الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمون والعالم
حزب المؤتمر إلى أين يقود اليمن
؟
أيمن بن سعيد
بعد انتخابات إبريل 1997م تفرد حزب المؤتمر الشعبي العام في قيادته لليمن؛ وفي هذه المقالة سنحاول التأمل في مسيرة هذا الحزب، وذكر أبرز توجهاته
الداخلية والخارجية في قيادة البلد. وحتى يتضح لقارئنا الأمر فلا بد من ذكر نبذة
عن تاريخ المؤتمر منذ قيامه إلى اليوم.
يمكن تقسيم المراحل التي مر بها حزب المؤتمر إلى أربع مراحل:
المرحلة الأولى: منذ تأسيسه عام 1982م في ما كان يعرف باليمن الشمالي
وكان مظلة سياسية تضم كافة القوى الاجتماعية والسياسية إلى قيام الوحدة عام
1990م.
ولقد كان للإسلاميين داخل المؤتمر حضور قوي منذ التأسيس نتيجة خروجهم
منتصرين في المعركة ضد الحزب الاشتراكي حاكم ما كان يعرف باليمن الجنوبي.
ولذا كان لعلماء اليمن ودعاته فعالية واضحة في صياغة مشروع الميثاق
الوطني، وهو النظام الأساس للمؤتمر الشعبي العام؛ حيث ألغي الدستور
الاشتراكي العلماني.
المرحلة الثانية: منذ قيام الوحدة إلى نهاية حرب عام 1990م وقد شهدت هذه المرحلة التي أبيحت فيها التعددية الحزبية دستورياً خروج عامة الإسلاميين وكثير من العلمانيين من مظلة المؤتمر، وأنشؤوا أحزاباً كثيرة، ولم يبق في المؤتمر إلا متنفذو العلمانيين في السلطة، وقلة من ذوي الصلات القوية بقيادة المؤتمر من الإسلاميين.
وقد شهدت هذه المرحلة معركة الدستور الشهيرة بين الإسلاميين من جهة،
وبين حزبي المؤتمر والاشتراكي من جهة أخرى، ولقد أدار الإسلاميون المعركة
باقتدار، واستطاعوا أن يعطوا الصراع بعداً عقدياً لدى عامة الشعب، وكان
شعارهم المرفوع: (نعم للوحدة، لا للدستور) واقياً لهم بتوفيق الله من إلصاق تهمة
عداء الوحدة والعمالة لجهات أخرى، التي سعى لها حزبا المؤتمر والاشتراكي
ومناصروهم من الأحزاب العلمانية والبدعية كثيراً.
المرحلة الثالثة: منذ هزيمة الحزب الاشتراكي في حرب 1994م على يد تحالف الإسلاميين والمؤتمر وخروجه من الحكم، وهروب الصف الأول من قياداته خارج البلد، إلى انتهاء انتخابات عام1997م.
وفي بداية هذه المرحلة لم يكن بوسع قيادة المؤتمر وعلمانييه أن يقلبوا ظهر
المجنّ بصورة مباشرة وعلنية للإسلاميين من الناحية الأدبية أمام الشعب؛ إذ هم
شركاء فاعلون في صناعة النصر، ومن الناحية الواقعية؛ إذ إن كثيراً من
الإسلاميين ما يزالون يشعرون بنشوة النصر، ولديهم الاستعداد لمجابهة من يحاربهم
عموماً، فكيف إذا كان ينازعهم في قضيتهم الإسلامية التي هي أهم قضاياهم؟
ولكن ويا للأسف فإن فرح الإسلاميين بسقوط الاشتراكي ألهى بعضهم عن
استشراف المستقبل ووضع الخطط والسياسات اللازمة لذلك، كما ألهى بعضهم عن
تحقيق المزيد من المكتسبات الإسلامية الجديدة التي كان بإمكانهم تحقيقها في ذلك
الوقت مثل: طرح مشروعات إسلامية كبيرة وتدعيمها، وتعميق التوجه الإسلامي
القوي لدى العامة بالتعليم والتربية الشرعية، وإزالة ما يستطاع من منكرات شرعية، والسعي إلى إزالة رموز التوجه العلماني من مواقع التأثير والنفوذ، والعمل على
إلغاء القوانين المتخذة سابقاً، والمعادية للتوجه الإسلامي في اليمن مثل قانون إلغاء
المعاهد العلمية مع وقف السريان من الرئيس اليمني.
وقد أخذ المؤتمر في هذه المرحلة يرص الصفوف ويعيد هيكلة الحزب ليستفيد
من كافة قيادات الحزب الاشتراكي وعناصره التي تسابقت إليه، وقيادات الأحزاب
الأخرى وعناصرها المحسوبة عليه.
وعليه فقد صار حزب المؤتمر في هذه المرحلة قبلة جمهور العلمانيين وسائر
النفعيين، والذين لم يعد لهم عدو يواجه أطروحاتهم ويهدد نفوذهم ومصالحهم إلا
الإسلاميون؛ ولذا فقد أخذت عمليات تشويه الإسلاميين وإلصاق النقائص بهم تتزايد، وأخذوا يعدون العدة للانتخابات منذ فترة مبكرة فقاموا بتجنيد كافة قوى الدولة
البشرية والمادية والإعلامية وإمكاناتها لتحقيق ثلاثة أمور:
الأول: الحصول على أغلبية مريحة في مجلس النواب تجاوز الثلثين.
الثاني: عدم تجاوز الإسلاميين نسبتهم في مجلس النواب السابق، أي 20%
تقريباً.
الثالث: الحيلولة دون فوز بعض الشخصيات الإسلامية والدعوية غير
المرغوب استمرارها في مجلس النواب، وقد تحقق لهم ما أرادوا.
المرحلة الرابعة: منذ انتهاء انتخابات إبريل 1997م إلى اليوم.
وهذه المرحلة هي التي خرج فيها الإسلاميون من السلطة مع أنه كانت توضع
العراقيل تلو العراقيل للحيلولة دون نجاح وزراء حزب الإصلاح في أداء مهامهم.
وبخروج حزب الإصلاح من السلطة بمباركة خارجية انفردت قيادة حزب
المؤتمر وعلمانيوه بإدارة البلد، ودخلوا في مواجهة علنية مع الإسلاميين، وقامت
قيادته بخطوات كثيرة سواء في مجابهة الصحوة ودعاتها، أو في تنفيذ مخططات
وتطبيق سياسات من المتوقع أن يكون لها أثر كبير في تحديد هوية البلد ومستقبله.
أبرز ملامح السياسة التي تنفذها قيادات المؤتمر في اليمن:
توالت المخططات التي أخذ حزب المؤتمر في تنفيذها في اليمن في شتى
الجوانب، وألخص ذلك من خلال الجوانب التالية:
أولاً: الجانب السياسي:
أدركت القيادة اليمنية خطأ موقفها في أزمة الخليج، والآثار السيئة التي نتجت
عن ذلك الموقف، سواء كان ذلك بعودة مئات الألوف من المغتربين، أو بتوقف
تدفق المساعدات الضخمة من دول الخليج على شكل هبات أو قروض ميسرة، أو
بشعور بعزلة في المحيط الإقليمي.
