المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السقوط من الداخل - مجلة البيان - جـ ١١٠

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌السقوط من الداخل

قراءة في كتاب

‌السقوط من الداخل

..

ترجمات ودراسات في المجتمع الأمريكي

تأليف / د. محمد بن سعود البشر

عرض: محمد حيان الحافظ

تمهيد:

تحرص مجلة البيان على عرض بعض الكتب والدراسات المتميزة في مختلف

فنون المعرفة، مما يفيد القارئ، وينوع ثقافته، ويؤصل وعيه، وقد سبق أن نشرت البيان عرضاً لكتاب آخر للمؤلف نفسه بعنوان (يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة)[*] ، جاء فيه أن مثل هذه الدراسات وإن كانت موجهة أصلاً للشعب الأمريكي، إلا أنها مفيدة لنا معشر المسلمين، فإن دراسة واقع المجتمعات الغربية التي لها علاقات متشابكة مع عالمنا الإسلامي لها أهمية بالغة من عدة جوانب، لعل أبرزها: رصد ظاهرة تأثر الضعيف بالقوي، وظاهرة التقليد عموماً، إضافة إلى استشراف مستقبل هذه الأمم ورصد زمن أفول تلك الحضارات؛ مما يشد أزر المسلمين بعامة، ويدفع المسلمين ممن يعيشون في تلك المجتمعات إلى الاستفادة من الواقع المتردي في عرض دين الإسلام، ولعله يكون عامل نجاة لهم إن آمنوا به.

كما أنها تكشف كيف أن عقلاء تلك المجتمعات يحذرون بني قومهم من خطر

السقوط؛ لما هم عليه من انحرافات، بينما يخرج من بين قومنا من يعمل جاهداً

ليل نهار بإغرائنا بشتى الوسائل حتى نسير وفقاً لتلك الفلسفات المادية والنفعية في

الحياة؛ جهلاً منهم وربما تجاهلاً ليسهموا بتغريب مجتمعاتنا وربطها بالتبعية والتقليد.

وهيا نتصفح معاً هذا العرض الموجز لهذا الكتاب.

- البيان -

بانتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي وتحلل الهياكل التنظيمية

للكتلة الشرقية، ازداد سطوع نجم الولايات المتحدة في سماء السياسة الدولية،

وذهب كثير من المراقبين إلى اعتبارها القوة العظمى في العالم، مستدلين على ذلك

بالدور الذي لعبته في تحرير الكويت من الاحتلال العراقي عام 1991م.

بيد أن فريقاً آخر من المحللين والباحثين في مجال العلاقات الدولية يرون أن

الولايات المتحدة، وإن كانت تتمتع في الوقت الحالي بمقومات القوة العظمى، إلا

أنها تحمل في ذاتها بذور اضمحلالها؛ ففيها من عوامل الضعف الاقتصادي

والاجتماعي والتعليمي والسكاني والإداري ما يكفي لانحدارها قريباً وهزيمتها في

المنافسة الآتية من كل من الاتحاد الأوروبي واليابان.

ويأتي كتاب (السقوط من الداخل) ليسلط الأضواء على نقاط الضعف الموجودة

في كلٍّ من الدولة والمجتمع في أمريكا، وما يميز هذا الكتاب عن غيره: أنه

شخّص عِلَل المجتمع الأمريكي استناداً إلى شهادات أمريكية مهمة لها وزنها ومكانتها

العلمية.

والكتاب يقع في (140) صفحة، ويتضمن (6) دراسات، الخامسة منها

أعدها المؤلف دراسة شخصية له في موضوعها، أما الأخريات: فإن دور المؤلف

فيها قد اقتصر على ترجمتها إلى العربية وتقريبها، وتمتاز هذه الدراسات في

مجملها بأنها تمثل انعكاساً صادقاً لحقيقة المجتمع الأمريكي وليست انطباعات

شخصية لمؤلفيها، كما أنها معززة بالأرقام والجداول الإحصائية الموثقة.

