المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌العجب وخطره على الداعية - مجلة البيان - جـ ١٢١

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌العجب وخطره على الداعية

مرتكزات للفهم والعمل

‌العُجْبُ وخطرهُ على الداعية

(2 من 2)

عبد الحكيم بن محمد بلال

تحدث الكاتب في الحلقة السابقة عن مفهوم العجب ومداخله على الدعاة،

وعرّج على التحذير منه مبيناً مظاهره ومخاطره وآثاره وأسبابه وعلاجه؛ من

خلال الحرص على العلم الشرعي، والإقبال على كتاب الله، وتأمّل سير العاملين

النشيطين، والتأكيد على المسؤولية الفردية، وما للدعاة والمربين من دور في ذلك.

-البيان-

حال السلف في الافتقار إلى الله واجتناب العجب: لقد كان حال النبي -صلى

الله عليه وسلم- دوام الافتقار إلى الله، والذل بين يديه، واستمداد العون منه؛

لعلمه بأن (قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد،

يصرفه كيف يشاء) . وقد تمثل افتقاره صلى الله عليه وسلم في دعائه: (اللهم

مصرف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك) [1] يقول ذلك وهو سيّد ولد آدم، الذي

غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، بل يصلي حتى تتورم قدماه، ويقول: (أفلا

أكون عبداً شكوراً) [2] ولا يجتمع الافتقار والعجب في قلبٍ أبداً.

وقد كان صلى الله عليه وسلم يغرس في نفوس أصحابه هذه المعاني،

ويرشدهم إلى دوام التواضع لله والاعتراف بين يدي الله بالتقصير، مهما بلغوا من

منزلة في الإيمان، فهو حينما يطلب منه أبو بكر رضي الله عنه دعاءً يدعو به في

صلاته، يعلمه أن يقول: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا

أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم) [3] .

ويرشدهم أيضاً إلى إظهار الحاجة إلى الله، وطلب العون منه دوماً، فيقول لمعاذ

رضي الله عنه: (يا معاذ! والله إني لأحبك، والله إني لأحبك، يا معاذ! لا تدعنّ

في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن

عبادتك) [4] .

نعم إنه يعلِّم ذلك صفوة الأمة، وخيرة أصحابه، ولكنه تعليم للأمة كلها على

الصحيح. ثم تأتي ثمرة هذه التربية متجسدة في مواقف خيرة سلف الأمة:

- فأبو بكر رضي الله عنه يقول: (وددت أني شجرة تعضد) .

- وعمر يسأل حذيفة رضي الله عنهما: هل سمّاني لك رسول الله -صلى الله

عليه وسلم- من المنافقين؟

وحينما طُعِنَ وهو خليفة، وجعل يألم، قال له ابن عباس مواسياً: (يا أمير

المؤمنين! ولئن كان ذاك، لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت

صحبته، ثم فارقته، وهو عنك راضٍ، ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته، ثم

فارقته وهو عنك راضٍ، ثم صحبت صَحبتهم فأحسنت صُحبتهم، ولئن فارقتهم،

لتفارقنهم وهم عنك راضون) . فلم يأخذ عمر بكل هذا الثناء ولا أحس بالعجب

والخيلاء، بل أسند ذلك إلى فضل الله ومنته، فقال: (أما ما ذكرت من صحبة

الرسول صلى الله عليه وسلم ورضاه: فإنما ذاك منّ مِنَ الله تعالى منّ به عليّ،

وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه: فإنما ذاك منّ مِنَ الله جلّ ذكره منّ به

عليّ، وأما ما ترى من جزعي: فهو من أجلك وأجل أصحابك، والله لو أن لي

طلاع الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه) [5] .

- وعائشة رضي الله عنها لَمّا نزلت براءتها في حادثة الإفك قالت: (والله ما

كنت أظن أن يُنزَل في شأني وحيٌ، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم فيّ

بأمر، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا

يبرئني الله بها) [6] .

- وهذا مطرِّف بن عبد الله رحمه الله يقول: (لأن أبيت نائماً، وأصبح نادماً، أحب إليّ من أن أبيت قائماً وأصبح معجباً)[7] .