ولذا عملت لمعالجة ذلك الوضع على تقوية الصلة بالدول الكبرى عبر
الاستجابة لمطالبها وتقديم التسهيلات لها، وخصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا
وفرنسا لتقوم تلك الدول بدورها بالمساعدة على تحسين مستوى العلاقة بين اليمن
ومحيطها الإقليمي. وقد قطعت اليمن في ظل حكومة المؤتمر شوطاً كبيراً في هذا
المضمار كان من جوانبه المعلنة حضور مؤتمر الدوحة الاقتصادي، وإجراء
مناورات عسكرية في البحر الأحمر بين سلاح البحرية اليمني، وفرقة من سلاح
البحرية الأمريكي، وتسليم إدارة المنطقة الحرة في عدن لشركات بريطانية، وما
تردده بعض أحزاب المعارضة والصحف اليمنية من السماح بإقامة قواعد عسكرية
أمريكية في جزيرة سوقطرة وأن توقيع الاتفاق أصبح في المرحلة النهائية، وهذا ما
نفته الحكومة اليمنية وذكرت أنه لا يعدو كونه مجرد زيارات لمسؤولين أمريكيين
للجزيرة!
بالإضافة إلى تسليم كثير من المواقع الهامة في الدولة لشخصيات محل رضى
لدى صناع القرار في عواصم تلك الدول، وقبول إشاراتهم فيما يتعلق بجوانب
التعددية السياسية ومكافحة الإرهاب.
كما سعت اليمن للخروج من العزلة الإقليمية في ظل حكومة المؤتمر إلى
الدخول في عدد من التجمعات الدولية والإقليمية كرابطة دول الكومنولث، والدول
المطلة على المحيط الهندي وغيرها.
ثانياً: الجانب الاقتصادي والإداري:
قام حزب المؤتمر برفع شعار إصلاح الأوضاع الاقتصادية والإدارية ومحاربة
الفساد، وتبنى قبل الانتخابات الأخيرة وبعدها القبول بشروط البنك وصندوق النقد
الدوليين لإصلاح الأوضاع الاقتصادية. والحديث في هذا الجانب يطول، ولذا
فسأختصره في النقاط التالية:
1-
يسلم الجميع بحاجة اليمن إلى إجراء إصلاحات اقتصادية وإدارية عميقة
نتيجة تضخم حجم الفساد في هذين المجالين، لكن الملحوظ على الإصلاحات التي
تبنّى تطبيقاتها حزب المؤتمر أنها ليست يمنية المنشأ فلم تأتِ عن طريق المخلصين
من الخبراء اليمنيين وغيرهم ممن يراعي قيم الشعب وأصوله العقدية، ويأخذ بعين
الاعتبار في إصلاحاته ضرورة التخفيف من المعاناة الاقتصادية الكبيرة للشعب،
وتحسين مستوى معيشته، ولذا فقد تم إغراق الشارع اليمني بالربا عن طريق رفع
سعر الفائدة، وطرح أذونات الخزانة، كما تم تتالي تنفيذ الجرعات الاقتصادية التي
زادت معدلات الفقر في الشارع اليمني وأحدثت نتائج سيئة كثيرة مثل: اختلال في
الأمن نتيجة تكاثر موجات السرقة وعصابات الاختلاس، وتفشي الرشوة في أجهزة
الدولة حتى وصلت إلى حد المشكلة، وما ينتج عن ذلك من إضاعة الحقوق وتوقف
النمو والاستثمار، وتفشي ظاهرة الكسب غير المشروع كالغصب وبيع المخدرات
وغيرها من الأمور الأسرع في الحصول على المال، وتفشي ظاهرة الفساد الخلقي
من أجل توفير الاحتياجات الضرورية وغيرها.
2-
أن الإصلاح الاقتصادي سبق الإصلاح الإداري، وكان نتيجة ذلك أنه لم
يتم مراعاة الأمانة والكفاءة في القيادات التي ستقوم بتحويل ذلك الشعار إلى أرض
الواقع لاعتبارات حزبية وقبلية ومصالح شخصية غالباً.
كما لم يتم إصلاح أوضاع القضاء وما فيه من الفساد، وتفعيل دور الرقابة
حتى يتم من خلال ذلك التعرف على المفسدين وإدانتهم مما يعني أن مفسد الأمس
الذي امتلك نفوذه السلطوي والاجتماعي وحصل على المال عبر بوابة الفساد هو
مصلح اليوم!
وهذا يعني أن المبالغ التي يتم توفيرها عن طريق الجرعات الاقتصادية التي
يكتوي بنارها عموم الشعب والمساعدات والقروض التي تؤخذ لدعم جهود الإصلاح
وعملية التنمية، سيقضى عليها من قِبَلِ تلك الشخصيات المتنفذة ذاتها في آن واحد، وتكون نتيجتها فقط زيادة حجم الديون، وتشويه صورة البلد أمام الجهات الداعمة، وزيادة أوضاع الطبقة الاجتماعية سوءاً وهي المتضررة من عملية التقشف
الاقتصادي وهم عامة الشعب، وحصول إحباط لدى كثير من الراغبين بإحداث
إصلاح وتنمية حقيقيين من كافة القوى السياسية والاجتماعية.
كما يعني أيضاً أمن المفسدين من أن يلحقهم أدنى محاسبة، وخصوصاً إذا
علمنا أن الحرب الضروس التي يقيمونها لتنحية كل نزيه ساع للإصلاح يعمل على
تحقيق ذلك.
ولقد أدت تلك الأمور إلى توقف الكثير من عمليات الاستثمار والتنمية،
وهروب رؤوس الأموال إلى الخارج نتيجة خوف أصحابها وقلقهم على أموالهم،
وزيادة كبيرة في معدلات البطالة في أوساط الشعب.
3-
لم يقم حزب المؤتمر عبر سياساته الاقتصادية بتأهيل العمالة عبر إقامة
المعاهد المهنية والتقنية، وتشجيع فعلي لأصحاب رؤوس الأموال على إقامة
مؤسسات وشركات استثمارية قوية في مجالات الزراعة والصيد والصناعة
والخدمات العامة وغيرها من الأمور التي تُوجِد بنية تحتية قوية وتساهم في التقليل
من معدلات البطالة المرتفعة، بل قام بمحاولة امتصاص السيولة من عامة الشعب
عبر طرح أذونات الخزانة ذات سعر الفائدة العالية وجعلها في البنوك، وفي النهاية
فإن تلك السيولة في ظل الفساد الإداري والضعف الرقابي تزيد الطين بلة.
4-
تبنى حزب المؤتمر عملية تخصيص المؤسسات العامة ذات الكلفة العالية
بدعوى التخفيف من حجم مصروفات الدولة، لكن لم يتم بيعها عن طريق طرحها
في مزاد علني بحيث يحصل عليها من هو الأقدر على القيام بها ودفع ثمنها، ولكن
جلها بيع بأسعار بخسة قد لا تسلم في نهاية الأمر لخزينة الدولة لبعض ذوي النفوذ
ووكلائهم، أو لشركات أجنبية في وجودها مصلحة لبعض القوم.
