الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمون والعالم
الأوضاع المعيشية في قطاع غزة
..
بين الأمس واليوم
بقلم:عصام يوسف
يبلغ عدد سكان قطاع غزة قرابة مليون نسمة، معظمهم من اللاجئين الذين
هاجروا من ديارهم نتيجة لحرب عام 1948م، حيث نسبة اللاجئين حوالي 75%
من إجمالي عدد السكان، ويعيش معظم سكان القطاع في ظروف اجتماعية
واقتصادية بالغة القسوة، لدرجة أن بعض الخبراء الأجانب الذين زاروا القطاع
أثناء فترة الانتفاضة يصرحون: بأن قطاع غزة هو أفقر منطقة في العالم.
ومنذ عام 1967م (وهو تاريخ الاحتلال الاسرائيلي) عانى قطاع غزة من
ويلات الاحتلال ونكباته على جميع الأصعدة والمستويات، بما في ذلك المستوى
الاجتماعي والاقتصادي، ولكن أبناء القطاع الذين أغلبهم من اللاجئين والذين لا
يملكون الأرض أو الأموال، وجدوا في العمل في الأراضي المحتلة عام 1948م
فرصة لكسب قوت يومهم وإعالة أسرهم، حيث بلغ عدد العمال من أبناء قطاع غزة
الذين يعملون لدى (مشغلين اسرائيليين) قبل قيام الانتفاضة حوالي ثمانين ألف عامل، وقد كان هؤلاء العمال يعملون في الأعمال الشاقة التي لا يقوم بها اليهود، (خاصة
أعمال البناء والزراعة) ، ولكن الحاجة إلى كسب لقمة العيش دعت هؤلاء العمال
إلى تحمل كل المصاعب في سبيل الحصول على فرصة عمل يرتزقون منها.
ومع قيام الانتفاضة الفلسطينية، وتكرار مرات حظر التجول لفترات طويلة
واعتقال الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني: بدأ عدد هؤلاء العمال يقل تدريجيًّا،
حيث انخفض عددهم بشكل كبير جدًّا بعدما بدأت (إسرائيل) في تطبيق سياسة
إغلاق الأراضي المحتلة واشتراطها الحصول على عدد من التصاريح كي تسمح
للعامل بالدخول إليها؛ مما أدى إلى رفع نسبة البطالة بشكل كبير جدًّا، حتى إنها
بلغت في قطاع غزة في عام 1992م حوالي 50% من مجموع قوة العمل.
وبعد توقيع اتفاق السلام بين (إسرائيل) ومنظمة التحرير استبشر الكثير من
السكان بالخير وبقرب حل مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية وعلى رأسها مشكلة
البطالة وانخفاض مستوى الدخل، وادعى بعضهم أن هذا الحل السلمي هو في
الأساس حل اقتصادي، سوف ينتعش الناس معه اقتصاديًّا وأن البطالة سوف تختفي
من قطاع غزة.
وقد قام بعض الاقتصاديين الذين يناصرون الاتفاق السلمي بإجراء بحوث على
حجم العمالة العاطلة عن العمل وتوزيعها على قطاعات العمل التي سيتم البدء بها
فور استلام السلطة الفلسطينية لمقاليد الحكم في قطاع غزة، ولكن مع استلام السلطة
الفلسطينية مقاليد الحكم تبددت أحلام الكثيرين ممن كانوا يحلمون بالحصول على
أعمال، ويأملون في القضاء على البطالة في قطاع غزة: فعلى أرض الواقع جاءت
النتائج مخالفة لمعظم التوقعات، وكان أول أمر قامت به (إسرائيل) هو: تخفيض
عدد العمال العرب من قطاع غزة بشكل كبير؛ حيث لا يوجد الآن سوى قرابة
عشرين ألف عامل فقط يعملون داخل الخط الأخضر؛ مما رفع نسبة البطالة إلى
75%، وقد أدى ذلك إلى زيادة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية لسكان قطاع
غزة، وأصبح الكثير من أبناء القطاع يعيشون تحت خط الفقر، وأصبح أكثر
العائلات بلا مصدر رزق، سوى القليل الذي تتلقاه من الجمعيات والمؤسسات
الخيرية.