ولم يكن هذا حال هؤلاء فحسب، لكنها صفة راسخة من صفات المؤمنين

الصادقين، الذين وصفهم الله عز وجل بقوله: [وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ

وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ] [المؤمنون: 60] . وقد سألت عائشةُ رضي الله

عنها النبيّ صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية، فقالت: هم الذين يشربون

الخمر ويسرقون؟ فقال: (لا، يا بنت الصدّيق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون

ويتصدقون، وهم يخافون ألا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات) [8] .

الفرق بين العجب بالعمل والفرح بالخير والطاعة: كما أن العجب بالعمل

يورث التواكل والتكاسل، فإن احتقار العمل إذا لم ينضبط فإنه يورث أثراً مشابهاً

وهو: الإحباط والملل والسآمة؛ لذا كان للعبد أن يفرح بالحسنة، ويغتبط بالطاعة،

بل إن هذا دليل الإيمان، قال: (من سرته حسنته، وساءته سيئته، فهو

مؤمن) [9] .

ولكن الواجب عليه في هذا الفرح: أن يكون مستشعراً فضل الله عز وجل

ومنته ورحمته وتوفيقه، مثنياً عليه بذلك، لا يرى لنفسه في الانبعاث لذلك العمل

أثراً يعوّل عليه؛ إذ إن الذي منح القدرة والهداية هو الله عز وجل قال عز وجل:

[قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ][يونس: 58] .

وأعظم ذلك الفضل نعمة الإسلام والتوفيق للطاعة، (وإنما أمر تعالى بالفرح بفضله

ورحمته؛ لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها، وشكرها لله تعالى وقوتها،

وشدة الرغبة في العلم والإيمان، الداعي للازدياد منهما، وهذا فرح محمود) [10]

بخلاف الفرح المذموم المقترن باستحضار جهد النفس في العمل، الداعي إلى

العجب والغرور؛ وهذا كالفرق بين الفخر بالنعم والتحدث بها [11] .

من العجب إلى الغرور: يتعلق المعجب بالنعم التي يعيشها، والأعمال

الصالحة التي يؤديها، ثم يمتد إعجابه ليشمل صوراً من شدة الإعجاب (الغرور) ،

ومنها:

أ - تنقّص أعمال الآخرين، وازدراؤها، ورؤيتها دون أعماله [12] .

ب - ادعاء أمور وهمية، وتضخيم بعض القضايا يظنها كبيرة، وليست

كذلك، كمن يعتبر نفسه داعية كبيراً؛ لكونه يحسن التحدث والكلام. أو يرى نفسه

عالماً فقيهاً ويتجرأ غروراً بما عنده من نتفِ علم، أو يعد نفسه مؤهلاً للقيادة، لم

تُعرَف مكانته، ونحو ذلك. وكثير من هذه الصور وما شاكلها داخل في دائرة

التزوير، الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيه: (المتشبع بما لم يُعطَ

كلابس ثوبَيْ زورٍ) [13] .

ج - العجب بأمور باطلة يظنها حقاً، كغرور العلماء والعباد والمتصوفة

والأغنياء بأجزاء من الدين، يحسبونها الدين كله، ويبنون عليها الرجاء، فمن

العلماء من أحكم العلم وترك العمل، ومنهم من أحكم العلم والعمل وترك الاهتمام

بالقلوب، ومنهم من اشتغل بوعظ الناس وتعليمهم وأهمل حاله، ومنهم من اشتغل

بعلوم الآلة وأعرض من معاني الشريعة، ومنهم من كان حظه من العلم الحفظ بلا

فهم ولا عمل

ومن العبّاد من غلا وتنطع، ومنهم من وسوس، ومنهم من أفرط

في مراعاة أعمال الظاهر وأهمل أعمال القلوب، ومنهم من حرص على النوافل

على حساب الفرائض

ومن المتصوفة من اغتر بالزي وترك المجاهدة ومراقبة

القلوب، ومنهم من ادعى علم المعرفة والقلوب، وازدرى علماء الشريعة، ومنهم

من ادّعى حسن الخلق وتصدر لخدمة الزهّاد طلباً للرئاسة

ومن الأغنياء من

حرص على ما يخلد ذكره من أعمال الخير الظاهرة، كبناء المساجد ونحوها،

ورفضوا ما سواها من أعمال البر الأخرى، ومنهم من ينفق على الفقير الذي ينفعه، ويشكر له معروفه، دون غيره، فهو يرجو الجزاء الدنيوي على نفقته، ومنهم

