الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجزء الأول من كتاب التعازي
تأليف أبي الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني
مما رواه أبو طالبٍ عبد الله بن محمد العكبري
عن أبي محمد، الحسن بن علي بن المتوكل، عنه
رواية أبي سهلٍ، محمود بن عمر بن محمود العكبري
رواية الشيخ أبي القاسم، علي بن أحمد بن محمد بن البسري البندار، عنه
سماع يلتكين بن السديد طايوق التركي، متع به
بسم الله الرحمن الرحيم
1-
أخبرنا الشيخ أبو القاسم علي بن أحمد بن البسري البندار، قال: أخبرنا أبو سهل محمود بن عمر بن محمود العكبري، قراءةً عليه، قال: نا أبو طالب عبد الله بن محمد العكبري، قال: أنا أبو محمد حسن بن علي بن المتوكل، ببغداد، قراءةً عليه، قال: نا أبو الحسن علي بن محمد المدائني، قال: أنا أبو الحكم الليثي، عن شيبة بن نصاحٍ، قال:
⦗ص: 22⦘
لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعوا قائلاً: ولم يروا أحداً يقول: في الله عز وجل عزاءٌ من كل هالكٍ، وخلف مما فات، وعوضٌ من كل مصيبةٍ، فالمحبور من حبر الثواب، والخائب من أمن العقاب.
2-
أخبرنا محمود، قال: نا عبد الله، قال: أنا الحسن. قال: أنا أبو الحسن علي بن محمد، قال: قال مسلمة، عن أبان بن أبي عياش، عن أنس بن مالك:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لأن أقدم فرطاً، أحب إلي من أن أدع مئة مستلئم)) .
3-
أخبرنا محمود قال: أنا عبد الله، قال: نا الحسن، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال: أنا الحسن بن دينار، عن علي بن زيد، عن أنس ابن مالك:
⦗ص: 23⦘
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع ابنه إبراهيم في حجره، وهو يجود بنفسه، فقال:((لولا أنه موعدٌ صادقٌ، ووعدٌ جامعٌ، وأن الماضي فرطٌ للباقي، وأن الآخر لاحقٌ بالأول، لحزنا عليك يا إبراهيم)) .
ودمعت عينه، وقال:((تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما لا يرضي الرب؛ وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون)) .
4-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال: أبو بكر الهذلي، عن أبي المليح، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله عز وجل: إذا أخذت صفي عبدي فصبر، لم أرض له ثواباً دون الجنة)) .
قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عزى قال: ((رحمكم الله وآجركم)) .
5-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا علي بن
⦗ص: 24⦘
محمد، أبو الحسن، قال: أنا محمد بن جعفر [قال:] .
مات أخٌ لبعض ملوك اليمن، النعمان أو غيره، فعزاه بعض العرب، فقال:
اعلم أن الخلق للخالق، والشكر للمنعم، والتسليم للقادر، ولابد مما هو كائنٌ، وقد جاء ما لا يرد، ولا سبيل إلى رجوع ما قد فات؛ وقد أقام معك ما سيذهب عنك أو ستتركه، فما الجزع مما لا بد منه؟ وما الطمع فيما لا يرجى؟ وما الحيلة فيما سينقل عنك أو تنقل عنه؟ وقد مضت لنا أصولٌ نحن فروعها، فما بقاء الفرع بعد أصله؟ فأفضل الأشياء عند المصائب الصبر؛ وإنما أهل هذه الدنيا سفرٌ لا يحلون الركاب إلا في غيرها؛ فما أحسن الشكر عند النعم، والتسليم عند الغير.
واعتبر بمن قد رأيت من أهل الجزع؛ فإن رأيت الجزع رد أحداً منهم إلى ثقةٍ من دركٍ، فما أولاك به.
واعلم أن أعظم من المصيبة سوء الخلف منها؛ فأفق، والمرجع قريبٌ.
واعلم أنما ابتلاك المنعم، وأخذ منك المعطي، وما ترك أكثر، فإن أنسيت الصبر فلا تغفل الشكر، وكلا فلا تدع.
واحذر من الغفلة استلاب النعم، وطول الندامة؛ فما أصغر المصيبة اليوم مع عظيم المصيبة غداً، واستقبل المصيبة بالحسنة تستخلف بها نعماً.
⦗ص: 25⦘
فإنما نحن في الدنيا غرضٌ تنتضل فينا المنايا، ونهبٌ للمصائب؛ مع كل جرعة شرقٌ، وفي كل أكلةٍ غصصٌ؛ ولا تنال نعمةٌ إلا بفراق أخرى، ولا يستقبل معمرٌ يوماً من عمره إلا بهدم [آخر من أجله، ولا تحدث له زيادة في أكله إلا بنفاذ] ما قبله من رزقه، ولا يحيا له أثرٌ إلا مات له أثرٌ، فنحن أعوان الحتوف على أنفسنا، وأنفسنا تسوقنا إلى الفناء، فمن أين نرجو البقاء؟ وهذا الليل والنهار لا يرفعا [ن] في شيء شرفاً إلا أسرعا في هدم ما رفعا، وتفريق ما جمعا! فاطلب الخير وأهله؛ واعلم أن خيراً من الخير معطيه، وأن شراً من الشر فاعله.
6-
أخبرنا محمودٌ، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا أبو الحسن المدائني: قال جويرية بن أسماء، عن عمه:
إن إخوةً ثلاثةً من بني قطيعة يوم تستر، فاستشهدوا؛ فخرجت أمهم يوماً إلى السوق لبعض شأنها، فتلقاها رجلٌ قد حضر أمر تستر، فعرفته، فسألته عن أمور بنيها، فقال: استشهدوا. فقالت: مقبلين أم
⦗ص: 26⦘
مدبرين دبرين؟ قال: بل مقبلين. قالت: الحمد لله، نالوا الفوز، وحاطوا الذمار؛ بنفسي هم وأبي وأمي.