ثالثاً: الجانب الاجتماعي:
أحسب أن تغيير هوية أبناء المجتمع اليمني وتقاليدهم الإسلامية الأصيلة،
وقصر اهتماماتهم، وجعلها تدور حول كيفية توفير القوت الضروري، وتحقيق
الشباب لشهواتهم الجسدية همّ كبير من هموم علمانيي المؤتمر وأصحاب الشهوات
فيه، وهناك دلائل وسلوكيات كثيرة تؤكد ذلك، منها:
1-
استدراج كثير من العامة إلى معاداة الدعوة الإسلامية؛ فتحتَ مسمى
المجابهة الحزبية للإصلاح تم العمل على إسقاط هيبة ومكانة العلماء والدعاة وطلبة
العلم من نفوس العامة، والقيام بتجريء بعض السفهاء عليهم لغمزهم وإيذائهم،
سواء أكان هؤلاء السفهاء من المنتمين لبعض البيوتات ذات المكانة الاجتماعية، أم
من عامة الشعب. بل إن عملية التسفيه تلك تتجاوز في أحيان كثيرة الأشخاص إلى
ما يحملونه ويدعون إليه من مبادئ وقيم نسأل الله السلامة.
ولا شك أن مثل تلك أعمال ستزرع الفتنة وتولد الكراهية بين هؤلاء السفهاء
ومن خلفهم من العلمانيين ذوي النفوذ من جهة، وبين غيرهم من علماء اليمن
ودعاته وعامة الشعب من جهة أخرى، وهو مما ينذر في بلد كاليمن فيه ما يزيد
على خمسين مليون قطعة سلاح بتهديد السلم الاجتماعي ما لم يعمل عقلاء القوم على
تلافيه.
2-
يستهدف علمانيو المؤتمر المرأة اليمنية بشكل واضح، ويحرصون عبر
وسائل كثيرة على إخراجها من منزلها واختلاطها بغير بنات جنسها تحت مسمى
إعطائها حقها في الوظيفة والعمل، وتحت مسمى ممارستها لحقوقها الدستورية في
الترشيح والتصويت، وعبر تشجيع بعض المستغربات والعلمانيات على قيادة
القطاع النسائي، وتقديمهن في وسائل الإعلام على أنهن طليعة نساء اليمن وعبر
تشجيع الرياضة النسائية التي قدم لها الدعم الكبير من جهات غربية، وتم مشاركة
اليمن في الدورة الرياضة في طهران، وما لم يعطِ الإسلاميون هذا الأمر حقه من
الاهتمام، ويقوموا بقطع الطريق على القوم فإنهم سيندمون في وقت قد يكون قريباً
لا قدر الله ولكن لن يجدي فيه الندم.
3-
يدير علمانيو المؤتمر وذوو الشهوات فيه جل مؤسسات الإعلام الرسمية
والحزبية ووسائل الترفيه والرياضة والفنون، ويمارسون من خلالها أعمالاً بشعة
بحق مجتمعهم تصب جميعها في مجرى إلهاء شباب اليمن عن أن يحمل رسالة أو
هماً، وتعمل على أن تقدم له قدوات سافلة في ميزان الشرع والعقل وتقاليد المجتمع، وفي أحيان كثيرة تكون غير مسلمة وتدعوه إلى الاقتداء بها والسير حذوها.
4-
استهدفت حكومة المؤتمر إسلامية التعليم في اليمن، وعملت على إضعافه
في هذا الجانب بشكل واضح، فمن إقصاء الإسلاميين عن مواقع النفوذ داخل
وزارة التربية وإداراتها العامة، إلى تعديل المناهج وخصوصاً مواد التربية
الإسلامية والاجتماعية، إلى إقصاء مدراء ومدرسي المدارس ذوي التوجهات
الإسلامية أو التضييق عليهم والعمل على عدم أدائهم لمهامهم الإدارية والتربوية.
هذا بالنسبة للتعليم العام. أما المعاهد العلمية ومدارس التحفيظ فاستهدافها خاصة
واضح، ولذلك صور كثيرة منها: محاولة إلغائها بالكلية، ومنها دمج ميزانياتها
بميزانية التعليم العام، ومنها محاولة الإلغاء الجزئي لبعضها بحيث يتم تحويل
بعضها إلى مدارس عامة، ومنها إيكال إدارتها والتدريس فيها إلى بعض الأشخاص
غير المؤهلين أخلاقياً وتعليمياً بغرض التشويه، ولدفع أولياء الأمور إلى المطالبة
بتغييرها إلى مدارس عامة، ومنها استغلال الأخطاء التي تقع من بعض إدارات
بعض المعاهد ومدرسيها وطلابها بحيث يتم نشر تلك الأخطاء وتعميمها بغرض
التشويه والإساءة إلى سمعة المعاهد عموماً، وفي بعض المعاهد التي لا يجدي معها
ذلك يتم تسليم رواتب إداراتها ومدرسيها إلى بعض قيادات المؤتمر في منطقة المعهد
ليؤذوهم في أقواتهم وأرزاق أبنائهم، إلى غير ذلك من الأمور التي لو تمت كما
يريد لها القوم لكانت كفيلة بإفراغ العملية التعليمية والتربوية في اليمن برمتها ومنعها
أن تغرس قيمة أو تسعى لتحقيق غاية إسلامية.
5-
استهدفت حكومة المؤتمر العمل الخيري والاجتماعي الذي تقوم به
الجمعيات الخيرية الإسلامية في اليمن التي تسعى إلى مساعدة الشعب في محنته
التي يمر بها.
وعملت على تضييق الخناق على أنشطتها عن طريق أسلوب رتيب تسير فيه
معاملاتها داخل أجهزة الدولة والتي لا تكلل بالنجاح إلا بعد مضي أوقات طويلة
وتقديم رشاوى كبيرة، وعن طريق محاولة التدخل في توجيه وتسيير أنشطتها
بإيكال الإشراف عليها إلى قيادات المؤتمر في المحافظات.
6-
تقوم حكومة المؤتمر بتشجيع قدوم الأجانب إليها للسياحة، وخصوصاً
الأوروبيين والآسيويين تحت ذرائع اقتصادية، وتقوم بتوفير كافة التسهيلات
اللازمة لذلك بما فيها توفير متطلبات السياح غير المشروعة في أكثر المناطق التي
يتوافدون إليها.
ولهذه الأمور مجتمعة وغيرها أصبح المرء ينظر إلى العبث والفراغ الذي
يعاني منه الشباب، بل وكثير من كبار السن ذكوراً وإناثاً، ويشاهد ارتفاع معدلات
الجريمة الخلقية، وانتشار الخمور والمخدرات نسأل الله السلامة حتى إنها في بعض
المناطق صارت تمثل ظاهرة إن لم تصل إلى حد المشكلة، ويبدو أن إهمال
الأجهزة مواجهة هذه الظواهر إحدى وسائل حزب المؤتمر في مواجهة انتشار
الصحوة الإسلامية، وهو ما صرح به أحد المسؤولين الأمنيين في إحدى المحافظات.