من يضيق صدره بالزكاة ويخرجها من سيئ ماله

وفي كل هذه الأحوال تجد أن نفوس أصحابها تسكن إلى ما يوافق الهوى،

ويميل إليه الطبع، عن شبهة أو خدعة من الشيطان، وترجو بذلك الخير، وتظن

غرورها رجاءً محموداً، غير أن الرجاء المحمود هو ما كان على وجهين:

1-

رجاء العاصي التائب؛ الذي يمنعه من القنوط.

2-

رجاء الفاتر عن النوافل؛ الذي يبعث فيه النشاط، ويمنعه من الفتور.

فكل رجاء حث على توبة أو تشمير فهو محمود، وكل رجاء أوجب فتوراً

وركوناً إلى البطالة فهو غرور [14] .

والغرور في أسبابه وعلاجه كالعجب، وله من المظاهر والآثار ما للعجب

غالباً.

ويل للمعجب من الكبر: الكبر كما عرفه النبي: (بطر الحق، وغمط الناس)

أي رد الحق، أو رفض قبوله، واحتقار الناس وازدراؤهم، وتنقّصهم. وحريّ

بمن انتفش في نفسه، وأُعجب بعلمه أو عمله أن لا يحتقر علوم الآخرين وأعمالهم

وجهودهم، ويقوده ذلك إلى احتقار ذواتهم وأشخاصهم، ورؤية نفسه فوقهم، فيقع

في الكبر. وهذا يعني أنه سيرد ما لديهم من الحق؛ لأنه تنقّصهم واحتقر ما لديهم؛

سواء عرف أنه الحق، أم لم يعرف؛ إذ لا اهتمام له أصلاً بالنظر فيما لديهم لتمييز

ما فيه من حق وباطل.

فالكبر مرض قلبي من أكثر الأمراض فتكاً بصاحبه، ومن علاماته

الظاهرة [15] : إظهار الترفع على الناس، وحب التصدر في المجالس، والتبختر والاختيال في المشي، والتقعر في الحديث، والاشمئزاز عن أن يرد عليه كلامه، وإن كان باطلاً، والاستخفاف بضعفة المسلمين، والافتخار بالآباء والنسب، والحرص على المدح والتعظيم ومحبة أن يسعى إليه الناس، ولا يسعى إليهم، وأن يقوموا له، ومحبة التقدم على الغير في المشية والجلسة، وإسبال الثياب خيلاء.

وينبغي أن يكون الدعاة أكثر حذراً من الكبر؛ نظراً لكثرة مداخله عليهم من

جهة العلم والعبادة والدعوة والتصدر للإصلاح؛ فهم أحوج الناس إلى التذكير [16] .

ولا عجب؛ إذ قص الله علينا قصة زعيم المتكبرين إبليس الذي أوصله كبره

إلى الطرد من رحمة الله، كما حكى قصة قارون الذي كانت نهاية تكبره خسف

الأرض به. وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على الذي أكل بشماله تكبراً،

فشُلّت يده أو يبست فما رفعها إلى فمه بعدها [17] .

وأبلغُ ما يعظ كتابُ الله عز وجل، فقد بين الله أنه لم يجعل للمتكبرين نصيباً

في الآخرة فقال: [تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُواً فِي الأَرْضِ وَلا

فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ] [القصص: 83] . وأكد النبي صلى الله عليه وسلم

هذا المعنى في حق المتكبر فقال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)[18] . كما بين أنه لا يحب المختالين المتكبرين، فقال:[وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ][لقمان: 18]، وأن المتكبر يطمس الله قلبه فلا يبصر الحق فقال:[كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ](غافر: 35) ، وإنما استحق هذا الجزاء؛ لأنه نازع الله عز وجل في صفة من صفات الكمال، كما في الحديث القدسي:(الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، من نازعني واحداً منهما ألقيته في النار)[19] .