الدراسة الأولى: (يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة) :

هي دراسة أنجزها باحثان أمريكيان، هما:(جيمس باترسون) و (بيتر كيم)

تناولت واقع المجتمع الأمريكي في شتى مناحي الحياة من دينية وسياسية وثقافية

واقتصادية وإعلامية، وتمتاز الدراسة بأنها تصف ملامح المجتمع الأمريكي من

خلال لقاءات ميدانية أجراها المؤلفان مع عينة كبيرة من الشعب الأمريكي، وأهم

الحقائق التي تضمنتها الدراسة ما يلي:

- فقدان ثقة المواطنين في قياداتهم السياسية والدينية، وذلك بسبب غياب

القدوة، وأدى ذلك إلى اختلاط المعايير وعدم احترام تعاليم الدين؛ لأنها خاطئة

حسبما ظهر لهم.

- الحياة الشخصية لعامة الشعب الأمريكي تتسم بالنفاق، فهم يظهرون خلاف

ما يبطنون، هذا بالإضافة إلى الكذب الذي أصبح عادة في حياة الفرد الأمريكي!

- انتشار الزنا، حيث تشيع الخيانة الزوجية هناك، فأكثر من ثلث

الأمريكيين المتزوجين كانت لهم أو لا يزالون مرتبطين بعلاقات جنسية غير

شرعية، وغالبية الشعب الأمريكي تؤمن بأن الاتصال الجنسي مع شخص آخر

غير الزوج أو الزوجة جائز ومباح.

- كثرة جرائم القتل والانتحار والاغتصاب، فنسبة من ارتكبوا جرائم

بأنواعها المختلفة يصل إلى 39% من مجموع الشعب الأمريكي، وعدد جرائم القتل

بلغ (25) ألف جريمة سنويّاً، ونتيجة لذلك: ينفرط عقد الأمن، ويتضاعف عدد

السجناء، وتتزايد حالات عقوبة الإعدام.

الدراسة الثانية: (نحن القوة الأولى: أين تقف أمريكا، وأين تسقط في النظام العالمي الجديد؟)

أصدر هذا الكتاب (أندرو شابيرو) في عام 1992م، كشف فيه المؤلف

مواطن الضعف وملامح الانهيار في بنية المجتمع الأمريكي السياسية والاقتصادية

والتعليمية والاجتماعية.. وغيرها، وذلك في سياق تفنيده لمقولة: إن الولايات

المتحدة الأمريكية هي القوة العظمى الأولى في العالم، تلك المقولة التي وردت على

لسان الرئيس الأمريكي السابق (جورج بوش) بعد انتهاء حرب الخليج الثانية، ويرى

المؤلف أن الولايات المتحدة هي القوة الأولى، من حيث مؤشرات القوة الاقتصادية

والعسكرية، إلا أن عوامل الضعف والتدهور تسري في الوقت ذاته في شتى

القطاعات، فمثلاً: تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى في الإنفاق على الشؤون

الصحية، إلا أنها الدولة الأولى في عدد الوفيات والموت الجماعي للأطفال الرضع، وقد عقد المؤلف مقارنة بين الولايات المتحدة و (18) دولة صناعية أخرى، هي: أستراليا، والنمسا، وبلجيكا، وكندا، والدانمارك، وفنلندا، وفرنسا، وألمانيا،

وأيرلندا، وإيطاليا، واليابان، وهولندا، ونيوزيلندا، والنرويج، وإسبانيا،

والسويد، وسويسرا، وبريطانيا.

ثم استعرض المؤلف بعد ذلك بشكل أكثر تفصيلاً، مظاهر الضعف في

الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها دولة، والتي تشمل مختلف القطاعات:

السياسية، والاقتصادية، والعلاقات الاجتماعية.

فبالنسبة للقطاعات السياسية: يرى المؤلف أن ثقة الشعب الأمريكي في الحياة

السياسية مهزوزة، وذلك نظراً لما يراه من فساد سياسي وأخلاقي يتجلى في إنفاق

بعض المرشحين لعضوية الكونجرس ملايين الدولارات على حملاتهم الانتخابية،

ومن مؤشرات الضعف السياسي في الولايات المتحدة: تضخم مديونيتها للأمم

المتحدة، وعدم قبولها لتوصيات منظمات ولجان حقوق الإنسان، وضآلة مساهمتها

في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، حيث تحتل المرتبة الثامنة عشرة في

هذا المجال.