رابعاً: الجانب الأمني:
المتحدثون عن الأمن في اليمن يقعون بين إفراط وتفريط؛ فطائفة تضخم
بعض حوادث الخلل الأمني، وتجعل منها الأصل، وطائفة تلغي وجود بوادر
وإرهاصات خلل قد يؤدي في النهاية لا سمح الله إلى انفراط العقد ووصول
الأوضاع إلى ما وصلت إليه في بلدان أخرى كالجزائر أو الصومال.
ويمكن القول حقيقة إن الأوضاع الأمنية في اليمن مستتبة، ولكن هناك بوادر
خلل أمني عمل حزب المؤتمر من خلال سياساته التي يقوم بها على تشجيعه
وتغذيته؛ إذ إن الأمن الحقيقي لا يتحقق إلا بإيمان عميق بالله عز وجل والدار
الآخرة يردع المرء في قرارة نفسه عن الوقوع في الخطيئة والخلل، والمؤتمر
بمجابهته الدعوة الإسلامية وأبنائها، وتشجيعه انتشار الانحراف، وتعلق الشعب
بالشهوات والملهيات، وسعيه لأن لا يحمل الشباب هموم أمتهم ورسالة ربهم التي
يجب أن يبلغوها قد ساعد على عدم تعميق الإيمان في النفوس، وبذلك يكون قد
زرع بأعماله تلك بذرة الخلل الأمني ورعاها.
كما أنه بحمايته لكثير من المفسدين وتمكينه لهم من تولي زمام الأمر،
وإصرار قيادته على عدم الإصلاح الإداري في الدولة وإعادة النظر في شؤون
الرقابة والقضاء، وإقصائه للأيدي النزيهة عن توجيه الشعب والقيام بخدمته في
كافة مناحي الحياة قد أوجد نواة القلق الأمني ونماها، ولن يتعمق الأمن في اليمن
بدون تجذر الإيمان بالله واليوم الآخر، وإيكال الأمر إلى من هو قوي أمين.
خامساً: الجانب الدعوي:
بعد انتخابات إبريل 1997م، وانفراد حزب المؤتمر بقيادة البلد، دخلت
الدعوة الإسلامية في اليمن المرحلة التي دخلتها الدعوة الإسلامية في كثير من الدول، وهي مرحلة الإيذاء للدعاة، والسعي القوي لتجفيف المنابع، والانتقال من مرحلة
الانتشار إلى مرحلة الدفاع، وحماية الأنفس والمكتسبات.
والدعوة الإسلامية في اليمن كما هي في كل مكان مستهدفة من أعدائها في
الداخل والخارج، ولذا نجد بأن أمانة المؤتمر والكثرة الكاثرة من قيادييه الذين
يقعون على سلم السلطة يقومون بمهمة الكيد للدعوة وأبنائها ومكتسباتها إرضاء لكثير
من القوى الدولية المتربصة بالإسلام ودعاته، وتمهيداً لتحقيق مآربهم وأطماعهم
الذاتية، التي لن يقف حجر عثرة أمام نَيْلها إلا علماء الإسلام ودعاته الغيورون
لتحقيق ذلك الهدف، بسلوك سبل وطرق مختلفة، منها:
1-
إبعاد أبناء الدعوة الإسلامية والمتعاطفين معهم من عامة الشعب عن تولي
زمام وزارات الأوقاف والإرشاد والتربية والعدل؛ فكيف بوزارات الإعلام والثقافة
والرياضة والشباب والسياحة، وغيرها من وزارات التوجيه والتأثير على الرأي
العام.
2-
إفساح المجال أمام المبتدعة من صوفية ورافضة وباطنية للعمل من خلال
المؤسسات الرسمية كوزارات الأوقاف والإرشاد والعدل، والجامعات والكليات
الأهلية والمعاهد العليا ومراكز البحوث ووسائل الإعلام المختلفة والتعليم الأهلي
العام بكافة مستوياته.
وما لم ينتبه أبناء الدعوة الإسلامية وكافة أهل السنة لخطورة الأمر، ويقوموا
بإعطائه ما يستحق من اهتمام، وما يليق به من جهد ومال فإن اليقظة البدعية في
اليمن، وهي التي تملك أرضاً وقوة وتاريخآً وحماية ستجتاح كثيراً من المواقع،
وعلى وجه الخصوص حين تصب جهودها في خدمة علمانيي المؤتمر الذين لن
يبخلوا عليها بحماية أو جهد أو حتى مال.
ومن دلائل التنسيق بين الفئتين أن قيادة المؤتمر قد اتخذت رموز المبتدعة من
صوفية ورافضة واجهات إسلامية لها في كثير من المواقع والمناطق لتجابه بهم
جهود علماء الصحوة ودعاتها حين يحتاج الأمر إلى رفع راية إسلامية أمام عامة
الشعب.
3-
منع بعض الدعاة من الانتقال للدعوة خارج مساجدهم ومدارسهم بعد
أحداث التفجيرات الأخيرة، التي أرجعت بعض القيادات الأمنية تهمة الضلوع بها
لجهات خارجية، والبدء في تحجيم حرية الكلمة والقيام بواجب الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر على ضعف شديد من الدعاة في القيام به، ومنع القيام بممارسة
بعض الأنشطة الدعوية في بعض المواقع.
4-
اشتراء ذمم بعض العلماء والدعاة وأبناء الصحوة وإغراؤهم بالأموال
والمناصب ليتحول كثير منهم أداة طيعة بيد القوم لضرب إخوانهم الدعاة.
وحين لا يجدي الإغراء يمارس التهديد والإيذاء، ويتم تسليط الآخرين عليهم
من مشايخ قبائل وسفهاء وأجهزة أمنية.
5-
إنشاء دائرة الدعوة والإرشاد داخل حزب المؤتمر، والسعي إلى استقطاب
بعض المشايخ والدعاة وأئمة المساجد ليمثلوا قاعدة إسلامية للمؤتمر في أوساط
الشعب، وليتم تحسين أعمال المؤتمر وتسويغ مواقفه إسلامياً.
6-
المساعدة على زرع وتجذير الخلاف بين الفصائل الدعوية، والقيام
بتسليط بعضها على بعض من أجل زوال الثقة بينهم، وعدم اجتماع كلمتهم على
مواقف موحدة، فكيف بالوحدة؟ والملاحظ أن المستهدف من علمانيي المؤتمر
وقيادته اليوم بالدرجة الأولى هو حزب الإصلاح والعلماء والدعاة المنضوون تحته،
ولذا نجد أن التضييق عليهم أشد، والمحنة إليهم أقرب، والسعي إلى تجفيف
منابعهم أسرع، لكونهم الأوسع انتشاراً والأكثر نفوذاً وفاعلية، وفي المقابل نجد
إعطاء المجال لأفراد من السلفيين للعمل، والقيام بدعم أنشطتهم معنوياً، والثناء
عليهم وعرض تقديم الخدمات والحماية والتمكين لهم.