7-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا أبو الحسن المدائني، عن كليب بن خلف، عن إدريس بن حنظلة، قال:
أصيب عمرو بن كعب النهدي بتستر مع مجزأة بن ثورٍ، فكتموا أباه، ثم علم فلم يجزع، وقال: الحمد لله الذي جعل من صلبي من أصيب شهيداً؛ وقال:
فهل تعدو المقادير يال قومٍ
…
هلاك المال أو فقد الرجال
فكل قد لقيت وقلبتني
…
صروف الدهر حالاً بعد حال
فما أبقين مني غير نضوٍ
…
به أثر الرحالة والحبال
عزوفٍ كلما نكئت فروحٌ
…
به نكبت بأعدالٍ ثقال
ثم استشهد ابن له آخر، يقال له حملٌ، مع سعيد بن العاص بجرجان، فبلغه، فقال: الحمد لله الذي توفى منا شهداء؛
⦗ص: 27⦘
وقال:
جزى حملاً جازي العباد كرامةً
…
وعمرو بن كعبٍ خير ما كان جازيا
خليلي وابني اللذين تتابعا
…
شهيدين كانا عصمتي ورجائيا
ومن يعطه الله الشهادة يعطه
…
بها شرفاً يوم القيامة غاليا
8-
قال أبو الحسن: حدثني يزيد بن عياض بن جعدبة، قال:
لما مات علي بن الحسين رضي الله عنه، ضربت امرأته على قبره فسطاطاً، فأقامت حولاً، ثم رجعت إلى بيتها؛ فسمعوا قائلاً يقول: أدركوا ما طلبوا؟ فأجابه مجيبٌ: بل يئسوا فانصرفوا.
9-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا أبو الحسن، عن علي بن مجاهد، عن عبد الأعلى بن ميمون بن مهران، عن أبيه، قال:
⦗ص: 28⦘
عزى رجلٌ عمر بن عبد العزيز على ابنه عبد الملك، فقال عمر: الأمر الذي نزل بعبد الملك أمرٌ كنا نعرفه، فلما وقع لم ننكره.
10-
قال أبو الحسن، عن علي بن خالد، عن يزيد بن بشر، قال:
لما مات عبد الملك بن عمر، دخل عليه عمر حين مات، فنظر إليه، وخرج وهو يتمثل:
لا يغرنك عشاءٌ ساكنٌ
…
قد يوافي بالمنيات السحر
11-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا أبو الحسن، عن بشر بن عبد الله بن عمر، قال:
قام عمر على قبر ابنه عبد الملك، فقال: رحمك الله يا بني، فقد كنت ساراً مولوداً، وباراً ناشئاً، وما أحب أني دعوتك، فأجبتني.
12-
أخبرنا محمود قال: أخبرنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا أبو الحسن، قال: قال خالد بن عطية، قال:
قال عمر بن عبد العزيز عند وفاة ابنه عبد الملك: الحمد لله الذي
⦗ص: 29⦘
جعل الموت حتماً واجباً على خلقه، ثم سوى فيه بينهم؛ فقال عز وجل:{كل نفس ذائقة الموت} فليعلم ذوو النهى أنهم صائرون إلى قبورهم، مفردون بأعمالهم؛ واعلموا أن عند الله مسألةً فاضحةً؛ قال تعالى:{فوربك لنسألنهم أجمعين. عما كانوا يعملون} .
13-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال: قال مسلمة:
لما مات عبد الملك بن عمر، كشف أبوه عن وجهه، وقال: رحمك الله يا بني، فقد سررت بك يوم بشرت بك، ولقد عمرت مسروراً بك، وما أتت علي ساعةٌ أنا [بك] فيها أسر مني [بك من] ساعتي هذه؛ أما والله إن كنت لتدعو أباك إلى الجنة.
14-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا أبو الحسن المدائني، عن سليمان بن أرقم:
أن عمر بن عبد العزيز قال لأبي قلابة -وولي غسل ابنه عبد الملك بن عمر-: إذا غسلته، وكفنته، فآذني قبل أن تغطي وجهه.
⦗ص: 30⦘
فلما غسل، نظر إليه، فقال: رحمك الله يا بني، وغفر لك.
15-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: نا الحسن، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال: قال أبو عبد الرحمن القرشي:
قال رجلٌ لعمر بن عبد العزيز وهو في قبر ابنه: آجرك الله يا أمير المؤمنين؛ وأشار الرجل بشماله؛ فقال له عمر: يا عبد الله، أشر بيمينك. فقال الرجل: سبحان الله، أما في موت عبد الملك ما يشغل عن هذا؟ فقال: لا، ليس في موت عبد الملك ما يشغل عن نصيحة المسلم.
16-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا أبو الحسن المدائني، عن يحيى بن إسماعيل بن أبي المهاجر، عن أبيه، قال:
استشهد لأبي أمامة الحمصي، فكتب عمر إلى أبي أمامة:
الحمد لله على آلائه، وقضائه، وحسن بلائه؛ قد بلغني الذي ساق الله عز وجل إلى عبد الله بن أبي أمامة من الشهادة، فقد عاش بحمد الله في الدنيا مأموناً، وأفضى إلى الآخرة شهيداً، فقد وصل إليك من الله [خيرٌ] كثيرٌ، إن شاء الله.
17-
أخبرنا محمود، قال: أخبرنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي،
⦗ص: 31⦘
قال: أنا أبو الحسن المدائني، عن يزيد بن عمرو الكلابي:
أن رجلاً قال لعمر بن عبد العزيز عند وفاة ابنه عبد الملك:
تعز أمير المؤمنين فإنه
…
لما قد ترى يغدى الصغير ويولد
هل ابنك إلا من سلالة آدمٍ
…
لكل على حوض المنية مورد
18-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال: قال أبو السري الأزدي، عن شيخٍ من أهل الجزيرة:
إن عمر بن عبد العزيز خطب الناس بعد وفاة ابنه عبد الملك، ونهى عن البكاء عليه، وقال: إن الله عز وجل لم يجعل المحسن ولا المسيء في الدنيا خلداً، ولم يرض بما أعجب أهلها ثواباً لأهل طاعته، ولا ببلائها عقوبةً لأهل معصيته؛ فكل ما فيها من محبوب متروكٌ، وكل ما فيها من مكروه مضمحل؛ كذلك خلقت؛ وكتب على أهلها الفناء، فأخبر عز وجل أنه يرث الأرض ومن عليها؛ فاتقوا الله واعملوا ليومٍ {لا يجزى والدٌ عن ولده ولا مولودٌ هو جازٍ عن والده شيئاً} .
