

ـ[س 9: أرجو المسامحة شيخنا الجليل، فقد أثقلتُ عليكم، ولكنها فرصة العمر أن نراكم هنا ونقدر على سؤالكم والانتفاع بعلومكم، فبارك الله لنا فيكم، وحفظكم.

سؤال: ما رأيكم شيخنا الجليل‌

‌ في الأحاديث المضروب عليها

، ولا أقصد التي ضرب عليها النساخ، فهذه قد علمنا أنها خطأ من النساخ، ولكن أقصد تلك الأحاديث التي ضرب عليها أصحاب الكتب أنفسهم، ولم يُحَدِّثوا بها، أو رفضوا التحديث بها؟

ومن أمثلة ذلك (ونرجو من الشيخ الاستفاضة حوله): «المسند» للإمام أحمد، فقد ضرب الإمام أحمد على أحاديث، وأمر ابنَه عبد الله بالضرب عليها، ومع ذلك لا زالت هذه الأحاديث في المسند، فما هو رأي فضيلتكم؟ وما معنى الضرب عليها هنا؟ هل ضرب عليها لعلة وفقط؟ أم ضرب عليها ولم يُحَدِّث بها بمعنى أنه لم يرضها في تصانيفه؟ وهل علينا الآن أن نثبتها في متون الكتب؟ أم نضعها في حواشي الكتب؟ نرجو الإفاضة في هذا الأمر من كافة جوانبه؟ ]ـ

الأحاديث المضروب عليها إما أن تكون سبب الضرب عليها الانحراف العقدي أو ضعف الراوي من حيث الشذوذ والنكارة، وغير ذلك.

أما الانحراف العقدي فهو ما حصل في موقف بعض الأمة النُّقَّاد والحُفَّاظ في فتنة خلق القرآن، حيث قاطع الإمام أحمد كل من أجاب بفتنة خلق القرآن وقال بخلقه، وأمر ولده عبد الله بعدم رواية أحاديثهم.

قال أبو زرعة: «كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن علي بن الجعد، ولا سعيد بن سليمان، ورأيت في كتابه مضروباً عليهما، ولا يرى الكتابة عن أبي نصر التمار، ولا عن أبي معمر، ولا يحيى بن معين، ولا أحد ممن امتحن فأجاب» .

والخبر رواه أبو زرعه والخطيب بإسناده إليه، وكذا ابن الجوزي، وغيرهما.

وفيهم أئمة وغيرهم لم يذكروا في هذا النص كالإمام علي بن المديني، ودافع عنهم الحفاظ، وشهدوا لهم بالحفظ والإتقان، فهذا الحافظ الذهبي يقول بعد ذكره موقف الإمام أحمد من أبي نصر التمار:«قلت: أجاب تقية وخوفاً من النكال، وهو ثقة بحاله ولله الحمد» «سير أعلام النبلاء» ج /573.

ص: 12

وعدَّ ذلك (تشدد ومبالغة، والقوم معذورون، تركوا الأفضل فكان ماذا)، وقد خَرَّج الإمام البخاري لبعضهم في «الصحيح» ، ومع هذا الاعتذار يبقى موقف الإمام أحمد بن حنبل هو الصواب وهو الحق، حيث ثبَّت الله عز وجل بثباته الأمة وعدم التأثر بأفكار المبتدعة ومعتقداتهم المخالفة لمعتقد السلف الصالح، وقد صَرَّح عبد الله بن الإمام أحمد بهذا الأمر في تركه الرواية عمن أجاب بفتنة خلق القرآن، قال الحافظ ابن حجر في ترجمة إبراهيم بن الحسن الباهلي (ت 235 هـ):«قلت: كان عبد الله بن أحمد لا يكتب إلاّ عمن أذن له أبوه في الكتابة عنه، وكان لا يأذن له أن يكتب إلا عن أهل السنة، حتى كان يمنعه أن يكتب عمن أجاب في المحنة، فلذلك فاته علي بن الجعد ونظراؤه من المسندين» [«تعجيل المنفعة» 1/ 258]، والتزم بهذا الأمر بعض خواص الإمام أحمد، فهذا أبو زرعه الرازي (ت 264 هـ) الذي قال عن علي بن المديني وقد سئل عنه «لا نرتاب في صدقه» ، نراه ترك الرواية عنه.