وفي ظني أن الدعاة ما لم يتقوا الله فيجتمعوا على كلمة سواء فإن الفتن
ستتوالى عليهم واحدة تلو أخرى، وستقول كل فئة يوم يحل البلاء بها: أُكِلْتُ يوم
أُكِلَ الثور الأبيض؛ إذ المستهدف من القوم الإسلام ذاته، لا فئة من علمائه ودعاته
فحسب.
7-
اختراق طوائف الدعاة وغرس بعض منسوبي الأجهزة في صفوفهم
للرصد أولاً، ولزعزعة ثقة الداعية بأخيه في الطائفة نفسها ثانياً، ولإحلال الخوف
وبث الذعر في نفوس الدعاة ثالثاً، وللقيام بأعمال يستنكرها المجتمع يتم إلصاقها
بالدعاة وطلبة العلم رابعآً. وفي ظني أن أول الخاسرين من جراء هذه الأعمال
الشنيعة، والسياسات السيئة، والسلوكيات غير المقبولة هي زعامة المؤتمر نفسه؛
إذ هي بإقرارها لذلك تعمل على تهديد السلم الاجتماعي والاستقرار الذي تنعم به
البلاد نسبياً، كما أنها بذلك تفقد ورقة كانت تقارع بها أعداءها أزمة بعد أخرى
وأحداث 1979م، و1994م خير شاهد، وإن تراءى لها أن الأمر قد سلم لها فغير
صحيح؛ إذ الأحداث في المنطقة تتوالى، والأيام حبلى بكل جديد.
أسباب ساعدت المؤتمر على تطبيق سياساته:
هناك العديد من الأسباب التي ساعدت المؤتمر على تطبيق سياساته، أذكر
منها:
1-
نسيان الكثيرين للآخرة وركونهم إلى الدنيا، وما ينتج عن ذلك من كثرة
الذنوب والمعاصي وتفشي المنكرات، والابتعاد عن دين الله عز وجل إذ ما نزل
بلاء إلا بذنب، ولارفع إلا بتوبة.
2-
تفرق الدعاة والمصلحين، وفساد ذات بينهم حتى صار بأسهم بينهم شديداً، وصارت هموم كثير منهم وجهودهم مقتصرة على كيفية القضاء على جهود الدعاة
الآخرين ومنافحتهم والوقيعة بهم. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
3-
عدم تصدي الدعاة للمنكرات العامة بشكل جاد وقوي، وترك القيام
بتحذير العامة منها وبيان خطرها الدنيوي والأخروي على الأفراد والمجتمعات
بالصورة المطلوبة.
4-
ضعف توعية الجماهير ودعوتهم، وعدم تفرغ طائفة من أهل العلم
والدعوة لتعليمهم أمور دينهم بتفصيل وعمق، وحثهم على الاستمساك بالدين في
كافة مناحي حياتهم الفردية والاجتماعية.
والاكتفاء بالطرح السطحي لأحكام الإسلام، وفي معظم الأحيان يتم الاكتفاء
بالتغني بأمجاد الأسلاف، وإيراد النصوص والمآثر الشرعية الواردة في فضل اليمن
وأهلها والتي من الواجب أن تكون دافعة إلى التعلم والعمل بالدين؛ لا أن تكون
معطلة عن ذلك، ومقعدة لكثير عن القيام بالمحاسبة والتصحيح وفق النصوص
الشرعية.
5-
عدم تمايز بعض من الدعاة عن حزب المؤتمر وقيامهم بإضفاء الشرعية
الإسلامية عليه وترديد أن الاختلاف معه اختلاف برامج لا مناهج، مع أنه لا يرفع
شعار الإسلامية إلا في نطاق ضيق جداً، وفي أوقات الأزمات والمحن، والحقيقة
أن اختلاف الدعاة مع حزب المؤتمر في المناهج والبرامج لا في البرامج فحسب.
وقد يكون عذر طائفة من الدعاة القول بأن تمايز الصفوف مع المؤتمر سيؤجج
الصراع، وهو كذلك؛ ولسنا ندعو إلى ذلك إلا أنه ينبغي إدراك أن الظروف
بالنسبة للإسلاميين تسير من سيئ إلى أسوأ، وأن ما لم يُقَل اليوم فالظاهر أنه لن
يقال الغد، مع أن تأخير البيان في هذا الجانب بالذات لا يجوز؛ إذ الشعب
مستهدف من الصراع بين قوى الخير والشر، ولا بد من بيان جوهر الخلاف
وحقيقته للشعب حتى يحذر وينجو؛ وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز؛ لأن
نتيجة ذلك ازدياد الداخلين في ركب الظلام وموجه يوماً بعد آخر.
6-
تضخيم بعض كبار الدعاة لحجم التعديلات الدستورية، وهي مع أهميتها
إلا أن الواجب إدراك أنها بقيت في الإطار النظري، ولم يتم تحويل خطط البلاد
وسياساتها الداخلية والخارجية المطبقة لتتوافق مع تلك التعديلات، بل إن المتأمل لا
يشاهد فروقاً واقعية بين فترة ما قبل التعديلات، وما بعدها، بل يرى أن الأمور
متجهة نحو الأسوأ فترة بعد أخرى.
فكيف يليق ببعض الدعاة عفا الله عنهم الزعم بزوال الأحزاب العلمانية بمجرد
ذلك التعديل، والقول بأن الواقع صار إسلامياً ولم يبق إلا أخطاء في الممارسة
والتطبيق؟ !
7-
قوة المؤتمر وتلقيه دعماً خارجياً تنظيمياً ومالياً، وامتلاكه كافة قدرات
الدولة البشرية والمالية والإعلامية وجعلها تحت سيطرته، واستغلاله كل ذلك في
تحقيق أهدافه وتطبيق سياساته.
وأخيراً: فإن الأمور في اليمن في ظل حكومة المؤتمر تتردى، والأحوال
تتبدل من سيئ إلى أسوأ، وقد تصل الحال إلى حد المأساة إن تمادت قيادة الحزب
وعلمانيوه في غيهم، ولا عاصم من ذلك إلا عودة الشعب الصادقة إلى الله،
واجتماع كلمة الدعاة ومواقفهم، وقيامهم بقدر استطاعتهم وفق ضوابط الشرع
وقواعده بما أوجب الله عليهم القيام به من إصلاح ومعالجة.
نسأل الله أن يلهم اليمنيين رشدهم، وأن يريهم الحق حقاً ويرزقهم اتباعه،
والباطل باطلاً ويرزقهم اجتنابه، والله من وراء القصد.
المسلمون والعالم
حِلم العرب.. وأحلام اليهود
(2من2)
إسرائيل الكبرى.. من يسابق من؟
عبد العزيز كامل
هناك اتفاق بين الساسة المتنفذين في الدولة العبرية على أن العمل لاستكمال
(مشروع إسرائيل الكبرى) هدف كبير واعد، ولكنه بعيد آجل، ولا بد من الوصول
إليه عبر مراحل في الزمان والمكان.