وتتوالى أقوال النبي صلى الله عليه وسلم تحذيراً من الكبر والخيلاء،

ومنها: (من تعظّم في نفسه واختال في مشيته، لقي الله وهو عليه غضبان)[20] .

وللتحرز من الكبر ومدافعته: يجب استشعار نعم الله، وإمكانية زوالها إذا لم

تشكر، وأن ما لم يحصل عليه الإنسان مما عند الناس أضعاف ما عنده، فلِمَ التكبر؟! كما يجب أولاً وأخيراً: السعي في تقوية الإيمان؛ فإن ضعفه سبب المهالك.

فالواجب: تلمس عيوب النفس وأمراض القلوب، وآفات الأعمال، والسعي

الحثيث في علاجها، على نحو الوسائل المتقدمة وغيرها. والله المستعان، وعليه

التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

(1) رواه مسلم، ح/2654.

(2)

رواه البخاري، ح/1130.

(3)

رواه البخاري، ح/834.

(4)

رواه أبو داود، وانظر صحيح سنن أبي داود، ح/1347.

(5)

رواه البخاري، ح/3692.

(6)

رواه البخاري، ح/2661، ومسلم، ح/2770، واللفظ له.

(7)

السير، ج 4، ص 190.

(8)

رواه الترمذي، ح/3175، وانظر السلسلة الصحيحة، ج 1، ص 255.

(9)

رواه أحمد، ج 1، ص 18، وصححه الألباني في صحيح الجامع، ح/ 6294.

(10)

تفسير السعدي، ص 234.

(11)

انظر: الروح، لابن القيم، ص 551.

(12)

انظر: آفات على الطريق، ج 1، ص 141، وما بعدها.

(13)

رواه مسلم، ح/2129 وانظر عقبات في طريق الدعاة، عبد الله علوان، ج 1، 69.

(14)

انظر: موعظة المؤمنين، للقاسمي، ص 299 311.

(15)

انظر: تهذيب موعظة المؤمنين، ص 354، وما بعدها.

(16)

انظر: عقبات، علوان، ج 1، ص 79.

(17)

رواه مسلم، ح/2021.

(18)

رواه مسلم، ح/91.

(19)

رواه مسلم، ح/2620، وابن ماجه، ح/4175، واللفظ له.

(20)

رواه أحمد، ج 2، ص 118، وانظر: صحيح الجامع،.

ص: 58

المسلمون والعالم

مأساة هيئة الأمم المتحدة

في ظل النظام العالمي الجديد

بقلم: أحمد بو سجادة

منذ إنشاء منظمة الأمم المتحدة في 24 أكتوبر 1945م، والهيئة خاضعة

لمواقف الدول العظمى عموماً وأمريكا والاتحاد السوفياتي خصوصاً، فإذا ما أراد

الإنسان معرفة موقف الأمم المتحدة من قضية ما، فما عليه إلا أن يعود إلى موقف

أمريكا وروسيا منها، ولكن بعد سقوط المعسكر الشرقي أضحت الهيئة تجسيداً

للسياسة الأمريكية. إن السيطرة اليهودية الأمريكية على هذه الهيئة قديمة ولا تحتاج

إلى برهان، وأما بعد منتصف الثمانينات فالقضية أجلى من الشمس في ضحاها،

فماذا ينتظر العالم من هيئة أكثر من 60% من أعضائها البارزين يهود [1] حتى

التمويل لهذه الهيئة كان بنسبة 75% من الدول الكبرى، وأمريكا وحدها كانت

تساهم بثلث الميزانية الإجمالية منذ إنشائها وحتى عام 1968م. إننا حينما نعرف

هذا لا نستغرب الحقائق الآتية: حتى عام 1992م أصدر مجلس الأمن 69 قراراً

ضد إسرائيل لم ينفذ منها قرار واحد، وخلال أزمة البوسنة والهرسك صدر 63

قراراً، ولم ينفذ منها قرار واحد، ومنذ أزمة كشمير 1947م وحتى الآن صدر

لصالح كشمير 13 قراراً ولم ير قرار واحد منها النور [2] ، وللموضوعية فإننا

نقول: إن دول العالم الثالث في السبعينات خاصة كَوّنَت شبه لوبي داخل الجمعية

العامة للأمم المتحدة، وأصدرت الجمعية بعض القرارات الهامة مثل:

1-

إدانة كل أشكال الاستعمار.