19-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال: قال جعفر بن هلال بن خباب، عن أبيه،
⦗ص: 32⦘
قال:
كتب عمر إلى عامله: إن عبد الملك كان عبداً من عبيد الله، أحسن الله إليه، وإلى أبيه فيه؛ أعاشه ما شاء، ثم قبضه إليه، فكان -ما علمت- من صالحي شباب أهل بيته، قراءةً للقرآن، وتحرياً للخير؛ فأعوذ بالله، أن تكون لي محبة في شيءٍ من الأمور خالفت محبة الله عز وجل، فإن ذلك لا يحسن بي في إحسانه إلي، وتتابع نعمه علي؛ وقد قلت عند الذي كان بما أمر الله أن نقول عند المصيبة، ثم لم أجد بحمد الله إلا خيراً، فلا أعلمن ما بكت عليه باكيةٌ، ولا ناحت عليه نائحةٌ، ولا اجتمع لذلك أحدٌ، فقد نهينا أهله الذين هم أحق بالبكاء عليه.
20-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال:
ودخل عمر بن عبد العزيز على ابنه في وجعه، فقال: يا بني، كيف تجدك؟ قال: أجدني في الحق، قال: يا بني، لأن تكون في ميزاني أحب إلي من أن أكون في ميزانك. فقال ابنه: وأنا يا أبه، لأن يكون ما تحب، أحب إلي من أن يكون ما أحب.
21-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال:
⦗ص: 33⦘
أخبرنا أبو الحسن المدائني: قال محمد بن عبد الحميد الذهلي:
مات ابنٌ لرجلٍ في الجاهلية، فدفنه، وجعل يحثي عليه من التراب، ويقول:
احثوا على ديسم من جعد الثرى
…
أبى قضاء الله إلا ما ترى
22-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: نا الحسن، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال: محمد بن الفضل، عن أبي حازم قال:
مات عقبة [بن عياض] بن غنم الفهري، فعزى رجلٌ أباه، وقال: لا تجزع عليه، فقد قتل شهيداً -وكان ما سادة الجيش- قال: وكيف لا أصبر، وقد كان في حياته من زينة الحياة الدنيا، واليوم من الباقيات الصالحات.
ويقال: كان المعزى عقبة بن عياض عن ابنه.
23-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال عامر بن الأسود:
استشهد لمولى لبني نوفل [بنونٌ] ، فعزاه رجلٌ، فقال: آجرك الله
⦗ص: 34⦘
في الباقين، ومتعك بالفانين.
[فقال له رجلٌ: لعلك غلطت، فقال: لا، إن الله يقول:{ما عندكم ينفذ وما عند الله باقٍ} .
24-
أخبرنا محمود، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن، عن عمر بن مجاشع، قال: قال نافعٌ مولى [عبد الله بن] عمر بن الخطاب:
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً، وهو يسأل، وهو يقول: نسأل الله [تمام] النعمة. فقال له: ((أتدري ما تمام النعمة؟ إن تمام النعمة: النجاة من النار، ودخول الجنة)) .
قال أبو الحسن:
وسمع رجلاً يقول: اللهم ارزقني صبراً. فقال: ((يا عبد الله، سألت بلاءً، فاسأل الله عز وجل العافية)) .
25-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أخبرنا أبو الحسن المدائني، عن عمر بن مجاشع، قال:
قال رجلٌ لابن عمر، وعزاه، عظم الله أجرك، فقال ابن عمر: نسأل الله العافية.
26-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا أبو الحسن قال: يعقوب بن داود، عن بعض أشياخه، قالوا:
كان عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب عاملاً لعلي رضوان الله عليه على اليمن، فخرج إلى علي، واستخلف على صنعاء عمرو بن أراكة الثقفي؛ فقدم عليه بسر بن أبي أرطاة، إذ سرحه معاوية، فقتل عمرو بن أراكة. فجزع عليه أخوه عبد الله. فقال أبو [هـ] أراكة:
لعمري لئن أتبعت عينيك ما مضى
…
به الدهر أو ساق الحمام إلى القبر
لتستنفذن ماء الشؤون بأسره
…
وإن كنت تمريهن من ثبج البحر
لعمري لقد أودى ابن أرطاة فارساً
…
بصنعاء كالليث الهزبر أبي أجر
فقلت لعبد الله إذ خن باكياً
…
تعز وماء العين منحدرٌ يجري
تبين فإن كان البكا رد هالكاً
…
على أحدٍ فاجهد بكاك على عمرو
⦗ص: 36⦘
ولا تبك ميتاً بعد ميتٍ أجنه
…
علي وعباسٌ وآل أبي بكر
قال: وآل أبي بكر يريد به النبي صلى الله عليه وسلم.
27-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا أبو الحسن المدائني قال:
مات الحسن بن الحصين -أبو عبيد الله بن الحسن- وعبيد الله يومئذٍ قاضٍ على البصرة وأميرٌ. فكثر من يعزيه، فتذاكروا ما يتبين به جزع الرجل من صبره، فأجمعوا على أنه إذا ترك شيئاً كان يصنعه فقد جزع.
قال أبو الحسن: وجاءه صالحٌ المري يعزيه، فعزاه فقال له: يا هذا، إن كانت مصيبتك (في والدك) أحدثت لك عظةً في نفسك، (فنعم المصيبة مصيبتك؛) وإلا فمصيبتك بنفسك أعظم من مصيبتك بأبيك.
28-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا أبو الحسن المدائني، عن عامر بن حفص، والمثنى بن عبد الله، قالا:
⦗ص: 37⦘
مات أخٌ لمحمد بن سيرين، فجزع عليه، فخرج؛ فلما كان في مؤخر الدار ذكر أنه لم يسرح لحيته، فجلس، فدعا بمشطٍ، فسرح لحيته ورأسه وخرج.
29-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، أنا أبو الحسن المدائني، عن عبد الله بن مرة، عن بعض أشياخه:
أن عمر بن الخطاب رحمة الله عليه قال للخنساء: ما أقرح ما في عينيك؟ قالت: بكاي على السادات من مضر. قال: يا خنساء، إنهم في النار. قالت: ذاك أطول لعويلي عليهم.
