المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

نص شعري ‌ ‌حيرة شعر: فيصل عبد الله المشرقي   إن الحياة بدون الحبّ هاوية - مجلة البيان - جـ ١١٦

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: نص شعري ‌ ‌حيرة شعر: فيصل عبد الله المشرقي   إن الحياة بدون الحبّ هاوية

نص شعري

‌حيرة

شعر: فيصل عبد الله المشرقي

إن الحياة بدون الحبّ هاوية

نار تأجج في القلب الظمي ضَرَما

سألته زمناً والقلب في كمد:

يا صاحِ يا أملي يا أفضل الندما

ما سرّ نائحتى والناس في طرب

هل بان منزل من تهواه وانصرما؟

قال الحبيب ودمع العين يخنقه:

يا كاشح الطرف يا من يندب الرمما

جانبْ سفاسف أمر قد علقت به

إن الأسود تُحاذر أن تُرى بُهما

إني سلكت سبيلاً ليس يسلكه

إلا من امتلأت أوصاله كرما

آليت أنّ طريقي لست أبرحه

حتى يرفرف أمري في الورى قُدُما

***

النفس بالنفس في الألواح قد كتبت

للعبد والحر والأسياد والزعما

فهل تضيع دماء المسلمين سدًى

في القدس والهند والبلقان يا حُكَما؟

وهل تصير دِما الحيتان غالية

حتى يكون لها من عطفكم حرما؟

بأي حق جرى القانون عندكمو

أم كيف سُطِر حتى صار محترما؟

لا يحجب الشمسَ غربالٌ إذا طلعت

في العالمين تزيل البغي والظُلَما

***

فهل ترى يا رفيقي أن تكون معي

حتى نقيم من البنيان ما انهدما؟

فما رميت إذِ الكفار قد دُحِروا

لمّا رميت، بل الله القويّ رمى

القولُ قولُهُ، والخَلْقُ العظيم له

من شاء دمّره منهم لينتقما

كن في الصفوف وإلا خادماً لهمُ

أو داعياً لهمُ أو مرشداً فَهِما

أو ساتراً لعيوب قد تُرى جَللاً

أو كن أُخَيّ من المستَحْسَنين فَمَا

أو جُد أخي بعزيز المال عن رغَبٍ

حتى نَدُكّ بعزمٍ هذه الأُطُما

واسمع أُخَيّ ندا الأيام، إن لها

قولاً تردده: يا أكرم الكُرَما

أعط الشحيح دماراً سابغاً تَلَفاً

وامنح بفضلك كل المنفقين نَمَا

فإن قدِرْت فحقّاً تلك مفخرة

وإن عجزت فجود العاجزين بِمَا

فدع أذاك وحاذِر أن تُعيقَهُم

إياك إياك أن تغدو لهم خَصِما

فالفجر لاح وعين الله تحرسه

والكون صاح، وذاك الظلم قد رُجِمَا

ص: 62

قراءة في كتاب

النظام العالمي الجديد..

دراسات تحليلية سياسية لبعض المتخصصين

عرض: محمد حيان الحافظ

شهد العالم منذ أواخر عقد الثمانينات وأوائل عقد التسعينات مجموعة من

التحولات الدولية المهمة في شرق الكرة الأرضية وغربها، أسفرت في النهاية عن

ظهور هيكلية دولية جديدة مغايرة لتلك التي سادت مرحلة الحرب الباردة، حيث

كان النظام الدولي آنذاك يتسم بهيكلية القطبية الثنائية والصراع بين الكتلة الشرقية

بزعامة (الاتحاد السوفييتي) السابق والكتلة الغربية بزعامة (الولايات المتحدة

الأمريكية) .

توصيف النظام العالمي الجديد:

وفي خضم هذه التحولات ظهر العديد من الكتابات التي تقدم توصيفاً لهذا

الواقع الدولي الجديد، فبعض المحللين يصف الهيكلية الدولية الحالية بأنها أحادية

القطبية، وآخرون يصفونها بالقطبية المتعددة، وهناك من يصفها بأنها قطبية متعددة

قيد التشكيل، ومنهم الذي ينكر أصلاً وجود نظام دولي جديد، ويصف الهيكلية

الحالية بأنها حالة من الفوضى الدولية.

ولكن لا خلاف على أننا أمام واقع دولي جديد، وأنه مصحوب بطائفة من

التحديات لعالمنا الإسلامي، ولذلك فمن المهم التعرف على نمط توزيع القوة في

العالم ونمط التفاعل السائد، وفي هذا السياق يأتي كتاب (النظام العالمي الجديد) ،

وهو عبارة عن مجموعة أبحاث قدمها عدد من الباحثين في مجال العلاقات الدولية

إلى ندوة (النظام العالمي الجديد) ، التي عقدها مركز البحوث والدراسات السياسية

بجامعة القاهرة [*] .

محاور الدراسة:

يقع الكتاب في أربعمئة وثماني صفحات، وينقسم إلى أربعة أبحاث هي الآتي:

القسم الأول: يتناول الأبعاد النظرية للنظام العالمي الجديد، ويضم هذا القسم

ثلاثة أبحاث:

البحث الأول: للدكتورة (ودودة بدران) ، تناولت فيه الرؤى المختلفة للنظام

العالمي الجديد، من حيث هيكليته ومصادر التهديد فيه، ومسار التفاعلات الدولية،

وهل هو في اتجاه التكتل الاقتصادي الإقليمي أو الاعتماد المتبادل، وتحديد

انعكاسات النظام على إمكانيات العمل الجماعي العالمي، ومكانة الدول النامية في

النظام العالمي الجديد.