وفي الاقتصاد: يلاحظ أن الولايات المتحدة تحتل المرتبة الأولى في العالم في

عدد المليونيرات، بينما تضم في الوقت ذاته أكبر نسبة من الأطفال البائسين الذين

يعيشون فقراً مدقعاً، حيث يعيش خُمْس الأطفال الأمريكيين وعُشر المواطنين

البالغين في فقر مدقع، كما يوجد بالولايات المتحدة ما يقرب من ثلاثة ملايين

مواطن بلا سكن، 46% من المواطنين السود، و15% من أصول إسبانية أو

برتغالية أو أمريكية لاتينية.

وفي مجال الدفاع: تعتبر الولايات المتحدة هي الدولة الأولى في العالم من

حيث الإنفاق الدفاعي، ولكن هذا يأتي على حساب مجالات أخرى، كالرعاية

الصحية والتعليم والضمان الاجتماعي، وفي المقابل: تعاني الولايات المتحدة من

عجز كبير في الميزانية العامة، بحيث وصل العجز في عام 1991م إلى ما يقارب

(279)

بليون دولار، وفي عام 1992م وصل إلى (362) بليون دولار.

أما الديون الخارجية: فقد وصلت إلى (400) بليون دولار، وهذا فقط جزء

من المديونية العامة للدولة التي تصل إلى (2، 2) ترليون دولار.

وفي التعليم: يلاحظ ارتفاع معدل الأمية، حيث يبلغ عدد الأميين (27)

مليوناً، كما يتدنى مستوى التحصيل العلمي في صفوف الطلاب، وبالنسبة لنسبة

العلماء إلى المواطنين، فإنها 55 لكل 1000 مواطن، وهي دون النسبة الموجودة

في الدول المتقدمة الأخرى.

وفي مجال الحياة الاجتماعية: تقع في الولايات المتحدة أكثر من عشرين ألف

جريمة سنويّاً، بمعدل جريمة واحدة كل 25 دقيقة، وتتصدر الولايات المتحدة قائمة

الدول الصناعية في عدد حالات الاغتصاب المسجلة رسميّاً، أما جرائم تعاطي

المخدرات: فعددها مليون جريمة سنويّاً، وتتزايد فيها حالات تعاطي الكوكايين

والماراجوانا، كذلك تشيع في المجتمع الممارسات الجنسية غير الشرعية، إذ

تصاب! فتاة واحدة من بين كل عشر فتيات بين سن الـ 15 والـ 19 بأعراض

الحمل نتيجة الممارسة الجنسية غير المشروعة، كذلك تحتل الولايات المتحدة

المرتبة الأولى من بين الدول الصناعية في عدد حالات الإصابة بالإيدز، ولقد مات

بسبب هذا المرض أكثر من 130.000 أمريكي، وقبل حلول عام 1993 م

أصيب أكثر من 480.000 أمريكي بالمرض نفسه.

الدراسة الثالثة: (دولة من شعبين: البيض والسود.. تمييز، وانفصال وعداء، وعدم مساواة) :

وهي بقلم البروفسور (أندرو هيكر) ، وصدرت في عام 1992م، وقد تناول

فيها قضية التمييز العنصري في الولايات المتحدة بين المواطنين البيض والمواطنين

السود، وانعكاساتها على المجتمع الأمريكي، حيث استعرض المؤلف المتاعب

والمضايقات التي يتعرض لها السود من قِبَل البيض على المستوى الشعبي وعلى

المستوى المؤسسي، حيث تحدث المؤلف عما أسماه بـ (العرقية المؤسساتية) التي

قد تحدث في الكنيسة أو الجامعة أو الشركات التجارية أو الدوائر الرسمية الحكومية

كالمباحث الفيدرالية ومديرية أمن (لوس أنجلوس) ، كذلك تناول المؤلف موقف كل

من المحافظين البيض والليبراليين من السود، وذكر المؤلف أن السود لا يزالون

يواجهون مضايقات من جراء وضع العقبات أمام توظيفهم، ويختم البحث بإثارة

نقطة على صعيد العنصرية السياسية، تتمثل في كون عملية الاقتراع في

الانتخابات تتم وفقاً للأصل العرقي للمرشح، بمعنى أن كثيراً من الناخبين البيض

في الولايات المتحدة يصوتون للمرشح الأبيض، بينما يصوت السود لصالح

المرشح الأسود.