قال ابن أبي حاتم في ترجمته: «كتب عنه أبي وأبو زرعة، وترك أبو زرعة الرواية عنه من أجل ما كان منه في المحنه، ووالدي كان يروي عنه لنزوعه عما كان منه» [«الجرح والتعديل» ج3/ ق 1/ 194]، و [«ميزان الاعتدال» 3/ 138]، و [«تهذيب التهذيب» 7/ 356]، وكذا موقف إبراهيم بن إسحاق الحربي [«تاريخ بغداد» 11/ 470]، [«مناقب الإمام أحمد» لابن الجوزي ص 392]، و [«ميزان الاعتدال» 3/ 138] وانظر بتفصيل في «أبو زرعة وجهوده في السنة

» ج 3/ 975، ورغم هذه النصوص العديدة وغيرها نجد الأحاديث المخرَّجة في 1003. «المسند» عن بعض الرواة الذين امتنع الإمام أحمد عن الكتابة عنهم ومن الذين أوصى ولده بالضرب على أحاديثهم، ففي أفضل طبعة للمسند والتي بلغ مجموع الأحاديث فيها بالمكرر (27646) حديثاً نجد:

ص: 13

1 -

(خ م د س) إسماعيل بن إبراهيم بن معمر الهذلي أبو معمر (ت 236 هـ) حديثاً واحداً رقم (26876).

2 -

(ع) سعيد بن سليمان الضبي أبو عثمان الواسطي (سعدويه)(ت 225 هـ) ثلاثة أحاديث (15320، 26911، 26974).

3 -

(خ د ت س فق) علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي أبو الحسن البصري (ت 234 هـ) قرابة (70) حديثاً (1387، 1610، 2248، 3897، 5437، 5871، 5873، 6908، 7073، 8768، 8996، 8998، 9437، 11063، 11761، 11762، 22864، 11765، 13816، 14107، 14108، 14109، 14110، 14111، 14881، 14883، 15288، 15299، 16298، 16301، 16302، 16387، 17625، 17726، 18506، 18962، 18963، 18965، 19327، 19404، 19566، 19567، 19569، 1968، 19682، 19720، 19723، 1992، 19925، 19993، 20118، 20119، 20120، 20192، 20460، 20620، 21382، 21663، 22420، 22708، 23358، 23854، 24009/ 7 24009/ 28، 24009/ 39، 24617.

4 -

(ع) يحيى بن معين بن عون بن زياد المرى الغطفاني مولاهم البغدادي (ت 233 هـ) حديثان (51، 21119).

ص: 14

ولعل السبب في بقاء هذه الأحاديث في «المسند» هو أن الإمام أحمد كما يقول الحافظ الذهبي: «كان لا يرى التّصْنيف، وهذا كتاب «المسند» له لم يصنِّفه هو، ولا رتَّبه، ولا اعتنى بتهذيبه، بل كان يرويه لولده نُسخاً وأجزاءاً ويأمره: أنْ ضَعْ هذا في مُسْنَد فلان، وهذا في مسند فلان) [«سير أعلام النبلاء» ج 13/ 522]، ثم زاد الحافظ الجزري (ت 833 هـ) حيث وضح الأمر أكثر فقال:«إن الإمام أحمد شرع في جمع هذا «المسند» ، فكتبه في أوراق مفردة، وفرقه في أجزاء منفردة على نحو ما تكون المُسَوَّدة، ثم جاء حلول المنيَّة قبل حصول الأُمنية، فبادر بإسماعه لأولاده وأهل بيته، ومات قبل تنقيحه وتهذيبه، فبقى على حاله، ثم إن ابنه عبد الله الحقَ به ما يشاكِلُه، وضمَّ إليه من مسموعاته ما شابهه ويماثله

» [«المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد» ص 10]، وأول من سمعه في أهل بيته هو عبد الله [«سير أعلام النبلاء» جـ13/ 523].