30-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال: ثنا محمد بن عبد الحميد:
نعى رجلٌ لرجلٍ ابنه، فقال: هيهات، قد نعي إلي. قال: ومن أعلمك بموته؟ وما وليه غيري ممن يعرفك؟ قال: نعاه الله؛ إذ قال لنبيه: {إنك ميتٌ وإنهم ميتون} .
31-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني:
قال أبو المقدام -وكان كبيراً، أدرك سعيد بن المسيب-: قد
⦗ص: 38⦘
بلغنا أن أبا مسلم الخولاني كان يقول: لأن أقدم سقطاً، أحب إلي من أن أخلف مئة من خولان؛ ولأن أقدم فرطاً، أحب إلي من أن أخلف خولان كلها ولداً.
32-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال أبو محمد:
قالت خنساء: كنت أبكي لصخرٍ على الحياة، فأنا اليوم أبكي له من النار.
33-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال: نا عبد الله بن مسلم وغيره:
أن خنساء دخلت على عائشة رضي الله عنها، وعليها صدارٌ من شعرٍ؛ فقالت لها عائشة: يا خنساء: أتتخذين الصدار، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصدار؟ قالت: يا أم المؤمنين، إن زوجي كان رجلاً متلافاً، فأملقنا، فقال لي: لو أتيت معاوية فاستعنته؛ فخرجت، فلقني صخر أخي، فقال: أين تريدين؟ فأخبرته،
⦗ص: 39⦘
فشاطرني ماله، فأتلفه زوجي، فعدت، فشاطرني ماله؛ ففعل ذلك ثلاث مراتٍ، فقال امرأة صخرٍ: لو أعطيتها من شرارها -تعني الإبل- فسمعته يقول:
والله لا أمنحها شرارها
…
ولو هلكت عططت خمارها
واتخذت من شعرٍ صدارها
…
فلما هلك صخرٌ، اتخذت هذا الصدار، ونذرت أن لا أضعه حتى أموت.
34-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، عن أبي إسحاق بن ربيعة، قال: قال ثور بن معن السلمي: حدثني أبي، قال:
دخلت خنساء في الجاهلية، وعليها صدار من شعرٍ، وهي تجهز ابنتها، فكلمتها في طرح الصدار عنها؛ فقالت لها: يا حمقاء، والله لأنا أحسن منك عرساً، وأطيب منك ورساً، وأرق منك نعلاً، وأكرم منك بعلاً.
35-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال: قال مسلمة:
قتل ابنٌ لعبد الملك بن عامر بن مسمعٍ بالزاوية، فاحتزوا رأسه
⦗ص: 40⦘
فأتوا به الحجاج، فقال: اذهبوا برأسه إلى مسمع بن مالك بن مسمع؛ فأتوا به، فجعله في ثوبه، وأقبل به إلى الحجاج، وهو يبكي. فقال الحجاج: أجزعت عليه؟ قال: لا، بل جزعت له من النار، فإن رأى الأمير أن يأذن لي في دفنه، فأذن له، فدفنه.
36-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا أبو الحسن المدائني، عن مسلمة بن محارب، قال:
قتل معاوية بن سفيان بن معاوية [بن يزيد بن المهلب] في الحرب التي كانت بن سلم بن قتيبة، وبين سفيان بن معاوية؛ فلما ولي سفيان البصرة، أرسل إلى خالد بن صفوان: إن ابنك قتل، وقتل ابني؛ فأرسلت إليك أتعزى بك وتتعزى بي. فقال: أصلح الله الأمير، أنا وأنت كما قالت الباكية:
أسعدنني أخواتي
…
فالويل لي ولكنه
فغضب سفيان، وقال: جددت لي حزناً؛ قال: أصلح الله الأمير، فليسل عنك ما تجد من ذلك الغم، فإنك غير باقٍ.
37-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، عن أبي محمد بن المبارك، قال:
⦗ص: 41⦘
عزى مالك بن أسماء، عبد الملك بن مروان عن ابنه أبان بن عبد الملك، فقال: عظم الله أجرك يا أمير المؤمنين؛ [فوالله] ما على ظهر الأرض أعز فقد واحدٍ، ولا الله أكفى بالواحد منهم؛ منكم أهل البيت.
38-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال: قال مسلمة بن علقمة:
كتب مروان بن محمد إلى ولد المسور يعزيهم عن أبيهم:
قد بلغ أمير المؤمنين الذي كان من نازل قضاء الله تبارك وتعالى في المسور بن عمرو، وما اختار الله من المصير إليه، فعند الله يحتسب أمير
⦗ص: 42⦘
المؤمنين مصابه؛ ونعم المتوفى توفاه الله من بينكم، وفي جود الله الخلف الكافي؛ وقد أعاضكم الله عز وجل من مصيبتكم رأياً من أمير المؤمنين جميلاً، فيه حسن الخلف عليكم من مصيبتكم؛ فلتحسن ظنونكم بربكم، وخليفتكم، فإن الله عز وجل لم يقبض ولياً له، إلا أحسن خلافته في ولده، وأهل لحمته.
39-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال: يعقوب بن داود، قال:
عزي السائب بن الأقرع عن ابن له، فقال السائب: هكذا الدنيا، تصبح لك مسرةً، وتمسي عليك متنكرةً؛ ثم تمثل:
ألا قد أرى أن لا خلود وأنه
…
سينعق في داري غرابٌ مجلجل
ويقيم ميراثي رجالٌ أعزةٌ
…
وتذهل عني الوالدات وتشغل
40-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، عن النضر بن إسحاق، قال:
ماتت امرأة بكر بن عبد الله المزني، فاشتد جزعه، فنهاه الحسن، فقال: يا أبا سعيد إنها كانت مواتيةً، وكانت وكانت؛ فقال الحسن: فلا تيئسن، فعند الله خير منها، فتزوج أختها. فمر به
⦗ص: 43⦘
الحسن، فقال: يا أبا سعيد، هذه خيرٌ من أختها.
41-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا أبو الحسن المدائني، عن الحسن الجفري، قال:
مات سعيدٌ، أخو الحسن بن أبي الحسن، فحزن عليه، وبكى؛ فعاتبه بعض إخوانه، فقال الحسن: يا أبا عبد الله، قد حزن يعقوب على ابنه يوسف، فما عنفه الله بالحزن عليه.