وننتقل إلى الدراسة الرابعة، وعنوانها:(السقوط التراجيدي.. أمريكا عام 2020م) :

وقد أصدرها الجنرال المتقاعد (هاميلتون هوز) في عام 1992م، وهو رجل

أمريكي شغل عدة مناصب عسكرية مهمة في بلاده، والكتاب يتناول الخصائص

العامة للمجتمع الأمريكي في شتى مناحي الحياة: السياسة، والاقتصاد، والصحة،

والتعليم، والمخدرات، والجريمة، والأخلاق، مع تركيز واضح على الفساد

السياسي في الحكومة والدستور والقانون الجنائي، ويرى المؤلف أن العالم لم يعد

ينظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها قوة فريدة في العالم، وأن أهم علل المجتمع

الأمريكي: تردي الأخلاق، ويظهر ذلك في الممارسات الجنسية الشاذة، كما

يتحدث المؤلف عن الجريمة والقانون الجنائي الأمريكي، فيذكر أن معدلات الجريمة

قد ارتفعت، وذلك بسبب فساد القانون الجنائي الأمريكي، إذ يوجد تساهل كبير في

إصدار الأحكام القضائية على المجرمين، كذلك يعاني المجتمع الأمريكي من عجز

في الميزانية وتضخم المديونية؛ نتيجة للفساد السياسي والاقتصادي وعجز الحكومة

عن إيجاد حلول لمشكلات تعاني منها البلاد، مثل: مشكلة الجريمة، والمخدرات،

والعجز في الميزانية، وارتفاع الضرائب، وتردي النظام التعليمي، والعنصرية،

ويختم المؤلف كتابه بالتعبير عن قلقه على الولايات المتحدة التي لن تستمر طويلاً

في كونها القوة العظمى الوحيدة في العالم؛ وذلك مرده إلى الانحطاط الأخلاقي

وانهيار القيم على كافة المستويات: المجتمع، والكونجرس، والقضاء.

الدراسة الخامسة: (البيت الأبيض.. تسييس الشذوذ في وضح النهار) :

وهي لمؤلف الكتاب الذي نعرض كتابه: د. (محمد بن سعود البشر) ، تناول

فيها حركة الشواذ جنسيّاً في المجتمع الأمريكي وازدهار نشاطهم في عهد الرئيس

الأمريكي الحالي (بيل كلينتون) ، حيث إنهم ساندوا حملته الانتخابية، ولذلك كافأهم

بعد تنصيبه بأن اعترف بمطالبهم، ووعد بالعمل على تلبيتها في رسالته التي بعث

بها إليهم وهم يتظاهرون أمام البيت الأبيض في السادس والعشرين من أبريل

1993م، ويذكر المؤلف أن ظهور فئة الشاذين جنسيّاً يرجع إلى عقد السبعينيات،

أما نشاط هذه الفئة فقد امتد ليشمل مجالات عديدة من الحياة السياسية والاجتماعية

والثقافية والإعلامية والترفيهية، ويذكر المؤلف أن من أهم وأخطر أسباب ظاهرة

الشواذ جنسيّاً في المجتمع الأمريكي: التغلغل اليهودي في مراكز القوى السياسية

والاجتماعية في المجتمع الأمريكي، وما سببه من (شذوذ) حضاري في واقع الحياة

الاجتماعية في أمريكا، فليس صحيحاً أن الحركة اليهودية موجهة ضد المسلمين

فقط، وإنما هي حركة تهدف إلى تدمير الأخلاق، وانتشار الفاحشة، وهدم مبادئ

الدين للمجتمعات الغربية أيضاً، فهم أحد أسباب طغيان المادية والانحطاط الأخلاقي

الذي نشاهده اليوم في عالم الغرب.

الدراسة السادسة: (ليست للبيع بأي ثمن

.. كيف نحفظ أمريكا لأطفالنا؟) :

وهي لـ (روس بيرو) ، رجل الأعمال الأمريكي الشهير الذي رشح نفسه لانتخابات الرئاسة الأمريكية 1992م، وهزم فيها أمام مرشح الحزب الديمقراطي

(بيل كلينتون) .