غير أن هناك مفهومين سائدين ومختلفين في الوسيلة التي يمكن من خلالها
الوصول إلى تنفيذ هذا المشروع، وأحد هذين المفهومين يتبناه الصقور وتمثلهم
(كتلة الليكود) التي تضم بعض الأحزاب اليمينية والدينية، والآخر يتبناه (الحمائم)
ويمثلهم (حزب العمل) الذي يضم يساريين وليبراليين. وبأدنى قدر من الفهم
يستطيع المراقب لسياسات الاتجاهين أن يدرك أنهما يتبادلان الأدوار على حسب ما
تقتضيه المرحلة في كل ظرف. لكن الحزبين في النهاية يعملان لأهداف مشتركة
وإن اختلفت الوسائل.
أما المفهوم الأول: وهو الذي تتبناه كتلة الليكود في عملها لصالح ذلك
المشروع، فيعتمد على المفهوم (الهرتزلي) في ذلك؛ حيث قال هرتزل للمستشار
…
الألماني (هوهنكر) حين سأله عن الأرض التي يريد: (سنطلب ما نحتاجه، وتزداد
المساحة المطلوبة مع ازدياد السكان) [1] وهذا يعني أن باب التوسع مفتوح
…
...
دائماً
…
وقد سار (بن جوريون) أول رئيس لدولة اليهود على الخط نفسه، وعبر عن ذلك بقوله:(حدودنا حيث يصل جنودنا)[2] .
فالقوة وسياسة الأمر الواقع هي السبيل الأوحد للوصول إلى الهدف.. في
نظر بن جوريون! وقد كان هذا الرجل يشخص ببصره نحو (إسرائيل الكبرى) ..
في مبدأ إنشاء الدولة على أرض محدودة عام 1948م يقول: (إن الصهيونية حققت
هدفها في الرابع عشر من مايو 1948م ببناء دولة يهودية أكبر مما كان متفقاً عليه
في مشروعات التقسيم وبفضل قوات (الهاجاناه) . وليست هذه نهاية كفاحنا، بل إننا
اليوم قد بدأنا، وعلينا أن نمضي لتحقيق قيام الدولة التي جاهدنا في سبيلها من النيل
إلى الفرات) ! [3]
وسار على الدرب نفسه (ليفي إشكول) فخاض حرب عام 1967م لقضم أكبر
قطعة من أرض (إسرائيل الكبرى) وقد بدأ يكثف حديثه علناً عن هذا المشروع منذ
شهر أكتوبر عام 1967م، ويشاركه فيه دايان وآلون وكبار الحاخامين وزعماء
الأحزاب.
والمرأة التي كانت تفخر بأن يقال لها: (أنت أقوى رجل في إسرائيل) (جولدا
مائير) كانت تؤمن بالأسلوب نفسه فيما يتعلق بالعمل لصالح (إسرائيل الكبرى) وقد
قالت في خطاب لها: (إن إسرائيل يجب أن تكون دولة وقوة عظمى في الشرق
الأوسط، لها حق التصرف كما تريد) [4] وجاء بعدها مناحم بيجن فكان صريحاً
فصيحاً في التعبير عن النوايا اليهودية تجاه أرض إسرائيل (الكاملة) . يقول بيجن
في كتابه (الثورة) : (منذ أيام التوراة، وأرض إسرائيل تعتبر أرض الأمم لأنبياء
إسرائيل، وقد سُميت هذه الأرض فيما بعد (فلسطين) ، وكانت تشمل دوماً ضفتي
نهر الأردن ولبنان الجنوبي وجنوبي غرب سورية.. إن تقسيم الوطن عملية غير
مشروعة، وإن تواقيع الأفراد والمؤسسات على اتفاقية التقسيم باطلة من أساسها،
وسوف تعود أرض إسرائيل إلى شعب إسرائيل بتمامها إلى الأبد) [5] وقد أشار
محمد كامل وزير الخارجية المصري الأسبق في كتابه: (السلام الضائع في كامب
ديفيد) إلى أن برنامج حزب (حيروت) ضمن كتلة الليكود، بزعامة بيجن كان يقوم
على أساس السعي لإقامة إسرائيل الكبرى [6] .
أما شامير، زعيم الليكود بعد بيجن، فكان أصرح وأفصح الزعماء في
الإعلان عن قيمة مشروع (إسرائيل الكبرى) في الفكر والوجدان اليهودي.
قال ذات مرة وهو يخاطب أحد الصحفيين: (إن (إسرائيل الكبرى) هي
عقيدتي وحلمي شخصياً، وبدون هذا الكيان لن تكتمل الهجرة، ولا الصعود إلى
أرض الميعاد) [7] . وقد فاز في الانتخابات الإسرائيلية لمنصب رئاسة الوزراء
بسبب برنامجه الهادف إلى السعي من أجل إسرائيل الكبرى.
وجاء اليهودي الليكودي الجَلْد (نتنياهو) ليمثل مرحلة ساخنة على طريق
السعي اليهودي المسعور نحو (إسرائيل الكبرى) . لقد ولد نتنياهو ونشأ في بيئة
تغلب عليها أفكار حزب (حيروت) العقل الأيدولوجي لتكتل ليكود، ولذا فمن البدهي
أن يكون تأييده لمبادئ الحزب جزءاً من طبيعته ونشأته وتفكيره، وتلك المبادئ
يأتي على رأسها حقهم المزعوم في (إسرائيل الكبرى) .
وقد انتخب نتنياهو عام 1996م تأييداً لبرنامجه الانتخابي القائم على عدم
التنازل عن شبر من أرض إسرائيل المستعادة، وهو بالطبع يطمع في ترشيح نفسه
لرئاسة ثانية في انتخابات عام 2000م، وهو أيضاً لن يستطيع أن يقدم نفسه
للناخبين مرة ثانية إلا وهو في موقع المحافظ على وعوده الانتخابية للمرة الأولى
ومنها عدم التنازل عن الأرض والسيادة، لا في جنوب لبنان ولا في الضفة ولا
القطاع ولا في الجولان، والتحالف القائم الآن بين الأحزاب اليمينية اختار له اسم
هو: (أرض إسرائيل) .
المفهوم الثاني: ويرتكز على فهم خاص لدى بعض ساسة اليهود، مؤداه أن
الشعب اليهودي لن يستطيع أن يسيطر على ما حوله من الشعوب إلا بالدهاء
والحيلة والقوة بأشكالها المختلفة، بحيث تعوض هذه القوة الكيفية، الضعف الكمي
عندهم، وفي هذا يقول بن جوريون مخاطباً الشعب اليهودي: (لقد ذكر أنبياؤنا منذ
أكثر من ثلاثة آلاف سنة أنكم أقل الشعوب جميعاً، ولذلك يجب على شعب إسرائيل
أن يكون شعب قدرات وتفوق، بحيث يستطيع أن يقف أمام شعوب أكبر منه) [8] .