42-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: نا الحسن، قال: أنا أبو الحسن المدائني، عن محمد بن ربيعة، قال:
قال عامر بن عبد الله بن الزبير: مات أبي، فما سألت الله عز وجل حولاً إلا العفو عن أبي.
43-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: نا الحسن، قال: أنا أبو الحسن المدائني، عن يزيد بن عياض بن جعدبة، قال:
كان عبد الله بن الزبير إذا أصابته مصيبةٌ قال: إن ابتليت، فقد قتل أبي وإمامي عثمان، فصبرت.
44-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: نا أبو الحسن المدائني، قال: قال كليب بن خلف:
قال عبد الكريم المازني لعبد الله بن عبد الله بن الأهتم: كيف كان حزنك على أهل بيتك؟ قال: ما ترك حب الغداء والعشاء في قلبي حزناً على أحدٍ.
45-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، عن أبي عبد الرحمن العجلاني، عن إسماعيل بن يسار، قال:
مات ابن لأرطاة بن سهية المري -مرة غطفان- فأقام على قبره حولاً، يأتيه في كل غداةٍ، فيقول: يا عمرو، إن أقمت حتى أمسي هل أنت رائحٌ معي؟ ثم يبكي وينصرف؛ ويأتيه عند المساء فيقول: يا عمرو، إن أقمت حتى أصبح، هل أنت غادٍ معي؟ ويبكي وينصرف.
فلما كان في رأس الحول تمثل بشعر لبيدٍ:
⦗ص: 45⦘
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
…
ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
ثم ترك أرطاة قبر ابنه، فقال:
وقفت على قبر ابن ليلى فلم يكن
…
وقوفي عليه غير مبكىً ومجزع
هل أنت ابن ليلى إن نظرتك رائحاً
…
مع الركب أو غادٍ غداة غدٍ معي
فلو كان لبي شاهداً ما أصابني
…
سهو على قبرٍ بأحجار أجزع
فما كنت إلا والهاً بعد زفرةٍ
…
على شجوها بعد الحنين المرجع
متى لا تجد تنصرف لطياتها
…
من الأرض أو ترجع لإلفٍ ومرتع
على الدهر فاعتب، إنه غير معتبٍ
…
وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع
46-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، عن أبي محمد الكعبي، قال:
قال عمر بن الخطاب رحمة الله عليه لمتمم بن نويرة: ما بلغ من جزعك على أخيك؟ قال: بكيته سنةً، حتى أسعدت عيني الذاهبة الصحيحة. قال عمر: ثم مه؟ قال: ثم صبرت.
47-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال: قال مسلمة بن محارب:
⦗ص: 46⦘
استشهد زيدٌ بن الخطاب باليمامة، وحضره رجلٌ من بني عدي بن كعبٍ؟ فرجع إلى المدينة، فلما رآه عمر دمعت عيناه، ثم قال:
خلفت زيداً ثاوياً وأتيتني
48-
أنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، عن المثنى بن عبد الله بن عروة، عن عوف، قال:
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إذا أصابته مصيبةٌ قال: فقدت زيداً فصبرت.
وكان يقول: ما هبت الصبا إلا وجدت نسيم زيدٍ.
49-
أنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال: قال عبد الله بن فايد، وغسان بن عبد الحميد، عن جعفر بن عبد الله بن المسور بن مخرمة، عن أبيه:
أن عمر بن الخطاب، قال لمتمم بن نويرة: أنشدني مرثيتك أخاك مالكاً؛ فأنشد:
لعمري وما عمري بتأبين هالكٍ
…
ولا جزعاً مما أصاب فأوجعا
⦗ص: 47⦘
ويروى: ولا جزعاً مني وإن كنت موجعا.
حتى أتى على آخرها.
فقال عمر: لو كنت أحسن أن أقول كما قلت: لبكيت زيداً. فقال متمم: ولا سواء، يا أمير المؤمنين، لو صرع أخي مصرع أخيك، ما بكيته. فقال عمر: ما عزاني أحدٌ عن زيد، بأحسن مما عزيتني.
50-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، عن إسحاق بن أيوب، عن مطيرٍ مولى يزيد بن عبد الملك، قال:
كتب الوليد بن عبد الملك إلى الحجاج يعزيه عن أخيه محمد بن يوسف، فكتب إليه الحجاج: يا أمير المؤمنين، ما التقيت أنا ومحمد منذ كذا وكذا، إلا عاماً واحداً؛ وما غاب عني غيبةً، أنا لطول اللقاء منها، أرجى من غيبته، في دارٍ لا يتفرق فيها مؤمنان.
51-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، عن مسلمة بن عثمان، عن أبيه:
أن سليمان بن عبد الملك، قال لعمر بن عبد العزيز: هل يكون المؤمن في حالٍ، تنزل به المصيبة، فلا يألم لها؟ قال: لا يا أمير المؤمنين. لا يكون أن يستوي عندك ما تحب، وما تكره، [أو] أن تكون السراء والضراء عند أحدٍ سواءً؛ ولكن معول المؤمن الصبر.
52-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال:
قال محمد بن خالد بن مسلم بن يسار، [وقد] توفي ابنه، فحزن عليه، فقال: يا بني، شغلني الحزن لك عن الحزن عليك، ((اللهم إني قد جعلت ثوابك لي عليه له)) .
53-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، عن أبي عمر بن يزيد، قال:
مات أخو مالك بن دينارٍ، فبكى مالك بن دينارٍ، وقال: يا أخي، لا تقر عيني بعدك، حتى أعلم أفي الجنة أنت أم في النار، ولا أعلم ذلك حتى ألحق بك.
54-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال:
⦗ص: 49⦘
أنا أبو الحسن المدائني، عن مسلمة بن محارب، قال:
لما أتت معاوية وفاة زيادٍ، استرجع وقال:
وأفردت سهماً في الكنانة واحداً
…
فيرمى به أو يكسر السهم كاسره
55-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال: قال أبو زكريا العجلاني، وغيره:
إن معاوية بن أبي سفيان نعي إليه سعيدٌ بن العاص، وعبد الله بن عامر، فاسترجع وقال:
إذا مات من خلف امرئٍ وأمامه
…
وأوحش من جيرانه فهو سائر
56-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، عن عبد الله بن مسلم، قال:
بكى رجلٌ على شاةٍ له، فرآه رجلٌ من باهلة، يقال له الحارث بن حبيب، فقال:
يا أيها الباكي على شاته
…
يبكي جهاراً غير إسرار
إن الرزيات وأمثالها
…
ما لقي الحارث في الدار
دعا بني معنٍ وأشياعهم
…
فكلهم يسعى بمحفار
⦗ص: 50⦘
وكان للحارث عشرة بنين، فحلب يوماً في علبةٍ ووضعها، فمج فيها أسود سالخٌ، فبعث بالعلبة إلى بنيه، و [هو] لا يدري، فشربوا، فماتوا.