يناقش هذا الكتاب المشكلات التي تعاني منها الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، مع اهتمام واضح بالوضع المتردي للاقتصاد الأمريكي الذي يعزوه في الأساس

إلى فساد الحكومة والكونجرس، ويذكر (بيرو) أن أمريكا هي أكثر الدول الصناعية

عنفاً، وأن نظام التعليم فيها هو أقل الأنظمة التعليمية كفاءة مقارنة بأنظمة التعليم

في الدول الصناعية، ويذكر أيضاً أن هناك غلاءً فاحشاً في الخدمات الصحية، كما

أن علامات التصدع والانهيار بدأت تظهر على الطرق السريعة والجسور والأنفاق،

ويلوم (بيرو) الساسة الأمريكيين لعدم جديتهم في تطبيق الفلسفة الرأسمالية،

وانشغالهم بدلاً من ذلك بفرض القوانين، وزيادة معدلات الضرائب، وجمع الأموال

.. لتمويل الحملات السياسية، وعن الدّين العام: ذكر (بيرو) أنه بلغ أكثر من

أربعة تريليونات دولار، وأن ديون الولايات المتحدة قد زادت بمقدار ثلاثة

تريليونات خلال اثنتي عشرة سنة فقط، وهو ما يعني: أن الزيادة كانت بمعدل

تريليون واحد لكل فترة رئاسية، وعن البطالة في الولايات المتحدة، قال (بيرو) :

إن الشركات الكبرى هناك أخذت في تقليص حجمها، وتقليل كميات إنتاجها،

وتسريح بعض مستخدميها، مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة، حيث فقد

المجتمع الأمريكي أكثر من 700 ألف وظيفة في القطاع الصناعي الخاص) ، ويختم

بيرو كتابه بالحديث عن فقر الأطفال في بلاده، حيث يذكر أن خُمْس أطفال أمريكا

يعيشون في مستوى الفقر المعروف دوليّاً.

(*) انظر العدد (84) من مجلة البيان، ص 31 37، حيث عرضت هذه الدراسة بعد صدورها بترجمة موسعة في كتاب مستقل.

ص: 60

المسلمون والعالم

جماعة الأحباش..

حقيقتهم وآراؤهم

بقلم: عبد الرحمن بن عبد الله الحجاج

لا شك أن الابتداع في الدين قد ذمته نصوص السنة صراحة ونصوص الكتاب

ضمناً، والبدعة مذمومة ذم الكفر إذا كانت مكفرة، وذم الفسوق والعصيان إذا كانت

أدنى من ذلك، ومن عموم النصح للمسلمين: تعرية الفرق والجماعات والمذاهب

المبتدعة، وكشف عقائدهم الباطلة.. ومن تلك الجماعات: جماعة الأحباش، التي

سوف نستعرض في هذه المقالة واقعها وما هي عليه من الضلال والانحراف.

أولاً: تاريخ ونشأة الأحباش:

ينتسب الأحباش إلى شيخهم عبد الله الهرري الحبشي، والهرري نسبة إلى

بلاد (هرر) في الحبشة، وينسب نفسه إلى بني عبد الدار، وقد جاء إلى بلاد الشام

سنة 1370هـ (1950م)[1] تقريباً.

وقد بدأ في نشر عقيدته الفاسدة في سوريا، حيث وجد بعض القبول عند

بعض مشايخ الطرق الصوفية، وقد تصدى للحبشي وأفكاره المنحرفة الشيخ (محمد

ناصر الدين الألباني) ، فإن له عدة ردود عليه ومقالات في نقده، أهمها: كتاب

(تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره) ، وكتاب (الرد على التعقيب الحثيث) ،

حيث رد فيهما على الحبشي، وبيّن قلة علمه في الحديث.

ولما لم يجد الحبشي في سوريا أرضاً خصبة لترويج عقيدته الفاسدة وأفكاره

المنحرفة، انتقل إلى لبنان واستغل ظروف اضطراب البلاد في حربها الأهلية

الأخيرة بعد عام 1975م، واتخذ من بيروت مستقراً له في منطقة (برج أبي حيدر) ، ثم أخذ يتردد على طرابلس، ويجالس الناس في المقاهي، ويجمعهم حوله،

ويؤول لهم الرؤى والأحلام، ويروي لهم القصص، فاجتذبهم من هذا الباب؛ حيث

إن عوام الناس بطبعهم يحبون القصص والقصاصين والخرافة وتفسير الأحلام.