وقد استلمت السلطة الفلسطينية قطاع غزة وبنيته التحتية مدمرة، وليس فيه
مشاريع استثمارية سوى القليل جدًّا، وبحجم صغير لا يؤثر في اقتصاديات القطاع، ولم تقم السلطة بأي مشروع استثماري من شأنه التخفيف من معاناة أبناء القطاع،
حتى مشروع ميناء غزة الذي تغنى به الكثيرون وبآثاره الاقتصادية، لم يخرج عن
كونه حبراً على ورق حتى الآن.
ومع قدوم آلاف الأسر من الخارج واستقرارها في قطاع غزة ذي الإمكانات
المحدودة: ارتفعت الأسعار بشكل قياسي؛ نظراً لقلة الموارد وضعفها؛ مما زاد من
حدة المشكلة الاقتصادية ومن معاناة سكان القطاع، حتى إنه أصبح ظاهرة مألوفة:
أن ترى الأطفال يبحثون في مجمعات القمامة عما يأكلونه!
وقد قامت السلطة الفلسطينية بتشغيل حوالي خمسة آلاف مواطن في دوائر
السلطة المختلفة بخاصة في جهاز الشرطة والأمن الوطني، ولكن هذا الرقم نظراً
لضآلته (إذ لا يتعدى 3% من حجم القوى العاملة في القطاع) لم يخفف من نسبة
البطالة التي ارتفعت بشكل ملحوظ، بجانب عودة الآلاف من أبناء القطاع من دول
الخليج بعد الاستغناء عن خدماتهم؛ الأمر الذي ساهم في زيادة نسبة البطالة، ولا
زال أبناء القطاع يعودون من دول الخليج ودول المغرب العربي، مما يعني فقدان
القطاع لمصدر من مصادر الدخل، حيث إن الكثير من عائلات القطاع تعتمد على
تحويلات أبنائها العاملين في الخارج، أما الآن فقد اصبحوا عاطلين عن العمل،
وأصبح من الطبيعي أن يتدفق الآلاف من أبناء القطاع على أبواب مكاتب الشؤون
الاجتماعية التابعة لوكالة الغوث الدولية، ولكن الوكالة التي تُقَلّص خدماتها
باستمرار لا توفر إلا بعض المساعدات المتفرقة والمحدودة وللحالات البالغة
الصعوبة فقط.
كل هذا بالاضافة إلى آلاف الأسر التي فقدت عائلها بسبب القتل أو الإصابة
بشكل بالغ يعجزه عن العمل، مما يجعل هذه الأسر ليس فقط تحت خط الفقر، بل
ليس لديها من مقومات الحياة إلا ما تقدمه لها بعض الجمعيات والمؤسسات الخيرية
من صدقات ومساعدات لا تأخذ طابع الاستمرار.
وببساطة يمكن القول بأن الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها سكان قطاع غزة
هي أوضاع مأساوية بكل المقاييس والمعايير، وليس من المتوقع في القريب العاجل
أن تتغير هذه الأوضاع، إن لم تزدد سوءاً.
وفيما يلي بعض الإحصاءات عن البطالة ومستوى الدخل في قطاع غزة خلال
السنوات الماضية.