ويقال: كانوا سبعةٌ، فسقط عليهم حائطٌ، فقتلهم.
57-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أخبرنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، عن إبراهيم القيسي، قال: قال عباد بن مخاشن:
استشهد لي ابنان، فجزعت عليهما؛ فقال رجلٌ: ثم مه؟ قال: كان جرحاً فبرأ.
58-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال: أبو عمرو بن المبارك، قال:
دخل زياد بن عثمان بن زياد على سليمان بن عبد الملك، وقد توفي ابنه أيوب، فقال: يا أمير المؤمنين، إن عبد الرحمن بن أبي بكرة كان يقول: من أحب البقاء، فليوطن نفسه على المصائب.
59-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، عن خالد بن يزيد بن بشر، قال:
جزع سليمان بن عبد الملك على ابنه أيوب، فقال له رجلٌ [من القراء] : يا أمير المؤمنين، إن امرءاً حدث نفسه بطول البقاء، ولها عن الأحداث، لعازب الرأي. وكان ذلك [أول ما] عرف في سليمان.
60-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال: قال مسلمة [بن عثمان]، وغيره:
إن الحجاج لما جزع على ابنه محمد، قال للذي ولي غسله: إذا فرغت من غسله فأعلمني، ففعل، فنظر إليه.
فقيل لرجلٍ من بني عقيلٍ، كان الحجاج قتل ابنه: إن الحجاج جزع على ابنه محمد، وأتته وفاة أخيه محمد بن يوسف، فتمثل العقيلي:
ذوقوا كما ذقنا غداة محجرٍ
…
من الغيظ في أكبادهم والتحوب
61-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن
⦗ص: 52⦘
علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، عن إبراهيم بن حكيم، عن عاصم بن عروة، قال:
لما مات معاوية بن أبي سفيان، دخل على يزيد أشراف أهل الشام، فلم يجتمع لأحدٍ منهم تعزية مع تهنئةٍ؛ فدخل عليه عطاء بن أبي صيفي، فقال: يا أمير المؤمنين، أصبحت رزئت خليفة الله، وأعطيت خلافة الله، فقد قضى معاوية نحبه، وغفر الله ذنبه؛ وأعطيت بعده الرئاسة، ومنحت السياسة؛ فاحتسب على الله عظيم الرزية، واشكر الله على حسن العطية.
62-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أخبرنا أبو الحسن المدائني، قال:
عزى شبيب بن شيبة المهدي على بانوقة، فقال: يا أمير المؤمنين، ما عند الله خيرٌ لها مما عندك، وثواب الله عز وجل خير لك منها.
63-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال: ثنا جويرية بن أسماء، قال:
⦗ص: 53⦘
اشتكى ابنٌ لعبد الله بن عمر بن الخطاب، فجزع عليه؛ فلما مات لم يظهر منه مثل ما ظهر في مرضه. فقيل له، فقال: كان ذلك مني رحمةٌ له، فلما وقع القضاء، رضيت وسلمت.
64-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا أبو الحسن المدائني، عن أبي الحسناء، قال:
أصبح رجلٌ من بني نهشل، وقد موتت له عدة أباعر وشاءٌ؛ فقال: والله لئن كانت المنية باتت تحوطني، وتطيف بي، ثم أصبحت وقد زالت عني إلى شاتي وبعيري، ثم جزعت، إني إذاً لجزوعٌ.
ثم قال:
المرء يسعى سادراً
…
حتى يقال له: تعاله
65-
وقال البعيث، وقد مات ابنٌ له:
فصادف مني غصةً ما يسيغها
…
شرابٌ، ولم يذهب مرارتها العسل
وهي أبياتٌ؛ وقال:
⦗ص: 54⦘
وقد ينعش الله الفتى بعد عثرةٍ
…
وقد يجمع الله الشتيت من الشمل
وأية أم لا تكب من ابنها
…
على شجبٍ أو لا يصادفها ثكل
66-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال سفيان:
رأى سعيد بن جبيرٍ ابنه يطوف بالبيت، فقال: هذا أعز الخلق علي، وما شيءٌ أسر إلي من أن يكون في ميزاني.
67-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال:[أنا] أبو الحسن، قال: سفيان عن حميد الأعرج، قال:
رأيت سعيد بن جبيرٍ يقول في ابنه ونظر إليه: إني لأعلم خير خلةٍ فيك. قيل: وما هي؟ قال: يموت فأحتسبه.
68-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال عامر بن حفص:
جزع القلاخ على أخيه حجناء، فقال:
أعاذل من يرزأ كحجناء لا يزل
…
حزيناً، ويزهد بعده في العواقب
ثمال أناسٍ كان يجمع بينهم
…
ويدفع عنهم كل أبلخ شاغب
69-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال صدقة بن عبد الله المازني:
مات حنظلة بن الربيع الأسيدي، فجزعت عليه امرأته، فلمنها جاراتها، وقلن لها: إن هذا يحبط أجرك؟ فتمثلت بشعر رجلٍ رثى حنظلة:
تعجب الدهر لمحزونةٍ
…
تبكي على ذي شيبةٍ شاحب
إن تسأليني اليوم ما شفني
…
أخبرك أني لست بالكاذب
أن سواد العين أودى به
…
حزنٌ على حنظلة الكاتب
وكان حنظلة قد كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
70-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، قال: قال إسحاق بن أيوب، وعامر بن
⦗ص: 56⦘
حفص، ومسلمة بن محارب، قالوا:
قدم عروة بن الزبير على الوليد بن عبد الملك، ومعه ابنه محمد بن عروة، فدخل محمد بن عروة دار الدواب، فضربته دابةٌ، فخر، فحمل ميتاً؛ ووقع في رجل عروة الأكلة، ولم يدع ورده تلك الليلة. فقال له الوليد: اقطعها. قال: لا. فترقت إلى ساقه. فقال الوليد: اقطعها، وإلا أفسدت عليك سائر جسدك؛ فقطت بالمنشار، وهو شيخٌ كبيرٌ لم يمسكه أحدٌ. فقال:{لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً} .