وبهذا الأسلوب تزايد أتباعه، وخاصة أن في مذهب الأحباش ما تشتهيه

الأنفس المريضة من اللهو واللعب، بل إن كل مريد يجد مراده في هذا المذهب،

فمريد التصوف والخرافات يجد مراده، ومريد الانحراف الخلقي يجد بغيته بما

ستراه من تأويلات باطلة، وكل صاحب هوى يجد شهوته.

ويزعم الأحباش أنهم أهل السنة والجماعة! وهم أبعد الناس عنها، بل هم

أعداء السنة الذين يكيدون لها، وقد حذر منهم كثير من أهل العلم، منهم: الشيخ

الألباني، كما ذكرنا سابقاً، والشيخ عبد العزيز بن باز، حيث يقول: (إن هذه

الطائفة معروفة لدينا، فهي طائفة ضالة، ورئيسهم المدعو عبد الله الحبشي معروف

بانحرافه وضلاله، فالواجب مقاطعتهم وإنكار عقيدتهم الباطلة، وتحذير الناس منهم، ومن الاستماع لهم، أو قبول ما يقولون) [2] .

وقد صدرت بعض الكتب للرد على هذه الطائفة الضالة، منها:

(الرد على الشيخ الحبشي) ، عثمان الصافي.

(استواء الله على العرش) ، أسامة القصاص.

(الاستواء بين التنزيه والتشويه) ، عوض منصور.

(إطلاق الأعنة في الكشف عن مخالفات الحبشي للكتاب والسنة) ، للهاشمي.

(الرد على عبد الله الحبشي) ، عبد الله محمد الشامي.

(بين أهل السنة وأهل الفتنة) ، عبد الله الشامي.

(شبهات أهل الفتنة وأجوبة أهل السنة) ، عبد الرحمن دمشقية.

(موسوعة أهل السنة في نقد أصول وشبهات أهل البدعة) ، وهو كتاب ضخم، يقع في حوالي خمسمئة صفحة، لم يصدر حتى الآن، لعبد الرحمن دمشقية.

ثانياً: عقيدة الأحباش:

عقيدة الأحباش عقيدة فاسدة مباينة لعقيدة أهل السنة والجماعة، وهي خليط

من عقائد الفرق الضالة، وهي عقيدة متناقضة، وتتضح معالم الانحراف والضلال

لديهم فيما يلي:

1-

صفات الله عز وجل :

ينفي الأحباش جميع الصفات التي وصف الله (جل وعلا) بها نفسه، ولا

يثبتون إلا ما تتخيله عقولهم القاصرة، زاعمين أنهم بِرَدِّ هذه الصفات الواردة في

الكتاب والسنة ينزهون الله، وهم يُكَفِّرُون كل من يثبت هذه الصفات لله، ويتهمونه

بأنه مشبه ومجسم.

وللأحباش طريقة عجيبة في نفي صفات الله (جل وعلا) أو كما يقولون:

لتنزيهه، وذلك بمقارنته بالمخلوق، فيقولون: المخلوق له يد، فالله منزه عن اليد،

والمخلوق له قدم، فالله منزه عن القدم، والمخلوق له عينان، فالله منزه عن العينين، ويتجاهلون أن الله ليس كمثله شيء، وأن صفاته ليست كصفات المخلوقين،

فإثبات هذه الصفات كما يليق بجلاله لا يستلزم تمثيله بمخلوقاته.

وقد وصل الأمر بالأحباش إلى كلام عن اللسان والحنجرة والأسنان، بل إلى

الإليتين! ! ، فقالوا: (إذا قلنا: إن الله مستو على العرش، فمعنى ذلك أن له

إليتين) [3] ، انظر إلى هذه الجرأة في حق الله (جل وعلا) وإلى هذا الجهل

المطبق.. [سبحانه وتعالى عما يقولون علوَْا كبيرْا] .

ويقوم الأحباش بنفي بعض الصفات عن الله (تعالى) تفصيليّاً بطريقة بدعية،

ويقارنون ذات الله بذوات المخلوقين، فيقولون: الله ليس كالرجل الضخم، الله

ليس كذا وكذا، مما يطبع في ذهن السامع صوراً وأشكالاً وتفكراً في ذات الله

سبحانه وتعالى ، وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنه موقوفاً، وروي

مرفوعاً إلى النبي: (تفكروا في خلق الله، ولا تفكروا في الله)[4] .