لقد خرجت قوات الإحتلال وقطاع غزة تحت حكم ذاتي بإدارة سلطة وطنية
فلسطينية، ولكن اقتصاده لا يزال مرهوناً بأسرائيل فلا يستطيع أحد أن يغادر
القطاع إلا بموافقة إسرائيل، ولا تزال الضرائب الجنونية مفروضة مما يترتب
على ذلك انخفاض حاد في مستوى المعيشة وزيادة نسبة الفقر والبؤس والمعاناة
ويظهر ذلك في المظاهر التالية:
1-
ارتفاع حاد في الأسعار وتدني الأجور حتى أصبحت الأسعار عندنا أغلى
منطقة في العالم ومثال ذلك، كيلو لحمة الخروف عندنا (11) دولاراً ولذلك لا يأكله
غالبية الناس إلا في عيد الأضحى، ويأكل الناس لحوم الأبقار حيث إن سعرها
…
... (5 ر 7) دولاراً، سعر الكيلو من السكر (7 ر2) دولاراً، سعر الكيلو من الفاصوليا (2) دولار، سعر شوال الدقيق وزن (60) كيلو (26) دولاراً.
2-
ارتفاع نسبة البطالة وتعادل 50% حيث كان يعمل في اسرائيل
…
... 000ر 100 (مائة الف) عامل لا يسمح الآن بالعمل إلا لـ (000ر35)
عامل، واستوعبت السلطة الفلسطينية (000ر15) عامل، ويبقى (000ر50) عامل بدون عمل، ولا توجد عندنا مصادر للعمل.
3-
ضرب الاقتصاد الزراعي حيث كان يعتمد المزارع على تصدير
المنتجات الزراعية وبذلك يوفر فرص العمل، ولكن اسرائيل منعت التصدير؛ مما
ترتب على ذلك خسائر فادحة للمزارعين، مما اضطر المزارع إلى عدم زراعة
أرضه حتى لا يخسر.
4-
لا توجد في قطاع غزة أي مصادر طبيعية للدخل، والصناعة عبارة:
عن صناعات بسيطة بالكاد تكاد تستوعب المئات من العمال، والإقتصاد الزراعي
محطم.
5-
نسبة 60% من السكان لاجئون أي: إنهم لا يملكون إلا البيت أو الكوخ
الذي يعيشون فيه، فإذا وجد الواحد منهم عملاً أطعم أبناءه، وإذا لم يجد عمل،
عاش على الصدقات والمساعدات وإن كان شاباً في الثلاثين من عمره.
سياسة الاغلاق وتأثيرها على الضفة والقطاع
إن استمرار مسلسل الإغلاق حسب أهواء وأمزجة القيادة في اسرائيل الذي
يتحكم في قوت وعيش مئات الألوف من الفلسطينين، مما يؤثر على العديد من
المجالات الحيوية وبالدرجة الأولى الاقتصادية، حيث إن الاقتصاد الفلسطيني
مرتبط ارتباطاً شبه كامل بالاقتصاد الاسرائيلي. وإن سياسة الإغلاق المتكرر التي
تعلنها السلطان الإسرائيلية بمنع العمال الفلسطينيين البالغ عددهم حوالي 50 ألف
عامل من الضفة الغربية و20 ألف عامل من قطاع غزة من مزاولة أعمالهم في
اسرائيل مما يؤدي إلى انخفاض الدخل القومي الفلسطيني بشكل عام في المنطقة
وبشكل خاص وواضح بالنسبة للعمال أنفسهم وأسرهم؛ مما يشكل خسائر اقتصادية
كبيرة للضفة والقطاع تبلغ حوالي 100 مليون دولار سنوياً في مختلف المجالات.
ومن ناحية أخرى فإن تجار وصناع الضفة الغربية والقطاع يعتمدون بشكل
كامل على اسرائيل في شراء المواد الأساسية والخامات الأولية اللازمة للصناعة،
وإن استمرار سياسة الإغلاق يؤثر على الحركة الصناعية والتجارية؛ مما يؤدي
إلى عواقب وأضرار اقتصادية فادحة.