وقدم على الوليد تلك الأيام أقوامٌ من بني عبسٍ، فيهم رجلٌ ضريرٌ، فسأله الوليد بن عبد الملك عن عينه، فقال: بت ليلةً في بطن وادٍ، ولا أعلم في الأرض عبسياً يزيد ماله على مالي؛ فطرقنا سيلٌ، فذهب بما كان لي من أهلٍ ومالٍ وولدٍ، غير بعيرٍ، وصبي مولودٍ.
وكان البعير صعباً؛ فند البعير، فوضعت الصبي، واتبعت البعير، فلم أجاوز إلا قليلاً؛ حتى سمعت صيحة ابني، فرجعت إليه، ورأس الذئب في بطنه يأكله؛ واستدرت [إلى] البعير لأحبسه فنفحني برجله، فأصابني؛ فحطم وجهي، فذهبت عيناي؛ فأصبحت لا مال لي، ولا بصر، ولا ولد.
فقال الوليد: انطلقوا به إلى عروة، فنخبره، حتى يعلم أن في الناس من هو أعظم بلاء منه.
وشخص عروة إلى المدينة، فأتته قريشٌ والأنصار، يعزونه في
⦗ص: 57⦘
ابنه ورجله؛ فقال له عيسى بن طلحة بن عبيد الله: أبشر يا أبا عبد الله، قد صنع الله بك خيراً، والله ما بك حاجةٌ إلى المشي. قال: ما أحسن ما صنع الله إلي، وهب لي سبعة بنين، فمتعني بهم ما شاء، ثم أخذ واحداً وترك ستةً، ووهب لي ست جوارح، فمتعني بهن ما شاء، ثم أخذ واحداً، وأبقى لي خمسةً، يدين ورجلاً وسمعاً وبصراً.
[ثم قال: اللهم، لئن كنت أخذت لقد أبقيت، ولئن كنت ابتليت لقد عافيت] .
71-
قال أبو محمد الحسن: قال أبو الحسن: قال إسماعيل بن يسار يرثي ابنه محمداً:
صلى الإله على فتىً غادرته
…
بالشام في جدث الضريح الملحد
بوأته بيدي دار مقامةٍ
…
نائي المحلة عن مزار العود
فلئن تركتك يا محمد ثاوياً
…
فبما تروح إلى الكرام وتغتدي
72-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن، عن عبد الله بن الأسود قال:
مات عاصم بن عمر بن عبد العزيز، فجزع عليه أخوه عبد الله،
⦗ص: 58⦘
ورثاه، فقال:
فإن تك أحزانٌ وفائض عبرةٍ
…
أثرن دماً من داخل الجوف منقعا
تجرعتها في عاصمٍ واحتسيتها
…
فأعظم منها ما احتسى وتجرعا
فليت المنايا كن خلفن عاصماً
…
فعشنا جميعاً، أو ذهبن بنا معا
ويقال: كان عاصم بن عمر بن الخطاب.
73-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن، عن مخلد بن حمزة، عن عبد الملك بن عمير، قال:
دخل عبد الله بن الزبير على أمه أسماء بنت أبي بكرٍ، فقال: يا أمه، قد خذلني الناس، فلم يبق معي إلا من ليس عنده من الدفع أكثر من صبر ساعةٍ؛ والقوم يعطونني ما أردت، فما رأيك؟ قالت: يا بني، أنت أعلم بنفسك؛ إن كنت تعلم أنك على حق، وإليه كنت تدعو، فامض على حقك، ولا تمكن غلمان بني أمية من نفسك.
قال وفقك الله، هذا رأيي؛ وإني لحسن الظن بربي، فإن هلكت فلا يشتد جزعك علي، فإن ابنك لم يتعمد -يعني- على إتيان دنية، [ولا] عملاً بفاحشةٍ، ولا تسبع بعذرٍ، ولم يجز في حكمٍ، ولم يكن شيءٌ آثر عنده من رضا ربه؛ اللهم إني لا أقول هذه تزكية لنفسي؛ أنت أعلم بي، ولكني أقوله تعزيةً، لتسلوا عني.
74-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن قال: أبو الوليد، عن علي بن مجاهد، عن عبد الأعلى بن ميمون، قال:
دخل عبد الله بن الزبير على أمه، فقال لها: كيف أصبحت يا أمه؟ قالت: إني لموجعةٌ. قال: إن في الموت لراحة يا أمه. قالت: والله، ما أحب أني أموت حتى آتي على أحد طرفيك؛ إما ظفرت فقرت عيني، وإما قتلت فاحتسبتك؛ وإن أحبهما إلي لأن تكون الذي تصلي علي، وتدفنني.
فما دمعت عينه ولا عينها، فما أدري من أيهما أعجب.
وخرج، فحمل على أهل الشام، وتمثل:
فلست بمبتاع الحياة بسبةٍ
…
ولا مرتق من خشية الموت سلما
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا
…
ولكن على أقدامنا تقطر الدما
75-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن، عن الحسن بن دينار، قال:
جزع رجلٌ على ابنٍ له، فشكى ذلك إلى الحسن، فقال له الحسن:
⦗ص: 60⦘
[هل] كان ابنك يغيب عنك؟ قال: نعم، كانت غيبته عني أكثر من حضوره؛ قال: فأنزله غائباً، فإنه لم يغب عنك غيبةً، الأجر لك فيها، أعظم من هذه الغيبة. قال: يا أبا سعيدٍ، هونت وجدي على ابني.