ويؤخذ على تحليل الدكتورة (ودودة) الاقتصار على التصورات الغربية،

وعدم تناول رؤى مفكري العالم الإسلامي وباحثيه للنظام العالمي الجديد، وهذا دأب

جل الدارسين في البحوث السياسية الحديثة.

أما البحث الثاني، الذي قدمه الدكتور (عبد المنعم المشاط) : فإنه أيضاً تناول

مسألة هيكلية النظام الدولي الحالي وخصائصه، فبالنسبة لهيكل النظام الدولي

الحالي: فإنه يصفه بأنه (تعددية قطبية قيد التشكيل) ، حيث يستبعد مقولة أن

(الولايات المتحدة) هي قطب القوة الوحيد في العالم؛ وذلك لأنها لم تعد المركز

الوحيد لعملية صنع القرارات الدولية، فضلاً عن أن مفهومها للأمن ليس مفهوماً

عالميّاً، وإنما هو مفهوم (أمريكي) صرف، يرتبط بحماية المصالح الأمريكية في

الداخل والخارج، ويرى أنه إلى جانب (الولايات المتحدة) ، توجد قوى أخرى

تسعى لبناء قدرات عسكرية خاصة بها، ك (اليابان) ، و (ألمانيا) ، خصوصاً بعد

زوال القيود الدستورية التي كانت مفروضة على الدولتين بخصوص التسلح أو

ممارسة نشاطات عسكرية خارج إقليميهما.

أما الخصائص فنذكر منها:

1-

نمو كثافة الصراعات العرقية.

2-

التحول إلى تكتلات اقتصادية كبرى كالسوق الأوروبية الموحدة و (آسيا) ..

3-

تضاؤل أهمية الأحلاف في السياسة الدولية.

4-

تدهور الدور الأساسي للمنظمات الإقليمية.

البحث الثالث: للدكتور محمد السيد سليم، وعنوانه: (الأشكال التاريخية

للقطبية الواحدة) ، سلم فيه بداءة بأن النظام الدولي الحالي أحادي القطبية، حيث

تسيطر على بنيان النظام الدولي: (الولايات المتحدة) وشركاؤها أعضاء حلف

(شمال الأطلسي) ، وللتعرف على المستقبل المتوقع لهيكلية القطبية الواحدة، فإنه

قام بتتبع الأشكال التاريخية لنظام القطبية الواحدة باعتبار أن التاريخ هو معمل

التجارب بالنسبة للظواهر الاجتماعية، فاستعرض أربعة نماذج تاريخية لهيكلية

القطبية الواحدة، وخلص الدكتور سليم إلى أن النظام العالمي الحالي هو نظام مؤقت؛ إذ سرعان ما ستتولد بل تولدت بالفعل قوى أخرى منافسة تسعى لموازنة قوة

الدولة المسيطرة، ومن هذه القوى: الاتحاد الأوروبي الذي يتجه إلى الاستقلال عن

(الولايات المتحدة) في الأجل المتوسط.

القسم الثاني: يتناول دور القوى الكبرى في النظام العالمي الجديد، ويتضمن

هذا القسم ثلاثة أبحاث:

تناول البحث الأول منها الذي قدمته د. (نهى المكاوي) مسألتين: الأولى:

مقومات القوة لدى (الولايات المتحدة) ، بجوانبها الاقتصادية والتقنية، وخلصت إلى

وجود تدهور في هذه القوة مقارنة بنظيرتها في (اليابان) و (ألمانيا) ، بينما ترجح

كفة (الولايات المتحدة) في الميدانين السياسي والعسكري.

البحث الثاني: وهو للدكتور (طه عبد العليم) ، يتناول فيه دور (روسيا) في

النظام العالمي الجديد، ومحددات هذا الدور، حيث أشار الباحث إلى أن الدور

(الروسي) سوف يكون مقيداً بعدة اعتبارات، أهمها: حاجة (روسيا) إلى

المساعدات الاقتصادية الغربية، وربط الغرب هذه المساعدات بحدوث تحول كامل

في (روسيا) نحو الرأسمالية، وبالنسبة لمكانة (روسيا) العالمية: فإن الباحث يرى

أنه نظراً للتدهور الواضح في عناصر قوتها؛ فإنها لن تعود قوة عظمى مهيمنة

ومؤثرة في تشكيل النظام العالمي الجديد، وإن كانت ستظل تمارس دور القوة

الإقليمية القائدة في المنطقة التي تقع بها (الجمهوريات) التي استقلت عن (الاتحاد

السوفييتي) السابق، وقد يمتد هذا النفوذ إلى دول الجوار الإقليمي في شرق أوروبا

وغرب آسيا.

وقد أشار الباحث إلى مجموعة من البدائل أمام روسيا في النظام العالمي

الجديد، وهي: البديل الأوروبي، البديل الأوراسي، البديل الواقعي الذي يؤلف

بين البدائل السابقة.