وللتعليم حصة من الأضرار الكبيرة التي يسببها الإغلاق، تتمثل في وجود
المئات من طلبة قطاع غزة يمنعهم استمرار الطوق الأمني من التحاقهم بكلياتهم
وجامعاتهم الموجودة في الضفة والقدس، حيث يفوت عليهم الكثير من التحصيل
العلمي أو تأخير سنوات التخرج بالنسبة لهم لعدم تمكنهم من مواصلة تعليمهم في
الفترة المقررة لدراستهم.
كما أن العديد من المدارس التابعة لوكالة الغوث وغيرها في القدس يتهددها
خطر التخلف الدراسي بسبب عدم تمكن المدرسين والطلبة من الوصول لأماكن
الدراسة لأن غالبية المدرسين هم من سكان الضفة الغربية الذين يحول الأغلاق دون
وصولهم لأماكن عملهم، الأمر الذي يهدد المؤسسات التعليمية بالقدس.
ومن التأثيرات الخطيرة التي أوجدها الإغلاق وتستدعي اهتماماً مميزاً:
ظروف المرضى، حيث يوجد في قطاع غزة والضفة الغربية العديد من الحالات
المرضية التي تدهورت أوضاعها الصحية لعدم إمكانية الدخول إلى مستشفيات
القدس الطبية وغرف العمليات المتطورة؛ فإنه لا سبيل إلا في المستشفيات
الإسرائيلية الأمر الذي يهدد حياة الكثير من المرضى، مما يتطلب من السلطات
إعادة النظر في شأنهم واستثناءهم من تلك القرارات المتكررة بالإغلاق.
وأخيراً فلا بد من الإشارة إلى التأثيرات الخطيرة على السكان الفلسطينيين في
الضفة والقطاع وهي: ظاهرة ارتفاع الأسعار بشكل حاد وعلى سبيل المثال ما
وصلت إليه أسعار الخضروات والفواكه من ارتفاع شديد بشكل يصعب معه على
أصحاب الدخل المحدود كالموظفين والعمال تحملها، والأمر أصبح لا يطاق لعدم
توافر الإمكانات المادية لدى هذه الشريحة من المجمتع، خاصة أنه كلما ازدادت أيام
الطوق الأمني ازدادت الأسعار ارتفاعاً تبعاً لذلك.
لقد كان ذلك الاستعراض لحلقة من حلقات معاناة ذلك الشعب، الذي طالت
معاناته نوعاً من التجاوب ومقتضى من مقتضيات الولاء الذي ندعو الله أن يكون له
صدى في نفس كل مسلم.
ومما يجب أن يلفت النظر إليه أن المقال يصور واقع حال شعب قطاع غزة
والعوامل التي تؤثر وتزيد في معاناته وليس معنى ذلك أنه يُرغّب في التجاوب مع
الضغوط الإسرائلية التي تمارس ضد هذا الشعب فور كل عملية مقاومة تحدث في
فلسطين، حيث إن الشعوب لا تحصل على حريتها وعزتها إلا بدفع الثمن الغالي
والمسلمون تأسيساً وانطلاقاً من تعاليم دينهم يتفهمون ويقدرون البذل والتضحية
والصبر في سبيل الله، (والصبر ليس له جزاء إلا الجنة) .
فهل من التفاتة نحو هذا الشعب في معاناته ومحنه المتوالية؟ وإلى متى
السكوت والتخاذل عن نصرتهم والاهتمام بشؤونهم ومدّ يد العون لهم؟ .
المسلمون والعالم
أوضاع اللاجئين الشيشان
مشاهد مأساوية من الداخل
تقرير ميداني [*]
تمهيد:
انطلاقاً من المقولة المأثورة (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) فقد تابعت (البيان) تاريخ وواقع وجهاد الشعب الشيشاني في كثير من المقالات، وما زلنا نرى أن هذا الشعب المسلم من الشعوب الإسلامية التي نالت الإهمال والتعتيم على ما أصابها من الهمجية الروسية التي ما زالت تسوم هذا الشعب سوء العذاب، وتحاول إيجاد أذناب لها ممن ينتسبون لهذا الشعب المجاهد، ولكن المجاهدين الشيشان لقنوا الجيش الروسي ضربات موجعة جعلت الروس يتنازلون عن كبريائهم بطلب المفاوضات معهم.