76-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن قال: قال جهم بن حسان:
بلغني أن توسعة بن أبي عتبان، جزع على أخيه عتبة، فقال يبكيه:
منع الرقاد تحوبي ما أهجع
…
ونبا بجنبي عن فراشي مضجع
أعتيب قد كنت امرءاً لي جانبٌ
…
حتى زرئتك والجدود تضعضع
فلمن أقول إذا تلم ملمةٌ:
…
أرني برأيك، أم إلى من أفزع
[قد كنت أنظر في المقامة سادراً
…
فنظرت قصدي واستقام الأخدع
وفقدت إخواني الذين بقربهم
…
أعطي الدنية من أشاء وأمنع]
نعم الفتى من آل بكرٍ ألبسوا
…
أثوابه في اللحد، ثم تصدعوا
عنه، وما طابت بذاك نفوسهم
…
ولكل جنبٍ لا محالة مصرع
وبكته أخته عمرة، وجزعت عليه، فقالت:
قل للأرامل واليتامى قد ثوى،
…
فلتبك أعينها على عتاب
أودى ابن كل مخاطرٍ بتلاده
…
وبنفسه بقيا على الأحساب
⦗ص: 61⦘
الراكبين من الأمور صدورها
…
لا يركبون معاقد الأحقاب
77-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا أبو الحسن قال: قال يعقوب بن داود:
استشهد نافع بن غيلان بن سلمة الثقفي مع خالد بن الوليد بدومة الجندل، فجزع عليه أبوه، فبكاه، وقال:
ما بال عيني لا تغمض ساعةً
…
إلا اعترتني عبرةٌ تغشاني
أرعى نجوم الليل عند طلوعها
…
وهناً وهن من الغوار دوان
يا نافعاً من للبوارم إذ ثووا
…
في مرج دومة أو ليوم ليان
يا نافعاً من للفوارس احجمت
…
عن شدةٍ مذكورةٍ وطعان
فلو استطيع جعلت مني نافعاً
…
بين اللهاة وبين عكد لساني
وكثر بكاؤه عليه، فعوتب، فقال: دعوني أبكي ما أسعدتني عيني، فإنها ستنفذ دموعها، كما يلي نافعٌ.
فقيل له بعد ذلك أين دموعك يا غيلان؟ قال: لكل شيءٍ بلى.
78-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن، قال: أنا
⦗ص: 62⦘
أبو الحسن قال: قال إبراهيم بن يزيد الأسيدي، قال:
مرض الحجاج، فأرجف به الناس، ثم أفاق، فخطبهم، فقال: إن أهل العراق أهل تجرمٍ ونفاقٍ، قد نفخ الشيطان في مناخرهم، فقالوا: قد مات الحجاج، ومات الحجاج فمه؟ والله، ما أحب أني لا أموت؛ وهل أرجو الخير كله إلا بعد الموت؟ والله ما رضي الله البقاء إلا لأهون خلقه عليه إبليس، فأنظره إلى يوم البعث.
أيها الرجل -وكلكم ذلك الرجل- يوشك الجديد أن يكون منا ومنكم أن يبلى، والحي منا ومنكم أن يموت، فينقل الرجل في أثواب طهره إلى ضيق قبره، فتأكل الأرض لحمه، وشعره، وبشره، وتمص دمه وصديده؛ كما مشى على ظهرها، وأكل من ثمارها، ثم يؤخذ جزوراً لما يكون فيها، ويرجع الحبيبان: حبيبه من ولده، وحبيبه من أهله، فيقتسمان حبيبه من ماله؛ أما إني أقول: إن الذين يعلون ليعلمون ما أقول.
79-
وقال علقمة بن سهل، وهو الذي شهد على قدامة بن مظعون أنه شرب الخمر، وشهد عليه عند عمر بن الخطاب، فلما حضرت علقمة الوفاة قال:
يقول رجالٌ من شفيقٍ وناصحٍ
…
أأنت أبا الوضاح أصبحت ثاويا
فلا يعدم البانون بيتاً يكنهم
…
ولا يعدم الميراث من كان واعيا
وجفت عيون الدافنين وأقبلوا
…
إلى مالهم، قد بنت عنهم بماليا
⦗ص: 63⦘
حراصاً على ما كنت أجمع قبلهم
…
هنيئاً لهم مالي، وما كنت واليا
80-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن قال: قال أبو عمرو بن يزيد:
احتضر رجل، فوضع رأسه في حجر أخيه، فدمعت عين أخيه، فقطرت [قطرةٌ] من دموعه على خد المريض، فأفاق من غشيته، ففتح عينيه، فرأى أخاه يبكي، فقال متمثلاً:
أخيين كنا فرق الدهر بيننا
…
إلى أمد الأقصى ومن يأمن الدهرا
81-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن، قال:
لما قتل محمد بن عبد الله بن الحسن بالمدينة، نعي لأخيه إبراهيم بالبصرة؛ فقال إبراهيم:
⦗ص: 64⦘
يابا المنازل يا خير الفوارس من
…
يفجع بمثلك في الدنيا فقد فجعا
الله يعلم أني لو خشيتهم
…
أو أوجس القلب من خوفٍ لهم فزعا
لم يقتلوه، ولم أسلم أخي لهم
…
حتى نموت جميعاً، أو نعيش معا
82-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أنا الحسن بن علي، قال: أخبرنا أبو الحسن المدائني، عن أبي إسماعيل الهمداني، عن مجالد، عن الشعبي، قال:
مات ابنٌ لشريحٍ، فلم يشعر بموته أحدٌ، ولم يصرخ عليه [أحدٌ] . فغدا قومٌ إلى شريحٍ ليسألوه عن ابنه، فقالوا له: كيف أصبح مريضك يا أبا أمية؟ فقال: الآن سكن علزه، ورجاه أهله، وما كان منذ اشتكى أسكن منه الساعة.
83-
أخبرنا محمود، قال: أنا عبد الله، قال: أخبرنا الحسن بن علي، قال: أنا أبو الحسن المدائني، عن سعيد بن عبد العزيز، قال:
كان لمسلمة بن عبد الملك صديقٌ، يقال له شراحيل، مات، فجزع عليه مسلمة، فحضره حتى صلى عليه، ودفنه، ودخل قبره؛ فلما فرغوا من دفنه، قام مسلمة على قبره، ودعا له، فعزاه عبد الله بن عبد الأعلى، فبكى مسلمة، وقال:
⦗ص: 65⦘
وهون وجدي عن شراحيل أنني
…
إذا شئت لاقيت امرءاً مات صاحبه
آخر الجزء الأول من أجزاء الشيخ.
يتلوه إن شاء الله في الجزء الثاني: قال أبو الحسن المدائني: قيل للشمردل:
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وسلم تسليماً.