2-

إدانة التمييز العنصري.

3-

اعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال التمييز العنصري، وأصدرت في ذلك

قراراً سنة 1975 [3] .

وهذا ما تسبب في غضب أمريكا، فانسحبت من منظمة العدل الدولية 1977م

(مؤقتاً) ومن منظمة اليونيسكو 1974م، وهددت بالانسحاب من منظمة الأغذية

والزراعة (الفاو) ! !

لقد انسحبت أمريكا وبريطانيا من منظمة اليونيسكو؛ لأنهما لا تقبلان المساواة

بالدول الصغيرة، وقد قال المندوب الأمريكي آنذاك: (نحن لم نؤسس الأمم المتحدة

واليونيسكو من أجل هذه المساواة؛ وإذا كنتم مصرِّين عليها فسنحطمها) [4] ، هكذا

وبكل عنجهية.

لقد تكونت لدى أمريكا قناعة بأن نظام هذه الهيئة يجب أن يتغير، وهو الذي

حدث بالفعل مع بداية التسعينات، حتى غدت هيئة أمريكية، تجسد سياستها

الخارجية، وتسوِّغ هيمنتها، وذلك في ظل النظام العالمي الجديد الذي ينبغي أن

يطال كل المؤسسات والهيئات العالمية والإقليمية، فبعد إعلان (بوش) عن النظام

العالمي الجديد، بدأ أثر ذلك يظهر على هيئة الأمم المتحدة؛ إذ استطاعت أمريكا

أن تجمع 111 صوتاً لإلغاء القرار الذي أصدرته الجمعية العامة سنة 1975م الذي

اعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية، وذلك في الجلسة العامة للجمعية

بتاريخ 16/12/1991م.

والأغرب في هذه السابقة هو تصويت معظم الدول الإسلامية لصالح إلغاء

القرار! ! ! لقد خيل لي وأنا أتابع دور الأمم المتحدة في أزمة الخليج الثانية؛ أن

الأمم المتحدة مجرد خلية تابعة للبنتاجون الأمريكي؛ إذ في مدة 4 أشهر أصدر

مجلس الأمن اثني عشر قراراً ضد العراق؛ والغريب في الأمر أن قوات الحلفاء

تجاوزت هذه القرارات القاضية بانسحاب العراق؛ إلى القرارات التي أعدتها

المخابرات الأمريكية (تدمير القوة العسكرية العراقية، تدمير لأسلحة التدمير الشامل، إخضاع العراق للتفتيش والمراقبة) وهذا ما عبر عنه المعلق الإسرائيلي الشهير

(زئيف سيف) في 21/1/1991م: (إن قيام الولايات المتحدة بالقضاء على

التسهيلات النووية التي يملكها العراق يعد تحركاً له مغزى كبير، فهو يعني أن

الرئيس (بوش) لم يعد ملزماً بالأهداف التي أعلن عنها في البداية وهي إخراج

العراق من الكويت، وإعادة النظام الشرعي لهذا البلد، بل أصبح له هدف إضافي

هو تدمير (البنية التحتية التي تنتج أسلحة مدمرة من كيمياوية ونووية

وبيولوجية) [5]، وهذا ما أكده قائد قوات الحلفاء الأمريكي (شوارزكوف) الذي قال عقب الحرب: لقد خضنا هذه الحرب من أجل إسرائيل! !

إذا كانت الأمم المتحدة لم تدرج هذه الأهداف ضمن قراراتها، فلماذا لم تشجب

وتستنكر على الأقل ما فعله الحلفاء عموماً وأمريكا خصوصاً؟ !

وحسب ميثاق الأمم المتحدة فقد قضى القرار 83 بحصر القيادة العسكرية في

مجلس الأمن دون سواه، إلا أن ما حدث في حرب الخليج هو التخلي عن القيادة

لأمريكا؛ إذ تولى القيادة (شوارزكوف) الذي لم يبلِّغ مجلس الأمن بشيء عن

مجريات الأحداث ولم يرسل إليه تقريراً واحداً [6] ، وكررت الأمم المتحدة بذلك

خطأ عام 1950م [7] نفسه.