ومع ذلك لم يُحرِّر عبد الله ترتيب «المسند» كما يقول الذهبي: «ولا سَهَّله فهو محتاج إلى عمل وترتيب،

ولم يكن القطيعي- الحافظ أحمد بن جعفر ثقة ت 368هـ- من فرسان الحديث ولا مجوِّداً، بل أدَّى ما تحمَّله، إنْ سَلِم من أوهام في بعض الأسانيد والمتون» [«سير أعلام النبلاء» ج13/ 524].

فعدم تحرير «المسند» من حيث الترتيب والعناية ربما بقيت تلك الأحاديث رغم الضرب عليها - والله أعلم- والأمر يحتاج إلى دراسة مفصلة.

ص: 15

وهنالك أمر آخر يتعلق بضرب الإمام أحمد على أحاديث كان لا يرى بقائها في «المسند» ، وليس رواتها ممن ساهموا أو امتحنوا بفتنة خلق القرآن، فمثلاً حديث:«يُهْلِكُ أُمَّتي هذا الحيُّ من قريش» ، قالوا: فماذا تأمرنا به يا رسول الله؟ قال: «لو أنَّ الناس اعتزلوهم» ، أخرجه أحمد في «المسند» ج 2/ 288، 299، 301، 304، 485، والحديث صحيح أخرجه البخاري في «صحيحه» ، رقم (3064، 3065)، «فتح الباري» ج 6/ 612، ج 13/ 9.

ومع ذلك قال عبد الله: قال لي أبي في مرضه الذي مات فيه: أضرب على هذا الحديث، فإنه خلاف الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. يعني: قوله: «اسمعوا أطيعوا» [«المسند» ج2/ 301].

قال أبو موسى: «وهذا - مع ثقة رجال إسناده- حين شذَّ لفظه عن الأحاديث المشاهير أمر بالضرب عليه .... » [«خصائص المسند» ص 24] و [«الفروسية» ص 266 - 267].

قلت - القائل ابن قيم الجوزية ت 751 هـ وهو يرد على أبي موسى المديني الحافظ -: هذا لا يدلُّ على أن كل حديث في «المسند» يكون صحيحاً عنده، وضربُه على هذا الحديث مع أنه صحيح أخرجه أصحاب الصحيح، لكونه عنده خلاف في الأحاديث، والثابت المعلوم من سنته ? في الأمر بالسمع والطاعة، ولزوم الجماعة، وترك الشذوذ والانفراد، كقوله ?:«اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبدٌ حبشيٌّ» [رواه البخاري]، وقوله:«من فارق الجماعة، فمات، فميتته جاهلية» [رواه مسلم]، وقوله:«الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد» [رواه الترمذي]، وقوله:«من فارق الجماعة، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه» [رواه أبو داود]، وقوله: «ثلاث لا يُغلُّ عليهن قلب رجل مسلم: إخلاص العمل لله

» [رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد

]، وقوله:«عليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية» [رواه أحمد- صحيح -]، إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة المستفيضة المصرِّحة بلزوم الجماعة.

ص: 16

فلما رأى أحمد هذا الحديث الواحد يخالف هذه الأحاديث وأمثالها، أمر عبد الله بضربه عليه» [«الفروسية» ص 270].

وتوجد طائفة كبيرة من الأحاديث أمر بالضرب عليها لضعف رواتها.

ومن هؤلاء الرواة:

1 -

أبان بن أبي عياش، فيروز البصري، قال عنه الإمام أحمد:(متروك الحديث، ترك الناس حديثه مُذ دهر من الدهر)[«العلل» رقم (872)].