والمعلوم أن طريقة القرآن في الغالب هي أن نفي النقائص عن الله يكون

مجملاً، وإثبات الكمال لله يكون مفصلاً، بخلاف طريقة أهل البدع التي تقوم على

النفي المفصل والإثبات المجمل، وأيضاً: إن هذا النفي المفصل والذي يسميه

الأحباش تنزيهاً يعتبر ذمّاً وليس مدحاً؛ فلو قلت لرجل: أنت لست سارقاً ولا زانياً

ولا كلباً ولا قذراً.. إلخ.. ألا يغضب هذا الرجل، ويعتبر هذا التنزيه عن هذه

النقائص ذمّاً؟ ، فكيف بمقام رب العالمين، (سبحانه وتعالى عما يقولون علوّاً

كبيراً) .

وقد أورد الله (تعالى) في كتابه العظيم هذا النفي مجملاً، فقال: [هَلْ تَعْلَمُ لَهُ

سَمِياً] [مريم: 65]، وقال:[لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ][الشورى: 11]، وقال:

[لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ][الإخلاص: 3، 4] .

ولكن أنّى لهم أن يفقهوا العقيدة الصحيحة في الله (تعالى) ، وفاقد الشيء

لا يعطيه.

2-

توحيد الله (جل وعلا) :

التوحيد عند الأحباش هو توحيد الربوبية فقط، وهو توحيد الله بأفعاله،

كالاعتقاد بأن الله هو الخالق الرازق.. وقد تأثروا في ذلك بالفلاسفة والمتكلمين،

وهذا التوحيد آمن به حتى مشركو قريش، يقول (تعالى) : [وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ

السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ] [العنكبوت: 61] ويقول:

[وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ]

[العنكبوت: 63] ، ولكن هذا التوحيد لم يكتمل لديهم، ولو اكتمل لم ينفعهم؛ لأنه

يلزم معه توحيد الألوهية، وهو توحيد الله بأفعال العباد، كالدعاء، والاستغاثة،

والاستعانة، والاستعاذة..

والأحباش هم أعظم الناس نقضاً لتوحيد الألوهية؛ حيث أباحوا الشرك الأكبر، كدعاء الأولياء، والأموات، والاستغاثة بهم.. وفي هذا يقول شيخهم: (الاستغاثة

بغير الله والاستعانة لا تعتبر شركاً، كما زعم بعض الناس، فلو قال قائل: يا

رسول الله.. المدد! ، فهو صار كافراً عندهم) [5] ويقول: (إني لأعجب من

هؤلاء الذين يكفرون المسلمين لمجرد التمسح بقبر وليّ أو قولهم: يا رسول الله

المدد) [6] ، وقال شيخهم عن حكم من يستغيث بالأموات ويدعوهم، كأن يقول: يا

سيد يا بدوي أغثني، يا سيدي دسوقي المدد.. فقال: (يجوز ذلك، فإنه يجوز

أغثني يا بدوي، ساعدني يا بدوي) فقيل له: إن الأرواح تكون في برزخ معين،

فكيف يستغاث بهم وهم بعيدون؟ فأجاب بقوله: (الله (تعالى) يكرمهم بأن يسمعهم

كلاماً بعيداً وهم في قبورهم، فيدعون لهذا الإنسان وينقذه، وأحياناً: يخرجون من

قبورهم فيقضون حوائج المستغيثين بهم، ثم يعودون إلى قبورهم) [7] .

وهذا والله من أعظم الشرك والعياذ بالله، وكأنهم لا يقرؤون قول الله (تعالى) :[وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً][الجن: 18]، وقوله (تعالى) :

[إن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُونَ

بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ] [فاطر: 14]، وقوله عن رسول الله:[إنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتَى][النمل: 80]، وقوله (تعالى) على لسان رسوله:[قُلْ إنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَراً وَلا رَشَداً][الجن: 21]، [قُل لَاّ أََمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَراً إلَاّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إنْ أَنَا إلَاّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ] [الأعراف: 188] .

ثم: ألا يعلم هؤلاء أنهم بهذا الدعاء يعبدون موتاهم؟ ! ، كما أخبر (عليه

الصلاة والسلام) بقوله: (الدعاء هو العبادة)[8]، وقوله: (إذا سألت فاسأل الله،

وإذا استعنت فاستعن بالله) [9] .