وفي مؤتمر مدريد بتاريخ 30/10/1991م لتسوية القضية الفلسطينية، أُسقط

دور الأمم المتحدة، حيث دعي إلى المؤتمر ممثل عن الأمين العام كمراقب صامت

فقط، رغم أن المؤتمر من اقتراح الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 1983م؛

مع العلم أن قضية القدس والدولة الفلسطينية كانا مُغَيّبين عن المفاوضات! !

إن العجيب حقاً أنه بدل أن تعمل أمريكا على تنفيذ القرارات 242، 338

425 القاضية بالانسحاب من جميع الأراضي المحتلة سنة 1967م فقد أرسلت

عشية المؤتمر رسالة إلى إسرائيل جاء فيها: (إن التحديات التي تواجه إسرائيل

تتعلق بأمريكا ذاتها، إننا نعدكم بأن التزامنا بأمن إسرائيل وضرورة التعاون الوثيق

بين بلدينا من أجل تحقيق هذه الحاجات من الأمور المستمرة، وكل من يحاول دق

إسفين بيننا في محاولة المس بهذا الالتزام لا يستطيع أن يفهم العلاقات المتينة

القائمة بين بلدينا وطبيعة أمن إسرائيل) [8] .

ورغم أن الحلفاء في حرب الخليج انتقلوا إلى هناك تحت مظلة الأمم المتحدة، إلا أنهم تخلوا عن تطبيق نص هام من القانون الدولي، والقاضي بعقوبة المعتدي

حتى ولو كان رئيس دولة، وهذا ما لم يحدث وأبقوا (صدام حسين) على رأس حكم

العراق لتحقيق غايات سياسية إيديولوجية، كما سنعرف فيما بعد.

لقد اتضحت الهيمنة الأمريكية على هيئة الأمم المتحدة من خلال مواقفها التي

أيدت فيها أمريكا: في حرب الخليج، وفي العدوان على ليبيا منذ 1986م،

والتدخل في الصومال، وفي هايتي، وعدم الاعتراف باستقلال الشيشان عن

الاتحاد السوفياتي، وفي البوسنة والهرسك، والمضايقات المضروبة على إيران

والسودان واعتبارهما دولتين إرهابيتين، ومن خلال تدعيم الحكومات الديكتاتورية،

كل ذلك يحدث على مرأى ومسمع الأمم المتحدة، بل تشارك في كثير من الأحيان

لإضفاء الشرعية الدولية على السلوكات الأمريكية، ولهذا قال (شفيق مصري) :

(إن النظام العالمي الجديد لا يتلاءم في معظم مفاصله مع الشرعية الدولية؛ إذ لم

ينطلق أصلاً من قواعدها ولم يلتزم بحدودها، وإنما يحاول أن يكيف بعض آلياتها

لكي تتلاءم مع قواعده وحدوده) [9] وقال أيضاً: (إذا ما علمنا أن هيئة الأمم

المتحدة قد دعيت كمراقب صامت لمؤتمر مدريد، وأنها لم تحضر مطلقاً (مؤتمر

موسكو (أدركنا أن الحديث عن الشرعية الدولية وآلياتها إنما هو خطاب إنشائي لا

أكثر) [10] .

إن منظمة الأمم المتحدة تحت تأثير الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت منبراً

لتسويغ السياسة الأمريكية بل راحت توسع مجالها لتكون في خدمة المصالح

الأمريكية [11]، ويتجلى ذلك من خلال بعض السلوكات وأبرزها [12] :

أ - إعادة هيكلة دور الأمم المتحدة بالشكل الذي أدى إلى تعظيم مجلس الأمن

على حساب الجمعية العامة وبقية الأجهزة الأخرى؛ ويبدو المكر الأمريكي واضحاً

هنا؛ إذ بعد غياب الفيتو السوفياتي أعطي لمجلس الأمن هذه الأهمية على حساب

الأجهزة الأخرى.