ومع التسليم بما قاله الدكتور (طه) عن عوامل التدهور في قوة روسيا التي

تحول في رأيه دون بلوغ روسيا مصاف القوى العظمى، إلا أنني أعتقد أن عوامل

الضعف هذه لا تمنع (روسيا) من ممارسة دور مؤثر في قضايا خارج النطاق

الإقليمي لما كان يعرف بـ (الاتحاد السوفييتي) ، حيث هددت روسيا باستخدام حق

النقض (الفيتو) ضد أي مشروع قرار يعرض على مجلس الأمن مما لا توافق عليه. وتشارك روسيا الولايات المتحدة في رعاية عملية السلام الحالية بين العرب

وإسرائيل، ومفاد هذا كله: أن روسيا لم تقنع بمجرد أن تكون قوة إقليمية قائدة في

مجال نفوذها، وإنما تريد أيضاً أن تثبت حضورها قوةً عظمى في مناطق أخرى

من العالم.

البحث الثالث: وعنوانه: (القوى الصاعدة في النظام العالمي الجديد..

أوروبا واليابان) ، وهو للدكتورة (هالة سعودي) ، حيث تحلل ركائز القوة المتاحة

لكل من الاتحاد الأوروبي واليابان، ودور كل منهما في النظام العالمي الجديد، وما

إذا كان ممكناً أن يصبحا قطبين أساسين في هذا النظام، وقد خلصت الباحثة إلى

نتيجة مفادها: تصاعد القوة الاقتصادية لكل من الاتحاد الأوروبي واليابان، ودللت

على ذلك بعدد من المؤشرات الكمية، مثل: ارتفاع حجم ناتجها العام، ومتوسط

دخل الفرد، وارتفاع معدل النمو، وترى الباحثة أنه رغم هذا الازدهار لعناصر

القوة، إلا أنه توجد صعوبات تحول دون ترجمة هذه العناصر إلى قوة عسكرية

فعالة، ومن ذلك: القيود الدستورية في اليابان، وتعدد نظم التدريب والتسليح في

جيوش الجماعة الأوروبية، ولكن هذا لا يعني أن هاتين القوتين ستكونان غائبتين

عن مسرح السياسة الدولية؛ إذ أنهما ستلعبان دوراً قياديّاً في القضايا التي لا

يقتضي حسمها استعمال القوة العسكرية، فضلاً عن الدور القيادي في الإقليم المحيط

بكل منهما.

القسم الثالث: يركِّز على دور النظم الفرعية والمنظمات الدولية في النظام

العالمي الجديد، ويتضمن هذا القسم ثلاثة أبحاث:

البحث الأول عنوانه: (النظم الإقليمية في إطار النظام العالمي الجديد) ،

وهو للدكتور (جمال زهران) ، تناول فيه وضع النظم الإقليمية في ظل هيكلية

القطبية الواحدة الحالية، ويقصد بالنظم الإقليمية: شبكة العلاقات والتفاعلات في

منطقةٍ ما تحدد على أساس جغرافي، وقد قام الباحث بتقسيم هذه النظم وفقاً لعلاقتها

بالنظام العالمي الجديد إلى: (نظم محتكرة) ، وأخرى (تنافسية) ، وقد ركز الباحث

على النظام الإقليمي لأوروبا الشرقية، والنظام الإقليمي لأمريكا اللاتينية، والنظام

الإقليمي الآسيوي، والنظام الإقليمي العربي.. مبيناً آليات تأثير النظام العالمي على

دورها، ويرى الباحث أن مسألة استمرارية هذه النظم الإقليمية تتوقف على مدى

تماسكها الداخلي، وتوافر قائد إقليمي، والقدرة على الحركة والمناورة في النظام

العالمي.

البحث الثاني: (الأمم المتحدة والنظام العالمي الجديد) ، وهو للدكتور (حسن

نافعة) ، يتضمن البحث تقييماً عامّاً لدور الأمم المتحدة في النظام الدولي، في ظل

هيكلية القطبية الثنائية، وبين أن المنظمة العالمية بهيكلها التنظيمي الحالي

وإمكاناتها الحالية تواجه مشكلتين مهمتين، كلتاهما من مخلفات حقبة الحرب الباردة، ألا وهما:

1-

عدم استكمال الترتيبات الخاصة بنظام الأمن الجماعي، وخصوصاً ما

يتعلق منها بإعمال المادة (43) .

2-

تضخم بيروقراطية الأمم المتحدة على نحو بات يشكل عبئاً ماليّاً كبيراً

على ميزانية المنظمة، ويقترح الباحث في ختام بحثه إجراء إصلاح هيكلي لهذه

المنظمة العالمية يتمثل في ضرورة حدوث توازن بين دور الجمعية العامة ودور

مجلس الأمن، وذلك في إطار نظام مؤسسي يقوم على فصل السلطات التشريعية

والتنفيذية والقضائية، وتحديد قواعد التوازن والرقابة المتبادلة بينهم.