…
وحزب العمل كان ولا يزال يتبنى هذا المفهوم، ولعل من أبرز المتحمسين
لهذا المسلك، حمامة السلام المفترسة (شمعون بيريز) تلك الشخصية الأفعى، التي
تصدت دائماً لمشروعات امتصاص دماء الشعوب المحيطة وابتزازها. إما
بالترغيب، عن طريق مشروعات السلام الوهمي، أو بالترهيب عن طريق
الترسانة النووية التي يُعد مهندسها وأبوها الروحي.
ما مفهوم شمعون بيريز لمشروع إسرائيل الكبرى؟
لقد كان شمعون بيريز ينادي دائماً بـ (إسرائيل العظمى) أولاً، قبل إسرائيل
الكبرى، بمعنى أن تستكمل الدولة اليهودية أسباب القوة لتصبح قوة عظمى، ثم
تستكمل بعد ذلك المساحة لتكون أرضاً كبرى.
وهو يسير على محورين للتوصل إلى تلك الغاية، أولهما: السعي لزيادة قوة
الدولة اليهودية دون أدنى خضوع لعقبات أو عراقيل تفرضها الأوضاع أو الأعراف
الدولية، والثاني: العمل على توهين وإضعاف قوة البلاد العربية المجاورة بكل
وسيلة ممكنة، واستغلال أسباب قوتها ومصادر مواردها لغير صالح شعوبها.
وقد برهن عملياً على هذين المسلكين، فهو في نظر اليهود (بطل) القوة
النووية الإسرائيلية وراعي مسيرتها منذ البداية حتى النهاية. وهو من جهة أخرى
عرّاب عمليات السلام مع العرب في مرحلة ما بعد كامب ديفيد، وهو واسطة
الوصول للمأمول عبر (القنوات السرية) في أوسلو الأولى والثانية ووادي عربة.
وعندما أعلن عن خططه لعمليات السلام في عام 1991م برز حرصه كأي
زعيم صهيوني على قضية أمن اليهود وتحصينهم ضد الأخطار العسكرية وكذلك
الأخطار الاقتصادية التي ليست بأقل في نظره من الأخطار العسكرية.
أما الأخطار العسكرية فقد كفاهم إياها بمنجزاته النووية، وأما الأخطار
الاقتصادية، فقد اختار لمواجهتها طروحاته شرق الأوسطية؛ حيث دعا إلى
مشروع يهدف إلى جعل الدولة العبرية جزءاً من نسيج المنطقة المحيطة بها، بحيث
تتمدد في جسدها سرطانياً لتقتلها ببطء وترث تركتها بأمان!
اعتبر (شمعون بيريز) أن مشروع (الشرق أوسطية) يمكن أن يقوم على تكامل
الطاقات: المياه التركية والسورية والعراقية
…
الأيدي العاملة المصرية
والفلسطينية
…
الأسواق والثروة النفطية الخليجية مع الخبرة والذكاء و (الألمعية)
الإسرائيلية لإنشاء الشرق الأوسط الجديد..!
لماذا الشرق الأوسط؟ ! وهل الشرق الأوسط إلا تسمية أخرى حداثية لـ
(أرض الميعاد) وما حولها؟
لقد اعتبر بيريز أن أنهار المنطقة الرئيسية: (النيل، والفرات، والأردن،
ودجلة) بحاجة إلى مشروع (إقليمي) لتنظيمها وتحقيق الاستفادة منها، وكذلك
الثروات الأخرى بما فيها (السياحة) ، سواء كانت سياحة دينية أو مدنية.
ولا شك أن إسرائيل الطامعة في الإشراف على تلك المشروعات الشمعونية
الإقليمية كانت تتطلع إلى عقد معاهدات صلح مع كل جيرانها العرب تتمكن خلالها
من تحقيق مآربها في أن تصبح جزءاً من نسيج المنطقة، أو بالأحرى تصبح
المنطقة جزءاً من نسيجها وساحة لتحقيق أهدافها، وفي مقابل هذا
…
أو لتحقيق
هذا؛ لا ضير على إسرائيل على حد تعبير بيريز أن تترك للعرب (بعض)
الأراضي مقابل سلام قد يعده البعض تنازلاً عن الحق التاريخي والديني في أرض
إسرائيل، وهو من وجهة نظره قيام بواجب تاريخي تجاه مصلحة إسرائيل!
فما هو هذا الواجب؟ يقول: (إنها بذلك تكون قد أدت واجبها تاريخياً بحماية
طابعها الخاص من الإفساد والتشويه) ويقصد طبعاً الوضع الناجم عن وجود
الفلسطينيين بين الإسرائيليين ضمن كيان واحد؟ وبعد أن يتم (تطهير) الجسم
الإسرائيلي من العناصر غير الإسرائيلية وتضع إسرائيل يدها على المواقع المهمة
في الضفة الغربية المنزوعة السلاح، وتعقد الصلح مع الجيران، بعدها تدخل في
علاقات أعمق مع الدول المحيطة، وعندما تحقق إسرائيل هذا المشروع المتعدد
والمتداخل الحلقات؛ فإنها تكون قد وضعت رجلها حقاً في رأي شمعون بيريز على
طريق (إسرائيل الكبرى) .
ويتساءل بيريز: (ماذا ينفع إسرائيل في هذه المرحلة لو ضمت الأراضي
الواسعة وخسرت بالمقابل يهوديتها وخصائصها؟ وماذا يضيرها لو أنها تخلت عن
مساحات صغيرة من الأرض (وهي تحت سلطانها الفعلي) لقاء تحولها من كيان
محاصر ومعزول إلى قوة إقليمية عملاقة؟)
ويخلص بيريز إلى تلخيص رؤية حزب العمل فيما يتعلق بـ (العمل) لصالح
إسرائيل الكبرى فيقول: (إن إسرائيل تواجه خياراً حاداً بين أن تكون (إسرائيل
الكبرى) اعتماداً على عدد العرب الذين تحكمهم، أو تكون (إسرائيل الكبرى)
اعتماداً على حجم واتساع السوق الواقعة تحت تصرفها) .
ويهاجم بيريز مفهوم حزب الليكود القائم على اعتبار ضم الأراضي هدفاً في
حد ذاته، فيقول: (إسرائيل الكبرى بمفهوم ليكود ستضم الفلسطينيين والعرب،
فيمثلون جسمها، وتظل حبلى بالمشاكل والاضطرابات، وتبقى عرضة للمجابهات
المسلحة مع الجيران والتوتر في علاقاتها الاقتصادية المتقلبة، والانخفاض في عدد
المهاجرين إليها) .
إنه بهذا الكلام لا يتخلى عن (إسرائيل الكبرى) كهدف، ولكنه ينتقد أسلوباً
ومفهوماً مغايراً في تحقيق هذا الهدف، إنه لا يريد حكم الفلسطينيين والعرب،
ولكنه يريد التحكم فيهم والسيطرة عليهم. عبر (الشرق أوسطية) التي ستوضع كما
قال تحت إمرة إسرائيل ورهن تصرفها باعتبارها الكيان الأكثر تطوراً..