ب - إصدار حكم غريب: في عام 1992م أصدرت المحكمة العليا الأمريكية

حكماً، يقضي بالسماح لأمريكا باختطاف الأشخاص المشتبه فيهم من جميع

الجنسيات، لمحاكمتهم في أمريكا، ورغم خطورة هذا القرار إلا أن الأمم المتحدة

تقف متفرجة وكأن الأمر لا يعنيها، وهذا ما قد يتسبب في أن تحذو بلدان أخرى

حذو أمريكا ليتحول النظام العالمي الجديد الذي تكسبه الأمم المتحدة الشرعية فوضى

عالمية تطال كل الدول، وليس باناما، وليبيا. ولعل بريطانيا وفرنسا بدأتا بتبني

هذا القرار، وهما يطالبان بتسليم المواطنين الليبيين المتهمين في حادث تفجير

طائرة بانام الأمريكية في اسكتلندا! !

ج - تطبيق الشرعية بصورة انتقائية: ففي الوقت الذي نشطت فيه قرارات

الأمم المتحدة في حرب الخليج ضد العراق وليبيا والسودان فترت في قضية البوسنة

والهرسك والشيشان وفلسطين وقبرص، كما سنوضح بعد قليل.

إن حال الولايات المتحدة اليوم هو في قمة الغطرسة التي صوّرها الفرنسي

(جان لاكتور) إذ قال: (إن الأمريكيين يرون أن لديهم الحق المطلق في الهجوم على

أي مكان وفي أي زمان يختارونه وكأن العالم بأجمعه قد أصبح بالنسبة إليهم مجرد

غنيمة للولايات المتحدة تحتم على هذه الأخيرة أن تحكمها وتنظمها طبقاً للمحكمة

العليا الأمريكية، وأن تشرف عليها القوى الأمريكية) [13] .

الحقيقة أن أمريكا تستخدم قوتها وليس وزنها السياسي والحضاري في

المشكلات العالمية؛ وهذا هو المعهود عن السياسة الأمريكية منذ القدم، إلا أن

الجديد في السياسة الأمريكية هو تقنين العنف وصبغه بالشرعية الدولية عن طريق

الأمم المتحدة [14] .

فبعد الانسحاب السوفياتي استطاعت أمريكا السيطرة على أصوات فرنسا

وبريطانيا داخل الأمم المتحدة. أما الصين التي بقيت وحيدة بين الأربعة الكبار فهي

تتعرض للترغيب الأورو أمريكي عن طريق المساعدات الاقتصادية وتزويدها

بالتكنولوجيا المتقدمة؛ وذلك في الوقت الذي تتعرض فيه للترهيب عن طريق

إدانتها بالنسبة للديمقراطية وحقوق الإنسان؛ ولذلك رأينا الأثر الفاتر في موقف

الصين من أزمة الخليج، كما سيطرت أمريكا على أجهزة الأمم المتحدة ولجانها،

وهذا ما يفسر لنا استطاعة أمريكا حمل هيئة الأمم المتحدة على إلغاء القرار رقم

3379 (30) الصادر سنة 1975م والقاضي باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال

العنصرية وذلك في ديسمبر 1991م.

إن ما يكاد يُعتقَلُ له اللسان، في ظل الهيمنة الأمريكية، هو ما تقدم به الأمين

العام بطرس غالي يوم 9 فبراير 1992م في إطار إدخال تعديلات في نظام الأمم

المتحدة، ويتمثل في الشروع فيما نادى به لتكوين (قوة انتشار سريع تابعة للأمم

المتحدة تضم جنوداً مسلحين بأسلحة ثقيلة تحت غطاء (الدبلوماسية الوقائية) لوقف

الأزمات قبل وقوعها) وهذا دعوة للتجسس على الدول المغلوبة من العالم الثالث،

ودعوة صريحة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول؛ لأن قمع الأزمات قبل وقوعها

يتطلب حضوراً مستمراً داخل كل دولة معينة، لتتم مراقبة حركة الأحزاب

والجمعيات والمنظمات؛ وهذا ما يحوِّل دولاً ذات سيادة إلى محميات (أممية) بل

أمريكية في ظل النظام العالمي الجديد، ومثل هذا الإجراء موجه ضد دول العالم

الثالث ليزداد قهرها وفقرها.