قال عبد الله: قرأت على أبي حديث عباد، فلما انتهى إلى حديث أبان بن أبي عياش قال: اضرب عليها، فضربت عليها وتركتها. [«العلل» (4887)] و [«الضعفاء» للعقيلي (22)]، ومع ذلك يوجد له حديث رقم (12686) في «المسند» .

2 -

سعيد بن عبد الجبار الزُّبيدي أبو عثمان الحِمصيّ.

قال المرُّوذي: قلت له (يعني لأبي عبد الله) سعيد بن عبد الجبار مكي؟ قال: لا، هذا من أهل الشام، حدثنا أبو بدر عنه بحديثين، وقد ضربتُ عليهما. قلت: وأيش حاله؟ قال: حدَّث بأحاديث مناكير. [«سؤالات المروذي» رقم (148)].

3 -

عبد الله بن مور بن عبد الله بن عون بن جعفر بن أبي طالب أبو جعفر القرشي المدائني، قال عبد الله: قال أبي: واسمه عبد الله مور بن عون بن جعفر بن أبي طالب، قال أبي: اضرب على حديثه، أحاديثه موضوعة، أبى أن يُحدثنا عنه. [«العلل» رقم (640)].

4 -

(ت ق) فائد بن عبد الرحمن الكوفي، أبو الورقاء العطّار (ت بحدود 160 هـ).

قال عنه أحمد بن حنبل: (متروك الحديث)[«العلل» (4149)] و [«تهذيب التهذيب» 8/ (473)].

وحديثه في «المسند» برقم (19410، 1941)، وقال عبد الله عقب الحديث الثاني: (فلم يحدث أبي بهذين الحديثين، ضرب عليهما في كتابه لأنه لم يرض حديث فائد بن عبد الرحمن، وكان عنده متروك الحديث، واكتفى بهؤلاء الرواة.

ص: 17

وعليه وبناء على موقف الإمام أحمد من الرواة الضعفاء والرواة الشيوخ الذين امتنع عن الرواية عنهم بسبب خلق القرآن وبعض البدع كعلي بن الجعد يلزم وضع أحاديثهم الواردة في «المسند» في الحاشية خارج المتن، مع التعليق على كل واحد بما حكم عليه الإمام أحمد، وتقديم دراسة عن موقفه ممن أجاب بفتنة خلق القرآن، وسرد أسماء من وردت له رواية عنه، والله أعلم.

وتوجد حالة أخرى هي نفس حالة الضرب على الحديث، فمثلاً حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه:«لئن بقيت لنصارى بني تغلب لأقتُلَنَّ المقاتلة، ولأسبِتنَّ الذرية، فإني كتبت الكتاب بينهم وبين النبي ? على أن لا يُنَصروا أبناءهم» [ج1/ 429، رقم (2040)].

قال أبو علي اللؤلؤي الإمام (ت 333 هـ) راوي «سنن أبي دواد» : «ولم يقرأه أبو داود في العرضة الثانية» ، والسبب أن أبا داود قال:«هذا حديث منكر، بلغني عن أحمد أنه كان ينكر هذا الحديث إنكاراً شديداً» ، ومع هذا نجد الحديث يذكر في طبعات «سنن أبي داود» .

ونجد غير الإمام أحمد أيضاً من اتبع نفس الأسلوب والمنهج، فهذا الإمام الرازي (أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم ت 264).

وكان من يقرأ عليه كالبرذعي (ت هـ) مثلاً من كتبه التي دونها وروى فيها عن الشيوخ حينما يمر على حديث ثبت عنده أن راويه من الضعفاء والمتهمين والوضاعين لا يقرأه ويأمره أن يضرب عليه، وتوجد أمثلة غير قليلة، منها قول البرذعي:«فسألت أبا زرعة عنهما - حديثان - فأمرني أن أضرب عليهم، ولم يقرأهما» [«جهود أبي زرعة» ص: 410].

قلت - أي البرذعي - «أبو بكر القرشي؟ قال: ضعيف الحديث، وأمرنا أن نضرب على حديثه» ص: 510.

ص: 18