والحقيقة: أن مقترحات الدكتور (حسن نافعة) ما هي إلا أمنيات غير واقعية؛

فالأمم المتحدة ليست حكومة عالمية حتى ينادى بإصلاحها، وإنما هي منظمة تعكس

حقائق القوة في عالم اليوم أكثر من كونها جهازاً لإعمال الشرعية الدولية. إن

إصلاح الأمم المتحدة يجب أن يبدأ بإجراء إصلاحات هيكلية في الدول الأعضاء

وفي المنظومات الإقليمية، بشكل ينتهي إلى ظهور قوى دولية فاعلة وموازنة

للولايات المتحدة، ولها إسهاماتها المالية الكبيرة في ميزانية الأمم المتحدة، وتنسق

فيما بينها في عملية التصويت في الأمم المتحدة، وعندئذ يكون من السهل إصلاح

الأمم المتحدة، بشكل يجعلها أكثر تمثيلاً لإرادة المجتمع الدولي! .

المبحث الثالث: (حركة عدم الانحياز والنظام العالمي الجديد) ، للدكتور

(محمد عز الدين عبد المنعم) ، يتناول مسألتين، هما:

1-

كيف يمكن لحركة عدم الانحياز أن تكتسب إمكانية التأثير على صياغة

نظام عالمي جديد والتعامل معه بكفاءة؟

2-

تحديد نقاط الضعف الكامنة في حركة عدم الانحياز، التي تعوقها عن

المشاركة الفعالة في صياغة النظام العالمي الجديد، ومن أبرزها: تكاثر حجم

المشكلات الداخلية لدى الدول الأعضاء، التفاوت المضطرد لمراحل النمو بينهم،

تفاقم المنازعات بين دول الحركة، وتخلف قطاع السياسة الخارجية لدى كثير من

دول الحركة، افتقار هذه الحركة إلى إطار تنظيمي كفء، تعدد تجمعات العالم

الثالث دون صيغة دقيقة ومتفق عليها للتنسيق بين هذه التجمعات، كـ (مجموعة

الـ 15) و (مجموعة الـ 77) .

وإنني أرى فيما يتعلق بأسباب ضعف الحركة أن الباحث قد أغفل السبب

الأهم الذي أدى إلى أفول نجم الحركة، وهو ليس فقط منذ ظهور ما يسمى بالنظام

العالمي الجديد، بل أيضاً منذ منتصف السبعينات وحتى الآن، ألا وهو دخول عدد

كبير من الدول الأعضاء في ترتيبات أمنية مع القوى العظمى، أخذت أحياناً مسمى

(اتفاقيات التعاون الأمني والصداقة) ، ورغم أن دول الحركة لم تكن أعضاء بشكل

رسمي في الأحلاف القائمة، إلا أنها كانت تخدم استراتيجية هذه الأحلاف، من

خلال ما تقدمه لها في أراضيها من تسهيلات عسكرية؛ مما أدى إلى تقويض

الأساس الذي بنيت عليه الحركة، وأعتقد أنه لم يعد مجدياً الآن ولا منطقيّاً

الاستمرار في تنظيمٍ فَقَدَ مسوغات وجوده بانتهاء الحرب الباردة؛ فإن من الأفضل

تحري أسس جديدة لإعادة بناء مثل هذا التكتل؛ ليلعب دوراً فعالاً في إصلاح النظام

الدولي.

القسم الرابع، وعنوانه:(الأبعاد الفكرية والمستقبلية للنظام العالمي الجديد) ،

وقد قام بإعداده كل من الدكتور (محمد سيد سليم) ، والدكتور (محمد سيد سعيد) ،

ويتناول هذا القسم مسألتين:

الأولى: تتعلق بالمفاهيم السياسية في إطار النظام العالمي الجديد، حيث أشار

الدكتور (محمد سليم) إلى أن التحولات الدولية قد تركت آثاراً واضحة على مضامين

المفاهيم السياسية ودلالاتها، وظهور مفاهيم جديدة.

الثانية: احتمالات التطور المستقبلي للنظام العالمي الجديد، حيث أورد

الدكتور (محمد سيد سعيد) ثلاثة محددات مباشرة للتطور المستقبلي للنظام العالمي،

وهي: درجة استقرار موقع الهيمنة، والتوترات المتصلة بعولمة الاقتصاد، وأزمة

التكيف المؤسسي مع تفجر الخصوصيات الثقافية بكل أشكالها، وأشار إلى أن

النظام الدولي الحالي قد يتطور إلى واحد من الأشكال الأربعة الآتية: نظام دولي

هرمي، نظام كتلي متوازن، نظام كتلي فوضوي، نظام مشاركة عالمية، وقد

استعرض الباحث كلاّ منها بالتفصيل.

وهكذا.. من خلال الأبحاث العلمية والدراسات التحليلية التي يضمها هذا

الكتاب بأقلام عدد من المتخصصين يتاح للقارئ الوقوف على هيكلية النظام الدولي

في الماضي والحاضر، والمستقبل المتوقع له.

وقد تميز الكتاب بالعرض السلس المبسط للموضوع، والتغطية الشاملة

المتوازنة لعناصره، ومن ثم: فإنه يمثل إضافة قيمة للمكتبة العربية فيما يتعلق

بالدراسات السياسية، وإن كان كما أسلفت تفتقد أبحاثه للرؤية السياسية الإسلامية،

وهذا قصور ولا شك [**] .