ولقد بدأت المعالم؛ فرغم المؤتمرات والندوات والملتقيات في إطار تشكيل

النظام العالمي الجديد فقد كان الجنوب مغيّباً دوماً ولم يخصص له حتى 1% من

الإشغال.

وفي وقت الحرب الباردة كانت معظم الدول، وخاصة دول العالم الثالث،

تناور بين الانحياز مرة لأمريكا ومرة للاتحاد السوفياتي، وحتى دول عدم الانحياز

فقد كانت منحازة في الواقع لإحدى القوتين، وكان الاتحاد السوفياتي يستعمل (حق

النقض) (Veto) .

أما اليوم فقد أضحى الوضع بالغ الخطورة في إطار الهيمنة الأحادية على

الأمم المتحدة التي غدت مؤسسة لتسويغ شرعية نهم التنين الأمريكي الذي لا يشبع؛

وهذا من أخطر سمات النظام العالمي الجديد!

(1) عبد الله التل (خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية) قصر الكتاب، البليدة الجزائر 1989م، ص 216 220، وانظر فؤاد بن سيد عبد الرحمن الرفاعي (النفوذ اليهودي في الأجهزة الإعلامية والمؤسسات الدولية) دار الشهاب للطبع والنشر باتنة الجزائر، بدون تاريخ من

ص100- 115.

(2)

البيان العدد: 71 ديسمبر 1993م، ص 73.

(3)

شفيق المصري (النظام العالمي الجديد) ملامح ومخاطر، ص 15.

(4)

محمد خليفة (النظام الدولي بين المقصود والمنشود) ، ص 17.

(5)

السياسة الدولية، ع/ 104، نيسان 91، ص 89.

(6)

انظر: د شفيق المصري (النظام العالمي الجديد ملامح ومخاطر) ، ص 112.

(7)

في تلك السنة قرر مجلس الأمن حماية كوريا الجنوبية وفقاً للمادة 42 بتولي الأمم المتحدة القيادة إلا أنها تخلت عن القيادة للأمريكي (ماك آرثر) فلم يتصل بالمجلس ولم يرسل تقريراً واحداً، ولم يشرك الأمم المتحدة في ظروف الحرب ولو بطرق غير مباشرة.

(8)

الدراسات الفسلطينية، ع/8، خريف 1991م، ص288.

(9)

شفيق المصري (النظام العالمي الجديد: ملامح ومخاطر) ، ص 125.

(10)

المرجع نفسه، ص 126.

(11)

لمزيد من التفصيل انظر: د أحمد منصور (قضايا العالم الإسلامي في ظل النظام العالمي الجديد) ، ابن حزم، ط1، 1994م، ص 19- 66 وانظر: د شفيق المصري (النظام العالمي الجديد: ملامح ومخاطر) ، ص 112، 115 وانظر: البيان، ع/71، ديسمبر، 1993م، ص 73 وانظر: محمد خليفة (النظام الدولي بين المقصود والمنشود)، ص 17 وانظر: أحمد العالم: قراءة أولية لمجلس الأمن رقم 730 الوحدة عدد 90 مارس 1991، ص97 وانظر: أماني عبد الرحمن صالح (الأزمة الكلية الغربية بين القوة الأمريكية ومعضلة البناء العربي) الفكر الاستراتيجي العربي، ع/42 أكتوبر 1992، ص 13- 48 وانظر ميلود المهذبي (الشرعية الدولية من قوة القانون إلى قوة القوة) ، مستقبل العالم الإسلامي، ع/4 خريف 1991م، ص 7، 14 وانظر: د فوزي محمد طايل (مذابح البوسنة والهرسك) أندلس جديدة مرجع سابق، ص 96 97.

(12)

انظر: تفصيل ذلك في د حسين توفيق إبراهيم (النظام الدولي الجديد في الفكر العربي) ، عالم الفكر، مرجع سابق، ص 72، 73.

(13)

مجلة مستقبل العالم الإسلامي، ع6، بتاريخ ربيع 1992م، ص 134.

(14)

مجلة المنطلق، ع 106، شتاء 1994م، ص 112.

ص: 64