وهذا المقال تصوير لواقع ذلك الشعب من نواح متعددة رأى العين لعلها توقظ
وتنبه كثيراً من المسلمين الذين ما زالوا يعتقدون أن الحرب في الشيشان مسألة داخلية، كما يزعم الروس الذين ضربوا بحقوق الإنسان عرض الحائط في تعاملهم الهمجي، الذي يندى له الجبين مع صمت الغرب المطبق، لا لشيء إلا لأنهم مسلمون، والله المستعان.
…
...
…
...
…
...
…
...
…
... - البيان -
في البداية نتساءل:
من هو الإنسان؟ نعم من هو الإنسان
…
قد يبدو هذا السؤال غريباً! لكن
الأحداث المتتاليه التي نعيشها تجعل هذا السؤال يقفز إلى الواجهة؛ بسبب أن العالم
الغربي كثيراً ما يرفع هذا الشعار (حقوق الإنسان) والتصدي للإرهارب في
…
مناسبات، ويدوس على هذا الشعار في مناسبات أخرى يُنتهك فيها حق الإنسان
بصوره أكثر بشاعة، فمن ناحيه يرفع بقوة شعار محاربة الإرهاب عندما تقتل
مجموعة من اليهود، حتى ولو كانوا عسكريين، ويساند قيام اليهود بقتل المئات من
المدنيين من النساء والأطفال
…
، وبينما توفر الحماية لأكراد العراق ضد عنف
وظلم النظام البعثي، فإن الغرب يساند محاولة تركيا القضاء على ضرب حزب
العمال الكردستاني، مع العلم أن ممارسات الجيش التركي تشبه إلى حد كبير
ممارسات الجيش العراقي السابقة.
وفي حين تضخم قضية قمع الجيش الصيني للطلاب في بكين أو إعدام
نيجيريا لمجموعة من المعارضين المحسوبين على الغرب، فإننا لم نسمع عن
حقوق الإنسان المنتهكه في كشمير أو في الشيشان أو في جنوب الفلبين.
والذي يبدو أن الإنسان في عرف الغرب هو:
أولاً: اليهودي، ثم النصراني الغربي، ثم نصارى العالم الثالث، وأخيراً
عملاء الغرب في الدول الأخرى. أما المسلم فيبدو أنه لا يدخل ضمن تعريف
الإنسان وخير شاهد على ذلك ما جرى ويجري للشعب الشيشاني المسلم في عملية
إباده وتصفيه جسديه مع تدمير منظم للمدن والقرى.
- الأوضاع الأمنية:
الحقيقية: أن المرء يعجز عن تصوير المآسي التي أحدثتها القوات الروسية
المعتدية، فالطائرات تحلق على ارتفاعات منخفضة جدّاً، فلا ترى شيئاً إلا دمّرته، حتى لم يعُد هناك أي صورة تُذكر من صور الحياة الطبيعية، فقد هدمت محطات
الكهرباء والمياه والغاز، ووسائل الاتصالات كافة، حتى أصبحت هذه البلاد
مقطوعة عن العالم. وأصبح المسلمون في الشيشان يعيشون في هذه الحالة القاسية؛
فما أن تسير شبراً حتى تتابع أمامك المآسي والجراح، فالبيوت كلها تحوّلت إلى
أنقاض، والشوارع عجت بأشلاء البشر المتناثرة في كل ركن، فهنا يد طفل بريء
ملقاة على صخرة، وجمجمة شيخ مُسن ألقتها قذيفة هناك، أمّا الطرقات فقد تلطخت
بدماء عشرات القتلى، وكأن كل شيء أصبح في ديارهم أحمر اللون.