فطريق حزب العمل إلى (إسرائيل الكبرى) يمر عبر الدبلوماسية واللياقة التي
تستند إلى التهديد الدائم بالرعب النووي الرابض في صحراء النقب! ولهذا كان
بيريز في آخر فترات توليه المسؤولية وزيراً للخارجية في وزارة رابين الهالك؛
كان لا يكف عن استشراف إمكانات تحقيق حلمه لحكم العرب عن طريق تقمص
شخصية (التاجر اليهودي الجشع) بدلاً من (اليهودي الإرهابي الدموي) .
فكان يتنقل بين العواصم العربية داعياً للسلام، من الرباط إلى مسقط!
إن الفارق بين المفهومين في نهاية المطاف أعني مفهوم حزب الليكود وحزب
العمل هو بين زعامة أكولة عجولة نهمة، تريد أن تأكل العرب بيديها وأسنانها
وأرجلها أيضاً، وبين زعامة تتعالى في أناقة أَنِفَةٍ فلا تحب أن تأكل العرب إلا
بالشوكة والسكين!
إن هناك إذن سباقاً محموماً بين اليهود واليهود، للوصول إلى غرض مشترك
مقصود، بالحرب لا بأس، فحزب العمل مستعد لخوضها إذا كان ذلك ما تقتضيه
المرحلة، وبالسلام أيضاً لا بأس، فحزب الليكود مستعد للاشتراك فيها إذا كان في
السلام خدمة للمرحلة. ونحن لا ننسى أن رئيس الأركان في حرب عام 1967م
كان هو (رمز السلام) في نظر العرب إسحاق رابين، بينما تم التوقيع على اتفاقية
كامب ديفيد (للسلام) في عهد الليكودي المخضرم مناحيم بيجن، وجاء من الليكود
أيضاً (شامير) راوي الأساطير في مباحثات مدريد (للسلام) !
نعم
…
السلام، فالسلام في مفهوم اليهود هو مرحلة الإعداد لمزيد من
الحروب. وإذا كان لا بد من سلام حقيقي فهو لليهود؛ فحسب قول مناحيم بيجن:
(لن يكون سلام لشعب إسرائيل ولأرض إسرائيل حتى ولا للعرب، ما دمنا لم
نحرر وطننا بأجمعه بعد، حتى لو وقّعنا معاهدات صلح) [9] .
وتأمل أيها القارئ في تلك التوصية التي صدرت منذ أكثر من أربعة عقود
عن أحد مؤتمرات اليهود تحت عنوان: (الحاخام (جوهاشيم برنز) يشرح وثائق
المخطط الأخير) .. جاء فيها: (التخطيط المتفق عليه سهل في مظهره وفي تنفيذه،
ولا يعرض من يعملون لتحقيقه إلى أي نوع من الخطر، وكل ما في الأمر يتلخص
في كتمان القصد من الدعوة لهذا المخطط حتى لا يكتشفه أحد، ولقد أطلق على هذا
المخطط اسم: (مخطط السلام) . والعمل على تحقيقه لا يتطلب منا سوى الإلحاح
والمثابرة على الدعوة للمحافظة على السلام، والقصد منه ذو شقين:
أحدهما: الحصول على الوقت اللازم لنا ولحلفائنا لكي نتمكن من تسليح
جيوشنا وتقوية أجهزتنا الحربية؛ لأننا في هذا الوقت لم نستكمل العدة لخوض
حرب عالمية ثالثة تكفل لنا النصر.
وأما الشق الأخر: فهو سباق التسلح السائد الآن لدى الدول المعادية لنا
ولحلفائنا، وإرغام الدول على تدمير أسلحتها الذرية وتخفيض جيوشها، وقتل
الروح العسكرية في الأوساط الشعبية، ودفع الجماهير إلى غير الجندية وتنفيرهم
منها، بينما سنثابر نحن وحلفاؤنا على التسلح إلى أبعد مدى مستطاع.
ولكي نتوصل إلى تحقيق هذه الأهداف، عليكم العمل دون هوادة على دعوة
الناس إلى مناصرة السلام، وتسفيه كل منهاج أو رأي يدعو إلى التسلح، والهجوم
على كل من يناصر الجندية، وإثارة الإنكار على كل مشروع دفاعي، وتحريض
الناس على الامتناع عن الإسهام في الأغراض العسكرية، والتنديد بما ينفق في
أمور الحرب.
أيها الإخوة
…
ربما استغرب أحدكم انقلابنا المفاجئ وسأل عن الأسباب التي
دفعتنا إلى أن نكون دعاة سلم بعد أن كنا دعاة حروب وثورات، واعلموا إذن أن
الأسباب التي حملتنا في الماضي على إشعال نار الثورة الفرنسية ثم الثورة الروسية، ولافتعال الحربين العالميتين، هي نفسها تدفعنا اليوم إلى الدعوة إلى السلام لأول
مرة في التاريخ، وما هذه الأسباب بخافية عليكم، فهي ما تعرفونه من أهدافنا
الخاصة التي يتطلب تحقيقها تجريد خصومنا من أسلحتهم ريثما نتمكن من التسلح
والتأهب لجولاتنا القادمة.
وعندما نتيقن من نجاح مخططاتنا هذه؛ ستكون ساعة الصفر قد أزفت،
فتزحف جيوشنا إلى الميادين المعينة لها، وتقضي سريعاً على مقاومة أعدائنا التي
ستكون حتماً هزيلة، ونزيل الدول المنهارة عن طريقنا، ثم نعلن للعالم انتصارنا،
ونفرض سيادتنا تحت ظل دولتنا الموحدة وعلمها ذي النجمة المقدسة) [10] .
ولقد تهافت العرب على هذا السلام المبيت بليل، تهافت الفراش على النور
المنبعث من النار، وهرولت وفودهم في دهاليز وسراديب المفاوضات السرية
والعلنية، لتقامر بمستقبل الأمة، وتجعله رهينة اتفاقات (رسمية)(دولية) ملزمة،
لا تُلزم جيلنا فحسب، بل تُلزم وتُخضع أجيالاً قادمة..
عجباً لشأن ذلك المفاوض العربي (العلماني) وهو يسارع الخطا في طريق
الظلمات.. ما أغفله وما أجهله وما أعرض قفاه وهو يطاوع اليهود ناقضي العهد
وناكثي الوعود، ألم يسمع لقول الله عنهم [أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بَلْ
أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ] [البقرة: 100] .
فإلى متى هذا الحِلْم الطويل يا بني إسماعيل، على ذاك الحُلم الكبير لبني
إسرائيل..؟ ! وهل سنظل في الحلم حالمين حتى نكون رعايا في (إسرائيل
الكبرى) ؟ !
(1) مذكرات هرتزل (2/702) .
(2)
حياة بن جوريون ص327.
(3)
المصدر السابق.
(4)
صحيفة معاريف الإسرائيلية (29/10/1972م) .
(5)
(الثورة) لمناحيم بيجن ص 325.
(6)
(السلام الضائع في كامب دفيد) لمحمد كامل ص27.
(7)
جريدة الحياة، عدد (10475) .
(8)
أخطر من النكسة ص102.
(9)
كتاب (الثورة) لمناحيم بيجن (235) .
(10)
نشرة الصليب والعلم الدورية الصادرة عام 1955م.