(*) ألف الكتاب مجموعة من الباحثين منهم الدكتور (حسن نافعة) وآخرون، والمحرر هو: الدكتور (محمد سيد سليم)، والناشر: مركز البحوث والدراسات السياسية بجامعة القاهرة القاهرة.

(**) كتب بعض المفكرين الإسلاميين عدداً من الدراسات حول موضوع (النظام العالمي الجديد) من خلال الرؤية الإسلامية، ومنهم الدكتور (توفيق القصير) في كتابه (على مشارف القرن الحادي والعشرين) ،والدكتور (محمدعبد القادر أحمد) ، (هموم إسلاميةفي نظام عالمي جديد) ، والدكتور محمد التكريتي ، بالاشتراك في كتاب (المسلمون والنظام العالمي الجديد) .

...

...

...

...

...

...

...

- البيان -

ص: 64

المسلمون والعالم

خمسون عاماً من الفشل..!

أجواء الحرب.. في أحلام السلام

بقلم: عبد العزيز كامل

بالرغم من قناعتنا نحن المسلمين بأن السلام (الدائم) مع اليهود أمر مستحيل،

فضلاً عن كونه أمراً غير مشروع لعدم جواز الاعتراف لهم باغتصاب أرض

فلسطين.. إلا أن كثيراً من القيادات العربية كانت ولا تزال تمني نفسها بإمكانية

تحقيقه، فتخطية البحث في مشروعية تطبيقه، وكانت تلك القيادات تتطلع من

خلال البحث عن (السلام) إلى تحصيل ما عجزوا عن تحقيقه عبر (السلاح) .

ونحن سوف نفترض حسن النية في هذه القيادات، وسوف نفترض أنها فعلاً

أرادت التغلب على اليهود عبر طاولة المفاوضات بدلاً من ساحة الصراعات..

سنستبعد إلى حين ما يعده بعضهم: هواجس التآمر، ووساوس الخيانه، واتهامات

العمالة، وسنقول: إن هؤلاء أرادوا حقاً الانتصاف للأمة من عدوها سلماً بعد أن

عجزوا عن الانتصار لها حرباً.. فهل أفلحت تلك القيادات في السلام بعد أن فشلت

في الحرب

؟ ! .

هذا ما سوف نناقشه من خلال استعراض مسيرة الحلول السلمية التي حملها

(قطار السلام) الذي انطلق بعد حرب 1973م وهو التاريخ الذي يمثل نصف مدة

الخمسين سنة من الصراع العربي الإسرائيلي منذ بدأ وإلى الآن

وهذه الحلقة

الأولى لأهم المحطات.

المحطة الأولى: مؤتمر جنيف 1974 م:

(الحرب من أجل السلام) : بهذا العنوان، أو بهذه الروح دخل العرب

الحرب الرابعة مع اليهود عام 1973م، وأثناء تلك الحرب، وقبل أن تضع

أوزارها، وجه الرئيس المصري السابق (أنور السادات) يوم 16 أكتوبر 1973م

(أي بعد بدء الحرب بعشرة أيام) رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأمريكي الأسبق

(ريتشارد نيكسون) اقترح فيها مشروعاً للسلام يتضمن الدعوة إلى إيقاف إطلاق

النار على أن تنسحب إسرائيل فوراً من جميع الأراضي العربية التي احتلتها في

حرب يونيو 1967م، وأبدى استعداده لحضور مؤتمر سلام دولي لإقرار السلم في

منطقة الشرق الأوسط.

وسرعان ما تحركت الأطراف الدولية وعلى رأسها (واشنطن) و (موسكو)

لإنهاء القتال الذي بدا أنه يمكن أن يهدد الدولة اليهودية، وأسفرت جهودهما عن

صدور قرار من مجلس الأمن الدولي يدعو لوقف القتال والبدء فوراً في مفاوضات

بهدف إقامة سلم (دائم) و (عادل) ! في الشرق الأوسط، وسارعت مصر وسورية

والأردن و (إسرائيل) أيضاً إلى قبول قرار وقف إطلاق النار، بينما رفضته العراق

ومنظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تتبنى مبدأ عبد الناصر وهو أن (ما أخذ

بالقوة لا يمكن أن يسترد بغير القوة) .. وهنا وبسبب عدم وجود أرضية من الثوابت

المشتركة، بدأ التصدع في الجدار العربي، الذي كان ماثلاً أصلاً بسبب الأرض

الهشة التي يقف عليها فمصر بدأت تسير في (عملية السلام) في اتجاه الحل المنفرد، بينما تباينت مواقف الدول العربية الأخرى بما يدل على أن العرب بدأوا عمليه

السلام في مراحلها المبكرة، دون أدنى اتفاق أو تنسيق أو تحديد للثوابت، كما كان

شأنهم عبر عقود الحرب.

ثم جاء وقت انعقاد مؤتمر (جنيف) الذي دعا إليه مجلس الأمن بعد الحرب،

إلا أن كلا من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لم يرق لهما أن تُبحث قضية

السلام دولياً، فربما تبرز أنواع من الضغوط عبر القنوات الدولية لا تكون في

صالح اليهود؛ ولهذا تقرر فجأة أن تدخل واشنطن بثقلها لتحويل مجريات الأمور،

فكان أن جاء وزير خارجية الولايات المتحدة في ذلك الوقت اليهودي (هنري

كيسنجر) إلى مصر في بداية عام 1974م ليجري مباحثات كانت بمثابة مرحلة

التدشين لعملية السلام الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة.