ومع ذلك فالشيشانيون في حالة استنفار دائم، كل شاب وشيخ حمل ما حصل
عليه من السلاح، وتوجّه إلى المراكز، ومن ثمّ: إلى حيث توجد القوات الروسية
للانتقام.. هذه صورة أقل من مختصرة عن واقع الحال داخل الشيشان.
- أوضاع السكان بالداخل:
أما أحوال الشيشان المعيشية فلست أدري كيف أصفها أو أقربها، فالحروب
التي تهز ميزانيات دول عظمى تكوي اليوم شعباً فقيراً محاصراً من كل مكان،
فالأهالي ما زالوا يعتمدون بعد الله في معيشتهم على ما كانوا يدخرونه من قبل، ولا
يوجد غيره، أما الجو: فمع أن الثلوج قليلة لكن البرد شديد جدّاً، لا يكاد يحتمل،
ومصادر التدفئة أصبحت الحطب، ومن يستطيع جلبه في ظل هذه الحرب العدوانية؟
- أوضاع اللاجئين الشيشان:
وضع المهاجرين في الشيشان على حالتين:
المهاجرون خارج الشيشان: فهناك مهاجرون في داغستان، وقد توزعوا على
منطقتين حدوديتين مع الشيشان:
1 -
منطقة (خساريون) وعدد المهاجرين في هذه المنطقة (000ر50) مهاجر يعيش معظمهم في البيوت، (بنسبة 95%) مع الأسر الشيشانية هناك، ويلاقون
ضيافة كريمة من إخوانهم المسلمين هناك، والباقون يسكنون في المدارس.
2 -
منطقة (كزليار) وعدد المهاجرين في هذه المنطقة (20. 000) مهاجر،
علماً بأن 80% من المهاجرين، في هاتين المنطقتين من الأطفال (40% منهم
رضع) .
وهناك مهاجرون في الجمهورية الصغيرة المجاورة (أنقوشيا) ، ويقدر عددهم
بـ (130. 000) مهاجر، وهذه إحصائيات تقريبية؛ لأن جميع وسائل
الاتصالات والمواصلات مقطوعة مع هذه الجمهورية.
- الأوضاع الصحية:
أما بالنسبة لأحوال المستشفيات فمعظمها يعمل في مداواة الجرحى والمصابين، أما مستشفيات الأمراض الأخرى: فلم يعد في هذه الظروف يتذكرها أحد؛ فمئات
الجرحى يَرِدون يوميّاً على مستشفيات الشيشان، وهذا أمر مكلف جدّاً. ولا يوجد
في المستشفيات حتى أقل الإمكانات الطبية، فالفرش قد كسيت بالدماء، إذ لا وقت
لعمليات التطهير والتعقيم والتغيير، وينام المرضى على أسرة مكسرة وممزقة
الفرش، أما أدوات الجراحة والعمليات، فلا يتوفر منها سوى القليل من المخزون
القديم، وكذلك الأدوات الطبية الضرورية كالشاش والقطن.
- أوضاع الدعوة:
أما حال الإسلام والدعوة في الشيشان اليوم، كحال أي بلد مسلم حكمته
الشيوعية الحمراء زهاء سبعين سنة من الظلم والجبروت والإذلال؛ فالناس بعامة
في غفلة عن الإسلام وعن تعلم شرائعه السمحة، شأنهم في ذلك شأن كثير من
البلدان الإسلامية.
ومعظم الشباب قد أبعدتهم الشيوعية الحمراء عن تعاليم دينهم الصحيحة، وفي
الوقت نفسه نشطت الصوفية البعيدة عن تعاليم الإسلام الصحيحة في الشيشان،
وانتشرت بواسطتها البدع.