3-

رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته:

عقيدة الأحباش في رسول الله صلى الله عليه وسلم عقيدة غريبة عجيبة،

فهم غلاة في مواطن، وجفاة في مواطن أخرى؛ حيث يستغيثون به، ويطلبون منه

المدد والعون، ويجعلون ذلك من القربات ومن دواعي محبته، بل من لوازمها

أحياناً، فهم مخالفون معاندون لأمره وهديه صلى الله عليه وسلم، حيث قال:

(لا تطروني كما أطرت النصارى ابنَ مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله

ورسوله) [10]، وعندما قال أحد أصحابه: ما شاء الله وشئت، قال: (جعلتني لله

عدلاً، ما شاء الله وحده) [11] .

ومن جهة أخرى: فالأحباش مجحفون في حقه صلى الله عليه وسلم بعدم

اتباعهم هديه، ثم بقولهم وإعلانهم أنه يكفي أن يصلي المسلم على النبي -صلى الله

عليه وسلم- مرة واحدة في عمره كله.. وأهل السنة والجماعة الذين يدعي هؤلاء

أنهم منهم يقولون بمشروعية وتأكيد الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في مواطن

كثيرة، وأن تاركها آثم، وخاصة عند ذكره صلى الله عليه وسلم، حيث قال:

(رَغِمَ أنف رجل ذُكرت عنده فلم يصلِّ عليّ)[12]، وقال أيضاً: (البخيل من

ذكرت عنده فلم يصلِّ عليّ) [13] ، والأحباش مخالفون لسنته -صلى الله عليه

وسلم- أشد الخلاف، ولهم شغف بالبدع، كبدعة الاستغاثة به -صلى الله عليه

وسلم-، وبدعة الاحتفال بالمولد النبوي، وهذه من ضروريات مذهبهم، وهم

يحتفلون بها على أكبر نطاق، ويقيمون لذلك صالات الاحتفالات الكبيرة،

ويحتفلون بالمناسبات البدعية التي ما أنزل الله بها من سلطان، ويملؤون الشوارع

بإعلاناتهم لذلك، بل إنه في بعض البلاد ينقل التلفزيون هذه الاحتفالات باسم

الإسلام.

ولا يكتفي الأحباش بهذه البدع، بل تعدى ذلك إلى خرافات المتصوفة

وانحرافاتهم، فهم أي الأحباش يعظّمون أئمة يعظّمون أئمة التصوف الزنادقة،

ويترضون عنهم، ويطعنون فيمن يتكلم فيهم بسوء، ويتهمونه بأنه يكفّر علماء

المسلمين [14] .

(1) مجلة الفرقان، عدد (33) 14/1/1993م، ص 13، نقلاً من كتاب للأحباش، وانظر أيضاً: لقاءً مع نزار الحلبي في جريدة (المسلمون) ، العدد (407) .

(2)

فتوى أرسلها سماحة الشيخ في معرض جوابه للجالية الإسلامية اللبنانية بأستراليا عام 1406هـ، بتاريخ 30/10/1406هـ.

(3)

لقاء مع نزار الحلبي في جريدة (المسلمون) ، العدد (407) ، وورد في كتاب شيخهم (الدليل القويم) ، ص 36، مثل هذه التخرصات البدعية.

(4)

حديث حسن، رواه أبو نعيم في الحلية، وانظر صحيح الجامع: ح/ 2976.

(5)

عبد الله الهرري الحبشي: بغية الطالب، ص10.

(6)

المصدر السابق، ص 51.

(7)

عبد الله الشامي: بين أهل السنة وأهل الفتنة.

(8)

حديث صحيح، رواه الترمذي في كتاب تفسير القرآن، وأبو داود في كتاب الصلاة، وابن ماجة في كتاب الدعاء، والإمام أحمد في مسند الكوفيين.

(9)

حديث صحيح، رواه الترمذي في كتاب صفة القيامة، والرقائق، والورع، وأحمد في مسند بني هاشم.

(10)

رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، والإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

(11)

حديث صحيح، رواه أحمد في مسند بني هاشم.

(12)

حديث صحيح، رواه الترمذي في كتاب الدعوات، والإمام أحمد في باقي مسند المكثرين.

(13)

حديث صحيح، رواه الترمذي في كتاب الدعوات، والإمام أحمد في مسند أهل البيت.

(14)

عبد الله الهرري الحبشي: الدليل القويم، ص 152.

ص: 68