وبدأ العمل على إدخال مصر في مسار الحل المنفرد لدورها الكبير في قضية

الصراع.

المحطة الثانية: كامب ديفيد 1978م:

توالت الأحداث لتوصل إلى الهدف المحدد بدقة من قبل، وهو إخراج مصر

من ساحة المعركة مع اليهود، لينكسر بذلك أحد فكي الكماشة التي كان يمكن لها في

وقت من الأوقات أن تكسر ظهر الكيان اليهودي في فلسطين، وكانت (كامب ديفيد)

الاتفاقية التي أوصلت إلى هذا المصير المنتظر، فقد أعلنت الولايات المتحدة في

17 سبتمبر 1978م عن توصل كل من مصر (وإسرائيل) إلى صيغة اتفاق بينهما

لوضع حد نهائي للنزاع العربي الإسرائيلي، وكان هذا الإعلان بعد سلسلة من

الاجتماعات استمرت (13) يوماً، ضمت كلاً من الرئيس الأمريكي الأسبق (جيمي

كارتر) والرئيس المصري السابق (أنور السادات) ورئيس الوزراء الإسرائيلي

الأسبق (مناحيم بيجين) ، وكان ذلك في المنتجع الذي أطلقوا عليه (مخيم داود)

والذي اشتهر إعلامياً باسم (كامب ديفيد) .

وأثمرت هذه الاجتماعات إعلاناً عن توقيع اتفاقيتين منفصلتين:

الأولى: تتعلق بتحديد أسس علاقات السلام بين دولة اليهود والدول العربية

الأخرى، وتدعو بقية دول المواجهة أن تحذو حذر مصر في إنهاء الحروب مع

اليهود، وتنص من جهة أخرى على إقامة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية

وقطاع غزة، وذلك لمدة خمسة أعوام، دون تحديد موعد البدء بها، أو ما سيكون

عليه الحال بعدها.

أما الوثيقة الثانية: فتحدد أسس معاهدة سلام بين مصر و (إسرائيل) على أن

تنجز وتبرم في فترة لا تتعدى ثلاثة أشهر من تاريخ اجتماعات (كامب ديفيد) ، أما

بنود هذه المعاهدة الثانية، فهي تأكيد لكل الإجراءات التي من شأنها إيقاف أي

أعمال عسكرية بين الطرفين بشكل نهائي، واستعداد كل طرف لممارسة علاقات

طبيعية مع الطرف الآخر، ونصت إحدى بنود هذه الاتفاقية على أنها معاهدة ملزمة، وليس لأحد الطرفين حق نقضها! ومن الجدير ذكره هنا، أن تلك الاتفاقيات

المعلنة، صاحبتها أيضاً اتفاقات سرية؛ فكان هناك اتفاق سري حول لبنان يقضى

بتجريد القوات الفلسطينية والميلشيات اللبنانية من السلاح تدريجاً بإشراف دولي

وعربي! وقد ترجم هذا عملياً بعد ذلك بإخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان عام

1982م.

وتتضمن بنود كامب ديفيد اتفاقات سرية أخرى وتتلخص فيما يلي:

1-

وعد أمريكي لمصر بزيادة المساعدات المالية والاقتصادية كلما تم تنفيذ

بنود المعاهدة؛ ويتضمن ذلك وعداً أمريكياً آخر بتعويض مصر عن المساعدات

العربية التي يمكن أن تفقدها بإيقافها من قِبَلِ الدول العربية [1] .

2-

اتفاق على تنسيق التعاون بين الاستخبارات المصرية ووكالة

الاستخبارات المركزية الأمريكية (السي أي إيه) ليس فقط يتعلق بالأوضاع في

مصر، بل في إطار المنطقة العربية كلها.

3-

تتعهد أمريكا بتحديث الجيش المصري (ضد من..؟) وتزويده بالأسلحة

الأمريكية التي تعوضه عن الأسلحة السوفييتية عند الاستغناء عنها.

4-

موافقه الرئيس المصري على تسريح قطاع كبير من الجيش المصري،

بحيث تخفض أعداده من 650 ألف جندي إلى 250 ألف جندي فقط!

5-

السماح باستخدام أمريكا لبعض القواعد العسكرية التي ستتخلى عنها

إسرائيل في سيناء.

6-

إعطاء أمريكا صلاحيات موسعة لاستخدام منطقة شرم الشيخ فيما يخدم

استراتيجتها في المنطقة.

ردود الفعل العربية على اتفاقات كامب ديفيد:

بطبيعة الحال، كان لا بد أن ترفض أكثر الدول العربية اتفاقيات كامب ديفيد، لا لأنها تتضمن اعترافاً بدولة اليهود فتلك دعوى كانت تتردد بين آن وآخر ولكن

لأن هذا الاعتراف جاء بشكل منفرد ودون سابق مشورة، أما الأدبيات القومية أو

الليبرالية أو حتى الثورية، فإنها لم تكن تتضمن مبادئ ثابتة فيما يتعلق بضوابط

الصداقة والعداء.. أو الولاء والبراء، فالدول التي ترتمي في أحضان القوى

الشيوعية الملحدة، أو النصرانية الصليبية، ما الذي يمنعها من إقامة علاقة ود

وصداقة مع دولة يهودية؟

لقد أثبتت الأيام بعد ذلك أن كل محرمات العلمانية يمكن استحلالها، وكل

ممنوعاتها يمكن السماح بها، فليس ثَمّ حرام دائم أو حلال دائم عند من يستمدون

تشريعهم من الأهواء..