ولكن هناك بعض الطلاب سواء من العرب أو من الشيشان المهاجرين قديماً
إلى البلاد العربية لهم جهود طيبة في الدعوة، وقد أنشئ مركز إسلامي في
(جروزني) ، وقد لمس كاتب هذه السطور من إخواننا الشيشانين رغبتهم الشديدة في
العودة إلى الإسلام، وحرصهم في البحث عن مسائل العقيدة، وهناك مسائل فقهية
كثيرة يستفسرون عن حكمها.
وهذه فرصة عظيمة، وبوابة مفتوحة للدعوة. ومن العوامل المساعدة لعودتهم
إلى الله كثرة مشاهدة الجنائز والقتلى، وتذكر المصير الحتمي، فهم الآن بحاجة
ماسة إلى دعم دعوي شديد؛ لتأصيل العقيدة الصحيحة في النفوس من خلال
الكتيبات والأشرطة وما شابه ذلك، وعندهم الاستعداد للتقبل، فهم إذا سمعوا بسنة
يعملون بها، والمرأة عندما تعرف ما يجب من الحجاب تطلب الحجاب الكامل، هم
يتلهفون على المصاحف بكل شوق
…
وهذه صورة مختصرة في هذا المجال
الدعوي.
- بعض المشاهد داخل الشيشان:
امرأة تحكي ما رأت في (جروزني) ، وأنها شاهدت بنفسها طفلا لايتعدى
العاشرة من عمره ممدداً على الأرض بعد أن قطع الجنود الروس أطرافه الأربعة.
قصفت الطائرات الروسية قسم الولادة في مستشفى المدينة، مما أدى إلى
مقتل غالبية الأطفال حديثي الولادة الذين كان يضمهم المستشفى.
عشرات من الفتيات والنساء يتعرضن للاغتصاب من الجنود الروس.
رجل مقتول يدعي (أيوب) يبلغ من العمر (42) عاماً: تعرض للاغتصاب!
من قبل الجنود الروس أمام أبنائه، ثم قُتل بعد الجريمة.
دخلت مجموعة من الجنود على بيت فيه عجوز وشيخ وأبناؤهما، ثم أمروا
الشيخ والشيخة أن يخلعا ملابسهما ويمارسا الجماع أمام الجميع وعندما رفضا:
اغتصبوا الشيخ، وقتلوا الجميع.
بعد هذا الاستعراض السريع لأحوال المسلمين في الشيشان، والأحوال التي
رأيتها وعايشتها في أرض الواقع، وبعد أن عرضنا جزءاً يسيراً من حالة المسلمين
في تلك الديار، ذلك الحال الذي يتعسر على الكلمات وصفه! بقي السؤال: ماذا
عسانا أن نفعل بعد هذا البيان؟ وحسبنا الله ونعم الوكيل.
- أحسن الله عزاءكم وعزاءنا يا أهل الشيشان.
والمجلة ماثله للطبع وردت الأخبار مؤكدة ما أشيع عن العملية الدنيئة باغتيال
الرئيس (جوهر داوديف) ولقد سبق للبيان أن تطرقت في العدد (84) لحياة الفقيد
ومواقفه وإصراره على تحرير بلاده من الاحتلال الروسي، ولماذا حاول الروس
إسقاطه واستراتجيتهم التي نفذوها في ذلك، ووقفة مع حماسه الإسلامي وآماله
الكبيره بحكم الإسلام بعد عقود من الحكم الروسي البغيض، والبيان ترجو أن يكون
في هذا الحدث الجلل ما يجمع الشمل ويوحد الصف ويجدد العزم على تحقيق آمال
هذا الشعب إن شاء الله.
…
... رحم الله الفقيد وعفا عنا وعنه وغفر لنا وله.
(*) مندوب لجنة شباب الجمهوريات الإسلامية وروسيا الاتحادية بالندوة العالمية للشباب الإسلامي ونرغب من الأخوة في الندوة العالمية مواصلة المجلة بمثل هذه التقارير الميدانية المهمة.
…
...
…
...
…
...
…
...
…
...
…
...
…
-البيان-