ولكن الظروف وقتها كانت لا تسمح إلا بالرفض على مستوى الدول، وأيضاً

على مستوى الشعوب التي صدمت فيما رأته تراجعاً عن ثوابت لا يمكن التراجع

فيها.

لقد أخذ الرفض العربي صورة تشنجية عالية الصوت، لامعة الضوء، ولكنها

سراب يحسبه الظمآن ماءً، وقد أثمر هذا الرفض في النهاية ولادة ما أطلق عليه

وقتها: (جبهة الصمود والتصدي) ! ! تلك الجبهة التي تعهدت بالمضي في المعركة

مع الغاصبين إلى النهاية، وتم الإعلان عن هذه الجبهة في مؤتمر القمة العربي

المنعقد في بغداد 1979م، وقد عقدت دول تلك الجبهة بعد ذلك أكثر من مؤتمر

لإحكام المقاطعة العربية للدولة التي خرجت عن (الإرادة العربية) ولكن

لم يكد

ينقضي عقد من الزمان حتى آل أمر جبهة (الصمود والتصدي) إلى الخمود

والتصدع! فقد بدأ بعض أعضائها في التسلل تحت جنح الظلام إلى معسكر السلام!

المحطة الثالثة: (مؤتمر فاس) :

شرع الرافضون لكامب ديفيد من (الصامدين) يتصدون لطرح مبادرة عربية،

تقول للسلام مع اليهود: نعم، ولكن.. (بشكل جماعي) وكان ذلك في مؤتمر (فاس)

الذي عقد في المغرب بين (6 9/9/1982م) ومن العجيب أن ما علت الأصوات

العربية باستنكاره من اتفاقات كامب ديفيد (الخيانية الانفرادية) قد سطّر بهدوء،

ودون ضجيج في البند السابع من مشروع (فاس) ، ولكن مع الفارق المذكور، وهو

أن الأول كان بمبادرة فردية، والثاني كان بمبادرة شبه جماعية.

وتعد نتائج مؤتمر (فاس) هي الأرضية التي انطلقت منها بعد ذلك كل

مشروعات التسوية بدءاً من الاتفاق الأردني الفلسطيني (22/11/1984م) الداعي

إلى مبدأ (الأرض مقابل السلام) وحتى اتفاقات أوسلو وصدق فيها المثل الشعبي:

(وقعت الفاس في الرأس) !

المحطة الرابعة: مشروع إعلان الدولة الفلسطينية:

في الفترة ما بين 1986، 1988م، بدأت منظمة التحرير الفلسطينية تنشط

بدورها في إجراء اتصالات مع عناصر إسرائيلية، تمهيداً للدخول في حوار سلمي

مع الدولة اليهودية، وذلك بعد قرار صدر عن المجلس الوطني الفلسطيني في

دورته لعام 1986م، يدعو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير لوضع خطط بفتح

الاتصال المباشر مع دوائر يهودية وإسرائيلية.

وكانت الإشارات قد بدأت تدل على نية رئيس المنظمة ياسر عرفات إلى

الاعتراف بقرار مجلس الأمن رقم 242، الذي يدعو إلى اعتراف العرب بدولة

(إسرائيل) بحدود ما قبل حرب 1967م، وكان العرب جميعاً قبل ذلك يطلقون على

رفض هذا القرار باعتبار أنه يعني التنازل مقدماً عن ثلثي أرض فلسطين، بل كان

ياسر عرفات يقول ويكرر إنه يقبل أن تقطع يده على أن يقبل بالقرار 242! ولكن

عرفات عاد وقبل بالقرار وهو يعده الآن أثمن ورقة في يده! ولكن قبوله وقتها كان

له وقعه وصداه (المؤقت) وحتى يغطي على هذا التراجع المخيف، فقد أوعز إلى

المجلس الوطني الفلسطيني بأن يعلن في دورته التاسعة عشرة عن قيام (دولة

فلسطين المستقلة) ! ثم خطت منظمة (التحرير) خطوة (سلمية) أخرى، حينما ذهب

رئيسها إلى جنيف، وأعلن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 13 ديسمبر 1988

ما يلي:

1-

أنه على استعداد للتفاوض مع (إسرائيل) .

2-

تتعهد المنظمة أن تتعايش بسلام مع (إسرائيل) وأن تحترم حقها في

العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها.

3-

أن المنظمة تدين أعمال العنف الفردي والجماعي وإرهاب الدولة، ولن

تلجأ إلى شيء من ذلك! ولقد كانت هذه (التوبة) المعلنة كافية لكي تكفر عن

الفلسطينيين أمام الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل كل ما اقترفته أيدي الفدائيين

الفلسطينيين والمجاهدين وأبطال الحجارة من (إساءات) في حق اليهود (المظلومين) ! وقد قرت أعين هؤلاء اليهود وأعوانهم بما قال عرفات، حتى إن (جورج

شولتز) وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت علق على خطاب عرفات قائلاً:

إنه انتصار باهر، يدل على أن اللاءات الثلاث العربية الشهيرة في مؤتمر

الخرطوم 1967م، تحولت في جنيف لتصبح (نعم) ثلاث مرات أيضاً!

المحطة الخامسة: مؤتمر مدريد:

قبيل حرب الخليج الثانية، كان الفلسطينيون قد سد في وجوههم باب (السلام)

بعد أن عادت الولايات المتحدة ساخطة عليهم بسبب عملية فدائية قامت بها إحدى

الفصائل الفلسطينية التي كانت على علاقة بالمنظمة، وبعد أن توقفت الحرب وفي

يوم 6 مارس 1991م، وهو يوم الاحتفال بالنصر، ألقى الرئيس الأمريكي السابق

جورج بوش خطاباً أعلن فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية عازمة وبحزم على

تسوية الصراع العربي الإسرائيلي، وقد بدأ (جيمس بيكر) وزير الخارجية

الأمريكي وقتها جولات مكوكية لتهيئة الأوضاع لعملية سلمية جديدة. تتناسب مع

ظروف جديدة، وكان المقرر أن يعقد مؤتمر دولي يكون مجرد واجهة علنية عامة

لمحادثات ثنائية منفصلة بين كل دولة عربية وبين (إسرائيل) أما منظمة التحرير

المعنية أصلاً بموضوع السلام، فقد تقرر استبعادها لموقفها في حرب الخليج، على

أن يكون البديل عنها وفد من فلسطينيي الداخل، وليس من المنظمة وعلى أن يكون

ذلك الوفد أيضاً جزءاً من الوفد الأردني في المؤتمر.

وتقرر أن تكون العاصمة الأسبانية (مدريد) المقر الرسمي لانعقاد المؤتمر

(الواجهة) ثم تجري بعد ذلك المفاوضات في مسارات ثنائية بين كل طرف عربي

على حدة وبين الطرف اليهودي، واختيرت مدريد في ذلك الوقت لأسباب لا تخلو

من إيحاءات ورموز زمانية ومكانية لم تكن خافية.

وقد تجسد الضعف بل الذل العربي في هذا المؤتمر، حيث صال إسحاق

شامير رئيس وزراء (إسرائيل) الأسبق وجال، ولوّح بالتوراة وآياتها، وذكّر

بالتاريخ ودروسه وشرّق وغرّب باسم اليهودية وأمجادها وآمالها وآلامها في القديم

والحديث، وكان هو الزعيم الوحيد من أطراف الصراع الذي حضر بنفسه ولم ينب

أحداً عنه، وكان قد أصر على شروط لا تقبل أنصاف الحلول قبل التفاوض في أي

شيء وكأنما أراد أن يذكّر بها أن الجلوس على مائدة المفاوضات لا يعني النّدّية أو

التكافؤ بين الأطراف؛ وأراد شامير أن يذل العرب والمسلمين في شخص

الفلسطينيين فاشترط هذه الشروط:

1-

لا يسمح بمشاركة أي فلسطيني عضو في المجلس الوطني في المؤتمر.

2-

مجرد ذكر منظمة التحرير في المؤتمر يعني انسحاب اليهود.

3-

الإشارة لأي اعتزاز بالانتماء للكفاح الفلسطيني، يعني أن المؤتمر في

حكم الملغي، وسينسحب هو ووفده منه! وكاد يحدث بالفعل ما حذر منه شامير، إذ

أقدم أحد أعضاء الوفد الفلسطيني وهو (صائب عريقات) على وضع الكوفية

الفلسطينية المشهورة على رأسه أثناء الاجتماع فاحتج شامير واحتد، وطلب إزالة

هذه المخالفة فوراً! ! .

فبأي روح يا ترى، وبأي نفسية كانت تجري المفاوضات (السلمية) ومع هذه

الشخصيات (العدوانية) في تركيبها وتكوينها وتفكيرها واعتقادها وأحلامها..؟ !

المهم أن المؤتمر انعقد، وكأنه تظاهرة تحتفي بهوان أمة لم تجد من يتكلم

باسمها أو يدافع عن كرامتها ومقدساتها، وكان من المفاوضات العجيبة بعد انتهاء

المؤتمر أن تُختار النصرانية (حنان عشراوي) لتتكلم باسم القضية الفلسطينية

العربية الإسلامية! ! ولهذا الموضوع بقية في جزئه الثالث في العدد القادم إن شاء

الله.

(1) يلاحظ أن هذه المساعدات المالية والاقتصادية، استمرت طوال السنوات الماضية، لتعطي

الدولة العربية الكبرى إمكانية التصدي لزعامة (عملية السلام) فلما انتهى هذا الدور أو أوشك على الانتهاء الآن، فقد أصدر (الكونجرس) الأمريكي قراراً هذا الشهر (يونيو 97) بإيقاف المعونة

الأمريكية لمصر (مليار دولار سنوياً) بدعوى أن مصر أصبح لها دور سيئ في تعويق عملية

السلام! .

ص: 72